ج3.وج4..كتاب الزواجر عن اقتراف الكبائر أحمد بن
محمد بن حجر المكي الهيتمي
---
إنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلَا
دِرْهَمًا وَلَكِنَّهُمْ وَرَّثُوا الْعِلْمَ فَمَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظٍّ
وَافِرٍ } .
زَادَ الْبَيْهَقِيُّ : { وَمَوْتُ الْعَالِمِ مُصِيبَةٌ
لَا تُجْبَرُ وَثُلْمَةٌ لَا تُسَدُّ وَهُوَ نَجْمٌ طُمِسَ .
مَوْتُ قَبِيلَةٍ أَيْسَرُ مِنْ مَوْتِ عَالِمٍ .
نَضَّرَ اللَّهُ امْرَأً - أَيْ رَزَقَهُ النَّضَارَةَ
وَهِيَ النِّعْمَةُ وَالْبَهْجَةُ وَالْحُسْنُ - سَمِعَ مَقَالَتِي فَوَعَاهَا
فَأَدَّاهَا كَمَا سَمِعَهَا ، فَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ ، وَرُبَّ
حَامِلِ فِقْهٍ لَيْسَ بِفَقِيهٍ مِنْهُ . ثَلَاثٌ لَا يُغِلُّ عَلَيْهِنَّ قَلْبُ مُسْلِمٍ :
إخْلَاصُ الْعَمَلِ لِلَّهِ وَمُنَاصَحَةُ وُلَاةِ الْأَمْرِ وَلُزُومُ
الْجَمَاعَةِ فَإِنَّ دَعْوَتَهُمْ لَا تُحْبَطُ } .
وَفِي رِوَايَةٍ : { تَحْفَظُ مَنْ وَرَاءَهُمْ .
وَمَنْ كَانَتْ الدُّنْيَا نِيَّتَهُ فَرَّقَ اللَّهُ
عَلَيْهِ أَمْرَهُ وَجَعَلَ فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ وَلَمْ يَأْتِهِ مِنْ
الدُّنْيَا إلَّا مَا كُتِبَ لَهُ ، وَمَنْ كَانَتْ الْآخِرَةُ نِيَّتَهُ جَمَعَ
اللَّهُ أَمْرَهُ وَجَعَلَ غِنَاهُ فِي قَلْبِهِ وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا وَهِيَ رَاغِمَةٌ .
مَنْ دَلَّ عَلَى خَيْرٍ فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِ فَاعِلِهِ
أَوْ قَالَ عَامِلِهِ .
الدَّالُّ عَلَى الْخَيْرِ كَفَاعِلِهِ وَاَللَّهُ
يُحِبُّ إغَاثَةَ اللَّهْفَانِ
.
مَنْ دَعَا إلَى هُدًى كَانَ لَهُ مِنْ الْأَجْرِ مِثْلُ
أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ .
لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا } .
( الْكَبِيرَةُ الثَّامِنَةُ وَالتَّاسِعَةُ
وَالْأَرْبَعُونَ : تَعَمُّدُ الْكَذِبِ عَلَى اللَّهِ - تَعَالَى - أَوْ عَلَى
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) قَالَ تَعَالَى : { وَيَوْمَ
الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ }
قَالَ الْحَسَنُ : هُمْ الَّذِينَ يَقُولُونَ إنْ شِئْنَا فَعَلْنَا ، وَإِنْ شِئْنَا
لَمْ نَفْعَلْ أَخْرَجَ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ
اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ : { مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ
النَّارِ } وَلِهَذَا الْحَدِيثِ طُرُقٌ كَثِيرَةٌ صَحِيحَةٌ بَلَغَتْ
التَّوَاتُرَ ، عَلَى أَنَّ مَعْنَاهُ وَاقِعٌ قَطْعًا لِأَنَّهُ إنْ لَمْ
يَكْذِبْ عَلَيْهِ فَوَاضِحٌ ، وَإِلَّا فَقَدْ كَذَبَ عَلَيْهِ بِهِ .
وَمُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ : { مَنْ حَدَّثَ عَنِّي
بِحَدِيثٍ يُرَى أَنَّهُ كَذِبٌ فَهُوَ أَحَدُ الْكَاذِبِينَ } .
وَأَيْضًا {
إنَّ كَذِبًا عَلَيَّ لَيْسَ كَكَذِبٍ عَلَى أَحَدٍ
فَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ } .
وَالطَّبَرَانِيُّ : { اللَّهُمَّ ارْحَمْ خُلَفَائِي ،
قُلْنَا : يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَنْ خُلَفَاؤُك ؟ قَالَ الَّذِينَ يَأْتُونَ
مِنْ بَعْدِي يَرْوُونَ أَحَادِيثِي وَيُعَلِّمُونَهَا النَّاسَ }
وَالطَّبَرَانِيُّ عَنْ وَاثِلَةَ : { إنَّ مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ أَنْ
يَقُولَ الرَّجُلُ عَلَيَّ مَا لَمْ أَقُلْ } .
وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ : { مَا مِنْ قَوْمٍ
يَجْتَمِعُونَ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ يَتَعَاطَوْنَهُ بَيْنَهُمْ إلَّا كَانُوا
أَضْيَافًا لِلَّهِ ، وَإِلَّا حَفَّتْهُمْ الْمَلَائِكَةُ حَتَّى يَقُومُوا أَوْ
يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ ، وَمَا مِنْ عَالِمٍ يَخْرُجُ فِي طَلَبِ عِلْمٍ
مَخَافَةَ أَنْ يَمُوتَ أَوْ يَنْسَخَهُ مَخَافَةَ أَنْ يَدْرُسَ إلَّا كَانَ
كَالْغَادِي الرَّائِحِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، وَمَنْ بَطَّأَ بِهِ عَمَلُهُ لَمْ يُسْرِعْ
بِهِ نَسَبُهُ } .
وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ وَأَمْثَالِهِ كَحَدِيثِ
مُسْلِمٍ : { إذَا مَاتَ ابْنُ آدَمَ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إلَّا مِنْ ثَلَاثٍ :
صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ - أَيْ وَهِيَ
الْوَقْفُ - أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ أَوْ وَلَدٍ
صَالِحٍ - أَيْ مُسْلِمٍ - يَدْعُو لَهُ } .
وَكَالْأَحَادِيثِ فِيمَنْ سَنَّ سُنَّةً حَسَنَةً أَوْ
سَيِّئَةً بُشْرَى عَظِيمَةٌ لِمَنْ نَسَخَ عِلْمًا نَافِعًا ، وَهِيَ أَنَّهُ
يَكُونُ لَهُ أَجْرُهُ وَأَجْرُ مَنْ قَرَأَهُ أَوْ نَسَخَهُ أَوْ عَمِلَ بِهِ
مِنْ بَعْدِهِ مَا بَقِيَ خَطُّهُ وَالْعَمَلُ بِهِ ، وَإِنْذَارٌ عَظِيمٌ لِمَنْ
نَسَخَ عِلْمًا فِيهِ إثْمٌ وَهُوَ أَنَّ عَلَيْهِ وِزْرَهُ وَوِزْرَ مَنْ
قَرَأَهُ أَوْ نَسَخَهُ أَوْ عَمِلَ بِهِ بَعْدَهُ مَا بَقِيَ خَطُّهُ وَالْعَمَلُ
بِهِ .
تَنْبِيهٌ :
عَدُّ هَذَيْنِ كَبِيرَتَيْنِ هُوَ مَا صَرَّحُوا بِهِ
وَهُوَ ظَاهِرٌ ، بَلْ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ : إنَّ
الْكَذِبَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُفْرٌ .
وَقَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ : وَقَدْ ذَهَبَتْ
طَائِفَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ إلَى أَنَّ الْكَذِبَ عَلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ
كُفْرٌ يُخْرِجُ عَنْ الْمِلَّةِ ، وَلَا رَيْبَ أَنَّ تَعَمُّدَ الْكَذِبِ عَلَى
اللَّهِ وَرَسُولِهِ فِي تَحْلِيلِ حَرَامٍ أَوْ تَحْرِيمِ حَلَالٍ كُفْرٌ مَحْضٌ
، وَإِنَّمَا الْكَلَامُ فِي الْكَذِبِ عَلَيْهِمَا فِيمَا سِوَى ذَلِكَ .
وَقَالَ الْجَلَالُ الْبُلْقِينِيُّ : جَاءَ الْوَعِيدُ
فِي أَحَادِيثَ كَثِيرَةٍ بِأَنَّ مَنْ كَذَبَ عَلَيْهِ مُتَعَمِّدًا
فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ .
وَقَالَ الْعُلَمَاءُ : إنَّهَا بَلَغَتْ حَدَّ التَّوَاتُرِ
: قَالَ الْبَزَّارُ : رَوَاهُ مَرْفُوعًا نَحْوُ أَرْبَعِينَ صَحَابِيًّا .
وَقَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ : إنَّهُ حَدِيثٌ بَلَغَ حَدَّ
التَّوَاتُرِ ، رَوَاهُ الْجَمُّ الْكَثِيرُ مِنْ الصَّحَابَةِ ، قِيلَ إنَّهُمْ
يَبْلُغُونَ ثَمَانِينَ نَفْسًا ، وَجَمَعَ الْحَافِظُ طُرُقَهُ فِي جُزْءٍ ضَخْمٍ
، قِيلَ : رُوَاتُهُ فَوْقَ سَبْعِينَ صَحَابِيًّا ، وَذَكَرَ أَنَّ مِنْ جُمْلَةِ
مَنْ رَوَاهُ الْعَشَرَةَ إلَّا عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ ، وَبَلَغَ بِهِمْ
الطَّبَرَانِيُّ وَابْنُ مَنْدَهْ سَبْعَةً وَثَمَانِينَ مِنْهُمْ الْعَشَرَةُ .
( الْكَبِيرَةُ الْخَمْسُونَ : مَنْ سَنَّ سُنَّةً سَيِّئَةً
) أَخْرَجَ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ عَنْ جَرِيرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : {
كُنَّا فِي صَدْرِ النَّهَارِ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَجَاءَ قَوْمٌ عُرَاةٌ مُجْتَابِي النِّمَارِ - أَيْ لَابِسِيهَا - قَدْ
خَرَقُوهَا فِي رُءُوسِهِمْ مِنْ الْجَوْبِ وَهُوَ الْقَطْعُ - جَمْعُ نَمِرَةٍ
وَهِيَ كِسَاءٌ مِنْ صُوفٍ مُخَطَّطٍ - أَوْ الْعَبَاءِ مُقَلِّدِي السُّيُوفِ ،
عَامَّتُهُمْ مِنْ مُضَرَ بَلْ كُلُّهُمْ مِنْ مُضَرَ فَتَمَعَّرَ - أَيْ
بِتَشْدِيدِ الْمُهْمَلَةِ - تَغَيَّرَ وَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ لَمَّا رَأَى مَا بِهِمْ مِنْ الْفَاقَةِ فَدَخَلَ ثُمَّ خَرَجَ
فَأَمَرَ بِلَالًا فَأَذَّنَ وَأَقَامَ فَصَلَّى ثُمَّ خَطَبَ فَقَالَ : { يَا أَيُّهَا
النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ
مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا
اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ
رَقِيبًا } وَالْآيَةَ الَّتِي فِي سُورَةِ الْحَشْرِ : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ } تَصَدَّقَ
رَجُلٌ مِنْ دِينَارِهِ مِنْ دِرْهَمِهِ مِنْ ثَوْبِهِ مِنْ صَاعِ بُرِّهِ مِنْ
صَاعِ تَمْرِهِ حَتَّى قَالَ : وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ .
فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ بِصُرَّةٍ كَادَتْ
كَفُّهُ تَعْجِزُ عَنْهَا بَلْ قَدْ عَجَزَتْ ثُمَّ تَتَابَعَ النَّاسُ حَتَّى
رَأَيْتُ كَوْمَيْنِ مِنْ طَعَامٍ وَثِيَابٍ حَتَّى رَأَيْت وَجْهَ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَهَلَّلَ كَأَنَّهُ مُدْهُنَةٌ - أَيْ
بِالْمُهْمَلَةِ وَالنُّونِ وَضَمِّ الْهَاءِ ، أَوْ الْمُعْجَمَةِ
وَالْمُوَحَّدَةِ وَفَتْحِ الْهَاءِ وَهُوَ الْأَشْهَرُ : أَيْ كَأَنَّهُ وَرَقَةٌ
مَطْلِيَّةٌ بِذَهَبٍ ، وَكِلَاهُمَا كِنَايَةٌ عَنْ ظُهُورِ الْبِشْرِ وَالْإِشْرَاقِ
مِنْ شِدَّةِ السُّرُورِ - فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ مَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا
وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ بَعْدِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ
يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ ، وَمَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ
سُنَّةً سَيِّئَةً كَانَ عَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ
غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْءٌ } .
وَصَحَّ أَيْضًا : { مَنْ سَنَّ خَيْرًا فَاسْتُنَّ بِهِ
كَانَ لَهُ أَجْرُهُ وَمِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ غَيْرَ مُتَنَقِّصٍ مِنْ
أُجُورِهِمْ شَيْئًا ، وَمَنْ سَنَّ شَرًّا فَاسْتُنَّ بِهِ كَانَ عَلَيْهِ
وِزْرُهُ وَمِثْلُ مَنْ تَبِعَهُ غَيْرَ مُتَنَقِّصٍ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْئًا } .
وَفِي رِوَايَةٍ سَنَدُهَا لَا بَأْسَ بِهِ : { مَنْ
سَنَّ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا مَا عُمِلَ بِهَا فِي حَيَاتِهِ وَبَعْدَ
مَمَاتِهِ حَتَّى تُتْرَكَ .
وَمَنْ سَنَّ سُنَّةً سَيِّئَةً فَعَلَيْهِ إثْمُهَا حَتَّى
تُتْرَكَ ، وَمَنْ مَاتَ مُرَابِطًا جَرَى عَلَيْهِ عَمَلُ الْمُرَابِطِ حَتَّى
يُبْعَثَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ }
.
فِي أُخْرَى سَنَدُهَا حَسَنٌ عَنْ التِّرْمِذِيِّ
وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ فِيهِ وَاهِيًا
.
وَأُجِيبَ بِأَنَّ لَهُ شَوَاهِدَ : { مَنْ أَحْيَا
سُنَّةً مِنْ سُنَّتِي قَدْ أُمِيتَتْ بَعْدِي كَانَ لَهُ مِنْ الْأَجْرِ مِثْلُ
مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا ، وَمَنْ
ابْتَدَعَ بِدْعَةَ ضَلَالَةٍ لَا يَرْضَاهَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ كَانَ عَلَيْهِ مِثْلُ
آثَامِ مَنْ عَمِلَ بِهَا لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أَوْزَارِ النَّاسِ شَيْئًا } .
وَصَحَّ : { مَا مِنْ دَاعٍ يَدْعُو لِشَيْءٍ إلَّا
وَقَفَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَازِمًا لِدَعْوَتِهِ مَا دَعَا إلَيْهِ ، وَإِنْ
دَعَا رَجُلٌ رَجُلًا } .
وَابْنُ مَاجَهْ وَغَيْرُهُ بِسَنَدٍ فِيهِ لِينٌ : {
إنَّ هَذَا الْخَيْرَ خَزَائِنُ ، وَلِتِلْكَ الْخَزَائِنِ مَفَاتِيحُ ، فَطُوبَى
لِعَبْدٍ جَعَلَهُ اللَّهُ مِفْتَاحًا لِلْخَيْرِ مِغْلَاقًا لِلشَّرِّ ، وَوَيْلٌ
لِعَبْدٍ جَعَلَهُ اللَّهُ مِفْتَاحًا لِلشَّرِّ مِغْلَاقًا لِلْخَيْرِ } .
تَنْبِيهٌ : عَدُّ هَذَا كَبِيرَةً هُوَ ظَاهِرُ مَا فِي
هَذِهِ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ مِنْ الْوَعِيدِ الشَّدِيدِ وَهُوَ مُضَاعَفَةُ
تِلْكَ الْآثَامِ ، وَذَلِكَ لِمُضَاعَفَةِ الْعَذَابِ الْمُضَاعَفَةَ
الْكَثِيرَةَ الَّتِي يَعْجِزُ عَنْهَا الْحِسَابُ .
فَإِنْ قُلْت : إنْ كَانَتْ الْمَعْصِيَةُ
الَّتِي سَنَّهَا كَبِيرَةً فَعَدُّهَا غَيْرُ صَحِيحٍ ،
أَوْ غَيْرَ كَبِيرَةٍ فَعَدُّهَا مُشْكِلٌ .
قُلْت :
بَلْ الْوَجْهُ حَمْلُ عَدِّهَا كَبِيرَةً ، وَإِنْ لَمْ
أَرَ مَنْ ذَكَرَهُ عَلَى مَا إذَا سَنَّ صَغِيرَةً وَلَا إشْكَالَ فِيهِ ،
لِأَنَّهُ لَمَّا سَنَّهَا لِغَيْرِهِ فَاقْتَدَى بِهِ فِيهَا فَحُشَتْ
وَتَضَاعَفَ عِقَابُهَا فَصَارَتْ بِذَلِكَ كَالْكَبِيرَةِ ، بَلْ وَأَعْظَمَ
بِكَثِيرٍ إذْ الْكَبِيرَةُ يَنْقَطِعُ إثْمُهَا بِالْفِرَاعِ مِنْهَا وَهَذِهِ إثْمُهَا
مُتَضَاعِفٌ مُسْتَمِرٌّ وَشَتَّانَ مَا بَيْنَهُمَا ، ثُمَّ رَأَيْتُ جَمْعًا
عَدُّوا مِنْ الْكَبَائِرِ الْإِحْدَاثَ بِالدِّينِ وَاسْتَدَلُّوا بِالْخَبَرِ الصَّحِيحِ
: { لَعَنَ اللَّهُ مَنْ أَحْدَثَ حَدَثًا } .
قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ : وَهِيَ تَخْتَلِفُ
بِاخْتِلَافِ الْحَدَثِ نَفْسِهِ ، فَكُلَّمَا كَانَ أَكْبَرَ كَانَتْ
الْكَبِيرَةُ أَعْظَمَ .
قَالَ الذَّهَبِيُّ : وَمِنْهُ { مَنْ دَعَا لِضَلَالَةٍ
أَوْ سَنَّ سُنَّةً سَيِّئَةً }
.
انْتَهَى ، وَفِي ذَلِكَ تَصْرِيحٌ بِمَا ذَكَرْته .
( الْكَبِيرَةُ الْحَادِيَةُ وَالْخَمْسُونَ : تَرْكُ
السُّنَّةِ ) أَخْرَجَ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ فِي الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ
الْإِجْمَاعَ حُجَّةٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { الصَّلَاةُ الْمَكْتُوبَةُ إلَى
الَّتِي بَعْدَهَا كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا ، وَالْجُمُعَةُ إلَى الْجُمُعَةِ
، وَرَمَضَانُ إلَى رَمَضَانَ كَفَّارَةٌ لَمَّا بَيْنَهُمَا ، ثُمَّ قَالَ بَعْدَ
ذَلِكَ إلَّا مِنْ ثَلَاثٍ : الْإِشْرَاكِ بِاَللَّهِ وَنَكْثِ الصَّفْقَةِ وَتَرْكِ
السُّنَّةِ ، قُلْنَا : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَمَّا الْإِشْرَاكُ فَقَدْ
عَرَفْنَاهُ فَمَا نَكْثُ الصَّفْقَةِ وَتَرْكُ السُّنَّةِ ؟ قَالَ : أَمَّا نَكْثُ
الصَّفْقَةِ أَنْ تُبَايِعَ رَجُلًا بِيَمِينِك ثُمَّ تُخَالِفَ إلَيْهِ فَتَقْتُلَهُ
بِسَيْفِك ، وَأَمَّا تَرْكُ السُّنَّةِ : فَالْخُرُوجُ مِنْ الْجَمَاعَةِ } .
قَالَ هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ
وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ .
وَيُعَضِّدُهُ رِوَايَةُ أَحْمَدَ وَأَبِي دَاوُد : {
مَنْ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ قَيْدَ شِبْرٍ فَقَدْ خَلَعَ رِبْقَةَ الْإِسْلَامِ
مِنْ عُنُقِهِ } .
قَالَ الْجَلَالُ الْبُلْقِينِيُّ : وَالْمُرَادُ
بِذَلِكَ اتِّبَاعُ الْبِدَعِ عَافَانَا اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ .
وَصَحَّ أَيْضًا : { لَعَنَ اللَّهُ مَنْ أَحْدَثَ
حَدَثًا } .
وَأَيْضًا :
{ سِتَّةٌ لَعَنَهُمْ اللَّهُ وَكُلُّ نَبِيٍّ مُجَابِ
الدَّعْوَةِ : الزَّائِدُ فِي كِتَابِ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - ،
وَالْمُكَذِّبُ بِقَدَرِ اللَّهِ ، وَالْمُتَسَلِّطُ عَلَى أُمَّتِي
بِالْجَبَرُوتِ لِيُذِلَّ مَنْ أَعَزَّهُ اللَّهُ وَيُعِزَّ مَنْ أَذَلَّهُ
اللَّهُ ، وَالْمُسْتَحِلُّ حُرْمَةَ اللَّهِ ، وَالْمُسْتَحِلُّ مِنْ عِتْرَتِي
مَا حَرَّمَ اللَّهُ ، وَالتَّارِكُ لِسُنَّتِي } .
وَصَحَّ أَيْضًا : { مَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ
مِنِّي } .
وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ : { مَا مِنْ أُمَّةٍ
ابْتَدَعَتْ بَعْدَ نَبِيِّهَا فِي دِينِهَا بِدْعَةً إلَّا أَضَاعَتْ مِثْلَهَا
مِنْ السُّنَّةِ } .
وَهُوَ وَابْنُ أَبِي عَاصِمٍ : { مَا تَحْتَ ظِلِّ
السَّمَاءِ مِنْ إلَهٍ يُعْبَدُ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ هَوًى يُتَّبَعُ } .
تَنْبِيهٌ : عَدُّ
هَذَا كَبِيرَةً هُوَ مَا صَرَّحَ بِهِ شَيْخُ
الْإِسْلَامِ الصَّلَاحُ الْعَلَائِيُّ فِي قَوَاعِدِهِ ، وَالْجَلَالُ
الْبُلْقِينِيُّ وَغَيْرُهُمَا
.
وَعِبَارَةُ الْجَلَالِ فِي تَعْدَادِ الْكَبَائِرِ : السَّادِسَةَ
عَشْرَةَ الْبِدْعَةُ وَهِيَ الْمُرَادُ بِتَرْكِ السُّنَّةِ انْتَهَى .
وَالْمُرَادُ بِالسُّنَّةِ مَا عَلَيْهِ إمَامَا أَهْلِ السُّنَّةِ
وَالْجَمَاعَةِ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيُّ وَأَبُو مَنْصُورٍ
الْمَاتُرِيدِيُّ ، وَالْبِدْعَةُ مَا عَلَيْهِ فِرْقَةٌ مِنْ فِرَقِ
الْمُبْتَدِعَةِ الْمُخَالِفَةِ لِاعْتِقَادِ هَذَيْنِ الْإِمَامَيْنِ وَجَمِيعِ
أَتْبَاعِهِمَا .
وَصَحَّ فِي تَقْرِيعِ الْمُبْتَدِعَةِ أَحَادِيثُ :
مِنْهَا : " مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ
رَدٌّ .
أَمَّا بَعْدُ : فَإِنَّ خَيْرَ الْحَدِيثِ كِتَابُ
اللَّهِ ، وَخَيْرَ الْهُدَى هُدَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ،
{ وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ .
إنَّمَا أَخْشَى عَلَيْكُمْ شَهَوَاتِ الْغَيِّ فِي
بُطُونِكُمْ وَفُرُوجِكُمْ ، وَمُضِلَّاتِ الْهَوَى .
إيَّاكُمْ وَالْمُحْدَثَاتِ فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ
ضَلَالَةٌ .
إنَّ اللَّهَ حَجَبَ التَّوْبَةَ عَنْ كُلِّ صَاحِبِ
بِدْعَةٍ حَتَّى يَدَعَ بِدْعَتَهُ
} .
وَفِي رِوَايَةٍ لِابْنِ مَاجَهْ : { أَبَى اللَّهُ أَنْ
يَقْبَلَ عَمَلَ صَاحِبِ بِدْعَةٍ حَتَّى يَدَعَ بِدْعَتَهُ } .
وَفِي أُخْرَى لَهُ : { لَا يَقْبَلُ اللَّهُ لِصَاحِبِ
بِدْعَةٍ صَوْمًا وَلَا حَجًّا وَلَا عُمْرَةً وَلَا جِهَادًا وَلَا صَرْفًا وَلَا
عَدْلًا يَخْرُجُ مِنْ الْإِسْلَامِ كَمَا تَخْرُجُ الشَّعْرَةُ مِنْ الْعَجِينِ .
لَقَدْ تُرِكْتُمْ عَلَى مِثْلِ الْبَيْضَاءِ ،
لَيْلُهَا كَنَهَارِهَا لَا يَزِيغُ عَنْهَا إلَّا هَالِكٌ .
لِكُلِّ عَمَلٍ شِرَّةٌ - أَيْ بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ
فَشَدَّةٍ لِلرَّاءِ فَتَاءِ تَأْنِيثٍ : نَشَاطٌ وَهِمَّةٌ - وَلِكُلِّ شِرَّةٍ
فَتْرَةٌ ، فَمَنْ كَانَتْ شِرَّتُهُ إلَى سُنَنِي فَقَدْ اهْتَدَى ، وَمَنْ
كَانَتْ شِرَّتُهُ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَقَدْ هَلَكَ .
إنِّي أَخَافُ عَلَى أُمَّتِي مِنْ ثَلَاثٍ : مِنْ
زَلَّةِ عَالِمٍ ، وَهَوًى مُتَّبَعٍ ، وَحَكَمٍ جَائِرٍ } وَهَذَا حَسَّنَهُ
التِّرْمِذِيُّ
بِسَنَدِهِ فِي مَوَاضِعَ وَصَحَّحَهُ فِي مَوَاضِعَ .
وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ فِيهِ وَاهِيًا لَكِنْ احْتَجَّ
بِهِ ابْنُ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ
.
وَصَحَّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ وَقَفَ عَلَى
قَصَّاصٍ فَقَالَ لَهُ : لَقَدْ ابْتَدَعْتَ بِدْعَةَ ضَلَالَةٍ ، أَوْ إنَّك لَأَهْدَى
مِنْ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ .
، ، فَتَفَرَّقَ
النَّاسُ عَنْهُ لَمْ يَبْقَ عِنْدَهُ أَحَدٌ ، وَهُوَ مَحْمُولٌ أَنَّهُ كَانَ
يَذْكُرُ فِي قَصَصِهِ مَا ابْتَدَعَهُ جَهَلَةُ الْقُصَّاصِ مِنْ ذِكْرِ
الْأَكَاذِيبِ وَالْأَحَادِيثِ الْمَوْضُوعَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ .
وَأَمَّا الْقَصَصُ عَلَى مَا يَنْبَغِي - بِأَنْ يُذَكِّرَهُمْ
بِاَللَّهِ وَآيَاتِهِ وَيُعَرِّفَهُمْ مَا يَنْبَغِي أَوْ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِمْ
تَعَلُّمُهُ - فَهَذَا مِنْ أَفْضَلِ الْقُرُبَاتِ وَأَجَلِّ الْمَقَامَاتِ .
( الْكَبِيرَةُ الثَّانِيَةُ وَالْخَمْسُونَ :
التَّكْذِيبُ بِالْقَدَرِ ) أَيْ بِأَنَّ اللَّهَ يُقَدِّرُ عَلَى عَبْدِهِ
الْخَيْرَ وَالشَّرَّ كَمَا زَعَمَهُ الْمُعْتَزِلَةُ لَعَنَهُمْ اللَّهُ ،
فَإِنَّهُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّ الْعَبْدَ يَخْلُقُ أَفْعَالَ نَفْسِهِ مِنْ دُونِ
اللَّهِ - تَبَارَكَ وَتَعَالَى - فَهُمْ يُنْكِرُونَ الْقَدَرَ فَسُمُّوا
قَدَرِيَّةً لِذَلِكَ ، وَزَعْمُهُمْ أَنَّ الْأَحَقَّ بِهَذَا الِاسْمِ هُمْ
الْمُثْبِتُونَ نِسْبَةَ الْقَدَرِ إلَى اللَّهِ - تَعَالَى - يَرُدُّهُ صَرِيحُ
مَا يَأْتِي مِنْ الْأَحَادِيثِ وَعَنْ الصَّحَابَةِ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ
- ، وَالْحُجَّةُ لَيْسَتْ إلَّا فِي ذَلِكَ دُونَ الْعُقُولِ الْفَاسِدَةِ
الَّتِي اسْتَنَدُوا إلَيْهَا وَتَرْكِ النُّصُوصِ عَلَى عَادَاتِهِمْ
الْقَبِيحَةِ الشَّنِيعَةِ مِنْ تَرْكِهِمْ صَرَائِحَ النُّصُوصِ الْقَطْعِيَّةِ
لِمُجَرَّدِ خَيَالٍ تَخَيَّلَتْهُ عُقُولُهُمْ كَإِنْكَارِهِمْ سُؤَالَ
الْمَلَكَيْنِ ، وَعَذَابَ الْقَبْرِ ، وَالصِّرَاطَ ، وَالْمِيزَانَ ،
وَالْحَوْضَ ، وَرُؤْيَةَ اللَّهِ تَعَالَى فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ بِالْبَصَرِ ،
وَغَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا صَحَّتْ بِهِ الْأَحَادِيثُ بَلْ تَوَاتَرَتْ مِنْ غَيْرِ
رَيْبٍ وَلَا مِرْيَةٍ ، فَقَبَّحَهُمْ اللَّهُ مَا أَخْذَلَهُمْ وَأَسْفَهَهُمْ
وَأَجْهَلَهُمْ بِالسُّنَّةِ وَبِنَبِيِّهِمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
الَّذِي نَطَقَ بِهَا عَنْ اللَّهِ تَعَالَى : { وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى إنْ
هُوَ إلَّا وَحْيٌ يُوحَى } وَدَلِيلُنَا عَلَيْهِمْ فِيمَا نَحْنُ بِصَدَدِهِ
قَوْله تَعَالَى { إنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ } أَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ أَنَّهَا
نَزَلَتْ فِي الْقَدَرِيَّةِ .
وَيُؤَيِّدُهُ مَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ : أَنَّ سَبَبَ
نُزُولِهَا : أَنَّ كُفَّارَ مَكَّةَ أَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُخَاصِمُونَهُ فِي الْقَدَرِ فَنَزَلَ : { إنَّ
الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى
وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ إنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ } فَالْقَدَرِيَّةُ
هُمْ الْمُجْرِمُونَ الَّذِينَ ذَكَرَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى وَمَنْ كَانَ عَلَى
طَرِيقَتِهِمْ كَالْمُعْتَزِلَةِ
، وَإِنْ
لَمْ يَكُونُوا عَلَيْهَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ ، وَفِيهَا قَالَ آخَرُ : { أَنَّ أُسْقُفَ
نَجْرَانَ جَاءَ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ :
تَزْعُمُ يَا مُحَمَّدُ أَنَّ الْمَعَاصِيَ بِقَدَرٍ وَلَيْسَ كَذَلِكَ ، فَقَالَ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
: أَنْتُمْ خُصَمَاءُ اللَّهِ فَنَزَلَ : { إنَّ
الْمُجْرِمِينَ } إلَخْ } .
وَصَحَّ :
{ كَتَبَ اللَّهُ مَقَادِيرَ الْخَلَائِقِ كُلِّهَا مِنْ
قَبْلِ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ بِخَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ }
الْحَدِيثَ ، وَسَيَأْتِي .
وَقَالَ طَاوُسٌ : أَدْرَكْت مَا شَاءَ اللَّهُ مِنْ أَصْحَابِ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُونَ : كُلُّ شَيْءٍ
بِقَدَرِ اللَّهِ ، وَسَمِعْت عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ يَقُولُ : قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { كُلُّ شَيْءٍ بِقَدَرٍ حَتَّى
الْعَجْزِ وَالْكَيْسِ أَوْ الْكَيْسِ وَالْعَجْزِ } .
وَعَنْ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { لَا يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ عَبْدٌ
حَتَّى يُؤْمِنَ بِأَرْبَعٍ : يَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ ، وَأَنِّي
رَسُولُ اللَّهِ بَعَثَنِي بِالْحَقِّ ، وَيُؤْمِنُ بِالْبَعْثِ بَعْدَ الْمَوْتِ
، وَيُؤْمِنُ بِالْقَدَرِ } .
وَفِي رِوَايَةٍ : " خَيْرِهِ وَشَرِّهِ "
وَحَدِيثُ : { كُلُّ شَيْءٍ بِقَدَرٍ حَتَّى الْعَجْزِ وَالْكَيْسِ } رَوَاهُ
مُسْلِمٌ .
وَهُوَ صَرِيحٌ فِي مَذْهَبِ أَهْلِ السُّنَّةِ .
وَأَخْرَجَ ابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ : أَنَّهُ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { سِتَّةٌ لَعَنَهُمْ اللَّهُ وَكُلُّ
نَبِيٍّ مُجَابِ الدَّعْوَةِ : الْمُكَذِّبُ بِقَدَرِ اللَّهِ ، وَالزَّائِدُ فِي
كِتَابِ اللَّهِ ، وَالْمُتَسَلِّطُ بِالْجَبَرُوتِ لِيُذِلَّ مَنْ أَعَزَّهُ اللَّهُ
، وَالْمُسْتَحِلُّ حُرْمَةَ اللَّهِ ، وَالْمُسْتَحِلُّ مِنْ عِتْرَتِي مَا
حَرَّمَ اللَّهُ ، وَالتَّارِكُ لِسُنَّتِي } .
قَالَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ : اعْلَمْ أَنَّ الْجَبْرِيَّ
يَقُولُ : الْقَدَرِيُّ مَنْ يَقُولُ : الطَّاعَةُ وَالْمَعْصِيَةُ بِفِعْلِي فَهُوَ
يُنْكِرُ الْقَدَرَ ، وَالْمُعْتَزِلِيُّ يَقُولُ الْجَبْرِيُّ قَدَرِيٌّ لِأَنَّهُ
يَقُولُ الْخَيْرُ وَالشَّرُّ قَدَّرَهُ اللَّهُ عَلَيَّ
فَهُوَ مُثْبِتٌ لِلْقَدَرِ ، وَالْفَرِيقَانِ مُتَّفِقَانِ عَلَى أَنَّ السُّنِّيَّ
الْقَائِلَ بِأَنَّ الْأَفْعَالَ بِخَلْقِ اللَّهِ وَكَسْبٍ مِنْ الْعَبْدِ لَيْسَ
بِقَدَرِيٍّ انْتَهَى .
وَفِيهِ ؛ إنْ صَحَّ رَدٌّ عَلَى الزَّمَخْشَرِيِّ
الْحَامِلِ رَايَةَ الْمُعْتَزِلَةِ إلَى النَّارِ فِي زَعْمِهِ فِي مَوَاضِعَ
أَنَّ الْقَدَرِيَّةَ هُمْ أَهْلُ السُّنَّةِ وَكَذَبَ فِي ذَلِكَ وَافْتَرَى
عَلَى اللَّهِ وَعَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الصَّحَابَةِ وَتَابِعِيهِمْ بِإِحْسَانٍ
إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ، وَإِنَّمَا الْحَامِلُ لَهُ عَلَى ذَلِكَ خُبْثُ عَقِيدَتِهِ
وَفَسَادُ طَوِيَّتِهِ فَهُوَ أَحَقُّ أَنْ يُقْرَأَ عَلَيْهِ { وَدُّوا لَوْ
تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً } { وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ
الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ
عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ } { أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمْ اللَّهُ
مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ
وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ
صَدَّ عَنْهُ وَكَفَى بِجَهَنَّمَ سَعِيرًا } .
قَالَ الْفَخْرُ الرَّازِيّ : وَالْحَقُّ أَنَّ الْقَدَرِيَّ هُوَ
الَّذِي يُنْكِرُ الْقَدَرَ وَيَنْسُبُ الْحَوَادِثَ لِاتِّصَالَاتٍ
بِالْكَوَاكِبِ ، لِمَا رُوِيَ أَنَّ قُرَيْشًا تَخَاصَمُوا فِي الْقَدَرِ .
وَمَذْهَبُهُمْ أَنَّ اللَّهَ مَكَّنَ الْعَبْدَ مِنْ الطَّاعَةِ
وَالْمَعْصِيَةِ ، وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى خَلْقِ ذَلِكَ فِي الْعَبْدِ وَقَادِرٌ
عَلَى أَنْ يُطْعِمَ الْفَقِيرَ ، وَلِهَذَا قَالُوا : { أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ
يَشَاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ ؟ }
مُنْكِرِينَ لِقُدْرَتِهِ - تَعَالَى - عَلَى
الْإِطْعَامِ .
وَأَمَّا قَوْلُهُ { صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
: الْقَدَرِيَّةُ مَجُوسُ هَذِهِ الْأُمَّةِ } .
فَإِنْ أُرِيدَ بِالْأُمَّةِ أُمَّةُ الدَّعْوَى
فَالْقَدَرِيَّةُ فِي زَمَانِهِ هُمْ الْمُشْرِكُونَ الْمُنْكِرُونَ قُدْرَتَهُ
تَعَالَى عَلَى الْحَوَادِثِ فَلَا تَدْخُلُ فِيهِمْ الْمُعْتَزِلَةُ ، أَوْ
أُمَّةُ الْإِجَابَةِ ، فَمَعْنَاهُ أَنَّ نِسْبَةَ الْقَدَرِيَّةِ إلَيْهِمْ
كَنِسْبَةِ الْمَجُوسِ إلَى الْأُمَمِ الْمُتَقَدِّمَةِ
فَإِنَّهُمْ أَضْعَفُ الْأُمَمِ شُبْهَةً وَأَشَدُّهُمْ مُخَالَفَةً لِلْعَقْلِ ،
وَكَذَا الْقَدَرِيَّةُ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ وَكَوْنُهُمْ كَذَلِكَ لَا
يَقْتَضِي الْجَزْمَ بِكُفْرِهِمْ ، فَالْحَقُّ أَنَّ الْقَدَرِيَّ هُوَ الَّذِي يُنْكِرُ
قُدْرَةَ اللَّه تَعَالَى انْتَهَى
.
وقَوْله تَعَالَى ( كُلَّ ) مَنْصُوبٌ عَلَى الِاشْتِغَالِ
وَقُرِئَ شَاذًّا بِالرَّفْعِ ، وَرُدَّ بِأَنَّهُ يُوهِمُ مَا لَا يَجُوزُ عِنْدَ
أَهْلِ السُّنَّةِ إذْ ( كُلَّ
) مُبْتَدَأٌ وَ ( خَلَقْنَاهُ ) صِفَتُهُ أَوْ صِفَةُ :
شَيْءٍ ، وَبِقَدَرٍ خَبَرُهُ أَيْ كُلُّ شَيْءٍ مَوْصُوفٍ بِالْخَلْقِ هُوَ بِتَقْدِيرٍ
وَاحِدٍ فِي مَاهِيَّتِهِ وَزَمَانِهِ وَحِينَئِذٍ فَمَفْهُومُهُ أَنَّ الشَّيْءَ
الْغَيْرَ الْمَخْلُوقِ لِلَّهِ تَعَالَى لَيْسَ بِقَدَرٍ ، وَهَذَا هُوَ عَيْنُ
مَذْهَبِ الْمُعْتَزِلَةِ مِنْ أَنَّ ثَمَّ مَخْلُوقَاتٍ لِغَيْرِ اللَّهِ -
تَعَالَى - كَالْإِنْسَانِ يَخْلُقُ أَفْعَالَ نَفْسِهِ بِخِلَافِ قِرَاءَةِ
النَّصْبِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهَا ، فَإِنَّهَا تُفِيدُ عُمُومَ خَلْقِهِ تَعَالَى
لِكُلِّ شَيْءٍ .
إذْ التَّقْدِيرُ إنَّا خَلَقْنَا كُلَّ شَيْءٍ
خَلَقْنَاهُ : فَخَلَقْنَاهُ الثَّانِيَةُ تَفْسِيرٌ وَتَأْكِيدٌ لِخَلَقْنَا
الْأُولَى لَا صِفَةٌ لِشَيْءٍ ، لِأَنَّ الصِّفَةَ لَا تَعْمَلُ فِيمَا قَبْلَ
الْمَوْصُوفِ فَيَضِيعُ نَصْبُ كُلٍّ فَتَعَيَّنَ أَنَّ نَاصِبَهُ مُضْمَرٌ ،
وَأَنَّ خَلَقْنَاهُ الْمَذْكُورَ تَأْكِيدٌ وَتَفْسِيرٌ لَهُ كَمَا تَقَرَّرَ وَالتَّأْكِيدُ
فِي نِيَّةِ الطَّرْحِ ، فَكُلُّ شَيْءٍ بَاقٍ عَلَى عُمُومِهِ مِنْ شُمُولِ
الْخَلْقِ لَهُ ، وَبِقَدَرٍ حَالٌ : أَيْ إنَّا خَلَقْنَا كُلَّ شَيْءٍ حَالَ
كَوْنِهِ مُلْتَبِسًا بِتَقْدِيرِنَا لَهُ أَوْ بِمِقْدَارٍ فِي ذَاتِهِ
وَصِفَاتِهِ ، وَهَذَا هُوَ عَيْنُ مَذْهَبِ أَهْلِ السُّنَّةِ .
فَالْآيَةُ صَرِيحَةٌ فِي حَقِّيَّةِ مَذْهَبِهِمْ وَبُطْلَانِ
مَذْهَبِ الْمُعْتَزِلَةِ ، وَلَمْ يَشْتَدَّ تَعَصُّبُ الزَّمَخْشَرِيِّ لَهُمْ
هُنَا كَعَادَتِهِ لِضَعْفِ وَجْهِ الرَّفْعِ خِلَافًا لِقَوْمٍ زَعَمُوا أَنَّهُ
الِاخْتِيَارُ صِنَاعَةً ، بَلْ زَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ الْوَجْهُ فِي
الْعَرَبِيَّةِ ، وَلَيْسَ
كَمَا زُعِمَ لِأَنَّ إنَّا عِنْدَهُمْ تَطْلُبُ
الْفِعْلَ ، فَكَانَ النَّصْبُ هُوَ الِاخْتِيَارَ صِنَاعَةً أَيْضًا .
وَلَك أَنْ تَقُولَ وَلَوْ سَلَّمْنَا قِرَاءَةَ
الرَّفْعِ هُنَا لَا دَلَالَةَ فِيهَا لِلْمُعْتَزِلَةِ لِأَنَّ خَلَقْنَاهُ كَمَا
يَحْتَمِلُ الْوَصْفَ يَحْتَمِلُ الْخَبَرِيَّةَ لِكُلٍّ وَهُمَا خَبَرَانِ
فَأَفَادَتْ مَا يُفِيدُهُ النَّصْبُ مِنْ الْعُمُومِ ، وَإِذَا احْتَمَلَتْ
الْعُمُومَ وَغَيْرَهُ لَمْ يَكُنْ فِيهَا دَلَالَةٌ عَلَيْهِ ؛ وَعَلَى
التَّنَزُّلِ وَأَنَّهُ صِفَةٌ فَغَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهُ يُفْهَمُ مَا يُمْكِنُ
حَمْلُهُ عَلَى مَذْهَبِهِمْ وَمَذْهَبِ أَهْلِ السُّنَّةِ ، إذْ لَنَا شَيْءٌ
غَيْرُ مَخْلُوقٍ هُوَ ذَاتُ الْحَقِّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ، فَهَذَا هُوَ
مَفْهُومُ الْآيَةِ ، فَأَيُّ دَلِيلٍ عَلَى أَنَّ الْآيَةَ تُفْهِمُ غَيْرَ هَذَا
، عَلَى أَنَّ دَلَالَةَ الْمَفْهُومِ ضَعِيفَةٌ جِدًّا لِوُقُوعِ الْخِلَافِ فِي
حُجِّيَّتِهَا فِي الظَّنِّيَّاتِ فَمَا بَالُك بِهَا فِي الْقَطْعِيَّاتِ ،
وَمِنْ لَطَائِفِ عِلْمِ الْعَرَبِيَّةِ الدَّلَالَةُ عَلَى جَلَالَتِهِ ،
وَإِفْهَامِهِ الْمَعَانِيَ الْغَامِضَةَ ، الْقِرَاءَةُ بِالرَّفْعِ وَالنَّصْبِ
هُنَا وَبِالرَّفْعِ وَحْدَهُ فِيمَا يَلِيهِ ، وَهُوَ كُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي
الزُّبُرِ إذْ لَوْ نُصِبَ لَفَسَدَ الْمَعْنَى إذْ التَّقْدِيرُ فَعَلُوا كُلَّ
شَيْءٍ فِي الزُّبُرِ وَهُوَ خِلَافُ الْوَاقِعِ .
إذْ فِيهِ أَشْيَاءُ كَثِيرَةٌ لَمْ تَفْعَلُوهَا ،
وَأَمَّا الرَّفْعُ فَمَعْنَاهُ أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ مَوْصُوفٍ بِكَوْنِهِمْ
فَعَلُوهُ ثَابِتٌ فِي الزُّبُرِ وَهَذَا مَعْنًى صَحِيحٌ وَاقِعٌ .
قَالَ أَهْلُ السُّنَّةِ : قَدَّرَ اللَّهُ - تَعَالَى -
الْأَشْيَاءَ : أَيْ عَلِمَ مَقَادِيرَهَا وَأَحْوَالَهَا وَأَزْمَانَهَا
وَسَائِرَ مَا سَتُوجَدُ عَلَيْهِ قَبْلَ وُجُودِهَا ثُمَّ أَوْجَدَ مِنْهَا مَا
سَبَقَ فِي عِلْمِهِ عَلَى مَا فِي عِلْمِهِ فَلَا يَحْدُثُ شَيْءٌ فِي الْعَالَمِ
الْعُلْوِيِّ وَالسُّفْلِيِّ إلَّا وَهُوَ صَادِرٌ عَنْ عِلْمِهِ وَقُدْرَتِهِ ،
وَإِرَادَتِهِ فَقَطْ ، وَلَيْسَ لِلْخَلْقِ فِي تِلْكَ الْأَنْوَاعِ اكْتِسَابٌ
وَمُحَاوَلَةٌ وَنِسْبَةٌ مَا ، وَإِضَافَةٌ ، وَأَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ إنَّمَا
حَصَلَ لَهُمْ
بِتَيْسِيرِ اللَّهِ وَقُدْرَتِهِ ، وَإِلْهَامِهِ لَا
إلَهَ إلَّا هُوَ وَلَا خَالِقَ غَيْرُهُ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ
وَالسُّنَّةُ ، لَا كَمَا افْتَرَاهُ الْقَدَرِيَّةُ وَغَيْرُهُمْ مِنْ أَنَّ
الْأَعْمَالَ إلَيْنَا وَالْآجَالَ بِيَدِ غَيْرِنَا .
وَأَخْرَجَ ابْنُ مَاجَهْ : { وَلَمَّا قِيلَ يَا مُحَمَّدُ
يَكْتُبُ عَلَيْنَا الذَّنْبَ وَيُعَذِّبُنَا بِهِ ؟ قَالَ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْتُمْ خُصَمَاءُ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ } .
وَأَخْرَجَ ابْنُ مَاجَهْ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { إنَّ مَجُوسَ هَذِهِ الْأُمَّةِ
الْمُكَذِّبُونَ بِقَدَرِ اللَّهِ إنْ مَرِضُوا فَلَا تَعُودُوهُمْ ، وَإِنْ
مَاتُوا فَلَا تَشْهَدُوهُمْ ، وَإِنْ لَقِيتُمُوهُمْ فَلَا تُسَلِّمُوا عَلَيْهِمْ } .
وَأَخْرَجَ أَيْضًا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَجَابِرٍ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ قَالَا : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ : { صِنْفَانِ مِنْ أُمَّتِي لَيْسَ لَهُمْ فِي الْإِسْلَامِ نَصِيبٌ :
أَهْلُ الْإِرْجَاءِ وَالْقَدَرِ } ، وَسَتَأْتِي بَقِيَّةُ طُرُقِهِ ،
وَالْأَوَّلُ هُمْ الْمُرْجِئَةُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا يَضُرُّ مَعَ
الْإِيمَانِ ذَنْبٌ كَمَا لَا يَنْفَعُ مَعَ الْكُفْرِ طَاعَةٌ ؛ وَسُمِّيَتْ
الْقَدَرِيَّةُ خُصَمَاءَ اللَّهِ لِأَنَّهُمْ يُخَاصِمُونَ فِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ
أَنْ يُقَدِّرَ الْمَعْصِيَةَ عَلَى الْعَبْدِ ثُمَّ يُعَذِّبَهُ عَلَيْهَا .
وَعَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { إذَا جَمَعَ اللَّهُ
الْخَلَائِقَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَمَرَ مُنَادِيًا يُنَادِي نِدَاءً يَسْمَعُهُ
الْأَوَّلُونَ وَالْآخِرُونَ : أَيْنَ خُصَمَاءُ اللَّهِ فَتُقَدَّمُ
الْقَدَرِيَّةُ فَيُؤْمَرُ بِهِمْ إلَى النَّارِ يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى : {
ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ إنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ } } .
رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ بِلَفْظِ : {
إذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ نَادَى مُنَادٍ أَلَا لِيَقُمْ خُصَمَاءُ اللَّهِ
وَهُمْ الْقَدَرِيَّةُ } ، وَمِنْ ثَمَّ قَالَ الْحَسَنُ : وَاَللَّهِ لَوْ أَنَّ قَدَرِيًّا
صَامَ حَتَّى صَارَ كَالْحَبْلِ ثُمَّ صَلَّى حَتَّى
صَارَ كَالْوَتَدِ لَكَبَّهُ اللَّهُ عَلَى وَجْهِهِ فِي
سَقَرَ ثُمَّ قِيلَ لَهُ : ذُقْ مَسَّ سَقَرَ إنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ
بِقَدَرٍ وَقَالَ تَعَالَى : { وَاَللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ } أَيْ
خَلَقَكُمْ وَخَلَقَ عَمَلَكُمْ ، أَوْ وَخَلَقَ الَّذِي تَعْمَلُونَهُ
بِأَيْدِيكُمْ ، فَفِيهَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ أَفْعَالَ الْعِبَادِ كُلَّهَا
مَخْلُوقَةٌ لِلَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ، وَقَالَ تَعَالَى : { فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا
وَتَقْوَاهَا } وَالْإِلْهَامُ : إيقَاعُ الشَّيْءِ فِي النَّفْسِ فَهُوَ - تَعَالَى
- الْمُوقِعُ لِإِلْهَامِ الْفُجُورِ وَالتَّقْوَى فَهُوَ الْخَالِقُ لَهُمَا ،
وَمِنْ ثَمَّ قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ : أَلْزَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا .
وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ جَعَلَ ذَلِكَ بِتَوْفِيقِهِ
إيَّاهَا لِلتَّقْوَى وَخِذْلَانِهِ إيَّاهَا لِلْفُجُورِ .
وَفِي الْحَدِيثِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : { إنَّ اللَّهَ مَنَّ عَلَى قَوْمٍ
فَأَلْهَمَهُمْ الْخَيْرَ وَأَدْخَلَهُمْ فِي رَحْمَتِهِ ، وَابْتَلَى قَوْمًا فَخَذَلَهُمْ
وَذَمَّهُمْ عَلَى أَفْعَالِهِمْ وَلَمْ يَسْتَطِيعُوا غَيْرَ مَا ابْتَلَاهُمْ
فَعَذَّبَهُمْ وَهُوَ عَادِلٌ { لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ
} } وَسَتَأْتِي أَحَادِيثُ بِمَعْنَاهُ وَأَكْثَرِ لَفْظِهِ ، وَقَالَ تَعَالَى :
{ فَمَنْ يُرِدْ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ
يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا } وَهَذِهِ الْآيَةُ
كَاَلَّتِي قَبْلَهَا مِنْ أَقْوَى الْآيَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى ضَلَالَةِ الْقَدَرِيَّةِ
وَانْحِرَافِهِمْ عَنْ سَبِيلِ الِاسْتِقَامَةِ .
وَعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ
: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { مَا بَعَثَ
اللَّهُ نَبِيًّا قَطُّ إلَّا وَفِي أُمَّتِهِ قَدَرِيَّةٌ وَمُرْجِئَةٌ ، إنَّ
اللَّهَ لَعَنَ الْقَدَرِيَّةَ وَالْمُرْجِئَةَ عَلَى لِسَانِ سَبْعِينَ نَبِيًّا } .
وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ
قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { لِكُلِّ
أُمَّةٍ مَجُوسٌ ، وَمَجُوسُ هَذِهِ الْأُمَّةِ الَّذِينَ
يَزْعُمُونَ أَنْ لَا قَدَرَ وَأَنَّ الْأَمْرَ أُنُفٌ } .
قَالَ :
فَإِذَا لَقِيتَهُمْ فَأَخْبِرْهُمْ أَنِّي مِنْهُمْ
بَرِيءٌ وَأَنَّهُمْ مِنِّي بُرَآءُ ، وَاَلَّذِي نَفْسُ عَبْدِ اللَّهِ بِيَدِهِ لَوْ
أَنَّ لِأَحَدِهِمْ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا فَأَنْفَقَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ مَا
تَقَبَّلَ اللَّهُ مِنْهُ حَتَّى يُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ مِنْ
اللَّهِ تَعَالَى ، ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثَ جِبْرِيلَ الَّذِي فِي مُسْلِمٍ
وَغَيْرِهِ ، وَفِيهِ : { إنَّهُ قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ : مَا الْإِيمَانُ ؟ قَالَ
: أَنْ تُؤْمِنَ بِاَللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ
وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ } .
وَوَرَدَ فِي الْقَدَرِ أَحَادِيثُ كُثْرٌ غَيْرُ مَا
مَرَّ أَحْبَبْت ذِكْرَ أَكْثَرِهَا لِعِظَمِ فَائِدَتِهَا وَعُمُومِ عَائِدَتِهَا .
مِنْهَا
: أَخْرَجَ ابْنُ عَدِيٍّ : { مَنْ كَذَّبَ بِالْقَدَرِ
فَقَدْ كَفَرَ بِمَا جِئْت بِهِ } وَأَبُو يَعْلَى : { مَنْ لَمْ يُؤْمِنْ
بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ فَأَنَا مِنْهُ بَرِيءٌ } .
وَأَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ
وَالْحَاكِمُ : { لَا يُؤْمِنُ عَبْدٌ حَتَّى يُؤْمِنَ بِأَرْبَعٍ : يَشْهَدُ أَنْ
لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ بَعَثَنِي بِالْحَقِّ ،
وَيُؤْمِنُ بِالْمَوْتِ ، وَيُؤْمِنُ بِالْبَعْثِ ، وَيُؤْمِنُ بِالْقَدَرِ
خَيْرِهِ وَشَرِّهِ } .
وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ : { مَنْ لَمْ يَرْضَ
بِقَضَاءِ اللَّهِ وَيُؤْمِنْ بِقَدَرِ اللَّهِ فَلْيَلْتَمِسْ إلَهًا غَيْرَ
اللَّهِ } .
وَأَيْضًا
{ الْقَدَرُ نِظَامُ التَّوْحِيدِ فَمَنْ وَحَّدَ
اللَّهَ وَآمَنَ بِالْقَدَرِ فَقَدْ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى } .
وَأَيْضًا : { فَرَغَ إلَيَّ ابْنُ آدَمَ مِنْ أَرْبَعٍ
: الْخَلْقِ وَالْخُلُقِ وَالرِّزْقِ وَالْأَجَلِ } .
وَأَيْضًا : { إذَا أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يُزِيغَ
عَبْدًا أَعْمَى عَلَيْهِ الْحِيَلَ
} .
وَالْحَاكِمُ : { لَا يُغْنِي حَذَرٌ عَنْ قَدَرٍ } .
وَالْبَيْهَقِيُّ : { قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ، مَنْ
لَمْ يَرْضَ بِقَضَائِي وَقَدَرِي فَلْيَلْتَمِسْ رَبًّا غَيْرِي } .
وَابْنُ عَدِيٍّ وَالطَّبَرَانِيُّ : { خَلَقَ اللَّهُ
يَحْيَى بْنَ
زَكَرِيَّا فِي بَطْنِ أُمِّهِ مُؤْمِنًا ، وَخَلَقَ
فِرْعَوْنَ فِي بَطْنِ أُمِّهِ كَافِرًا } .
وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الصَّغِيرِ : { السَّعِيدُ مَنْ
سَعِدَ فِي بَطْنِ أُمِّهِ ، وَالشَّقِيُّ مَنْ شَقِيَ فِي بَطْنِ أُمِّهِ } .
وَأَحْمَدُ وَالطَّبَرَانِيُّ : { فَرَغَ اللَّهُ -
عَزَّ وَجَلَّ - إلَى كُلِّ عَبْدٍ مِنْ خَمْسٍ : مِنْ أَجَلِهِ وَرِزْقِهِ
وَأَثَرِهِ وَمَضْجَعِهِ وَشَقِيٍّ أَوْ سَعِيدٍ } .
وَالطَّبَرَانِيُّ : { فَرَغَ اللَّهُ مِنْ الْمَقَادِيرِ
وَأُمُورِ الدُّنْيَا قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ بِخَمْسِينَ
أَلْفَ سَنَةٍ } .
وَأَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ : { قَدَّرَ اللَّهُ الْمَقَادِيرَ
قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ بِخَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ } .
وَمُسْلِمٌ : { كَتَبَ اللَّهُ - تَعَالَى - مَقَادِيرَ
الْخَلْقِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ بِخَمْسِينَ أَلْفَ
سَنَةٍ ، وَعَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ
} .
وَأَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ : { كُلُّ شَيْءٍ بِقَدَرٍ حَتَّى
الْعَجْزِ وَالْكَيْسِ } .
وَأَبُو نُعَيْمٍ : { لَوْ أَنَّ ابْنَ آدَمَ هَرَبَ
مِنْ رِزْقِهِ كَمَا يَهْرُبُ مِنْ الْمَوْتِ لَأَدْرَكَهُ كَمَا يُدْرِكُهُ
الْمَوْتُ } .
وَابْنُ عَسَاكِرَ : { لَوْ دَعَا لَك إسْرَافِيلُ
وَجَبْرَائِيلُ وَمِيكَائِيلُ وَحَمَلَةُ الْعَرْشِ وَأَنَا فِيهِمْ مَا
تَزَوَّجْتَ إلَّا الْمَرْأَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَك } .
وَالدَّارَقُطْنِيُّ وَأَبُو نُعَيْمٍ : { لَوْ قَضَى
كَانَ } .
وَأَبُو نُعَيْمٍ { لَيْسَ أَحَدٌ مِنْكُمْ بِأَكْسَبَ
مِنْ أَحَدٍ قَدْ كَتَبَ اللَّهُ الْمُصِيبَةَ وَالْأَجَلَ ، وَقَسَمَ
الْمَعِيشَةَ وَالْعَمَلَ فَالنَّاسُ فِيهَا يَجْرُونَ إلَى مُنْتَهًى } .
وَابْنُ مَاجَهْ : { مَا أَصَابَنِي شَيْءٌ مِنْهَا
إلَّا وَهُوَ مَكْتُوبٌ عَلَيَّ وَآدَمُ فِي طِينَتِهِ } .
وَالْبَيْهَقِيُّ : { لَا تُكْثِرْ هَمَّك مَا يُقَدَّرُ
يَكُونُ وَمَا تُرْزَقُ يَأْتِيك
} .
وَالدَّيْلَمِيُّ : { إذَا أَرَادَ اللَّهُ إنْفَاذَ
قَضَائِهِ وَقَدَرِهِ سَلَبَ ذَوِي الْعُقُولِ عُقُولَهُمْ حَتَّى يَنْفُذَ فِيهِمْ
قَضَاؤُهُ وَقَدَرُهُ فَإِذَا مَضَى أَمْرُهُ رَدَّ إلَيْهِمْ عُقُولَهُمْ
وَوَقَعَتْ النَّدَامَةُ } .
وَالْخَطِيبُ : { إذَا أَحَبَّ اللَّهُ إنْفَاذَ أَمْرٍ
سَلَبَ كُلَّ ذِي لُبٍّ لُبَّهُ } .
وَالسُّلَمِيُّ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ
أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ : { إذَا أَرَادَ اللَّهُ إمْضَاءَ أَمْرٍ نَزَعَ عُقُولَ
الرِّجَالِ حَتَّى يَمْضِيَ أَمْرُهُ ، فَإِذَا أَمْضَاهُ رَدَّ إلَيْهِمْ
عُقