ج11.وج12.كتاب الزواجر عن اقتراف الكبائر أحمد بن محمد
بن حجر المكي الهيتمي
== وَصَلَ إلَيْهِ مِنْهُمْ ، فَهَذَا يُغْتَفَرُ لَهُ
الْإِغْرَاقُ فِي الثَّنَاءِ ؛ لِأَنَّهُ يُرَادُ بِهِ إظْهَارُ الصَّنْعَةِ
وَجَوْدَةُ النَّظْمِ .
وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : إذَا كَانَ الْمُكْتَسِبُ
بِالشِّعْرِ إذَا أُعْطِيَ مَدَحَ وَلَا يَذُمُّ إذَا مَنَعَ وَيَقْبَلُ مَا
وَصَلَ إلَيْهِ عَفْوًا فَهُوَ عَلَى عَدَالَتِهِ وَقَبُولِ شَهَادَتِهِ ا هـ .
وَهَذَا حَسَنٌ صَحِيحٌ ا هـ .
كَلَامُ الْأَذْرَعِيِّ وَبِمَفْهُومِ مَا ذَكَرَهُ عَنْ
الْمَاوَرْدِيِّ وَاسْتَحْسَنَهُ يَتَأَيَّدُ مَا ذَكَرْته فِي التَّرْجَمَةِ .
وَقَالَ أَيْضًا : لَوْ كَانَ الشَّاعِرُ يَمْدَحُ
وَيُطْرِي فَإِنْ أَمْكَنَ حَمْلُهُ عَلَى ضَرْبِ مُبَالَغَةٍ جَازَ وَإِلَّا
كَانَ كَذِبًا مَحْضًا عَلَى مَا قَالَهُ عَامَّةُ الْأَصْحَابِ ا هـ .
وَاخْتَلَفَ الْأُدَبَاءُ وَغَيْرُهُمْ فِي أَنَّ
الْأَوْلَى فِي الشِّعْرِ الْمُبَالَغَةُ أَوْ ذِكْرُ الشَّيْءِ عَلَى حَقِيقَتِهِ
، فَقِيلَ الْمُبَالَغَةُ أَوْلَى ، وَقِيلَ : عَدَمُهَا وَذِكْرُ الشَّيْءِ عَلَى
حَقِيقَتِهِ أَوْلَى لِيُؤْمَنَ الْكَذِبُ وَعَلَيْهِ حَسَّانُ وَغَيْرُهُ ، وَقِيلَ
؛ إنْ أَدَّتْ إلَى مُسْتَحِيلٍ تُرِكَتْ وَإِلَّا فَهِيَ أَوْلَى .
وَخَرَجَ مِمَّا ذَكَرْته فِي التَّرْجَمَةِ إنْشَاءُ
الشِّعْرِ وَإِنْشَادُهُ إذَا خَلَا عَمَّا فِي التَّرْجَمَةِ فَلَا بَأْسَ بِهِ ،
فَقَدْ كَانَ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شُعَرَاءُ يُصْغِي إلَيْهِمْ
كَحَسَّانَ ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَوَاحَةَ ، وَكَعْبِ بْنِ مَالِكٍ ،
وَاسْتَنْشَدَ مِنْ شَعْرِ أُمَيَّةَ بْنِ أَبِي الصَّلْتِ مِائَةَ بَيْتٍ رَوَاهُ
مُسْلِمٌ ، وَاسْتَنْشَدَ الشَّعْرَ وَأَنْشَدَهُ خَلَائِقُ مِنْ الصَّحَابَةِ
وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ
.
وَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ قَرَأْت شِعْرَ الْهُذَلِيِّينَ
عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ إدْرِيسَ يَعْنِي الشَّافِعِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ،
وَفِي حِفْظِ دَوَاوِينِ الْعَرَبِ أَبْلَغُ مَعُونَةٍ عَلَى مَعْرِفَةِ
الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ .
وَرَوَى الْبُخَارِيُّ { إنَّ مِنْ الشِّعْرِ لَحِكْمَةً } .
وَرَوَى الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مُرْسَلًا
: { الشِّعْرُ كَلَامٌ حَسَنُهُ حَسَنٌ وَقَبِيحُهُ قَبِيحٌ } أَيْ أَنَّ كَوْنَهُ
شِعْرًا غَيْرُ مُسْتَقْبَحٍ بَلْ هُوَ
كَالْكَلَامِ
.
قَالَ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ : وَحِفْظُ مَا تَدْعُو
الْحَاجَةُ إلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ مُتَأَكَّدٌ ؛ لِأَنَّ مَا أَعَانَ عَلَى
الطَّاعَةِ طَاعَةٌ ، قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَفَضْلُهُ عَلَى الْكَلَامِ أَنَّهُ
سَائِرٌ أَيْ بِالرَّاءِ خِلَافًا لِمَنْ صَحَّفَهُ وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ يَثْبُتُ
فِي الدَّوَاوِينِ وَيُدَرَّسُ بِخِلَافِ النَّثْرِ .
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَمَا أَحْسَنَ قَوْلَ
الْمَاوَرْدِيِّ : الشِّعْرُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ مُسْتَحَبٌّ وَمُبَاحٌ
وَمَحْظُورٌ ، فَالْمُسْتَحَبُّ مَا حَذَّرَ مِنْ الدُّنْيَا وَرَغَّبَ فِي
الْآخِرَةِ أَوْ حَثَّ عَلَى مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ ، وَالْمُبَاحُ مَا سَلِمَ
مِنْ فُحْشٍ أَوْ كَذِبٍ ، وَالْمَحْظُورُ نَوْعَانِ كَذِبٌ وَفُحْشٌ وَهُمَا
جُرْحٌ فِي قَائِلِهِ ، وَأَمَّا مُنْشِدُهُ فَإِنْ حَكَاهُ اضْطِرَارًا لَمْ
يَكُنْ جُرْحًا أَوْ اخْتِيَارًا كَانَ جُرْحًا .
ا هـ
.
وَتَبِعَهُ الرُّويَانِيُّ عَلَى ذَلِكَ ، وَلَا شَكَّ
أَنَّ مَا حَثَّ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَاتِّبَاعِ السُّنَّةِ
وَاجْتِنَابِ الْبِدْعَةِ وَحَذَّرَ مِنْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ قُرْبَةٌ ، وَكَذَا
مَا اشْتَمَلَ عَلَى مَدْحِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ،
وَلَا شَكَّ أَنَّ هِجَاءَ الشَّاعِرِ حَرَامٌ صِدْقًا أَوْ كَذِبًا وَتُرَدُّ
شَهَادَتُهُ بِهِ ، وَكَذَا لَوْ فَحَشَ بِذِكْرِ مَا لَا يَنْبَغِي أَوْ صَرَّحَ
بِقَذْفٍ ، وَقَدْ حَمَلَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الْحَدِيثَ
الْوَارِدَ فِي ذَمِّ الشُّعَرَاءِ عَلَى هَذَا وَحَمَلَهُ الْأَكْثَرُونَ عَلَى
مَا إذَا غَلَبَ عَلَيْهِ الشِّعْرُ وَاشْتَغَلَ بِهِ عَنْ الْقُرْآنِ وَالْفِقْهِ
، وَلِذَلِكَ ذَكَرَ الِامْتِلَاءَ وَمَا فِيهِ فَخْرٌ فَقَلِيلُهُ مَذْمُومٌ
كَكَثِيرِهِ .
( الْكَبِيرَةُ الثَّانِيَةُ وَالسِّتُّونَ بَعْدَ
الْأَرْبَعِمِائَةِ : إدْمَانُ صَغِيرَةٍ أَوْ صَغَائِرَ بِحَيْثُ تَغْلِبُ
مَعَاصِيهِ طَاعَتَهُ ) وَكَوْنُ هَذَا كَبِيرَةً أَيْ مِثْلُهَا فِي سُقُوطِ
الْعَدَالَةِ هُوَ مَا صَرَّحُوا بِهِ
.
وَعِبَارَةُ الرَّافِعِيِّ : قَالَ الْأَصْحَابُ
يُعْتَبَرُ فِي الْعَدَالَةِ اجْتِنَابُ الْكَبَائِرِ ، فَمَنْ ارْتَكَبَ
كَبِيرَةً فَسَقَ وَرُدَّتْ شَهَادَتُهُ ، وَأَمَّا الصَّغَائِرُ فَلَا يُشْتَرَطُ
تَجَنُّبُهَا بِالْكُلِّيَّةِ لَكِنَّ الشَّرْطَ أَنْ لَا يُصِرَّ عَلَيْهَا
فَإِنْ أَصَرَّ كَانَ الْإِصْرَارُ كَارْتِكَابِ الْكَبِيرَةِ ، وَأَمَّا
الْإِصْرَارُ السَّالِبُ لِلْعَدَالَةِ أَهْوَ الْمُدَاوَمَةُ عَلَى نَوْعٍ مِنْ
الصَّغَائِرِ أَمْ الْإِكْثَارُ مِنْ الصَّغَائِرِ سَوَاءٌ كَانَتْ مِنْ نَوْعٍ
أَوْ أَنْوَاعٍ مُخْتَلِفَةٍ ؟ مِنْهُمْ مَنْ يَفْهَمُ كَلَامَهُ الْأَوَّلَ ،
وَمِنْهُمْ مَنْ يَفْهَمُ كَلَامَهُ الثَّانِيَ وَيُوَافِقُهُ قَوْلُ الْجُمْهُورِ
: إنَّ مَنْ يَغْلِبُ طَاعَتُهُ مَعَاصِيَهُ كَانَ عَدْلًا وَمَنْ يَغْلِبُ
مَعَاصِيَهُ طَاعَتَهُ كَانَ مَرْدُودَ الشَّهَادَةِ ، وَلَفْظُ الشَّافِعِيِّ فِي
الْمُخْتَصَرِ قَرِيبٌ مِنْهُ ، وَإِذَا قُلْنَا بِهِ لَمْ تَضُرَّ الْمُدَاوَمَةُ
عَلَى نَوْعٍ وَاحِدٍ مِنْ الصَّغَائِرِ إذَا غَلَبَتْ الطَّاعَاتُ وَعَلَى
الِاحْتِمَالَاتِ الْأُوَلِ تَضُرُّ
.
ا هـ
.
وَتَبِعَهُ فِي الرَّوْضَةِ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمَا
تَرْجِيحُ الثَّانِي وَهُوَ كَذَلِكَ وَبِهِ صَرَّحَ ابْنُ سُرَاقَةَ وَغَيْرُهُ .
وَالْحَاصِلُ ؛ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ وِفَاقًا
لِكَثِيرِينَ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ كَالْأَذْرَعِيِّ وَالْبُلْقِينِيِّ
وَالزَّرْكَشِيِّ وَابْنِ الْعِمَادِ وَغَيْرِهِمْ أَنَّهُ لَا تَضُرُّ
الْمُدَاوَمَةُ عَلَى نَوْعٍ مِنْ الصَّغَائِرِ وَلَا عَلَى أَنْوَاعٍ سَوَاءٌ
كَانَ مُقِيمًا عَلَى الصَّغِيرَةِ أَوْ الصَّغَائِرِ أَوْ مُكْثِرًا مِنْ فِعْلِ
ذَلِكَ حَيْثُ غَلَبَ الطَّاعَاتُ الْمَعَاصِيَ وَإِلَّا ضَرَّ ، وَعَلَى هَذَا
يُحْمَلُ مَا وَقَعَ لِلشَّيْخَيْنِ فِي مَوْضِعَيْنِ آخَرَيْنِ مِنْ أَنَّ الْمُدَاوَمَةَ
عَلَى الصَّغِيرَةِ تُصَيِّرُهَا أَيْ مِثْلَهَا فِي رَدِّ الشَّهَادَةِ ، لَكِنَّ
النَّوْعَ إنْ انْضَمَّ إلَيْهِ كَوْنُ
طَاعَتِهِ لَمْ تَغْلِبْ مَعَاصِيَهُ ، وَوَقَعَ
لِلْإِسْنَوِيِّ تَقْرِيرٌ لِكَلَامِ الرَّافِعِيِّ الْمَذْكُورِ قَدْ يُخَالِفُ
بَعْضَ مَا قَرَّرْته فَلَا تَغْتَرَّ بِهِ ، فَقَدْ اعْتَرَضَهُ وَرَدَّهُ
الْبُلْقِينِيُّ وَابْنُ الْعِمَادِ وَغَيْرُهُمَا وَيُؤَيِّدُ مَا قَرَّرْنَاهُ
قَوْلُ الْجُمْهُورِ وَمَنْ غَلَبَتْ طَاعَاتُهُ مَعَاصِيَهُ كَانَ عَدْلًا .
إذْ ظَاهِرُهُ أَنَّ مَنْ غَلَبَتْ مَعَاصِيهِ
طَاعَاتِهِ رُدَّتْ شَهَادَتُهُ سَوَاءٌ كَانَتْ الْمَعَاصِي مِنْ نَوْعٍ أَوْ
أَنْوَاعٍ ، وَمِنْ ثَمَّ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : الْمَذْهَبُ وَقَوْلُ
الْجُمْهُورِ وَمَا تَضَمَّنَتْهُ النُّصُوصُ إنَّ مَنْ كَانَ الْأَغْلَبُ
عَلَيْهِ الطَّاعَةَ وَالْمُرُوءَةَ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ أَوْ الْمَعْصِيَةَ
وَخِلَافَ الْمُرُوءَةِ رُدَّتْ شَهَادَتُهُ ، فَقَوْلُ الشَّيْخَيْنِ عَنْ بَعْضِهِمْ
إنَّ الْعَضْلَ ثَلَاثًا كَبِيرَةٌ إنَّمَا يَأْتِي عَلَى الضَّعِيفِ أَيْ أَوْ
يُحْمَلُ كَمَا مَرَّ مَا إذَا انْضَمَّ إلَيْهِ غَلَبَةُ الْمَعَاصِي .
وَعِبَارَةُ الْعَبَّادِيِّ : حَدُّ الْفِسْقِ الَّذِي
يَثْبُتُ فِيهِ الْجَرْحُ أَنْ يَرْتَكِبَ كَبِيرَةً أَوْ يَغْلِبَ صَغَائِرُهُ
عَلَى طَاعَاتِهِ قَالَ : وَحَدُّ الْمُرُوءَةِ أَنْ لَا يَأْتِيَ بِمَا
يَسْتَكْرِهُهُ النَّاسُ مِنْ مِثْلِهِ مِثْلُ الْمَطْعَمِ وَالْمَلْبَسِ ،
وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْإِنْسَانَ لَوْ قَتَّرَ عَلَى نَفْسِهِ فِي
الْأَكْلِ أَوْ ضَيَّقَ عَلَيْهَا فِي الْمَلْبَسِ رُدَّتْ شَهَادَتُهُ .
ثُمَّ رَأَيْت ابْنَ الْعِمَادِ قَالَ : مَا نَقَلَهُ
الْإِسْنَوِيُّ عَنْ الرَّافِعِيِّ مِنْ أَنَّ الْإِصْرَارَ عَلَى الصَّغِيرَةِ
يُصَيِّرُهَا كَبِيرَةً لَيْسَ كَذَلِكَ ، وَلَمْ يَذْكُرْ الرَّافِعِيُّ هَذِهِ
الْعِبَارَةَ ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ أَنَّ الشَّاهِدَ يَفْسُقُ وَالتَّفْسِيقُ
وَرَدُّ الشَّهَادَةِ لَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَا عَنْ كَبِيرَةٍ ، فَقَدْ
يَكُونَانِ عَنْ الْإِصْرَارِ عَلَى الصَّغَائِرِ ، وَعَنْ صَغِيرَةٍ وَاحِدَةٍ
يَعْظُمُ خَطَرُهَا كَقُبْلَةِ أَجْنَبِيَّةٍ بِحَضْرَةِ النَّاسِ .
ا هـ
.
وَلَيْسَ كَمَا ذَكَرَ فِي التَّفْسِيقِ إذْ لَا يَكُونُ
إلَّا عَلَى كَبِيرَةٍ بِخِلَافِ رَدِّ الشَّهَادَةِ ، فَإِنَّهُ يَكُونُ عَنْ
خَرْمِ مُرُوءَةٍ كَمَا فِي
الْقُبْلَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا عِنْدَ مَنْ لَمْ
يَجْعَلْهَا كَبِيرَةً .
وَأَمَّا تَمْثِيلُهُ بِالْإِصْرَارِ الْمَذْكُورِ
فَهُوَ الْمُتَنَازَعُ فِيهِ فَلَا دَلِيلَ فِيهِ ، ثُمَّ رَأَيْت بَعْضَهُمْ
قَالَ عَقِبَ كَلَامِهِ وَمَا ذَكَرَهُ فِي هَذَا غَيْرُ صَحِيحٍ .
قَالَ الْبُلْقِينِيُّ : وَالرُّجُوعُ فِي الْغَلَبَةِ
لِلْعُرْفِ فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُرَادَ مُدَّةَ الْعُمْرِ
فَالْمُسْتَقْبَلُ لَا يَدْخُلُ فِي ذَلِكَ وَكَذَلِكَ مَا ذَهَبَ بِالتَّوْبَةِ
وَغَيْرِهَا ، وَلِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي
الْمُخْتَصَرِ : لَيْسَ مِنْ النَّاسِ أَحَدٌ نَعْلَمُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ
قَلِيلًا يُمَحِّضُ الطَّاعَةَ وَالْمُرُوءَةَ ، فَإِذَا كَانَ الْأَغْلَبُ عَلَى
الرَّجُلِ الْأَظْهَرُ مِنْ أَمْرِهِ الطَّاعَةَ وَالْمُرُوءَةَ قُبِلَتْ
شَهَادَتُهُ ، فَإِذَا كَانَ الْأَغْلَبُ الْأَظْهَرُ مِنْ أَمْرِهِ الْمَعْصِيَةَ
وَخِلَافَ الْمُرُوءَةِ رُدَّتْ شَهَادَتُهُ .
قَالَ الْبُلْقِينِيُّ : وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى أَنَّ
الْمُرَادَ الصَّغَائِرُ فَإِنَّ الْكَبِيرَةَ بِمُجَرَّدِهَا تُخْرِجُ عَنْ
الْعَدَالَةِ ، وَإِنْ كَانَ الْأَغْلَبُ الطَّاعَةَ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ
يُقَالَ شَرْطُ الْعَدَالَةِ اجْتِنَابُ الْكَبَائِرِ وَعَدَمُ غَلَبَةِ
الصَّغَائِرِ عَلَى الطَّاعَةِ
.
ا هـ
.
وَقَضِيَّةُ قَوْلِهِ وَعَدَمُ غَلَبَةِ الصَّغَائِرِ
عَلَى الطَّاعَةِ أَنَّهُمَا لَوْ اسْتَوَيَا فَلَمْ يَغْلِبْ أَحَدُهُمَا عَلَى
الْآخَرِ بَقِيَتْ الْعَدَالَةُ ، وَهُوَ مُحْتَمَلٌ وَيُحْتَمَلُ سَلْبُهَا كَمَا
لَوْ اجْتَمَعَ حَلَالٌ وَحَرَامٌ يَغْلِبُ الْحَرَامُ لِخُبْثِهِ وَكَذَا
يَنْبَغِي هُنَا تَغْلِيبُ الْمَعَاصِي لِخُبْثِهَا ، وَفَسَّرَ الْقَاضِيَانِ
الْمَاوَرْدِيُّ وَالطَّبَرِيُّ الْإِصْرَارَ فِي قَوْله تَعَالَى { وَلَمْ
يُصِرُّوا } بِأَنْ لَمْ يَعْزِمُوا عَلَى أَنْ لَا يَعُودُوا إلَيْهِ ، وَقَضِيَّتُهُ
حُصُولُ الْإِصْرَارِ بِالْعَزْمِ عَلَى الْعَوْدِ بِتَرْكِ الْعَزْمِ عَلَى
عَدَمِ الْعَوْدِ وَيُوَافِقُهُ قَوْلُ ابْنِ الصَّلَاحِ : الْإِصْرَارُ التَّلَبُّسُ
بِضِدِّ التَّوْبَةِ بِاسْتِمْرَارِ الْعَزْمِ عَلَى الْمُعَاوَدَةِ
وَاسْتِدَامَةُ الْفِعْلِ ، بِحَيْثُ يَدْخُلُ بِهِ فِي حَيِّزِ مَا
يُطْلَقُ عَلَيْهِ الْوَصْفُ بِصَيْرُورَتِهِ كَبِيرَةً
وَلَيْسَ لِزَمَنِ ذَلِكَ وَعَدَدِهِ حَصْرٌ .
وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ : الْإِصْرَارُ أَنْ
تَتَكَرَّرَ مِنْهُ الصَّغِيرَةُ تَكْرَارًا يُشْعِرُ بِقِلَّةِ مُبَالَاتِهِ
بِدِينِهِ إشْعَارَ ارْتِكَابِ الْكَبِيرَةِ بِذَلِكَ ، قَالَ : وَكَذَلِكَ إذَا اجْتَمَعَتْ
صَغَائِرُ مُخْتَلِفَةُ الْأَنْوَاعِ بِحَيْثُ يُشْعِرُ مَجْمُوعُهَا بِمَا
يُشْعِرُ بِهِ أَصْغَرُ الْكَبَائِرِ
.
ا هـ
.
وَإِنَّمَا يَحْتَاجُ لِمَعْرِفَةِ ضَابِطِ الْإِصْرَارِ
عَلَى الضَّعِيفِ أَنَّ مُطْلَقَ الْإِصْرَارِ عَلَى الصَّغِيرَةِ يُصَيِّرُهَا
كَبِيرَةً ، أَمَّا عَلَى الْمُعْتَمَدِ السَّابِقِ فَالْمَدَارُ عَلَى غَلَبَةِ
الطَّاعَاتِ وَالْمَعَاصِي وَيُؤْخَذُ مِنْ ضَبْطِ الْبُلْقِينِيِّ لَهَا
بِالْعُرْفِ أَنَّهُ لَا نَظَرَ إلَى مُضَاعَفَةِ الطَّاعَاتِ وَإِنَّمَا
يُقَابِلُ إفْرَادَ الطَّاعَاتِ بِإِفْرَادِ الْمَعَاصِي مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إلَى الْمُضَاعَفَةِ
وَتَرَدَّدَ بَعْضُهُمْ فِيمَا لَوْ اسْتَوَتْ مَعَاصِيهِ وَطَاعَاتُهُ ،
وَاَلَّذِي يُتَّجَهُ سَلْبُ الْعَدَالَةِ .
( الْكَبِيرَةُ الثَّالِثَةُ وَالسِّتُّونَ بَعْدَ
الْأَرْبَعِمِائَةِ : تَرْكُ التَّوْبَةِ مِنْ الْكَبِيرَةِ ) .
وَكَوْنُ هَذَا كَبِيرَةً ظَاهِرٌ وَإِنْ لَمْ أَرَ مَنْ
عَدَّهُ ، وَيُصَرِّحُ بِهِ مَا سَأَذْكُرُهُ مِنْ الْأَحَادِيثِ وَيُشِيرُ إلَيْهِ
قَوْله تَعَالَى { وَتُوبُوا إلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ
تُفْلِحُونَ } أَشَارَتْ الْآيَةُ إلَى أَنَّ عَدَمَ التَّوْبَةِ خَسَارٌ أَيُّ
خَسَارٍ ، وَلِذَلِكَ كَانَتْ التَّوْبَةُ مِنْ الْكَبِيرَةِ وَاجِبَةً عَيْنًا
فَوْرًا بِنُصُوصِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ .
قَالَ الْقَاضِي الْبَاقِلَّانِيُّ : وَتَجِبُ التَّوْبَةُ مِنْ تَأْخِيرِ
التَّوْبَةِ ، وَأَمَّا التَّوْبَةُ مِنْ الصَّغِيرَةِ فَوَاجِبَةٌ عَيْنًا
فَوْرًا أَيْضًا كَمَا فِي الْكَبِيرَةِ ، قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ
الْأَشْعَرِيُّ إمَامُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ وَلَمْ يَحْكِ فِيهِ
خِلَافًا إلَّا عَنْ الْجُبَّائِيِّ الْمُعْتَزِلِيِّ ، وَالْمَنْقُولُ عَنْ
أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ مَا قَالَهُ الْأَشْعَرِيُّ بَلْ حَكَى إمَامُ
الْحَرَمَيْنِ الْإِجْمَاعَ عَلَيْهِ وَكَأَنَّهُ لَمْ يَعْتَدَّ بِخِلَافِ الْجُبَّائِيِّ
عَلَى أَنَّهُ حَكَى عَنْهُ فِي الْجَوَاهِرِ أَنَّهُ يَقُولُ بِوُجُوبِهَا مِنْ
الصَّغَائِرِ إذَا دَاوَمَ .
وَبِمَا ذَكَرْته مِنْ أَنَّ الْإِمَامَ لَمْ يَعْتَدَّ
بِخِلَافِهِ لِضَعْفِهِ بَلْ شُذُوذِهِ انْدَفَعَ قَوْلُ الْأَذْرَعِيِّ فِي
دَعْوَى إجْمَاعِ الْأُمَّةِ فِي الصَّغَائِرِ نَظَرٌ ، فَإِنَّ الْمُعْتَزِلَةَ
قَالُوا إنَّهَا تَقَعُ مَغْفُورَةً عِنْدَ اجْتِنَابِ الْكَبَائِرِ .
وَاخْتَلَفُوا فِي وُجُوبِ التَّوْبَةِ مِنْهَا انْتَهَى .
وَكَوْنُ اجْتِنَابِ الْكَبَائِرِ يُكَفِّرُهَا لَا
يَمْنَعُ الْإِجْمَاعَ عَلَى وُجُوبِ التَّوْبَةِ مِنْهَا ؛ لِأَنَّ الْكُفْرَ لَا
يَزِيدُ عَلَى السَّتْرِ ، فَإِذَا سُتِرَتْ كَانَتْ فِي رَجَاءِ أَنْ يُمْحَى
أَثَرُهَا وَهَذَا أَمْرٌ قَدْ يَقَعُ وَقَدْ لَا يَقَعُ إذْ لَا يَجِبُ عَلَى اللَّهِ
شَيْءٌ فَوَجَبَتْ التَّوْبَةُ مِنْهَا لِتَزُولَ عَنْ فَاعِلِهَا وَصْمَةُ
الْمُخَالَفَةِ وَالتَّعَدِّي الَّذِي ارْتَكَبَهُ وَبَارَزَ اللَّهَ تَعَالَى
بِعِصْيَانِهِ لَهُ ، وَبِهَذَا الَّذِي
ذَكَرْته مَعَ الْإِجْمَاعِ الْمَذْكُورِ يَنْدَفِعُ
قَوْلُ السُّبْكِيّ .
أَمَّا الصَّغِيرَةُ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ
لِأَنَّهَا تُكَفَّرُ بِالصَّلَاةِ وَاجْتِنَابِ الْكَبَائِرِ وَبِغَيْرِ ذَلِكَ
لَا تَجِبُ التَّوْبَةُ مِنْهَا عَيْنًا ، بَلْ إمَّا هِيَ أَوْ مُكَفِّرٌ آخَرُ
أَوْ هِيَ لَا فَوْرًا حَتَّى يَمْضِيَ مَا يُكَفِّرُهَا أَوْ هِيَ فَوْرًا وَهُوَ
مَا قَالَهُ الْأَشْعَرِيُّ ا هـ مُلَخَّصًا : وَلِوُضُوحِ رَدِّهِ خَالَفَهُ
وَلَدُهُ التَّاجُ فَقَالَ : تَجِبُ التَّوْبَةُ عَيْنًا فَوْرًا مِنْ كُلِّ
ذَنْبٍ ، نَعَمْ إنْ فُرِضَ عَدَمُ التَّوْبَةِ عَنْ الصَّغِيرَةِ ثُمَّ جَاءَ
مُكَفِّرٌ كَفَّرَ الصَّغِيرَتَيْنِ الْمَعْصِيَةَ وَتَأْخِيرَ التَّوْبَةِ
مِنْهَا .
وَقَالَ الْإِمَامُ : التَّكْفِيرُ السَّتْرُ ، فَمَعْنَى
تَكْفِيرِ نَحْوِ الصَّلَاةِ سَتْرُهُ عُقُوبَةِ الذَّنْبِ الْعَظِيمِ ثَوَابُهُ
فَيَغْمُرُهُ وَيَغْلِبُهُ كَثْرَةٌ ، أَمَّا إنَّهُ يُسْقِطُهُ أَصْلًا فَذَلِكَ
إلَى مَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى
.
وَقَالَ أَيْضًا بَعْدَ تَقْرِيرِهِ عَدَمَ الْقَطْعِ
بِقَبُولِ التَّوْبَةِ خِلَافًا لِلْخُصُومِ : فَإِنْ قِيلَ : إذَا لَمْ تَقْطَعُوا بِقَبُولِهَا
وَأَنَّهَا لَا تُزِيلُ الْعِقَابَ فَعَلَامَ يَحْمِلُونَ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى
: { إنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ
سَيِّئَاتِكُمْ } وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : {
الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ كَفَّارَاتٌ لِمَا بَيْنَهُنَّ } .
وَقَوْلُهُ : { الْجُمُعَةُ إلَى الْجُمُعَةِ كَفَّارَةٌ
لِمَا بَيْنَهُمَا ، وَصَوْمُ يَوْمِ عَرَفَةَ كَفَّارَةُ سَنَتَيْنِ ، وَصَوْمُ
يَوْمِ عَاشُورَاءَ كَفَّارَةُ سَنَةٍ
.
إنَّ اللَّهَ لَيُكَفِّرُ عَنْ الْمُؤْمِنِ خَطَايَاهُ
كُلِّهَا بِحُمَّى لَيْلَةٍ } وَأَمْثَالُ هَذِهِ الْأَخْبَارِ ؟ قُلْنَا :
التَّوْبَةُ وَاجِبَةٌ عَلَى حِيَالِهَا فَيَجِبُ أَدَاؤُهَا كَسَائِرِ
الْوَاجِبَاتِ ، وَهِيَ فِي نَفْسِهَا طَاعَةٌ وُعِدَ الثَّوَابُ عَلَيْهَا .
وَأَمَّا زَوَالُ الْعِقَابِ فَهُوَ مُفَوَّضٌ إلَى
اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ سُبْحَانَهُ خَيْرُ مَأْمُولٍ وَأَكْرَمُ مَسْئُولٍ .
وَقَالَ الْمُعْتَزِلَةُ : الصَّغَائِرُ تَقَعُ
مَغْفُورَةً عِنْدَ اجْتِنَابِ الْكَبَائِرِ وَادَّعَوْا
وُجُوبَ ذَلِكَ عَقْلًا ، وَيَلْزَمُهُمْ أَنَّ تِلْكَ
الْقُرُبَاتِ لَا تُكَفِّرُ شَيْئًا لِأَنَّ مُجَرَّدَ اجْتِنَابِ الْكَبَائِرِ
مُكَفِّرٌ ، فَمَا الْحَاجَةُ لِمُقَاسَاةِ تَعَبِ صَوْمِ نَحْوِ عَرَفَةَ وَلَا
شَكَّ أَنَّهَا لَا تُكَفِّرُ مَا فِيهِ حَقٌّ لِلْعِبَادِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ إرْضَائِهِمْ
، وَعَلَى أُصُولِنَا لَيْسَ فِي الذُّنُوبِ مَا يَقَعُ مُكَفِّرًا عَقْلًا ،
وَالشَّرْعُ وَرَدَ بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ الْمُبْهَمَةِ وَالْعِلْمُ
بِتَأْوِيلِهَا عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى .
قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ الْأَنْصَارِيُّ تِلْمِيذُهُ
وَشَارِحُ إرْشَادِهِ : يُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُكَفَّرَ الصَّغَائِرُ الَّتِي نُسِيَتْ
وَإِنْ تَعَلَّقَتْ بِحَقِّ الْغَيْرِ لِتَعَذُّرِ الِاعْتِذَارِ مِنْهَا وَقَدْ لَا
يُمْكِنُهُ إظْهَارُهَا ، وَمِنْ ذَلِكَ التَّقْصِيرُ فِي الطَّاعَاتِ إذْ لَا
يَجْبُرُهُ إلَّا اللَّهُ وَلَا يُكَفِّرُهُ إلَّا اسْتِكْثَارُ النَّوَافِلِ مَعَ
الِاسْتِغْفَارِ ، انْتَهَى .
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ : وَمَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ لُحِظَ
فِيهِ مَدْلُولُهُ اللُّغَوِيُّ فَإِنَّ الْكُفْرَ لَا يَزِيدُ عَلَى السَّتْرِ ،
لَكِنَّا نَقُولُ إذَا سُتِرَتْ غُفِرَتْ وَإِجْمَاعُهُمْ عَلَى وُجُوبِ التَّوْبَةِ
لَا يُنَافِي ذَلِكَ ، وَتَفْصِيلُ الْأَنْصَارِيِّ غَيْرُ مُسَلَّمٍ بَلْ كُلُّ
الصَّغَائِرِ يَمْحُوهَا اجْتِنَابُ الْكَبَائِرِ ، كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْأَحَادِيثُ
وَلَا دَلِيلَ عَلَى التَّخْصِيصِ الَّذِي ذَكَرَهُ ، نَعَمْ مَا فِيهَا مِنْ
حَقِّ الْآدَمِيِّ لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ إسْقَاطِهِ لَهُ إذَا أَمْكَنَ وَهَذَا
يُعَضِّدُهُ دَلِيلٌ مُوجِبُ التَّخْصِيصِ .
وَالْحَقُّ وُجُوبُ التَّوْبَةِ عَيْنًا مِنْ كُلِّ
ذَنْبٍ ، نَعَمْ إنْ فُرِضَ عَدَمُ التَّوْبَةِ عَنْ الصَّغِيرَةِ ثُمَّ جَاءَتْ
الْمُكَفِّرَاتُ كَفَّرَتْ الصَّغِيرَتَيْنِ تِلْكَ الصَّغِيرَةُ وَعَدَمُ
التَّوْبَةِ مِنْهَا .
انْتَهَى
.
وَقَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ فِي فَتَاوِيهِ قَدْ يُكَفِّرُ
نَحْوُ الصَّلَاةِ بَعْضَ الْكَبَائِرِ إذَا لَمْ يَجِدْ صَغِيرَةً .
وَاعْلَمْ أَنَّهُمْ اخْتَلَفُوا هَلْ قَبُولُ التَّوْبَةِ
قَطْعِيٌّ أَوْ ظَنِّيٌّ ؟ وَالصَّحِيحُ كَمَا قَالَهُ النَّوَوِيُّ وَغَيْرُهُ
أَنَّ قَبُولَ تَوْبَةِ الْكَافِرِ بِإِسْلَامِهِ قَطْعِيٌّ وَقَبُولَ تَوْبَةِ
غَيْرِهِ إذَا وُجِدَتْ شُرُوطُهَا ظَنِّيٌّ خِلَافًا لِجَمْعٍ مِنْ مُتَقَدِّمِي أَصْحَابِنَا .
قَالَ الْإِمَامُ : وَإِذَا أَسْلَمَ فَلَيْسَ إسْلَامُهُ
تَوْبَةً مِنْ كُفْرِهِ ، وَإِنَّمَا تَوْبَتُهُ نَدَامَةٌ عَلَى كُفْرِهِ ، وَلَا
يُتَصَوَّرُ أَنْ يُؤْمِنَ وَلَا يَنْدَمَ عَلَى كُفْرِهِ ، بَلْ تَجِبُ
مُقَارَنَةُ الْإِيمَانِ لِلنَّدَمِ عَلَى الْكُفْرِ ، ثُمَّ وِزْرُ الْكُفْرِ
يَسْقُطُ بِالْإِيمَانِ وَالنَّدَمِ عَلَى الْكُفْرِ بِالْإِجْمَاعِ هَذَا
مَقْطُوعٌ بِهِ وَمَا سِوَاهُ مِنْ ضُرُوبِ التَّوْبَةِ فَقَبُولُهُ مَظْنُونٌ
غَيْرُ مَقْطُوعٍ بِهِ ؛ وَقَدْ أَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّ الْكَافِرَ
إذَا أَسْلَمَ وَتَابَ عَنْ كُفْرِهِ صَحَّتْ تَوْبَتُهُ وَإِنْ اسْتَدَامَ
مَعَاصِيَ أُخَرَ .
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ : وَهَذَا فِي الْكُفْرِ
فَغَيْرُهُ لَا يُكَفَّرُ إلَّا بِتَوْبَةٍ عَنْهُ بِخُصُوصِهِ كَمَا ذَكَرَهُ
الْبَيْهَقِيُّ فِي سَنَدِهِ الْكَبِيرِ ، وَاسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { إنْ أَحْسَنَ فِي الْإِسْلَامِ لَمْ يُؤَاخَذْ بِالْأَوَّلِ
وَلَا بِالْآخِرِ وَإِنْ أَسَاءَ فِي الْإِسْلَامِ أُخِذَ بِالْأَوَّلِ وَالْآخِرِ } .
وَلَوْ كَانَ الْإِسْلَامُ يُكَفِّرُ سَائِرَ الْمَعَاصِي
لَمْ يُؤَاخَذْ بِهَا إذَا أَسْلَمَ
.
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ : قَدْ جَاءَتْ
أَحَادِيثُ فِي أَنَّ الْحُدُودَ كَفَّارَةٌ وَكَأَنَّهُ إذَا تَابَ بِدَلِيلِ {
قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلسَّارِقِ حِينَ قَطَعَهُ تُبْ إلَى
اللَّهِ } وَيُوَافِقُهُ قَوْلُ الشَّيْخَيْنِ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا : وَيَتَعَلَّقُ
بِالْقَتْلِ الْمُحَرَّمِ سِوَى عَذَابِ الْآخِرَةِ مُؤَاخَذَاتٌ فِي الدُّنْيَا
الْقِصَاصُ وَالدِّيَةُ وَالْكَفَّارَةُ ، فَإِنَّ ظَاهِرَهُ بَقَاءُ الْعُقُوبَةِ
فِي الْآخِرَةِ وَإِنْ اسْتَوْفَى مِنْهُ الْقَوَدَ أَوْ بَدَلَهُ ، لَكِنْ
صَرَّحَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وَالْفَتَاوَى بِأَنَّ الِاسْتِيفَاءَ
مُسْقِطٌ لِلْإِثْمِ
وَالْمُطَالَبَةُ فِي الْآخِرَةِ .
وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَقَضِيَّتُهُ عَدَمُ
الِاحْتِيَاجِ لِتَوْبَةٍ وَالْأَشْبَهُ التَّفْصِيلُ بَيْنَ مَنْ سَلَّمَ
نَفْسَهُ امْتِثَالًا لِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى فَيَكُونُ ذَلِكَ تَوْبَةً أَوْ
قَهْرًا فَلَا انْتَهَى ، وَاَلَّذِي يُتَّجَهُ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا
اسْتَوْفَى مِنْهُ بَرِيءَ مِنْ حَقِّ الْعَبْدِ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ كَلَامُ
شَرْحِ مُسْلِمٍ وَالْفَتَاوَى كَحَدِيثِ الْبُخَارِيِّ : { فَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ
شَيْئًا فَعُوقِبَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ } .
وَبَقِيَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنْ تَابَ سَقَطَ
أَيْضًا وَإِلَّا فَلَا .
وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ كَلَامُ الرَّوْضَةِ وَأَصْلُهَا {
كَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَنْ قَطَعَهُ : تُبْ إلَى
اللَّهِ } وَبِهَذَا وَإِنْ لَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَهُ تَجْتَمِعُ الْأَحَادِيثُ
وَالْأَقْوَالُ الْمُتَعَارِضَةُ فِي ذَلِكَ .
وَاعْلَمْ أَيْضًا أَنَّ التَّوْبَةَ الَّتِي تَمْحُو
الْإِثْمَ تَنْقَسِمُ إلَى تَوْبَةٍ عَنْ ذَنْبٍ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقُّ
آدَمِيٍّ ، وَإِلَى تَوْبَةٍ عَنْ ذَنْبٍ يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقُّ آدَمِيٍّ .
فَالضَّرْبُ الْأَوَّلُ : كَوَطْءِ أَجْنَبِيَّةٍ فِيمَا
دُونَ الْفَرْجِ وَشُرْبِ الْخَمْرِ فَشُرُوطُ التَّوْبَةِ أَوْ أَرْكَانُهَا
عَلَى الْخِلَافِ فِي ذَلِكَ ، وَيُتَّجَهُ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي الْحَقِيقَةِ
إذْ مَنْ أَرَادَ بِالتَّوْبَةِ مَدْلُولَهَا اللُّغَوِيَّ وَهُوَ الرُّجُوعُ
يَجْعَلُ تِلْكَ شُرُوطًا ، وَمَنْ أَرَادَ بِهَا مَعْنَاهَا الشَّرْعِيَّ
يَجْعَلُ تِلْكَ أَرْكَانًا ثَلَاثَةً قِيلَ وَعَلَيْهِ الْأُصُولِيُّونَ ،
وَالتَّوْبَةُ النَّدَمُ فَقَطْ لِخَبَرِ : { النَّدَمُ تَوْبَةٌ } .
وَأَمَّا الْإِقْلَاعُ فِي الْحَالِ وَالْعَزْمُ عَلَى
عَدَمِ الْعَوْدِ فَثَمَرَةُ النَّدَمِ وَلَيْسَا بِشَرْطَيْنِ لَهَا
لِاسْتِحَالَتِهِ بِدُونِهِمَا لِمَا يَأْتِي أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ
لِلَّهِ ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ يَسْتَلْزِمُ ذَيْنك .
وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّهُ إنَّمَا خَصَّ بِالذِّكْرِ
فِي الْحَدِيثِ لِأَنَّهُ مُعْظَمُ أَرْكَانِهَا ، كَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { الْحَجُّ عَرَفَةَ } .
وَجَمَعَ التَّاجُ السُّبْكِيُّ بَيْنَ طَرِيقَتَيْ
الْأُصُولِيِّينَ وَالْفُقَهَاءِ حَيْثُ فَسَّرَهَا بِالنَّدَمِ ، ثُمَّ ذَكَرَ
أَنَّ النَّدَمَ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا بِبَقِيَّةِ الْأُمُورِ الَّتِي
اعْتَبَرَهَا الْفُقَهَاءُ ثَلَاثَةً بَلْ خَمْسَةً بَلْ أَكْثَرَ عَلَى مَا
يَأْتِي : الْأَوَّلُ : النَّدَمُ عَلَى مَا مَضَى ، وَإِنَّمَا يُعْتَدُّ بِهِ إنْ كَانَ
عَلَى مَا فَاتَهُ مِنْ رِعَايَةِ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَوُقُوعِهِ فِي
الذَّنْبِ حَيَاءً مِنْ اللَّهِ تَعَالَى وَأَسَفًا عَلَى عَدَمِ رِعَايَةِ
حَقِّهِ ؛ فَلَوْ نَدِمَ لِحَظٍّ دُنْيَوِيٍّ كَعَارٍ أَوْ ضَيَاعِ مَالٍ أَوْ
تَعَبِ بَدَنٍ أَوْ لِكَوْنِ مَقْتُولِهِ وَلَدَهُ لَمْ يُعْتَبَرْ كَمَا ذَكَرَهُ
أَصْحَابُنَا الْأُصُولِيُّونَ ، وَكَلَامُ أَصْحَابِنَا الْفُقَهَاءِ نَاطِقٌ
بِذَلِكَ ، وَإِنَّمَا لَمْ يُصَرِّحُوا بِهِ لِأَنَّ التَّوْبَةَ عِبَادَةٌ
وَهِيَ لَا تَكُونُ إلَّا لِلَّهِ فَلَا يُعْتَدُّ بِهَا إنْ كَانَتْ
لِغَرَضٍ آخَرَ ، وَإِنْ قِيلَ مِنْ خَصَائِصِ التَّوْبَةِ
أَنَّهُ لَا سَبِيلَ لِلشَّيْطَانِ عَلَيْهَا لِأَنَّهَا بَاطِنَةٌ فَلَا
تَحْتَاجُ إلَى الْإِخْلَاصِ لِتَكُونَ مَقْبُولَةً وَلَا يَدْخُلُهَا الْعُجْبُ
وَالرِّيَاءُ وَلَا مَطْمَعَ لِلْخُصَمَاءِ فِيهَا .
وَذَكَرَ أَبُو نَصْرِ الْقُشَيْرِيُّ عَنْ وَالِدِهِ
الْإِمَامِ أَبِي الْقَاسِمِ أَنَّ مِنْ شَرْطِ التَّوْبَةِ أَنْ يَذْكُرَ مَا
مَضَى مِنْ الزَّلَّةِ وَيَنْدَمَ عَلَيْهِ ، فَلَوْ أَسْلَفَ ذَنْبًا وَنَسِيَهُ
فَتَوْبَتُهُ مِنْ ذُنُوبِهِ عَلَى الْجُمْلَةِ وَعَزْمُهُ عَلَى أَلَّا يَعُودَ
إلَى ذَنْبٍ مَا يَكُونُ تَوْبَةً مِمَّا نَسِيَهُ ، وَمَا دَامَ نَاسِيًا لَا
يَكُونُ مُطَالَبًا بِالتَّوْبَةِ عَمَّا نَسِيَهُ وَلَكِنَّهُ يَلْقَى اللَّهَ
وَهُوَ مُطَالَبٌ بِتِلْكَ الزَّلَّةِ ، وَهَذَا كَمَا لَوْ كَانَ لِلْغَيْرِ عَلَيْهِ
دَيْنٌ فَنَسِيَهُ أَوْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْأَدَاءِ فَهُوَ حَالًا غَيْرُ
مُطَالَبٍ مَعَ النِّسْيَانِ أَوْ الْإِعْسَارِ ، وَلَكِنْ يَلْقَى اللَّهَ وَهُوَ
مُطَالِبُهُ ، وَهِيَ مِنْ ذَنْبٍ دُونَ آخَرَ صَحِيحَةٌ عِنْدَنَا ، وَمِنْ
جُمْلَةِ الذُّنُوبِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ تَفَاصِيلِهَا غَيْرُ صَحِيحَةٍ ، قَالَ
الزَّرْكَشِيُّ : وَهَذَا ظَاهِرٌ ؛ لِأَنَّهَا النَّدَمُ وَهُوَ لَا يَتَحَقَّقُ
إلَّا إذَا تَذَكَّرَ مَا فَعَلَهُ حَتَّى يَتَصَوَّرَ نَدَمَهُ عَلَيْهِ ،
وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ : إنْ لَمْ يَتَذَكَّرْ تَفْصِيلَ الذَّنْبِ
فَلْيَقُلْ إنْ كَانَ لِي ذَنْبٌ لَمْ أَعْلَمْهُ فَإِنِّي تَائِبٌ إلَى اللَّهِ
تَعَالَى ، وَلَعَلَّهُ إنَّمَا قَالَ هَذَا فِيمَا إذَا عَلِمَ لِنَفْسِهِ
ذُنُوبًا لَكِنَّهُ لَا يَتَذَكَّرُهَا ، فَأَمَّا إذَا لَمْ يَعْلَمْ لِنَفْسِهِ ذَنْبًا
فَالنَّدَمُ عَلَى مَا لَمْ يَكُنْ مُحَالٌ ، وَإِنْ عَلِمَ لَهُ ذَنْبًا
لَكِنَّهُ لَمْ يَتَعَيَّنْ لَهُ فِي التَّذَكُّرِ فَيُمْكِنُ أَنْ يَنْدَمَ عَلَى
مَا ارْتَكَبَ مِنْ الْمُخَالَفَةِ عَلَى الْجُمْلَةِ ثُمَّ الْعَزْمُ عَلَى
أَلَّا يَعُودَ إلَى الْمُخَالَفَةِ أَصْلًا .
انْتَهَى
.
وَحَاصِلُ عِبَارَةِ الْقَاضِي : لَوْ كَانَ الْمُصِيبُ
لِلذَّنْبِ الْوَاحِدِ أَوْ الذُّنُوبِ عَالِمًا بِهَا أَوْ ذَاكِرًا لَهَا عَلَى
التَّفْصِيلِ أَوْ الْجُمْلَةِ
فَيَقُولُ : إذَا كَانَ مِنِّي ذَنْبٌ لَمْ أَعْلَمْهُ فَأَنَا
تَائِبٌ إلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنْهُ وَيَسْتَغْفِرُ مِنْ عِقَابِهِ وَلَا تَجِبُ
عَلَيْهِ فِيمَا لَمْ يَعْلَمْهُ أَوْ عَلِمَهُ وَلَا يَعْتَقِدُهُ ذَنْبًا أَوْ
لَمْ يَخْطُرْ لَهُ بِبَالٍ بَلْ يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ فِي الْجُمْلَةِ كَمَا
بَيَّنَّا ، وَإِنْ كَانَ ذَاكِرًا لِلذُّنُوبِ صَحَّتْ التَّوْبَةُ مِنْ
بَعْضِهَا وَإِنْ عَلِمَ بِهَا عَلَى التَّفْصِيلِ لَزِمَهُ التَّوْبَةُ عَنْ
آحَادِهَا عَلَى التَّفْصِيلِ وَلَا يَكْفِيهِ تَوْبَةٌ وَاحِدَةٌ بِخِلَافِ
التَّوْبَةِ عَمَّا لَمْ يَعْلَمْهُ
.
وَقَالَ الشَّيْخُ عَزَّ الدِّينِ : يَتَذَكَّرُ الذُّنُوبَ السَّالِفَةَ
مَا أَمْكَنَ تَذَكُّرَهُ وَمَا تَعَذَّرَ فَلَا يَلْزَمُهُ مَا لَا يُقِرُّ
عَلَيْهِ .
الثَّانِي
: الْعَزْمُ عَلَى أَلَّا يَعُودَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ
إلَيْهِ أَوْ إلَى مِثْلِهِ ، وَهَذَا إنَّمَا يُتَصَوَّرُ اشْتِرَاطُهُ فِيمَنْ
يَتَمَكَّنُ مِنْ مِثْلِ مَا قَدَّمَهُ ، أَمَّا مَنْ جُبَّ بَعْدَ الزِّنَا أَوْ قُطِعَ
لِسَانُهُ بَعْدَ نَحْوِ الْقَذْفِ فَالشَّرْطُ فِي حَقِّهِ عَزْمُهُ عَلَى
التَّرْكِ لَوْ عَادَتْ إلَيْهِ قُدْرَتُهُ عَلَى الذَّنْبِ ، وَبِهَذَا عُلِمَ
أَنَّ تَوْبَةَ الْعَاجِزِ عَنْ الْعَوْدِ صَحِيحَةٌ وَلَمْ يُخَالِفْ فِيهَا
إلَّا ابْنُ الْجُبَّائِيِّ قَالَ : لِأَنَّهُ مُلْجَأٌ إلَى التَّرْكِ وَرَدُّوا
عَلَيْهِ بِمَا تَقَرَّرَ فِي نَحْوِ الْمَجْبُوبِ ، وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ مَا
فِي شَرْحِ إرْشَادِ الْإِمَامِ مِنْ أَنَّهُ إنَّمَا يَصِحُّ الْعَزْمُ مِنْ
مُتَمَكِّنٍ مِنْ مِثْلِ مَا قَدَّمَهُ فَلَا يَصِحُّ مِنْ الْمَجْبُوبِ الْعَزْمُ
عَلَى تَرْكِ الزِّنَا مَثَلًا ، وَإِنَّمَا يَعْزِمُ عَلَى تَرْكِهِ لَوْ عَادَتْ
إلَيْهِ آلَتُهُ .
وَنَقَلَ الْقُشَيْرِيُّ عَنْ الْأُسْتَاذِ أَبِي إِسْحَاقَ
، أَنَّهُ تَصِحُّ التَّوْبَةُ مِنْ ذَنْبٍ مَعَ الْإِصْرَارِ عَلَى مِثْلِهِ
حَتَّى تَصِحَّ مِنْ الزِّنَا بِامْرَأَةٍ مَعَ الْمُقَامِ عَلَى الزِّنَا
بِامْرَأَةٍ أُخْرَى فِي مِثْلِ حَالِهَا ، وَلَوْ زَنَى بِامْرَأَةٍ مَرَّتَيْنِ
صَحَّتْ مِنْ مَرَّةٍ فَقَطْ ، قَالَ
: وَالْأَصْحَابُ يَأْبَوْنَ هَذَا وَيَقُولُونَ شَرْطُ
صِحَّةِ التَّوْبَةِ الْعَزْمُ عَلَى أَنْ لَا يَعُودَ
إلَى مِثْلِهِ وَذَلِكَ مُحَالٌ مَعَ الْإِصْرَارِ عَلَى
مِثْلِهِ .
انْتَهَى
.
وَقَالَ الْحَلِيمِيُّ : تَصِحُّ مِنْ كَبِيرَةٍ دُونَ
أُخْرَى مِنْ غَيْرِ جِنْسِهَا وَقَضِيَّتُهُ عَدَمُ صِحَّتِهَا إذَا كَانَتْ مِنْ
جِنْسِهَا ، وَبِهِ صَرَّحَ الْأُسْتَاذُ أَبُو بَكْرٍ وَخَالَفَهُ الْأُسْتَاذُ
أَبُو إِسْحَاقَ كَمَا تَقَرَّرَ ، وَقَالَ شَارِحُ إرْشَادِ الْإِمَامِ : قَالَ الْقَاضِي
: لَا خِلَافَ بَيْنَ سَلَفِ الْأُمَّةِ فِي صِحَّةِ التَّوْبَةِ مِنْ بَعْضِ
الْقَبَائِحِ مَعَ الْمُقَامِ عَلَى قَبَائِحَ أُخَرَ ، وَقَالَ الْإِمَامُ :
التَّوْبَةُ لَهَا ارْتِبَاطٌ بِالدَّوَاعِي لَا تَصِحُّ بِدُونِهَا ، ثُمَّ الدَّوَاعِي
تَخْتَلِفُ : مِنْهَا حُقُوقُ الْعِبَادِ بِكَثْرَةِ الزَّوَاجِرِ فَلَا تَصِحُّ
مِنْ ذَنْبٍ مَعَ الْإِصْرَارِ عَلَى مِثْلِهِ عِنْدَ اسْتِوَاءِ الدَّوَاعِي
إلَيْهِمَا ، وَلَوْ اخْتَلَفَا جِنْسًا كَقَتْلٍ وَشُرْبٍ وَاسْتَوَتْ
الدَّوَاعِي فِيهِمَا فَهُمَا مِثْلَانِ لَا تَصِحُّ التَّوْبَةُ مِنْ أَحَدِهِمَا
مَعَ الْإِصْرَارِ عَلَى الْآخَرِ لِاسْتِوَائِهِمَا فِيمَا لِأَجْلِهِ نَدِمَ عَلَيْهِ
مِثْلَ أَنْ يَكُونَ الدَّاعِي إلَى التَّوْبَةِ كَوْنَهُ مُخَالَفَةً
وَمَعْصِيَةً لِلَّهِ تَعَالَى ، وَإِنْ دَعَاهُ إلَى التَّوْبَةِ مِنْهُ عِظَمُ
الْعُقُوبَةِ عَلَيْهِ وَلَمْ يَعْتَقِدْهُ فِي الْآخَرِ صَحَّ تَبْعِيضُ
النَّدَمِ ، قَالَ أَعْنِي الْإِمَامَ
: وَالْعَارِفُ الذَّاكِرُ لِلَّهِ تَعَالَى بِمَا
تَوَعَّدَ بِهِ تَعَالَى عَلَى الذَّنْبِ مِنْ الْعِقَابِ لَا يَهْجُمُ عَلَى
الذَّنْبِ إلَّا بِتَأْوِيلٍ ، وَلَا يَصِحُّ مِنْهُ الْقَصْدُ إلَى الذَّنْبِ
مَعَ الْعِلْمِ بِاطِّلَاعِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ فَإِنْ تَدَاخَلَهُ فَقَدْ
تَغْلِبُهُ شَهْوَتُهُ وَيَقَعُ عَلَى بَصِيرَتِهِ شَبَهُ سَلٍّ وَظُلْمَةٍ
وَغِشَاوَةٍ وَيَرْتَكِبُ الذَّنْبَ ، فَإِنْ زَالَتْ غَفْلَتُهُ وَفَتَرَتْ
شَهْوَتُهُ فَإِنَّهُ يَتُوبُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنْ جَمِيعِ الذُّنُوبِ
وَلَا يُتَصَوَّرُ مِنْهُ - وَالْحَالَةُ هَذِهِ - التَّبْعِيضُ فِي النَّدَمِ ، قَالَ
تَعَالَى : { إنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنْ الشَّيْطَانِ
تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ
} .
قَالَ : وَإِذَا كَانَ إيمَانُهُ
اعْتِقَادِيًّا فَيُتَصَوَّرُ مِنْهُ التَّبْعِيضُ
عِنْدَ غَلَبَةِ الشَّهْوَةِ ، وَمَنْ صَارَ مِنْ الْخَوَارِجِ إلَى أَنَّ كُلَّ
ذَنْبٍ كُفِّرَ فَلَعَلَّهُمْ لَاحَظُوا مَا ذَكَرْنَاهُ غَيْرَ أَنَّهُمْ لَمْ
يُحِيطُوا بِهِ حَقَّ الْإِحَاطَةِ انْتَهَى .
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَالْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ
أَهْلِ السُّنَّةِ صِحَّتُهَا مِنْ بَعْضِ الذُّنُوبِ مَعَ الْإِصْرَارِ عَلَى
بَعْضِهَا ، وَمَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ فَمِنْ تَصَرُّفِهِ وَتَوَسُّطِهِ .
الثَّالِثُ : الْإِقْلَاعُ عَنْ الذَّنْبِ فِي الْحَالِ
بِأَنْ يَتْرُكَهُ إنْ كَانَ مُتَلَبِّسًا بِهِ أَوْ مُصِرًّا عَلَى
الْمُعَاوَدَةِ إلَيْهِ ، وَعَدُّ هَذَا شَرْطًا هُوَ مَا نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ
عَنْ الْأَصْحَابِ ، لَكِنَّهُ لَمَّا لَمْ يُقَيِّدْهُ بِمَا ذَكَرْنَاهُ
اعْتَرَضَ بِأَنَّ الْجُمْهُورَ لَمْ يَتَعَرَّضُوا لِهَذَا الشَّرْطِ .
وَالْجَوَابُ : أَنَّ مَنْ أَهْمَلَهُ نَظَرَ إلَى غَيْرِ
الْمُتَلَبِّسِ وَالْمُصِرِّ إذْ لَا يُتَصَوَّرُ مِنْهُ إقْلَاعٌ ، وَمَنْ
ذَكَرَهُ نَظَرَ إلَى الْمُتَلَبِّسِ وَالْمُصِرِّ فَلَا بُدَّ مِنْ إقْلَاعِهِمَا
قَطْعًا .
إذْ يَسْتَحِيلُ حُصُولُ النَّدَمِ الْحَقِيقِيِّ عَلَى
شَيْءٍ هُوَ مُلَازِمٌ لَهُ فِي الْحَالِ أَوْ مَعَ الْعَزْمِ عَلَى مُعَاوَدَتِهِ .
إذْ مَنْ لَازِمِ النَّدَمِ الْحُزْنُ عَلَى مَا فَرَّطَ
مِنْ الزَّلَّةِ وَلَا يُوجَدُ ذَلِكَ إلَّا بِتَرْكِهَا مَعَ الْعَزْمِ عَلَى
عَدَمِ مُعَاوَدَتِهَا مَا بَقِيَ
.
الرَّابِعُ
: الِاسْتِغْفَارُ لَفْظًا عَلَى مَا قَالَ بِهِ جَمْعٌ
؛ فَفِي الْمَطْلَبِ أَنَّ كَلَامَ الْوَسِيطِ قَدْ يُفْهِمُ أَنَّهُ لَا بُدَّ
مِنْ قَوْلِ الْفَاسِقِ تُبْت ، قَالَ : وَلَمْ أَرَهُ لِغَيْرِهِ ، نَعَمْ قَالَ الْقَاضِي
حُسَيْنٌ وَغَيْرُهُ : إنَّهُ يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ بِلِسَانِهِ ظَاهِرًا
وَبَاطِنًا عِنْدَ ظُهُورِ الذَّنْبِ
.
ا هـ
.
وَفِي تَصْحِيحِ الْمِنْهَاجِ لِلْبُلْقِينِيِّ :
قَضِيَّةُ كَلَامِ الْمِنْهَاجِ أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ فِي مَعْصِيَةٍ غَيْرِ
قَوْلِيَّةٍ كَالْقَذْفِ قَوْلٌ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ يُعْتَبَرُ فِيهَا
الِاسْتِغْفَارُ ، وَجَزَمَ بِهِ الْقُضَاةُ أَبُو الطَّيِّبِ وَالْحُسَيْنُ وَالْمَاوَرْدِيُّ
وَغَيْرُهُمْ .
قَالَ أَعْنِي الْبُلْقِينِيَّ :
وَاَلَّذِي يَظْهَرُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - مِنْ
الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ أَنَّ الذَّنْبَ الْمَذْكُورَ وَإِنْ كَانَ ذَنْبًا
بَاطِنًا لَا بُدَّ أَنْ يَظْهَرَ قَوْلًا يَظْهَرُ مِنْهُ نَدَمُهُ عَلَى ذَنْبٍ
بِأَنْ يَقُولَ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ مِنْ ذَنْبِي أَوْ رَبِّ اغْفِرْ لِي
خَطِيئَتِي أَوْ تُبْت إلَى اللَّهِ مِنْ ذَنْبِي ثُمَّ بَسَطَ ذَلِكَ ، وَفِيهِ
نَظَرٌ فَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ الرِّفْعَةِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الَّذِينَ عَبَّرُوا
بِالِاسْتِغْفَارِ إنَّمَا أَرَادُوا بِهِ النَّدَمَ لَا التَّلَفُّظَ حَيْثُ
قَالَ : اعْلَمْ أَنَّ التَّوْبَةَ فِي الْبَاطِنِ الَّتِي تَعْقُبُهَا
التَّوْبَةُ فِي الظَّاهِرِ الْمُرَتَّبِ عَلَيْهَا غُفْرَانُ الذَّنْبِ
وَغَيْرُهُ تَحْصُلُ كَمَا قَالَ الْأَصْحَابُ حَيْثُ لَا يَتَعَلَّقُ
بِالْمَعْصِيَةِ حَدٌّ لِلَّهِ تَعَالَى وَلَا مَالٌ وَلَا حَقٌّ لِلْعِبَادِ ،
كَتَقْبِيلِ أَجْنَبِيَّةٍ وَاسْتِمْنَاءٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ بِأَمْرَيْنِ النَّدَمُ
عَلَى مَا كَانَ وَالْعَزْمُ عَلَى أَنْ لَا يَعُودَ إلَيْهِ .
وَقَدْ يُعَبَّرُ عَنْ ذَلِكَ بِعِبَارَةٍ أُخْرَى فَيُقَالُ
أَنْ يَسْتَغْفِرَ اللَّهَ عَلَى مَا مَضَى وَيَتْرُكَ الْإِصْرَارَ فِي
الْمُسْتَقْبَلِ ، قَالَ تَعَالَى : { وَاَلَّذِينَ إذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً }
الْآيَةَ كَذَلِكَ قَالَهُ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ
وَالْمَاوَرْدِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْبَغَوِيُّ وَالْمَحَامِلِيُّ
وَسُلَيْمٌ الرَّازِيّ وَغَيْرُهُمْ
.
انْتَهَى
.
فَتَأَمَّلْ قَوْلَهُ وَقَدْ يُعَبَّرُ عَنْ ذَلِكَ
إلَخْ تَجِدْهُ صَرِيحًا فِيمَا ذَكَرْته أَنَّ مُؤَدَّى الْعِبَارَتَيْنِ وَاحِدٌ
، وَأَنَّ مَنْ ذَكَرَ الِاسْتِغْفَارَ لَمْ يُرِدْ بِهِ لَفْظَهُ وَإِنَّمَا
أَرَادَ بِهِ النَّدَمَ الَّذِي عَبَّرَ بِهِ غَيْرُهُ فَلَا خِلَافَ ، وَلَا
قَائِلَ مِنْ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةِ حِينَئِذٍ بِاشْتِرَاطِ التَّلَفُّظِ بِالِاسْتِغْفَارِ .
الْخَامِسُ : وُقُوعُ التَّوْبَةِ فِي وَقْتِهَا وَهُوَ
مَا قَبْلَ الْغَرْغَرَةِ وَالْمُعَايَنَةِ كَمَا ذَكَرُوهُ .
السَّادِسُ : أَلَّا يَكُونَ عَنْ اضْطِرَارٍ بِظُهُورِ
الْآيَاتِ كَطُلُوعِ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا .
وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ الشَّمْسَ إذَا طَلَعَتْ مِنْ
مَغْرِبِهَا وَهُوَ
مَجْنُونٌ ثُمَّ أَفَاقَ وَتَابَ صَحَّتْ تَوْبَتُهُ
لِعُذْرِهِ السَّابِقِ وَهُوَ غَرِيبٌ
.
السَّابِعُ :
أَنْ يُفَارِقَ مَكَانَ الْمَعْصِيَةِ عَلَى مَا
ذَكَرَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ وَهُوَ شَاذٌّ ، وَجَعَلَ صَاحِبُ التَّنْبِيهِ ذَلِكَ مُسْتَحَبًّا
حَيْثُ قَالَ : يُسَنُّ لِلْحَاجِّ أَنْ يُفَارِقَ حَلِيلَتَهُ فِي الْمَكَانِ
الَّذِي جَامَعَهَا فِيهِ : أَيْ لِأَنَّ النَّفْسَ قَدْ تَتَذَكَّرُ
الْمَعْصِيَةَ فَتَقَعُ فِيهَا فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ كَمَا حُكِيَ فِي زَمَنِنَا
عَمَّنْ جَاءَ بِحَلِيلَتِهِ مِنْ مَكَان بَعِيدٍ مِنْ أَقْصَى الْمَغْرِبِ
فَلَمَّا وَصَلَا مُزْدَلِفَةَ جَامَعَهَا فَجَاوَرَ لِلْعَامِ الْآتِي لِيَحُجَّ
قَضَاءً فَجَامَعَهَا بِذَلِكَ الْمَحَلِّ فَجَاوَرَ لِلْعَامِ الثَّالِثِ
لِذَلِكَ فَجَامَعَهَا وَكَذَلِكَ ، فَلَمَّا ضَجِرَ فَارَقَهَا فِي الْحَجَّةِ
الرَّابِعَةِ حَتَّى سَلِمَ لَهُمَا حَجُّهُمَا .
الثَّامِنُ : تَجْدِيدُ التَّوْبَةِ عَنْ الْمَعْصِيَةِ
كُلَّمَا ذَكَرَهَا بَعْدَ التَّوْبَةِ فِيمَا زَعَمَهُ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ
الْبَاقِلَّانِيُّ ، قَالَ : فَإِنْ لَمْ يُجَدِّدْهَا فَقَدْ عَصَى مَعْصِيَةً
جَدِيدَةً تَجِبُ التَّوْبَةُ مِنْهَا ، وَالتَّوْبَةُ الْأُولَى صَحِيحَةٌ إذْ
الْعِبَادَةُ الْمَاضِيَةُ لَا يَنْقُضُهَا شَيْءٌ بَعْدَ تَصَرُّفِهَا ، وَقَالَ
إمَامُ الْحَرَمَيْنِ : لَا يَجِبُ ذَلِكَ لَكِنَّهُ يُسْتَحَبُّ ، قَالَ الْأَذْرَعِيُّ
فِي تَوَسُّطِهِ : وَيُشْبِهُ أَنْ يُقَالَ إنْ كَانَ حِينَ تَذَكُّرِهِ
لِلذَّنْبِ تَنْفِرُ نَفْسُهُ فَمَا اخْتَارَهُ الْإِمَامُ ظَاهِرٌ وَإِنْ كَانَتْ
لَا تَنْفِرُ مِنْهُ وَتَلْتَذُّ بِذِكْرِهِ فَذَلِكَ مَعْصِيَةٌ جَدِيدَةٌ تَجِبُ
التَّوْبَةُ مِنْهَا .
فَالتَّوْبَةُ الصَّادِقَةُ تَقْتَضِي تَذَكُّرَ
صَاحِبِهَا زَلَلَهُ أَسَفًا وَحَيَاءً مِنْ اللَّهِ تَعَالَى مِمَّا سَلَفَ
مِنْهُ ، وَمَنْ تَتَبَّعَ الْآثَارَ وَالْأَخْبَارَ وَجَدَ لِذَلِكَ شَوَاهِدَ
كَثِيرَةً انْتَهَى ، وَكَأَنَّهُ أَخَذَ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِ الْإِمَامِ لَا
يَبْعُدُ أَنْ يَنْدَمَ عَلَيْهَا وَتَصِحَّ تَوْبَتُهُ ثُمَّ إذَا ذَكَرَهَا
أَضْرَبَ عَنْهَا فَلَمْ يَفْرَحْ بِهَا ، وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ اسْتِدَامَةُ
النَّدَمِ وَاسْتِصْحَابُ ذِكْرِهِ جَهْدَهُ ،
وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ : عَلَيْهِ أَنْ لَا يُصِرَّ
فَأَمَّا أَنْ يُقَالَ عَلَيْهِ تَوْبَةٌ مَقْصُودَةٌ فَلَا .
وَفِي الشَّامِلِ : أَنَّ الْوُجُوبَ لَيْسَ بِشَيْءٍ
لِأَنَّ الَّذِينَ أَسْلَمُوا كَانُوا يَذْكُرُونَ مَا كَانُوا عَلَيْهِ فِي
الْجَاهِلِيَّةِ وَلَمْ يَلْزَمُوا بِتَجْدِيدِ الْإِسْلَامِ وَلَا أُمِرُوا بِهِ
انْتَهَى .
ثُمَّ الْخِلَافُ إنَّمَا هُوَ الْوُجُوبُ أَمَّا
النَّدْبُ فَلَا خِلَافَ فِيهِ
.
وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ : { إنَّ الْمُؤْمِنَ يَرَى
ذُنُوبَهُ كَأَنَّهُ قَاعِدٌ تَحْتَ جَبَلٍ يَخَافُ أَنْ يَقَعَ عَلَيْهِ ،
وَإِنَّ الْفَاجِرَ يَرَى ذُنُوبَهُ كَذُبَابٍ يَطِيرُ عَلَى أَنْفِهِ فَقَالَ
بِهِ هَكَذَا } قَالَ الْإِمَامُ : وَلَعَلَّ الْقَاضِيَ بَنَى مَا مَرَّ
عَنْهُ عَلَى أَنَّ التَّوْبَةَ لَا تُزِيلُ عِقَابَ الذَّنْبِ قَطْعًا وَأَنَّ
ذَلِكَ مَرْجُوٌّ وَمَظْنُونٌ غَيْرُ مَقْطُوعٍ بِهِ ، فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَمَهْمَا
ذَكَرَهُ وَهُوَ غَيْرُ قَاطِعٍ بِقَبُولِ تَوْبَتِهِ وَزَوَالِ الْعِقَابِ عَنْهُ
فَيَنْدَمُ عَلَيْهِ لَا مَحَالَةَ ثَانِيًا لَا سِيَّمَا وَلَا يَعْلَمُ
عَاقِبَةَ أَمْرِهِ انْتَهَى .
التَّاسِعُ
: أَنْ لَا يَعُودَ لِلذَّنْبِ عَلَى مَا زَعَمَهُ
الْبَاقِلَّانِيُّ أَيْضًا حَيْثُ قَالَ : لَوْ نَقَضَ التَّائِبُ تَوْبَتَهُ
جَازَ أَنْ تَعُودَ عَلَيْهِ ذُنُوبُهُ لِأَنَّهُ مَا وَفَّى بِهَا لَكِنَّهُ
أَقَلُّ إثْمًا مِمَّنْ تَرَكَهَا دَائِمًا .
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَعَلَى هَذَا مِنْ شُرُوطِ
التَّوْبَةِ أَلَّا يَعُودَ إلَى الذَّنْبِ فَإِنْ عَادَ إلَيْهِ كَانَ نَقْضًا
لِلْأُولَى ، وَتَظْهَرُ فَائِدَةُ ذَلِكَ فِي الْفَاسِقِ إذَا تَابَ وَعُقِدَ
بِهِ النِّكَاحُ ثُمَّ عَادَ إلَى الْفِسْقِ فَعَلَى قَوْلِ الْقَاضِي :
يَتَبَيَّنُ عَدَمُ صِحَّةِ النِّكَاحِ بِتَبْيِينِ الْفِسْقِ حَالَ الْعَقْدِ .
الْعَاشِرُ : أَنْ يُمَكِّنَ مِنْ إقَامَةِ حَدٍّ ثَبَتَ
عَلَيْهِ عِنْدَ الْحُكْمِ فَتَتَوَقَّفُ التَّوْبَةُ مِنْهُ عَلَى التَّمْكِينِ
مِنْ اسْتِيفَائِهِ ، فَلَوْ مُكِّنَ فَلَمْ يَحُدَّهُ الْإِمَامُ وَلَا نَائِبُهُ
أَثِمَا دُونَهُ ، وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ الصَّبَّاغِ أَنَّ الِاشْتِهَارَ
بَيْنَ النَّاسِ كَالثُّبُوتِ عِنْدَ الْحَاكِمِ حَيْثُ قَالَ : لَوْ
اُشْتُهِرَ بَيْنَ النَّاسِ أَنَّهُ ارْتَكَبَ مَا يُوجِبُ
الْحَدَّ وَلَمْ يَثْبُتْ عِنْدَ الْحَاكِمِ اشْتَرَطَ صِحَّةَ تَوْبَتِهِ مِنْهُ
التَّمْكِينُ مِنْ إقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيْهِ إنْ لَمْ يُطِلْ عَهْدُهُ بِهِ ،
وَإِلَّا فَفِيهِ الْخِلَافُ فِي سُقُوطِهِ بِطُولِ الْعَهْدِ ، فَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ
وَلَا اُشْتُهِرَ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ : فَالْأَفْضَلُ لَهُ أَنْ يَسْتُرَ
عَلَى نَفْسِهِ ، وَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ : يُكْرَهُ تَنْزِيهًا إظْهَارُهُ .
قَالَ الْبَنْدَنِيجِيُّ : إلَّا أَنْ يَتَقَادَمَ عَهْدُهُ بِهِ
، وَنَقُولُ الْحَدُّ يَسْقُطُ بِتَقَادُمِ الْعَهْدِ فَلَا يَحِلُّ لَهُ
التَّمْكِينُ مِنْ اسْتِيفَائِهِ لِسُقُوطِهِ .
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ إنَّهُ
لَمْ يُقَمْ بِهِ بَيِّنَةٌ وَلَا ظَهَرَ عَلَيْهِ وَلَوْ أَظْهَرَهُ لَتَرَتَّبَ
عَلَى إظْهَارِهِ مَفَاسِدُ كَثِيرَةٌ مِنْ بُطْلَانِ وِلَايَتِهِ عَلَى وَقْفٍ
وَأَيْتَامٍ وَغَيْرِهِمَا ، وَيَسْتَوْلِي بِسَبَبِ ذَلِكَ عَلَيْهَا الظَّلَمَةُ
وَالْخَوَنَةُ وَلَوْ سَتَرَ نَفْسَهُ لَحَفِظْت بِهِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ
حِينَئِذٍ إظْهَارُهُ دَرْءًا لِهَذِهِ الْمَفَاسِدِ وَنَحْوِهَا فَتَأَمَّلْهُ انْتَهَى .
الْحَادِيَ عَشَرَ : التَّدَارُكُ فِيمَا إذَا كَانَتْ الْمَعْصِيَةُ
بِتَرْكِ عِبَادَةٍ فَفِي تَرْكِ نَحْوِ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ تَتَوَقَّفُ
صِحَّةُ تَوْبَتِهِ عَلَى قَضَائِهَا لِوُجُوبِهَا عَلَيْهِ فَوْرًا وَفِسْقُهُ
بِتَرْكِهِ كَمَا مَرَّ فَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ مِقْدَارَ مَا عَلَيْهِ مِنْ
الصَّلَوَاتِ مَثَلًا قَالَ الْغَزَالِيُّ : تَحَرَّى وَقَضَى مَا تَحَقَّقَ
أَنَّهُ تَرَكَهُ مِنْ حِينِ بُلُوغِهِ
.
وَفِي تَرْكِ نَحْوِ الزَّكَاةِ وَالْكَفَّارَةِ
وَالنَّذْرِ مَعَ الْإِمْكَانِ لِتَوَقُّفِ صِحَّةِ تَوْبَتِهِ عَلَى إيصَالِهِ
إلَى مُسْتَحَقِّهِ .
قَالَ الْوَاسِطِيُّ : وَكَانَتْ التَّوْبَةُ فِي بَنِي
إسْرَائِيلَ بِقَتْلِ النَّفْسِ كَمَا قَالَ تَعَالَى : { فَتُوبُوا إلَى
بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ } قَالَ : فَكَانَتْ تَوْبَتُهُمْ إفْنَاءَ نُفُوسِهِمْ
، وَتَوْبَةُ هَذِهِ الْأُمَّةِ أَشَدُّ وَهِيَ إفْنَاءُ نُفُوسِهِمْ عَنْ
مُرَادِهَا مَعَ بَقَاءِ رُسُومِ الْهَيَاكِلِ ، وَفَسَّرَهُ
بَعْضُهُمْ بِمَنْ أَرَادَ كَسْرَ لَوْزَةٍ أَوْ لُؤْلُؤَةٍ
فِي قَارُورَةٍ وَذَلِكَ مَعَ عُسْرِهِ يَسِيرٌ عَلَى مَنْ يَسَّرَهُ اللَّهُ
عَلَيْهِ .
انْتَهَى
.
الضَّرْبُ الثَّانِي : مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقُّ
آدَمِيٍّ فَالتَّوْبَة مِنْهُ يُشْتَرَطُ فِيهَا جَمِيعُ مَا مَرَّ ، وَيَزِيدُ
هَذَا بِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ إسْقَاطِ حَقِّ الْآدَمِيِّ ، فَإِنْ كَانَ مَالًا
رَدَّهُ إنْ بَقِيَ وَإِلَّا فَبَدَلُهُ لِمَالِكِهِ أَوْ نَائِبِهِ أَوْ
لِوَارِثِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ مَا لَمْ يُبَرِّئْهُ مِنْهُ وَلَا يَلْزَمُهُ
إعْلَامُهُ بِهِ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَارِثٌ أَوْ انْقَطَعَ خَبَرُهُ دَفَعَهُ
إلَى الْإِمَامِ لِيَجْعَلَهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ أَوْ إلَى الْحَاكِمِ
الْمَأْذُونِ لَهُ التَّصَرُّفُ فِي مَالِ الْمَصَالِحِ ، فَإِنْ تَعَذَّرَ قَالَ الْعَبَّادِيُّ
وَالْغَزَالِيُّ : تَصَدَّقَ عَنْهُ بِنِيَّةِ الْعَزْمِ ، وَأَلْحَقَ
الرَّافِعِيُّ فِي الْفَرَائِضِ وَاعْتَمَدَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ
بِالصَّدَقَةِ سَائِرَ وُجُوهِ الْمَصَالِحِ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ قَاضٍ
بِشَرْطِهِ صَرَفَهُ الْأَمِينُ بِنَفْسِهِ فِي مَالِ الْمَصَالِحِ ، وَإِنْ كَانَ
هُنَاكَ قَاضٍ بِشَرْطِهِ غَيْرَ مَأْذُونٍ لَهُ فِي التَّصَرُّفِ فِي مَالِ الْمَصَالِحِ
فَفِيهِ أَوْجُهٌ : يَدْفَعُهُ إلَيْهِ يَصْرِفُهُ بِنَفْسِهِ إنْ كَانَ أَمِينًا
فِي مَالِ الْمَصَالِحِ ، وَإِلَّا دَفَعَهُ لِلْقَاضِي يُوقَفُ إلَى ظُهُورِ
بَيْتِ الْمَالِ ، أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ بِشَرْطِهِ .
قَالَ النَّوَوِيُّ : الثَّالِثُ ضَعِيفٌ وَالْأَوَّلَانِ
حَسَنَانِ وَأَصَحُّهُمَا الْأَوَّلُ ؛ وَلَوْ قِيلَ يَتَخَيَّرُ بَيْنَهُمَا
لَكَانَ حَسَنًا .
قَالَ : بَلْ هُوَ عِنْدِي أَرْجَحُ انْتَهَى .
قِيلَ :
وَقَدْ يُقَالُ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْقَاضِي الْأَهْلِ
الْأَمِينِ صَرْفُ ذَلِكَ فِي الْمَصَالِحِ إذَا لَمْ يَكُنْ مَأْذُونًا لَهُ
فَكَيْفَ يَكُونُ ذَلِكَ لِغَيْرِهِ مِنْ الْآحَادِ فَتَأَمَّلْهُ انْتَهَى .
وَبِتَأَمُّلِهِ مَعَ مَا قَبْلَهُ فَعُلِمَ فَسَادُهُ .
وَمَنْ أَخَذَ حَرَامًا مِنْ سُلْطَانٍ لَا يَعْرِفُ
مَالِكَهُ ، فَعَنْ قَوْمٍ يَرُدُّهُ إلَيْهِ وَلَا يَتَصَدَّقُ بِهِ وَهُوَ
اخْتِيَارُ الْمُحَاسِبِيِّ ، وَعَنْ آخَرِينَ يَتَصَدَّقُ بِهِ : أَيْ
عَنْ مَالِكِهِ إذَا عَلِمَ أَنَّ السُّلْطَانَ لَا
يَرُدُّهُ إلَيْهِ ، وَقَالَ النَّوَوِيُّ : الْمُخْتَارُ أَنَّهُ إنْ عَلِمَ أَوْ
ظَنَّ ظَنًّا مُؤَكَّدًا أَنَّهُ يَصْرِفُهُ فِي بَاطِلٍ لَزِمَهُ صَرْفُهُ فِي الْمَصَالِحِ
كَالْقَنَاطِرِ ، فَإِنْ شَقَّ عَلَيْهِ لِنَحْوِ خَوْفٍ تَصَدَّقَ بِهِ عَلَى
الْأَحْوَجِ فَالْأَحْوَجِ وَأَهَمُّ الْمُحْتَاجِينَ ضُعَفَاءُ الْجُثَّةِ ،
وَإِنْ لَمْ يَظُنَّ أَنَّهُ يَصْرِفُهُ فِي بَاطِلٍ فَلْيَدْفَعْهُ أَوْ
لِنَائِبِهِ حَيْثُ لَا ضَرَرَ وَإِلَّا صَرَفَهُ فِي الْمَصَالِحِ وَعَلَى
نَفْسِهِ إنْ احْتَاجَ .
قَالَ الْغَزَالِيُّ : وَحَيْثُ جَازَ صَرْفُهُ
لِلْفُقَرَاءِ فَلْيُوَسِّعْ عَلَيْهِمْ أَوْ لِنَفْسِهِ ضَيَّقَ عَلَيْهَا مَا
أَمْكَنَهُ أَوْ لِعِيَالِهِ يُوَسِّطُ بَيْنَ السَّعَةِ وَالضِّيقِ وَلَا
يُطْعِمُ غَنِيًّا مِنْهُ إلَّا إنْ لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ لِكَوْنِهِ فِي نَحْوِ بَرِيَّةٍ
، وَلَوْ عُرِفَ مِنْ حَالِ فَقِيرٍ أَنَّهُ لَوْ عَرَفَهُ تَوَرَّعَ عَنْهُ
أَخَّرَهُ إلَى أَنْ يَجُوعَ وَأَخْبَرَهُ بِالْحَالِ وَلَا يَكْتَفِي بِكَوْنِهِ
لَا يَدْرِي الْحَالَ ، وَلَيْسَ لَهُ كِرَاءُ مَرْكُوبٍ وَلَا شِرَاؤُهُ وَإِنْ
كَانَ مُسَافِرًا انْتَهَى .
فَإِنْ أَعْسَرَ بِهِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ :
انْتَظَرْت مَيْسَرَتَهُ وَصَحَّتْ تَوْبَتُهُ .
وَفِي الْجَوَاهِرِ : لَوْ مَاتَ الْمُسْتَحِقُّ
وَاسْتَحَقَّهُ وَارِثٌ بَعْدَ وَارِثٍ فَفِيمَنْ يَسْتَحِقُّهُ فِي الْآخِرَةِ
أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ : الْأَوَّلُ : آخِرُ الْوَرَثَةِ الْكُلِّ فَيَثْبُتُ الْآخِرُ
لِكُلِّ وَارِثٍ مُدَّةَ عُمُرِهِ وَنَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْعَبَّادِيِّ فِي
الرَّقْمِ ، وَرَابِعُهَا إنْ طَالَبَهُ صَاحِبُهُ بِهِ فَجَحَدَهُ وَحَلَفَ
فَهُوَ لَهُ وَإِلَّا انْتَقَلَ إلَى وَرَثَتِهِ ، وَادَّعَى الْقَاضِي أَنَّهُ
لَا خِلَافَ أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ عَلَيْهِ يَكُونُ لِلْأَوَّلِ .
انْتَهَى
.
وَاَلَّذِي رَجَّحَهُ فِي الرَّوْضَةِ هُوَ الْأَوَّلُ
حَيْثُ قَالَ أَرْجَحُهَا ، وَبِهِ أَفْتَى الْحَنَّاطِيُّ أَنَّهُ صَاحِبُ
الْحَقِّ أَوَّلًا انْتَهَى .
وَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ : إنَّهُ الصَّحِيحُ ،
وَحَكَى وَجْهًا آخَرَ أَنَّهُ يَكُونُ لِلْكُلِّ .
قَالَ الْإِسْنَوِيُّ ، وَتَرْجِيحُ الرَّوْضَةِ لَيْسَ
فِي
الرَّافِعِيِّ وَإِنَّمَا حَكَاهُ عَنْ الْحَنَّاطِيِّ
فَقَطْ ، وَعِبَارَتُهُ عَنْهُ يَرِثُهُ اللَّهُ تَعَالَى بَعْدَ مَوْتِ الْكُلِّ
وَيَرُدُّهُ إلَيْهِ فِي الْقِيَامَةِ ، وَلَفْظُ الرَّوْضَةِ لَا يُعْطِي هَذِهِ
الْكَيْفِيَّةَ انْتَهَى : أَيْ وَلَا يُنَافِيهَا فَيُحْمَلُ عَلَيْهَا .
وَقَالَ النَّسَائِيُّ : لَوْ اسْتَحَقَّ الْوَفَاءَ
وَارِثٌ بَعْدَ وَارِثٍ فَإِنْ كَانَ الْمُسْتَحِقُّ ادَّعَاهُ وَحَلَفَ قَالَ فِي
الْكِفَايَةِ : فَالطَّلَبُ فِي الْآخِرَةِ لِصَاحِبِ الْحَقِّ بِلَا خِلَافٍ
أَوْ لَمْ يَحْلِفْ فَوُجُوهٌ فِي الْكِفَايَةِ أَصَحُّهَا مَا نَسَبَهُ الرَّافِعِيُّ
لِلْحَنَّاطِيِّ كَذَلِكَ وَالثَّانِي لِلْكُلِّ وَالثَّالِثُ لِلْأَخِيرِ
وَلِمَنْ فَوْقَهُ ثَوَابُ الْمَنْعِ
.
قَالَ الرَّافِعِيُّ : وَإِذَا دَفَعَ لِآخِرِ
الْوَرَثَةِ خَرَجَ عَنْ مَظْلِمَةِ الْكُلِّ إلَّا فِيمَا سَوَّفَ وَمَاطَلَ
انْتَهَى .
وَهُوَ مِنْ بَقِيَّةِ كَلَامِ الْحَنَّاطِيِّ خِلَافًا
لِمَا تُوهِمُهُ عِبَارَةُ الرَّافِعِيِّ : وَلَا خِلَافَ أَنَّ الْوَارِثَ لَوْ
أَبْرَأَ وَاسْتَوْفَى سَقَطَ الْحَقُّ ، ثُمَّ إنْ كَانَ عَصَى بِالْمُمَاطَلَةِ تَابَ
عَنْهَا ، وَلَوْ أَعْسَرَ مَنْ عَلَيْهِ الْحَقُّ نَوَى الْغُرْمَ إذَا قَدَرَ .
قَالَ الْقَاضِي : وَيَسْتَغْفِرُ اللَّهَ أَيْضًا
فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ الْقُدْرَةِ فَالْمَرْجُوُّ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ تَعَالَى الْمَغْفِرَةُ
، قَالَ فِي الْخَادِمِ : وَمَا قَالَهُ تَفَقُّهًا لَا خِلَافَ فِيهِ كَمَا
جَزَمَ بِهِ الْأَنْصَارِيُّ شَارِحُ إرْشَادِ الْإِمَامِ حَيْثُ قَالَ : لَوْ
حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ تَسْلِيمِ النَّفْسِ أَوْ الْمَالِ مَانِعٌ كَحَبْسِ
ظَالِمٍ لَهُ وَحُدُوثِ أَمْرٍ يَصُدُّهُ عَنْ التَّمْكِينِ سَقَطَ ذَلِكَ عَنْهُ
وَإِنَّمَا يَلْزَمُهُ الْعَزْمُ عَلَى التَّسْلِيمِ إنْ أَمْكَنَهُ قَالَ :
وَهَذَا مِمَّا لَا خِلَافَ فِيهِ انْتَهَى ، وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ النَّوَوِيُّ
فَقَالَ : ظَوَاهِرُ السُّنَّةِ الصَّحِيحَةِ تَقْتَضِي ثُبُوتَ الْمُطَالَبَةِ بِالظِّلَامَةِ
إذَا كَانَ مُعْسِرًا عَاجِزًا إنْ عَصَى بِالْتِزَامِهِ انْتَهَى .
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ : وَفِيهِ نَظَرٌ ، وَفِي
الرَّوْضَةِ : لَوْ اسْتَدَانَ لِحَاجَةٍ مُبَاحَةٍ مِنْ غَيْرِ سَرَفٍ
وَهُوَ يَرْجُو
الْوَفَاءَ مِنْ جِهَةٍ أَوْ سَبَبٍ ظَاهِرٍ
وَاسْتَمَرَّ بِهِ الْعَجْزُ إلَى الْمَوْتِ أَوْ أَتْلَفَ شَيْئًا خَطَأً
وَعَجَزَ عَنْ غَرَامَتِهِ حَتَّى مَاتَ ، فَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا لَا يُطَالَبُ
فِي الْآخِرَةِ وَالْمَرْجُوُّ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ تَعَالَى أَنْ يُعَوِّضَ
صَاحِبَ الْحَقِّ ، وَقَدْ أَشَارَ إلَيْهِ الْإِمَامُ انْتَهَى .
وَذَكَرَ السُّبْكِيُّ مَا يُوَافِقُهُ ، وَنَقَلَ
الزَّرْكَشِيُّ عَنْ الْإِحْيَاءِ مَا يُوَافِقُهُ أَيْضًا ، وَعِبَارَتُهُ مَنْ
كَانَ غَرَضُهُ الرِّفْقُ وَطَلَبُ الثَّوَابِ فَلَهُ أَنْ يَسْتَقْرِضَ عَلَى
حُسْنِ الظَّنِّ بِاَللَّهِ تَعَالَى لَا اعْتِمَادًا عَلَى السَّلَاطِينِ
وَالظَّلَمَةِ ، فَإِنْ رَزَقَهُ اللَّهُ مِنْ حَلَالٍ قَضَاهُ وَإِنْ مَاتَ
قَبْلَ الْقَضَاءِ قَضَى اللَّهُ عَنْهُ وَأَرْضَى غُرَمَاءَهُ ، وَيُشْتَرَطُ أَنْ
يَكُونَ مَكْشُوفَ الْحَالِ عِنْدَ مَنْ يُقْرِضُهُ وَلَا يَغُشَّ الْمُقْرِضُ
وَيَخْدَعَهُ بِالْمَوَاعِيدِ ، وَأَنْ يَكْشِفَ عِنْدَهُ لِيَقْدُمَ عَلَى
إقْرَاضِهِ عَنْ بَصِيرَةٍ ، وَدَيْنٌ مِثْلُ هَذَا وَاجِبٌ أَنْ يُقْضَى مِنْ
بَيْتِ الْمَالِ وَالزَّكَاةِ .
انْتَهَى
.
وَأَفْهَمَ قَوْلُ النَّوَوِيِّ : وَلَا سَرَفَ أَنَّ
السَّرَفَ حَرَامٌ وَاعْتَمَدَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَقَالَ تَفَطَّنْ لَهُ ، قَالَ
غَيْرُهُ وَهُوَ وَاضِحٌ ، وَيَدُلُّ عَلَى تَحْرِيمِهِ قَوْله تَعَالَى : { كُلُوا
وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ } وقَوْله تَعَالَى
: { وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا إنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إخْوَانَ
الشَّيَاطِينِ } وَالتَّبْذِيرُ وَالسَّرَفُ وَاحِدٌ انْتَهَى .
وَقَدْ يُنَافِيهِ قَوْلُهُمْ إنَّ صَرْفَ الْمَالِ فِي
الْأَطْعِمَةِ وَالثِّيَابِ وَالْمَرَاكِبِ النَّفِيسَةِ غَيْرُ سَرَفٍ ،
وَيُجْمَعُ بِأَنَّ هَذَا فِيمَا إذَا كَانَ يَصْرِفُ مِنْ مَالِهِ وَالْأَوَّلُ فِيمَا
إذَا كَانَ يَصْرِفُ مِنْ اقْتِرَاضٍ وَلَيْسَ لَهُ جِهَةٌ ظَاهِرَةٌ يُوَفِّي
مِنْهَا .
وَالْأَصْلُ فِي تَوَقُّفِ التَّوْبَةِ عَلَى الْخُرُوجِ
مِنْ حَقِّ الْآدَمِيِّ عِنْدَ الْإِمْكَانِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ : { مَنْ كَانَ لِأَخِيهِ عِنْدَهُ مَظْلِمَةٌ فِي عِرْضٍ أَوْ مَالٍ
فَلْيَسْتَحِلَّهُ الْيَوْمَ قَبْلَ أَنْ
لَا يَكُونَ دِينَارٌ وَلَا دِرْهَمٌ فَإِنْ كَانَ لَهُ
عَمَلٌ يُؤْخَذُ مِنْهُ بِقَدْرِ مَظْلَمَتِهِ وَإِلَّا أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ
صَاحِبِهِ فَحُمِلَ عَلَيْهِ } كَذَا أَوْرَدَهُ الزَّرْكَشِيُّ عَنْ مُسْلِمٍ .
وَاَلَّذِي فِي صَحِيحِهِ كَمَا مَرَّ : { أَتَدْرُونَ
مَنْ الْمُفْلِسُ قَالُوا : الْمُفْلِسُ فِينَا مِنْ لَا دِرْهَمَ لَهُ وَلَا مَتَاعَ ،
قَالَ : إنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي مَنْ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ
بِصَلَاةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ وَقَدْ شَتَمَ هَذَا وَقَذَفَ هَذَا وَأَكَلَ مَالَ
هَذَا وَسَفَكَ دَمَ هَذَا وَضَرَبَ هَذَا فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ
وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَ مَا
عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ
} رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ .
وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ بِلَفْظِ : { مَنْ كَانَتْ
عِنْدَهُ مَظْلِمَةٌ لِأَخِيهِ فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهَا فَإِنَّهُ لَيْسَ
هُنَاكَ دِينَارٌ وَلَا دِرْهَمٌ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُؤْخَذَ لِأَخِيهِ مِنْ
حَسَنَاتِهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَسَنَاتٍ أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ أَخِيهِ
فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ } .
وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ بِمَعْنَاهُ وَقَالَ فِي
أَوَّلِهِ : { رَحِمَ اللَّهُ عَبْدًا كَانَتْ لِأَخِيهِ مَظْلِمَةٌ فِي
عِرْضٍ أَوْ مَالٍ فَجَاءَهُ فَاسْتَحَلَّهُ } .
وَكَأَنَّ ابْنَ عَبْدِ السَّلَامِ أَخَذَ مِنْ هَذِهِ
الْأَحَادِيثِ قَوْلَهُ : مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ تَعَدَّى بِسَبَبِهِ أَوْ
بِمَظْلِمَةٍ أُخِذَ مِنْ حَسَنَاتِهِ بِمِقْدَارِ مَا ظُلِمَ بِهِ فَإِنْ
فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ طُرِحَ عَلَيْهِ مِنْ سَيِّئَاتِ الْمَظْلُومِ ثُمَّ
أُلْقِيَ فِي النَّارِ ، وَإِنْ كَانَ لَمْ يَتَعَدَّ بِسَبَبِهِ وَلَا
بِمَظْلِمَةِ أَحَدٍ أُخِذَ مِنْ حَسَنَاتِهِ فِي الْآخِرَةِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ
أَمْوَالِهِ فِي الدُّنْيَا حَتَّى لَا يَبْقَى لَهُ شَيْءٌ فَإِنْ فُقِدَتْ لَمْ
يُطْرَحْ عَلَيْهِ مِنْ سَيِّئَاتِ الْمُسْتَحِقِّ لِأَنَّهُ غَيْرُ عَاصٍ .
فَإِنْ قِيلَ : فَمَا حُكْمُ مَنْ يَفْضُلُ عَلَيْهِ
شَيْءٌ مِنْ الدَّيْنِ بَعْدَ فِنَاءِ حَسَنَاتِهِ ؟ قُلْت الْأَمْرُ فِيهِ إلَى
اللَّهِ تَعَالَى إنْ شَاءَ عَوَّضَ رَبَّ الدَّيْنِ مِنْ عِنْدِهِ وَإِنْ شَاءَ
لَمْ يُعَوِّضْهُ ، وَهَذَا مَوْقُوفٌ عَلَى صِحَّةِ الْخَبَرِ فِيهِ وَلَا يُؤْخَذُ
مِنْ ثَوَابِ إيمَانِهِ الْوَاجِبِ كَمَا لَا تُؤْخَذُ فِي الدُّنْيَا ثِيَابُ
بَدَنِهِ ، وَفِي ثَوَابِ الْإِيمَانِ الْمَنْدُوبِ نَظَرٌ .
انْتَهَى
.
قَالَ فِي الْخَادِمِ : وَالتَّحْقِيقُ فِي هَذَا مَا
صَارَ إلَيْهِ الرَّافِعِيُّ وَالنَّوَوِيُّ وَهُوَ الْمُنَاسِبُ لِأَحْكَامِ
الْحَلِيمِ الْكَرِيمِ أَنْ يَكُونَ فِي هَذِهِ الدُّيُونِ عَلَى نِسْبَةِ
أَحْكَامِ الدُّنْيَا ، فَإِذَا حَكَمَ الشَّرْعُ فِي الدَّيْنِ بِسَبَبٍ مُبَاحٍ
إذَا عَجَزَ أَنْ يُؤَدِّيَ عَنْهُ جَمِيعَ دَيْنِهِ مِنْ سَهْمِ الْغَارِمِينَ
الْمُحَصَّلِ فِي بَيْتِ الْمَالِ عَلَى يَدِ حَاكِمِ الشَّرْعِ فَلَمْ يَرْجُو
الْمَدِينُ الْعَاجِزُ عَنْ الْأَدَاءِ إلَى حِينِ مَوْتِهِ مِنْ غَيْرِ عِصْيَانٍ
أَنَّ اللَّهَ يَقْضِي عَنْهُ بِإِرْضَاءِ غُرَمَائِهِ مِنْ خَزَائِنِ أَفْضَالِهِ
كَمَا أَمَرَ خُلَفَاءَهُ أَنْ يَقْضُوا عَنْهُ مِنْ بُيُوتِ أَمْوَالِهِمْ ؟ قَالَ
: ثُمَّ مَا جَزَمُوا بِهِ مِنْ انْقِطَاعِ الطَّلَبِ عَنْهُ فِي الدُّنْيَا
لَيْسَ عَلَى وَجْهِهِ ، فَإِنَّهُ إذَا كَانَ لَهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ مَا يَفِي
بِمَا عَلَيْهِ وَجَبَ أَدَاؤُهُ مِنْهُ ، وَهَذَا مِنْ دَقِيقِ الْفُرُوعِ
الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يَتَنَبَّهَ لَهُ الْأَئِمَّةُ الْعَادِلُونَ وَالْقُضَاةُ
الَّذِينَ تَحْتَ أَيْدِيهِمْ الزَّكَوَاتُ وَفِيهَا سَهْمُ الْغَارِمِينَ ،
وَقَدْ نَبَّهَ عَلَى هَذَا ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي الِاسْتِذْكَارِ فَإِنَّهُ
لَمَّا ذَكَرَ أَحَادِيثَ تَعْظِيمِ الدَّيْنِ وَأَنَّهُ لَا يُغْفَرُ لِلشَّهِيدِ
قَالَ : وَهَذَا مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ قَبْلَ أَنْ
يَفْتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْفُتُوحَاتِ ، وَأَمَّا بَعْدُ فَقَالَ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { مَنْ تَرَكَ مَالًا فَلِوَرَثَتِهِ وَمَنْ تَرَكَ دَيْنًا
أَوْ عِيَالًا فَعَلَيَّ } .
فَكُلُّ مَنْ مَاتَ وَقَدْ ادَّانَ فِي مُبَاحٍ وَعَجَزَ
عَنْ أَدَائِهِ أَدَّى عَنْهُ
الْإِمَامُ مِنْ سَهْمِ الْغَارِمِينَ أَوْ مِنْ الزَّكَاةِ
أَوْ الْفَيْءِ ، وَظَاهِرُ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "
فَعَلَيَّ " أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ مَنْ تَرَكَ مَالًا وَمَنْ لَمْ
يَتْرُكْهُ ، وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ الْمَيِّتَ الْمُسْلِمَ كَانَ قَدْ
وَجَبَتْ لَهُ حُقُوقٌ فِي بَيْتِ الْمَالِ مِنْ الْفَيْءِ وَغَيْرِهِ لَمْ يَصِلْ
إلَيْهَا ، فَلَزِمَ الْإِمَامَ أَنْ يُؤَدِّيَ مِنْهَا دَيْنَهُ وَيُخَلِّصَ
مَالَهُ لِوَرَثَتِهِ ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ الْغَرِيمُ وَلَا السُّلْطَانُ
وَقَعَ الْقِصَاصُ بَيْنَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلَمْ يُحْبَسْ عَنْ الْجَنَّةِ
بِدَيْنٍ لَهُ مِثْلُهُ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ أَوْ غَرِيمٍ
جَحَدَهُ ، وَمُحَالٌ أَنْ يُحْبَسَ عَنْ الْجَنَّةِ مَنْ لَهُ مَالٌ يَفِي بِمَا
عَلَيْهِ عِنْدَ سُلْطَانٍ أَوْ غَيْرِهِ .
انْتَهَى
.
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ : وَهُوَ حَسَنٌ فِيمَنْ لَهُ فِي
بَيْتِ الْمَالِ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِ وَلَيْسَ كُلُّ أَحَدٍ كَذَلِكَ ، وَقَدْ
سَبَقَ فِي الْخَصَائِصِ أَنَّ قَضَاءَ دَيْنِ الْمَيِّتِ الْمُعْسِرِ كَانَ
وَاجِبًا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَلْ عَلَى
الْأَئِمَّةِ بَعْدَهُ قَضَاؤُهُ مِنْ مَالِ الْمَصَالِحِ ؟ وَجْهَانِ .
وَإِنْ كَانَ قَوَدًا أَوْ حَدَّ قَذْفٍ اُشْتُرِطَ مَعَ
الْإِتْيَانِ بِجَمِيعِ مَا مَرَّ أَيْضًا أَنْ يُمَكِّنَ الْمُسْتَحِقَّ مِنْ
اسْتِيفَائِهِ بِأَنْ يُعْلِمَهُ إنْ جَهِلَ الْقَاتِلُ وَيَقُولَ لَهُ إنْ شِئْت
فَاقْتَصَّ وَإِنْ شِئْت فَاعْفُ ، فَإِنْ امْتَنَعَ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا صَحَّتْ
التَّوْبَةُ : وَلَوْ تَعَذَّرَ وُصُولُهُ لِلْمُسْتَحِقِّ نَوَى التَّمْكِينَ
إذَا قَدَرَ وَيَسْتَغْفِرُ اللَّهَ
.
وَقَالَ الْإِمَامُ وَتَبِعَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ
وَسَكَتَ عَلَيْهِ فِي الرَّوْضَةِ : تَصِحُّ تَوْبَتُهُ وَإِنْ لَمْ يُسَلِّمْ
نَفْسَهُ لَكِنْ بِالنِّسْبَةِ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَمَنْعُهُ التَّمْكِينَ
مَعْصِيَةُ جَدِيدَةٌ تَقْتَضِي تَوْبَةً أُخْرَى ، وَاعْتَرَضَهُ الْبُلْقِينِيُّ
بِأَنَّهُ يَلْزَمُ الْإِمَامَ مِثْلُ ذَلِكَ فِي الْأَمْوَالِ وَلَا قَائِلَ بِهِ
، وَفَرَّقَ فِي الْخَادِمِ بِأَنَّ الْمَالَ الَّذِي حَصَلَتْ الْمَعْصِيَةُ
بِأَخْذِهِ مُمْكِنٌ
رَدُّهُ أَوْ رَدُّ بَدَلِهِ وَالنَّفْسُ الَّتِي
فَاتَتْ بِالْقَتْلِ لَا يُمْكِنُ رَدُّهَا وَلَا رَدُّ بَدَلِهَا فِي الدُّنْيَا
، فَجَوَّزْنَا التَّوْبَةَ وَالتَّغْيِيبَ عِنْدَ رَجَاءِ الْعَفْوِ صِيَانَةً لِلْأَنْفُسِ
عَنْ الْقَتْلِ .
وَنَقَلَ الْإِمَامُ عَنْ الْبَاقِلَّانِيِّ أَنَّهُ
يَجُوزُ لِلْقَاتِلِ أَنْ يَخْتَفِيَ أَيَّامًا حَتَّى يَسْكُنَ غَضَبُ وَلِيِّ
الدَّمِ مَعَ الْعَزْمِ عَلَى التَّسْلِيمِ وَأَكْثَرُهَا ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ ،
وَادِّعَاءُ كَثِيرِينَ إحَالَةَ وُجُودِ النَّدَمِ مَعَ الِامْتِنَاعِ مِنْ
التَّمْكِينِ مَمْنُوعٌ : وَيَجِبُ الْإِخْبَارُ وَالتَّمْكِينُ فِي حَدِّ الْقَذْفِ
أَيْضًا ، قَالَ الْغَزَالِيُّ : وَلَوْ أَتَى بِكِنَايَةِ قَذْفٍ مُرِيدًا لَهُ
لَزِمَهُ إخْبَارُهُ بِهِ لِوُجُوبِ الْحَدِّ عَلَيْهِ بَاطِنًا ، وَيُحْتَمَلُ أَلَّا
يَجِبَ فِيهِ لِأَنَّ فِيهِ إيذَاءً فَيَبْعُدُ إيجَابُهُ وَسَتْرُهُ أَوْلَى ،
وَيُؤَيِّدُ قَوْلَ الْعَبَّادِيِّ وَالْبَغَوِيِّ وَغَيْرِهِمَا يُخْبِرُهُ عَنْ
الْقَذْفِ الصَّرِيحِ خُفْيَةً كَمَا فِي حَقِّ الْقِصَاصِ ، وَالثَّانِي مَا فِي
التَّوَسُّطِ لِلْأَذْرَعِيِّ وَهُوَ قَوْلُهُ : مَرَّ بِبَالِي تَفْصِيلٌ فِي
وُجُوبِ إعْلَامِ الْمَقْذُوفِ وَهُوَ أَنَّ الْقَاذِفَ إنْ أَمِنَ عَلَى نَفْسِهِ
وَغَيْرِهَا لَوْ أَخْبَرَهُ لَزِمَهُ إخْبَارُهُ لَا مَحَالَةً ، وَإِنْ لَمْ
يَأْمَنْ كَأَنْ ظَنَّ أَنَّهُ يَتَجَاوَزُ إلَى نَحْوِ تَعْذِيبِهِ لَمْ
يَلْزَمْهُ إعْلَامُهُ بَلْ يَلْجَأُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى فِي إرْضَائِهِ عَنْهُ
إنْ كَذَبَ فِي قَذْفِهِ .
نَعَمْ يَلْزَمُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ إعْلَامُ وَارِثِهِ
إنْ أَمِنَ مِنْهُ مَعَ التَّضَرُّعِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى فِي إرْضَائِهِ
الْمَقْذُوفَ الْمَيِّتَ عَنْهُ فِي الْآخِرَةِ وَيَسْتَغْفِرُ لَهُ كَمَا يَأْتِي
فِي الْغِيبَةِ ، قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَيُشْبِهُ أَنْ يَأْتِيَ مِثْلُ هَذَا
التَّفْصِيلِ فِي قَوَدِ النَّفْسِ أَوْ الطَّرَفِ فَلَا يَجِبُ إعْلَامٌ إلَّا
حَيْثُ لَمْ يَغْلِبْ عَلَى الظَّنِّ ظُلْمُهُ بِنَحْوِ أَخْذِ مَالٍ أَوْ
تَعْذِيبٍ زَائِدٍ عَلَى مِثْلِ جِنَايَتِهِ .
وَلَوْ بَلَغَتْ الْغِيبَةُ الْمُغْتَابَ أَوْ قُلْنَا
إنَّهَا كَالْقَوَدِ ، وَالْقَذْفُ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى بُلُوغٍ .
فَالطَّرِيقُ أَنْ يَأْتِيَ الْمُغْتَابَ وَيَسْتَحِلَّ
مِنْهُ ، فَإِنْ تَعَذَّرَ لِمَوْتِهِ أَوْ تَعَذَّرَ لِغَيْبَتِهِ الشَّاسِعَةَ
اسْتَغْفَرَ اللَّهَ تَعَالَى ، وَالِاعْتِبَارُ بِتَحْلِيلِ الْوَرَثَةِ ذَكَرَهُ
الْحَنَّاطِيُّ وَغَيْرُهُ وَأَقَرَّهُمْ فِي الرَّوْضَةِ قَالَ فِيهَا : وَإِفْتَاءُ
الْحَنَّاطِيُّ بِأَنَّ الْغِيبَةَ إذَا لَمْ تَبْلُغْ الْمُغْتَابَ كَفَاهُ
النَّدَمُ وَالِاسْتِغْفَارُ ، وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ الصَّبَّاغِ حَيْثُ قَالَ :
إنَّمَا يَحْتَاجُ لِاسْتِحْلَالِ الْمُغْتَابِ إذَا عَلِمَ لِمَا دَاخَلَهُ مِنْ
الضَّرَرِ وَالْغَمِّ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ فَلَا فَائِدَةَ فِي
إعْلَامِهِ لِتَأَذِّيهِ فَلْيَتُبْ فَإِذَا تَابَ أَغْنَاهُ عَنْ ذَلِكَ .
نَعَمْ إنْ كَانَ انْتَقَصَهُ عِنْدَ قَوْمٍ رَجَعَ
إلَيْهِمْ وَأَعْلَمَهُمْ أَنَّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ حَقِيقَةً انْتَهَى .
وَتَبِعَهُمَا كَثِيرُونَ مِنْهُمْ النَّوَوِيُّ
وَاخْتَارَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ فِي فَتَاوِيهِ وَغَيْرُهُ ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ
: وَهُوَ الْمُخْتَارُ وَحَكَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ ابْنِ الْمُبَارَكِ
وَأَنَّهُ نَاظَرَ سُفْيَانَ فِيهِ وَقَالَ لَهُ لَمَّا أَنْكَرَ عَلَيْهِ لَا تُؤْذِهِ
مَرَّتَيْنِ .
وَحَدِيثُ : { كَفَّارَةُ الْغِيبَةِ أَنْ تَسْتَغْفِرَ
لِمَنْ اغْتَبْته تَقُولُ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَنَا وَلَهُ } فِيهِ ضَعِيفٌ كَمَا قَالَهُ
الْبَيْهَقِيُّ ، وَقَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ : هُوَ وَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ لَهُ
إسْنَادٌ مَعْنَاهُ ثَابِتٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ قَالَ تَعَالَى : { إنَّ
الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ
} .
وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : {
وَأَتْبِعْ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا } .
وَحَدِيثُ حُذَيْفَةَ لَمَّا اشْتَكَى إلَيْهِ ذَرِبَ
اللِّسَانِ عَلَى أَهْلِهِ : { أَيْنَ أَنْتَ مِنْ الِاسْتِغْفَارِ } انْتَهَى .
وَاعْتَرَضَ بِأَنَّهُ صَحَّ مَا يُعَارِضُهُ وَهُوَ {
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَائِشَةَ فِي تِلْكَ الْمَرْأَةِ :
قَدْ اغْتَبْتِيهَا قُومِي فَتَحَلَّلِيهَا } ، وَقَوْلُهُ : { مَنْ كَانَتْ لَهُ
عِنْدَ
أَخِيهِ مَظْلِمَةٌ فَلْيَسْتَحِلَّهُ الْيَوْمَ } وَبِأَنَّهُ
لَوْ أَجْزَأَ الِاسْتِغْفَارُ هُنَا لَأَجْزَأَ فِي أَخْذِ الْمَالِ .
وَقَدْ يُجَابُ بِمَنْعِ الْمُعَارَضَةِ بِأَنْ يُحْمَلَ
هَذَا عَلَى أَنَّهُ أَمَرَ بِالْأَفْضَلِ أَوْ بِمَا يَمْحُو أَثَرَ الذَّنْبِ
بِالْكُلِّيَّةِ عَلَى الْفَوْرِ ، بِخِلَافِ الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ لَيْسَ
كَذَلِكَ ، وَبِوُضُوحِ الْفَرْقِ بَيْنَ الْغِيبَةِ وَأَخْذِ الْمَالِ .
وَمِنْ ثَمَّ وَجَّهُوا الْقَوْلَ بِأَنَّهَا صَغِيرَةٌ
مَعَ عَظِيمِ مَا وَرَدَ فِيهَا مِنْ الْوَعِيدِ بِأَنَّ عُمُومَ ابْتِلَاءِ
النَّاسِ بِهَا اقْتَضَى الْمُسَامَحَةَ بِكَوْنِهَا صَغِيرَةً لِئَلَّا يَلْزَمَ
تَفْسِيقُ النَّاسِ كُلِّهِمْ إلَّا الْفَذُّ النَّادِرُ مِنْهُمْ ، وَهَذَا
حَرَجٌ عَظِيمٌ فَلِأَجْلِهِ خُفِّفَ فِيهَا بِذَلِكَ فَلَمْ تَكُنْ
كَالْأَمْوَالِ حَتَّى تُقَاسَ بِهَا فِيمَا ذَكَرَهُ الْمُعْتَرِضُ ، وَإِنَّمَا
يَجِبُ إعْلَامُ ذِي الْحَقِّ الْمُكَلَّفِ فَغَيْرُهُ يَبْقَى حَقُّهُ وَإِنْ
سَامِح .
وَنَقَلَ ابْنُ الْقُشَيْرِيِّ عَنْ الْقَاضِي : أَنَّهُ
لَوْ أَظْهَرَ الِاعْتِذَارَ بِلِسَانِهِ حَتَّى طَابَ قَلْبُ خَصْمِهِ كَفَاهُ ،
عَنْ هَاشِمٍ أَنَّهُ لَوْ أَظْهَرَ بِلِسَانِهِ دُونَ بَاطِنِهِ لَمْ يَكْفِهِ ثُمَّ
قَالَ : وَالْحَقُّ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَخْلُصْ فِيهِ كَانَ ذَنْبًا فِيمَا
بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى ، وَالْأَظْهَرُ بَقَاءُ مُطَالَبَةِ خَصْمِهِ
لَهُ فِي الْآخِرَةِ لِأَنَّهُ لَوْ عَلِمَ عَدَمَ إخْلَاصِهِ فِي اعْتِذَارِهِ
لَتَأَذَّى بِهِ ، وَمَا ذَكَرَهُ صَرَّحَ بِهِ الْإِمَامُ فَقَالَ عَلَيْهِ أَنْ
يُخْلِصَ فِي الِاعْتِذَارِ إذْ هُوَ قَوْلُ النَّفْسِ عِنْدَ أَصْحَابِنَا ،
وَالْعِبَارَةُ تَرْجَمَةٌ عَنْهَا ، فَإِنْ لَمْ يُخْلِصْ فَهُوَ ذَنْبٌ فِيمَا
بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَبْقَى لِخَصْمِهِ
عَلَيْهِ مُطَالَبَةٌ فِي الْآخِرَةِ لِأَنَّهُ لَوْ عَلِمَ أَنَّهُ غَيْرُ
مُخْلِصٍ لَمَا رَضِيَ بِهِ انْتَهَى
.
وَهَذَا كُلُّهُ فِي غِيبَةِ اللِّسَانِ فَغِيبَةُ
الْقَلْبِ لَا يَجِبُ الْإِخْبَارُ بِهَا عَلَى قِيَاسِ مَا صَحَّحَهُ
النَّوَوِيُّ فِي الْحَسَدِ وَنَظَرَ فِيهِ الْأَذْرَعِيُّ .
وَنَقَلَ الْقَاضِي عَنْ بَعْضِ
الْقَدَرِيَّةِ أَنَّهُ إنَّمَا يَجِبُ الِاعْتِذَارُ
إلَى الْمَقْذُوفِ مَثَلًا إنْ ظَنَّ أَنَّهُ عَلِمَ لِيُزِيلَ غَمُّهُ وَإِلَّا
فَلَا .
لِأَنَّ الْقَصْدَ بِالِاعْتِذَارِ إزَالَةُ الْغَمِّ
وَهَذَا يُجَدِّدُهُ ، قَالَ الْقَاضِي : وَهَذَا بَاطِلٌ لِأَنَّ عِلَّةَ وُجُوبِ
الِاعْتِذَارِ مِنْ الذَّنْبِ كَوْنُهُ إسَاءَةٍ لَا كَوْنُهُ مُوجِبًا لِغَمِّهِ
إذْ لَوْ سَرَقَ دِرْهَمًا مِنْ مَالِ سُلْطَانٍ وَأُعْلِمَ أَنَّهُ لَا يَغُمُّهُ
لَزِمَهُ الِاعْتِذَارُ إلَيْهِ لِكَوْنِهِ إسَاءَةً ، كَمَا يَلْزَمُهُ لَوْ
أَخَذَهُ مِنْ فَقِيرٍ يَعْظُمُ أَسَفُهُ بِفَقْدِهِ ؛ نَعَمْ لَا يَبْعُدُ أَنْ
يَجِبَ هُنَا مِنْ الِاعْتِذَارِ أَشَدُّ مِمَّا وَجَبَ مِنْهُ ثُمَّ وَكَذَا لَوْ
سَرَقَ مَالًا ثُمَّ رَدَّهُ لِمَحَلِّهِ وَلَمْ يَشْعُرْ مَالِكُهُ فَيَلْزَمُهُ
الِاعْتِذَارُ إلَيْهِ لِكَوْنِهِ إسَاءَةً إلَيْهِ وَظُلْمًا لَهُ ، وَلَوْ كَانَ
كَمَا ادَّعَاهُ هَذَا الْقَائِلُ لَسَقَطَ وُجُوبُ الِاعْتِذَارِ إلَيْهِ مِنْ
الْإِسَاءَةِ الْعَظِيمَةِ فِي الْأَهْلِ وَالْمَالِ إذَا عَلِمَ أَنَّ الْمُسَاءَ
إلَيْهِ يَغْتَمُّ بِذَلِكَ .
انْتَهَى مُلَخَّصًا .
وَمَا ذَكَرَهُ فِي السَّرِقَةِ خَالَفَهُ فِيهِ
غَيْرُهُ ، فَقَالَ : مَنْ سَرَقَ مَالًا وَرَدَّهُ لَا يَلْزَمُهُ أَنْ يُخْبِرَ
بِأَنَّهُ أَخَذَهُ سَرِقَةً بَلْ الْأَوْلَى أَنْ يَسْتُرَ نَفْسَهُ ، وَمَرَّ
عَنْ الْحَنَّاطِيِّ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ لَا اعْتِبَارَ بِتَحْلِيلِ الْوَرَثَةِ
وَوَافَقَهُمْ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي تَعْلِيقِهِ وَأُلْحِقَ بِهِ كُلُّ مَا
لَيْسَ فِيهِ حَدٌّ ، فَإِنْ كَانَ فِيهِ حَدٌّ كَالْقَذْفِ اُعْتُبِرَ تَحْلِيلُهُ
، وَفِي الرَّوْضَةِ حِكَايَةُ وَجْهَيْنِ فِي أَنَّهُ هَلْ يَكْفِي
الِاسْتِحْلَالُ مِنْ الْغِيبَةِ الْمَجْهُولَةِ ، وَاَلَّذِي رَجَّحَهُ فِي
الْأَذْكَارِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَتِهَا ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ
يَسْمَحُ عَنْ غِيبَةٍ دُونَ غِيبَةٍ ، وَكَلَامُ الْحَلِيمِيِّ وَغَيْرِهِ
يَقْتَضِي الْجَزْمَ بِالصِّحَّةِ ؛ لِأَنَّ مَنْ سَمَحَ بِالْعَفْوِ مِنْ غَيْرِ
كَشْفٍ فَقَدْ وَطَّنَ نَفْسَهُ عَلَيْهِ مَهْمَا كَانَتْ الْغِيبَةُ يُوَافِقُهُ
قَوْلُ النَّوَوِيِّ فِي الرَّوْضَةِ أَيْضًا .
وَأَمَّا الْحَدِيثُ : { أَيَعْجِزُ
أَحَدُكُمْ أَنْ يَكُونَ كَأَبِي ضَمْضَمَ كَانَ إذَا
خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ قَالَ إنِّي تَصَدَّقْت بِعِرْضِي عَلَى النَّاسِ } ،
فَمَعْنَاهُ لَا أَطْلُبُ مَظْلِمَتِي لَا فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَةِ ،
وَهَذَا يَنْفَعُ فِي إسْقَاطِ مَظْلِمَةٍ كَانَتْ مَوْجُودَةً قَبْلَ
الْإِبْرَاءِ ، فَأَمَّا مَا يَحْدُثُ بَعْدَهُ فَلَا بُدَّ مِنْ إبْرَاءٍ جَدِيدٍ
بَعْدَهَا .
انْتَهَى
.
فَفِي عِبَارَتِهَا هَذِهِ تَصْرِيحٌ بِالسُّقُوطِ مَعَ
الْجَهْلِ بِالْمُبَرَّأِ مِنْهُ الْوَاقِعِ مِنْ قَبْلُ فَيُوَافِقُ قَضِيَّةَ
كَلَامِ الْحَلِيمِيِّ .
وَقَالَ فِي الْإِحْيَاءِ : يَسْتَحِلُّ مِمَّنْ تَعَرَّضَ
لَهُ بِلِسَانِهِ أَوْ أَذَى قَلْبَهُ بِفِعْلٍ مِنْ أَفْعَالِهِ فَإِنْ غَابَ
أَوْ مَاتَ فَقَدْ فَاتَ أَمْرُهُ وَلَا يُدْرِكُ إلَّا بِكَثْرَةِ الْحَسَنَاتِ
لِتُؤْخَذَ عِوَضًا فِي الْقِيَامَةِ
.
وَيَجِبُ أَنْ يُفَصِّلَ لَهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ
التَّفْصِيلُ مُضِرًّا لَهُ كَذِكْرِهِ عُيُوبًا يُخْفِيهَا فَإِنَّهُ يَسْتَحِلُّ
مِنْهُ مُبْهَمًا ، ثُمَّ تَبْقَى لَهُ مَظْلَمَةٌ فَلْيَجْبُرْهَا بِالْحَسَنَاتِ
كَمَا يَجْبُرُهَا مَظْلِمَةُ الْمَيِّتِ أَوْ الْغَائِبِ .
انْتَهَى
.
وَأَوْجَبَ الْعَبَّادِيُّ فِي الْحَسَدِ الْإِخْبَارَ
كَالْغِيبَةِ وَاسْتَبْعَدَهُ الرَّافِعِيُّ ، وَصَوَّبَ النَّوَوِيُّ أَنَّهُ لَا
يَجِبُ بَلْ وَلَا يُسْتَحَبُّ ، قَالَ : وَلَوْ قِيلَ يُكْرَهُ لَمْ يَبْعُدْ ،
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَهُوَ كَمَا قَالَ ، وَنَصُّ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ : يُفْهِمُهُ وَيُشْبِهُ حُرْمَتَهُ إذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ
أَنَّهُ لَا يُحَلِّلُهُ وَأَنَّهُ يَتَوَلَّدُ مِنْهُ عَدَاوَةٌ وَحِقْدٌ وَأَذًى
لِلْمُخْبِرِ ، وَكَذَا لَوْ شَكَّ فَإِنَّ النَّفْسَ الزَّكِيَّةَ نَادِرَةٌ ،
وَإِنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ لَوْ أَخْبَرَهُ حَلَّلَهُ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ
يَتَوَلَّدُ مِنْهُ لَزِمَهُ إخْبَارُهُ لِيَخْرُجَ مِنْ ظِلَامَتِهِ بِيَقِينٍ
انْتَهَى مُلَخَّصًا .
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ بَعْدَ إيرَادِهِ كَلَامَ شَيْخِهِ
الْأَذْرَعِيِّ بِصِيغَةِ قِيلَ
.
فَإِنْ قِيلَ : تَضَافَرَتْ الْأَحَادِيثُ عَلَى ذَمِّ
الْحَسَدِ وَهُوَ مِنْ أَعْمَالِ الْقُلُوبِ فَتَجِبُ التَّوْبَةُ مِنْهُ وَلَا
طَرِيقَ لِلتَّوْبَةِ إلَّا ذَلِكَ فَيَقْوَى مَا قَالَهُ الْعَبَّادِيُّ .
قُلْت :
لَكِنَّ ظَاهِرَ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ : { إنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لِي عَنْ أُمَّتِي مَا حَدَّثَتْ بِهِ
أَنْفُسَهَا مَا لَمْ تَتَكَلَّمْ أَوْ تَعْمَلْ بِهِ } يَقْتَضِي أَنَّهُ
مَرْفُوعٌ وَاخْتَارَهُ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ فَقَالَ : الَّذِي نَعْتَقِدُهُ
مِنْ سَعَةِ رَحْمَةِ اللَّهِ عَدَمَ الْمُؤَاخَذَةِ بِحَدِيثِ النَّفْسِ بِكُلِّ
حَالٍ سَوَاءٌ الْهَمُّ وَغَيْرُهُ مَا لَمْ يَقُلْ أَوْ يَفْعَلْ عَمَلًا
بِالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ فِي ذَلِكَ ، وَتُحْمَلُ أَحَادِيثُ الْمُؤَاخَذَةِ
عَلَى مَا إذَا اقْتَرَنَ بِهِ عَمَلُ جَارِحَةٍ وَلَا يَخْرُجُ مِنْ ذَلِكَ إلَّا
الْكُفْرُ فَإِنَّهُ مِنْ أَعْمَالِ الْقُلُوبِ إجْمَاعًا .
وَأَمَّا أَحَادِيثُ الْحَسَدِ فَصَحِيحَةٌ وَكُلُّ
عَمَلٍ سَيْءٍ فَهُوَ مَذْمُومٌ بَاطِنًا كَانَ أَوْ ظَاهِرًا .
وَأَمَّا الْمُؤَاخَذَةُ عَلَيْهِ فَلَا نَعْلَمُ
حَدِيثًا صَحِيحًا تَضَمَّنَهُ وَلَوْ صَحَّ فِيهِ حَدِيثٌ تَضَمَّنَهُ
حَمَلْنَاهُ عَلَى حَدٍّ اقْتَرَنَ بِقَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ جَمْعًا بَيْنَ
الْأَحَادِيثِ ، وَمَا مَرَّ عَنْ الْعَبَّادِيِّ بَعِيدٌ كَمَا
قَالَ الرَّافِعِيُّ وَهُوَ كَمَنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ
وَلَمْ يَعْمَلْهَا لَا سِيَّمَا إذَا غَلَبَتْهُ نَفْسُهُ بِجِبِلَّتِهَا وَهُوَ
كَارِهٌ لِمَا تَهْوَاهُ غَيْرُ رَاضٍ عَنْهَا فِي ذَلِكَ كَافٍّ لَهَا عَنْ
الْعَمَلِ بِمُوجِبِهِ قَوْلًا وَفِعْلًا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ ، بَلْ
أَرْجُو أَنَّ جَزَاءَ ذَلِكَ أَنْ يُكْتَبَ لَهُ بِهِ حَسَنَةٌ ؛ لِأَنَّهُ
تَرَكَ السَّيِّئَةَ مِنْ أَجْلِ اللَّهِ فَجَاهَدَ نَفْسَهُ فَخَلِيقٌ بِهِ أَنْ
يُوصَفَ بِالْإِحْسَانِ ، ثُمَّ ذَكَرَ ثَلَاثَةَ أَحَادِيثَ تَتَعَلَّقُ بِمَا ذَكَرَهُ
، ثُمَّ قَالَ : إنَّ الْمَعْصِيَةَ الَّتِي مِنْ عَمَلِ الْقَلْبِ وَلَا
تَعَلُّقَ لَهَا بِأَمْرٍ خَارِجِيٍّ غَيْرِ مُؤَاخَذٍ بِهَا ، وَأَمَّا الْحَسَدُ
الَّذِي يُمْكِنُ دَفْعُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَلَمْ يَدْفَعْهُ فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ
كَذَلِكَ وَيُحْتَمَلُ الْفَرْقُ وَهُوَ الْمُخْتَارُ فَإِنَّهُ تَمَنَّى زَوَالَ
نِعْمَةِ الْغَيْرِ عَنْهُ ، وَقَدْ يُمْكِنُهُ التَّسَبُّبُ فِي إزَالَتِهَا
فَتَتَوَقَّفُ الْمُؤَاخَذَةُ عَلَى الْمُسَبَّبِ الْمُمْكِنِ بِخِلَافِ سُوءِ
الظَّنِّ ، فَإِنَّهُ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِفِعْلٍ خَارِجِيٍّ يُتَصَوَّرُ
وُجُودُهُ مَعَهُ لِأَنَّ مُتَعَلِّقَ الصِّفَاتِ الْمَظْنُونَةِ بِالْمَظْنُونِ
بِهِ لَا غَيْرُ وَلَا صُنْعَ لَهُ فِيهَا ، قَالَ : وَالْقَوْلُ بِالتَّسْوِيَةِ
بَيْنَ جَمِيعِ الْمَعَاصِي مَا سِوَى الشِّرْكِ وَمَا أَلْحَقْنَاهُ بِهِ قَوْلٌ
حَسَنٌ جَيِّدٌ إلْحَاقًا لِلْمَعَاصِي بَعْضِهَا بِبَعْضٍ انْتَهَى .
وَعَجِيبٌ مِنْ الزَّرْكَشِيّ نَقْلُ هَذِهِ
الْمَقَالَةِ وَاعْتِمَادُهَا مَعَ ضَعْفِهَا وَمُخَالَفَتِهَا لِمَا عَلَيْهِ
الْمُحَقِّقُونَ مِنْ التَّفْصِيلِ بَيْنَ الْهَاجِسِ وَالْوَاجِسِ وَحَدِيثِ
النَّفْسِ وَالْهَمِّ وَالْعَزْمِ ، وَقَدْ بَيَّنْت ذَلِكَ كُلَّهُ وَكَلَامَ
النَّاسِ فِيهِ أَوَاخِرَ شَرْحِ الْأَرْبَعِينَ حَدِيثًا النَّوَوِيَّةَ
فَاطْلُبْهُ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُهِمٌّ
.
وَحَاصِلُ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ مَعَ الزِّيَادَةِ
عَلَيْهِ أَنَّهُ وَرَدَ فِي الْمُؤَاخَذَةِ بِأَفْعَالِ الْقُلُوبِ وَعَدَمِهَا أَخْبَارٌ
، وَقَدْ حَرَّرَ الْغَزَالِيُّ ذَلِكَ بِأَنَّ مَا يَرِدُ عَلَى الْقَلْبِ إمَّا
خَاطِرٌ وَهُوَ حَدِيثُ النَّفْسِ ، ثُمَّ بَعْدَهُ الْمَيْلُ وَلَا يُؤَاخَذُ
بِهِمَا ، ثُمَّ الِاعْتِقَادُ وَيُؤَاخَذُ بِهِ إنْ كَانَ اخْتِيَارِيًّا لَا
اضْطِرَارِيًّا ، ثُمَّ الْعَزْمُ وَيُؤَاخَذُ بِهِ قَطْعًا .
انْتَهَى
.
وَقِيلَ هَذِهِ الْأَرْبَعَةُ الْهَاجِسُ وَهُوَ مَا
يُلْقَى فِي النَّفْسِ مِنْ الْمَعْصِيَةِ وَلَا يُؤَاخَذُ بِهِ إجْمَاعًا
لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ فِعْلِ الْعَبْدِ وَإِنَّمَا هُوَ وَارِدٌ لَا يُسْتَطَاعُ
دَفْعُهُ ، وَفَسَّرَ غَيْرُهُ الْخَاطِرَ بِجَرَيَانِهِ فِي النَّفْسِ ،
وَحَدِيثُ النَّفْسِ بِالتَّرَدُّدِ هَلْ يَفْعَلُ أَوْ لَا ، وَقَطْعُهُ
بِالْمُؤَاخَذَةِ بِالْعَزْمِ هُوَ الْمَحْكِيُّ عَنْ الْمُحَقِّقِينَ لِحَدِيثِ :
{ إذَا الْتَقَى الْمُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا فَالْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِي النَّارِ
قِيلَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا الْقَاتِلُ فَمَا بَالُ الْمَقْتُولِ ؟ قَالَ :
إنَّهُ كَانَ حَرِيصًا عَلَى قَتْلِ صَاحِبِهِ } .
وَقِيلَ لَا يُؤَاخَذُ بِالْعَزْمِ أَيْضًا .
وَفِي جَمْعِ الْجَوَامِعِ أَنَّ حَدِيثَ النَّفْسِ مَا
لَمْ يَتَكَلَّمْ أَوْ يَعْمَلْ وَالْهَمُّ مَغْفُورَانِ ، وَمُرَادُهُ أَنَّ
عَدَمَ الْمُؤَاخَذَةِ بِهِمَا لَيْسَ مُطْلَقًا بَلْ بِشَرْطِ عَدَمِ التَّكَلُّمِ
وَالْعَمَلِ حَتَّى إذَا عَمِلَ يُؤَاخَذُ بِشَيْئَيْنِ هَمُّهُ وَعَمَلُهُ ،
وَلَا يُغْفَرُ كُلٌّ مِنْهُمَا إلَّا إذَا لَمْ يَعْقُبْهُ عَمَلٌ هُوَ ظَاهِرُ
الْحَدِيثِ فَقَوْلُهُ : وَالْهَمُّ : أَيْ مَا لَمْ يَتَكَلَّمْ أَوْ يَعْمَلْ
أَيْضًا وَلَمْ يَحْتَجْ إلَى تَقْيِيدٍ لِأَنَّهُ إذَا
قَيَّدَ بِذَلِكَ حَدِيثَ النَّفْسِ الْآتِي فَالْهَمُّ
الْأَقْوَى أَوْلَى ، وَهَلْ يُؤَاخَذُ بِهِمَا إذَا عَمِلَ عَمَلًا غَيْرَ
الْمَعْصِيَةِ الَّتِي هَمَّ أَوْ حَدَّثَ نَفْسَهُ بِهَا كَمَنْ هَمَّ بِالزِّنَا
بِامْرَأَةٍ فَمَشَى إلَيْهَا ثُمَّ رَجَعَ مِنْ الطَّرِيقِ فَهَذَا مَوْضِعُ
نَظَرٍ ، قَالَ السُّبْكِيُّ : تَظْهَرُ الْمُؤَاخَذَةُ مِنْ إطْلَاقِ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعَمَلَ بِكَوْنِهِ لَمْ يَقُلْ وَلَمْ
يَعْمَلْهُ ، قَالَ : فَيُؤْخَذُ مِنْهُ تَحْرِيمُ الْمَشْيِ إلَى مَعْصِيَةٍ وَإِنْ
كَانَ الْمَشْيُ فِي نَفْسِهِ مُبَاحًا وَلَكِنْ لِانْضِمَامِ قَصْدِ الْحَرَامِ فَكُلُّ
وَاحِدٍ مِنْ الْمَشْيِ وَالْقَصْدِ لَا يَحْرُمُ عِنْدَ انْفِرَادِهِ .
أَمَّا إذَا اجْتَمَعَا فَيَحْرُمُ فَإِنَّ مَعَ الْهَمِّ
عَمَلًا لِمَا هُوَ مِنْ أَسْبَابِ الْمَهْمُومِ بِهِ فَاقْتَضَى إطْلَاقَ أَوْ
يَعْمَلُ الْمُؤَاخَذَةُ بِهِ قَالَ فَاشْدُدْ بِهَذِهِ الْفَائِدَةِ يَدَيْك
وَاِتَّخِذْهَا أَصْلًا يَعُودُ نَفْعُهَا عَلَيْك .
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ : وَمَا قَالَهُ مِنْ
الْمُؤَاخَذَةِ بِالْمُقَدِّمَةِ إنْ انْضَمَّتْ إلَى حَدِيثِ النَّفْسِ لِإِطْلَاقٍ
أَوْ بِعَمَلٍ حَسَنٍ إذَا لَمْ يَعْتَبِرْ فِي حَدِيثٍ آخَرَ .
لَكِنْ جَاءَ فِي رِوَايَةِ الصَّحِيحَيْنِ : { أَوْ
يَعْمَلُ بِهِ } وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ إنْ رَجَعَ عَنْ فِعْلِ السَّيِّئَةِ
بَعْدَ فِعْلِ مُقَدِّمَتِهَا لِلَّهِ تَعَالَى لَمْ يُؤَاخَذْ بِالْفِعْلِ
لِقَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ : { فَإِنْ تَرَكَهَا فَاكْتُبُوهَا لَهُ حَسَنَةً
إنَّمَا تَرَكَهَا مِنْ جَرَّائِي
} أَيْ مِنْ أَجْلِي رَوَاهُ مُسْلِمٌ .
وَفِي لَفْظٍ لِابْنِ حِبَّانَ { وَإِنْ تَرَكَهَا مِنْ
أَجْلِي فَاكْتُبُوهَا حَسَنَةً
} .
وَذَكَرَ السُّبْكِيُّ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ أَنَّهُ لَا
مَفْهُومَ لِقَوْلِهِ أَوْ يَعْمَلُ حَتَّى يُقَالَ إذَا تَكَلَّمْت أَوْ عَمِلْت
يَكْتُبُ عَلَيْهَا حَدِيثَ النَّفْسِ ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ الْهَمُّ لَا
يُكْتَبُ فَحَدِيثُ النَّفْسِ أَوْلَى ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ : وَهَذَا خِلَافُ ظَاهِرِ
الْحَدِيثِ وَخِلَافُ مَا قَالَهُ ابْنُهُ تَاجُ الدِّينِ هُنَا ، وَقَدْ
نَازَعَهُ ابْنُهُ وَقَالَ : يَلْزَمُهُ أَنْ لَا يُؤَاخَذَ عِنْدَ
انْضِمَامِ عَمَلٍ مِنْ مُقَدِّمَاتِ الْمَهْمُومِ بِهِ
بِطَرِيقٍ أَوْلَى .
قَالَ :
وَقَوْلُهُ وَإِذَا كَانَ الْهَمُّ لَا يُكْتَبُ
فَحَدِيثُ النَّفْسِ أَوْلَى مَمْنُوعٌ ، وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْهَمَّ لَا
يُكْتَبُ مُطْلَقًا بَلْ يُكْتَبُ عِنْدَ انْضِمَامِ الْعَمَلِ إلَيْهِ انْتَهَى .
وَفِي تَعْلِيقِ الْقَاضِي حُسَيْنٍ : كَمَا يَحْرُمُ فِعْلُ
الْحَرَامِ يَحْرُمُ الْفِكْرُ فِيهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَلَا تَتَمَنَّوْا
مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ } فَمَنَعَ مِنْ التَّمَنِّي فِيمَا
لَا يَحِلُّ كَمَا مَنَعَ مِنْ النَّظَرِ إلَى مَا لَا يَحِلُّ بِقَوْلِهِ : {
قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ } وَلَوْ نَوَى أَنَّهُ يَكْفُرُ غَدًا
كَفَرَ حَالًا عَلَى الْأَصْلِ بَلْ الصَّوَابُ لِأَنَّهُ أَخْطَرُ .
قَالَ الْعِزُّ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ : وَقَدْ يَكُونُ
الشَّيْءُ فِي الظَّاهِرِ مَعْصِيَةً لَكِنْ يَقْتَرِنُ بِهِ نِيَّةٌ صَالِحَةٌ
تُخْرِجُهُ عَنْ ذَلِكَ ، وَقَدْ يَصِيرُ قُرْبَةً كَمَا مَرَّ فِي الشَّهَادَةِ
عَلَى الْمُكُوسِ .
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ بَعْدَ نَقْلِهِ مَا مَرَّ عَنْ
الْمُحِبِّ الطَّبَرِيِّ : وَأَمَّا النَّمِيمَةُ فَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ عَلَى هَذَا
التَّفْصِيلِ ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَفْصِلَ بَيْنَ مَا هُوَ شَدِيدُ الْأَذَى
وَمَا هُوَ خَفِيفُهُ ، فَالْخَفِيفَةُ يُسَامِحُ بِهِ صَاحِبُهُ غَالِبًا
انْتَهَى .
وَفِيهِ نَظَرٌ بَلْ لَا وَجْهَ لِهَذَا التَّفْصِيلِ
لِأَنَّ الْغِيبَةَ دُونَ النَّمِيمَةِ إجْمَاعًا وَمَعَ ذَلِكَ فَلَمْ يَفْصِلُوا
فِيهَا كَذَلِكَ فَالنَّمِيمَةُ أَوْلَى قَالَ : ثُمَّ رَأَيْت بَعْدَ هَذَا فِي
مِنْهَاجِ الْعَابِدِينَ لِلْغَزَالِيِّ أَنَّ الذُّنُوبَ الَّتِي بَيْنَ
الْعِبَادِ ، أَمَّا فِي الْمَالِ فَيَجِبُ رَدُّهُ عِنْدَ الْمُكْنَةِ فَإِنْ
عَجَزَ لِفَقْرٍ اسْتَحَلَّهُ فَإِنْ عَجَزَ عَنْ اسْتِحْلَالِهِ لِغَيْبَتِهِ أَوْ
مَوْتِهِ وَأَمْكَنَ التَّصَدُّقُ عَنْهُ فَعَلَهُ ، وَإِلَّا فَلْيُكْثِرْ مِنْ
الْحَسَنَاتِ وَيَرْجِعْ إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَيَتَضَرَّعْ إلَيْهِ فِي أَنْ
يُرْضِيَهُ عَنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ؛ وَأَمَّا فِي النَّفْسِ فَيُمَكِّنُهُ
أَوْ وَلِيَّهُ مِنْ الْقَوَدِ فَإِنْ عَجَزَ رَجَعَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى فِي
إرْضَائِهِ عَنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، وَأَمَّا فِي الْعِرْضِ فَإِنْ
اغْتَابَهُ أَوْ شَتَمَهُ أَوْ بَهَتَهُ فَحَقُّهُ أَنْ يُكَذِّبَ نَفْسَهُ بَيْنَ
يَدَيْ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ مَعَهُ إنْ أَمْكَنَهُ بِأَنْ لَمْ يَخْشَ زِيَادَةَ
غَيْظٍ أَوْ هَيْجِ فِتْنَةٍ فِي إظْهَارِ ذَلِكَ ، وَإِنْ خَشِيَ ذَلِكَ فَالرُّجُوعُ
إلَى اللَّهِ لِيُرْضِيَهُ عَنْهُ ، وَأَمَّا فِي حُرُمِهِ ؛ فَإِنْ فَتَنَهُ فِي
أَهْلِهِ أَوْ وَلَدِهِ أَوْ نَحْوِهِ فَلَا وَجْهَ لِلِاسْتِحْلَالِ
وَالْإِظْهَارِ ؛ لِأَنَّهُ يُوَلِّدُ فِتْنَةً وَغَيْظًا بَلْ يَتَضَرَّعُ إلَى
اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لِيُرْضِيَهُ عَنْهُ وَيَجْعَلَ لَهُ خَيْرًا فِي
مُقَابَلَتِهِ ، فَإِنْ أَمِنَ الْفِتْنَةَ وَالْهَيْجَ وَهُوَ نَادِرٌ
فَلْيَسْتَحِلَّ مِنْهُ ؛ وَأَمَّا فِي الدِّينِ فَإِنْ كَفَّرَهُ أَوْ بَدَّعَهُ
أَوْ ضَلَّلَهُ فَهُوَ أَصْعَبُ الْأُمُورِ فَيَحْتَاجُ إلَى تَكْذِيبِ نَفْسِهِ
بَيْنِ يَدَيْ مَنْ قَالَهُ فِي ذَلِكَ ، وَأَنْ يَسْتَحِلَّ مِنْ صَاحِبِهِ إنْ أَمْكَنَهُ
، وَإِلَّا فَالِابْتِهَالُ
إلَى اللَّهِ تَعَالَى جِدًّا وَالنَّدَمُ عَلَى ذَلِكَ
لِيُرْضِيَهُ عَنْهُ انْتَهَى كَلَامُ الْغَزَالِيِّ .
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَهُوَ فِي غَايَةِ الْحُسْنِ
وَالتَّحْقِيقِ انْتَهَى .
وَقَضِيَّةُ مَا ذَكَرَهُ فِي الْحَرَمِ الشَّامِلِ
لِلزَّوْجَةِ وَالْمَحَارِمِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ أَنَّ الزِّنَا وَاللِّوَاطَ
فِيهِمَا حَقٌّ لِلْآدَمِيِّ فَتَتَوَقَّفُ التَّوْبَةُ مِنْهُمَا عَلَى
اسْتِحْلَالِ أَقَارِبِ الْمَزْنِيِّ بِهَا أَوْ الْمَلُوطِ بِهِ ، وَعَلَى
اسْتِحْلَالِ زَوْجِ الْمَزْنِيِّ بِهَا هَذَا إنْ لَمْ يَخَفْ فِتْنَةً ،
وَإِلَّا فَلْيَتَضَرَّعْ إلَى اللَّهِ فِي إرْضَائِهِمْ عَنْهُ وَيُوَجَّهُ
ذَلِكَ بِأَنَّهُ لَا شَكَّ أَنَّ فِي الزِّنَا وَاللِّوَاطِ إلْحَاقَ عَارٍ أَيَّ
عَارٍ بِالْأَقَارِبِ وَتَلْطِيخَ فِرَاشِ الزَّوْجِ فَوَجَبَ اسْتِحْلَالُهُمْ
حَيْثُ لَا عُذْرَ .
فَإِنْ قُلْت : يُنَافِي ذَلِكَ جَعْلُ بَعْضِهِمْ مِنْ
الذُّنُوبِ الَّتِي لَا يَتَعَلَّقُ بِهَا حَقُّ آدَمِيٍّ وَطْءَ الْأَجْنَبِيَّةِ
فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ وَتَقْبِيلَهَا مِنْ الصَّغَائِرِ وَالزِّنَا وَشُرْبَ
الْخَمْرِ مِنْ الْكَبَائِرِ ، وَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ الزِّنَا لَيْسَ فِيهِ
حَقُّ آدَمِيٍّ فَلَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى اسْتِحْلَالٍ .
قُلْت : هَذَا لَا يُقَاوَمُ بِهِ كَلَامُ الْغَزَالِيِّ
لَا سِيَّمَا وَقَدْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ عَنْهُ إنَّهُ فِي غَايَةِ الْحُسْنِ
وَالتَّحْقِيقِ فَالْعِبْرَةُ بِمَا دَلَّ عَلَيْهِ دُونَ غَيْرِهِ ، عَلَى
أَنَّهُ يُمْكِنُ الْجَمْعِ بِحَمْلِ الْأَوَّلِ عَلَى الزِّنَا بِمَنْ لَا زَوْجَ
لَهَا وَلَا قَرِيبَ فَهَذِهِ يَسْقُطُ فِيهَا الِاسْتِحْلَالُ لِتَعَذُّرِهِ ،
وَالثَّانِي عَلَى مَنْ لَهَا ذَلِكَ وَأَمْكَنَ الِاسْتِحْلَالُ بِلَا فِتْنَةٍ
فَيَجِبُ وَلَا تَصِحُّ التَّوْبَةُ بِدُونِهِ ، وَقَدْ يُجْمَعُ أَيْضًا بِأَنَّ
الزِّنَا مِنْ حَيْثُ هُوَ فِيهِ حَقُّ اللَّهِ إذْ لَا يُبَاحُ بِالْإِبَاحَةِ وَحَقٌّ
لِلْآدَمِيِّ ، فَمَنْ نَظَرَ إلَى حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى لَمْ يُوجِبْ
الِاسْتِحْلَالَ وَلَمْ يَنْظُرْ إلَيْهِ وَهُوَ مَحْمَلُ عِبَارَةِ غَيْرِ
الْغَزَالِيِّ ، وَمَنْ نَظَرَ إلَى حَقِّ الْآدَمِيِّ أَوْجَبَ الِاسْتِحْلَالَ .
وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ : فَمَنْ
أَخَذَ مَالًا فِي قَطْعِ الطَّرِيقِ هَلْ عَلَيْهِ الْإِعْلَامُ بِهِ إنْ
غَلَّبْنَا عَلَيْهِ حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى لَمْ يَجِبْ الْإِعْلَامُ بِهِ وَإِنْ
غَلَّبْنَا فِي الْحَدِّ
حَقَّ الْآدَمِيِّ وَجَبَ إعْلَامُهُ لِيَسْتَوْفِيَهُ
أَوْ يَتْرُكَهُ لِيَسْتَوْفِيَهُ الْإِمَامُ بِهِ ، ثُمَّ رَأَيْت ابْنَ
الرِّفْعَةِ مَثَلًا نَقْلًا عَنْ الْأَصْحَابِ لِلْمَعْصِيَةِ الَّتِي لَا حَقَّ فِيهَا
لِلْعِبَادِ بِتَقْبِيلِ الْأَجْنَبِيَّةِ ، وَقَدْ يُفْهَمُ أَنَّ وَطْأَهَا
فِيهِ حَقٌّ لِلْعِبَادِ وَحِينَئِذٍ فَيُوَافِقُ كَلَامَ الْغَزَالِيِّ ، وَإِنْ
كَانَ نَحْوَ ضَرْبٍ لَا قَوَدَ فِيهِ تَحَلَّلَ مِنْ الْمَضْرُوبِ لِطِيبِ
نَفْسِهِ فَإِنْ أَحَلَّهُ وَإِلَّا أَمْكَنَهُ مِنْ نَفْسِهِ لِيَفْعَلَ بِهِ
مِثْلَ مَا فَعَلَهُ لِأَنَّهُ الَّذِي فِي وُسْعِهِ ، فَإِنْ امْتَنَعَ مِنْ
تَحْلِيلِهِ وَالِاسْتِيفَاءِ مِنْهُ صَحَّتْ تَوْبَتُهُ ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ .
وَذَكَرَ الْقَاضِي نَحْوَهُ وَقَالَ : لَوْ مَاتَ
صَاحِبُ الْحَقِّ لَمْ يَسْتَحِلَّ مِنْ وَارِثِهِ بَلْ يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ
لِلْمَيِّتِ ، وَتَعَقَّبَهُ الْبُلْقِينِيُّ بِانْتِقَالِ الْحَقِّ لِلْوَارِثِ
فَلَا بُدَّ مِنْ إعْلَامِهِ .
انْتَهَى
.
وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْفَرْضَ أَنَّهُ لَا قَوَدَ
فِيهِ ، وَمِثْلُ هَذَا لَا يَنْتَقِلُ لِلْوَارِثِ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ
جُرْحًا فِيهِ حُكُومَةٌ فَهُوَ بِاعْتِبَارِ تَضَمُّنِهِ لِلْمَالِ يَنْتَقِلُ
لِلْوَارِثِ ، وَلَا بُدَّ حِينَئِذٍ مِنْ اسْتِحْلَالِهِ وَلَيْسَ هَذَا مُرَادَ
الْقَاضِي قَطْعًا وَإِنَّمَا مُرَادُهُ ضَرْبٌ بِنَحْوِ يَدٍ لَا قَوَدَ فِيهِ
وَلَا مَالَ وَهَذَا لَا يَنْتَقِلُ لِلْوَارِثِ ، وَلَوْ بَقِيَ الْمُسْتَحِقُّ
لَكِنْ تَعَذَّرَ اسْتِحْلَالُهُ لِنَحْوِ غَيْبَتِهِ الْبَعِيدَةِ كَفَاهُ
الْإِقْلَاعُ وَالنَّدَمُ مَعَ عَزْمِهِ أَنْ يُمْكِنَهُ مِنْ نَفْسِهِ عِنْدَ الْقُدْرَةِ .
قَالَ الْحَلِيمِيُّ : وَمَنْ أَضَرَّ بِمُسْلِمٍ وَهُوَ
لَا يَشْعُرُ أَزَالَهُ عَنْهُ ثُمَّ سَأَلَهُ الْعَفْوَ عَنْهُ وَأَنْ يَسْتَغْفِرَ
لَهُ لِأَنَّ أَوْلَادَ يَعْقُوبَ صَلَّى اللَّهُ عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِ
لَمَّا جَاءُوهُ تَائِبِينَ سَأَلُوهُ الِاسْتِغْفَارَ لَهُمْ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ
الِاحْتِيَاطَ الْجَمْعُ بَيْنَ عَفْوِ الْمَظْلُومِ وَاسْتِغْفَارِهِ .
وَحَكَى فِي الْخَادِمِ وَغَيْرِهِ فِي التَّحَلُّلِ
مِنْ الظُّلَامَاتِ وَالتَّبَعَاتِ ثَلَاثَةَ مَذَاهِبَ : أَحَدُهَا : قَالَ
وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ
: أَنَّ تَرْكَ التَّحَلُّلِ مِنْهَا أَوْلَى لِأَنَّ
صَاحِبَهَا يَسْتَوْفِيهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِحَسَنَاتِ مَنْ هِيَ عِنْدَهُ وَتُوضَعُ
سَيِّئَاتُهُ عَلَى مَنْ هِيَ عِنْدَهُ كَمَا شَهِدَ بِهِ الْحَدِيثُ ، وَهَلْ
يَكُونُ أَجْرُهُ عَلَى التَّحَلُّلِ مُوَازِنًا مَا لَهُ مِنْ الْحَسَنَاتِ فِي
الظُّلَامَاتِ أَوْ يَزِيدُ عَلَيْهَا أَوْ يَنْقُصُ عَنْهَا وَهُوَ مُحْتَاجٌ
إلَى زِيَادَةِ حَسَنَاتِهِ وَنُقْصَانِ سَيِّئَاتِهِ ؟ وَالثَّانِي : أَنَّ
التَّحَلُّلَ مِنْهَا أَفْضَلُ لِأَنَّهُ إحْسَانٌ عَظِيمٌ يَنْبَغِي عَلَيْهِ
الْمُكَافَأَةُ مِنْ اللَّهِ وَهُوَ سُبْحَانَهُ أَكْرَمُ مِنْ أَنْ يُكَافِئَ
بِأَقَلَّ مِمَّا وَهَبَ لَهُ مِنْهُ مَعَ قَوْلِهِ : { إنْ تُقْرِضُوا اللَّهَ
قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعِفْهُ لَكُمْ } الْآيَةَ .
قَالَ : وَهُوَ الْأَظْهَرُ .
وَالثَّالِثُ : وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ : التَّفْرِقَةُ
بَيْنَ الظُّلَامَاتِ وَالتَّبَعَاتِ فَيُحَلَّلُ مِنْ التَّبَعَاتِ لِأَنَّ
الظُّلَامَاتِ عُقُوبَةٌ لِفَاعِلِهَا أَخْذًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى : { إنَّمَا السَّبِيلُ
عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ } الْآيَةَ .
وَأَمَّا فِي الدُّنْيَا فَالْعَفْوُ عَنْ الظَّالِمِ
أَوْلَى مِنْ الِاقْتِصَاصِ مِنْهُ انْتَهَى .
وَمَا نَقَلَهُ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ فِيهِ
نَظَرٌ ، وَاَلَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ حَدِيثُ أَبِي ضَمْضَمَ السَّابِقُ أَنَّ الْعَفْوَ
أَفْضَلُ مُطْلَقًا ، وَعَلَيْهِ يَدُلُّ قَوْلُ الرَّوْضَةِ السَّابِقُ مَعْنَاهُ
لَا أَطْلُبُ مَظْلِمَتِي لَا فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَةِ ، وَقَدْ حَثَّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْإِغْرَاءِ عَلَى مِثْلِ فِعْلِ أَبِي
ضَمْضَمَ بِقَوْلِهِ : { أَيَعْجِزُ أَحَدُكُمْ أَنْ يَكُونَ كَأَبِي ضَمْضَمَ
كَانَ إذَا خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ يَقُولُ إنِّي تَصَدَّقْت بِعِرْضِي عَلَى
النَّاسِ } .
( الْكَبِيرَةُ الرَّابِعَةُ وَالْخَامِسَةُ
وَالسِّتُّونَ بَعْدَ الْأَرْبَعِمِائَةِ : بُغْضُ الْأَنْصَارِ وَشَتْمُ وَاحِدٍ
مِنْ الصَّحَابَةِ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ ) أَخْرَجَ
الْبُخَارِيُّ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { مِنْ
عَلَامَةِ الْإِيمَانِ حُبُّ الْأَنْصَارِ ، وَمِنْ عَلَامَةِ النِّفَاقِ بُغْضُ الْأَنْصَارِ } .
وَالشَّيْخَانِ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ فِي الْأَنْصَارِ
: لَا يُحِبُّهُمْ إلَّا مُؤْمِنٌ وَلَا يُبْغِضُهُمْ
إلَّا مُنَافِقٌ ، مَنْ أَحَبَّهُمْ أَحَبَّهُ اللَّهُ وَمَنْ أَبْغَضَهُمْ
أَبْغَضَهُ اللَّهُ } .
وَمُسْلِمٌ : { لَا يُبْغِضُ الْأَنْصَارَ رَجُلٌ
يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ } .
قَالَ بَعْضُ الْحَنَابِلَةِ : وَالْمُرَادُ بِهِمْ مَنْ
نَصَرَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَدِينَهُ وَهُمْ بَاقُونَ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَمُعَادَاتُهُمْ
مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ انْتَهَى ، وَدَعْوَاهُمْ أَنَّ الْمُرَادَ ذَلِكَ إنْ
كَانَتْ لِدَلِيلٍ خَارِجِيٍّ فَوَاضِحَةٌ وَإِلَّا قَالَ إنَّمَا هِيَ لِلْعَهْدِ
الذِّهْنِيِّ وَلَا مَعْهُودَ بِهَذَا الْوَصْفِ غَيْرُ الْأَنْصَارِ الَّذِينَ
هُمْ الْأَوْسُ وَالْخَزْرَجُ .
وَالشَّيْخَانِ : { لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي فَوَاَلَّذِي
نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنْفَقَ أَحَدُكُمْ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا بَلَغَ
مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلَا نَصِيفَهُ
} .
وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إلَّا
مِنْ هَذَا الْوَجْهِ : { اللَّهَ اللَّهَ فِي أَصْحَابِي لَا تَتَّخِذُوهُمْ
غَرَضًا بَعْدِي ؛ فَمَنْ أَحَبَّهُمْ فَبِحُبِّي أَحَبَّهُمْ ، وَمَنْ
أَبْغَضَهُمْ فَبِبُغْضِي أَبْغَضَهُمْ ، وَمَنْ آذَاهُمْ فَقَدْ آذَانِي ، وَمَنْ
آذَانِي فَقَدْ آذَى اللَّهَ ، وَمَنْ آذَى اللَّهَ أَوْشَكَ أَنْ يَأْخُذَهُ } .
وَالْأَحَادِيثُ فِي ذَلِكَ كَثِيرَةٌ وَقَدْ
اسْتَوْفَيْتهَا وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا فِي كِتَابٍ حَافِلٍ لَمْ يُصَنَّفْ فِي
هَذَا الْبَابِ - فِيمَا أَظُنُّ
- مِثْلُهُ ، وَمِنْ ثَمَّ سَمَّيْته : [ الصَّوَاعِقُ
الْمُحْرِقَةُ لِإِخْوَانِ الشَّيَاطِينِ أَهْلِ الِابْتِدَاعِ وَالضَّلَالِ وَالزَّنْدَقَةِ
] فَاطْلُبْهُ إنْ شِئْت لِتَرَى مَا فِيهِ مِنْ مَحَاسِنِ الصَّحَابَةِ
وَثَنَاءِ أَهْلِ الْبَيْتِ عَلَيْهِمْ لَا سِيَّمَا الشَّيْخَانِ
، وَمِنْ افْتِضَاحِ الشِّيعَةِ وَالرَّافِضَةِ فِي كَذِبِهِمْ وَتَقَوُّلِهِمْ
وَافْتِرَائِهِمْ عَلَيْهِمْ بِمَا هُمْ بَرِيئُونَ مِنْهُ رِضْوَانُ اللَّهِ
عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ .
تَنْبِيهٌ :
عَدُّ مَا ذُكِرَ كَبِيرَتَيْنِ هُوَ مَا صَرَّحَ بِهِ
غَيْرُ وَاحِدٍ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَقَدْ صَرَّحَ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا أَنَّ
سَبَّ الصَّحَابَةِ كَبِيرَةٌ ، قَالَ الْجَلَالُ الْبُلْقِينِيُّ : وَهُوَ دَاخِلٌ
تَحْتَ مُفَارَقَةِ الْجَمَاعَةِ وَهُوَ الِابْتِدَاعُ الْمَدْلُولُ عَلَيْهِ
بِتَرْكِ السُّنَّةِ ، فَمَنْ سَبَّ الصَّحَابَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَتَى
كَبِيرَةً بِلَا نِزَاعٍ ، انْتَهَى
.
وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَيْضًا صَرِيحُ هَذِهِ
الْأَحَادِيثِ وَغَيْرِهَا كَحَدِيثِ
: { إنَّ اللَّهَ اخْتَارَنِي وَاخْتَارَ لِي أَصْحَابًا
فَجَعَلَ لِي مِنْهُمْ وُزَرَاءَ وَأَنْصَارًا وَأَصْهَارًا فَمَنْ شَتَمَهُمْ
فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ لَا
يَقْبَلُ اللَّهُ مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ صَرْفًا وَلَا عَدْلًا } .
وَحَدِيثُ :
{ إنَّ اللَّهَ اخْتَارَنِي وَاخْتَارَ لِي أَصْحَابًا
فَجَعَلَ لِي إخْوَانًا وَأَصْحَابًا وَأَصْهَارًا ، وَسَيَجِيءُ قَوْمٌ
بَعْدَهُمْ يَعِيبُونَهُمْ وَيُبْغِضُونَهُمْ فَلَا تُؤَاكِلُوهُمْ وَلَا تُشَارِبُوهُمْ
وَلَا تُنَاكِحُوهُمْ وَلَا تُصَلُّوا مَعَهُمْ وَلَا تُصَلُّوا خَلْفَهُمْ } .
وَكَحَدِيثِ : { إذَا ذُكِرَ أَصْحَابِي فَأَمْسِكُوا } .
وَنَقَلَ بَعْضُهُمْ عَنْ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ أَنَّ
مَنْ سَبَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ كَانَ كَافِرًا ، وَأَنَّهُمْ اسْتَنَدُوا فِي
ذَلِكَ لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { مَنْ
سَبَّك يَا أَبَا بَكْرٍ فَقَدْ كَفَرَ
} .
وَفِي الْحَدِيثِ : { مَنْ قَالَ لِأَخِيهِ يَا كَافِرُ
فَقَدْ بَاءَ بِهَا أَحَدُهُمَا } ، فَمَنْ قَالَ ذَلِكَ لِأَبِي بَكْرٍ
وَذُرِّيَّتِهِ فَهُوَ كَافِرٌ هُنَا قَطْعًا ، وَأَيْضًا فَقَدْ نَصَّ اللَّهُ
تَعَالَى عَلَى أَنَّهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْ الصَّحَابَةِ فِي غَيْرِ آيَةٍ ،
قَالَ تَعَالَى : { وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ
وَالْأَنْصَارِ وَاَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ
بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ } فَمَنْ سَبَّهُمْ
أَوْ وَاحِدًا مِنْهُمْ فَقَدْ بَارَزَ اللَّهَ بِالْمُحَارَبَةِ ، وَمَنْ بَارَزَ
اللَّهَ بِالْمُحَارَبَةِ أَهْلَكَهُ وَخَذَلَهُ ، وَمِنْ ثَمَّ قَالَ
الْعُلَمَاءُ : إذَا ذُكِرَ الصَّحَابَةُ بِسُوءٍ كَإِضَافَةِ عَيْبٍ إلَيْهِمْ
وَجَبَ الْإِمْسَاكُ عَنْ الْخَوْضِ فِي ذَلِكَ ، بَلْ وَيَجِبُ إنْكَارُهُ
بِالْيَدِ ثُمَّ اللِّسَانِ ثُمَّ الْقَلْبِ عَلَى حَسَبِ الِاسْتِطَاعَةِ
كَسَائِرِ الْمُنْكَرَاتِ ، بَلْ هَذَا مِنْ أَشَرِّهَا وَأَقْبَحِهَا ، وَمِنْ
ثَمَّ أَكَّدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التَّحْذِيرَ مِنْ
ذَلِكَ بِقَوْلِهِ : " اللَّهَ اللَّهَ " : أَيْ احْذَرُوا اللَّهَ أَيْ
عِقَابَهُ وَعَذَابَهُ عَلَى حَدِّ قَوْلِهِ : { وَيُحَذِّرُكُمْ اللَّهُ نَفْسَهُ
} وَكَمَا تَقُولُ لِمَنْ تَرَاهُ مُشْرِفًا عَلَى الْوُقُوعِ فِي نَارٍ عَظِيمَةٍ
النَّارَ النَّارَ : أَيْ احْذَرْهَا
.
وَتَأَمَّلْ أَعْظَمَ فَضَائِلِهِمْ وَمَنَاقِبِهِمْ
الَّتِي نَوَّهَ بِهَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيْثُ جَعَلَ
مَحَبَّتَهُمْ مَحَبَّةً لَهُ وَبُغْضَهُمْ بُغْضًا لَهُ وَنَاهِيك بِذَلِكَ
جَلَالَةً لَهُمْ وَشَرَفًا ، فَحُبُّهُمْ عُنْوَانُ مَحَبَّتِهِ وَبُغْضُهُمْ
عُنْوَانُ بُغْضِهِ ، وَمِنْ ثَمَّ كَانَ حُبُّ الْأَنْصَارِ مِنْ الْإِيمَانِ
وَبُغْضُهُمْ مِنْ النِّفَاقِ لِسَابِقَتِهِمْ وَبَذْلِهِمْ الْأَنْفُسَ
وَالْأَمْوَالَ فِي مَحَبَّتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنُصْرَتِهِ
وَإِنَّمَا يَعْرِفُ فَضَائِلَ الصَّحَابَةِ مَنْ تَدَبَّرَ سَيْرَهُمْ مَعَهُ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَآثَارَهُمْ الْحَمِيدَةَ فِي الْإِسْلَامِ فِي
حَيَاتِهِ وَبَعْدَ مَمَاتِهِ ، فَجَزَاهُمْ اللَّهُ عَنْ الْإِسْلَامِ وَالْمُسْلِمِينَ
خَيْرَ الْجَزَاءِ وَأَكْمَلَهُ وَأَفْضَلَهُ ، فَقَدْ جَاهَدُوا فِي اللَّهِ
حَقَّ جِهَادِهِ حَتَّى نَشَرُوا الدِّينَ وَأَظْهَرُوا شَرَائِعَ الْإِسْلَامِ ،
وَلَوْلَا ذَلِكَ مِنْهُمْ مَا وَصَلَ إلَيْنَا قُرْآنٌ وَلَا سُنَّةٌ وَلَا
أَصْلٌ وَلَا فَرْعٌ ، فَمَنْ طَعَنَ فِيهِمْ فَقَدْ كَادَ أَنْ يَمْرُقَ مِنْ
الْمِلَّةِ لِأَنَّ الطَّعْنَ فِيهِمْ يُؤَدِّي إلَى انْطِمَاسِ نُورِهَا : {
وَيَأْبَى اللَّهُ
إلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ } وَإِلَى عَدَمِ
الطُّمَأْنِينَةِ وَالْإِذْعَانِ لِثَنَاءِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ عَلَيْهِمْ ،
وَإِلَى الطَّعْنِ فِي اللَّهِ وَفِي رَسُولِهِ إذْ هُمْ الْوَسَائِطُ بَيْنَنَا
وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
وَالطَّعْنُ فِي الْوَسَائِطِ طَعْنٌ فِي الْأَصْلِ ،
وَالْإِزْرَاءُ بِالنَّاقِلِ إزْرَاءٌ بِالْمَنْقُولِ عَنْهُ ، وَهَذَا ظَاهِرٌ
لِمَنْ تَدَبَّرَهُ وَقَدْ سَلِمَتْ عَقِيدَتُهُ مِنْ النِّفَاقِ وَالْغُلُولِ
وَالزَّنْدَقَةِ .
فَالْوَاجِبُ عَلَى مَنْ أَحَبَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ
حُبَّ مَنْ قَامَ بِمَا أَمَرَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ بِهِ وَأَوْضَحَهُ وَبَلَّغَهُ
لِمَنْ بَعْدَهُ وَأَدَاءُ جَمِيعِ حُقُوقِهِ وَالصَّحَابَةُ هُمْ الْقَائِمُونَ
بِأَعْبَاءِ ذَلِكَ كُلِّهِ .
وَقَدْ قَالَ أَبُو أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ مِنْ أَكَابِرِ
السَّلَفِ : مَنْ أَحَبَّ أَبَا بَكْرٍ فَقَدْ أَقَامَ مَنَارَ الدِّينِ ، وَمَنْ
أَحَبَّ عُمَرَ فَقَدْ أَوْضَحَ السَّبِيلَ ، وَمِنْ أَحَبَّ عُثْمَانَ فَقَدْ
اسْتَنَارَ بِنُورِ اللَّهِ ، وَمَنْ أَحَبَّ عَلِيًّا فَقَدْ اسْتَمْسَكَ
بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى ، وَمَنْ قَالَ الْخَيْرُ فِي جَمِيعِ أَصْحَابِ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَدْ بَرِئَ مِنْ النِّفَاقِ ؛
وَمَنَاقِبُهُمْ وَفَضَائِلُهُمْ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ تُذْكَرَ .
وَأَجْمَعُ أَهْلُ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ عَلَى
أَنَّ أَفْضَلَهُمْ الْعَشَرَةُ الْمَشْهُودُ لَهُمْ بِالْجَنَّةِ عَلَى لِسَانِهِ
نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سِيَاقٍ وَاحِدٍ ، وَأَفْضَلُ
هَؤُلَاءِ أَبُو بَكْرٍ فَعُمَرُ ، قَالَ أَكْثَرُ أَهْلِ السُّنَّةِ :
فَعُثْمَانُ فَعَلِيٌّ وَلَا يَطْعَنُ فِي وَاحِدٍ مِنْهُمْ إلَّا مُبْتَدِعٌ
مُنَافِقٌ خَبِيثٌ .
وَقَدْ أَرْشَدَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى
التَّمَسُّكِ بِهَدْيِ هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَةِ بِقَوْلِهِ : { عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي
وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ مِنْ بَعْدِي عَضُّوا
عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ } .
وَالْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ هُمْ هَؤُلَاءِ
الْأَرْبَعَةُ بِإِجْمَاعِ مَنْ يُعْتَدُّ بِهِ .
وَلَقَدْ شُوهِدَ عَلَى سَابِّهِمْ
قَبَائِحُ تَدُلُّ عَلَى خُبْثِ بَوَاطِنِهِمْ وَشِدَّةِ
عِقَابِهِمْ : مِنْهَا مَا حَكَاهُ الْكَمَالُ بْنُ الْقَدِيمِ فِي تَارِيخِ
حَلَبٍ قَالَ : لَمَّا مَاتَ ابْنُ مُنِيرٍ خَرَجَ جَمَاعَةٌ مِنْ شُبَّانِ حَلَبٍ
يَتَفَرَّجُونَ ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ : قَدْ سَمِعْنَا أَنَّهُ لَا
يَمُوتُ أَحَدٌ مِمَّنْ كَانَ يَسُبُّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ إلَّا وَيَمْسَخُهُ اللَّهُ
فِي قَبْرِهِ خِنْزِيرًا وَلَا شَكَّ أَنَّ ابْنَ مُنِيرٍ كَانَ يَسُبُّهُمَا
فَأَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ إلَى الْمُضِيِّ إلَى قَبْرِهِ فَمَضَوْا وَنَبَشُوهُ
فَوَجَدُوا صُورَتَهُ صُورَةَ خِنْزِيرٍ وَوَجْهَهُ مُنْحَرِفٌ عَنْ جِهَةِ
الْقِبْلَةِ إلَى جِهَةٍ أُخْرَى ، فَأَخْرَجُوهُ عَلَى شَفِيرِ قَبْرِهِ
لِيُشَاهِدَهُ النَّاسُ ثُمَّ بَدَا لَهُمْ فَأَحْرَقُوهُ بِالنَّارِ وَأَعَادُوهُ
فِي قَبْرِهِ وَرَدُّوا عَلَيْهِ التُّرَابَ وَانْصَرَفُوا .
قَالَ الْكَمَالُ أَيْضًا : وَأَخْبَرَنِي أَبُو
الْعَبَّاسِ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ عَنْ الشَّيْخِ الصَّالِحِ عُمَرَ
الرُّعَيْنِيِّ قَالَ : كُنْت مُجَاوِرًا بِالْمَدِينَةِ الشَّرِيفَةِ - عَلَى
مُشَرِّفِهَا أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ - فَخَرَجْت يَوْمَ عَاشُورَاءَ الَّذِي
يَجْتَمِعُ فِيهِ الْإِمَامِيَّةُ فِي قُبَّةِ الْعَبَّاسِ وَقَدْ اجْتَمَعُوا فِي
الْقُبَّةِ ، قَالَ : فَوَقَفْت أَنَا عَلَى بَابِ الْقُبَّةِ وَقُلْت أُرِيدُ فِي
مَحَبَّةِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ شَيْئًا ، قَالَ فَخَرَجَ إلَيَّ شَيْخٌ
مِنْهُمْ وَقَالَ اجْلِسْ حَتَّى نَفْرُغَ وَنُعْطِيَك فَجَلَسْت حَتَّى فَرَغُوا
، ثُمَّ خَرَجَ إلَيَّ ذَلِكَ الرَّجُلُ وَأَخَذَ بِيَدَيْ وَمَضَى بِي إلَى دَارِهِ
وَأَدْخَلَنِي الدَّارَ وَأَغْلَقَ الْبَابَ وَرَائِي وَسَلَّطَ عَلَيَّ
عَبْدَيْنِ فَكَتَّفَانِي وَأَوْجَعَانِي ضَرْبًا ثُمَّ أَمَرَهُمَا بِقَطْعِ
لِسَانِي فَقَطَعَاهُ ثُمَّ أَمَرَهُمَا فَحَلَّا كِتَافِي وَقَالَ اُخْرُجْ إلَى
الَّذِي طَلَبْت فِي مَحَبَّتِهِ لِيَرُدَّ عَلَيْك لِسَانَك .
قَالَ : فَخَرَجْت مِنْ عِنْدِهِ إلَى الْحُجْرَةِ الشَّرِيفَةِ
النَّبَوِيَّةِ وَأَنَا أَبْكِي مِنْ شِدَّةِ الْوَجَعِ وَالْأَلَمِ وَقُلْت فِي
نَفْسِي : يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ تَعْلَمُ مَا أَصَابَنِي فِي مَحَبَّةِ أَبِي
بَكْرٍ فَإِنْ كَانَ
صَاحِبُك حَقًّا فَأُحِبُّ أَنْ يَرْجِعَ إلَيَّ
لِسَانِي وَبِتْ فِي الْحُجْرَةِ قَلِقًا مِنْ شِدَّةِ الْأَلَمِ فَأَخَذَتْنِي
سَنَةٌ مِنْ النَّوْمِ فَرَأَيْت فِي مَنَامِي أَنَّ لِسَانِي قَدْ عَادَ إلَى
حَالِهِ كَمَا كَانَ فَاسْتَيْقَظْت فَوَجَدْته فِي فَمِي صَحِيحًا كَمَا كَانَ
وَأَنَا أَتَكَلَّمُ فَقُلْت الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي رَدَّ عَلَيَّ لِسَانِي ، قَالَ
: فَازْدَدْت مَحَبَّةً فِي أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، فَلَمَّا كَانَ
الْعَامُ الثَّانِي فِي يَوْمِ عَاشُورَاءَ اجْتَمَعُوا عَلَى عَادَتِهِمْ
فَخَرَجْت إلَى بَابِ الْقُبَّةِ وَقُلْت أُرِيدُ فِي مَحَبَّةِ أَبِي بَكْرٍ
الصِّدِّيقِ دِينَارًا ، فَقَامَ إلَيَّ شَابٌّ مِنْ الْحَاضِرِينَ وَقَالَ لِي
اجْلِسْ حَتَّى نَفْرُغَ فَجَلَسْت ، فَلَمَّا فَرَغُوا خَرَجَ إلَيَّ ذَلِكَ
الشَّابُّ وَأَخَذَ بِيَدَيْ وَمَضَى بِي إلَى تِلْكَ الدَّارِ فَأَدْخَلَنِي
وَوَضَعَ بَيْنَ يَدَيْ طَعَامًا فَأَكَلْنَا ، فَلَمَّا فَرَغْنَا قَامَ
الشَّابُّ وَفَتْح بَابًا عَلَى بَيْتٍ فِي دَارِهِ وَجَعَلَ يَبْكِي فَقُمْت
لِأَنْظُرَ مَا سَبَبُ بُكَائِهِ فَرَأَيْت فِي الْبَيْتِ قِرْدًا مَرْبُوطًا
فَسَأَلْته عَنْ قِصَّتِهِ فَازْدَادَ بُكَاؤُهُ فَسَكَّنْته حَتَّى سَكَنَ ،
فَقُلْت بِاَللَّهِ أَخْبِرْنِي عَنْ حَالِك ؟ فَقَالَ إنْ حَلَفْت لِي أَنْ لَا تُخْبِرَ
أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ أَخْبَرْتُك فَحَلَفْت لَهُ .
فَقَالَ :
اعْلَمْ أَنَّهُ أَتَانَا عَامَ أَوَّلَ رَجُلٌ وَطَلَبَ
فِي مَحَبَّةِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ شَيْئًا فِي قُبَّةِ
الْعَبَّاسِ يَوْمَ عَاشُورَاءِ فَقَامَ إلَيْهِ أَبِي وَكَانَ مِنْ كِبَارِ الْإِمَامِيَّةِ
وَالشِّيعَةِ وَقَالَ لَهُ اجْلِسْ حَتَّى نَفْرُغَ ؛ فَلَمَّا فَرَغُوا أَتَى
بِهِ هَذِهِ الدَّارَ وَسَلَّطَ عَلَيْهِ عَبْدَيْنِ فَضَرَبَاهُ وَأَمَرَ
بِقَطْعِ لِسَانِهِ فَقُطِعَ وَأَخْرَجَهُ فَمَضَى لِسَبِيلِهِ وَلَمْ نَعْرِفْ
لَهُ خَبَرًا ، فَلَمَّا كَانَ مِنْ اللَّيْلِ وَنِمْنَا صَرَخَ أَبِي صَرْخَةً
عَظِيمَةً اسْتَيْقَظْنَا مِنْ شِدَّةِ صَرْخَتِهِ فَوَجَدْنَاهُ قَدْ مَسَخَهُ
اللَّهُ قِرْدًا فَفَزِعْنَا مِنْهُ وَأَدْخَلْنَاهُ هَذَا الْبَيْتَ
وَرَبَطْنَاهُ وَأَظْهَرْنَا لِلنَّاسِ مَوْتَهُ وَهَا أَنَا أَبْكِي
عَلَيْهِ بُكْرَةً وَعَشِيًّا ، قَالَ فَقُلْت لَهُ إذَا
رَأَيْت الَّذِي قَطَعَ أَبُوك لِسَانَهُ تَعْرِفُهُ ؟ قَالَ : لَا وَاَللَّهِ ،
قُلْت أَنَا هُوَ وَاَللَّهِ أَنَا الَّذِي قَطَعَ أَبُوك لِسَانِي وَقَصَصْت
عَلَيْهِ الْقِصَّةَ ، قَالَ فَأَكَبَّ عَلَيَّ وَقَبَّلَ رَأْسِي وَيَدَيْ ثُمَّ أَعْطَانِي
ثَوْبًا وَدِينَارًا وَسَأَلَنِي كَيْفَ رَدَّ اللَّهُ عَلَيَّ لِسَانِي
فَأَخْبَرْته وَانْصَرَفْت .
هَذَا ، وَقَدْ قَالَ الشَّعْبِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ
وَرَضِيَ عَنْهُ : وَهُوَ مِنْ أَكَابِرِ التَّابِعِينَ : الرَّافِضَةُ يَهُودُ
هَذِهِ الْأُمَّةِ لِأَنَّهُمْ يُبْغِضُونَ الْإِسْلَامَ مِثْلُهُمْ إذْ لَمْ
يَدْخُلُوا فِيهِ رَغْبَةً وَلَا رَهْبَةً وَإِنَّمَا دَخَلُوا فِيهِ مَقْتًا
لِأَهْلِهِ وَبَغْيًا عَلَيْهِمْ ، لَوْ كَانُوا دَوَابَّ لَكَانُوا حَمِيرًا
وَلَوْ كَانُوا مِنْ الطَّيْرِ لَكَانُوا رُخْمًا وَمِحْنَتُهُمْ مِحْنَةُ
الْيَهُودِ ، قَالَتْ الْيَهُودُ : لَا يَكُون الْمُلْكُ إلَّا فِي آلِ
وَالنَّسَائِيُّ وَلَا جِهَادَ حَتَّى يَخْرُجَ الْمَسِيحُ ، وَيُؤَخِّرُونَ
الْمَغْرِبَ إلَى اشْتِبَاكِ النُّجُومِ ، وَلَا يَرَوْنَ الطَّلَاقَ الثَّلَاثَ ،
وَيَنْأَوْنَ عَنْ الْقِبْلَةِ ، وَيَسْتَحِلُّونَ أَمْوَالَ غَيْرِهِمْ وَيَقُولُونَ
لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيُحَرِّفُونَ التَّوْرَاةَ
وَيُبْغِضُونَ جِبْرِيلَ وَيَقُولُونَ هُوَ عَدُوُّنَا مِنْ الْمَلَائِكَةِ
وَأَنَّهُ غَلِطَ فِي الْوَحْيِ إلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَلَا يَأْكُلُونَ لَحْمَ الْجَزُورِ
.
وَكَذَلِكَ الرَّافِضَةُ يَقُولُونَ بِنَظِيرِ ذَلِكَ
كُلِّهِ كَقَوْلِهِمْ : لَا يَكُونُ الْمُلْكُ إلَّا فِي آلِ عَلِيٍّ وَلَا
جِهَادَ حَتَّى يَخْرُجَ الْمَهْدِيُّ ، وَيُؤَخِّرُونَ الْمَغْرِبَ لِاشْتِبَاكِ
النُّجُومِ ، وَلَا يَرَوْنَ الطَّلَاقَ الثَّلَاثَ ، وَيَنْأَوْنَ عَنْ
الْقِبْلَةِ ، وَيَسْتَحِلُّونَ أَمْوَالَ الْمُسْلِمِينَ ، وَيُحَرِّفُونَ
الْقُرْآنَ وَيُبْغِضُونَ جِبْرِيلَ وَيَقُولُونَ غَلِطَ فِي الْوَحْيِ إلَى
مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنَّمَا بُعِثَ إلَى عَلِيٍّ .
ثُمَّ قَالَ الشَّعْبِيُّ : وَلِلْيَهُودِ وَالنَّصَارَى
عَلَيْهِمْ مَزِيَّةٌ فِي خَصْلَتَيْنِ
.
إحْدَاهُمَا
:
إذَا سُئِلُوا مَنْ خَيْرُ مِلَّتِكُمْ ؟ قَالُوا
أَصْحَابُ مُوسَى ، وَكَذَلِكَ النَّصَارَى قَالُوا خَيْرُ مِلَّتِنَا أَصْحَابُ
عِيسَى .
وَسُئِلَتْ الرَّافِضَةُ مَنْ شَرُّ مِلَّتِكُمْ ؟
قَالُوا أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
وَالثَّانِيَةُ : أَنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى
يَسْتَغْفِرُونَ لِمُتَقَدِّمِيهِمْ ، وَالرَّافِضَةُ أُمِرُوا بِالِاسْتِغْفَارِ
لِلصَّحَابَةِ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ فَسَبُّوهُمْ وَالسَّيْفُ عَلَيْهِمْ
مَسْلُولٌ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا يَثْبُتُ لَهُمْ قَدَمٌ وَلَا تَقُومُ
لَهُمْ حُجَّةٌ وَلَا تَجْتَمِعُ لَهُمْ كَلِمَةٌ دَعْوَتُهُمْ مَدْحُورَةٌ وَحُجَّتُهُمْ
دَاحِضَةٌ وَكَلَامُهُمْ مُخْتَلِفٌ وَجَمْعُهُمْ مُتَفَرِّقٌ { كُلَّمَا
أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ
فَسَادًا وَاَللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ } .
قَالَ بَعْضُ الصَّالِحِينَ : خَرَجْت أَنَا وَجَمَاعَةٌ
إلَى زِيَارَةِ قَبْرِ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ فَنَزَلْنَا عَلَى
نَقِيبٍ مِنْ نُقَبَاءِ الْأَشْرَافِ الْعَلَوِيِّينَ ، وَكَانَ لَهُ خَادِمٌ
يَهُودِيٌّ يَتَوَلَّى أَمْرَ خِدْمَتِهِ دَاخِلًا وَخَارِجًا وَكَانَ قَدْ عُرِفَ
بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ رَجُلٌ هَاشِمِيٌّ صَدِيقٌ لِي فَأَكْرَمَنَا ذَلِكَ
النَّقِيبُ وَأَحْسَنَ إلَيْنَا ، فَقَالَ صَدِيقِي الْهَاشِمِيُّ : أَيُّهَا
النَّقِيبُ : إنَّ أُمُورَك كُلَّهَا حَسَنَةٌ قَدْ جَمَعْت الشَّرَفَ
وَالْمُرُوءَةَ وَالْكَرَمَ إلَّا أَنَّا أَنْكَرْنَا اسْتِخْدَامَك لِهَذَا
الْيَهُودِيِّ مَعَ مُخَالَفَتِهِ لِدِينِك وَدِينِ جَدِّك ، فَقَالَ النَّقِيبُ :
إنِّي قَدْ اشْتَرَيْت غِلْمَانًا كَثِيرَةً وَجِوَارِي فَمَا رَأَيْت أَحَدًا مِنْهُمْ
وَافَقَنِي وَمَا وَجَدْت فِيهِمْ أَمَانَةً وَنُصْحًا مِثْلَ هَذَا الْيَهُودِيِّ
يَقُومُ بِأُمُورِي كُلِّهَا ظَاهِرِهَا وَبَاطِنِهَا وَفِيهِ الْأَمَانَةُ
وَالْكِفَايَةُ ، فَقَالَ بَعْضُ الْجَمَاعَةِ الْحَاضِرِينَ : أَيُّهَا
النَّقِيبُ فَإِذَا كَانَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ فَاعْرِضْ عَلَيْهِ الْإِسْلَامَ
لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَهْدِيَهُ بِك فَأَرْسَلَ إلَيْهِ مَنْ دَعَاهُ فَجَاءَ .
وَقَالَ : اللَّهَ لَقَدْ عَرَفْت لِمَاذَا
دَعَوْتُمُونِي ، فَقَالَ
لَهُ بَعْضُ الْجَمَاعَةِ : أَيُّهَا الْيَهُودِيُّ إنَّ
هَذَا النَّقِيبَ الَّذِي أَنْتَ فِي خِدْمَتِهِ قَدْ عَرَفْت فَضْلَهُ
وَرِئَاسَتَهُ وَشَرَفَهُ وَهُوَ يُحِبُّك وَيُثْنِي عَلَيْك بِالْأَمَانَةِ
وَحُسْنِ الرِّعَايَةِ .
فَقَالَ الْيَهُودِيُّ : وَأَنَا أَيْضًا أُحِبُّهُ ، قُلْنَا
: فَلِمَ لَا تَتْبَعْهُ عَلَى دِينِهِ وَتُسْلِمُ ؟ فَقَالَ الْيَهُودِيُّ :
أَيُّهَا الْجَمَاعَةُ أَنَا أَعْتَقِدُ أَنَّ عُزَيْرًا نَبِيٌّ كَرِيمٌ
وَكَذَلِكَ مُوسَى عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ، وَلَوْ عَلِمْت أَنَّ
فِي الْيَهُودِ مَنْ يَتَّهِمُ زَوْجَةَ نَبِيٍّ وَيَسُبُّ أَبَاهَا وَيَسُبُّ
أَصْحَابَهُ لَمَا تَبِعْت دِينَهُمْ ، فَإِذَا أَسْلَمْت أَنَا فَمَنْ أَتَّبِعُ
؟ قُلْنَا تَتْبَعُ هَذَا النَّقِيبَ الَّذِي أَنْتَ فِي خِدْمَتِهِ ، فَقَالَ
الْيَهُودِيُّ : مَا أَرْضَى هَذَا لِنَفْسِي ، قُلْنَا : وَلِمَ ؟ قَالَ لِأَنَّ
هَذَا النَّقِيبَ يَقُولُ فِي عَائِشَةَ زَوْجَةِ نَبِيِّهِ مَا يَقُولُ وَيَسُبُّ
أَبَاهَا وَعُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَلَا أَرْضَى
لِنَفْسِي أَنْ أَتَّبِعَ دِينَ مُحَمَّدٍ وَأَقْذِفُ أَزْوَاجَهُ وَأَسُبَّ
أَصْحَابَهُ فَرَأَيْت دِينِي الَّذِي أَنَا عَلَيْهِ خَيْرًا مِمَّا هُوَ
عَلَيْهِ .
فَوَجَدَ النَّقِيبُ سَاعَةً ثُمَّ عَرَفَ صِدْقَ
الْيَهُودِيِّ فَأَطْرَقَ رَأْسَهُ إلَى الْأَرْضِ سَاعَةً وَقَالَ : صَدَقْت
مُدَّ يَدَك فَأَنَا أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهَ وَأَشْهَدُ أَنَّ
مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَقَدْ تُبْت إلَى اللَّهِ عَمَّا كُنْت أَقُولُ
وَأَعْتَقِدُهُ ، فَقَالَ الْيَهُودِيُّ : وَأَنَا أَيْضًا أَقُولُ أَشْهَدُ أَنْ
لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ
وَأَنَّ كُلَّ دِينٍ غَيْرُ دِينِ الْإِسْلَامِ بَاطِلٌ ، فَأَسْلَمَ وَحَسُنَ
إسْلَامُهُ وَتَابَ النَّقِيبُ عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ وَحَسُنَتْ تَوْبَتُهُ بِتَوْفِيقِ
اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَهِدَايَتِهِ ، وَفَّقَنَا اللَّهُ لِمَرْضَاتِهِ
وَهَدَانَا لِاقْتِفَاءِ آثَارِ نَبِيِّهِ وَسُنَّتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ إنَّهُ الْجَوَادُ الْكَرِيمُ الرَّءُوفُ الرَّحِيمُ .
وَإِنَّمَا أَسْلَمَ النَّقِيبُ الْمَذْكُورُ لِأَنَّ
سَبَّ عَائِشَةَ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا بِالْفَاحِشَةِ كُفْرٌ إجْمَاعًا
لِأَنَّ فِيهِ تَكْذِيبًا لِلْقُرْآنِ النَّازِلِ بِبَرَاءَتِهَا مِمَّا نَسَبَهُ إلَيْهَا
الْمُنَافِقُونَ وَغَيْرُهُمْ ، وَكَذَلِكَ إنْكَارُ صُحْبَةِ أَبِيهَا كُفْرٌ
إجْمَاعًا أَيْضًا ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَكْذِيبًا لِلْقُرْآنِ أَيْضًا ، قَالَ
تَعَالَى : { إذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إنَّ اللَّهَ مَعَنَا } وَقَدْ
أَفْتَى غَيْرُ وَاحِدٍ بِقَتْلِ سَابِّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا .
وَمِنْ ثَمَّ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ الْهَمْدَانِيُّ :
كُنْت يَوْمًا بِحَضْرَةِ الْحَسَنِ بْنِ يَزِيدَ الدَّاعِي بِطَبَرِسْتَانَ
وَكَانَ يَلْبَسُ الصُّوفَ وَيَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَى عَنْ الْمُنْكَرِ
وَيُوَجِّهُ كُلَّ سَنَةٍ إلَى بَغْدَادَ عِشْرِينَ أَلْفِ دِينَارٍ تُفَرَّقُ
عَلَى أَوْلَادِ الصَّحَابَةِ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ ، فَحَضَرَ عِنْدَهُ
رَجُلٌ فَذَكَرَ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا بِذِكْرٍ قَبِيحٍ مِنْ الْفَاحِشَةِ
، فَقَالَ الْحَسَنُ لِغُلَامِهِ يَا غُلَامُ قُمْ فَاضْرِبْ عُنُقَ هَذَا
فَنَهَضَ إلَيْهِ الْعَلَوِيُّونَ وَقَالُوا هَذَا رَجُلٌ مِنْ شِيعَتِنَا ،
فَقَالَ : مَعَاذَ اللَّهِ هَذَا رَجُلٌ طَعَنَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { الْخَبِيثَاتُ
لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ
وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ }
فَإِذَا كَانَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا خَبِيثَةً فَإِنَّ زَوْجَهَا
يَكُونُ خَبِيثًا وَحَاشَاهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ ذَلِكَ هُوَ
الطَّيِّبُ الطَّاهِرُ بَلْ هُوَ أَطْيَبُ الْخَلْقِ وَأَكْرَمُهُمْ عَلَى اللَّهِ
وَهِيَ الطَّيِّبَةُ الطَّاهِرَةُ الْمُبَرَّأَةُ مِنْ السَّبِّ .
قُمْ يَا غُلَامُ فَاضْرِبْ عُنُقَ هَذَا الْكَافِرِ
فَضَرَبَ عُنُقَهُ .
وَقَدْ تَمَيَّزَتْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا بِمَنَاقِبَ
كَثِيرَةٍ : جَاءَ جِبْرِيلُ بِصُورَتِهَا فِي رَاحَتِهِ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا ، وَلَمْ يَتَزَوَّجْ بِكْرًا
غَيْرَهَا ، وَمَا تَزَوَّجَ امْرَأَةً هَاجَرَ أَبَوَاهَا إلَّا هِيَ ، وَكَانَتْ
أَحَبَّ نِسَائِهِ إلَيْهِ وَأَبُوهَا أَعَزَّ أَصْحَابِهِ
وَأَكْرَمَهُمْ وَأَفْضَلَهُمْ عِنْدَهُ ، وَلَمْ يَنْزِلْ عَلَيْهِ الْوَحْيُ فِي
غَيْرِ لِحَافِهَا ، وَنَزَلَتْ بَرَاءَتُهَا مِنْ السَّمَاءِ رَدًّا عَلَى مَنْ
طَعَنَ فِيهَا ، وَوَهَبَتْهَا سَوْدَةُ يَوْمِهَا وَلَيْلَتِهَا فَكَانَ لَهَا
يَوْمَانِ وَلَيْلَتَانِ دُونَ بَقِيَّةِ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ ، وَكَانَتْ
تَغْضَبُ فَيَتَرَضَّاهَا ، وَقُبِضَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ
سَحَرِهَا وَنَحْرِهَا ، وَاتَّفَقَ ذَلِكَ فِي يَوْمِهَا وَكَانَ قَدْ
اسْتَأْذَنَ نِسَاءَهُ أَنْ يُمَرَّضَ فِي بَيْتِهَا فَلَمْ يَمُتْ إلَّا فِي
الْيَوْمِ الْمُوَافِقِ لِنَوْبَتِهَا وَاسْتِحْقَاقِهَا ، وَخَالَطَ رِيقُهَا رِيقَهُ
فِي آخِرِ أَنْفَاسِهِ وَدُفِنَ بِمَنْزِلِهَا ، وَلَمْ تَرْوِ عَنْهُ امْرَأَةٌ
أَكْثَرَ مِنْهَا ، وَلَا بَلَغَتْ عُلُومُ النِّسَاءِ قَطْرَةً مِنْ عُلُومِهَا
فَإِنَّهَا رَوَتْ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلْفَيْ حَدِيثٍ
وَمِائَتَيْ حَدِيثٍ ، وَلَقَدْ خُلِقَتْ طَيِّبَةً وَعِنْدَ طَيِّبٍ وَوُعِدَتْ
مَغْفِرَةً وَرِزْقًا كَرِيمًا
.
وَقَالَ أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ : مَا أَشْكَلَ عَلَيْنَا أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
حَدِيثٌ قَطُّ فَسَأَلْنَا عَنْهُ عَائِشَةَ إلَّا وَجَدْنَا عِنْدَهَا مِنْهُ
عِلْمًا ، وَكَانَتْ فَصَيْحَةَ الطَّبْعِ ، غَزِيرَةَ الْكَرَمِ مِنْ غَيْرِ
تَكَلُّفٍ ، قَسَمَتْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا سَبْعِينَ أَلْفًا فِي الْمَحَاوِيجِ
وَدِرْعُهَا مَرْقُوعٌ ، وَلَقَدْ شَاعَ حُبُّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
لَهَا حَتَّى كَانَ النَّاسُ يَنْتَظِرُونَ بِهَدَايَاهُمْ يَوْمَهَا حَتَّى
أَضْجَرَ ذَلِكَ جَمَاعَةً مِنْ ضَرَائِرِهَا ، فَسَأَلْنَ النَّبِيَّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى لِسَانِ فَاطِمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا بِنْتِهِ
وَعَلَى لِسَانِ غَيْرِهَا الْعَدْلَ فِي بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ فَلَمْ يُجِبْ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَّا بِ { لَا تُؤْذُونِي فِي عَائِشَةَ
فَوَاَللَّهِ مَا نَزَلَ عَلَيَّ الْوَحْيُ فِي لِحَافِ امْرَأَةٍ مِنْكُنَّ
غَيْرَهَا } .
وَمِنْ ثَمَّ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
{ فَضْلُ
عَائِشَةَ عَلَى النِّسَاءِ كَفَضْلِ الثَّرِيدِ عَلَى
سَائِرِ الطَّعَامِ } .
وَكُشِفَ عَنْ بَصَرِهَا فَرَأَتْ جِبْرِيلَ فَقَالَ
لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَلِّمْ عَلَيْهَا ، فَقَالَ
لَهَا هَذَا جِبْرِيلُ يَقْرَأُ عَلَيْك السَّلَامُ ، وَمَا أَحْسَنَ قَوْلَ
بَعْضِ الشُّعَرَاءِ : وَلَوْ كَانَ النِّسَاءُ كَمَنْ ذُكِرْنَا لَفُضِّلَتْ النِّسَاءُ
عَلَى الرِّجَالِ فَمَا التَّأْنِيثُ لِاسْمِ الشَّمْسِ عَيْبٌ وَلَا التَّذْكِيرُ
فَخْرٌ لِلْهِلَالِ
كِتَابُ الدَّعَاوَى ( الْكَبِيرَةُ السَّادِسَةُ
وَالسِّتُّونَ بَعْدَ الْأَرْبَعِمِائَةِ : دَعْوَى الْإِنْسَانِ عَلَى غَيْرِهِ
بِمَا يَعْلَمُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ
) .
فِيهِ حَدِيثُ : { مَنْ ادَّعَى بِمَا لَيْسَ لَهُ
فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ } .
وَهَذَا وَعِيدٌ شَدِيدٌ ، وَبِهِ يَتَّجِهُ عَدُّ هَذَا
كَبِيرَةً ، وَإِنْ لَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِهِ .
كِتَابُ الْعِتْقِ .
- أَعْتَقَنَا اللَّهُ مِنْ النَّارِ وَجَعَلَنَا مِنْ
أَوْلِيَائِهِ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيَارِ - .
( الْكَبِيرَةُ السَّابِعَةُ وَالسِّتُّونَ بَعْدَ
الْأَرْبَعِمِائَةِ اسْتِخْدَامُ الْعَتِيقِ بِغَيْرِ مُسَوِّغٍ شَرْعِيٍّ ،
كَأَنْ يَعْتِقَهُ بَاطِنًا وَيَسْتَمِرَّ عَلَى اسْتِخْدَامِهِ ) وَذِكْرُ هَذَا
ظَاهِرٌ ، وَإِنْ لَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِهِ ، وَقَدْ مَرَّ فِي اسْتِعْبَادِ الْحُرِّ
الشَّامِلِ لِهَذَا مَا فِيهِ مِنْ الْوَعِيدِ الشَّدِيدِ .
الْخَاتِمَةُ فِي ذِكْرِ أُمُورٍ أَرْبَعَةٍ : الْأَمْرُ
الْأَوَّلُ مَا جَاءَ فِي فَضَائِلِ التَّوْبَةِ وَمُتَعَلِّقَاتهَا اعْلَمْ أَنَّ
الْآيَاتِ فِيهَا كَثِيرَةٌ وَمَشْهُورَةٌ كَقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَتُوبُوا إلَى
اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } وَقَوْلُهُ : { وَاَلَّذِينَ
لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي
حَرَّمَ اللَّهُ إلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ
أَثَامًا يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ
مُهَانًا إلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ
يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا
وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إلَى اللَّهِ مَتَابًا } .
وَالْأَحَادِيثُ فِي ذَلِكَ كَثِيرَةٌ : أَخْرَجَ
مُسْلِمٌ : { إنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ يَدَهُ بِاللَّيْلِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ
النَّهَارِ وَيَبْسُطُ يَدَهُ بِالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْلِ حَتَّى
تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا
} .
وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ : { إنَّ مِنْ قِبَلِ
الْمَغْرِبِ لَبَابًا مَسِيرَةُ عَرْضِهِ أَرْبَعُونَ عَامًا أَوْ سَبْعُونَ
سَنَةً فَتَحَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِلتَّوْبَةِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ
فَلَا يُغْلِقُهُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْهُ } .
وَصَحَّحَ أَيْضًا : { إنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ
بِالْمَغْرِبِ بَابًا عَرْضُهُ مَسِيرَةُ سَبْعِينَ عَامًا لِلتَّوْبَةِ لَا
يُغْلَقُ مَا لَمْ تَطْلُعْ الشَّمْسُ مِنْ قِبَلِهِ ، وَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى :
{ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّك لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إيمَانُهَا }
الْآيَةَ } قِيلَ : وَلَيْسَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَلَا الْأُولَى تَصْرِيحٌ
بِرَفْعِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْبَيْهَقِيُّ ، انْتَهَى .
وَيُجَابُ بِأَنَّ مِثْلَ هَذَا لَا يُقَالُ مِنْ قِبَلِ
الرَّأْيِ فَلَهُ حُكْمُ الْمَرْفُوعِ
.
وَالطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ جَيِّدٍ : { لِلْجَنَّةِ
ثَمَانِيَةُ أَبْوَابٍ سَبْعَةٌ مُغْلَقَةٌ وَبَابٌ مَفْتُوحٌ لِلتَّوْبَةِ حَتَّى
تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ نَحْوِهِ
} .
وَابْنُ مَاجَهْ بِسَنَدٍ جَيِّدٍ : { لَوْ أَخْطَأْتُمْ
حَتَّى تَبْلُغَ خَطَايَاكُمْ السَّمَاءَ ثُمَّ تُبْتُمْ
لَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ } .
وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ : { مِنْ سَعَادَةِ الْمَرْءِ
أَنْ يَطُولَ عُمُرُهُ وَيَرْزُقَهُ اللَّهُ الْإِنَابَةَ } .
وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَالْحَاكِمُ
وَصَحَّحَهُ : { كُلُّ ابْنِ آدَمَ خَطَّاءٌ وَخَيْرُ الْخَطَّائِينَ
التَّوَّابُونَ } .
وَالشَّيْخَانِ : { إنَّ عَبْدًا أَصَابَ ذَنْبًا
فَقَالَ يَا رَبِّ إنِّي أَذْنَبْت ذَنْبًا فَاغْفِرْهُ لِي فَقَالَ لَهُ رَبُّهُ
: عَلِمَ عَبْدِي أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِهِ فَغَفَرَ
لَهُ ثُمَّ مَكَثَ مَا شَاءَ اللَّهُ ، ثُمَّ أَصَابَ ذَنْبًا آخَرَ وَرُبَّمَا
قَالَ أَذْنَبَ ذَنْبًا آخَرَ فَقَالَ يَا رَبِّ إنِّي أَذْنَبْت ذَنْبًا آخَرَ
فَاغْفِرْهُ لِي ، فَقَالَ رَبُّهُ : عَلِمَ عَبْدِي أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ
الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِهِ فَغَفَرَ لَهُ ، ثُمَّ مَكَثَ مَا شَاءَ اللَّهُ
تَعَالَى ، ثُمَّ أَصَابَ ذَنْبًا آخَرَ وَرُبَّمَا قَالَ أَذْنَبَ ذَنْبًا آخَرَ فَقَالَ
يَا رَبِّ إنِّي أَذْنَبْت ذَنْبًا آخَرَ فَاغْفِرْهُ لِي ، فَقَالَ رَبُّهُ :
عَلِمَ عَبْدِي أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِهِ ، فَقَالَ
رَبُّهُ : غَفَرْت لِعَبْدِي فَلْيَعْمَلْ مَا شَاءَ } .
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ : قَوْلُهُ فَلْيَعْمَلْ مَا شَاءَ : مَعْنَاهُ -
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَنَّهُ مَا دَامَ كُلَّمَا أَذْنَبَ ذَنْبًا اسْتَغْفَرَ
وَتَابَ مِنْهُ وَلَمْ يَعُدْ إلَيْهِ ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ ثُمَّ أَصَابَ ذَنْبًا
آخَرَ فَلْيَعْمَلْ إذَا كَانَ هَذَا دَأْبَهُ مَا شَاءَ ؛ لِأَنَّهُ كُلَّمَا
أَذْنَبَ كَانَتْ تَوْبَتُهُ وَاسْتِغْفَارُهُ كَفَّارَةً لِذَنْبِهِ فَلَا
يَضُرُّهُ لَا أَنَّ الْمَعْنَى أَنَّهُ يُذْنِبُ فَيَسْتَغْفِرُ مِنْهُ
بِلِسَانِهِ مِنْ غَيْرِ إقْلَاعٍ ثُمَّ يُعَاوِدُهُ فَإِنَّ هَذِهِ تَوْبَةُ
الْكَذَّابِينَ .
وَجَمَاعَةٌ وَصَحَّحُوهُ : { إنَّ الْمُؤْمِنَ إذَا
أَذْنَبَ ذَنْبًا كَانَتْ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ فِي قَلْبِهِ فَإِنْ تَابَ وَنَزَعَ وَاسْتَغْفَرَ
صُقِلَ مِنْهَا ، وَإِنْ زَادَتْ زَادَ حَتَّى يُغْلَقُ بِهَا قَلْبُهُ فَذَلِكَ
الرَّانُ الَّذِي ذَكَرَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ : { كَلًّا بَلْ رَانَ عَلَى
قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا
يَكْسِبُونَ
} } .
وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ : { إنَّ اللَّهَ يَقْبَلُ
تَوْبَةَ الْعَبْدِ مَا لَمْ يُغَرْغِرْ } : أَيْ تَبْلُغُ رُوحُهُ حُلْقُومَهُ .
وَالطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ حَسَنٍ لَكِنْ فِيهِ
انْقِطَاعٌ وَالْبَيْهَقِيُّ بِسَنَدٍ فِيهِ مَجْهُولٌ عَنْ مُعَاذٍ قَالَ : {
أَخَذَ بِيَدِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَشَى مِيلًا
ثُمَّ قَالَ : يَا مُعَاذُ أُوصِيكَ بِتَقْوَى اللَّهِ وَصِدْقِ الْحَدِيثِ ،
وَوَفَاءِ الْعَهْدِ ، وَأَدَاءِ الْأَمَانَةِ ، وَتَرْكِ الْخِيَانَةِ ،
وَرَحْمَةِ الْيَتِيمِ ، وَحِفْظِ الْجِوَارِ ، وَكَظْمِ الْغَيْظِ ، وَلِينِ
الْكَلَامِ ، وَبَذْلِ السَّلَامِ ، وَلُزُومِ الْإِمَامِ ، وَالتَّفَقُّهِ فِي الْقُرْآنِ
، وَحُبِّ الْآخِرَةِ وَالْجَزَعِ مِنْ الْحِسَابِ ، وَقِصَرِ الْأَمَلِ ،
وَحُسْنِ الْعَمَلِ ، وَأَنْهَاك أَنْ تَشْتُمَ مُسْلِمًا أَوْ تُصَدِّقَ كَاذِبًا
أَوْ تُكَذِّبَ صَادِقًا أَوْ تَعْصِيَ إمَامًا عَادِلًا ، وَأَنْ تُفْسِدَ فِي
الْأَرْضِ ، يَا مُعَاذُ اُذْكُرْ اللَّهَ عِنْدَ كُلِّ شَجَرَةٍ وَحَجَرٍ
وَأَحْدِثْ لِكُلِّ ذَنْبٍ تَوْبَةً ، السِّرُّ بِالسِّرِّ وَالْعَلَانِيَةُ
بِالْعَلَانِيَةِ } .
وَالْأَصْفَهَانِيُّ : { إذَا تَابَ الْعَبْدُ مِنْ ذُنُوبِهِ
أَنْسَى اللَّهُ حَفَظَتَهُ ذُنُوبَهُ ، وَأَنْسَى ذَلِكَ جَوَارِحَهُ
وَمَعَالِمَهُ مِنْ الْأَرْضِ حَتَّى يَلْقَى اللَّهَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
وَلَيْسَ عَلَيْهِ شَاهِدٌ مِنْ اللَّهِ بِذَنْبٍ } .
وَالْأَصْفَهَانِيُّ أَيْضًا : { النَّادِمُ يَنْتَظِرُ
مِنْ اللَّهِ الرَّحْمَةَ ، وَالْمُعْجَبُ يَنْتَظِرُ الْمَقْتَ ، وَاعْلَمُوا
عِبَادَ اللَّهِ أَنَّ كُلَّ عَامِلٍ سَيَقْدَمُ عَلَى عَمَلِهِ وَلَا يَخْرُجُ
مِنْ الدُّنْيَا حَتَّى يَرَى حُسْنَ عَمَلِهِ وَسُوءَ عَمَلِهِ ، وَإِنَّمَا
الْأَعْمَالُ بِخَوَاتِيمِهَا ، وَاللَّيْلُ وَالنَّهَارُ مَطِيَّتَانِ
فَأَحْسِنُوا السَّيْرَ عَلَيْهِمَا إلَى الْآخِرَةِ ، وَاحْذَرُوا التَّسْوِيفَ
فَإِنَّ الْمَوْتَ يَأْتِي بَغْتَةً ، وَلَا يَغْتَرَّنَّ أَحَدُكُمْ بِحِلْمِ
اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَإِنَّ النَّارَ أَقْرَبُ إلَى أَحَدِكُمْ مِنْ شِرَاكِ
نَعْلِهِ ، ثُمَّ قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : {
فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ
ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ
ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ } } .
وَالطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ لَكِنْ فِيهِ
انْقِطَاعٌ : { التَّائِبُ مِنْ الذَّنْبِ كَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ } .
وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقٍ آخَرَ وَزَادَ :
{ وَالْمُسْتَغْفِرُ مِنْ الذَّنْبِ وَهُوَ مُقِيمٌ عَلَيْهِ كَالْمُسْتَهْزِئِ
بِرَبِّهِ } .
وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالْحَاكِمُ
وَصَحَّحَهُ : { النَّدَمُ تَوْبَةٌ
} أَيْ أَنَّهُ مُعْظَمُ أَرْكَانِهَا كَخَبَرِ : {
الْحَجُّ عَرَفَةَ } .
وَلَا بُدَّ فِي النَّدَمِ أَنْ يَكُونَ مِنْ حَيْثُ
الْمَعْصِيَةِ وَقُبْحِهَا وَخَوْفِ عِقَابِهَا بِخِلَافِهِ لِنَحْوِ هَتْكٍ أَوْ
ضَيَاعِ مَالٍ عَلَى الْمَعْصِيَةِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ .
وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ لَكِنْ فِيهِ سَاقِطٌ : { مَا
عَلِمَ اللَّهُ مِنْ عَبْدٍ نَدَامَةً عَلَى ذَنْبٍ إلَّا غَفَرَ لَهُ قَبْلَ أَنْ
يَسْتَغْفِرَهُ مِنْهُ } .
وَمُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ : { وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ
لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا وَتَسْتَغْفِرُوا لَذَهَبَ اللَّهُ بِكُمْ وَلَجَاءَ
بِقَوْمٍ غَيْرِكُمْ يُذْنِبُونَ وَيَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ فَيَغْفِرُ لَهُمْ } .
وَمُسْلِمٌ :
{ لَيْسَ أَحَدٌ أَحَبَّ إلَيْهِ الْمَدْحُ مِنْ اللَّهِ
مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ مَدَحَ نَفْسَهُ ، وَلَيْسَ أَحَدٌ أَغْيَرَ مِنْ اللَّهِ مِنْ
أَجْلِ ذَلِكَ حَرَّمَ الْفَوَاحِشَ ، وَلَيْسَ ، أَحَدٌ أَحَبَّ إلَيْهِ الْعُذْرُ
مِنْ اللَّهِ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ أَنْزَلَ الْكِتَابَ وَأَرْسَلَ الرُّسُلَ } .
وَمُسْلِمٌ : { إنَّ امْرَأَةً مِنْ جُهَيْنَةَ أَتَتْ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهِيَ حُبْلَى مِنْ الزِّنَا
فَقَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَصَبْت حَدًّا فَأَقِمْهُ عَلَيَّ ، فَدَعَا
نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِيَّهَا فَقَالَ : أَحْسِنْ
إلَيْهَا فَإِذَا وَضَعَتْ فَأْتِنِي بِهَا فَفَعَلَ بِهَا نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَشُدَّتْ عَلَيْهَا ثِيَابُهَا ثُمَّ أَمَرَ بِهَا
فَرُجِمَتْ ثُمَّ صَلَّى عَلَيْهَا ، فَقَالَ عُمَرُ : تُصَلِّي عَلَيْهَا يَا
رَسُولَ اللَّهِ وَقَدْ زَنَتْ ، قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
لَقَدْ تَابَتْ تَوْبَةً لَوْ قُسِّمَتْ بَيْنَ سَبْعِينَ
مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ لَوَسِعَتْهُمْ ، وَهَلْ
وَجَدْت أَفْضَلَ مِمَّنْ جَادَتْ بِنَفْسِهَا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ } .
وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَابْنُ حِبَّانَ فِي
صَحِيحِهِ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا
قَالَ { : سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحَدِّثُ
حَدِيثًا لَوْ لَمْ أَسْمَعْهُ إلَّا مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ حَتَّى عَدَّ
سَبْعَ مَرَّاتٍ وَلَكِنْ سَمِعْته أَكْثَرَ ، سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : كَانَ الْكِفْلُ مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ لَا
يَتَوَرَّعُ مِنْ ذَنْبٍ عَمِلَهُ فَأَتَتْهُ امْرَأَةٌ فَأَعْطَاهَا سِتِّينَ
دِينَارًا عَلَى أَنْ يَطَأَهَا ، فَلَمَّا قَعَدَ مِنْهَا مَقْعَدَ الرَّجُلِ
مِنْ امْرَأَتِهِ أَرْعَدَتْ وَبَكَتْ ، فَقَالَ مَا يُبْكِيك أَكْرَهْتُك ؟
قَالَتْ : لَا وَلَكِنَّهُ عَمَلٌ مَا عَمِلْته قَطُّ وَمَا حَمَلَنِي عَلَيْهِ
إلَّا الْحَاجَةُ ، فَقَالَ : تَفْعَلِينَ أَنْتِ هَذَا وَمَا فَعَلْتِيهِ قَطُّ
اذْهَبِي فَهِيَ لَك ، وَقَالَ لَا وَاَللَّهِ لَا أَعْصِي بَعْدَهَا أَبَدًا
فَمَاتَ مِنْ لَيْلَتِهِ فَأَصْبَحَ مَكْتُوبًا عَلَى بَابِهِ إنَّ اللَّه قَدْ غَفَرَ
لِلْكِفْلِ } .
وَصَحَّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
قَالَ { : كَانَتْ قَرْيَتَانِ إحْدَاهُمَا صَالِحَةٌ وَالْأُخْرَى طَالِحَةٌ فَخَرَجَ
رَجُلٌ مِنْ الْقَرْيَةِ الطَّالِحَةِ يُرِيدُ الْقَرْيَةَ الصَّالِحَةَ فَأَتَاهُ
الْمَوْتُ حَيْثُ شَاءَ اللَّهُ ، فَاخْتَصَمَ فِيهِ الْمَلَكُ وَالشَّيْطَانُ ،
فَقَالَ الشَّيْطَانُ وَاَللَّهِ مَا عَصَانِي قَطُّ ، وَقَالَ الْمَلَكُ : إنَّهُ
قَدْ خَرَجَ يُرِيدُ التَّوْبَةَ فَقَضَى اللَّهُ بَيْنَهُمَا أَنْ يَنْظُرَ إلَى
أَيِّهِمَا أَقْرَبُ فَوَجَدُوهُ أَقْرَبَ إلَى الْقَرْيَةِ الصَّالِحَةِ بِشِبْرٍ
فَغُفِرَ لَهُ .
} قَالَ مَعْمَرٌ : وَسَمِعْت مَنْ يَقُولُ قَرَّبَ
اللَّهُ إلَيْهِ الْقَرْيَةَ الصَّالِحَةَ .
وَالشَّيْخَانِ { : كَانَ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ
رَجُلٌ قَتَلَ تِسْعًا وَتِسْعِينَ نَفْسًا فَسَأَلَ عَنْ أَعْلَمِ أَهْلِ
الْأَرْضِ فَدُلَّ عَلَى رَاهِبٍ فَأَتَاهُ فَقَالَ لَهُ : إنَّهُ قَتَلَ تِسْعًا
وَتِسْعِينَ نَفْسًا فَهَلْ لَهُ مِنْ تَوْبَةٍ
؟ فَقَالَ :
لَا فَقَتَلَهُ فَكَمَّلَ بِهِ مِائَةً ، ثُمَّ سَأَلَ عَنْ أَعْلَمِ أَهْلِ
الْأَرْضِ فَدُلَّ عَلَى رَجُلٍ عَالِمٍ فَقَالَ : إنَّهُ قَتَلَ مِائَةَ نَفْسٍ
فَهَلْ لَهُ مِنْ تَوْبَةٍ ؟ فَقَالَ : نَعَمْ وَمَنْ يَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ
التَّوْبَةِ ؟ انْطَلِقْ إلَى أَرْضِ كَذَا وَكَذَا فَإِنَّ بِهَا أُنَاسًا يَعْبُدُونَ
اللَّهَ فَاعْبُدْ اللَّهَ مَعَهُمْ وَلَا تَرْجِعْ إلَى أَرْضِك فَإِنَّهَا
أَرْضُ سُوءٍ ، فَانْطَلَقَ حَتَّى إذَا بَلَغَ نِصْفَ الطَّرِيقِ أَتَاهُ
الْمَوْتُ فَاخْتَصَمَتْ فِيهِ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ وَمَلَائِكَةُ الْعَذَابِ
، فَقَالَتْ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ : جَاءَ تَائِبًا مُقْبِلًا بِقَلْبِهِ إلَى
اللَّهِ تَعَالَى ، وَقَالَتْ مَلَائِكَةُ الْعَذَابِ : إنَّهُ لَمْ يَعْمَلْ
خَيْرًا قَطُّ فَأَتَاهُمْ مَلَكٌ فِي صُورَةِ آدَمِيٍّ فَجَعَلُوهُ بَيْنَهُمْ
فَقَالَ قِيسُوا مَا بَيْنَ الْأَرْضَيْنِ فَإِلَى أَيَّتِهِمَا هُوَ أَدْنَى
كَانَ لَهُ فَقَاسُوا فَوَجَدُوهُ أَدْنَى إلَى الْأَرْضِ الَّتِي أَرَادَ فَقَبَضَتْهُ
مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ } .
وَفِي رِوَايَةٍ : { فَكَانَ إلَى الْقَرْيَةِ
الصَّالِحَةِ أَقْرَبَ بِشِبْرٍ فَحُمِلَ مِنْ أَهْلِهَا } ،
وَفِي رِوَايَةٍ : { فَأَوْحَى اللَّهُ تَعَالَى إلَى هَذِهِ أَنْ تَبَاعَدِي
وَإِلَى هَذِهِ أَنْ تَقَرَّبِي ، وَقَالَ قِيسُوا مَا بَيْنَهُمَا فَوَجَدُوهُ
إلَى هَذِهِ أَقْرَبَ بِشِبْرٍ فَغُفِرَ لَهُ } .
وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ قَتَادَةُ : قَالَ الْحَسَنُ : {
ذُكِرَ لَنَا أَنَّهُ لَمَّا أَتَاهُ مَلَكُ الْمَوْتِ نَاءَ بِصَدْرِهِ نَحْوَهَا } .
وَالطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ جَيِّدٍ : { أَنَّ رَجُلًا
أَسْرَفَ عَلَى نَفْسِهِ فَلَقِيَ رَجُلًا فَقَالَ إنَّ الْآخَرَ قَتَلَ تِسْعًا
وَتِسْعِينَ نَفْسًا كُلَّهُمْ ظُلْمًا فَهَلْ تَجِدُ لِي مِنْ تَوْبَةٍ ؟ قَالَ :
لَا فَقَتَلَهُ ، وَأَتَى آخَرَ فَقَالَ : إنَّ الْآخَرَ قَتَلَ مِائَةَ نَفْسٍ كُلَّهَا
ظُلْمًا فَهَلْ تَجِدُ لِي مِنْ تَوْبَةٍ ؟ فَقَالَ : إنْ حَدَّثْتُك أَنَّ
اللَّهَ لَا يَتُوبُ عَلَى مَنْ تَابَ كَذَبْتُك ، هَاهُنَا قَوْمٌ يَتَعَبَّدُونَ
فَأْتِهِمْ تَعْبُدْ اللَّهَ مَعَهُمْ فَتَوَجَّهَ إلَيْهِمْ فَمَاتَ عَلَى ذَلِكَ
فَاخْتَصَمَتْ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ وَمَلَائِكَةُ
الْعَذَابِ فَبَعَثَ اللَّهُ إلَيْهِمْ مَلَكًا فَقَالَ
قِيسُوا مَا بَيْنَ الْمَكَانَيْنِ فَأَيُّهُمْ كَانَ أَقْرَبَ فَهُوَ مِنْهُمْ
فَوَجَدُوهُ أَقْرَبَ إلَى دَيْرِ التَّوَّابِينَ بِأُنْمُلَةٍ فَغُفِرَ لَهُ } ،
وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ : { ثُمَّ أَتَى رَاهِبًا آخَرَ فَقَالَ : إنِّي قَتَلْت
مِائَةَ نَفْسٍ فَهَلْ تَجِدُ لِي مِنْ تَوْبَةٍ ؟ فَقَالَ أَسْرَفْت مَا أَدْرِي
وَلَكِنْ هُنَا قَرْيَتَانِ إحْدَاهُمَا يُقَالُ لَهَا نَصْرَةُ وَالْأُخْرَى
يُقَالُ لَهَا كَفَرَةُ ، فَأَمَّا أَهْلُ نَصْرَةَ فَيَعْمَلُونَ عَمَلَ أَهْلِ
الْجَنَّةِ لَا يَثْبُتُ فِيهَا غَيْرُهُمْ ، وَأَمَّا أَهْلُ كَفَرَةَ
فَيَعْمَلُونَ عَمَلَ أَهْلِ النَّارِ لَا يَثْبُتُ فِيهَا غَيْرُهُمْ ، فَانْطَلِقْ
إلَى نَصْرَةَ فَإِنْ ثَبَتَّ فِيهَا وَعَمِلَتْ عَمَلَ أَهْلِهَا فَلَا شَكَّ فِي
تَوْبَتِك ، فَانْطَلَقَ يُرِيدُهَا حَتَّى إذَا كَانَ بَيْنَ الْقَرْيَتَيْنِ
أَدْرَكَهُ الْمَوْتُ فَسَأَلَتْ الْمَلَائِكَةُ رَبَّهَا عَنْهُ ، فَقَالَ :
اُنْظُرُوا إلَى أَيِّ الْقَرْيَتَيْنِ كَانَ أَقْرَبَ فَاكْتُبُوهُ مِنْ
أَهْلِهَا فَوَجَدُوهُ أَقْرَبَ إلَى نَصْرَةَ بِقَيْدِ أُنْمُلَةٍ فَكُتِبَ مِنْ
أَهْلِهَا } .
وَمُسْلِمٌ وَاللَّفْظُ لَهُ وَالْبُخَارِيُّ بِنَحْوِهِ
: قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ { أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي وَأَنَا مَعَهُ
حَيْثُ يَذْكُرُنِي ، وَاَللَّهِ لَلَّهُ أَفْرَحُ بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ مِنْ
أَحَدِكُمْ يَجِدُ ضَالَّتَهُ بِالْفَلَاةِ ، وَمَنْ تَقَرَّبَ إلَيَّ شِبْرًا
تَقَرَّبْتُ إلَيْهِ ذِرَاعًا ، وَمَنْ تَقَرَّبَ إلَيَّ ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ
إلَيْهِ بَاعًا ، وَإِذَا أَقْبَلَ يَمْشِي أَقْبَلْتُ إلَيْهِ أُهَرْوِلُ } .
وَأَحْمَدُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ قَالَ اللَّهُ عَزَّ
وَجَلَّ : { يَا ابْنَ آدَمَ قُمْ إلَيَّ أَمْشِ إلَيْك وَامْشِ إلَيَّ أُهَرْوِلْ
إلَيْك } .
وَالشَّيْخَانِ : { لَلَّهُ أَفْرَحُ بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ
مِنْ أَحَدِكُمْ سَقَطَ عَلَى بَعِيرِهِ وَقَدْ أَضَلَّهُ بِأَرْضٍ فَلَاةٍ } .
وَمُسْلِمٌ
: { لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ حِينَ
يَتُوبُ إلَيْهِ مِنْ أَحَدِكُمْ كَانَ عَلَى رَاحِلَتِهِ بِأَرْضٍ فَلَاةٍ
فَانْفَلَتَتْ مِنْ يَدِهِ وَعَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ فَأَيِسَ مِنْهَا
فَأَتَى
شَجَرَةً فَاضْطَجَعَ فِي ظِلِّهَا قَدْ أَيِسَ مِنْ
رَاحِلَتِهِ ، فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إذَا هُوَ بِهَا قَائِمَةٌ عِنْدَهُ
فَأَخَذَ بِخِطَامِهَا ثُمَّ قَالَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ اللَّهُمَّ أَنْتَ
عَبْدِي وَأَنَا رَبُّك أَخْطَأَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ } .
وَالشَّيْخَانِ : { لَلَّهُ أَفْرَحُ بِتَوْبَةِ
عَبْدِهِ الْمُؤْمِنِ مِنْ رَجُلٍ نَزَلَ فِي أَرْضٍ دَوِيَّةٍ مُهْلِكَةٍ مَعَهُ
رَاحِلَتُهُ عَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ ، فَوَضَعَ رَأْسَهُ فَنَامَ
فَاسْتَيْقَظَ وَقَدْ ذَهَبَتْ رَاحِلَتُهُ فَطَلَبَهَا حَتَّى إذَا اشْتَدَّ
عَلَيْهَا الْحَرُّ وَالْعَطَشُ أَوْ مَا شَاءَ اللَّهُ قَالَ : أَرْجِعُ إلَى
مَكَانِي الَّذِي كُنْت فِيهِ فَأَنَامُ حَتَّى أَمُوتَ فَوَضَعَ رَأْسَهُ عَلَى سَاعِدِهِ
لِيَمُوتَ فَاسْتَيْقَظَ فَإِذَا رَاحِلَتُهُ عِنْدَهُ عَلَيْهَا زَادُهُ
وَشَرَابُهُ ، فَاَللَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ الْعَبْدِ الْمُؤْمِنِ مِنْ هَذَا
بِرَاحِلَتِهِ } الدَّوِّيَّةُ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ الْوَاوِ
وَالْيَاءِ الْفَلَاةُ الْقَفْرُ وَالْمَفَازَةُ .
وَالطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ حَسَنٍ : { مَنْ أَحْسَنَ
فِيمَا بَقِيَ غُفِرَ لَهُ مَا مَضَى وَمَنْ أَسَاءَ فِيمَا بَقِيَ أُخِذَ بِمَا
مَضَى وَبِمَا بَقِيَ } .
وَأَحْمَدُ وَالطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ : { إنَّ
مَثَلَ الَّذِي يَعْمَلُ السَّيِّئَاتِ ثُمَّ يَعْمَلُ الْحَسَنَاتِ كَمَثَلِ
رَجُلٍ كَانَتْ عَلَيْهِ دِرْعٌ ضَيِّقَةٌ قَدْ خَنَقَتْهُ ثُمَّ عَمِلَ حَسَنَةً فَانْفَكَّتْ
حَلْقَةٌ ثُمَّ عَمِلَ حَسَنَةً أُخْرَى فَانْفَكَّتْ أُخْرَى حَتَّى تَخْرُجَ
إلَى الْأَرْضِ } وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ
وَالطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ رُوَاتُهُ ثِقَاتٌ : { أَنَّ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ أَرَادَ
سَفَرًا فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَوْصِنِي .
قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : اُعْبُدْ اللَّهَ
وَلَا تُشْرِكْ بِهِ شَيْئًا ، قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ زِدْنِي ، قَالَ إذَا
أَسَأْت فَأَحْسِنْ وَلْتُحَسِّنْ خُلُقَكَ } .
وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ : { اتَّقِ اللَّهَ
حَيْثُمَا كُنْت وَأَتْبِعْ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا وَخَالِقْ
النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ } .
وَأَحْمَدُ بِسَنَدٍ حَسَنٍ
أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ
لِأَبِي ذَرٍّ : { سِتَّةُ أَيَّامٍ ثُمَّ اعْقِلْ يَا أَبَا ذَرٍّ مَا يُقَالُ
لَك بَعْدُ ، فَلَمَّا كَانَ الْيَوْمُ السَّابِعُ قَالَ : أُوصِيك بِتَقْوَى
اللَّهِ فِي سَرَائِرِك وَعَلَانِيَتِك ، وَإِذَا أَسَأْت فَأَحْسِنْ ، وَلَا تَسْأَلَنَّ
أَحَدًا شَيْئًا وَإِنْ سَقَطَ سَوْطُك ، وَلَا تَقْبِضْ أَمَانَةً } .
وَمُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ : { جَاءَ رَجُلٌ إلَى النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي عَالَجْت
امْرَأَةً فِي أَقْصَى الْمَدِينَةِ وَإِنِّي أَصَبْت مِنْهَا دُونَ أَنْ
أَمَسَّهَا فَأَنَا هَذَا فَاقْضِ فِي مَا شِئْت ، فَقَامَ لَهُ عُمَرُ : لَقَدْ
سَتَرَك اللَّهُ لَوْ سَتَرْت نَفْسَك ، قَالَ وَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ النَّبِيُّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا .
فَقَالَ الرَّجُلُ : فَانْطَلَقَ فَأَتْبَعَهُ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا دَعَاهُ فَتَلَا عَلَيْهِ
هَذِهِ الْآيَةِ : { وَأَقِمْ الصَّلَاةَ طَرَفَيْ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنْ
اللَّيْلِ إنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى
لِلذَّاكِرِينَ } فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا لَهُ
خَاصَّةً ؟ قَالَ : بَلْ لِلنَّاسِ كَافَّةً } .
وَالْبَزَّارُ وَالطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ جَيِّدٍ
قَوِيٍّ وَاللَّفْظُ لَهُ : { أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : أَرَأَيْت مَنْ عَمِلَ الذُّنُوبَ كُلَّهَا وَلَمْ
يَتْرُكْ مِنْهَا شَيْئًا وَهُوَ فِي ذَلِكَ لَمْ يَتْرُكْ حَاجَّةً - أَيْ وَهُوَ
الَّذِي يَقْطَعُ الطَّرِيقَ عَلَى الْحَاجِّ إذَا تَوَجَّهُوا - وَلَا دَاجَّةً -
أَيْ وَهُوَ الَّذِي يَقْطَعُ عَلَيْهِمْ إذَا رَجَعُوا - إلَّا أَتَاهَا فَهَلْ
لِذَلِكَ مِنْ تَوْبَةٍ ؟ قَالَ : فَهَلْ أَسْلَمْت ؟ قَالَ أَمَّا أَنَا
فَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّك رَسُولُ اللَّهِ ، قَالَ :
تَفْعَلْ الْخَيْرَاتِ وَتَتْرُكْ السَّيِّئَاتِ فَيَجْعَلُهُنَّ اللَّهُ تَعَالَى
خَيْرَاتٍ كُلَّهُنَّ ، قَالَ : وَغَدَرَاتِي وَفَجَرَاتِي ؟ قَالَ : نَعَمْ ، قَالَ
: اللَّهُ أَكْبَرُ فَمَا زَالَ يُكَبِّرُ حَتَّى تَوَارَى } .
تَتِمَّةٌ : أَخْرَجَ الْبَزَّارُ
بِسَنَدٍ حَسَنٍ : { إنَّ بَيْنَ أَيْدِيكُمْ عَقَبَةً
كَئُودًا لَا يَنْجُو مِنْهَا إلَّا كُلُّ مُخِفٍّ } .
وَالطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ { إنَّ وَرَاءَكُمْ
عَقَبَةً كَئُودًا لَا يَجُوزُهَا الْمُثْقِلُونَ } .
قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ رَاوِيهِ ، فَأَنَا أُحِبُّ
أَنْ أَتَخَفَّفَ لِتِلْكَ الْعَقَبَةِ وَالْكَئُودُ بِفَتْحٍ فَضَمِّ الْهَمْزَةِ
الْعَقَبَةُ الصَّعْبَةُ "
.
وَالطَّبَرَانِيُّ : { خَرَجَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يَوْمًا وَهُوَ آخِذٌ بِيَدِ أَبِي ذَرٍّ فَقَالَ : يَا أَبَا ذَرٍّ أَعَلِمْت
أَنَّ بَيْنَ أَيْدِينَا عَقَبَةً كَئُودًا لَا يَصْعَدُهَا إلَّا الْمُخِفُّونَ ؟
قَالَ رَجُلٌ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَمِنَ الْمُخِفِّينَ أَنَا أَمْ مِنْ
الْمُثْقِلِينَ ؟ قَالَ : أَعْنَدَك طَعَامُ يَوْمٍ ؟ قَالَ : نَعَمْ وَطَعَامُ
غَدٍ ؟ قَالَ : وَطَعَامُ بَعْدَ غَدٍ قَالَ لَا ، قَالَ : لَوْ كَانَ عِنْدَك
طَعَامُ ثَلَاثٍ كُنْت مِنْ الْمُثْقِلِينَ } .
وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ : { الْكَيِّسُ مَنْ دَانَ
نَفْسَهُ وَعَمِلَ لِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ ، وَالْعَاجِزُ مَنْ أَتْبَعَ نَفْسَهُ
هَوَاهَا وَتَمَنَّى عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ } .
وَالْبُخَارِيُّ : { الْجَنَّةُ أَقْرَبُ إلَى
أَحَدِكُمْ مِنْ شِرَاكِ نَعْلِهِ وَالنَّارُ مِثْلُ ذَلِكَ } .
وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ : { اقْتَرَبَتْ السَّاعَةُ
وَلَا يَزْدَادُ النَّاسُ عَلَى الدُّنْيَا إلَّا حِرْصًا وَلَا يَزْدَادُونَ مِنْ
اللَّهِ إلَّا بُعْدًا } .
وَابْنُ حِبَّانَ وَابْنُ مَاجَهْ : { يَا أَيُّهَا
النَّاسُ تُوبُوا إلَى اللَّهِ قَبْلَ أَنْ تَمُوتُوا ، وَبَادِرُوا
بِالْأَعْمَالِ الصَّالِحَاتِ قَبْلَ أَنْ تُشْغَلُوا ، وَصِلُوا الَّذِي
بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ رَبِّكُمْ بِكَثْرَةِ ذِكْرِكُمْ لَهُ ، وَكَثْرَةِ
الصَّدَقَةِ فِي السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ تُرْزَقُوا وَتُنْصَرُوا وَتُجْبَرُوا } .
وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ : { اغْتَنِمْ خَمْسًا قَبْلَ
خَمْسٍ شَبَابَك قَبْلَ هَرَمِك ، وَصِحَّتَك قَبْلَ سَقَمِك ، وَغِنَاك قَبْلَ
فَقْرِك ، وَفَرَاغَك قَبْلَ شُغْلِك ، وَحَيَاتَك قَبْلَ مَوْتِك } .
وَالتِّرْمِذِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الزُّهْدِ : {
مَا مِنْ أَحَدٍ يَمُوتُ إلَّا نَدِمَ ، قَالُوا وَمَا نَدَامَتُهُ يَا رَسُولَ
اللَّهِ ؟ قَالَ :
إنْ كَانَ مُحْسِنًا نَدِمَ أَنْ لَا يَكُونَ ازْدَادَ ،
وَإِنْ كَانَ مُسِيئًا نَدِمَ أَنْ لَا يَكُونَ نَزَعَ } .
وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالْحَاكِمُ
وَالْبَيْهَقِيُّ : { إذَا أَحَبَّ اللَّهُ عَبْدًا عَسَلَهُ ، قَالُوا : وَمَا
عَسَلُهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : يُوَفِّقُ لَهُ عَمَلًا صَالِحًا بَيْنَ
يَدَيْ رِحْلَتِهِ حَتَّى يَرْضَى عَنْهُ جِيرَانُهُ أَوْ قَالَ مَنْ حَوْلَهُ } .
عَسَلَهُ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَالسِّينِ
الْمُهْمَلَتَيْنِ : مِنْ الْعَسَلِ وَهُوَ طَيِّبُ الثَّنَاءِ ، وَقَالَ
بَعْضُهُمْ : هَذَا مَثَلٌ أَيْ وَفَّقَهُ اللَّهُ لِعَمَلٍ صَالِحٍ يُتْحِفُهُ
بِهِ كَمَا يُتْحِفُ الرَّجُلُ أَخَاهُ إذَا أَطْعَمَهُ الْعَسَلَ .
وَالتِّرْمِذِيُّ وَآخَرُونَ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ : { أَنَّ
رَجُلًا قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ النَّاسِ خَيْرٌ ؟ قَالَ : مَنْ طَالَ
عُمُرُهُ وَحَسُنَ عَمَلُهُ ، قَالَ
: فَأَيُّ النَّاسِ شَرٌّ ؟ قَالَ : مَنْ طَالَ عُمُرُهُ
وَسَاءَ عَمَلُهُ } .
وَالطَّبَرَانِيُّ : { إنَّ لِلَّهِ عِبَادًا يَضَنُّ
بِهِمْ عَنْ الْقَتْلِ ، وَيُطِيلُ أَعْمَارَهُمْ فِي حُسْنِ الْعَمَلِ وَيُحْسِنُ
أَرْزَاقَهُمْ وَيُحْيِيهِمْ فِي عَافِيَةٍ وَيَقْبِضُ أَرْوَاحَهُمْ فِي عَافِيَةٍ
عَلَى الْفُرُشِ وَيُعْطِيهِمْ مَنَازِلَ الشُّهَدَاءِ } وَأَحْمَدُ بِسَنَدٍ حَسَنٍ : { لَا
تَمَنَّوْا الْمَوْتَ فَإِنَّ هَوْلَ الْمَطْلَعِ شَدِيدٌ ، وَإِنَّ مِنْ
السَّعَادَةِ أَنْ يَطُولَ عُمُرُ الْعَبْدِ وَيَرْزُقُهُ اللَّهُ الْإِنَابَةَ } .
وَالشَّيْخَانِ : { لَا يَتَمَنَّى أَحَدُكُمْ
الْمَوْتَ إمَّا مُحْسِنًا فَلَعَلَّهُ يَزْدَادُ فِي إحْسَانِهِ أَوْ مُسِيئًا
فَلَعَلَّهُ يَسْتَعْتِبُ } .
وَالشَّيْخَانِ : { سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمْ اللَّهُ فِي
ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إلَّا ظِلُّهُ فَذَكَرَهُمْ إلَى أَنْ قَالَ : وَرَجُلٌ
دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ فَقَالَ إنِّي أَخَافُ اللَّهَ } .
وَالشَّيْخَانِ : { كَانَ رَجُلٌ يُسْرِفُ عَلَى
نَفْسِهِ فَلَمَّا حَضَرَهُ الْمَوْتُ قَالَ لِبَنِيهِ : إذَا أَنَا مِتُّ فَأَحْرِقُونِي
ثُمَّ اطْحَنُونِي ثُمَّ ذَرُونِي فِي الرِّيحِ ، فَوَاَللَّهِ لَئِنْ قَدَرَ
اللَّهُ عَلَيَّ لَيُعَذِّبَنِّي عَذَابًا مَا عَذَّبَهُ أَحَدًا ، فَلَمَّا مَاتَ
فُعِلَ
بِهِ ذَلِكَ فَأَمَرَ اللَّهُ الْأَرْضَ فَقَالَ
اجْمَعِي مَا فِيك فَفَعَلَتْ فَإِذَا هُوَ قَائِمٌ فَقَالَ : مَا حَمَلَك عَلَى
مَا صَنَعْت ؟ قَالَ خَشِيتُك يَا رَبِّ أَوْ قَالَ مَخَافَتُك فَغَفَرَ لَهُ } .
وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ غَرِيبٌ : { يَقُولُ
اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَخْرِجُوا مِنْ النَّارِ مَنْ ذَكَرَنِي يَوْمًا أَوْ
خَافَنِي فِي مَقَامٍ } .
وَالشَّيْخَانِ : { يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى : إذَا
أَرَادَ عَبْدِي أَنْ يَعْمَلَ سَيِّئَةً فَلَا تَكْتُبُوهَا عَلَيْهِ حَتَّى
يَعْمَلَهَا فَإِنْ عَمِلَهَا فَاكْتُبُوهَا بِمِثْلِهَا وَإِنْ تَرَكَهَا مِنْ
أَجْلِي فَاكْتُبُوهَا لَهُ حَسَنَةً } الْحَدِيثَ .
وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ : { قَالَ اللَّهُ عَزَّ
وَجَلَّ : وَعِزَّتِي لَا أَجْمَعُ عَلَى عَبْدِي خَوْفَيْنِ وَلَا أَمْنَيْنِ
إذَا خَافَنِي فِي الدُّنْيَا أَمَّنْته فِي الْقِيَامَةِ ، وَإِذَا أَمِنَنِي فِي
الدُّنْيَا أَخَفْته فِي الْقِيَامَةِ
} .
وَمُسْلِمٌ : { لَوْ يَعْلَمُ الْمُؤْمِنُ مَا عِنْدَ
اللَّهِ مِنْ الْعُقُوبَةِ مَا طَمِعَ بِجَنَّتِهِ أَحَدٌ ، وَلَوْ يَعْلَمُ
الْكَافِرُ مَا عِنْدَ اللَّهِ مِنْ الرَّحْمَةِ مَا قَنَطَ مِنْ رَحْمَتِهِ
أَحَدٌ } .
وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : { لَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى
نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذِهِ الْآيَةَ : { يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وُقُودُهَا النَّاسُ
وَالْحِجَارَةُ { تَلَاهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
عَلَى أَصْحَابِهِ فَخَرَّ فَتًى مَغْشِيًّا عَلَيْهِ فَوَضَعَ النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ عَلَى فُؤَادِهِ فَإِذَا هُوَ يَتَحَرَّكُ
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا فَتَى قُلْ لَا
إلَهَ إلَّا اللَّهُ فَقَالَهَا فَبَشَّرَهُ بِالْجَنَّةِ ، فَقَالَ أَصْحَابُهُ :
يَا رَسُولَ اللَّهِ أَمِنْ بَيْنِنَا ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ : أَوَ مَا سَمِعْتُمْ قَوْله تَعَالَى : { ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ
مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ } } .
الْأَمْرُ الثَّانِي فِي ذِكْرِ الْحَشْرِ وَالْحِسَابِ
وَالشَّفَاعَةِ
وَالصِّرَاطِ وَمُتَعَلِّقَاتهَا وَيَشْتَمِلُ عَلَى
فُصُولٍ
الْأَمْرُ الثَّانِي فِي ذِكْرِ الْحَشْرِ وَالْحِسَابِ
وَالشَّفَاعَةِ وَالصِّرَاطِ وَمُتَعَلِّقَاتهَا وَيَشْتَمِلُ عَلَى فُصُولٍ
الْفَصْلُ الْأَوَّلُ : فِي الْحَشْرِ وَغَيْرِهِ أَخْرَجَ الشَّيْخَانِ : { إنَّكُمْ
مُلَاقُو اللَّهِ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلًا } : أَيْ بِضَمِّ الْمُعْجَمَةِ وَإِسْكَانِ
الرَّاءِ جَمْعُ أَغْرَلَ وَهُوَ الْأَقْلَفُ ، زَادَ فِي رِوَايَةٍ "
مُشَاةً " ، وَفِي رِوَايَةٍ لَهُمَا : { قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهَا : فَقُلْت الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ جَمِيعًا يَنْظُرُ بَعْضُهُمْ إلَى
بَعْضٍ قَالَ : الْأَمْرُ أَشَدُّ مِنْ أَنْ يُهِمَّهُمْ ذَلِكَ } .
وَفِي أُخْرَى صَحِيحَةٍ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهَا : { فَقُلْت وَاسَوْأَتَاهُ يَنْظُرُ بَعْضُنَا إلَى بَعْضٍ ؟
فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : شُغِلَ النَّاسُ ، قُلْت : وَمَا
يَشْغَلُهُمْ ؟ قَالَ : نَشْرُ الصَّحَائِفِ فِيهَا مَثَاقِيلُ الذَّرِّ
وَمَثَاقِيلُ الْخَرْدَلِ } .
وَفِي أُخْرَى صَحِيحَةٍ عَنْ سَوْدَةَ بِنْتِ زَمْعَةَ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا { فَقَالَتْ : يُبْصِرُ بَعْضُنَا بَعْضًا ؟ قَالَ شُغِلَ
النَّاسُ { لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ } } .
وَفِي أُخْرَى صَحِيحَةٍ أَيْضًا : { فَقَالَتْ
امْرَأَةٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَكَيْفَ يَرَى بَعْضُنَا بَعْضًا ؟ فَقَالَ : إنَّ
الْأَبْصَارَ شَاخِصَةٌ فَرَفَعَ بَصَرَهُ إلَى السَّمَاءِ ، فَقَالَتْ : يَا
رَسُولَ اللَّهِ اُدْعُ اللَّهَ أَنْ يَسْتُرَ عَوْرَتِي ، قَالَ اللَّهُمَّ
اُسْتُرْ عَوْرَتَهَا } .
وَالشَّيْخَانِ : { يُحْشَرُ النَّاسُ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ عَلَى أَرْضٍ بَيْضَاءَ عَفْرَاءَ - أَيْ لَيْسَ بَيَاضُهَا
بِالنَّاصِعِ - كَقُرْصَةِ النَّقِيِّ - وَهُوَ الْخُبْزُ الْأَبْيَضُ -
لَيْسَ فِيهَا عَلَمٌ لِأَحَدٍ
} .
وَفِي رِوَايَةٍ : " مَعْلَمٌ " وَهُوَ
بِفَتْحِ الْمِيمِ مَا يُجْعَلُ عَلَامَةً لِلطَّرِيقِ أَوْ الْحَدِّ ، وَقِيلَ الْمَعْلَمُ
الْأَثَرُ ؛ وَمَعْنَاهُ أَنَّهَا لَمْ تُوطَأْ قَبْلُ فَيَكُونُ بِهَا أَثَرٌ
أَوْ عَلَامَةٌ لِأَحَدٍ .
وَفِي رِوَايَةٍ لَهُمَا : { إنَّ رَجُلًا قَالَ يَا
رَسُولَ اللَّهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلَى
وُجُوهِهِمْ إلَى جَهَنَّمَ } أَيُحْشَرُ
الْكَافِرُ عَلَى وَجْهِهِ ؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَلَيْسَ الَّذِي أَمَشَاهُ عَلَى رِجْلَيْنِ فِي
الدُّنْيَا قَادِرًا عَلَى أَنْ يُمْشِيَهُ عَلَى وَجْهِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
قَالَ قَتَادَةُ حِينَ بَلَغَهُ : بَلَى وَعِزَّةِ رَبِّنَا } .
وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ : { إنَّكُمْ تُحْشَرُونَ
رِجَالًا وَرُكْبَانًا وَتُجَرُّونَ عَلَى وُجُوهِكُمْ } .
وَالشَّيْخَانِ : { يُحْشَرُ النَّاسُ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ عَلَى ثَلَاثِ طَرَائِقَ
- أَيْ حَالَاتٍ - رَاغِبِينَ وَرَاهِبِينَ وَاثْنَانِ
عَلَى بَعِيرٍ وَثَلَاثَةٌ عَلَى بَعِيرٍ وَأَرْبَعَةٌ عَلَى بَعِيرٍ وَعَشَرَةٌ
عَلَى بَعِيرٍ وَتَحْشُرُ بَقِيَّتَهُمْ النَّارُ تَقِيلُ مَعَهُمْ حَيْثُ قَالُوا
وَتَبِيتُ مَعَهُمْ حَيْثُ بَاتُوا ، وَتُصْبِحُ مَعَهُمْ حَيْثُ أَصْبَحُوا ،
وَتُمْسِي حَيْثُ أَمْسَوْا } .
وَالشَّيْخَانِ : { يَعْرَقُ النَّاسُ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ حَتَّى يَذْهَبَ عَرَقُهُمْ فِي الْأَرْضِ سَبْعِينَ ذِرَاعًا
وَإِنَّهُ يُلْجِمُهُمْ حَتَّى يَبْلُغَ آذَانَهُمْ ، وَرَوَيَا أَنَّهُ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ
: { يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ }
قَالَ : يَقُومُ أَحَدُهُمْ فِي رَشْحِهِ إلَى أَنْصَافِ أُذُنَيْهِ } .
وَمُسْلِمٌ
: { تُدْنَى الشَّمْسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ
الْخَلْقِ حَتَّى تَكُونَ مِنْهُمْ كَمِقْدَارِ مِيلٍ ، قَالَ سُلَيْمُ بْنُ
عَامِرٍ : وَاَللَّهِ مَا أَدْرِي مَا يَعْنِي بِالْمِيلِ أَمَسَافَةَ الْأَرْضِ
أَوْ الْمِيلَ الَّذِي تَكْحَلُ بِهِ الْعَيْنَ ؟ قَالَ : فَيَكُونُ النَّاسُ
عَلَى قَدْرِ أَعْمَالِهِمْ فِي الْعَرَقِ ؛ فَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ إلَى كَعْبَيْهِ
، وَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ إلَى رُكْبَتَيْهِ ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ إلَى
حَقْوَيْهِ ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُلْجِمُهُ الْعَرَقُ إلْجَامًا وَأَشَارَ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ إلَى فِيهِ } .
وَفِي رِوَايَةٍ صَحَّحَهَا الْحَاكِمُ وَغَيْرُهُ : { وَمِنْهُمْ
مَنْ يَبْلُغُ نِصْفَ السَّاقِ ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَبْلُغُ إلَى رُكْبَتَيْهِ ،
وَمِنْهُمْ مَنْ يَبْلُغُ الْعَجُزَ ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَبْلُغُ الْخَاصِرَةَ
وَمِنْهُمْ مَنْ يَبْلُغُ مَنْكِبَيْهِ ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَبْلُغُ عُنُقَهُ ،
وَمِنْهُمْ يَبْلُغُ وَسَطَ فِيهِ وَأَشَارَ بِيَدِهِ
أَلْجَمَهَا فَاهُ ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُغَطِّيهِ عَرَقُهُ } .
وَأَحْمَدُ وَالطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ جَيِّدٍ عَنْ
عَبْدِ الْعَزِيزِ الْعَطَّارِ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَا أَعْلَمُ
إلَّا رَفْعَهُ قَالَ : { لَمْ يَلْقَ ابْنُ آدَمَ شَيْئًا مُنْذُ خَلَقَهُ اللَّهُ
عَزَّ وَجَلَّ أَشَدَّ عَلَيْهِ مِنْ الْمَوْتِ ، ثُمَّ إنَّ الْمَوْتَ أَهْوَنُ
مِمَّا بَعْدَهُ ، وَإِنَّهُمْ لَيَلْقَوْنَ مِنْ هَوْلِ ذَلِكَ الْيَوْمِ شِدَّةً
حَتَّى يُلْجِمَهُمْ الْعَرَقُ حَتَّى إنَّ السُّفُنَ لَوْ أُجْرِيَتْ فِيهِ
لَجَرَتْ } .
وَالطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ جَيِّدٍ : { إنَّ الرَّجُلَ
لَيُلْجِمُهُ الْعَرَقُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيَقُولُ يَا رَبِّ أَرِحْنِي وَلَوْ
إلَى النَّارِ } .
وَأَبُو يَعْلَى بِسَنَدٍ صَحِيحٍ { { يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ
الْعَالَمِينَ } مِقْدَارُ نِصْفِ يَوْمٍ مِنْ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ فَيَهُونُ
ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِ كَتَدَلِّي الشَّمْسِ لِلْغُرُوبِ إلَى أَنْ تَغْرُبَ } .
وَفِي رِوَايَةٍ صَحَّحَهَا ابْنُ حِبَّانَ : {
وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إنَّهُ لَيُخَفَّفُ عَلَى الْمُؤْمِنِ حَتَّى يَكُونَ
أَخَفَّ عَلَيْهِ مِنْ صَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ } .
وَالطَّبَرَانِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ : {
تَجْتَمِعُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُقَالُ أَيْنَ فُقَرَاءُ هَذِهِ الْأُمَّةِ
وَمَسَاكِينُهَا ؟ فَيَقُومُونَ فَيُقَالُ لَهُمْ مَاذَا عَمِلْتُمْ ؟
فَيَقُولُونَ رَبَّنَا ابْتَلَيْتنَا فَصَبَرْنَا وَآتَيْت الْأَمْوَالَ
وَالسُّلْطَانُ غَيْرَنَا فَيَقُولُ اللَّهُ جَلَّ وَعَلَا صَدَقْتُمْ ، قَالَ :
وَيَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ قَبْلَ النَّاسِ وَتَبْقَى شِدَّةُ الْحِسَابِ عَلَى
ذَوِي الْأَمْوَالِ وَالسُّلْطَانِ قَالُوا فَأَيْنَ الْمُؤْمِنُونَ يَوْمَئِذٍ ؟
قَالَ : يُوضَعُ لَهُمْ كَرَاسِي مِنْ نُورٍ وَيُظَلِّلُ عَلَيْهِمْ الْغَمَامُ وَيَكُونُ
ذَلِكَ الْيَوْمُ أَقْصَرَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ مِنْ سَاعَةٍ مِنْ نَهَارٍ } .
وَصَحَّ : { إنَّ الْفُقَرَاءَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ
قَبْلَ الْأَغْنِيَاءِ بِخَمْسِمِائَةِ عَامٍ } .
وَفِي حَدِيثٍ رَوَاهُ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا وَالطَّبَرَانِيُّ
مِنْ طُرُقٍ أَحَدُهَا صَحِيحٌ وَالْحَاكِمُ
وَصَحَّحَهُ :
{ إنَّ النَّاسَ يُعْطَوْنَ فِي الْمَوْقِفِ نُورَهُمْ
عَلَى قَدْرِ أَعْمَالِهِمْ ؛ فَمِنْهُمْ مَنْ يُعْطَى نُورَهُ مِثْلَ الْجَبَلِ الْعَظِيمِ
يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُعْطَى نُورَهُ أَصْغَرَ مِنْ
ذَلِكَ ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُعْطَى مِثْلَ النَّخْلَةِ بِيَدِهِ ، وَمِنْهُمْ مَنْ
يُعْطَى أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ حَتَّى يَكُونَ آخِرُهُمْ رَجُلًا يُعْطَى نُورَهُ
عَلَى إبْهَامِ قَدَمَيْهِ يُضِيءُ مَرَّةً وَيُطْفَأُ مَرَّةً فَإِذَا أَضَاءَ
قَدَّمَ قَدَمَهُ وَإِذَا طَفِئَ قَامَ
} .
وَفِيهِ أَيْضًا : { إنَّ النَّاسَ يَمُرُّونَ عَلَى الصِّرَاطِ
عَلَى قَدْرِ نُورِهِمْ ؛ مِنْهُمْ مَنْ يَمُرُّ كَطَرْفَةِ الْعَيْنِ ،
وَمِنْهُمْ مَنْ يَمُرُّ كَالْبَرْقِ ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَمُرُّ كَالسَّحَابِ
وَمِنْهُمْ مَنْ يَمُرُّ كَانْقِضَاضِ الْكَوَاكِبِ ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَمُرُّ
كَالرِّيحِ ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَمُرُّ كَشَدِّ الْفَرَسِ ، وَمِنْهُمْ مَنْ
يَمُرُّ كَشَدِّ الرَّحْلِ حَتَّى يَمُرَّ الَّذِي يُعْطَى نُورَهُ عَلَى ظَهْرِ
قَدَمَيْهِ يَحْبُو عَلَى وَجْهِهِ وَيَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ تَجُرُّ يَدٌ
وَتَعْلَقُ يَدٌ وَتَجُرُّ رِجْلٌ وَتَعْلَقُ رِجْلٌ وَتُصِيبُ جَوَانِبَهُ
النَّارُ ، فَلَا يَزَالُ كَذَلِكَ حَتَّى يَخْلُصَ ، فَإِذَا خَلَصَ وَقَفَ
عَلَيْهَا فَقَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَعْطَانِي مَا لَمْ يُعْطِ أَحَدًا
إذْ نَجَّانِي مِنْهَا بَعْدَ إذْ رَأَيْتهَا ، فَيُنْطَلَقُ بِهِ إلَى غَدِيرٍ عِنْدَ
بَابِ الْجَنَّةِ فَيَغْتَسِلُ فَيَعُودُ إلَيْهِ رِيحُ أَهْلِ الْجَنَّةِ
وَأَلْوَانِهِمْ فَيَرَى مَا فِي الْجَنَّةِ مِنْ خَلَلِ الْبَابِ فَيَقُولُ رَبِّ
أَدْخِلْنِي الْجَنَّةَ فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَتَسْأَلُ الْجَنَّةَ
وَقَدْ نَجَّيْتُك مِنْ النَّارِ ؟ فَيَقُولُ رَبِّ اجْعَلْ بَيْنِي وَبَيْنَهَا
حِجَابًا حَتَّى لَا أَسْمَعَ حَسِيسَهَا فَيَدْخُلُ الْجَنَّةَ وَيَرَى أَوْ
يُرْفَعُ لَهُ مَنْزِلٌ أَمَامَ ذَلِكَ كَأَنَّ مَا هُوَ فِيهِ بِالنِّسْبَةِ
إلَيْهِ حُلْمٌ فَيَقُولُ رَبِّ أَعْطِنِي ذَلِكَ الْمَنْزِلَ ، فَيَقُولُ
لَعَلَّك إنْ أُعْطِيتَهُ تَسْأَلُ غَيْرَهُ فَيَقُولُ لَا وَعِزَّتِك يَا رَبِّ
لَا أَسْأَلُ غَيْرَهُ وَأَيُّ مَنْزِلٍ أَحْسَنُ مِنْهُ ؟ .
فَيُعْطَاهُ فَيَنْزِلُهُ ، وَيَرَى أَمَامَ ذَلِكَ
مَنْزِلًا فَيَقُولُ كَمَا تَقَدَّمَ فَيَنْزِلُهُ ثُمَّ يَسْكُتُ فَيَقُولُ
اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مَا لَك لَا تَسْأَلُ ؟ فَيَقُولُ رَبِّ قَدْ سَأَلْتُك
حَتَّى اسْتَحْيَيْتُك فَيَقُولُ اللَّهُ جَلَّ ذِكْرُهُ أَلَمْ تَرْضَ أَنْ أُعْطِيَك
مِثْلَ الدُّنْيَا مُنْذُ خَلَقْتهَا إلَى يَوْمِ أَفْنَيْتهَا وَعَشَرَةَ
أَضْعَافِهِ فَيَقُولُ أَتَهْزَأُ بِي وَأَنْتَ رَبُّ الْعِزَّةِ ؟ فَيَقُولُ
الرَّبُّ جَلَّ ذِكْرُهُ : لَا وَلَكِنِّي عَلَى ذَلِكَ قَادِرٌ سَلْ فَيَقُولُ
أَلْحِقْنِي بِالنَّاسِ فَيَقُولُ الْحَقْ بِالنَّاسِ ، قَالَ فَيَنْطَلِقُ
فَيَرْمُلُ فِي الْجَنَّةِ حَتَّى إذَا دَنَا مِنْ النَّاسِ رُفِعَ لَهُ قَصْرٌ
مِنْ دُرَّةٍ فَيَخِرُّ سَاجِدًا فَيُقَالُ لَهُ ارْفَعْ رَأْسَك مَا لَك ؟
فَيَقُولُ رَأَيْت رَبِّي أَوْ تَرَاءَى لِي رَبِّي فَيُقَالُ إنَّمَا هُوَ
مَنْزِلٌ مِنْ مَنَازِلِك ثُمَّ يَلْقَى رَجُلًا فَيَتَهَيَّأُ لِلسُّجُودِ ،
فَيُقَالُ لَهُ مَهْ فَيَقُولُ رَأَيْت أَنَّك مَلَكٌ مِنْ الْمَلَائِكَةِ ،
فَيَقُولُ إنَّمَا أَنَا خَازِنٌ مِنْ خُزَّانِكَ وَعَبْدٌ مِنْ عَبِيدِك تَحْتَ
يَدِي أَلْفُ قَهْرَمَانٍ عَلَى مِثْلِ مَا أَنَا عَلَيْهِ ، فَيَنْطَلِقُ
أَمَامَهُ حَتَّى يَفْتَحَ لَهُ بَابَ الْقَصْرِ وَهُوَ مِنْ دُرَّةٍ مُجَوَّفَةٍ سَقَائِفُهَا
وَأَبْوَابُهَا وَأَغْلَاقُهَا وَمَفَاتِيحُهَا مِنْهَا تَسْتَقْبِلُهُ جَوْهَرَةٌ
خَضْرَاءُ مُبَطَّنَةٌ بِحَمْرَاءَ فِيهَا سَبْعُونَ بَابًا كُلُّ بَابٍ يُفْضِي
إلَى جَوْهَرَةٍ خَضْرَاءَ مُبَطَّنَةٍ
.
كُلُّ جَوْهَرَةٍ تُفْضِي إلَى جَوْهَرَةٍ عَلَى غَيْرِ لَوْنِ
الْأُخْرَى فِي كُلِّ جَوْهَرَةٍ سُرُرٌ وَأَزْوَاجٌ وَوَصَائِفُ أَدْنَاهُنَّ
حَوْرَاءُ عَيْنَاءُ عَلَيْهَا سَبْعُونَ حُلَّةً يُرَى مُخُّ سَاقِهَا مِنْ
وَرَاءِ حُلَلِهَا ، كَبِدُهَا مَرَآتُهُ وَكَبِدُهُ مَرَآتُهَا ، إذَا أَعْرَضَ
عَنْهَا إعْرَاضَةً ازْدَادَتْ فِي عَيْنِهِ سَبْعِينَ ضِعْفًا عَمَّا كَانَتْ
قَبْلَ ذَلِكَ فَيَقُولُ لَهَا
: وَاَللَّهِ لَقَدْ ازْدَدْت فِي عَيْنِي سَبْعِينَ
ضِعْفًا وَتَقُولُ لَهُ أَنْتَ لَقَدْ ازْدَدْت فِي عَيْنِي سَبْعِينَ ضِعْفًا
فَيُقَالُ لَهُ أَشْرِفْ فَيُشْرِفُ فَيُقَالُ لَهُ مُلْكُك مَسِيرَةُ مِائَةِ
عَامٍ
يَنْفُذُهُ بَصَرُك } .
فَقَالَ عُمَرُ لَمَّا سَمِعَ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ
ابْنِ مَسْعُودٍ لِكَعْبٍ : أَلَا تَسْمَعُ مَا يُحَدِّثُنَا بِهِ ابْنُ أُمِّ عَبْدٍ يَا
كَعْبُ عَنْ أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنْزِلًا فَكَيْفَ أَعْلَاهُمْ ؟ قَالَ :
يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ فَذَكَرَ
الْحَدِيثَ .
الْفَصْلُ الثَّانِي فِي ذِكْرِ الْحِسَابِ وَغَيْرِهِ .
أَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ : { لَا تَزُولُ
قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ أَرْبَعٍ عَنْ عُمُرِهِ
فِيمَا أَفْنَاهُ ؟ وَعَنْ عِلْمِهِ مَا عَمِلَ بِهِ ؟ وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ
اكْتَسَبَهُ وَفِيمَا أَنْفَقَهُ ؟ وَعَنْ جِسْمِهِ فِيمَا أَبْلَاهُ } .
وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ إلَّا
أَنَّهُ قَالَ : { وَعَنْ شَبَابِهِ فِيمَا أَبْلَاهُ } .
وَالْبَزَّارُ وَالطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ : {
مَنْ نُوقِشَ الْحِسَابَ هَلَكَ
} .
وَأَحْمَدُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ : { لَوْ أَنَّ رَجُلًا
خَرَّ عَلَى وَجْهِهِ مِنْ يَوْمِ وُلِدَ إلَى يَوْمِ يَمُوتُ هَرَمًا فِي طَاعَةِ
اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لَحَقَّرَهُ ذَلِكَ الْيَوْمَ وَيَوَدُّ أَنَّهُ لَوْ رُدَّ
إلَى الدُّنْيَا كَيْمَا يَزْدَادَ مِنْ الْأَجْرِ وَالثَّوَابِ } .
وَالْبَزَّارُ : { يُخْرَجُ لِابْنِ آدَمَ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ ثَلَاثَةُ دَوَاوِينَ دِيوَانٌ فِيهِ الْعَمَلُ الصَّالِحُ ، وَدِيوَانٌ
فِيهِ ذُنُوبُهُ ، وَدِيوَانٌ فِيهِ النِّعَمُ مِنْ اللَّهِ عَلَيْهِ ؛ فَيَقُولُ
اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لِأَصْغَرِ نِعْمَةٍ ، أَحْسَبُهُ قَالَ فِي
دِيوَانِ النِّعَمِ خُذِي ثَمَنَك مِنْ عَمَلِهِ الصَّالِحِ فَتَسْتَوْعِبُ عَمَلَهُ
الصَّالِحَ ثُمَّ يَتَنَحَّى وَيَقُولُ وَعِزَّتِك مَا اسْتَوْفَيْت وَتَبْقَى
الذُّنُوبُ وَالنِّعَمُ وَقَدْ ذَهَبَ الْعَمَلُ الصَّالِحُ ، فَإِذَا أَرَادَ
اللَّهُ أَنْ يَرْحَمَ عَبْدًا قَالَ : يَا عَبْدِي قَدْ ضَاعَفْت لَك حَسَنَاتِك
وَتَجَاوَزْت عَنْ سَيِّئَاتِك ، أَحْسَبُهُ قَالَ وَوَهَبْت لَك نِعَمِي } .
وَالطَّبَرَانِيُّ : { إنَّ رَجُلًا مِنْ الْحَبَشَةِ
أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : يَا رَسُولَ
اللَّهِ فُضِّلْتُمْ عَلَيْنَا بِالْأَلْوَانِ وَالنُّبُوَّةِ أَفَرَأَيْت إنْ
آمَنْت بِمِثْلِ مَا آمَنْت بِهِ وَعَمِلْت بِمِثْلِ مَا عَمِلْت بِهِ إنِّي
لَكَائِنٌ مَعَك فِي الْجَنَّةِ ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ : نَعَمْ ، ثُمَّ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
مَنْ قَالَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ كَانَ لَهُ بِهَا عَهْدٌ عِنْدَ اللَّهِ ، وَمَنْ
قَالَ
سُبْحَانَ اللَّهِ كُتِبَ لَهُ مِائَةُ أَلْفِ حَسَنَةٍ
، فَقَالَ رَجُلٌ : يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ نَهْلِكُ بَعْدَ هَذَا ؟ فَقَالَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إنَّ
الرَّجُلَ لَيَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِعَمَلٍ لَوْ وُضِعَ عَلَى جَبَلٍ
لَأَثْقَلَهُ فَتَقُومُ النِّعْمَةُ مِنْ نِعَمِ اللَّهِ فَتَكَادُ تَسْتَنْفِدُ
ذَلِكَ كُلَّهُ لَوْلَا مَا يَتَفَضَّلُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ رَحْمَتِهِ ، ثُمَّ
نَزَلَتْ : { هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنْ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ
شَيْئًا مَذْكُورًا } - إلَى قَوْله تَعَالَى : { وَمُلْكًا كَبِيرًا } فَقَالَ الْحَبَشِيُّ
: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَهَلْ تَرَى عَيْنِي فِي الْجَنَّةِ مِثْلَ مَا تَرَى
عَيْنُك ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : نَعَمْ ،
فَبَكَى الْحَبَشِيُّ حَتَّى فَاضَتْ نَفْسُهُ ، قَالَ ابْنُ عُمَرَ : فَأَنَا
رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُدَلِّيهِ فِي
حُفْرَتِهِ } .
وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ : { خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : خَرَجَ مِنْ عِنْدِي
خَلِيلِي جِبْرِيلُ آنِفًا فَقَالَ : يَا مُحَمَّدُ وَاَلَّذِي بَعَثَك بِالْحَقِّ
إنَّ لِلَّهِ تَعَالَى عَبْدًا مِنْ عِبَادِهِ عَبَدَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ خَمْسَمِائَةِ
سَنَةٍ عَلَى رَأْسِ جَبَلٍ فِي الْبَحْرِ عَرْضُهُ وَطُولُهُ ثَلَاثُونَ ذِرَاعًا
فِي ثَلَاثِينَ ذِرَاعًا وَالْبَحْرُ مُحِيطٌ بِهِ أَرْبَعَةُ آلَافِ فَرْسَخٍ
مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ ، وَأَخْرَجَ لَهُ عَيْنًا عَذْبَةً بِعَرْضِ الْأُصْبُعِ
تَبِضُّ بِمَاءٍ عَذْبٍ فَيَسْتَنْقِعُ فِي أَسْفَلِ الْجَبَلِ وَشَجَرَةَ
رُمَّانٍ تُخْرِجُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ رُمَّانَةً يَتَعَبَّدُ يَوْمَهُ فَإِذَا أَمْسَى
نَزَلَ فَأَصَابَ الْوُضُوءَ وَأَخَذَ تِلْكَ الرُّمَّانَةَ فَأَكَلَهَا ثُمَّ
قَامَ لِصَلَاتِهِ ، فَسَأَلَ رَبَّهُ عَنْ وَقْتِ الْأَجْلِ أَنْ يَقْبِضَهُ
سَاجِدًا وَأَنْ لَا يَجْعَلَ لِلْأَرْضِ وَلَا لِشَيْءٍ يُفْسِدُهُ عَلَيْهِ
سَبِيلًا حَتَّى يَبْعَثَهُ وَهُوَ سَاجِدٌ ، قَالَ : فَفَعَلَ فَنَحْنُ نَمُرُّ
عَلَيْهِ إذَا هَبَطْنَا وَإِذَا عَرَجْنَا فَنَجِدُ لَهُ فِي الْعِلْمِ أَنَّهُ
يُبْعَثُ
يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُوقَفُ بَيْنَ يَدَيْ اللَّهِ
فَيَقُولُ لَهُ الرَّبُّ جَلَّ جَلَالُهُ أَدْخِلُوا عَبْدِي الْجَنَّةَ
بِرَحْمَتِي فَيَقُولُ : رَبِّ بَلْ بِعَمَلِي فَيَقُولُ : أَدْخِلُوا عَبْدِي
الْجَنَّةَ بِرَحْمَتِي ، فَيَقُولُ : رَبِّ بَلْ بِعَمَلِي ، فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى
قَايِسُوا عَبْدِي بِنِعْمَتِي عَلَيْهِ وَبِعَمَلِهِ فَتُوجَدُ نِعْمَةُ
الْبَصَرِ قَدْ أَحَاطَتْ بِعِبَادَةِ خَمْسِمِائَةِ سَنَةٍ وَبَقِيَتْ نِعْمَةُ
الْجَسَدِ فَضْلًا عَلَيْهِ ، فَيَقُولُ : أَدْخِلُوا عَبْدِي النَّارَ فَيُجَرُّ
إلَى النَّارِ فَيُنَادِي : رَبِّ بِرَحْمَتِك أَدْخِلْنِي الْجَنَّةَ ، فَيَقُولُ
: رُدُّوهُ ، فَيُوقَفُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَيَقُولُ : يَا عَبْدِي مَنْ خَلَقَك
وَلَمْ تَكُ شَيْئًا ؟ فَيَقُولُ أَنْتَ يَا رَبِّ ، فَيَقُولُ مَنْ قَوَّاك
لِعِبَادَةِ خَمْسِمِائَةِ سَنَةٍ ؟ فَيَقُولُ أَنْتَ يَا رَبِّ ، فَيَقُولُ مَنْ أَنْزَلَك
فِي جَبَلٍ وَسَطِ اللُّجَّةِ وَأَخْرَجَ لَك الْمَاءَ الْعَذْبَ مِنْ الْمَاءِ
الْمِلْحِ وَأَخْرَجَ لَك كُلَّ لَيْلَةٍ رُمَّانَةً وَإِنَّمَا تَخْرُجُ مَرَّةً
فِي السَّنَةِ وَسَأَلْته أَنْ يَقْبِضَك سَاجِدًا فَفَعَلَ ؟ فَيَقُولُ أَنْتَ
يَا رَبِّ ، قَالَ فَذَلِكَ بِرَحْمَتِي وَبِرَحْمَتِي أُدْخِلُك الْجَنَّةَ
أَدْخِلُوا عَبْدِي الْجَنَّةَ ، فَنِعْمَ الْعَبْدُ كُنْت يَا عَبْدِي
فَأَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ ، قَالَ جِبْرِيلُ إنَّمَا الْأَشْيَاءُ
بِرَحْمَةِ اللَّهِ يَا مُحَمَّدُ
} .
وَالشَّيْخَانِ : { سَدِّدُوا وَقَارِبُوا وَأَبْشِرُوا فَإِنَّهُ
لَنْ يُدْخِلَ أَحَدًا الْجَنَّةَ عَمَلُهُ قَالُوا وَلَا أَنْتَ يَا رَسُولَ
اللَّهِ ؟ قَالَ وَلَا أَنَا إلَّا أَنْ يَتَغَمَّدَنِي اللَّهُ بِرَحْمَتِهِ } ،
وَفِي رِوَايَةٍ سَنَدُهَا حَسَنٌ : { وَلَا أَنَا إلَّا أَنَّ اللَّهَ
تَغَمَّدَنِي بِرَحْمَتِهِ وَقَالَ : أَيْ فَعَلَ بِيَدِهِ فَوْقَ رَأْسِهِ } .
وَمُسْلِمٌ : { لَتُؤَدُّنَّ الْحُقُوقَ إلَى أَهْلِهَا
يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُقَادَ لِلشَّاةِ الْجَلْحَاءِ - أَيْ الَّتِي لَا
قَرْنَ لَهَا - مِنْ الشَّاةِ الْقَرْنَاءِ } .
وَأَحْمَدُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ : { يُقْتَصُّ لِلْخَلْقِ بَعْضُهُمْ
مِنْ بَعْضٍ حَتَّى لِلْجَمَّاءِ مِنْ الْقَرْنَاءِ وَحَتَّى لِلذَّرَّةِ مِنْ
الذَّرَّةِ
} .
وَأَحْمَدُ بِسَنَدٍ حَسَنٍ : { لَيَخْتَصِمَنَّ كُلُّ
شَيْءٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى الشَّاتَانِ فِيمَا انْتَطَحَتَا } .
وَمَرَّ الْحَدِيثُ الصَّحِيحْ : { أَنَّهُ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَا وَصِيفَةً لَهُ أَوْ لِأُمِّ سَلَمَةَ فَلَمْ
تُجِبْهُ فَغَضِبَ وَكَانَ بِيَدِهِ سِوَاكٌ فَقَالَ لَوْلَا خَشْيَةُ الْقَوَدِ لَأَوْجَعْتُك
بِهَذَا السِّوَاكِ } .
وَأَحْمَدُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ : { يَحْشُرُ اللَّهُ الْعِبَادَ أَوْ
قَالَ النَّاسَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلًا بُهْمًا قَالَ عَبْدُ
اللَّهِ بْنُ أَنَسٍ رَاوِي الْحَدِيثِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قُلْنَا وَمَا
بِهِمَا ؟ قَالَ لَيْسَ مَعَهُمْ شَيْءٌ ثُمَّ يُنَادِيهِمْ بِصَوْتٍ يَسْمَعُهُ
مَنْ بَعُدَ كَمَا يَسْمَعُهُ مَنْ قَرُبَ أَنَا الدَّيَّانُ أَنَا الْمَلِكُ لَا
يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ النَّارِ أَنْ يَدْخُلَ النَّارَ وَعِنْدَهُ
لِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ حَقٌّ حَتَّى أَقُصَّهُ مِنْهُ ، وَلَا يَنْبَغِي
لِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ أَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ وَعِنْدَهُ لِأَحَدٍ
مِنْ أَهْلِ النَّارِ حَقٌّ حَتَّى أَقُصَّهُ مِنْهُ حَتَّى اللَّطْمَةُ ، قَالَ :
قُلْنَا كَيْفَ وَإِنَّمَا يَأْتِي النَّاسُ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلًا بِهِمَا ؟
قَالَ الْحَسَنَاتُ وَالسَّيِّئَاتُ
} .
وَمُسْلِم وَغَيْرُهُ : { الْمُفْلِسُ مِنْ أُمَّتِي
مَنْ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلَاةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ وَيَأْتِي وَقَدْ
شَتَمَ هَذَا وَقَذَفَ هَذَا وَأَكَلَ مَالَ هَذَا وَسَفَكَ دَمَ هَذَا وَضَرَبَ
هَذَا ، فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ ، فَإِنْ
فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ
فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ } .
وَالطَّبَرَانِيُّ : { يَكُونُ لِلْوَالِدَيْنِ عَلَى
وَلَدِهِمَا دَيْنٌ فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ يَتَعَلَّقَانِ بِهِ
فَيَقُولُ أَنَا وَلَدُكُمَا فَيَوَدَّانِ أَوْ يَتَمَنَّيَانِ أَنْ لَوْ كَانَ
أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ } .
وَالشَّيْخَانِ وَاللَّفْظُ لِمُسْلِمٍ : { قُلْنَا يَا
رَسُولَ اللَّهِ هَلْ نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
:
نَعَمْ ، فَهَلْ تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ الشَّمْسِ
بِالظَّهِيرَةِ صَحْوًا لَيْسَ مَعَهَا سَحَابٌ ، وَهَلْ تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ
الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ صَحْوًا لَيْسَ فِيهَا سَحَابٌ ؟ قَالُوا لَا يَا
رَسُولَ اللَّهِ ، قَالَ فَمَا تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ اللَّهِ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ إلَّا كَمَا تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ أَحَدِهِمَا .
إذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ
لِتَتْبَعْ كُلُّ أُمَّةٍ مَا كَانَتْ تَعْبُدُ فَلَا يَبْقَى أَحَدٌ كَانَ
يَعْبُدُ غَيْرَ اللَّهِ مِنْ الْأَصْنَامِ وَالْأَنْصَابِ إلَّا يَتَسَاقَطُونَ
فِي النَّارِ حَتَّى إذَا لَمْ يَبْقَ إلَّا مَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ مِنْ
بَرٍّ وَفَاجِرٍ وَغُبَّرِ أَهْلِ الْكِتَابِ - .
أَيْ بِمُعْجَمَةٍ مَضْمُومَةٍ فَمُوَحَّدَةٍ مُشَدَّدَةٍ
مَفْتُوحَةٍ جَمْعُ غَابِرٍ : وَهُوَ الْبَاقِي - فَتُدْعَى الْيَهُودُ فَيُقَالُ
لَهُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ ؟ قَالُوا كُنَّا نَعْبُدُ عُزَيْرًا ابْنَ
اللَّهِ فَيُقَالُ كَذَبْتُمْ مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ صَاحِبَةٍ وَلَا وَلَدٍ
فَمَاذَا تَبْغُونَ ؟ قَالُوا عَطِشْنَا يَا رَبَّنَا فَاسْقِنَا فَيُشَارُ
إلَيْهِمْ أَلَا تَرِدُونَ ، فَيُحْشَرُونَ إلَى النَّارِ كَأَنَّهَا سَرَابٌ
يُحَطِّمُ بَعْضُهَا بَعْضًا فَيَتَسَاقَطُونَ فِي النَّارِ ثُمَّ تُدْعَى
النَّصَارَى فَيُقَالُ لَهُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ ؟ قَالُوا كُنَّا نَعْبُدُ
الْمَسِيحَ ابْنَ اللَّهِ فَيُقَالُ كَذَبْتُمْ مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ صَاحِبَةٍ
وَلَا وَلَدٍ فَمَاذَا تَبْغُونَ ؟ فَيَقُولُونَ عَطِشْنَا يَا رَبَّنَا
فَاسْقِنَا فَيُشَارُ إلَيْهِمْ أَلَا تَرِدُونَ فَيُحْشَرُونَ إلَى جَهَنَّمَ
كَأَنَّهَا سَرَابٌ يُحَطِّمُ بَعْضُهَا بَعْضًا فَيَتَسَاقَطُونَ فِي النَّارِ ،
حَتَّى إذَا لَمْ يَبْقَ إلَّا مَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ مِنْ بَرٍّ وَفَاجِرٍ
أَتَاهُمْ اللَّهُ فِي أَدْنَى صُورَةٍ مِنْ الَّتِي رَأَوْهُ فِيهَا ، قَالَ
فَمَا تَنْتَظِرُونَ ؟ لِتَتْبَعْ كُلُّ أُمَّةٍ مَا كَانَتْ تَعْبُدُ ، قَالُوا
يَا رَبَّنَا فَارَقْنَا النَّاسَ فِي الدُّنْيَا أَفْقَرَ مَا كُنَّا إلَيْهِمْ
وَلَمْ نُصَاحِبْهُمْ ، فَيَقُولُ أَنَا رَبُّكُمْ فَيَقُولُونَ نَعُوذُ بِاَللَّهِ
مِنْك لَا نُشْرِكْ بِاَللَّهِ شَيْئًا
مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا حَتَّى إنَّ بَعْضَهُمْ
لَيَكَادُ أَنْ يَنْقَلِبَ فَيُقَالُ هَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ آيَةٌ
فَتَعْرِفُونَهُ ؟ فَيَقُولُونَ نَعَمْ فَيَكْشِفُ عَنْ سَاقٍ ، فَلَا يَبْقَى
مَنْ كَانَ يَسْجُدُ لِلَّهِ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ إلَّا أَذِنَ اللَّهُ لَهُ
بِالسُّجُودِ .
وَلَا يَبْقَى مَنْ كَانَ يَسْجُدُ اتِّقَاءً وَرِيَاءً
إلَّا جَعَلَ اللَّهُ ظَهْرَهُ طَبَقَةً وَاحِدَةً كُلَّمَا أَرَادَ أَنْ يَسْجُدَ
خَرَّ عَلَى قَفَاهُ ثُمَّ يَرْفَعُونَ رُءُوسَهُمْ وَقَدْ تَحَوَّلَ فِي
الصُّورَةِ الَّتِي رَأَوْهُ فِيهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ ، فَقَالَ : أَنَا رَبُّكُمْ فَيَقُولُونَ
أَنْتَ رَبُّنَا ثُمَّ يُضْرَبُ الْجِسْرُ عَلَى جَهَنَّمَ وَتَحِلُّ الشَّفَاعَةُ
وَيَقُولُونَ اللَّهُمَّ سَلَّمَ سَلَّمَ ، قِيلَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا الْجِسْرُ
؟ قَالَ دَحْضٌ - بِسُكُونِ الْحَاءِ :
زَلِقٌ مَزْلَقٌ - أَيْ لَا يَثْبُتُ عَلَيْهِ قَدَمٌ
إلَّا زَلَّ ، فِيهِ خَطَاطِيفُ وَكَلَالِيبُ وَحَسَكَةٌ تَكُونُ بِنَجْدٍ فِيهَا شُوَيْكَةٌ
يُقَالُ لَهَا السَّعْدَانَ - أَيْ وَهُوَ نَبْتٌ ذُو شَوْكٍ مُعَقَّفٍ -
فَيَمُرُّ الْمُؤْمِنُونَ كَطَرَفِ الْعَيْنِ وَكَالْبَرْقِ وَكَالرِّيحِ
وَكَالطَّيْرِ وَكَأَجَاوِيدِ الْخَيْلِ وَالرِّكَابِ ، فَنَاجٍ مُسَلَّمٌ
وَمَخْدُوشٌ مُرْسَلٌ وَمَكْدُوشٌ - أَيْ بِمُعْجَمَةٍ مَدْفُوعٌ دَفْعًا عَنِيفًا
فِي نَارِ جَهَنَّمَ - حَتَّى إذَا خَلَصَ الْمُؤْمِنُونَ مِنْ النَّارِ ،
فَوَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا مِنْ أَحَدٍ مِنْكُمْ بِأَشَدَّ مُنَاشَدَةً
لِلَّهِ تَعَالَى فِي اسْتِيفَاءِ الْحَقِّ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ لِلَّهِ تَعَالَى
يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِإِخْوَانِهِمْ الَّذِينَ فِي النَّارِ } .
وَفِي رِوَايَةٍ لَهُمَا : { فَمَا أَنْتُمْ بِأَشَدَّ
مُنَاشَدَةً فِي الْحَقِّ قَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ يَوْمَئِذٍ
لِلْجَبَّارِ إذَا رَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ نَجَوْا فِي إخْوَانِهِمْ ،
فَيَقُولُونَ رَبَّنَا كَانُوا يَصُومُونَ مَعَنَا وَيُصَلُّونَ وَيَحُجُّونَ
فَيُقَالُ لَهُمْ أَخْرِجُوا مَنْ عَرَفْتُمْ صُوَرَهُمْ عَلَى النَّارِ
فَيُخْرِجُونَ خَلْقًا كَثِيرًا قَدْ أَخَذَتْ النَّارُ نِصْفَ سَاقَيْهِ وَإِلَى
رُكْبَتَيْهِ ، فَيَقُولُونَ رَبَّنَا مَا بَقِيَ فِيهَا
أَحَدٌ مِمَّنْ أَمَرْتَنَا بِهِ ، فَيَقُولُ ارْجِعُوا
فَمَنْ وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ دِينَارٍ مِنْ خَيْرٍ فَأَخْرِجُوهُ
فَيُخْرِجُونَ خَلْقًا كَثِيرًا ، فَيَقُولُونَ رَبَّنَا لَمْ نَذَرْ فِيهَا
أَحَدًا مِمَّنْ أَمَرْتَنَا بِهِ ، ثُمَّ يَقُولُ ارْجِعُوا فَمَنْ وَجَدْتُمْ
فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ نِصْفِ دِينَارٍ مِنْ خَيْرٍ فَأَخْرِجُوهُ فَيُخْرِجُونَ
خَلْقًا كَثِيرًا ، ثُمَّ يَقُولُونَ رَبَّنَا لَمْ نَذَرْ فِيهَا أَحَدًا مِمَّنْ
أَمَرْتَنَا ثُمَّ يَقُولُ ارْجِعُوا فَمَنْ وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ
مِنْ خَيْرٍ فَأَخْرِجُوهُ فَيُخْرِجُونَ خَلْقًا كَثِيرًا .
ثُمَّ يَقُولُونَ رَبَّنَا لَمْ نَذَرْ فِيهَا خَيْرًا ،
وَكَانَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ رَاوِي الْحَدِيثِ يَقُولُ إنْ لَمْ
تُصَدِّقُونِي بِهَذَا الْحَدِيثِ فَاقْرَءُوا إنْ شِئْتُمْ { إنَّ اللَّهَ لَا
يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ
أَجْرًا عَظِيمًا } فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : شَفَعَتْ الْمَلَائِكَةُ
وَشَفَعَ النَّبِيُّونَ وَشَفَعَ الْمُؤْمِنُونَ وَلَمْ يَبْقَ إلَّا أَرْحَمُ
الرَّاحِمِينَ فَيَقْبِضُ قَبْضَةً مِنْ النَّارِ فَيُخْرِجُ مِنْهَا قَوْمًا لَمْ
يَعْمَلُوا خَيْرًا قَطُّ قَدْ عَادُوا حُمَمًا - أَيْ بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ
فَفَتْحٍ جَمْعُ حُمَمَةٍ وَهِيَ الْفَحْمَةُ - فَيُلْقِيهِمْ فِي نَهْرٍ عَلَى
أَفْوَاهِ الْجَنَّةِ يُقَالُ لَهُ نَهْرُ الْحَيَاةِ فَيُخْرَجُونَ كَمَا
تَخْرُجُ الْحِبَّةُ - أَيْ وَهِيَ بِكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ : بَزْرُ
الْبُقُولِ وَالرَّيَاحِينِ أَوْ بَزْرُ الْعُشْبِ أَوْ نَبْتٌ فِي الْحَشِيشِ
صَغِيرٌ أَوْ جَمِيعُ بِزُورِ النَّبَاتِ أَوْ بَزْرُ مَا نَبَتَ مِنْ غَيْرِ بَزْرٍ
وَمَا بَذَرَ تُفْتَحُ حَاؤُهُ أَقْوَالٌ - فِي حَمِيلِ السَّيْلِ - أَيْ بِفَتْحٍ
فَكَسْرٍ زُبْدُهُ وَمَا يُلْقِيهِ عَلَى سَاحِلِهِ - أَلَا تَرَوْنَهَا تَكُونُ
إلَى الْحَجَرِ أَوْ إلَى الشَّجَرِ مَا يَكُونُ إلَى الشَّمْسِ أَصْفَرَ
وَأَخْضَرَ وَمَا يَكُونُ مِنْهَا إلَى الظِّلِّ يَكُونُ أَبْيَضَ ، فَقَالُوا يَا
رَسُولَ اللَّهِ كَأَنَّك كُنْت تَرْعَى بِالْبَادِيَةِ ، قَالَ : فَيُخْرَجُونَ
كَاللُّؤْلُؤِ فِي رِقَابِهِمْ الْخَوَاتِيمُ
فَيَعْرِفُهُمْ أَهْلُ الْجَنَّةِ يَقُولُونَ هَؤُلَاءِ
عُتَقَاءُ اللَّهِ الَّذِينَ أَدْخَلَهُمْ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ عَمَلٍ عَمِلُوهُ
وَلَا خَيْرٍ قَدَّمُوهُ ، ثُمَّ يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى اُدْخُلُوا الْجَنَّةَ
فَمَا رَأَيْتُمُوهُ فَهُوَ لَكُمْ ، فَيَقُولُونَ رَبَّنَا أَعْطَيْتنَا مَا لَمْ
تُعْطِ أَحَدًا مِنْ الْعَالَمِينَ ، فَيَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي أَفْضَلُ مِنْ
هَذَا ، فَيَقُولُونَ رَبَّنَا وَأَيُّ شَيْءٍ أَفْضَلُ مِنْ هَذَا ؟ فَيَقُولُ رِضَايَ
فَلَا أَسْخَطُ عَلَيْكُمْ أَبَدًا
} .
وَمُسْلِمٌ : { كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَضَحِكَ فَقَالَ هَلْ تَدْرُونَ مِمَّ أَضْحَكُ ؟ قُلْنَا
اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ ، قَالَ : مِنْ مُخَاطَبَةِ الْعَبْدِ رَبَّهُ فَيَقُولُ
يَا رَبِّ أَلَمْ تُجِرْنِي مِنْ الظُّلْمِ ، فَيَقُولُ بَلَى ، فَيَقُولُ إنِّي
لَا أُجِيزُ الْيَوْمَ عَلَى نَفْسِي شَاهِدًا إلَّا مِنِّي فَيَقُولُ كَفَى
بِنَفْسِك الْيَوْمَ عَلَيْك حَسِيبًا وَبِالْكِرَامِ الْكَاتِبِينَ شُهُودًا .
قَالَ فَيُخْتَمُ عَلَى فِيهِ وَيُقَالُ لِأَرْكَانِهِ
انْطِقِي فَتَنْطِقُ بِأَعْمَالِهِ ، ثُمَّ يُخَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكَلَامِ
فَيَقُولُ بُعْدًا لَكُنَّ وَسُحْقًا فَعَنْكُنَّ كُنْت أُنَاضِلُ } : أَيْ
أُخَاصِمُ وَأُدَافِعُ .
وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ : { قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذِهِ الْآيَةَ : { يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ
أَخْبَارَهَا } قَالَ : أَتَدْرُونَ مَا أَخْبَارُهَا ؟ قَالُوا اللَّهُ
وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ ، قَالَ : فَإِنَّ أَخْبَارَهَا أَنْ تَشْهَدَ عَلَى كُلِّ
عَبْدٍ وَأَمَةٍ بِمَا عَمِلَ عَلَى ظَهْرِهَا تَقُولُ عَمِلَ كَذَا وَكَذَا فِي
يَوْمِ كَذَا وَكَذَا } .
وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَابْنُ حِبَّانَ فِي
صَحِيحِهِ وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ
{ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي
قَوْله تَعَالَى : { يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ } قَالَ : يُدْعَى
أَحَدُهُمْ فَيُعْطَى كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ وَيُمَدُّ لَهُ فِي جِسْمِهِ سِتُّونَ
ذِرَاعًا وَيُبَيَّضُ وَجْهُهُ وَيُجْعَلُ عَلَى رَأْسِهِ تَاجٌ مِنْ لُؤْلُؤٍ
يَتَلَأْلَأُ .
قَالَ : فَيَنْطَلِقُ إلَى أَصْحَابِهِ فَيَرَوْنَهُ
مِنْ بَعِيدٍ
فَيَقُولُونَ اللَّهُمَّ ائْتِنَا بِهَذَا وَبَارِكْ
لَنَا فِي هَذَا حَتَّى يَأْتِيَهُمْ ، فَيَقُولُ لَهُمْ : أَبْشِرُوا فَإِنَّ
لِكُلِّ رَجُلٍ مِنْكُمْ مِثْلَ هَذَا ، وَأَمَّا الْكَافِرُ فَيُعْطَى كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ
مُسَوَّدًا وَجْهُهُ وَيُمَدُّ لَهُ فِي جِسْمِهِ سِتُّونَ ذِرَاعًا عَلَى صُورَةِ
آدَمَ وَيُجْعَلُ عَلَى رَأْسِهِ تَاجٌ مِنْ نَارٍ فَيَرَاهُ أَصْحَابُهُ .
فَيَقُولُونَ نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ شَرِّ هَذَا
اللَّهُمَّ لَا تَأْتِنَا بِهَذَا
.
قَالَ :
فَيَأْتِيهِمْ ، فَيَقُولُونَ اللَّهُمَّ اخْزِهِ
فَيَقُولُ أَبْعَدَكُمْ اللَّهُ فَإِنَّ لِكُلِّ رَجُلٍ مِنْكُمْ مِثْلَ هَذَا } .
الْفَصْلُ الثَّالِثُ فِي الْحَوْضِ وَالْمِيزَانِ
وَالصِّرَاطِ أَخْرَجَ الشَّيْخَانِ : { حَوْضِي مَسِيرَةُ شَهْرٍ وَزَوَايَاهُ
سَوَاءٌ وَمَاؤُهُ أَبْيَضُ مِنْ الْوَرِقِ } ، وَفِي رِوَايَةٍ : { اللَّبَنِ } ،
وَفِي أُخْرَى صَحِيحَةٍ أَيْضًا : { وَأَحْلَى مِنْ الْعَسَلِ } ، وَفِي أُخْرَى صَحِيحَةٍ
: { وَرِيحُهُ أَطْيَبُ مِنْ الْمِسْكِ وَكِيزَانُهُ كَنُجُومِ السَّمَاءِ مَنْ
شَرِبَ مِنْهُ لَا يَظْمَأُ أَبَدًا
} .
وَفِي رِوَايَةٍ صَحِيحَةٍ : { وَلَا يَسْوَدُّ وَجْهُهُ
أَبَدًا } .
قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ : ظَاهِرُهُ تَأَخُّرُ
الشُّرْبِ مِنْهُ عَلَى الْحِسَابِ وَالْمُرُورِ عَلَى الصِّرَاطِ ، إذْ هَذَا
هُوَ الَّذِي يَأْمَنُ مِنْ الْعَطَشِ ، وَقِيلَ : لَا يَشْرَبُ مِنْهُ إلَّا مَنْ
قُدِّرَ لَهُ السَّلَامَةُ مِنْ النَّارِ ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّ مَنْ شَرِبَ مِنْهُ
مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَقُدِّرَ عَلَيْهِ دُخُولُ النَّارِ يُعَذَّبُ فِيهَا
بِغَيْرِ الظَّمَأِ ؛ لِأَنَّ ظَاهِرَ الْحَدِيثِ الْآخَرِ أَنَّ جَمِيعَ
الْأُمَّةِ يَشْرَبُونَ مِنْهُ إلَّا مَنْ ارْتَدَّ ، وَقِيلَ ؛ جَمِيعُ مُؤْمِنِي
الْأُمَمِ يَأْخُذُونَ كُتُبَهُمْ بِأَيْمَانِهِمْ ثُمَّ يُعَذِّبُ اللَّهُ مَنْ
شَاءَ مِنْ عُصَاتِهِمْ وَهَذَا مِثْلُهُ .
انْتَهَى
.
وَقَالَ غَيْرُهُ : اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ هَلْ
الْحَوْضُ فِي أَرْضِ الْمَحْشَرِ قَبْلَ جَوَازِ الصِّرَاطِ أَوْ فِي أَرْضِ
الْجَنَّةِ الَّتِي لَا يَتَوَصَّلُ إلَيْهَا إلَّا بَعْدَ جَوَازِهِ ؟ .
وَأَحْمَدُ بِسَنَدٍ رُوَاتُهُ مُحْتَجٌّ بِهِمْ فِي
الصَّحِيحِ : { إنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ وَعَدَنِي أَنْ يُدْخِلَ الْجَنَّةَ
مِنْ أُمَّتِي سَبْعِينَ أَلْفًا بِغَيْرِ حِسَابٍ ، فَقَالَ يَزِيدُ بْنُ
الْأَخْنَسُ : وَاَللَّهِ مَا أُولَئِكَ فِي أُمَّتِك إلَّا كَالذُّبَابِ
الْأَصْهَبِ فِي الذُّبَابِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ : إنَّ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ قَدْ وَعَدَنِي سَبْعِينَ أَلْفًا مَعَ
كُلِّ أَلْفٍ سَبْعُونَ أَلْفًا وَزَادَنِي ثَلَاثَ حَثَيَاتٍ .
قَالَ : فَمَا سَعَةُ حَوْضِك يَا نَبِيَّ اللَّهِ ؟
قَالَ : كَمَا بَيْنَ عَدَنَ إلَى عُمَانَ وَأَوْسَعُ يُشِيرُ بِيَدِهِ فِيهِ
مَثْعَبَانِ } بِمِيمٍ فَمُثَلَّثَةٍ فَمُهْمَلَةٍ فَمُوَحَّدَةٍ فَأَلِفٍ
فَنُونٍ فَتْحَانِ مِنْ الْجَنَّةِ مِنْ وَرِقٍ وَذَهَبٍ .
وَالْمَثْعَبُ مَسِيلُ الْمَاءِ .
وَفِي رِوَايَةٍ : { أَوَّلُ النَّاسِ وُرُودًا عَلَيْهِ
فُقَرَاءُ الْمُهَاجِرِينَ الشُّعْثُ رُءُوسًا الدَّنَسُ ثِيَابًا الَّذِينَ لَا يَنْكِحُونَ
الْمُنَعَّمَاتِ وَلَا تُفْتَحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السُّدُدِ } يَعْنِي أَبْوَابَ السَّلَاطِينِ .
وَأَحْمَدُ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ : { حَوْضِي كَمَا بَيْنَ عَدَنَ
وَعُمَانَ أَبْرَدُ مِنْ الثَّلْجِ وَأَحْلَى مِنْ الْعَسَلِ وَأَطْيَبُ رِيحًا
مِنْ الْمِسْكِ وَأَكْوَابُهُ مِثْلُ نُجُومِ السَّمَاءِ مَنْ شَرِبَ مِنْهُ
شَرْبَةً لَمْ يَظْمَأْ بَعْدَهَا أَبَدًا أَوَّلُ النَّاسِ عَلَيْهِ وُرُودًا
صَعَالِيكُ الْمُهَاجِرِينَ ، قَالَ قَائِلٌ مَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟
قَالَ الشَّعِثَةُ رُءُوسُهُمْ - أَيْ بَعِيدَةُ عَهْدٍ بِدُهْنٍ وَغَسْلٍ
وَتَسْرِيحِ شَعْرٍ - الشُّحْبَةُ وُجُوهُهُمْ - أَيْ مِنْ الشُّحُوبِ وَهُوَ
تَغَيُّرُ الْوَجْهِ مِنْ جُوعٍ أَوْ هُزَالٍ أَوْ تَعَبٍ - الدَّنِسَةُ ثِيَابُهُمْ - أَيْ
الْوَسِخَةُ - لَا تُفْتَحُ لَهُمْ السُّدُدُ - أَيْ الْأَبْوَابُ - وَلَا
يَنْكِحُونَ الْمُنَعَّمَاتِ الَّذِينَ يُعْطُونَ كُلَّ الَّذِي عَلَيْهِمْ لَا
يُعْطَوْنَ كُلَّ الَّذِي لَهُمْ
} .
وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ : { يَغُتُّ فِيهِ
مِيزَابَانِ يَمُدَّانِهِ مِنْ الْجَنَّة أَحَدُهُمَا مِنْ ذَهَبٍ وَالْآخَرُ مِنْ
فِضَّةٍ - وَيَغُتُّ بِمُعْجَمَةٍ مَضْمُومَةٍ فَفَوْقِيَّةٍ : أَيْ يَجْرِيَانِ
فِيهِ جَرْيًا لَهُ صَوْتٌ - وَفِيهَا : إنِّي لَبِعُقْرِ - أَيْ بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ
فَقَافٍ سَاكِنَةٍ - مُؤَخِّرَةِ حَوْضِي أَذُودُ - أَيْ أَدْفَعُ - النَّاسَ عَنْهُ
لِأَهْلِ الْيَمَنِ - أَيِّ لِأَجْلِ شُرْبِهِمْ أَضْرِبُ بِعَصَايَ حَتَّى
يَرْفَضَّ عَلَيْهِمْ } أَيْ بِتَشْدِيدِ الْمُعْجَمَةِ : يَسِيلُ الْمَاءُ
وَيَتَرَشَّشُ .
وَفِي رِوَايَةٍ لِلشَّيْخَيْنِ : { فِيهِ أَبَارِيقُ
الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ كَعَدَدِ نُجُومِ السَّمَاءِ } زَادَ فِي رِوَايَةٍ : {
أَوْ أَكْثَرَ مِنْ عَدَدِ نُجُومِ السَّمَاءِ } ، وَفِي رِوَايَةٍ صَحِيحَةٍ : {
فِيهِ مِيزَابَانِ يَنْثَعِبَانِ مِنْ الْجَنَّةِ مِنْ وَرِقٍ وَذَهَبٍ } .
وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُد عَنْ الْحَسَنِ : { عَنْ
عَائِشَةَ أَنَّهَا
بَكَتْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ مَا يُبْكِيكِ ؟ قَالَتْ ذَكَرْت النَّارَ فَبَكَيْت فَهَلْ تَذْكُرُونَ
أَهْلِيكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ؟ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
أَمَّا فِي ثَلَاثَةِ مَوَاطِنَ فَلَا يَذْكُرُ أَحَدٌ أَحَدًا : عِنْدَ الْمِيزَانِ
حَتَّى يَعْلَمَ أَيَخِفُّ مِيزَانُهُ أَمْ يَثْقُلُ ، وَعِنْدَ تَطَايُرِ
الصُّحُفِ حَتَّى يَعْلَمَ أَيْنَ يَقَعُ كِتَابُهُ فِي يَمِينِهِ أَمْ فِي
شِمَالِهِ أَمْ وَرَاءَ ظَهْرِهِ ، وَعِنْدَ الصِّرَاطِ إذَا وُضِعَ بَيْنَ
ظَهْرَانِيْ جَهَنَّمَ حَتَّى يَعْلَمَ أَيَجُوزُ أَمْ لَا ؟ } .
وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ وَقَالَ : إنَّهُ صَحِيحٌ عَلَى
شَرْطِهِمَا لَوْلَا إرْسَالٌ فِيهِ بَيْنَ الْحَسَنِ وَعَائِشَةَ ،
وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ غَرِيبٌ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ
: { سَأَلْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَشْفَعَ لِي
يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَالَ : أَنَا فَاعِلٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ، قُلْت
فَأَيْنَ أَطْلُبُك ؟ قَالَ أَوَّلَ مَا تَطْلُبُنِي عَلَى الصِّرَاطِ ، قُلْت :
فَإِنْ لَمْ أَلْقَك عَلَى الصِّرَاطِ ، قَالَ فَاطْلُبْنِي عِنْدَ الْمِيزَانِ ،
قُلْت فَإِنْ لَمْ أَلْقَك عِنْدَ الْمِيزَانِ ، قَالَ : قَالَ فَاطْلُبْنِي
عِنْدَ الْحَوْضِ فَإِنِّي لَا أُخْطِئُ هَذِهِ الثَّلَاثَةَ مَوَاطِنَ } .
وَالْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ : {
يُوضَعُ الْمِيزَانُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَلَوْ وُزِنَتْ أَوْ وُضِعَتْ فِيهِ
السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ لَوُضِعَتْ فَتَقُولُ الْمَلَائِكَةُ يَا رَبِّ لِمَنْ
يَزِنُ هَذَا ؟ فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى لِمَنْ شِئْت مِنْ خَلْقِي فَتَقُولُ الْمَلَائِكَةُ
سُبْحَانَك مَا عَبَدْنَاك حَقَّ عِبَادَتِك ، وَيُوضَعُ الصِّرَاطُ مِثْلُ حَدِّ
الْمُوسَى فَتَقُولُ الْمَلَائِكَةُ مَنْ يَجُوزُ عَلَى هَذَا ؟ فَيَقُولُ مَنْ
شِئْت مِنْ خَلْقِي فَيَقُولُونَ سُبْحَانَك مَا عَبَدْنَاك حَقَّ عِبَادَتِك } .
وَالطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ حَسَنٍ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : { يُوضَعُ الصِّرَاطُ عَلَى سَوَاءِ جَهَنَّمَ
مِثْلُ حَدِّ السَّيْفِ الْمُرْهِفِ مَدْحَضَةٌ مَزَلَّةٌ عَلَيْهِ كَلَالِيبُ
مِنْ نَارٍ
يَخْتَطِفُ بِهَا فَمُمْسِكٌ يَهْوِي فِيهَا وَمَصْرُوعٌ
؛ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمُرُّ كَالْبَرْقِ فَلَا يَنْشَبُ ذَلِكَ أَنْ يَنْجُوَ ثُمَّ
كَالرِّيحِ فَلَا يَنْشَبُ ذَلِكَ أَنْ يَنْجُوَ ثُمَّ كَجَرْيِ الْفَرَسِ ثُمَّ
كَسَعْيِ الرَّجُلِ ثُمَّ كَرَمَلِ الرَّجُلِ ثُمَّ كَمَشْيِ الرَّجُلِ ، ثُمَّ يَكُونُ
آخِرُهُمْ إنْسَانًا رَجُلٌ قَدْ لَوَّحَتْهُ النَّارُ وَلَقِيَ فِيهَا شَرًّا
ثُمَّ يُدْخِلُهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ بِفَضْلِهِ وَكَرَمِهِ وَرَحْمَتِهِ
فَيُقَالُ لَهُ تَمَنَّ وَسَلْ فَيَقُولُ أَيْ رَبِّ أَتَهْزَأُ مِنِّي وَأَنْتَ
رَبُّ الْعِزَّةِ ؟ فَيُقَالُ لَهُ تَمَنَّ وَسَلْ حَتَّى إذَا انْقَطَعَتْ بِهِ
الْأَمَانِيُّ قَالَ لَك مَا سَأَلْت وَمِثْلُهُ مَعَهُ } .
وَمُسْلِمٌ عَنْ أُمِّ مُبَشِّرٍ الْأَنْصَارِيَّةِ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا { أَنَّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ عِنْدَ حَفْصَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا : لَا
يَدْخُلُ النَّارَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ أَصْحَابِ الشَّجَرَةِ أَحَدٌ
الَّذِينَ بَايَعُوا تَحْتَهَا
.
قَالَتْ بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ فَانْتَهَرَهَا
فَقَالَتْ حَفْصَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا : { وَإِنْ مِنْكُمْ إلَّا وَارِدُهَا
} فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى
: { ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا } } .
وَأَحْمَدُ بِسَنَدٍ رُوَاتُهُ ثِقَاتٌ وَالْبَيْهَقِيُّ
بِسَنَدٍ حَسَنٍ : { إنَّ جَمَاعَةً اخْتَلَفُوا فِي الْوُرُودِ ، فَقَالَ
بَعْضُهُمْ لَا يَدْخُلُهَا مُؤْمِنٌ وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَدْخُلُونَهَا جَمِيعًا
ثُمَّ يُنْجِي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا فَسَأَلَ بَعْضُهُمْ جَابِرَ بْنَ
عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، فَقَالَ : تَرِدُونَهَا جَمِيعًا ثُمَّ
أَهْوَى بِأُصْبُعَيْهِ إلَى أُذُنَيْهِ وَقَالَ صُمَّتَا إنْ لَمْ أَكُنْ سَمِعْت
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : الْوُرُودُ
الدُّخُولُ لَا يَبْقَى بَرٌّ وَلَا فَاجِرٌ إلَّا دَخَلَهَا فَتَكُونُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ
بَرْدًا وَسَلَامًا كَمَا كَانَتْ عَلَى إبْرَاهِيمَ حَتَّى إنَّ لِلنَّارِ أَوْ
قَالَ لِجَهَنَّمَ ضَجِيجًا مِنْ بَرْدِهِمْ { ثُمَّ
نُنَجِّي الَّذِي اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ
فِيهَا جِثِيًّا } } .
وَالْحَاكِمُ وَقَالَ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ : { يَرِدُ
النَّاسُ ثُمَّ يَصْدُرُونَ عَنْهَا بِأَعْمَالِهِمْ أَوَّلُهُمْ كَلَمْحِ
الْبَرْقِ ثُمَّ كَلَمْحِ الرِّيحِ ثُمَّ كَحُضْرِ الْفَرَسِ ثُمَّ كَالرَّاكِبِ
فِي رَحْلِهِ ثُمَّ كَشَدِّ الرَّجُلِ ثُمَّ كَمَشْيِهِ } .
وَالْحَاكِمُ وَقَالَ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ أَيْضًا : {
يَلْقَى رَجُلٌ أَبَاهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيَقُولُ يَا أَبَتِ : أَيُّ ابْنٍ
كُنْت لَك ؟ فَيَقُولُ خَيْرُ ابْنٍ فَيَقُولُ هَلْ أَنْتَ مُطِيعِي الْيَوْمَ
فَيَقُولُ نَعَمْ فَيَقُولُ خُذْ بِأُزْرَتِي فَيَأْخُذُهُ بِأُزْرَتِهِ ثُمَّ
يَنْطَلِقُ حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى - أَيْ عَنْ صِفَاتِ
الْمُحْدَثَاتِ فَالْإِتْيَانُ هُنَا مَجَازٌ - وَهُوَ يَعْرِضُ بَيْنَ الْخَلْقِ فَيَقُولُ
يَا عَبْدِي اُدْخُلْ مِنْ أَيِّ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ شِئْت فَيَقُولُ أَيْ رَبِّ
وَأَبِي مَعِي فَإِنَّك وَعَدَتْنِي أَنْ لَا تُخْزِيَنِي قَالَ فَيَمْسَخُ
أَبَاهُ ضَبُعًا فَيَهْوِي فِي النَّارِ فَيَأْخُذُ بِأَنْفِهِ فَيَقُولُ اللَّهُ
تَعَالَى أَبُوك هُوَ ؟ فَيَقُولُ لَا وَعَزَّتِك } وَهُوَ فِي الْبُخَارِيُّ
إلَّا أَنَّهُ قَالَ : { يَلْقَى إبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَبَاهُ آزَرَ }
فَذَكَر الْقِصَّةَ بِنَحْوِهِ
.
الْفَصْلُ الرَّابِعُ : فِي الْإِذْنِ فِي الشَّفَاعَةِ
وَوَضْعُ الصِّرَاطِ مُتَأَخِّرٌ عَنْ الْإِذْنِ فِي الشَّفَاعَةِ الْعَامَّةِ :
أَخْرَجَ الشَّيْخَانِ : { كُلُّ نَبِيٍّ سَأَلَ سُؤَالًا ، أَوْ قَالَ : لِكُلِّ
نَبِيٍّ دَعْوَةٌ قَدْ دَعَاهَا لِأُمَّتِهِ وَإِنِّي اخْتَبَأْت دَعْوَتِي
شَفَاعَةً لِأُمَّتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ } .
وَالْبَيْهَقِيُّ وَصَحَّحَهُ : { رَأَيْت مَا تَلْقَى أُمَّتِي
مِنْ بَعْدِي وَسَفْكَ بَعْضِهِمْ دَمَ بَعْضٍ فَأَحْزَنَنِي وَسَبَقَ ذَلِكَ مِنْ
اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ كَمَا سَبَقَ فِي الْأُمَمِ قَبْلَهُمْ ، فَسَأَلْتُهُ أَنْ
يُوَلِّيَنِي فِيهِمْ شَفَاعَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَفَعَلَ } .
وَأَحْمَدُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { لَقَدْ أُعْطِيت اللَّيْلَةَ خَمْسًا مَا
أُعْطِيهِنَّ أَحَدٌ قَبْلِي إلَى أَنْ قَالَ : وَالْخَامِسَةُ هِيَ مَا قِيلَ لِي
سَلْ فَإِنَّ كُلَّ نَبِيٍّ قَدْ سَأَلَ ، فَأَخَّرْت مَسْأَلَتِي إلَى يَوْمِ
الْقِيَامَةِ فَهِيَ لَكُمْ وَلِمَنْ شَهِدَ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ } .
وَالْبَزَّارُ وَالطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ حَسَنٍ : {
يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَا سَأَلْت رَبَّك مُلْكًا كَمُلْكِ سُلَيْمَانَ ؟
فَضَحِكَ ثُمَّ قَالَ : فَلَعَلَّ لِصَاحِبِكُمْ عَبْدِ اللَّهِ أَفْضَلَ مِنْ
مُلْكِ سُلَيْمَانَ ، إنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَبْعَثْ نَبِيًّا قَطُّ إلَّا
أَعْطَاهُ دَعْوَةً ، مِنْهُمْ مَنْ اتَّخَذَهَا دُنْيَا فَأُعْطِيهَا ،
وَمِنْهُمْ مَنْ دَعَا بِهَا عَلَى قَوْمِهِ إذْ عَصَوْهُ فَأُهْلِكُوا بِهَا ،
وَإِنَّ اللَّهَ أَعْطَانِي دَعْوَةً فَاخْتَبَأْتُهَا عِنْدَ رَبِّي شَفَاعَةً
لِأُمَّتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ
} .
وَالْأَحَادِيثُ فِي هَذَا كَثِيرَةٌ مِنْ الصِّحَاحِ
وَغَيْرِهَا .
وَالطَّبَرَانِيُّ بِأَسَانِيدَ أَحَدُهَا جَيِّدٌ : {
أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِمَا خَيَّرَنِي رَبِّي آنِفًا ؟ قُلْنَا بَلَى يَا رَسُولَ
اللَّهِ .
قَالَ
: خَيَّرَنِي بَيْنَ أَنْ يُدْخِلَ ثُلُثَيْ أُمَّتِي
الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ وَلَا عَذَابٍ وَبَيْنَ الشَّفَاعَةِ ، قُلْنَا يَا
رَسُولَ اللَّهِ مَا الَّذِي اخْتَرْت ؟ قَالَ الشَّفَاعَةَ قُلْنَا جَمِيعًا يَا رَسُولَ
اللَّهِ اجْعَلْنَا مِنْ أَهْلِ شَفَاعَتِك ، قَالَ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ شَفَاعَتِي لِكُلِّ مُسْلِمٍ } .
وَالطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ سَلْمَانَ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : { تُعْطَى الشَّمْسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَرَّ
عَشْرِ سِنِينَ ثُمَّ تُدْنَى مِنْ جَمَاجِمِ النَّاسِ } قَالَ فَذَكَرَ
الْحَدِيثَ .
قَالَ { فَيَأْتُونَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فَيَقُولُونَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَنْتَ الَّذِي فَتَحَ اللَّهُ لَك
وَغَفَرَ لَك مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِك وَمَا تَأَخَّرَ وَقَدْ تَرَى مَا نَحْنُ
فِيهِ فَاشْفَعْ لَنَا إلَى رَبِّك ، فَيَقُولُ أَنَا صَاحِبُكُمْ فَيَخْرُجُ
بِجَرَسٍ بَيْنَ النَّاسِ حَتَّى يَنْتَهِيَ إلَى بَابِ الْجَنَّةِ فَيَأْخُذُ بِحَلْقَةٍ
بِالْبَابِ مِنْ ذَهَبٍ فَيَقْرَعُ الْبَابَ ، فَيُقَالُ : مَنْ هَذَا ؟ فَيَقُولُ
مُحَمَّدٌ فَيُفْتَحُ لَهُ حَتَّى يَقُومَ بَيْنَ يَدَيِّ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ
فَيَسْجُدُ فَيُنَادَى ارْفَعْ رَأْسَك وَسَلْ تُعْطَ وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ
فَذَلِكَ الْمَقَامُ الْمَحْمُودُ
} .
وَأَحْمَدُ بِسَنَدٍ رُوَاتُهُ ثِقَاتٌ مُحْتَجٌّ بِهِمْ
فِي الصَّحِيحِ : { إنِّي لَقَائِمٌ أَنْتَظِرُ أُمَّتِي تَعْبُرُ الصِّرَاطَ إذْ
جَاءَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ فَقَالَ هَذِهِ الْأَنْبِيَاءُ قَدْ جَاءَتْك
يَا مُحَمَّدُ يَسْأَلُونَ أَوْ قَالَ يَجْتَمِعُونَ إلَيْك يَدْعُونَ اللَّهَ تَعَالَى
أَنْ يَفْرُقَ بَيْنَ جَمِيعِ الْأُمَمِ إلَى حَيْثُ يَشَاءُ لِعِظَمِ مَا هُمْ
فِيهِ فَإِنَّهُمْ مُلَجَّمُونَ بِالْعَرَقِ ، فَأَمَّا الْمُؤْمِنُ فَهُوَ
عَلَيْهِ كَالزُّكْمَةِ .
وَأَمَّا الْكَافِرُ فَيَغْشَاهُ الْمَوْتُ قَالَ يَا عِيسَى
انْتَظِرْ حَتَّى أَرْجِعَ إلَيْك
.
قَالَ :
وَذَهَبَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فَقَامَ تَحْتَ الْعَرْشِ فَلَقِيَ مَا لَمْ يَلْقَ مَلَكٌ مُصْطَفًى
وَلَا نَبِيٌّ مُرْسَلٌ ، فَأَوْحَى اللَّهُ تَعَالَى إلَى جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ
أَنْ أَذْهَبَ إلَى مُحَمَّدٍ فَقُلْ لَهُ ارْفَعْ رَأْسَك سَلْ تُعْطَ وَاشْفَعْ
تُشَفَّعْ .
قَالَ : فَشَفَعْت فِي أُمَّتِي أَنْ أُخْرِجَ مِنْ
تِسْعَةٍ وَتِسْعِينَ إنْسَانًا وَاحِدًا .
قَالَ فَمَا زِلْتُ أَتَرَدَّدُ عَلَى رَبِّي جَلَّ
وَعَلَا فَلَا أَقُومُ فِيهِ مَقَامًا إلَّا شَفَعْت حَتَّى أَعْطَانِي
اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ قَالَ : أَدْخِلْ مِنْ أُمَّتِك
مِنْ خَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى مِمَّنْ شَهِدَ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ
يَوْمًا مُخْلِصًا وَمَاتَ عَلَى ذَلِكَ } .
وَالطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ حَسَنٍ : { يَدْخُلُ مِنْ أَهْلِ
هَذِهِ الْقِبْلَةِ النَّارَ مَنْ لَا يُحْصِي عَدَدَهُمْ إلَّا اللَّهُ تَعَالَى
بِمَا عَصَوْا اللَّهَ تَعَالَى وَاجْتَرَءُوا عَلَى مَعْصِيَتِهِ وَخَالَفُوا
طَاعَتَهُ فَيُؤْذَنُ لِي فِي الشَّفَاعَةِ فَأُثْنِي عَلَى اللَّهِ سَاجِدًا
كَمَا أُثْنِي عَلَيْهِ قَائِمًا ، فَيُقَالُ لِي ارْفَعْ رَأْسَك وَسَلْ تُعْطَهُ
وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ } .
وَأَحْمَدُ وَأَبُو يَعْلَى وَالْبَزَّارُ وَابْنُ
حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَقَالَ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ هَذَا مِنْ
أَشْرَفِ الْحَدِيثِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
وَكَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ قَالَ : { أَصْبَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ فَصَلَّى الْغَدَاةَ ثُمَّ جَلَسَ حَتَّى إذَا كَانَ
مِنْ الضُّحَى ضَحِكَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَلَسَ مَكَانَهُ
حَتَّى صَلَّى الْأُولَى وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ كُلُّ ذَلِكَ لَا يَتَكَلَّمُ
حَتَّى صَلَّى الْعِشَاءَ الْآخِرَةَ ثُمَّ قَامَ إلَى أَهْلِهِ ، فَقَالَ
النَّاسُ لِأَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ سَلْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا شَأْنُهُ صَنَعَ الْيَوْمَ شَيْئًا لَمْ
يَصْنَعُهُ قَطُّ ؟ قَالَ : فَسَأَلَهُ فَقَالَ : عُرِضَ عَلَيَّ مَا هُوَ كَائِنٌ مِنْ
أَمْرِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ يُجْمَعُ الْأَوَّلُونَ وَالْآخِرُونَ بِصَعِيدٍ
وَاحِدٍ حَتَّى انْطَلَقُوا إلَى آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَالْعَرَقُ يَكَادُ يُلْجِمُهُمْ
، فَقَالُوا يَا آدَم أَنْتَ أَبُو الْبَشَرِ اصْطَفَاك اللَّهُ تَعَالَى اشْفَعْ
لَنَا إلَى رَبِّك ، فَقَالَ لَقَدْ لَقِيت مِثْلَ الَّذِي لَقِيتُمْ انْطَلَقُوا
إلَى أَبِيكُمْ بَعْدَ أَبِيكُمْ إلَى نُوحٍ : { إنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ
وَنُوحًا وَآلَ إبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ }
فَيَنْطَلِقُونَ إلَى نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَيَقُولُونَ اشْفَعْ لَنَا إلَى
رَبِّك فَأَنْتَ الَّذِي اصْطَفَاك اللَّهُ وَاسْتَجَابَ اللَّهُ لَك فِي دُعَائِك
فَلَمْ يَدَعْ عَلَى الْأَرْضِ مِنْ الْكَافِرِينَ
دَيَّارًا ، فَيَقُولُ لَيْسَ ذَاكُمْ عِنْدِي فَانْطَلِقُوا إلَى إبْرَاهِيمَ
فَإِنَّ اللَّهَ اتَّخَذَهُ خَلِيلًا ، فَيَنْطَلِقُونَ إلَى إبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ
السَّلَامُ فَيَقُولُ لَيْسَ ذَاكُمْ عِنْدِي فَانْطَلِقُوا إلَى مُوسَى فَإِنَّ
اللَّهَ كَلَّمَهُ تَكْلِيمًا ، فَيَنْطَلِقُونَ إلَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ
فَيَقُولُ لَيْسَ ذَاكُمْ عِنْدِي وَلَكِنْ انْطَلِقُوا إلَى عِيسَى ابْنِ
مَرْيَمَ فَإِنَّهُ كَانَ يُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَيُحْيِى الْمَوْتَى
، فَيَقُولُ عِيسَى لَيْسَ ذَاكُمْ عِنْدِي وَلَكِنْ انْطَلِقُوا إلَى سَيِّدِ
وَلَدِ آدَمَ فَإِنَّهُ أَوَّلُ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الْأَرْضُ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ ، انْطَلِقُوا إلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلْيَشْفَعْ
لَكُمْ إلَى رَبِّكُمْ .
قَالَ : فَيَنْطَلِقُونَ فَيَأْتِي جِبْرِيلُ رَبَّهُ
فَيَقُولُ ائْذَنْ لَهُ وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ .
قَالَ :
فَيَنْطَلِقُ بِهِ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ
فَيَخِرُّ سَاجِدًا قَدْرَ جُمُعَةٍ ، ثُمَّ يَقُولُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى
يَا مُحَمَّدُ ارْفَعْ رَأْسَك وَقُلْ يُسْمَعْ وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ فَيَرْفَعُ رَأْسَهُ
فَإِذَا نَظَرَ إلَى رَبِّهِ خَرَّ سَاجِدًا قَدْرَ جُمُعَةٍ أُخْرَى فَيَقُولُ
اللَّهُ يَا مُحَمَّدُ ارْفَعْ رَأْسَك وَقُلْ يُسْمَعْ وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ
فَيَذْهَبُ لِيَقَعَ سَاجِدًا فَيَأْخُذُ جِبْرِيلُ بِضَبْعَيْهِ وَيَفْتَحُ
اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ مِنْ الدُّعَاءِ مَا لَمْ يَفْتَحْ عَلَى بَشَرٍ قَطُّ
فَيَقُولُ : أَيْ رَبِّ جَعَلْتنِي سَيِّدَ وَلَدِ آدَمَ وَلَا فَخْرَ ، وَأَوَّلَ
مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الْأَرْضُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا فَخْرَ ، حَتَّى
أَنَّهُ لَيَرِدُ عَلَى الْحَوْضِ أَكْثَرُ مَا بَيْنَ صَنْعَاءَ وَأَيْلَةَ ثُمَّ
يُقَالُ اُدْعُوا الصِّدِّيقِينَ فَيَشْفَعُونَ ، ثُمَّ يُقَالُ اُدْعُوَا الْأَنْبِيَاءَ
قَالَ فَيَجِيءُ النَّبِيُّ وَمَعَهُ الْعِصَابَةُ وَالنَّبِيُّ مَعَهُ
الْخَمْسَةُ وَالسِّتَّةُ وَالنَّبِيُّ لَيْسَ مَعَهُ أَحَدٌ ، ثُمَّ يُقَالُ
اُدْعُوا الشُّهَدَاءَ فَيَشْفَعُونَ فِيمَنْ أَرَادَ فَإِذَا فَعَلَتْ
الشُّهَدَاءُ ذَلِكَ يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنَا
أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ أَدْخِلُوا جَنَّتِي مَنْ كَانَ
لَا يُشْرِكُ بِي شَيْئًا فَيَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ ثُمَّ يَقُولُ اللَّهُ
تَعَالَى : اُنْظُرُوا فِي النَّارِ هَلْ فِيهَا مِنْ أَحَدٍ عَمِلَ خَيْرًا قَطُّ
فَيَجِدُونَ فِي النَّارِ رَجُلًا فَيُقَالُ لَهُ هَلْ عَمِلْت خَيْرًا قَطُّ ؟
فَيَقُولُ لَا غَيْرَ أَنِّي كُنْت أُسَامِحُ النَّاسَ فِي الْبَيْعِ ، فَيَقُولُ
اللَّهُ تَعَالَى اسْمَحُوا لِعَبْدِي كَإِسْمَاحِهِ إلَى عَبِيدِي ، ثُمَّ
يَخْرُجُ مِنْ النَّارِ آخَرُ فَيُقَالُ لَهُ : هَلْ عَمِلْت خَيْرًا قَطُّ ؟
فَيَقُولُ : لَا غَيْرَ أَنِّي كُنْت أَمَرْت وَلَدِي إذَا مِتُّ فَأَحْرِقُونِي
بِالنَّارِ ثُمَّ اطْحَنُونِي حَتَّى إذَا كُنْت مِثْلَ الْكُحْلِ اذْهَبُوا إلَى
الْبَحْرِ فَذَرُّونِي فِي الرِّيحِ ، فَقَالَ اللَّهُ : لِمَ فَعَلْت ذَلِكَ ؟
قَالَ : مِنْ مَخَافَتِك ، فَيَقُولُ اُنْظُرُوا إلَى مُلْكِ أَعْظَمِ مَلِكٍ فَإِنَّ
لَك مِثْلَهُ وَعَشَرَةَ أَمْثَالِهِ فَيَقُولُ لِمَ تَسْخَرُ بِي وَأَنْتَ
الْمَلِكُ فَذَلِكَ الَّذِي ضَحِكْت بِهِ مِنْ الضُّحَى } .
وَرَوَاهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ بِنَحْوِ هَذَا
مِنْهُمْ حُذَيْفَةُ وَابْنُ مَسْعُودٍ وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَغَيْرُهُمْ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُمْ .
وَمُسْلِمٌ :
{ يَجْمَعُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى النَّاسَ
فَيَقُومُ الْمُؤْمِنُونَ حَتَّى تُزْلَفَ لَهُمْ الْجَنَّةُ ، فَيَأْتُونَ آدَمَ فَيَقُولُونَ
يَا أَبَانَا اسْتَفْتِحْ لَنَا الْجَنَّةَ فَيَقُولُ وَهَلْ أَخْرَجَكُمْ مِنْ
الْجَنَّةِ إلَّا خَطِيئَةُ أَبِيكُمْ لَسْت بِصَاحِبِ ذَلِكَ اذْهَبُوا إلَى
ابْنِي إبْرَاهِيمَ خَلِيلِ اللَّهِ ، قَالَ : فَيَقُولُ إبْرَاهِيمُ لَسْت
بِصَاحِبِ ذَلِكَ إنَّمَا كُنْت خَلِيلًا مِنْ وَرَاءُ اعْمَدُوا إلَى مُوسَى
الَّذِي كَلَّمَهُ اللَّهُ تَكْلِيمًا ، قَالَ : فَيَأْتُونَ مُوسَى فَيَقُولُ
لَسْت بِصَاحِبِ ذَلِكَ اذْهَبُوا إلَى عِيسَى كَلِمَةِ اللَّهِ وَرُوحِهِ
فَيَقُولُ عِيسَى لَسْت بِصَاحِبِ ذَلِكَ ائْتُوا مُحَمَّدًا فَيَأْتُونَ
مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَقُومُ فَيُؤْذَنُ لَهُ
وَتُرْسَلُ الْأَمَانَةُ وَالرَّحِمُ فَيَقُومَانِ جَنْبَتَيْ الصِّرَاطِ يَمِينًا
وَشِمَالًا فَيَمُرُّ أَوَّلُكُمْ كَالْبَرْقِ الْخَاطِفِ ، قَالَ :
قُلْت بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي أَيُّ شَيْءٍ كَالْبَرْقِ
؟ قَالَ أَلَمْ تَرَوْا إلَى الْبَرْقِ كَيْفَ يَمُرُّ وَيَرْجِعُ فِي طَرْفَةِ
عَيْنٍ ، ثُمَّ كَمَرِّ الرِّيحِ ثُمَّ كَمَرِّ الطَّيْرِ وَشَدِّ الرِّجَالِ
تَجْرِي بِهِمْ أَعْمَالُهُمْ وَنَبِيُّكُمْ قَائِمٌ عَلَى الصِّرَاطِ يَقُولُ
رَبِّ سَلِّمْ سَلِّمْ حَتَّى تَعْجِزَ أَعْمَالُ الْعِبَادِ حَتَّى يَجِيءَ
الرَّجُلُ فَلَا يَسْتَطِيعُ إلَّا زَحْفًا وَفِي حَافَّتَيْ الصِّرَاطِ
كَلَالِيبُ مُعَلَّقَةٌ مَأْمُورَةٌ تَأْخُذُ مَنْ أُمِرَتْ بِهِ فَمَخْدُوشٌ
نَاجٍ وَمَكْدُوشٌ فِي النَّارِ ، وَاَلَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ إنَّ قَعْرَ
جَهَنَّمَ لَسَبْعِينَ خَرِيفًا
} .
وَالشَّيْخَانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ قَالَ : { كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي
دَعْوَةٍ فَرُفِعَ إلَيْهِ الذِّرَاعُ وَكَانَتْ تُعْجِبُهُ فَنَهَشَ مِنْهَا
نَهْشَةً وَقَالَ أَنَا سَيِّدُ النَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ هَلْ تَدْرُونَ
مِمَّ ذَاكَ ؟ يَجْمَعُ اللَّهُ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ
فَيَبْصُرُهُمْ النَّاظِرُ وَيَسْمَعُهُمْ الدَّاعِي وَتَدْنُو مِنْهُمْ الشَّمْسُ
فَيَبْلُغُ النَّاسَ مِنْ الْغَمِّ وَالْكَرْبِ مَا لَا يُطِيقُونَ وَلَا يَحْتَمِلُونَ
فَيَقُولُ النَّاسُ أَلَا تَرَوْنَ إلَى مَا أَنْتُمْ فِيهِ - أَيْ إلَى مَا بَلَغَكُمْ - أَلَا
تَنْتَظِرُونَ مَنْ يَشْفَعُ لَكُمْ إلَى رَبِّكُمْ ؟ فَيَقُولُ بَعْضُ النَّاسِ لِبَعْضٍ
: ائْتُوا آدَمَ فَيَأْتُونَهُ فَيَقُولُونَ يَا آدَم أَنْتَ أَبُو الْبَشَرِ
خَلَقَك اللَّهُ بِيَدِهِ وَنَفَخَ فِيك مِنْ رُوحِهِ وَأَمَرَ الْمَلَائِكَةَ فَسَجَدُوا
لَك وَأَسْكَنَك الْجَنَّةَ أَلَا تَشْفَعُ لَنَا إلَى رَبِّك أَلَا تَرَى إلَى
مَا نَحْنُ فِيهِ وَمَا بَلَغَنَا ، أَوْ قَالَ : أَلَا تَرَى إلَى مَا قَدْ
بَلَغَنَا ؟ فَيَقُولُ إنَّ رَبِّي قَدْ غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ
قَبْلَهُ مِثْلَهُ وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ وَإِنَّهُ نَهَانِي عَنْ
الشَّجَرَةِ فَعَصَيْته نَفْسِي نَفْسِي نَفْسِي اذْهَبُوا إلَى غَيْرِي اذْهَبُوا
إلَى نُوحٍ .
فَيَأْتُونَ نُوحًا فَيَقُولُونَ يَا نُوحُ أَنْتَ
أَوَّلُ الرُّسُلِ إلَى أَهْلِ الْأَرْضِ وَقَدْ سَمَّاك اللَّهُ
عَبْدًا شَكُورًا اشْفَعْ لَنَا إلَى رَبِّك أَفَلَا
تَرَى مَا نَحْنُ فِيهِ أَلَا تَرَى مَا بَلَغَنَا ، فَيَقُولُ لَهُمْ نُوحٌ إنَّ
رَبِّي غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ وَلَنْ يَغْضَبَ
بَعْدَهُ مِثْلَهُ وَإِنَّهُ قَدْ كَانَتْ لِي دَعْوَةٌ دَعَوْت بِهَا عَلَى
قَوْمِي نَفْسِي نَفْسِي نَفْسِي اذْهَبُوا إلَى غَيْرِي اذْهَبُوا إلَى
إبْرَاهِيمَ ، فَيَأْتُونَ إبْرَاهِيمَ فَيَقُولُونَ يَا إبْرَاهِيمُ أَنْتَ
نَبِيُّ اللَّهِ وَخَلِيلُهُ مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ اشْفَعْ لَنَا إلَى رَبِّك
أَلَا تَرَى مَا نَحْنُ فِيهِ أَلَا تَرَى مَا قَدْ بَلَغَنَا ؟ فَيَقُولُ : إنَّ
رَبِّي غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ وَلَنْ يَغْضَبَ
بَعْدَهُ مِثْلَهُ وَإِنِّي كُنْت كَذَبْت ثَلَاثَ كِذْبَاتٍ فَذَكَرَهَا نَفْسِي
نَفْسِي نَفْسِي اذْهَبُوا إلَى غَيْرِي اذْهَبُوا إلَى مُوسَى .
فَيَأْتُونَ مُوسَى فَيَقُولُونَ أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ
وَكَلِيمُهُ فَضَّلَك بِرِسَالَاتِهِ وَبِكَلَامِهِ عَلَى النَّاسِ اشْفَعْ لَنَا
إلَى رَبِّك أَلَا تَرَى إلَى مَا نَحْنُ فِيهِ أَلَا تَرَى إلَى مَا قَدْ
بَلَغَنَا فَيَقُولُ إنَّ رَبِّي غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ
مِثْلَهُ وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ ، وَإِنِّي قَتَلْت نَفْسًا لَمْ
أُومَرْ بِقَتْلِهَا نَفْسِي نَفْسِي نَفْسِي اذْهَبُوا إلَى غَيْرِي ، اذْهَبُوا
إلَى عِيسَى ، فَيَأْتُونَ إلَى عِيسَى فَيَقُولُونَ يَا عِيسَى أَنْتَ رَسُولُ
اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ وَكَلَّمْت
النَّاسَ فِي الْمَهْدِ اشْفَعْ لَنَا إلَى رَبِّك أَلَا تَرَى مَا نَحْنُ فِيهِ أَلَا
تَرَى مَا قَدْ بَلَغَنَا ، فَيَقُولُ عِيسَى إنَّ رَبِّي قَدْ غَضِبَ الْيَوْمَ
غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ
وَلَمْ يَذْكُرْ ذَنْبًا نَفْسِي نَفْسِي نَفْسِي اذْهَبُوا إلَى غَيْرِي
اذْهَبُوا إلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَأْتُونَ
مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَقُولُونَ يَا مُحَمَّدَ أَنْتَ
رَسُولُ اللَّهِ وَخَاتَمُ النَّبِيِّينَ وَقَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَك مَا تَقَدَّمَ
مِنْ ذَنْبِك وَمَا تَأَخَّرَ اشْفَعْ لَنَا إلَى رَبِّك أَلَا تَرَى
إلَى مَا نَحْنُ فِيهِ أَلَا تَرَى مَا قَدْ بَلَغَنَا ،
فَأَنْطَلِقُ فَآتِي تَحْتَ الْعَرْشِ فَأَقَعُ سَاجِدًا لِرَبِّي ثُمَّ يَفْتَحُ
اللَّهُ عَلَيَّ مِنْ مَحَامِدِهِ وَحُسْنِ الثَّنَاءِ عَلَيْهِ شَيْئًا لَمْ
يَفْتَحْهُ عَلَى أَحَدٍ قَبْلِي ، ثُمَّ يُقَالُ يَا مُحَمَّدُ ارْفَعْ رَأْسَك
وَسَلْ تُعْطَهُ وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ فَأَرْفَعُ رَأْسِي فَأَقُولُ يَا رَبِّ أُمَّتِي
يَا رَبِّ أُمَّتِي ، فَيَقُولُ يَا مُحَمَّدُ أَدْخِلْ مِنْ أُمَّتِك مَنْ لَا
حِسَابَ عَلَيْهِمْ مِنْ الْبَابِ الْأَيْمَنِ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ وَهُمْ
شُرَكَاءُ النَّاسِ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ مِنْ الْأَبْوَابِ ، ثُمَّ قَالَ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إنَّ مَا بَيْنَ الْمِصْرَاعَيْنِ
مِنْ مَصَارِيعِ الْجَنَّةِ لَكَمَا بَيْنَ مَكَّةَ وَهَجَرَ أَوْ كَمَا بَيْنَ مَكَّةَ
وَبُصْرَى } .
وَأَبُو دَاوُد وَالطَّبَرَانِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ فِي
صَحِيحِهِ وَالْبَيْهَقِيُّ : { شَفَاعَتِي لِأَهْلِ الْكَبَائِرِ مِنْ أُمَّتِي } .
وَأَحْمَدُ وَالطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ جَيِّدٍ : {
خُيِّرْت بَيْنَ الشَّفَاعَةِ أَوْ يَدْخُلُ نِصْفُ أُمَّتِي الْجَنَّةَ
فَاخْتَرْت الشَّفَاعَةَ لِأَنَّهَا أَعَمُّ وَأَكْفَى ، أَمَا إنَّهَا لَيْسَتْ
لِلْمُؤْمِنِينَ الْمُتَّقِينَ وَلَكِنَّهَا لِلْمُذْنِبِينَ الْخَاطِئِينَ
الْمَنْكُوبِينَ } .
الْأَمْرُ الثَّالِثُ فِي ذِكْرِ النَّارِ وَمَا
يَتَعَلَّقُ بِهَا أَعَاذَنَا اللَّهُ مِنْهَا بِمَنِّهِ وَكَرَمِهِ أَخْرَجَ
الْبُخَارِيُّ : { كَانَ أَكْثَرُ دُعَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ : { رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ
حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ
} } .
وَأَبُو يَعْلِي أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ خَطَبَ فَقَالَ : { لَا تَنْسَوْا الْعَظِيمَتَيْنِ الْجَنَّةَ وَالنَّارَ
ثُمَّ بَكَى حَتَّى جَرَى أَوْ بَلَّ دُمُوعُهُ جَانِبَيْ لِحْيَتِهِ ، ثُمَّ
قَالَ : وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ مِنْ أَمْرِ
الْآخِرَةِ لَمَشَيْتُمْ عَلَى الصَّعِيدِ وَلَحَثَيْتُمْ عَلَى رُءُوسِكُمْ
التُّرَابَ } .
وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ : { جَاءَ جِبْرِيلُ
إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حِينٍ غَيْرِ حِينِهِ
الَّذِي كَانَ يَأْتِيهِ فِيهِ فَقَامَ إلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : يَا جِبْرِيلُ مَا لِي أَرَاك مُتَغَيِّرَ اللَّوْنِ
؟ فَقَالَ : مَا جِئْتُك حَتَّى أَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِمَنَافِحِ النَّارِ ، فَقَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا جِبْرِيلُ صِفْ لِي
النَّارَ أَوْ انْعَتْ لِي جَهَنَّمَ ، فَقَالَ جِبْرِيلُ : إنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ
وَتَعَالَى أَمَرَ بِجَهَنَّمَ فَأُوقِدَ عَلَيْهَا أَلْفُ عَامٍ حَتَّى
ابْيَضَّتْ ؛ ثُمَّ أَمَرَ فَأُوقِدَ عَلَيْهَا أَلْفُ عَامٍ حَتَّى احْمَرَّتْ ،
ثُمَّ أَمَرَ فَأُوقِدَ عَلَيْهَا أَلْفُ عَامٍ حَتَّى اسْوَدَّتْ فَهِيَ
سَوْدَاءُ مُظْلِمَةٌ لَا يُضِيءُ شَرَرُهَا وَلَا يُطْفَأُ لَهَبُهَا ،
وَاَلَّذِي بَعَثَك بِالْحَقِّ نَبِيًّا لَوْ أَنَّ قَدْرَ ثَقْبِ إبْرَةٍ فُتِحَ
مِنْ جَهَنَّمَ لَمَاتَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا مِنْ حَرِّهِ ،
وَاَلَّذِي بَعَثَك بِالْحَقِّ لَوْ أَنَّ خَازِنًا مِنْ خَزَنَةِ جَهَنَّمَ
بَرَزَ إلَى أَهْلِ الدُّنْيَا لَمَاتَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا
مِنْ حَرِّهِ ، وَاَلَّذِي بَعَثَك بِالْحَقِّ لَوْ أَنَّ خَازِنًا مِنْ خَزَنَةِ
جَهَنَّمَ بَرَزَ إلَى أَهْلِ الدُّنْيَا لَمَاتَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ
جَمِيعًا مِنْ قُبْحِ وَجْهِهِ وَمِنْ
نَتْنِ رِيحِهِ ، وَاَلَّذِي بَعَثَك بِالْحَقِّ لَوْ
أَنَّ حَلْقَةً مِنْ حِلَقِ سَلْسَلَةِ أَهْلِ النَّارِ الَّتِي نَعَتَ اللَّهُ
فِي كِتَابِهِ وُضِعَتْ عَلَى جِبَالِ الدُّنْيَا لَارْفَضَّتْ وَمَا تَقَارَّتْ
حَتَّى تَنْتَهِيَ إلَى الْأَرْضِ السُّفْلَى ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : حَسْبِي يَا جِبْرِيلُ لَا يَنْصَدِعُ قَلْبِي فَأَمُوتُ ،
قَالَ : فَنَظَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى
جِبْرِيلَ وَهُوَ يَبْكِي ، فَقَالَ تَبْكِي يَا جِبْرِيلُ وَأَنْتَ مِنْ اللَّهِ
بِالْمَكَانِ الَّذِي أَنْتَ بِهِ ؟ فَقَالَ : وَمَا لِي لَا أَبْكِي وَأَنَا
أَحَقُّ بِالْبُكَاءِ لَعَلِّي أَكُونُ فِي عِلْمِ اللَّهِ عَلَى غَيْرِ الْحَالِ
الَّتِي أَنَا عَلَيْهَا ، وَمَا أَدْرِي لَعَلِّي أُبْتَلَى بِمَا اُبْتُلِيَ
بِهِ إبْلِيسُ فَقَدْ كَانَ مِنْ الْمَلَائِكَةِ .
وَمَا أَدْرِي لَعَلِّي أُبْتَلَى بِمَا اُبْتُلِيَ بِهِ
هَارُوتُ وَمَارُوتُ ، قَالَ : فَبَكَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَبَكَى جِبْرِيلُ فَمَا زَالَا يَبْكِيَانِ حَتَّى نُودِيَا أَنْ يَا
جِبْرِيلُ وَيَا مُحَمَّدُ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ أَمَّنَكُمَا أَنْ
تَعْصِيَاهُ ، فَارْتَفَعَ جِبْرِيلُ وَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَرَّ بِقَوْمٍ مِنْ الْأَنْصَارِ يَضْحَكُونَ وَيَلْعَبُونَ
فَقَالَ : أَتَضْحَكُونَ وَوَرَاءَكُمْ جَهَنَّمُ ؟ فَلَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ
لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا وَلَمَا أَسَغْتُمْ الطَّعَامَ
وَالشَّرَابَ وَلَخَرَجْتُمْ إلَى الصُّعُدَاتِ تَجْأَرُونَ إلَى اللَّهِ عَزَّ
وَجَلَّ ، فَنُودِيَ يَا مُحَمَّدُ لَا تُقَنِّطْ عِبَادِي إنَّمَا بَعَثْتُك
مُبَشِّرًا وَلَمْ أَبْعَثْك مُعَسِّرًا ، فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ : سَدِّدُوا وَقَارِبُوا
} .
وَأَحْمَدُ مِنْ رِوَايَةِ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ
وَبَقِيَّةُ رُوَاتِهِ ثِقَاتٌ
{ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ
لِجِبْرِيلَ : مَا لِي لَا أَرَى مِيكَائِيلَ ضَاحِكًا قَطُّ ؟ قَالَ مَا ضَحِكَ
مِيكَائِيلُ مُنْذُ خُلِقَتْ النَّارُ
} .
وَابْنُ مَاجَهْ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ : { إنَّ
نَارَكُمْ هَذِهِ جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ
جُزْءًا مِنْ نَارِ جَهَنَّمَ ، وَلَوْلَا أَنَّهَا
أُطْفِئَتْ بِالنَّارِ مَرَّتَيْنِ لَمَا انْتَفَعْتُمْ بِهَا وَإِنَّهَا
لَتَدْعُو اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ لَا يُعِيدَهَا فِيهَا } .
وَمُسْلِمٌ : { يُؤْتَى بِجَهَنَّمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
لَهَا سَبْعُونَ أَلْفِ زِمَامٍ مَعَ كُلِّ زِمَامٍ سَبْعُونَ أَلْفِ مَلَكٍ
يَجُرُّونَهَا } .
وَمَالِكٌ وَالشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا : { نَارُكُمْ
هَذِهِ الَّتِي يُوقِدُ بِهَا بَنُو آدَمَ جُزْءٌ وَاحِدٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءًا
مِنْ نَارِ جَهَنَّمَ ، قَالُوا وَاَللَّهِ إنْ كَانَتْ لَكَافِيَةً ، قَالَ
إنَّهَا فُضِّلَتْ عَلَيْهَا بِتِسْعَةٍ وَسِتِّينَ جُزْءًا كُلُّهُنَّ مِثْلُ
حَرِّهَا } .
زَادَ أَحْمَدُ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ
وَالْبَيْهَقِيُّ : { وَضُرِبَتْ بِالْبَحْرِ مَرَّتَيْنِ وَلَوْلَا ذَلِكَ مَا
جَعَلَ اللَّهُ فِيهَا مَنْفَعَةً لِأَحَدٍ } .
وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ : { إنَّ هَذِهِ
النَّارَ جُزْءٌ مِنْ مِائَةِ جُزْءٍ مِنْ جَهَنَّمَ } .
وَأَبُو يَعْلَى بِسَنَدٍ حَسَنٍ : { لَوْ كَانَ فِي
هَذَا الْمَسْجِدِ مِائَةُ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ وَفِيهِمْ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ
النَّارِ فَتَنَفَّسَ فَأَصَابَهُمْ نَفَسُهُ لَأَحْرَقَ الْمَسْجِدَ وَمَنْ فِيهِ } .
أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ
وَصَحَّحَهُ وَاللَّفْظُ لَهُ :
{ لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ تَعَالَى الْجَنَّةَ وَالنَّارَ
أَرْسَلَ جِبْرِيلَ إلَى الْجَنَّةِ ، فَقَالَ اُنْظُرْ إلَيْهَا وَإِلَى مَا
أَعْدَدْت لِأَهْلِهَا فِيهَا فَجَاءَ وَنَظَرَ إلَيْهَا وَإِلَى مَا أَعَدَّ
اللَّهُ لِأَهْلِهَا فِيهَا فَرَجَعَ إلَيْهِ فَقَالَ : وَعِزَّتِك لَا يَسْمَعُ بِهَا
أَحَدٌ إلَّا دَخَلَهَا فَأَمَرَ بِهَا فَحُفَّتْ بِالْمَكَارِهِ ، فَقَالَ
ارْجِعْ فَانْظُرْ إلَى مَا أَعْدَدْت لِأَهْلِهَا فِيهَا فَرَجَعَ إلَيْهَا
فَإِذَا هِيَ قَدْ حُفَّتْ بِالْمَكَارِهِ فَرَجَعَ إلَيْهِ وَقَالَ : وَعِزَّتِك
لَقَدْ خِفْت أَنْ لَا يَدْخُلَهَا أَحَدٌ ، فَقَالَ اذْهَبْ إلَى النَّارِ
فَانْظُرْ إلَيْهَا وَإِلَى مَا أَعْدَدْت لِأَهْلِهَا فِيهَا فَنَظَرَ إلَيْهَا
فَإِذَا هِيَ يَرْكَبُ بَعْضُهَا بَعْضًا فَرَجَعَ إلَيْهِ فَقَالَ : وَعِزَّتِك
لَا يَسْمَعُ بِهَا أَحَدٌ فَيَدْخُلُهَا فَأَمَرَ بِهَا
فَحُفَّتْ بِالشَّهَوَاتِ فَقَالَ ارْجِعْ إلَيْهَا فَرَجَعَ
إلَيْهَا فَقَالَ : وَعِزَّتِك لَقَدْ خَشِيت أَنْ لَا يَبْقَى أَحَدٌ إلَّا
دَخَلَهَا } .
وَالْبَيْهَقِيُّ بِسَنَدٍ لَا بَأْسَ بِهِ عَنْ ابْنِ
مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : { إنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ }
قَالَ : أَمَا إنِّي لَسْت أَقُولُ كَالشَّجَرِ وَلَكِنْ كَالْحُصُونِ
وَالْمَدَائِنِ " .
وَأَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ وَابْنُ حِبَّانَ فِي
صَحِيحِهِ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ
: { وَيْلٌ وَادٍ فِي جَهَنَّمَ يَهْوِي فِيهِ
الْكَافِرُ أَرْبَعِينَ خَرِيفًا قَبْلَ أَنْ يَبْلُغَ قَعْرَهُ } .
وَالتِّرْمِذِيُّ : { وَيْلٌ وَادٍ بَيْنَ جَبَلَيْنِ
يَهْوِي فِيهِ الْكَافِرُ سَبْعِينَ خَرِيفًا قَبْلَ أَنْ يَبْلُغَ قَعْرَهُ } .
وَابْنُ مَاجَهْ وَاللَّفْظُ لَهُ وَالتِّرْمِذِيُّ : {
تَعَوَّذُوا بِاَللَّهِ مِنْ جُبِّ الْحَزَنِ ، قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ
وَمَا جُبُّ الْحَزَنِ ؟ قَالَ
: وَادٍ فِي جَهَنَّمَ تَتَعَوَّذُ مِنْهُ جَهَنَّمُ
كُلَّ يَوْمٍ أَرْبَعَمِائَةِ مَرَّةٍ ، قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ
يَدْخُلُهُ ؟ قَالَ أُعِدَّ لِلْقُرَّاءِ الْمُرَائِينَ بِأَعْمَالِهِمْ ، وَإِنَّ
مِنْ أَبْغَضِ الْقُرَّاءِ إلَى اللَّهِ الَّذِينَ يَزُورُونَ الْأُمَرَاءَ الْجَوَرَةَ } .
وَالطَّبَرَانِيُّ : { إنَّ فِي جَهَنَّمَ لَوَادِيًا تَسْتَعِيذُ
جَهَنَّمُ مِنْ ذَلِكَ الْوَادِي كُلَّ يَوْمٍ أَرْبَعَمِائَةِ مَرَّةٍ أُعِدَّ
لِلْمُرَائِينَ مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ } .
وَابْنُ أَبِي الدُّنْيَا : { إنَّ فِي النَّارِ سَبْعِينَ
أَلْفِ وَادٍ فِي كُلِّ وَادٍ سَبْعُونَ أَلْفَ شِعْبٍ فِي كُلِّ شِعْبٍ سَبْعُونَ
أَلْفَ حَجَرٍ فِي كُلِّ حَجَرٍ حَيَّةٌ تَأْكُلُ وُجُوهَ أَهْلِ النَّارِ } .
وَالْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ بِسَنَدٍ فِيهِ
نَكَارَةٌ : { إنَّ فِي جَهَنَّمَ سَبْعِينَ أَلْفَ وَادٍ فِي كُلِّ وَادٍ
سَبْعُونَ أَلْفَ شِعْبٍ فِي كُلِّ شِعْبٍ سَبْعُونَ أَلْفَ دَارٍ فِي كُلِّ دَارٍ
سَبْعُونَ أَلْفَ بَيْتٍ فِي كُلِّ بَيْتٍ سَبْعُونَ أَلْفَ بِئْرٍ وَفِي كُلِّ
بِئْرٍ سَبْعُونَ أَلْفَ ثُعْبَانٍ فِي شِدْقِ كُلِّ ثُعْبَانٍ سَبْعُونَ أَلْفَ
عَقْرَبٍ لَا يَنْتَهِي الْكَافِرُ أَوْ الْمُنَافِقُ حَتَّى يُوَاقِعَ ذَلِكَ
كُلَّهُ
} .
وَالتِّرْمِذِيُّ بِسَنَدٍ فِيهِ انْقِطَاعٌ : { إنَّ
الصَّخْرَةَ الْعَظِيمَةَ لَتُلْقَى مِنْ شَفِيرِ جَهَنَّمَ فَتَهْوِي فِيهَا
سَبْعِينَ خَرِيفًا وَمَا تُفْضِي إلَى قَرَارِهَا } .
وَكَانَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ : أَكْثِرُوا
ذِكْرَ النَّارِ فَإِنَّ حُرَّهَا شَدِيدٌ وَإِنَّ قَعْرَهَا بَعِيدٌ وَإِنَّ
مَقَامِعَهَا حَدِيدٌ .
وَالْبَزَّارُ وَأَبُو يَعْلَى وَابْنُ حِبَّانَ فِي
صَحِيحِهِ وَالْبَيْهَقِيُّ : { لَوْ أَنَّ حَجَرًا قُذِفَ بِهِ فِي جَهَنَّمَ
لَهَوَى بِهَا سَبْعِينَ خَرِيفًا قَبْلَ أَنْ يَبْلُغَ قَعْرَهَا } .
وَمُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
قَالَ { : كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَسَمِعْنَا وَجْبَةً فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
أَتَدْرُونَ مَا هَذَا ؟ قُلْنَا : اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ ، قَالَ : هَذَا
حَجَرٌ أَرْسَلَهُ اللَّهُ فِي جَهَنَّمَ مُنْذُ سَبْعِينَ خَرِيفًا فَالْآنَ
حِينَ انْتَهَى إلَى قَعْرِهَا
} .
وَالطَّبَرَانِيُّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : { سَمِعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ صَوْتًا هَالَهُ فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، فَقَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَا هَذَا الصَّوْتُ يَا جِبْرِيلُ ؟
فَقَالَ : هَذِهِ صَخْرَةٌ هَوَتْ مِنْ شَفِيرِ جَهَنَّمَ مِنْ سَبْعِينَ عَامًا
فَهَذَا حِينَ بَلَغَتْ قَعْرَهَا فَأَحَبَّ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ يُسْمِعَك
صَوْتَهَا .
فَمَا رُئِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ ضَاحِكًا مِلْءَ فِيهِ حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ } .
وَأَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ : { لَوْ أَنَّ
رَصَاصَةً مِثْلَ هَذِهِ وَأَشَارَ إلَى الْجُمْجُمَةِ أُرْسِلَتْ مِنْ السَّمَاءِ
إلَى الْأَرْضِ وَهِيَ مَسِيرَةُ خَمْسِمِائَةِ سَنَةٍ لَبَلَغَتْ الْأَرْضَ
قَبْلَ اللَّيْلِ وَلَوْ أَنَّهَا أُرْسِلَتْ مِنْ رَأْسِ السِّلْسِلَةِ لَسَارَتْ
أَرْبَعِينَ خَرِيفًا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ قَبْلَ أَنْ تَبْلُغَ أَصْلَهَا } .
وَأَحْمَدُ وَأَبُو يَعْلَى وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ :
{ لَوْ أَنَّ مِقْمَعًا مِنْ حَدِيدِ جَهَنَّمَ وُضِعَ فِي
الْأَرْضِ فَاجْتَمَعَ لَهُ الثَّقَلَانِ مَا أَقَلُّوهُ
مِنْ الْأَرْضِ } .
وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ : { لَوْ ضُرِبَ الْجَبَلُ
بِمِقْمَعٍ مِنْ حَدِيدِ جَهَنَّمَ لَتَفَتَّتَ فَصَارَ رَمَادًا } الْمِقْمَعُ
الْمِطْرَاقُ ، وَقِيلَ السَّوْطُ
.
وَابْنُ أَبِي الدُّنْيَا : { إنَّ الْحَجَرَ الْوَاحِدَ
مِنْهَا لَوْ وُضِعَ عَلَى جِبَالِ الدُّنْيَا لَذَابَتْ مِنْهُ وَإِنَّ مَعَ
كُلِّ إنْسَانٍ مِنْهُمْ حَجَرًا وَشَيْطَانًا } .
وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ : { إنَّ الْأَرْضِينَ
السَّبْعَ بَيْنَ كُلِّ أَرْضٍ وَاَلَّتِي تَلِيهَا مَسِيرَةُ خَمْسِمِائَةِ عَامٍ
؛ فَالْعُلْيَا مِنْهَا عَلَى ظَهْرِ حُوتٍ قَدْ الْتَقَى طَرَفَاهُ فِي
السَّمَاءِ ، وَالْحُوتُ عَلَى صَخْرَةٍ وَالصَّخْرَةُ بِيَدِ مَلَكٍ ،
وَالثَّانِيَةُ سِجْنُ الرِّيحِ ؛ فَلَمَّا أَرَادَ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ
يُهْلِكَ عَادًا أَمَرَ خَازِنَ الرِّيحِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْهِمْ رِيحًا
تُهْلِكُهُمْ .
قَالَ :
يَا رَبِّ أُرْسَلُ عَلَيْهِمْ مِنْ الرِّيحِ قَدْرَ
مَنْخَرِ الثَّوْرِ ؟ قَالَ لَهُ الْجَبَّارُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : إذَنْ
تَكْفِيءُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا ، وَلَكِنْ أَرْسِلْ عَلَيْهِمْ بِقَدْرِ خَاتَمٍ
فَهِيَ الَّتِي قَالَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ { مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ
أَتَتْ عَلَيْهِ إلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ } .
وَالثَّالِثَةُ فِيهَا حِجَارَةُ جَهَنَّمَ ،
وَالرَّابِعَةُ فِيهَا كِبْرِيتُ جَهَنَّمَ ، قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ :
أَلِلنَّارِ كِبْرِيتٌ ؟ قَالَ : نَعَمْ وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إنَّ فِيهَا
الْأَوْدِيَةَ مِنْ كِبْرِيتٍ لَوْ أُرْسِلَ فِيهَا الْجِبَالُ الرَّوَاسِي
لَمَاعَتْ ، وَالْخَامِسَةُ فِيهَا حَيَّاتُ جَهَنَّمَ إنَّ أَفْوَاهَهَا
كَالْأَوْدِيَةِ تَلْسَعُ الْكَافِرَ اللَّسْعَةَ فَلَا يَبْقَى مِنْهُ لَحْمٌ
عَلَى عَظْمٍ السَّادِسَةُ فِيهَا عَقَارِبُ جَهَنَّمَ إنَّ أَدْنَى عَقْرَبٍ
مِنْهَا كَالْبِغَالِ الْمُوكَفَةِ تَضْرِبُ الْكَافِرَ ضَرْبَةً تُنْسِيهِ ضَرْبَتَهَا
حَرُّ جَهَنَّمَ ، وَالسَّابِعَةُ فِيهَا إبْلِيسُ مُصَفَّدٌ بِالْحَدِيدِ يَدٌ
أَمَامَهُ وَيَدٌ خَلْفَهُ فَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يُطْلِقَهُ لِمَنْ شَاءَ
مِنْ عِبَادِهِ أَطْلَقَهُ } .
وَأَحْمَدُ وَالطَّبَرَانِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ
فِي صَحِيحِهِ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ : { إنَّ فِي
النَّارِ حَيَّاتٍ كَأَمْثَالِ أَعْنَاقِ عَيَنٍ تَلْسَعُ إحْدَاهُنَّ اللَّسْعَةَ
فَيَجِدُ حَمْوَهَا سَبْعِينَ خَرِيفًا ، وَإِنَّ فِي النَّارِ عَقَارِبَ كَأَمْثَالِ
الْبِغَالِ الْمُوكَفَةِ تَلْسَعُ إحْدَاهُنَّ اللَّسْعَةَ فَيَجِدُ حَرَّهَا
أَرْبَعِينَ سَنَةً } .
وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ
وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ { عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي
قَوْلِهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { كَالْمُهْلِ } قَالَ : كَعَكَرِ الزَّيْتِ فَإِذَا
قُرِّبَ إلَى وَجْهِهِ سَقَطَ فَرْوَةُ وَجْهِهِ فِيهِ } .
وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ غَرِيبٌ صَحِيحٌ : { إنَّ
الْحَمِيمَ لَيُصَبُّ عَلَى رُءُوسِهِمْ فَيَنْفُذُ الْحَمِيمُ حَتَّى يَخْلُصَ
إلَى جَوْفِهِ فَيَسْلُتُ مَا فِي جَوْفِهِ حَتَّى يَمْرُقَ مِنْ قَدَمَيْهِ
وَهُوَ الصَّهْرُ ثُمَّ يُعَادُ كَمَا كَانَ } ،
وَالْحَمِيمُ الْمَاءُ الْحَارُّ الَّذِي يَحْرِقُ .
وَقَالَ الضَّحَّاكُ : الْحَمِيمُ يَغْلِي مُنْذُ خَلَقَ
اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ إلَى يَوْمِ يُسْقَوْنَهُ وَيُصَبُّ عَلَى
رُءُوسِهِمْ ، وَقِيلَ هُوَ مَا يَجْتَمِعُ مِنْ دُمُوعِ أَعْيُنِهِمْ فِي حِيَاضِ
النَّارِ فَيُسْقَوْنَهُ ، وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي قَوْلِهِ
تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ } .
وَأَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ غَرِيبٌ وَالْحَاكِمُ
وَقَالَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ عَنْهُ { صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فِي قَوْله تَعَالَى : { وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ يَتَجَرَّعُهُ
وَلَا يَكَادُ يُسِيغُهُ } قَالَ : يُقَرَّبُ إلَى فِيهِ فَيَكْرَهُهُ فَإِذَا
دَنَا مِنْهُ شَوَى وَجْهَهُ وَوَقَعَتْ فَرْوَةُ رَأْسِهِ ، فَإِذَا شَرِبَهُ
قَطَّعَ أَمْعَاءَهُ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ دُبُرِهِ ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ
: { وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ } وَقَالَ جَلَّ ذِكْرُهُ :
{ وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ } } .
وَأَحْمَدُ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ : { لَوْ أَنَّ
دَلْوًا مِنْ غَسَّاقٍ يُهْرَاقُ فِي الدُّنْيَا لَأَنْتَنَ أَهْلَ الدُّنْيَا }
وَالْغَسَّاقُ هُوَ الْمَذْكُورُ فِي قَوْله تَعَالَى :
{ فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ } وقَوْله تَعَالَى : { إلَّا حَمِيمًا
وَغَسَّاقًا } وَاخْتُلِفَ فِيهِ ؛ فَعِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُمَا هُوَ مَا يَسِيلُ مِنْ جِلْدِ الْكَافِرِ وَنَحْوِهِ ، وَعِنْدَ الْآخَرِينَ
هُوَ صَدِيدُهُمْ .
وَقَالَ كَعْبٌ : هُوَ عَيْنٌ فِي جَهَنَّمَ يَسِيلُ
إلَيْهَا حُمَةُ كُلِّ ذَاتِ حُمَةٍ مِنْ حَيَّةٍ أَوْ عَقْرَبٍ أَوْ غَيْرِ
ذَلِكَ فَيَسْتَنْقِعُ فَيُؤْتَى بِالْآدَمِيِّ فَيُغْمَسُ فِيهَا غَمْسَةً
وَاحِدَةً فَيَخْرُجُ وَقَدْ سَقَطَ جِلْدُهُ وَلَحْمُهُ عَنْ الْعِظَامِ
وَيَتَعَلَّقُ جِلْدُهُ وَلَحْمُهُ فِي عَقِبَيْهِ وَكَعْبَيْهِ فَيَجُرُّ
لَحْمَهُ كَمَا يَجُرُّ الْمَرْءُ ثَوْبَهُ .
وَالتِّرْمِذِيُّ : وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ : { أَنَّهُ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ { اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ
تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ } فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ : لَوْ أَنَّ قَطْرَةً مِنْ الزَّقُّومِ قُطِرَتْ فِي دَارِ الدُّنْيَا
لَأَفْسَدَتْ عَلَى أَهْلِ الدُّنْيَا مَعَايِشَهُمْ فَكَيْفَ بِمَنْ يَكُونُ
طَعَامَهُ } ، وَفِي رِوَايَةٍ : { فَكَيْفَ بِمَنْ لَيْسَ لَهُ طَعَامٌ غَيْرَهُ } .
وَصَحَّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا
فِي قَوْله تَعَالَى : { وَطَعَامًا ذَا غُصَّةٍ } شَوْكٌ يَأْخُذُ بِالْحَلْقِ لَا
يَدْخُلُ وَلَا يَخْرُجُ .
وَالشَّيْخَانِ : { مَا بَيْنَ مَنْكِبَيْ الْكَافِرِ مَسِيرَةُ
ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ لِلرَّاكِبِ الْمُسْرِعِ } - وَالْمَنْكِبُ مَجْمَعُ رَأْسِ
الْكَتِفِ وَالْعَضُدِ .
وَأَحْمَدُ : { ضِرْسُ الْكَافِرِ مِثْلُ أُحُدٍ
وَفَخِذُهُ مِثْلُ الْبَيْضَاءِ - أَيْ وَهُوَ جَبَلٌ - وَمَقْعَدُهُ مِنْ
النَّارِ كَمَا بَيْنَ قُدَيْدٍ وَمَكَّةَ - أَيْ نَحْوِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ -
وَكَثَافَةُ جِلْدِهِ اثْنَانِ وَأَرْبَعُونَ ذِرَاعًا بِذِرَاعِ الْجَبَّارِ }
أَيْ مَلِكٌ بِالْيَمَنِ لَهُ ذِرَاعٌ مَعْرُوفُ الْمِقْدَارِ ، كَذَا قَالَ ابْنُ
حِبَّانَ وَغَيْرُهُ ، وَقِيلَ مَلِكٌ بِالْعَجَمِ .
وَمُسْلِمٌ : { ضِرْسُ أَوْ قَالَ نَابُ الْكَافِرِ
مِثْلُ أُحُدٍ وَغِلَظُ جِلْدِهِ مَسِيرَةُ ثَلَاثٍ } .
وَالتِّرْمِذِيُّ
وَلَفْظُهُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { ضِرْسُ الْكَافِرِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِثْلُ أُحُدٍ
وَفَخِذُهُ مِثْلُ الْبَيْضَاءِ وَمَقْعَدُهُ مِنْ النَّارِ مَسِيرَةُ ثَلَاثٍ
مِنْ الرَّبَذَةِ } أَيْ كَمَا بَيْنَ الْمَدِينَةِ وَالرَّبَذَةِ .
وَأَحْمَدُ بِسَنَدٍ جَيِّدٍ : { ضِرْسُ الْكَافِرِ
يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِثْلُ أُحُدٍ وَعَرْضُ جِلْدِهِ سَبْعُونَ ذِرَاعًا
وَعَضُدُهُ مِثْلُ الْبَيْضَاءِ وَفَخِذُهُ مِثْلُ الْبَيْضَاءِ وَمَقْعَدُهُ مِنْ
النَّارِ مَا بَيْنِي وَبَيْنَ الرَّبَذَةِ } .
وَفِي رِوَايَةٍ : { وَمَقْعَدُهُ مِنْ النَّارِ
مَسِيرَةُ ثَلَاثٍ مِثْلُ الرَّبَذَةِ
} .
وَأَحْمَدُ وَالطَّبَرَانِيُّ وَإِسْنَادُهُ قَرِيبٌ
مِنْ الْحَسَنِ كَمَا قَالَهُ الْحَافِظُ الْمُنْذِرِيُّ .
وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ الْفُضَيْلِ بْنِ يَزِيدَ : {
إنَّ الْكَافِرَ لَيُسْحَبُ لِسَانُهُ الْفَرْسَخَ وَالْفَرْسَخَيْنِ
يَتَوَطَّؤُهُ النَّاسُ } .
وَالْفُضَيْلُ بْنُ يَزِيدَ عَنْ أَبِي جُمَّةِ : { إنَّ
الْكَافِرَ لَيُجَرُّ لِسَانُهُ فَرْسَخَيْنِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَتَوَطَّؤُهُ
النَّاسُ } .
أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ وَهُوَ الصَّوَابُ .
قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : {
يَعْظُمُ أَهْلُ النَّارِ حَتَّى إنَّ بَيْنَ شَحْمَةِ أُذُنِ أَحَدِهِمْ إلَى
عَاتِقِهِ مَسِيرَةَ سَبْعِمِائَةِ عَامٍ ، وَإِنَّ غِلَظَ جِلْدِهِ سَبْعُونَ ذِرَاعًا
، وَإِنَّ ضِرْسَهُ مِثْلُ أُحُدٍ
} .
وَأَحْمَدُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ
عَنْ مُجَاهِدٍ ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ
: { أَتَدْرِي مَا سِعَةُ جَهَنَّمَ ؟ قُلْت لَا .
قَالَ : أَجَلْ وَاَللَّهِ مَا نَدْرِي إنَّ بَيْنَ
شَحْمَةِ أُذُنِ أَحَدِهِمْ وَبَيْنَ عَاتِقِهِ مَسِيرَةَ سَبْعِينَ خَرِيفًا
تَجْرِي فِيهِ أَوْدِيَةُ الْقَيْحِ وَالدَّمِ ، قُلْت : أَنْهَارٌ ؟ قَالَ : لَا
بَلْ أَوْدِيَةٌ } .
وَأَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَاهُ
عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { { وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ }
، قَالَ : تَشْوِيهُ النَّارُ فَتُقَلَّصُ شَفَتُهُ الْعُلْيَا حَتَّى تَبْلُغَ وَسَطَ
رَأْسِهِ وَتَسْتَرْخِي السُّفْلَى حَتَّى تَضْرِبَ سُرَّتَهُ } .
قَالَ الْحَافِظُ الْمُنْذِرِيُّ وَقَدْ
وَرَدَ :
{ إنَّ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ مَنْ يَعْظُمُ فِي
النَّارِ كَمَا يَعْظُمُ فِيهَا الْكَافِرُ } ، وَمِنْهُ الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ :
{ إنَّ مِنْ أُمَّتِي مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ بِشَفَاعَتِهِ أَكْثَرُ مِنْ رَبِيعَةَ
وَمُضَرَ ، وَإِنَّ مِنْ أُمَّتِي مَنْ يَعْظُمُ لِلنَّارِ حَتَّى يَكُونَ أَحَدَ
زَوَايَاهَا } .
وَالشَّيْخَانِ : { إنَّ أَهْوَنَ النَّاسِ عَذَابًا
مَنْ لَهُ نَعْلَانِ وَشِرَاكَانِ مِنْ نَارٍ يَغْلِي مِنْهُمَا دِمَاغُهُ كَمَا
يَغْلِي الْمِرْجَلُ وَمَا يَرَى أَنَّ أَحَدًا أَشَدُّ مِنْهُ عَذَابًا وَإِنَّهُ
لَأَهْوَنُهُمْ عَذَابًا } .
وَمُسْلِمٌ :
{ إنَّ أَهْوَنَ أَهْلِ النَّارِ عَذَابًا أَبُو طَالِبٍ
وَهُوَ مُنْتَعِلٌ بِنَعْلَيْنِ يَغْلِي مِنْهُمَا دِمَاغُهُ } .
وَمُسْلِمٌ
: { مِنْهُمْ مَنْ تَأْخُذُهُ النَّارُ إلَى كَعْبَيْهِ
، وَمِنْهُمْ مَنْ تَأْخُذُهُ النَّارُ إلَى رُكْبَتَيْهِ ، وَمِنْهُمْ مَنْ
تَأْخُذُهُ النَّارُ إلَى حُجْزَتِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ تَأْخُذُهُ النَّارُ إلَى تَرْقُوَتِهِ } .
وَالطَّبَرَانِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ : { إنَّ جَهَنَّمَ
لَمَّا سِيقَ إلَيْهَا أَهْلُهَا تَلَقَّتْهُمْ فَلَفَحَتْهُمْ لَفْحَةً فَلَمْ
تَدَعْ لَحْمًا عَلَى عَظْمٍ إلَّا أَلْقَتْهُ عَلَى الْعُرْقُوبِ } .
وَالْبَيْهَقِيُّ : " إنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
قَرَأَ : { كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا
لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ } قَالَ : يَا كَعْبُ أَخْبَرَنِي بِتَفْسِيرِهَا فَإِنْ
صَدَقْت صَدَّقْتُك وَإِنْ كَذَبْت رَدَّدْت عَلَيْك ، فَقَالَ : إنَّ جِلْدَ
ابْنِ آدَمَ يُحْرَقُ وَيُجَدَّدُ فِي سَاعَةٍ أَوْ فِي يَوْمٍ سِتَّةَ آلَافِ
مَرَّةٍ ، قَالَ : صَدَقْت
" .
وَالْبَيْهَقِيُّ : " إنَّ الْحَسَنَ الْبَصْرِيَّ
قَالَ فِي الْآيَةِ : تَأْكُلُهُمْ النَّارُ فِي كُلِّ يَوْمٍ سَبْعِينَ أَلْفَ
مَرَّةٍ كُلَّمَا أَكَلَتْهُمْ قِيلَ لَهُمْ عُودُوا فَيَعُودُونَ كَمَا كَانُوا " .
وَمُسْلِمٌ
: { يُؤْتَى بِأَنْعَمِ أَهْلِ الدُّنْيَا مِنْ أَهْلِ
النَّارِ فَيُصْبَغُ فِي النَّارِ صِبْغَةً ثُمَّ يُقَالُ لَهُ يَا ابْنَ آدَمَ
هَلْ رَأَيْت خَيْرًا قَطُّ ؟ هَلْ مَرَّ بِك نَعِيمٌ قَطُّ ؟ فَيَقُولُ : لَا وَاَللَّهِ
يَا رَبِّ ، وَيُؤْتَى بِأَشَدِّ النَّارِ بُؤْسًا فِي
الدُّنْيَا مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَيُصْبَغُ صِبْغَةً
فِي الْجَنَّةِ فَيُقَالُ : يَا ابْنَ آدَمَ هَلْ مَرَّ بِك شِدَّةٌ قَطُّ ؟ فَيَقُولُ :
لَا وَاَللَّهِ يَا رَبِّ مَا مَرَّ بِي بُؤْسٌ قَطُّ وَلَا رَأَيْت شِدَّةً قَطُّ } .
وَابْنُ مَاجَهْ بِسَنَدٍ احْتَجَّ بِرُوَاتِهِ إلَّا
يَزِيدَ الرَّقَاشِيَّ .
الشَّيْخَانِ : { يُرْسَلُ الْبُكَاءُ عَلَى أَهْلِ
النَّارِ فَيَبْكُونَ حَتَّى تَنْقَطِعَ الدُّمُوعُ ثُمَّ يَبْكُونَ الدَّمَ
حَتَّى يَصِيرَ فِي وُجُوهِهِمْ كَهَيْئَةِ الْأُخْدُودِ لَوْ أُرْسِلَتْ فِيهَا
السُّفُنُ لَجَرَتْ } .
وَأَبُو يَعْلَى : { يَا أَيُّهَا النَّاسُ ابْكُوا
فَإِنْ لَمْ تَبْكُوا فَتَبَاكُوا فَإِنَّ أَهْلَ النَّارِ يَبْكُونَ فِي النَّارِ
حَتَّى تَسِيلَ دُمُوعُهُمْ فِي خُدُودِهِمْ كَأَنَّهَا جَدَاوِلُ حَتَّى
تَنْقَطِعَ الدُّمُوعُ فَيَسِيلُ - يَعْنِي الدَّمَ - فَتَقْرَحُ الْعُيُونُ } .
الْأَمْرُ الرَّابِعُ فِي الْجَنَّةِ وَنَعِيمِهَا وَمَا
يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ أَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ : { إنَّ رِيحَ الْجَنَّةِ يُوجَدُ
مِنْ مَسِيرَةِ أَلْفِ عَامٍ وَإِنَّهُ لَا يَجِدُهَا عَاقٌّ وَلَا قَاطِعُ رَحِمٍ } .
وَابْنُ أَبِي الدُّنْيَا مَرْفُوعًا وَالْبَيْهَقِيُّ
وَغَيْرُهُمَا مَوْقُوفًا وَهُوَ أَصَحُّ وَأَشْهَرُ عَنْ { عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ :
أَنَّهُ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ هَذِهِ
الْآيَةِ : { يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا } قَالَ :
قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا الْوَفْدُ إلَّا رَكْبٌ ، قَالَ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إنَّهُمْ إذَا خَرَجُوا مِنْ قُبُورِهِمْ
اُسْتُقْبِلُوا بِنُوقٍ بِيضٍ لَهَا أَجْنِحَةٌ عَلَيْهَا رِحَالُ الذَّهَبِ
شَرَكُ نِعَالِهِمْ نُورٌ يَتَلَأْلَأُ كُلُّ خُطْوَةٍ مِنْهَا مِثْلُ مَدِّ
الْبَصَرِ وَيَنْتَهِي إلَى بَابِ الْجَنَّةِ ، فَإِذَا حَلْقَةٌ مِنْ يَاقُوتَةٍ
حَمْرَاءَ عَلَى صَفَائِحِ الذَّهَبِ ، وَإِذَا شَجَرَةٌ عَلَى بَابِ الْجَنَّةِ
يَنْبُعُ مِنْ أَصْلِهَا عَيْنَانِ ، فَإِذَا شَرِبُوا مِنْ أَحَدِهَا جَرَتْ فِي
وُجُوهِهِمْ نَضْرَةُ النَّعِيمِ ، فَإِذَا تَوَضَّئُوا مِنْ الْأُخْرَى لَمْ
تَشْعَثْ شُعُورُهُمْ أَبَدًا ، فَيَضْرِبُونَ الْحَلْقَةَ بِالصَّفِيحَةِ فَلَوْ سَمِعْت
طَنِينَ الْحَلْقَةِ يَا عَلِيُّ فَيَبْلُغُ كُلَّ حَوْرَاءَ أَنَّ زَوْجَهَا قَدْ
أَقْبَلَ فَتَسْتَخِفُّهَا الْعَجَلَةُ فَتَبْعَثُ قَيِّمَهَا فَيَفْتَحُ لَهُ
الْبَابَ فَلَوْلَا أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ عَرَّفَهُ نَفْسَهُ لَخَرَّ لَهُ
سَاجِدًا مِمَّا يَرَى مِنْ النُّورِ وَالْبَهَاءِ ، فَيَقُولُ : أَنَا قَيِّمُك
الَّذِي وُكِّلْت بِأَمْرِك ، فَيَتْبَعُهُ وَيَقْفُو أَثَرَهُ فَيَأْتِي
زَوْجَتَهُ ، فَتَسْتَخِفُّهَا الْعَجَلَةُ فَتَخْرُجُ مِنْ الْخَيْمَةِ
فَتُعَانِقُهُ وَتَقُولُ : أَنْتَ حِبِّي وَأَنَا حِبُّك ، وَأَنَا الرَّاضِيَةُ
فَلَا أَسْخَطُ أَبَدًا ، وَأَنَا النَّاعِمَةُ فَلَا أَبَأْسُ أَبَدًا ، وَأَنَا الْخَالِدَةُ
فَلَا أَظَعْنُ أَبَدًا ، فَيَدْخُلُ بَيْتًا مِنْ أَسَاسِهِ إلَى سَقْفِهِ
مِائَةُ أَلْفِ ذِرَاعٍ مَبْنِيٌّ عَلَى جَنْدَلِ اللُّؤْلُؤِ وَالْيَاقُوتِ
طَرَائِقُ حُمْرٌ وَطَرَائِقُ صُفْرٌ وَطَرَائِقُ خُضْرٌ
مَا مِنْهَا طَرِيقَةٌ تُشَاكِلُ صَاحِبَتَهَا .
فَيَأْتِي الْأَرِيكَةَ فَإِذَا عَلَيْهَا سَرِيرٌ عَلَى
السَّرِيرِ سَبْعُونَ فِرَاشًا عَلَى كُلِّ فِرَاشٍ سَبْعُونَ زَوْجَةً عَلَى
كُلِّ زَوْجَةٍ سَبْعُونَ حُلَّةً يُرَى مُخُّ سَاقَيْهَا مِنْ وَرَاءِ بَاطِنِ
الْحُلَلِ يَقْضِي جِمَاعَهُنَّ فِي مِقْدَارِ لَيْلَةٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِنَّ أَنْهَارٌ
مُطَّرِدَةٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ صَافٍ لَيْسَ فِيهِ كَدَرٌ وَأَنْهَارٌ مِنْ
لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ بُطُونِ الْمَاشِيَةِ ،
وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى لَمْ يَخْرُجْ مِنْ بُطُونِ النَّحْلِ ،
وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ لَمْ تَعْصِرْهُ الرِّجَالُ
بِأَقْدَامِهَا ، فَإِذَا اشْتَهُوا الطَّعَامَ جَاءَتْهُمْ طَيْرٌ بِيضٌ
فَتَرْفَعُ أَجْنِحَتَهَا فَيَأْكُلُونَ مِنْ جُنُوبِهَا مِنْ أَيِّ الْأَلْوَانِ
شَاءُوا ثُمَّ تَطِيرُ فَتَذْهَبُ ، فِيهَا ثِمَارٌ مُتَدَلِّيَةٌ إذَا
اشْتَهُوهَا انْبَعَثَ الْغُصْنُ إلَيْهِمْ فَيَأْكُلُونَ مِنْ أَيِّ الثِّمَارِ
شَاءُوا إنْ شَاءَ قَائِمًا وَإِنْ شَاءَ قَاعِدًا وَإِنْ شَاءَ مُتَّكِئًا ،
وَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى : { وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ } وَبَيْنَ
أَيْدِيهِمْ خَدَمٌ كَاللُّؤْلُؤِ
.
} وَالشَّيْخَانِ : { إنَّ مَا بَيْنَ النَّفْخَتَيْنِ
أَرْبَعُونَ سَنَةً ثُمَّ يَنْزِلُ مَاءٌ مِنْ السَّمَاءِ فَيَنْبُتُونَ كَمَا
يَنْبُتُ الْبَقْلُ وَلَيْسَ مِنْ الْإِنْسَانِ شَيْءٌ لَا يَبْلَى إلَّا عَظْمًا
وَاحِدًا وَهُوَ عَجْبُ الذَّنَبِ مِنْهُ يُرَكَّبُ الْخَلْقُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ } .
وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَفِيهِ
مَنْ تُكَلِّمَ فِيهِ ، لَكِنْ أَخْرَجَ لَهُ الشَّيْخَانِ : { الْمَيِّتُ
يُبْعَثُ فِي ثِيَابِهِ الَّتِي يَمُوتُ فِيهَا } .
قَالَ الْحَافِظُ الْمُنْذِرِيُّ : قَدْ قَالَ كُلُّ
مَنْ وَقَفْت عَلَى كَلَامِهِ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ إنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ يُبْعَثُ
فِي ثِيَابِهِ الَّتِي قُبِضَ فِيهَا : أَيْ أَعْمَالُهُ .
قَالَ الْهَرَوِيُّ وَكَذَا الْحَدِيثُ الْآخَرُ : {
يُبْعَثُ الْعَبْدُ عَلَى مَا مَاتَ عَلَيْهِ } ، قَالَ : وَلَيْسَ قَوْلُ مَنْ
ذَهَبَ إلَى الْأَكْفَانِ بِشَيْءٍ لِأَنَّ الْمَيِّتَ إنَّمَا يُكَفَّنُ بَعْدَ الْمَوْتِ .
ا هـ
.
وَفِعْلُ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَاوِي الْحَدِيثِ
يَدُلُّ عَلَى إجْرَائِهِ عَلَى ظَاهِرِهِ وَأَنَّ الْمَيِّتَ يُبْعَثُ فِي
ثِيَابِهِ الَّتِي قُبِضَ فِيهَا ، وَفِي الصِّحَاحِ وَغَيْرِهَا : { إنَّ
النَّاسَ يُبْعَثُونَ عُرَاةً } انْتَهَى ، وَهَذَا وَاَلَّذِي قَبْلَهُ وَقَعَ
ذِكْرُهُمَا هُنَا سَهْوًا لَكِنَّ فِيهِمَا فَوَائِدَ .
وَابْنُ أَبِي الدُّنْيَا : { يُسَاقُ الَّذِينَ
اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إذَا انْتَهَوْا إلَى بَابٍ
مِنْ أَبْوَابِهَا وَجَدُوا عِنْدَهُ شَجَرَةً يَخْرُجُ مِنْ تَحْتِ سَاقِهَا عَيْنَانِ
تَجْرِيَانِ ، فَعَمَدُوا إلَى إحْدَاهُمَا كَأَنَّمَا مَرُّوا بِهَا فَشَرِبُوا
مِنْهَا فَأَذْهَبَتْ مَا فِي بُطُونِهِمْ مِنْ أَذًى أَوْ قَذًى أَوْ بَأْسٍ ،
ثُمَّ عَمَدُوا إلَى الْأُخْرَى فَتَطَهَّرُوا مِنْهَا فَجَرَتْ عَلَيْهِمْ نَضْرَةُ
النَّعِيمِ فَلَنْ تُغَيَّرَ أَبْشَارُهُمْ بَعْدَهَا أَبَدًا وَلَنْ تَشْعَثَ
أَشْعَارُهُمْ كَأَنَّمَا دُهِنُوا بِالدِّهَانِ ، ثُمَّ انْتَهَوْا إلَى خَزَنَةِ
الْجَنَّةِ فَقَالُوا : { سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ } ، قَالَ : ثُمَّ تَلَقَّاهُمْ الْوِلْدَانُ
يَطُوفُونَ بِهِمْ كَمَا يَطُوفُ وِلْدَانُ الدُّنْيَا
بِالْحَمِيمِ - أَيْ الْقَرِيبِ يَقْدُمُ مِنْ غَيْبَتِهِ
- فَيَقُولُونَ أَبْشِرُوا بِمَا أَعَدَّ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ الْكَرَامَةِ ،
قَالَ : ثُمَّ يَنْطَلِقُ غُلَامٌ مِنْ أُولَئِكَ الْوَلَدَانِ إلَى بَعْضِ
أَزْوَاجِهِ مِنْ الْحُورِ الْعِينِ ، فَيَقُولُ قَدْ جَاءَ فُلَانٌ بِاسْمِهِ
الَّذِي يُدْعَى بِهِ فِي الدُّنْيَا فَيَقُولُ أَنْتَ رَأَيْته ، فَيَقُولُ أَنَا
رَأَيْته وَهُوَ ذَا بِأَثَرِي فَيَسْتَخْفِ إحْدَاهُنَّ الْفَرَحُ حَتَّى تَقُومَ
عَلَى أُسْكُفَّةِ بَابِهَا ، فَإِذَا انْتَهَى إلَى بَابِ مَنْزِلِهِ نَظَرَ إلَى
أَيِّ شَيْءٍ أَسَاسُ بُنْيَانِهِ فَإِذَا جَنْدَلُ اللُّؤْلُؤِ فَوْقَهُ صَرْحٌ
أَخْضَرُ وَأَصْفَرُ وَأَحْمَرُ مِنْ كُلِّ لَوْنٍ ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَنَظَرَ
إلَى سَقْفِهِ فَإِذَا مِثْلُ الْبَرْقِ لَوْلَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدَّرَهُ
لَهُ لَذَهَبَ بِبَصَرِهِ ثُمَّ طَأْطَأَ رَأْسَهُ فَنَظَرَ إلَى أَزْوَاجِهِ .
{ وَأَكْوَابٌ مَوْضُوعَةٌ } أَيْ جَمْعُ كُوبٍ وَهُوَ كُوزٌ لَا
عُرْوَةَ لَهُ وَقِيلَ لَا خُرْطُومَ لَهُ فَإِذَا كَانَ لَهُ خُرْطُومٌ فَهُوَ
الْإِبْرِيقُ { وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ } أَيْ وَسَائِدُ { وَزَرَابِيُّ
مَبْثُوثَةٌ } أَيْ بُسُطٌ فَاخِرَةٌ فَنَظَرُوا فِي تِلْكَ النِّعَمِ ثُمَّ
اتَّكَئُوا { وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا
لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ } الْآيَةَ ، ثُمَّ يُنَادِي مُنَادٍ تَحْيَوْنَ
وَلَا تَمُوتُونَ أَبَدًا وَتُقِيمُونَ فَلَا تَظْعَنُونَ وَتَصِحُّونَ فَلَا
تَمْرَضُونَ أَبَدًا } .
وَالشَّيْخَانِ : { لَيَدْخُلَنَّ الْجَنَّةَ مِنْ
أُمَّتِي سَبْعُونَ أَلْفًا أَوْ سَبْعُمِائَةِ أَلْفٍ مُتَمَاسِكُونَ آخِذٌ
بَعْضُهُمْ بِيَدِ بَعْضٍ لَا يَدْخُلُ أَوَّلُهُمْ حَتَّى يَدْخُلَ آخِرُهُمْ
وُجُوهُهُمْ عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ } .
وَالشَّيْخَانِ : { إنَّ أَوَّلَ زُمْرَةٍ يَدْخُلُونَ
الْجَنَّةَ عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ وَاَلَّذِينَ يَلُونَهُمْ
عَلَى أَشَدِّ كَوْكَبٍ دُرِّيٍّ فِي السَّمَاءِ إضَاءَةً لَا يَبُولُونَ وَلَا
يَتَغَوَّطُونَ وَلَا يَمْتَخِطُونَ وَلَا يَتْفُلُونَ ، أَمْشَاطُهُمْ الذَّهَبُ
وَرَشْحُهُمْ الْمِسْكُ وَمَجَامِرُهُمْ الْأَلُوَّةُ
أَزْوَاجُهُمْ الْحُورُ الْعِينُ ، أَخْلَاقُهُمْ عَلَى
خُلُقِ رَجُلٍ وَاحِدٍ عَلَى صُورَةِ أَبِيهِمْ آدَمَ سِتُّونَ ذِرَاعًا فِي
السَّمَاءِ } ، وَفِي رِوَايَةٍ لَهُمَا : { لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ زَوْجَتَانِ
يُرَى مُخُّ سَاقِهِمَا مِنْ وَرَاءِ اللَّحْمِ ، لَا اخْتِلَافَ بَيْنَهُمْ وَلَا
تَبَاغُضَ قُلُوبُهُمْ عَلَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ يُسَبِّحُونَ اللَّهَ بُكْرَةً
وَعَشِيًّا } .
قَالَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ : خُلُقٌ بِضَمِّ الْخَاءِ وَأَبُو
كُرَيْبٍ بِفَتْحِهَا ، وَالْأَلُوَّةُ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَضَمِّهَا وَضَمِّ
اللَّامِ وَتَشْدِيدِ الْوَاوِ وَفَتْحِهَا مِنْ أَسْمَاءِ الْعُودِ الَّذِي
يُتَبَخَّرُ بِهِ ، وَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ : أَرَاهَا كَلِمَةً فَارِسِيَّةً
عُرِّبَتْ ، وَالْمَجَامِرُ جَمْعُ مِجْمَرٍ لِأَنَّهُ بِغَيْرِ هَاءٍ الْبَخُورُ
نَفْسُهُ وَبِهَاءٍ إنَاءُ الْبَخُورِ ، وَاسْتَشْكَلَهُ السُّهَيْلِيُّ بِأَنَّ
فِي بَعْضِ رِوَايَاتِ الْبُخَارِيِّ : وَوُقُودُ مَجَامِرِهِمْ الْأَلُوَّةُ ،
قَالَ يَعْنِي الْعُودَ .
ا هـ
.
وَلَا إشْكَالَ إنْ حُمِلَ هَذَا عَلَى التَّجَوُّزِ .
وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ غَرِيبُ : {
يَدْخُلُونَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ جُرْدًا مُرْدًا بِيضًا جِعَادًا
مُكَحَّلِينَ أَبْنَاءَ ثَلَاثٍ وَثَلَاثِينَ وَهُمْ عَلَى خَلْقِ آدَمَ سِتُّونَ
ذِرَاعًا فِي عَرْضِ تِسْعَةِ أَذْرُعٍ
} .
وَالْبَيْهَقِيُّ بِسَنَدٍ : { مَا مِنْ أَحَدٍ يَمُوتُ
سَقْطًا وَلَا هَرَمًا وَأَيُّمَا النَّاسِ فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ إلَّا بُعِثَ
ابْنَ ثَلَاثٍ وَثَلَاثِينَ سَنَةً فَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ كَانَ
عَلَى مَسْحَةِ آدَمَ وَصُورَةِ يُوسُفَ وَقَلْبِ أَيُّوبَ ، وَإِنْ كَانَ مِنْ
أَهْلِ النَّارِ عَظُمُوا أَوْ فَخُمُوا كَالْجِبَالِ } .
وَمُسْلِمٌ : { إنَّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ سَأَلَ
رَبَّهُ مَا أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنْزِلَةً ؟ قَالَ : رَجُلٌ يَجِيءُ
بَعْدَمَا أُدْخِلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ فَيُقَالُ لَهُ اُدْخُلْ
الْجَنَّةَ فَيَقُولُ : أَيْ رَبِّ كَيْفَ وَقَدْ نَزَلَ النَّاسُ مَنَازِلَهُمْ
وَأَخَذُوا أَخَذَاتِهِمْ ، فَيُقَالُ لَهُ أَتَرْضَى أَنْ يَكُونَ لَك مِثْلُ
مُلْكِ مَلِكٍ مِنْ مُلُوكِ الدُّنْيَا ، فَيَقُولُ رَضِيت رَبِّ فَيَقُولُ لَهُ
لَك مِثْلُ ذَلِكَ وَمِثْلُهُ وَمِثْلُهُ وَمِثْلُهُ ، فَقَالَ فِي الْخَامِسَةِ
رَضِيت رَبِّ فَيَقُولُ هَذَا لَك وَعَشَرَةُ أَمْثَالِهِ وَلَك مَا اشْتَهَتْ
نَفْسُك وَلَذَّتْ عَيْنُك فَيَقُولُ رَضِيت رَبِّ ، قَالَ : رَبِّ فَأَعْلَاهُمْ
مَنْزِلَةً ؟ قَالَ : أُولَئِكَ الَّذِينَ أَرَدْت غَرَسْت كَرَامَتَهُمْ بِيَدِي
وَخَتَمْت عَلَيْهَا فَلَمْ تَرَ عَيْنٌ وَلَمْ تَسْمَعْ أُذُنٌ وَلَمْ يَخْطُرْ عَلَى
قَلْبِ بَشَرٍ } .
وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ فِي الْأَدْنَى : { أَنَّهُ إذَا
انْقَطَعَتْ بِهِ الْأَمَانِيُّ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : هُوَ لَك وَعَشَرَةُ أَمْثَالِهِ
وَأَنَّهُ يَقُولُ مَا أُعْطِيَ أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُعْطِيت } .
وَفِي رِوَايَةٍ سَنَدُهَا صَحِيحٌ بِرُوَاتِهَا فِي
الصَّحِيحِ : { إلَّا وَاحِدًا إنَّهُ يَتَمَنَّى مِقْدَارَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ
مِنْ أَيَّامِ الدُّنْيَا وَيُلَقِّنُهُ اللَّهُ مَا لَا عِلْمَ لَهُ بِهِ
فَيَسْأَلُهُ وَيَتَمَنَّى فَإِذَا فَرَغَ قَالَ لَك مَا سَأَلْت } .
قَالَ أَبُو سَعِيدٍ : { وَمِثْلُهُ مَعَهُ } وَقَالَ
أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا { وَعَشَرَةُ أَمْثَالِهِ مَعَهُ }
فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ : حَدِّثْ بِمَا سَمِعْت وَأُحْدِثُ بِمَا
سَمِعْت ، وَهُوَ فِي الْبُخَارِيِّ بِنَحْوِهِ إلَّا أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ هُوَ
الْقَائِلُ وَمِثْلُهُ وَأَبَا سَعِيدٍ هُوَ الْقَائِلُ : وَعَشَرَةُ أَمْثَالِهِ
عَلَى الْعَكْسِ وَتَقَدَّمَ قَرِيبًا
.
وَأَحْمَدُ : { إنَّ أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ
مَنْزِلَةً لَيَنْظُرُ فِي مُلْكِهِ أَلْفَ سَنَةٍ فَيَرَى أَقْصَاهُ كَمَا يَرَى أَدْنَاهُ
يَنْظُرُ إلَى أَزْوَاجِهِ وَخَدَمِهِ } رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ : { وَإِنَّ
أَفْضَلَهُمْ مَنْزِلَةً لَمَنْ يَنْظُرُ إلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي
كُلِّ يَوْمٍ مَرَّتَيْنِ } .
وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ : {
إنَّ أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنْزِلَةً الَّذِي لَهُ ثَمَانُونَ أَلْفَ
خَادِمٍ وَاثْنَانِ وَسَبْعُونَ زَوْجَةً وَيُنْصَبُ لَهُ قُبَّةٌ مِنْ لُؤْلُؤٍ
وَزَبَرْجَدٍ وَيَاقُوتٍ كَمَا بَيْنَ الْجَابِيَةِ إلَى صَنْعَاءَ } .
وَابْنُ أَبِي الدُّنْيَا وَالطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ
رُوَاتُهُ ثِقَاتٌ : { إنَّ أَسْفَلَ أَهْلِ الْجَنَّةِ أَجْمَعِينَ دَرَجَةً
لَمَنْ يَقُومُ عَلَى رَأْسِهِ عَشَرَةُ آلَافِ خَادِمٍ بِيَدِ كُلِّ خَادِمٍ
صَحْفَتَانِ وَاحِدَةٌ مِنْ ذَهَبٍ وَالْأُخْرَى مِنْ فِضَّةٍ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ
لَوْنٌ لَيْسَ فِي الْأُخْرَى مِثْلُهُ يَأْكُلُ مِنْ آخِرِهَا مِثْلَ مَا
يَأْكُلُ مِنْ أَوَّلِهَا يَجِدُ لِآخِرِهَا مِنْ الطِّيبِ وَاللَّذَّةِ مِثْلَ
الَّذِي يَجِدُ لِأَوَّلِهَا ثُمَّ يَكُونُ ذَلِكَ جُشَاءً كَرِيحِ الْمِسْكِ الْأَذْفَرِ
، لَا يَبُولُونَ وَلَا يَتَغَوَّطُونَ وَلَا يَمْتَخِطُونَ إخْوَانًا عَلَى
سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ } .
قَالَ الْحَافِظُ الْمُنْذِرِيُّ : لَا مُنَافَاةَ
بَيْنَ حَدِيثِ : { لَهُ ثَمَانُونَ أَلْفَ خَادِمٍ } وَحَدِيثِ { يَقُومُ عَلَى
رَأْسِهِ عَشَرَةُ آلَافِ خَادِمٍ } وَحَدِيثِ { مَنْ يَغْدُو عَلَيْهِ مِنْهُمْ
وَيَرُوحُ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسَةَ عَشَرَ أَلْفَ خَادِمٍ } فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ
لَهُ ثَمَانُونَ أَلْفَ خَادِمٍ تَقُومُ عَلَى رَأْسِهِ مِنْهُمْ عَشَرَةُ آلَافٍ
وَيَغْدُو عَلَيْهِ خَمْسَةَ عَشَرَ أَلْفًا " .
انْتَهَى
.
وَأَقُولُ :
لَا مَانِعَ أَنَّ الْأَدْنَى مَرَاتِبُ مُنَاسِبَةٌ
وَكُلُّ أَدْنَى بِالنِّسْبَةِ إلَى قَوْمِهِ أَوْ أُمَّتِهِ لَهُ صِفَةٌ غَيْرُ
صِفَةِ الْأُخْرَى ، وَلَعَلَّ هَذَا أَوْلَى بِهِ تَجْتَمِعُ الْأَحَادِيثُ الَّتِي
ظَاهِرُهَا التَّنَافِي فِي غَيْرِ هَذَا الْعَدَدِ أَيْضًا كَمَا يَعْلَمُ مَنْ
تَأَمَّلَ مَا مَرَّ .
وَالشَّيْخَانِ : { إنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ
لَيَتَرَاءَوْنَ أَهْلَ الْغُرَفِ مِنْ فَوْقِهِمْ كَمَا يَتَرَاءَوْنَ
الْكَوْكَبَ الدُّرِّيَّ الْغَابِرَ فِي الْأُفُقِ مِنْ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ
لِتَفَاضُلِ مَا بَيْنَهُمْ ، قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنَازِلُ
الْأَنْبِيَاءِ لَا يَمْلِكُهُمَا غَيْرُهُمْ ؟ قَالَ : بَلَى ، وَاَلَّذِي
نَفْسِي بِيَدِهِ رِجَالٌ آمَنُوا بِاَللَّهِ وَصَدَّقُوا الْمُرْسَلِينَ } وَفِي
رِوَايَةٍ لَهُمَا : { كَمَا تَتَرَاءَوْنَ الْكَوْكَبَ الْغَارِبَ } وَالْغَابِرُ
بِمَعْنَاهُ إذْ هُوَ بِالْمُعْجَمَةِ ثُمَّ الْمُوَحَّدَةِ الذَّاهِبُ الَّذِي
تَوَلَّى لِلْغُرُوبِ .
وَصَحَّ : { إنَّ فِي الْجَنَّةِ غُرَفًا يُرَى ظَاهِرُهَا
مِنْ بَاطِنِهَا وَبَاطِنُهَا مِنْ ظَاهِرِهَا أَعَدَّهَا اللَّهُ لِمَنْ أَطْعَمَ
الطَّعَامَ وَأَفْشَى السَّلَامَ وَصَلَّى بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ } .
وَالْبُخَارِيُّ : { إنَّ فِي الْجَنَّةِ مِائَةَ
دَرَجَةٍ أَعَدَّهَا تَعَالَى لِلْمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ مَا بَيْنَ
الدَّرَجَتَيْنِ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ } .
وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ غَرِيبٌ : { فِي
الْجَنَّةِ مِائَةُ دَرَجَةٍ مَا بَيْنِ كُلِّ دَرَجَتَيْنِ مِائَةُ عَامٍ } .
وَالطَّبَرَانِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ : {
قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ حَدِّثْنَا عَنْ الْجَنَّةِ مَا بِنَاؤُهَا ؟ قَالَ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَبِنَةٌ مِنْ ذَهَبٍ وَلَبِنَةٌ مِنْ
فِضَّةٍ ، وَمِلَاطُهَا الْمِسْكُ ، وَحَصْبَاؤُهَا اللُّؤْلُؤُ وَالْيَاقُوتُ ، وَتُرَابُهَا
الزَّعْفَرَانُ ، مَنْ يَدْخُلُهَا يَنْعَمُ وَلَا يَبْأَسُ وَيَخْلُدُ وَلَا
يَمُوتُ وَلَا تَبْلَى ثِيَابُهُ وَلَا يَفْنَى شَبَابُهُ } الْحَدِيثَ .
وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَوْقُوفًا قَالَ : { حَائِطُ الْجَنَّةِ لَبِنَةٌ مِنْ
ذَهَبٍ وَلَبِنَةٌ مِنْ فِضَّةٍ وَدَرَجُهَا الْيَاقُوتُ وَاللُّؤْلُؤُ } ، قَالَ
: وَكُنَّا نُحَدَّثُ أَنَّ رَضْرَاضَ أَنْهَارِهَا اللُّؤْلُؤُ وَتُرَابُهَا
الزَّعْفَرَانُ ، الرَّضْرَاضُ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَبِمُعْجَمَتَيْنِ
وَالْحَصْبَاءُ مَمْدُودٌ بِمَعْنَى وَاحِدٍ وَهُوَ الْحَصَى ، وَقِيلَ
الرَّضْرَاضُ صِغَارُهَا "
.
ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا وَالطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ
حَسَنٍ : { وَسُئِلَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْجَنَّةِ ، فَقَالَ
: مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ يَحْيَا فِيهَا وَلَا يَمُوتُ ، وَيَنْعَمُ فِيهَا
وَلَا يَبْأَسُ لَا تَبْلَى ثِيَابُهُ وَلَا يَفْنَى شَبَابُهُ ، قِيلَ يَا رَسُولَ
اللَّهِ : مَا بِنَاؤُهَا ؟ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَبِنَةٌ
مِنْ ذَهَبٍ وَلَبِنَةٌ مِنْ فِضَّةٍ ، وَمِلَاطُهَا الْمِسْكُ ، وَتُرَابُهَا
الزَّعْفَرَانُ ، وَحَصْبَاؤُهَا اللُّؤْلُؤُ وَالْيَاقُوتُ } وَالْمِلَاطُ
بِكَسْرِ الْمِيمِ هُوَ مَا يُبْنَى بِهِ : أَيْ إنَّ الطِّينَ الَّذِي يُجْعَلُ
بَيْنَ لِبَنَاتِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فِي الْحَائِطِ مِسْكٌ .
وَالطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ جَيِّدٍ : { خَلَقَ اللَّهُ
تَعَالَى جَنَّةَ عَدْنٍ بِيَدِهِ - أَيْ بِقُدْرَتِهِ الْبَاهِرَةِ - وَدَلَّى
فِيهَا ثِمَارَهَا وَشَقَّ أَنْهَارَهَا ثُمَّ نَظَرَ إلَيْهَا فَقَالَ لَهَا :
تَكَلَّمِي ، فَقَالَتْ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ ، فَقَالَ وَعِزَّتِي
وَجَلَالِي لَا يُجَاوِرُنِي فِيك بَخِيلٌ } ، زَادَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا : { إنَّهَا
لَبِنَةٌ مِنْ دُرَّةٍ بَيْضَاءَ ، وَلَبِنَةٌ مِنْ يَاقُوتَةٍ حَمْرَاءَ ،
وَلَبِنَةٌ مِنْ زَبَرْجَدَةٍ خَضْرَاءَ ، وَمِلَاطُهَا مِسْكٌ حَشِيشُهَا الزَّعْفَرَانُ
حَصْبَاؤُهَا اللُّؤْلُؤُ تُرَابُهَا الْعَنْبَرُ } .
وَابْنُ أَبِي الدُّنْيَا : { أَرْضُ الْجَنَّةِ بَيْضَاءُ
عَرْصَتُهَا صُخُورُ الْكَافُورِ وَقَدْ أَحَاطَ بِهِ الْمِسْكُ مِثْلُ كُثْبَانِ
الرَّمَلِ ، فِيهَا أَنْهَارٌ مُطَّرِدَةٌ فَيَجْتَمِعُ فِيهَا أَهْلُ الْجَنَّةِ
أَدْنَاهُمْ وَآخِرُهُمْ فَيَتَعَارَفُونَ ، فَيَبْعَثُ اللَّهُ رِيحَ الرَّحْمَةِ
فَتُهِيجُ عَلَيْهِمْ رِيحَ الْمِسْكِ فَيَرْجِعُ الرَّجُلُ إلَى زَوْجَتِهِ
وَقَدْ ازْدَادَ حُسْنًا وَطِيبًا فَتَقُولُ : لَقَدْ خَرَجْت مِنْ عِنْدِي
وَأَنَا بِك مُعْجَبَةٌ وَأَنَا بِك الْآنَ أَشَدُّ إعْجَابًا } .
وَالطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ جَيِّدٍ { إنَّ فِي
الْجَنَّةِ مَرَاغًا مِنْ مِسْكٍ مِثْلَ مَرَاغِ دَوَابِّكُمْ فِي الدُّنْيَا } .
وَالشَّيْخَانِ : { إنَّ لِلْمُؤْمِنِ فِي الْجَنَّةِ
لَخَيْمَةً مِنْ لُؤْلُؤَةٍ وَاحِدَةٍ مُجَوَّفَةٍ طُولُهَا فِي السَّمَاءِ
سِتُّونَ مِيلًا لِلْمُؤْمِنِ فِيهَا أَهْلُونَ يَطُوفُ
عَلَيْهِمْ الْمُؤْمِنُ فَلَا يَرَى بَعْضُهُمْ بَعْضًا } ، وَفِي رِوَايَةٍ
لَهُمَا : { عَرْضُهَا سِتُّونَ مِيلًا
} .
وَابْنُ أَبِي الدُّنْيَا وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ ابْنِ
عَبَّاسٍ مَوْقُوفًا : { الْخَيْمَةُ دُرَّةٌ مُجَوَّفَةٌ فَرْسَخٌ فِي فَرْسَخٍ
لَهَا أَرْبَعَةُ آلَافِ مِصْرَاعٍ مِنْ ذَهَبٍ } .
وَفِي رِوَايَةٍ : { حَوْلَهَا سُرَادِقٌ دُورُهُ خَمْسُونَ
فَرْسَخًا يَدْخُلُ عَلَيْهِ مِنْ كُلِّ بَابٍ مِنْهَا مَلَكٌ بِهَدِيَّةٍ مِنْ
عِنْدِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ }
.
وَالطَّبَرَانِيُّ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ عَلَى شَرْطِهِمَا
: { إنَّ فِي الْجَنَّةِ غُرَفًا يُرَى ظَاهِرُهَا مِنْ بَاطِنِهَا وَبَاطِنُهَا
مِنْ ظَاهِرِهَا ، فَقَالَ أَبُو مَالِكٍ الْأَشْعَرِيُّ : لِمَنْ هِيَ يَا
رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : لِمَنْ أَطَابَ الْكَلَامَ وَأَطْعَمَ الطَّعَامَ
وَبَاتَ قَائِمًا وَالنَّاسُ نِيَامٌ
} .
وَالطَّبَرَانِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ بِنَحْوِهِ : {
سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قَوْله تَعَالَى : { وَمَسَاكِنَ
طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ } قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ : قَصْرٌ فِي الْجَنَّةِ مِنْ لُؤْلُؤَةٍ بَيْضَاءَ فِيهَا سَبْعُونَ
دَارًا مِنْ يَاقُوتَةٍ حَمْرَاءَ ، فِي كُلِّ دَارٍ سَبْعُونَ بَيْتًا مِنْ
زُمُرُّدَةٍ خَضْرَاءَ ، فِي كُلِّ بَيْتٍ سَبْعُونَ سَرِيرًا ، عَلَى كُلِّ
سَرِيرٍ سَبْعُونَ فِرَاشًا مِنْ كُلِّ لَوْنٍ ، عَلَى كُلِّ فِرَاشٍ امْرَأَةٌ ،
فِي كُلِّ بَيْتٍ سَبْعُونَ مَائِدَةً ، عَلَى كُلِّ مَائِدَةٍ سَبْعُونَ لَوْنًا
مِنْ طَعَامٍ ، فِي كُلِّ بَيْتٍ سَبْعُونَ وَصَيْفًا وَوَصِيفَةً ، يُعْطَى الْمُؤْمِنُ
مِنْ الْقُوَّةِ مَا يَأْتِي عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ فِي غَدَاةٍ وَاحِدَةٍ } .
وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ : { الْكَوْثَرُ نَهْرٌ فِي
الْجَنَّةِ حَافَّتَاهُ مِنْ ذَهَبٍ وَمَجْرَاهُ عَلَى الدُّرِّ وَالْيَاقُوتِ
تُرْبَتُهُ أَطْيَبُ مِنْ الْمِسْكِ وَمَاؤُهُ أَحْلَى مِنْ الْعَسَلِ وَأَبْيَضُ
مِنْ الثَّلْجِ } .
زَادَ التِّرْمِذِيُّ بِسَنَدٍ حَسَنٍ : { فِيهِ طَيْرٌ
أَعْنَاقُهَا كَأَعْنَاقِ الْجُزُرِ - أَيْ الْإِبِلِ - قَالَ عُمَرُ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ : إنَّ هَذِهِ
لَنَاعِمَةٌ ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَكْلَتُهَا أَنْعَمُ مِنْهَا } .
وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ : { أَنْهَارُ
الْجَنَّةِ تَخْرُجُ مِنْ تَحْتِ تِلَالِ أَوْ جِبَالِ الْمِسْكِ } .
وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا
بِسَنَدٍ حَسَنٍ : { إنَّ أَرْضَ الْجَنَّةِ مَرْمَرَةٌ بَيْضَاءُ مِنْ فِضَّةٍ
كَأَنَّهَا مِرْآةٌ } - أَيْ بِالنِّسْبَةِ لِبَعْضِ الْجَنَّاتِ حَتَّى لَا يُنَافِيَ
مَا مَرَّ - { وَإِنَّ نُورَهَا مِثْلُ مَا قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ ،
وَأَنْهَارُهَا لَتَجْرِي عَلَى الْأَرْضِ مِنْ غَيْرِ أُخْدُودٍ مُسْكِفَةٍ لَا
تَفِيضُ هَاهُنَا وَلَا هَاهُنَا ، وَإِنَّ حُلَلَهَا مِنْ شَجَرَةٍ فِيهَا ثَمَرٌ
كَأَنَّهُ رُمَّانٌ فَإِذَا أَرَادَ وَلِيُّ اللَّهِ مِنْهَا كِسْوَةً انْحَدَرَتْ
إلَيْهِ مِنْ أَغْصَانِهَا فَانْفَلَقَتْ لَهُ عَنْ سَبْعِينَ حُلَّةً أَلْوَانًا
بَعْدَ أَلْوَانٍ ثُمَّ تَنْطَلِقُ فَتَرْجِعُ كَمَا كَانَتْ } .
وَأَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ : { فِي الْجَنَّةِ
بَحْرٌ لِلْمَاءِ وَبَحْرٌ لِلْعَسَلِ وَبَحْرٌ لِلْخَمْرِ ثُمَّ تَنْشَقُّ
الْأَنْهَارُ مِنْهَا بَعْدُ }
.
وَابْنُ أَبِي الدُّنْيَا عَنْ أَنَسٍ مَوْقُوفًا وَهُوَ
أَشْبَهُ وَغَيْرُهُ مَرْفُوعًا
: { لَعَلَّكُمْ تَظُنُّونَ أَنَّ أَنْهَارَ الْجَنَّةِ
أُخْدُودٌ فِي الْأَرْضِ لَا وَاَللَّهِ إنَّهَا لَسَائِحَةٌ عَلَى وَجْهِ
الْأَرْضِ إحْدَى حَافَّتَيْهَا اللُّؤْلُؤُ وَالْأُخْرَى الْيَاقُوتُ وَطِينُهُ الْمِسْكُ
الْأَذْفَرُ وَهُوَ الَّذِي لَا خِلْطَ لَهُ } .
وَالْبُخَارِيُّ : { إنَّ فِي الْجَنَّةِ شَجَرَةً
يَسِيرُ الرَّاكِبُ فِي ظِلِّهَا مِائَةَ عَامٍ لَا يَقْطَعُهَا إنْ شِئْتُمْ
فَاقْرَءُوا { وَظِلٍّ مَمْدُودٍ وَمَاءٍ مَسْكُوبٍ } } .
وَالشَّيْخَانِ : { إنَّ فِي الْجَنَّةِ شَجَرَةً
يَسِيرُ الرَّاكِبُ الْجَوَادَ الْمُضَمَّرَ السَّرِيعَ مِائَةَ عَامٍ لَا
يَقْطَعُهَا } زَادَ التِّرْمِذِيُّ
: { وَذَلِكَ الظِّلُّ الْمَمْدُودُ } .
وَصَحَّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَوْقُوفًا : { الظِّلُّ
الْمَمْدُودُ شَجَرَةٌ فِي الْجَنَّةِ عَلَى سَاقٍ يَسِيرُ الرَّاكِبُ الْمُجِدُّ
فِي ظِلِّهَا مِائَةَ عَامٍ فِي نَوَاحِيهَا فَيَخْرُجُ أَهْلُ الْجَنَّةِ أَهْلَ
الْغُرَفِ وَغَيْرَهُمْ
فَيَتَحَدَّثُونَ فِي ظِلِّهَا فَيَشْتَهِي بَعْضُهُمْ
وَيَذْكُرُ لَهْوَ الدُّنْيَا فَيُرْسِلُ اللَّهُ رِيحًا مِنْ الْجَنَّةِ
فَتُحَرِّكُ تِلْكَ الشَّجَرَةَ بِكُلِّ لَهْوٍ كَانَ فِي الدُّنْيَا } .
وَالطَّبَرَانِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ : {
أَنَّ أَصْلَ شَجَرَةِ طُوبَى شَبَهُ أَصْلِ شَجَرَةِ الْجَوْزَةِ يَنْبُتُ عَلَى
سَاقٍ وَاحِدٍ ثُمَّ يَنْتَشِرُ أَعْلَاهَا ، وَإِنَّ أَعْظَمَ أَصْلِهَا أَنَّ
الْجَذَعَةَ مِنْ الْإِبِلِ لَوْ ارْتَحَلَتْ لَمَا قَطَعَتْهَا حَتَّى تَنْكَسِرَ
تَرْقُوَتُهَا هَرَمًا ، وَإِنَّ عِظَمَ عُنْقُودٍ مِنْ عِنَبِهَا مَسِيرَةُ
شَهْرٍ لِلْغُرَابِ الْأَبْقَعِ لَا يَقَعُ وَلَا يَنْثَنِي وَلَا يَفْتُرُ ، وَإِنَّ
عِظَمَ الْحَبَّةِ مِنْهُ كَالدَّلْوِ الْكَبِيرِ } .
وَرَوَى أَبُو يَعْلَى هَذَا الْأَخِيرَ بِسَنَدٍ حَسَنٍ .
وَجَاءَ عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ بِسَنَدٍ حَسَنٍ فِي قَوْله تَعَالَى : { وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا
تَذْلِيلًا } قَالَ : إنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ يَأْكُلُونَ مِنْ ثِمَارِ الْجَنَّةِ
قِيَامًا وَقُعُودًا وَمُضْطَجِعِينَ
.
وَصَحَّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ : " إنَّ جُذُوعَ
نَخْلِهَا مِنْ زُمُرُّدٍ أَخْضَرَ وَأُصُولُ سَعَفِهَا ذَهَبٌ أَحْمَرُ
وَسَعَفُهَا كِسْوَتُهُمْ وَثَمَرُهَا أَمْثَالُ الْقِلَالِ وَالدِّلَاءُ أَشَدُّ
بَيَاضًا مِنْ اللَّبَنِ وَأَحْلَى مِنْ الْعَسَلِ وَأَلْيَنُ مِنْ الزُّبْدِ
لَيْسَ فِيهَا عُجْمٌ " .
وَمُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ : { يَأْكُلُ أَهْلُ الْجَنَّةِ
فِيهَا وَيَشْرَبُونَ وَلَا يَمْتَخِطُونَ وَلَا يَتَغَوَّطُونَ وَلَا يَبُولُونَ
وَلَكِنَّ طَعَامَهُمْ ذَلِكَ جُشَاءٌ كَرِيحِ الْمِسْكِ يُلْهَمُونَ التَّسْبِيحَ
وَالتَّكْبِيرَ كَمَا يُلْهَمُونَ النَّفْسَ } .
وَصَحَّ : { إنَّ أَحَدَهُمْ لَيُعْطَى قُوَّةَ مِائَةِ
رَجُلٍ فِي الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْجِمَاعِ تَكُونُ حَاجَةُ أَحَدِهِمْ
رَشْحًا يُفِيضُ مِنْ جُلُودِهِمْ كَرَشْحِ الْمِسْكِ فَيَضْمُرُ بَطْنُهُ } .
وَابْنُ أَبِي الدُّنْيَا وَالطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ
رُوَاتُهُ ثِقَاتٌ : { إنَّ أَسْفَلَ أَهْلِ الْجَنَّةِ أَجْمَعِينَ مَنْ يَقُومُ
عَلَى رَأْسِهِ عَشَرَةُ آلَافِ خَادِمٍ مَعَ كُلِّ خَادِمٍ صَحْفَتَانِ وَاحِدَةٌ
مِنْ فِضَّةٍ وَوَاحِدَةٌ مِنْ ذَهَبٍ فِي
كُلِّ صَحْفَةٍ لَوْنٌ لَيْسَ فِي الْأُخْرَى مِثْلُهَا
يَأْكُلُ مِنْ آخِرِهِ كَمَا يَأْكُلُ مِنْ أَوَّلِهِ يَجِدُ لِآخِرِهِ مِنْ
اللَّذَّةِ وَالطَّعْمِ مَا لَا يَجِدُ لِأَوَّلِهِ ثُمَّ يَكُونُ ذَلِكَ رَشْحَ
مِسْكٍ وَجُشَاءَ مِسْكٍ ، لَا يَبُولُونَ وَلَا يَتَغَوَّطُونَ وَلَا
يَمْتَخِطُونَ } .
وَأَحْمَدُ بِسَنَدٍ جَيِّدٍ : { إنَّ طَيْرَ الْجَنَّةِ
كَأَمْثَالِ الْبُخْتِ تَرْعَى فِي شَجَرِ الْجَنَّةِ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ هَذِهِ لَطَيْرٌ نَاعِمَةٌ فَقَالَ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَكْلَتُهَا أَنْعَمُ مِنْهَا قَالَهَا
ثَلَاثًا وَإِنِّي لَأَرْجُو أَنْ تَكُونَ مِمَّنْ يَأْكُلُ مِنْهَا } .
وَابْنُ أَبِي الدُّنْيَا : { إنَّ الرَّجُلَ مِنْ
أَهْلِ الْجَنَّةِ ؛ لَيَشْتَهِي الطَّيْرَ مِنْ طُيُورِ الْجَنَّةِ فَيَقَعُ فِي
يَدِهِ مُنْفَلِقًا نَضِيجًا }
.
وَابْنُ أَبِي الدُّنْيَا : { إنَّ الرَّجُلَ
لَيَشْتَهِي الطَّيْرَ فِي الْجَنَّةِ فَيَجِيءُ مِثْلَ الْبُخْتِيِّ حَتَّى
يَقَعَ عَلَى خُوَانٍ لَمْ يُصِبْهُ دُخَانٌ وَلَمْ تَمَسَّهُ النَّارُ فَيَأْكُلُ
مِنْهُ حَتَّى يَشْبَعَ ثُمَّ يَطِيرَ
} .
وَابْنُ أَبِي الدُّنْيَا بِسَنَدٍ حَسَّنَهُ
التِّرْمِذِيُّ : { إنَّ فِي الْجَنَّةِ طَائِرًا لَهُ سَبْعُونَ أَلْفَ رِيشَةٍ
فَيَقَعُ عَلَى صَحْفَةِ الرَّجُلِ ، مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَيَنْتَفِضُ
فَيَقَعُ مِنْ كُلِّ رِيشَةٍ لَوْنٌ أَبْيَضُ مِنْ الثَّلْجِ وَأَلْيَنُ مِنْ
الزُّبْدِ وَأَلَذُّ مِنْ الشَّهْدِ لَيْسَ فِيهَا لَوْنٌ يُشْبِهُ صَاحِبَهُ
ثُمَّ يَطِيرُ } .
وَابْنُ أَبِي الدُّنْيَا بِسَنَدٍ حَسَنٍ : أَنَّهُ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِأَعْرَابِيٍّ زَعَمَ أَنَّ شَجَرَةَ
السِّدْرِ مُؤْذِيَةٌ لِأَنَّ لَهَا شَوْكًا : { أَلَيْسَ اللَّهُ يَقُولُ : { فِي
سِدْرٍ مَخْضُودٍ } خَضَدَ اللَّهُ شَوْكَهُ فَجَعَلَ مَكَانَ كُلِّ شَوْكَةٍ
ثَمَرَةً فَإِنَّهَا لَتُنْبِتُ ثَمَرًا تَنْفَتِقُ الثَّمَرَةُ مِنْهَا عَنْ اثْنَيْنِ
وَسَبْعِينَ لَوْنًا مِنْ طَعَامٍ مَا فِيهَا لَوْنٌ يُشْبِهُ الْآخَرَ } .
وَالشَّيْخَانِ : { وَلَنَصِيفُهَا - أَيْ خِمَارُهَا -
عَلَى رَأْسِهَا خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا } .
وَالطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ حَسَنٍ {
لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ زَوْجَتَانِ مِنْ الْحُورِ
الْعِينِ عَلَى كُلِّ زَوْجَةٍ سَبْعُونَ حُلَّةً يُرَى مُخُّ سُوقِهِمَا مِنْ
وَرَاءِ لُحُومِهِمَا وَحُلَلِهِمَا كَمَا يُرَى الشَّرَابُ الْأَحْمَرُ فِي الزُّجَاجَةِ
الْبَيْضَاءِ } .
وَذِكْرُ الزَّوْجَتَيْنِ مِنْ الْحُورِ الْعِينِ هُنَا
لَا يُنَافِي ذِكْرَ أَكْثَرَ مِنْهُمَا فِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ كَحَدِيثِ
أَحْمَدَ : { وَإِنَّ لَهُ - أَيْ أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ مِنْ الْحُورِ
الْعِينِ - لَاثْنَانِ وَسَبْعُونَ زَوْجَةً سِوَى أَزْوَاجِهِ مِنْ الدُّنْيَا ،
وَإِنَّ الْوَاحِدَةَ مِنْهُنَّ لَتَأْخُذُ مَقْعَدَتِهَا قَدْرَ مِيلٍ } .
وَصَحَّ عَنْ الْبَيْهَقِيّ : { إنَّ الرَّجُلَ مِنْ أَهْلِ
الْجَنَّةِ لَيَتَزَوَّجُ خَمْسَمِائَةِ حَوْرَاءَ وَأَرْبَعَةَ آلَافِ بِكْرٍ
وَثَمَانِيَةَ آلَافِ ثَيِّبٍ يُعَانِقُ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ مِقْدَارَ
عُمُرِهِ فِي الدُّنْيَا } .
وَرَوَى الشَّيْخَانِ : { وَلِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ
زَوْجَتَانِ اثْنَتَانِ يُرَى مُخُّ سُوقِهِمَا مِنْ وَرَاءِ اللَّحْمِ وَمَا فِي
الْجَنَّةِ أَعْزَبُ } .
وَفِي حَدِيثٍ عِنْدَ أَبِي يَعْلَى وَالْبَيْهَقِيِّ { وَاَلَّذِي
بَعَثَنِي بِالْحَقِّ مَا أَنْتُمْ فِي الدُّنْيَا بِأَعْرَفَ بِأَزْوَاجِكُمْ
وَمَسَاكِنِكُمْ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ بِأَزْوَاجِهِمْ وَمَسَاكِنِهِمْ
فَيَدْخُلُ رَجُلٌ مِنْهُمْ عَلَى اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ زَوْجَةً مِمَّا
يُنْشِئُ اللَّهُ تَعَالَى وَاثْنَتَيْنِ مِنْ وَلَدِ آدَمَ لَهُمَا فَضْلٌ عَلَى
مَنْ أَنْشَأَ اللَّهُ بِعِبَادَتِهِمَا فِي الدُّنْيَا يَدْخُلُ عَلَى الْأُولَى
مِنْهُمَا فِي غَرْفَةٍ مِنْ يَاقُوتَةٍ عَلَى سَرِيرٍ مِنْ ذَهَبٍ مُكَلَّلٍ
بِاللُّؤْلُؤِ عَلَيْهِ سَبْعُونَ زَوْجًا - أَيْ صِنْفًا مِنْ سُنْدُسٍ
وَإِسْتَبْرَقٍ ثُمَّ يَضَعُ يَدَهُ بَيْنَ كَتِفَيْهَا ثُمَّ يَنْظُرُ إلَى
يَدِهِ مِنْ صَدْرِهَا مِنْ وَرَاءِ ثِيَابِهَا وَجِلْدِهَا وَلَحْمِهَا وَإِنَّهُ
لَيَنْظُرُ إلَى مُخِّ سَاقِهَا كَمَا يَنْظُرُ أَحَدُكُمْ إلَى السِّلْكِ فِي
قَصَبَةِ الْيَاقُوتِ كَبِدُهُ لَهَا مِرْآةٌ وَكَبِدُهَا لَهُ مِرْآةٌ ،
فَبَيْنَا هُوَ عِنْدَهَا لَا يَمَلُّهَا وَلَا تَمَلُّهُ وَلَا يَأْتِيهَا
مَرَّةً إلَّا وَجَدَهَا عَذْرَاءَ مَا يَفْتُرُ ذَكَرُهُ
وَلَا يَشْتَكِي قُبُلَهَا فَبَيْنَا هُوَ كَذَلِكَ إذْ
نُودِيَ إنَّا قَدْ عَرَفْنَا أَنَّك لَا تَمَلُّ وَلَا نَمَلُّ إلَّا أَنَّهُ لَا
مَنِيَّ وَلَا مَنِيَّةَ أَلَا إنَّ لَك أَزْوَاجًا غَيْرَهَا فَيَخْرُجُ فَيَأْتِيهِنَّ
وَاحِدَةً بَعْدَ وَاحِدَةٍ كُلَّمَا جَاءَ وَاحِدَةً قَالَتْ وَاَللَّهِ مَا فِي
الْجَنَّةِ شَيْءٌ أَحْسَنُ مِنْك أَوْ مَا فِي الْجَنَّةِ شَيْءٌ أَحَبُّ إلَيَّ
مِنْك } .
وَأَخْرَجَ أَبُو نُعَيْمٍ : { يُزَوَّجُ كُلُّ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ
الْجَنَّةِ أَرْبَعَةَ آلَافٍ بِكْرٍ وَثَمَانِيَةَ آلَافِ أَيِّمٍ وَمِائَةَ
حَوْرَاءَ فَيَجْتَمِعُونَ فِي كُلِّ سَبْعَةِ أَيَّامٍ فَيَقُلْنَ بِأَصْوَاتٍ
حِسَانٍ لَمْ تَسْمَعْ الْخَلَائِقُ بِمِثْلِهِنَّ : نَحْنُ الْخَالِدَاتُ فَلَا
نَبِيدُ ، وَنَحْنُ النَّاعِمَاتُ فَلَا نَبْأَسُ ، وَنَحْنُ الرَّاضِيَاتُ فَلَا نَسْخَطُ
، وَنَحْنُ الْمُقِيمَاتُ فَلَا نَظْعَنُ ، طُوبَى لِمَنْ كَانَ لَنَا وَكُنَّا
لَهُ } .
وَوَجْهُ عَدَمِ الْمُنَافَاةِ بَيْنَ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ الْمَوْصُوفِينَ بِمَا ذُكِرَ مِنْ تِلْكَ الْخُلَلِ
الْمَذْكُورَةِ اثْنَتَانِ وَالْبَاقِيَاتُ مِنْهُنَّ لَسْنَ كَذَلِكَ أَوْ
أُعْلِمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْقَلِيلِ فَأَخْبَرَ بِهِ ثُمَّ
أُعْلِمَ بِالْكَثِيرِ فَأَخْبَرَ بِهِ نَظِيرُ مَا قَالُوهُ فِي حَدِيثِ : {
صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاةِ الْفَذِّ بِخَمْسٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً } .
وَفِي رِوَايَةٍ { بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً }
وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ .
وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ عَنْ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْله تَعَالَى : { وَفُرُشٍ
مَرْفُوعَةٍ ارْتِفَاعُهَا كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ مَسِيرَةُ مَا
بَيْنَهُمَا خَمْسُمِائَةِ عَامٍ
} .
وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ وَالْأَوْسَطِ عَنْ
أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ : { قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ
أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : { وَحُورٌ عِينٌ } قَالَ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُورٌ : بِيضٌ ، عِينٌ : ضِخَامُ الْعُيُونِ شَفْرُ
الْحُورِ بِمَنْزِلَةِ جَنَاحِ النِّسْرِ ، قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ :
فَأَخْبِرْنِي عَنْ
==================
ج12. كتاب : الزواجر عن اقتراف الكبائر أحمد بن محمد بن
حجر المكي الهيتمي
قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : { كَأَنَّهُنَّ
الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ } قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : صَفَاؤُهُنَّ
كَصَفَاءِ الدُّرِّ الَّذِي فِي الْأَصْدَافِ الَّذِي لَمْ تَمَسَّهُ الْأَيْدِي ،
قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ فَأَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : {
فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ } قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
خَيْرَاتُ الْأَخْلَاقِ حِسَانُ الْوُجُوهِ ، قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ
فَأَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : { كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ }
قَالَ رِقَّتُهُنَّ كَرِقَّةِ الْجِلْدِ الَّذِي فِي دَاخِلِ الْبَيْضَةِ مِمَّا
يَلِي الْقِشْرَ ، قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ فَأَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِ اللَّهِ
عَزَّ وَجَلَّ : { عُرُبًا أَتْرَابًا } قَالَ : هُنَّ اللَّوَاتِي قُبِضْنَ فِي
دَارِ الدُّنْيَا عَجَائِزَ رُمْصًا شُمْطًا خَلَقَهُنَّ اللَّهُ تَعَالَى بَعْدَ الْكِبَرِ
فَجَعَلَهُنَّ عَذَارَى .
عُرُبًا مُتَعَشِّقَاتٍ مُتَحَبِّبَاتٍ أَتْرَابًا عَلَى
مِيلَادٍ وَاحِدٍ .
قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ : أَنِسَاءُ الدُّنْيَا
أَفْضَلُ أَمْ الْحُورُ الْعِينُ ؟ قَالَ : بَلْ نِسَاءُ الدُّنْيَا أَفْضَلُ مِنْ
الْحُورِ الْعِينِ كَفَضْلِ الظِّهَارَةِ عَلَى الْبِطَانَةِ ، قُلْت : يَا
رَسُولَ اللَّهِ وَبِمَ ذَاكَ ؟ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : بِصَلَاتِهِمْ
وَصِيَامِهِنَّ وَعِبَادَتِهِنَّ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَلْبَسَ اللَّهُ عَزَّ
وَجَلَّ وُجُوهَهُنَّ النُّورَ وَأَجْسَادَهُنَّ الْحَرِيرَ ، بِيضُ الْأَلْوَانِ
خُضْرُ الثِّيَابِ صُفْرُ الْحُلِيِّ مَجَامِرُهُنَّ الدُّرُّ وَأَمْشَاطُهُنَّ
الذَّهَبُ يَقُلْنَ : أَلَا نَحْنُ الْخَالِدَاتُ فَلَا نَمُوتُ أَبَدًا ، أَلَا
وَنَحْنُ النَّاعِمَاتُ فَلَا نَبْأَسُ أَبَدًا ، أَلَا وَنَحْنُ الْمُقِيمَاتُ فَلَا
نَظْعَنُ أَبَدًا ، أَلَا وَنَحْنُ الرَّاضِيَاتُ فَلَا نَسْخَطُ أَبَدًا طُوبَى
لِمَنْ كُنَّا لَهُ وَكَانَ لَنَا
.
قُلْت : يَا رَسُولَ اللَّهِ الْمَرْأَةُ مِنَّا
تَتَزَوَّجُ الزَّوْجَيْنِ وَالثَّلَاثَةَ وَالْأَرْبَعَةَ فِي الدُّنْيَا ثُمَّ
تَمُوتُ فَتَدْخُلُ الْجَنَّةَ وَيَدْخُلُونَ مَعَهَا مَنْ يَكُونُ زَوْجُهَا
مِنْهُمْ ؟ قَالَ : يَا أُمَّ سَلَمَةَ إنَّهَا تُخَيَّرُ فَتَخْتَارُ
أَحْسَنَهُمْ خُلُقًا فَتَقُولُ : أَيْ رَبِّ إنَّ هَذَا
كَانَ أَحْسَنَهُمْ مَعِي خُلُقًا فِي دَارِ الدُّنْيَا فَزَوِّجْنِيهِ ، يَا
أُمَّ سَلَمَةَ ذَهَبَ حُسْنُ الْخُلُقِ بِخَيْرِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ } ،
وَمَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ تَخْيِيرِهَا الظَّاهِرُ - وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ
أَعْلَمُ - أَنَّهُ لَا يُنَافِي قَوْلَ بَعْضِ أَئِمَّتِنَا إنَّهَا تَكُونُ
لِآخِرِهِمْ لِأَنَّ مَا فِي الْحَدِيثِ مَحَلُّهُ فِيمَنْ مَاتَتْ لَا فِي
عِصْمَةِ أَحَدٍ ، وَمَا قَالَهُ ذَلِكَ الْإِمَامُ فِيمَنْ مَاتَتْ فِي عِصْمَةِ
إنْسَانٍ فَهِيَ لَهُ دُونَ غَيْرِهِ بِخِلَافِ مَنْ مَاتَتْ لَا فِي عِصْمَةِ
أَحَدٍ وَلَهَا أَزْوَاجٌ فَإِنَّ أَحَدًا لَيْسَ أَوْلَى بِهَا مِنْهُمْ
فَخُيِّرَتْ .
وَالطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ : { إنَّ أَزْوَاجَ
أَهْلِ الْجَنَّةِ لَيُغَنِّينَ أَزْوَاجَهُنَّ بِأَحْسَنِ أَصْوَاتٍ مَا
سَمِعَهَا أَحَدٌ قَطُّ وَإِنَّ مِمَّا يُغَنِّينَ بِهِ : نَحْنُ الْخَيِّرَاتُ
الْحِسَانُ أَزْوَاجُ قَوْمٍ كِرَامٍ يَنْظُرُونَ بِقُرَّةِ أَعْيَانٍ ، وَإِنَّ
مِمَّا يُغَنِّينَ بِهِ نَحْنُ الْخَالِدَاتُ فَلَا نَمُتْنَهُ ، وَنَحْنُ
الْآمِنَاتُ فَلَا نَخَفْنَهُ ، وَنَحْنُ الْمُقِيمَاتُ فَلَا نَظَعْنَهُ } .
وَمُسْلِمٌ
: { إنَّ فِي الْجَنَّةِ لَسُوقًا يَأْتُونَهَا كُلَّ
جُمُعَةٍ فَتَهُبُّ رِيحُ الشَّمَالِ فَتَحْثُو فِي وُجُوهِهِمْ وَثِيَابِهِمْ
فَيَزْدَادُونَ حُسْنًا وَجَمَالًا فَيَرْجِعُونَ إلَى أَهْلِيهِمْ وَقَدْ
ازْدَادُوا حُسْنًا وَجَمَالًا فَيَقُولُ لَهُمْ أَهْلُوهُمْ : وَاَللَّهِ لَقَدْ ازْدَدْتُمْ
بَعْدَنَا حُسْنًا وَجَمَالًا فَيَقُولُونَ وَأَنْتُمْ وَاَللَّهِ لَقَدْ
ازْدَدْتُمْ بَعْدَنَا حُسْنًا وَجَمَالًا } .
وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَابْنُ أَبِي
الدُّنْيَا بِسَنَدٍ رُوَاتُهُ ثِقَاتٌ
: إنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ
لِسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ : أَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنِي وَبَيْنَك
فِي سُوقِ الْجَنَّةِ ، قَالَ سَعِيدٌ : أَوَ فِيهَا سُوقٌ ؟ قَالَ : نَعَمْ .
أَخْبَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ : { إنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ إذَا دَخَلُوهَا نَزَلُوا فِيهَا
بِفَضْلِ أَعْمَالِهِمْ فَيُؤْذَنُ لَهُمْ فِي مِقْدَارِ
يَوْمِ الْجُمُعَةِ مِنْ أَيَّامِ الدُّنْيَا
فَيَزُورُونَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَيُبْرِزُ لَهُمْ عَرْشَهُ وَيَتَبَدَّى
لَهُمْ فِي رَوْضَةٍ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ فَتُوضَعُ لَهُمْ مَنَابِرُ مِنْ
نُورٍ وَمَنَابِرُ مِنْ لُؤْلُؤٍ وَمَنَابِرُ مِنْ يَاقُوتٍ وَمَنَابِرُ مِنْ
زَبَرْجَدٍ وَمَنَابِرُ مِنْ ذَهَبٍ وَمَنَابِرُ مِنْ فِضَّةٍ ، وَيَجْلِسُ
أَدْنَاهُمْ وَمَا فِيهِمْ دَنِيءٌ عَلَى كُثْبَانِ مِسْكٍ وَكَافُورٍ ، وَمَا
يَرَوْنَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَرَاسِيِّ أَفْضَلُ مِنْهُمْ مَجْلِسًا .
قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ
نَرَى رَبَّنَا ؟ قَالَ : نَعَمْ هَلْ تَتَمَارَوْنَ فِي رُؤْيَةِ الشَّمْسِ
وَالْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ ؟ قُلْنَا لَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ : كَذَلِكَ لَا تَتَمَارَوْنَ فِي رُؤْيَةِ رَبِّكُمْ عَزَّ وَجَلَّ
وَلَا يَبْقَى فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ أَحَدٌ إلَّا حَاضَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى
مُحَاضَرَةً حَتَّى إنَّهُ لَيَقُولُ الرَّجُلُ أَلَا تَذْكُرَ يَا فُلَانُ يَوْمَ
عَمِلْت كَذَا وَكَذَا يُذَكِّرُهُ بَعْضَ غَدَرَاتِهِ فِي الدُّنْيَا فَيَقُولُ
يَا رَبِّ أَلَمْ تَغْفِرْ لِي ؟ فَيَقُولُ : بَلَى فَبِسَعَةِ مَغْفِرَتِي
بَلَغْت مَنْزِلَتَك هَذِهِ ، فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ غَشِيَتْهُمْ سَحَابَةٌ
مِنْ فَوْقِهِمْ فَأَمْطَرَتْ عَلَيْهِمْ طِيبًا لَمْ يَجِدُوا مِثْلَ رِيحِهِ
شَيْئًا قَطُّ ، ثُمَّ يَقُولُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى : قُومُوا إلَى مَا
أَعْدَدْت لَكُمْ مِنْ الْكَرَامَةِ فَخُذُوا مَا اشْتَهَيْتُمْ ، قَالَ :
فَنَأْتِي سُوقًا قَدْ حَفَّتْ بِهِ الْمَلَائِكَةُ فِيهِ مَا لَمْ تَنْظُرْ
الْعُيُونُ إلَى مِثْلِهِ وَلَمْ تَسْمَعْ الْآذَانُ وَلَمْ يَخْطُرْ عَلَى
الْقُلُوبِ قَالَ : فَيُحْمَلُ لَنَا مَا اشْتَهَيْنَا لَيْسَ يُبَاعُ فِيهِ
شَيْءٌ وَلَا يُشْتَرَى وَفِي ذَلِكَ السُّوقِ يَلْقَى أَهْلُ الْجَنَّةِ بَعْضُهُمْ
بَعْضًا ، قَالَ : فَيُقْبِلُ الرَّجُلُ ذُو الْمَنْزِلَةِ الْمُرْتَفِعَةِ
فَيَلْقَى مَنْ دُونَهُ وَمَا فِيهِمْ دَنِيءٌ فَيَرُوعُهُ مَا يَرَى عَلَيْهِ
مِنْ اللِّبَاسِ فَمَا يَنْقَضِي آخِرُ حَدِيثِهِ حَتَّى يَتَمَثَّلَ لَهُ أَنَّ
مَا عَلَيْهِ أَحْسَنُ مِنْهُ وَذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ
يَحْزَنَ
فِيهَا ، ثُمَّ نَنْصَرِفُ إلَى مَنَازِلِنَا
فَيَتَلَقَّانَا أَزْوَاجُنَا فَيَقُلْنَ مَرْحَبًا وَأَهْلًا لَقَدْ جِئْت
وَإِنَّ بِك مِنْ الْجَمَالِ وَالطِّيبِ أَفْضَلَ مِمَّا فَارَقَتْنَا عَلَيْهِ ،
فَيَقُولُ إنَّا جَالَسْنَا الْيَوْمَ رَبَّنَا الْجَبَّارَ عَزَّ وَجَلَّ
وَيَحِقُّنَا أَنْ نَنْقَلِبَ بِمِثْلِ مَا انْقَلَبْنَا } .
وَالتِّرْمِذِيُّ وَالطَّبَرَانِيُّ وَابْنُ أَبِي
الدُّنْيَا : { إنَّ فِي الْجَنَّةِ لَسُوقًا مَا يُبَاعُ فِيهَا وَلَا يُشْتَرَى
لَيْسَ فِيهَا إلَّا الصُّوَرُ فَمَنْ أَحَبَّ صُورَةً مِنْ رَجُلٍ أَوْ امْرَأَةٍ
دَخَلَ فِيهَا } .
وَابُنُّ أَبِي الدُّنْيَا : { إنَّ مِنْ نَعِيمِ أَهْلِ
الْجَنَّةِ أَنَّهُمْ يَتَزَاوَرُونَ عَلَى الْمَطَايَا وَالنُّجُبِ ، وَأَنَّهُمْ
يُؤْتَوْا إلَى الْجَنَّةِ بِخَيْلٍ مُسَرَّجَةٍ مُلَجَّمَةٍ لَا تَرُوثُ وَلَا
تَبُولُ فَيَرْكَبُونَهَا حَتَّى يَنْتَهُوا إلَى حَيْثُ شَاءَ اللَّهُ عَزَّ
وَجَلَّ .
فَيَأْتِيهِمْ مِثْلُ السَّحَابَةِ فِيهَا مَا لَا
عَيْنٌ رَأَتْ وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ فَيَقُولُونَ أَمْطِرِي عَلَيْنَا فَمَا
يَزَالُ الْمَطَرُ عَلَيْهِمْ حَتَّى يَنْتَهِيَ ذَلِكَ فَوْقَ أَمَانِيِّهِمْ ،
ثُمَّ يَبْعَثُ اللَّهُ رِيحًا غَيْرَ مُؤْذِيَةٍ فَتَنْسِفُ كُثْبَانًا مِنْ
الْمِسْكِ عَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ فَيَأْخُذُونَ ذَلِكَ
الْمِسْكَ فِي نَوَاصِي خُيُولِهِمْ وَفِي مَفَارِقِهَا وَفِي رُءُوسِهِمْ
وَلِكُلِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ جُمَّةٌ : - أَيْ شَعْرٌ مِنْ رَأْسِهِ عَلَى مَا
اشْتَهَتْ نَفْسُهُ - فَيَتَعَلَّقُ ذَلِكَ الْمِسْكُ فِي تِلْكَ الْجُمَّاتِ
وَفِي الْخَيْلِ وَفِيمَا سِوَى ذَلِكَ مِنْ الثِّيَابِ ثُمَّ يُقْبِلُونَ حَتَّى يَنْتَهُوا
إلَى مَا شَاءَ اللَّهُ ، فَإِذَا الْمَرْأَةُ تُنَادِي بَعْضَ أُولَئِكَ يَا
عَبْدَ اللَّهِ أَمَا لَك فِينَا حَاجَةٌ ؟ فَيَقُولُ مَا أَنْتِ وَمَنْ أَنْتِ ؟
فَتَقُولُ أَنَا زَوْجَتُك وَحِبُّك ، فَيَقُولُ مَا كُنْت عَلِمْت بِمَكَانِك ،
فَتَقُولُ الْمَرْأَةُ أَوَ مَا تَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ : { فَلَا
تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا
يَعْمَلُونَ } فَيَقُولُ بَلَى وَرَبِّي فَلَعَلَّهُ يَشْتَغِلُ عَنْهَا
بَعْدَ ذَلِكَ الْمَوْقِفِ
أَرْبَعِينَ خَرِيفًا لَا يَلْتَفِتُ وَلَا يَعُودُ ،
مَا شَغَلَهُ عَنْهَا إلَّا مَا هُوَ فِيهِ مِنْ النَّعِيمِ وَالْكَرَامَةِ } .
وَابْنُ أَبِي الدُّنْيَا وَالْبَزَّارُ : { إذَا دَخَلَ
أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ فَيَشْتَاقُ الْإِخْوَانُ بَعْضُهُمْ إلَى بَعْضٍ
فَيَسِيرُ سَرِيرُ هَذَا إلَى سَرِيرِ هَذَا وَسَرِيرُ هَذَا إلَى سَرِيرِ هَذَا حَتَّى
يَجْتَمِعَا جَمِيعًا فَيَتَّكِئُ هَذَا وَيَتَّكِئُ هَذَا فَيَقُولُ أَحَدُهُمَا
لِصَاحِبِهِ تَعْلَمُ مَتَى غَفَرَ اللَّهُ لَنَا ؟ فَيَقُولُ صَاحِبُهُ نَعَمْ
يَوْمَ كُنَّا فِي مَوْضِعِ كَذَا وَكَذَا فَدَعَوْنَا اللَّهَ فَغَفَرَ لَنَا } .
وَابْنُ أَبِي الدُّنْيَا : { إنَّ فِي الْجَنَّةِ لَشَجَرَةً
يَخْرُجُ مِنْ أَعْلَاهَا خَيْلٌ وَمِنْ أَسْفَلِهَا خَيْلٌ مِنْ ذَهَبٍ
مُسَرَّجَةٌ مُلَجَّمَةٌ مِنْ دُرٍّ وَيَاقُوتٍ لَا تَرُوثُ وَلَا تَبُولُ لَهَا
أَجْنِحَةٌ خُطْوَتُهَا مَدُّ الْبَصَرِ فَيَرْكَبُهَا أَهْلُ الْجَنَّةِ
فَتَطِيرُ بِهِمْ حَيْثُ شَاءُوا ، فَيَقُولُ الَّذِينَ أَسْفَلُ مِنْهُمْ
دَرَجَةً يَا رَبِّ بِمَ بَلَغَ عِبَادُك هَذِهِ الْكَرَامَةَ كُلَّهَا ؟ قَالَ :
فَيُقَالُ لَهُمْ إنَّهُمْ كَانُوا يُصَلُّونَ بِاللَّيْلِ وَكُنْتُمْ تَنَامُونَ
، وَكَانُوا يَصُومُونَ وَكُنْتُمْ تَأْكُلُونَ ، وَكَانُوا يُنْفِقُونَ وَكُنْتُمْ
تَبْخَلُونَ ، وَكَانُوا يُقَاتِلُونَ وَكُنْتُمْ تَجْبُنُونَ } .
وَأَبُو نُعَيْمٍ عَنْ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ
قَالَ : { إذَا سَكَنَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ أَتَاهُمْ مَلَكٌ فَيَقُولُ : إنَّ اللَّهَ
يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَزُورُوهُ فَيَجْتَمِعُونَ فَيَأْمُرُ اللَّهُ تَعَالَى دَاوُد
عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فَيَرْفَعُ صَوْتَهُ بِالتَّسْبِيحِ
وَالتَّهْلِيلِ ثُمَّ تُوضَعُ مَائِدَةُ الْخُلْدِ ، قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ
: وَمَا مَائِدَةُ الْخُلْدِ ؟ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : زَاوِيَةٌ
مِنْ زَوَايَاهَا أَوْسَعُ مِمَّا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ فَيُطْعَمُونَ
ثُمَّ يُسْقَوْنَ ثُمَّ يُكْسَوْنَ ، فَيَقُولُونَ لَمْ يَبْقَ إلَّا النَّظَرُ
إلَى وَجْهِ رَبِّنَا عَزَّ وَجَلَّ فَيَتَجَلَّى لَهُمْ فَيَخِرُّونَ سُجَّدًا فَيُقَال
لَهُمْ لَسْتُمْ فِي دَارِ عَمَلٍ إنَّمَا فِي دَارِ جَزَاءٍ } .
وَمُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ : { إذَا دَخَلَ أَهْلُ
الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ تُرِيدُونَ شَيْئًا
أَزِيدُكُمْ ؟ فَيَقُولُونَ أَلَمْ تُبَيِّضْ وُجُوهَنَا ؟ أَلَمْ تُدْخِلْنَا الْجَنَّةَ
وَتُنْجِنَا مِنْ النَّارِ ؟ قَالَ : فَكَشَفَ الْحِجَابَ فَمَا أُعْطُوا شَيْئًا
أَحَبَّ إلَيْهِمْ مِنْ النَّظَرِ إلَى رَبِّهِمْ ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ { لِلَّذِينَ
أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ
} } .
وَابْنُ أَبِي الدُّنْيَا وَالطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ
جَيِّدٍ قَوِيٍّ وَأَبُو يَعْلَى مُخْتَصَرًا وَرُوَاتُهُ رُوَاةُ الصَّحِيحِ
وَالْبَزَّارُ : { أَتَانِي جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَفِي يَدِهِ مِرْآةٌ
بَيْضَاءُ فِيهَا نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ ، فَقُلْت : مَا هَذِهِ يَا جِبْرِيلُ ؟
قَالَ : هَذِهِ الْجُمُعَةُ يَعْرِضُهَا عَلَيْك رَبُّك لِتَكُونَ لَك عِيدًا وَلِأُمَّتِك
مِنْ بَعْدِك ، قَالَ : مَا لَنَا فِيهَا ؟ قَالَ : لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ لَكُمْ
فِيهَا سَاعَةٌ مَنْ دَعَا رَبَّهُ فِيهَا بِخَيْرٍ هُوَ لَهُ قَسْمٌ إلَّا
أَعْطَاهُ إيَّاهُ أَوْ لَيْسَ لَهُ بِقَسْمٍ إلَّا اُدُّخِرَ لَهُ مَا هُوَ
أَعْظَمُ مِنْهُ ، أَوْ تَعَوَّذَ فِيهَا مِنْ شَرٍّ هُوَ لَهُ عَلَيْهِ مَكْتُوبٌ
إلَّا أَعَاذَهُ مِنْ أَعْظَمَ مِنْهُ
.
قُلْت :
مَا هَذِهِ النُّكْتَةُ السَّوْدَاءُ فِيهَا ؟ قَالَ :
هَذِهِ السَّاعَةُ تَقُومُ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَهُوَ سَيِّدُ الْأَيَّامِ عِنْدَنَا
وَنَحْنُ نَدْعُوهُ فِي الْآخِرَةِ يَوْمَ الْمَزِيدِ ، قَالَ : قُلْت لِمَ
تَدْعُونَهُ يَوْمَ الْمَزِيدِ ؟ قَالَ : إنَّ رَبَّك عَزَّ وَجَلَّ اتَّخَذَ فِي
الْجَنَّةِ وَادِيًا أَفَيْحَ مِنْ مِسْكٍ أَبْيَضَ وَإِنَّهُ تَعَالَى يَتَجَلَّى
فِيهِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ لِأَهْلِ الْجَنَّةِ وَقَدْ جَلَسَ الْأَنْبِيَاءُ عَلَى
مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ حُفَّتْ بِكَرَاسِيّ مِنْ ذَهَبٍ لِلصِّدِّيقِينَ
وَالشُّهَدَاءِ وَبَقِيَّةُ أَهْلِ الْجَنَّةِ عَلَى الْكُثُبِ ، فَيَنْظُرُونَ
إلَيْهِ تَعَالَى وَهُوَ يَقُولُ : أَنَا الَّذِي صَدَقْتُكُمْ وَعْدِي
وَأَتْمَمْت عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي هَذَا مَحَلُّ كَرَامَتِي مَا سَأَلُونِي فَيَسْأَلُونَهُ
الرِّضَا ، فَيَقُولُ عَزَّ وَجَلَّ : رِضَايَ أَنْ أُحِلَّكُمْ دَارِي وَتَنَالَكُمْ
كَرَامَتِي فَاسْأَلُونِي ،
فَيَسْأَلُونَهُ حَتَّى تَنْتَهِيَ رَغْبَتُهُمْ
فَيُفْتَحُ لَهُمْ عِنْدَ ذَلِكَ مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ
وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ إلَى مِقْدَارِ مُنْصَرَفِ النَّاسِ يَوْمَ
الْجُمُعَةِ ، ثُمَّ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : فَلَيْسُوا إلَى
شَيْءٍ أَحْوَجَ مِنْهُمْ إلَى يَوْمِ الْجُمُعَةِ لِيَزْدَادُوا فِيهِ كَرَامَةً وَلِيَزْدَادُوا
فِيهِ نَظَرًا لِلَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَلِذَلِكَ دُعِيَ يَوْمَ الْمَزِيدِ } .
وَرَوَاهُ الْبَزَّارُ مُطَوَّلًا .
وَفِيهِ :
{ إنَّ الْجَنَّةَ لَيْسَ فِيهَا لَيْلٌ وَلَا نَهَارٌ
إلَّا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ عَلِمَ مِقْدَارَ ذَلِكَ وَسَاعَاتِهِ ،
فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ فِي الْحِينِ الَّذِي يَبْرُزُ أَوْ يَخْرُجُ فِيهِ
أَهْلُ الْجُمُعَةِ إلَى جُمُعَتِهِمْ يُنَادِي مُنَادٍ يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ
اُخْرُجُوا إلَى دَارِ الْمَزِيدِ لَا يَعْلَمُ سَعَتَهُ وَعَرْضَهُ وَطُولَهُ
إلَّا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فَيَخْرُجُونَ فِي كُثْبَانٍ مِنْ الْمِسْكِ ، قَالَ
حُذَيْفَةُ : وَإِنَّهُ لَهُوَ أَشَدُّ بَيَاضًا مِنْ دَقِيقِكُمْ هَذَا
فَيَخْرُجُ غِلْمَانُ الْأَنْبِيَاءِ بِمَنَابِرَ مِنْ نُورٍ وَيَخْرُجُ غِلْمَانُ
الْمُؤْمِنِينَ بِكَرَاسِيَّ مِنْ يَاقُوتٍ ، فَإِذَا وُضِعَتْ لَهُمْ وَأَخَذَ
الْقَوْمُ مَجَالِسَهُمْ بَعَثَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَلَيْهِمْ رِيحًا تُدْعَى
الْمُثِيرَةَ تُثِيرُ عَلَيْهِمْ الْمِسْكَ الْأَبْيَضَ فَتُدْخِلُهُ مِنْ تَحْتِ
ثِيَابِهِمْ وَتُخْرِجُهُ فِي وُجُوهِهِمْ وَأَشْعَارِهِمْ فَتِلْكَ الرِّيحُ
أَعْلَمُ كَيْفَ تَصْنَعُ بِذَلِكَ الْمِسْكِ مِنْ امْرَأَةِ أَحَدِكُمْ إذَا
دَفَعَ إلَيْهَا كُلَّ طِيبٍ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ لَكَانَتْ تِلْكَ الرِّيحُ
أَعْلَمَ كَيْفَ تَصْنَعُ بِذَلِكَ الْمِسْكِ مِنْ تِلْكَ الْمَرْأَةِ لَوْ دَفَعَ
إلَيْهَا ذَلِكَ الطِّيبَ بِإِذْنِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ .
قَالَ : ثُمَّ يُوحِي اللَّهُ سُبْحَانَهُ إلَى حَمَلَةِ
الْعَرْشِ فَيُوضَعُ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ الْجَنَّةِ وَبَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ
الْحُجُبُ فَيَكُونُ أَوَّلُ مَا يَسْمَعُونَ مِنْهُ أَنْ يَقُولَ : أَيْنَ
عِبَادِي الَّذِينَ أَطَاعُونِي بِالْغَيْبِ وَلَمْ يَرَوْنِي وَصَدَّقُوا رُسُلِي
وَاتَّبَعُوا أَمْرِي
فَسَلُونِي ، فَهَذَا يَوْمُ الْمَزِيدِ فَتَتَّفِقُ
كَلِمَتُهُمْ رَبَّنَا رَضِينَا عَنْك فَارْضَ عَنَّا فَيُجِيبُهُمْ لَوْلَا
رَضِيت عَنْكُمْ مَا أَسْكَنْتُكُمْ جَنَّتِي فَاسْأَلُونِي فَهَذَا يَوْمُ
الْمَزِيدِ فَتَتَّفِقُ كَلِمَتُهُمْ رَبَّنَا أَرِنَا نَنْظُرْ إلَيْك فَيَكْشِفُ
اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى الْحُجُبَ وَيَتَجَلَّى لَهُمْ فَيَغْشَاهُمْ مِنْ
نُورِهِ شَيْءٌ لَوْلَا أَنَّهُ قَضَى عَلَيْهِمْ أَلَّا يَحْتَرِقُوا
لَاحْتَرَقُوا مِمَّا غَشِيَهُمْ مِنْ نُورِهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ، ثُمَّ
يُقَالُ لَهُمْ ارْجِعُوا إلَى مَنَازِلِكُمْ فَيَرْجِعُونَ إلَى مَنَازِلِهِمْ
وَقَدْ خَفَوْا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ وَخَفَيْنَ عَلَيْهِمْ مِمَّا غَشِيَهُمْ مِنْ
نُورِهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ، فَإِذَا صَارُوا إلَى مَنَازِلِهِمْ وَتَرَادَّ
النُّورُ وَأَمْكَنَ وَتَرَادَّ وَأَمْكَنَ حَتَّى يَرْجِعُوا إلَى صُوَرِهِمْ الَّتِي
كَانُوا عَلَيْهَا فَيَقُولُ لَهُمْ أَزْوَاجُهُمْ لَقَدْ خَرَجْتُمْ مِنْ
عِنْدِنَا عَلَى صُورَةٍ وَرَجَعْتُمْ عَلَى غَيْرِهَا ، فَيَقُولُونَ ذَلِكَ
بِأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى تَجَلَّى لَنَا فَنَظَرْنَا مِنْهُ إلَى مَا
خَفَيْنَا بِهِ عَلَيْكُمْ فَلَهُمْ فِي كُلِّ سَبْعَةِ أَيَّامٍ الضِّعْفَ عَلَى
مَا كَانُوا وَذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ : { فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا
أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } } .
وَأَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ : { إنَّ أَدْنَى أَهْلِ
الْجَنَّةِ مَنْزِلَةً لَمَنْ يَنْظُرُ إلَى جِنَانِهِ وَأَزْوَاجِهِ وَنَعِيمِهِ
وَخَدَمِهِ وَسُرُرِهِ مَسِيرَةَ أَلْفِ سَنَةٍ ، وَأَكْرَمُهُمْ عَلَى اللَّهِ
مَنْ يَنْظُرُ إلَى وَجْهِهِ غُدْوَةً وَعَشِيَّةً ثُمَّ قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إلَى رَبِّهَا
نَاظِرَةٌ } } .
وَابْنُ أَبِي الدُّنْيَا : { إنَّ أَفْضَلَ أَهْلِ
الْجَنَّةِ مَنْزِلَةً مَنْ يَنْظُرُ إلَى وَجْهِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى
كُلَّ يَوْمٍ مَرَّتَيْنِ } .
وَالشَّيْخَانِ : { إنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ
لِأَهْلِ الْجَنَّةِ يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ ، فَيَقُولُونَ لَبَّيْكَ رَبَّنَا
وَسَعْدَيْكَ وَالْخَيْرُ فِي يَدَيْك ، فَيَقُولُ : هَلْ
رَضِيتُمْ ؟ فَيَقُولُونَ وَمَا لَنَا لَا نَرْضَى يَا
رَبَّنَا وَقَدْ أَعْطَيْتنَا مَا لَمْ تُعْطِ أَحَدًا مِنْ خَلْقِك ، فَيَقُولُ
أَلَا أُعْطِيكُمْ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ ؟ فَيَقُولُونَ وَأَيُّ شَيْءٍ أَفْضَلُ
مِنْ ذَلِكَ ؟ فَيَقُولُ : أُحِلُّ عَلَيْكُمْ رِضْوَانِي فَلَا أَسْخَطُ
عَلَيْكُمْ بَعْدَهُ أَبَدًا }
.
وَالشَّيْخَانِ : { قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ :
أَعْدَدْت لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ
وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ اقْرَءُوا إنْ شِئْتُمْ : { فَلَا تَعْلَمُ
نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا
يَعْمَلُونَ } } .
وَصَحَّ :
{ قَدْرُ سَوْطِ أَحَدِكُمْ مِنْ الْجَنَّةِ خَيْرٌ مِنْ
الدُّنْيَا وَمِثْلُهَا مَعَهَا ، وَلَقَابُ قَوْسِ أَحَدِكُمْ مِنْ الْجَنَّةِ
خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمِثْلُهَا مَعَهَا ، وَلَنَصِيفُ امْرَأَةٍ مِنْ الْجَنَّةِ
خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمِثْلُهَا مَعَهَا } .
وَصَحَّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ : { لَيْسَ فِي الْجَنَّةِ
شَيْءٌ مِمَّا فِي الدُّنْيَا إلَّا الْأَسْمَاءَ } .
وَمُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ : { إذَا دَخَلَ أَهْلُ
الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ نَادَى مُنَادٍ آنَ لَكُمْ أَنْ تَصِحُّوا فَلَا تَسْقَمُوا
أَبَدًا ، وَآنَ لَكُمْ أَنْ تَحْيَوْا فَلَا تَمُوتُوا أَبَدًا ، وَآنَ لَكُمْ
أَنْ تَشِبُّوا فَلَا تَهْرَمُوا أَبَدًا ، وَآنَ لَكُمْ أَنْ تَنْعَمُوا فَلَا
تَبْأَسُوا أَبَدًا ، وَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : { وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمْ
الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } } .
وَالشَّيْخَانِ { يُؤْتَى بِالْمَوْتِ كَهَيْئَةِ كَبْشٍ
أَمْلَحَ فَيُنَادِي مُنَادٍ يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ فَيَشْرَئِبُّونَ - أَيْ
يَمُدُّونَ أَعْنَاقَهُمْ لِيَنْظُرُوا - فَيَنْظُرُونَ فَيَقُولُ : هَلْ
تَعْرِفُونَ هَذَا ؟ فَيَقُولُونَ نَعَمْ هَذَا الْمَوْتُ وَكُلُّهُمْ قَدْ
رَأَوْهُ ، ثُمَّ يُنَادِي مُنَادٍ يَا أَهْلَ النَّارِ فَيَشْرَئِبُّونَ
وَيَنْظُرُونَ ، فَيَقُولُ : هَلْ تَعْرِفُونَ هَذَا ؟ فَيَقُولُونَ نَعَمْ هَذَا
الْمَوْتُ وَكُلُّهُمْ قَدْ رَأَوْهُ فَيُذْبَحُ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ ، ثُمَّ
يَقُولُ يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ خُلُودٌ بِلَا مَوْتٍ وَيَا أَهْلَ النَّارِ
خُلُودٌ
بِلَا مَوْتٍ ثُمَّ قَرَأَ : { وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ
الْحَسْرَةِ إذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ }
وَأَشَارَ بِيَدِهِ إلَى الدُّنْيَا } ، وَفِي رِوَايَةٍ لَهُمَا : { ثُمَّ
يَقُومُ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ فَيَقُولُ يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ لَا مَوْتَ وَيَا
أَهْلَ النَّارِ لَا مَوْتَ كُلٌّ خَالِدٌ فِيمَا هُوَ فِيهِ } .
جَعَلَنَا اللَّهُ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ الَّذِينَ
أَحَلَّ عَلَيْهِمْ رِضْوَانَهُ وَأَدَامَ لَهُمْ جُودَهُ وَكَرَمَهُ
وَإِحْسَانَهُ ، وَآمَنَنَا فِي الدَّارَيْنِ مِنْ سَائِرِ الْفِتَنِ وَالْمِحَنِ
إنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَبِالْإِجَابَةِ جَدِيرٌ آمِينَ آمِينَ آمِينَ .
وَهَذَا آخِرُ مَا قَصَدْته وَتَمَامُ مَا أَرَدْته
وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا
أَنْ هَدَانَا اللَّهُ ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ أَوَّلًا وَآخِرًا وَبَاطِنًا
وَظَاهِرًا .
يَا رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ كَمَا يَنْبَغِي لِجَلَالِ
وَجْهِك وَعَظِيمِ سُلْطَانِك سُبْحَانَك لَا نُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْك أَنْتَ
كَمَا أَثْنَيْت عَلَى نَفْسِك ، فَلَكَ الْحَمْدُ دَائِمًا أَبَدًا حَمْدًا
يُوَافِي نِعَمَك وَيُكَافِئُ مَزِيدَك عَدَدَ خَلْقِك وَرِضَاءَ نَفْسِك وَزِنَةَ
عَرْشِك وَمِدَادَ كَلِمَاتِك ، وَصَلِّ يَا رَبَّنَا وَسَلِّمْ وَبَارِكْ
أَفْضَلَ صَلَاةٍ وَأَزْكَى سَلَامٍ وَأَعْظَمَ بَرَكَةٍ عَلَى عَبْدِك وَنَبِيِّك
وَرَسُولِك أَشْرَفِ الْخَلْقِ وَرَسُولِ الْحَقِّ الْمُؤَيَّدِ مِنْ رَبِّ
الْعَالَمِينَ بِالصِّدْقِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَأَصْحَابِهِ
وَأَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ ، كَمَا صَلَّيْت
وَسَلَّمْت وَبَارَكْت عَلَى إبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ فِي
الْعَالَمِينَ إنَّك حَمِيدٌ مَجِيدٌ عَدَدَ خَلْقِك وَرِضَاءَ نَفْسِك وَزِنَةَ
عَرْشِك وَمِدَادَ كَلِمَاتِك كُلَّمَا ذَكَرَك وَذَكَرَهُ الذَّاكِرُونَ وَكُلَّمَا
غَفَلَ عَنْ ذِكْرِك وَذِكْرِهِ الْغَافِلُونَ : { دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَك
اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنْ الْحَمْدُ
لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ }=
قلت المدون تم بحمد الله ثم قلت :سبحانك وبحمدك وأستغفرك أنت الله الشافي الكافي الرحمن الرحيم الغفار الغفور القادر القدير المقتدر الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر الخالق البارئ المصور... الواحد الأحد الواجد الماجد الملك المغيث لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك ..لك الملك ولك الحمد وأنت علي كل شيئ قدير ولا حول ولا قوة إلا بك وأستغفرك اللهم بحق أن لك هذه الأسماء وكل الأسماء الحسني أسألك أن تََشفني شفاءا لا يُغادر سقما وأن تَكفني كل همي وتفرج كل كربي وتكشف البأساء والضراء عني وأن تتولي أمري وتغفر لي ذنبي وأن تشرح لي صدري وأن تُيسر لي أمري وأن تحلل عُقْدَةً من لساني يفقهوا قولي وأن تغنني بفضلك عمن سواك اللهم أصلحني: حالي وبالي وأعتقني في الدارين وخُذ بيدي يا ربي وأخرجني من الظلمات الي النور بفضلك وأن ترحم وتغفر لوالديَّ ومن مات من اخوتي وان تغفر لهم أجمعين وكل من مات علي الايمان والتوبة اللهم آمين اللهم تقبل واستجب
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق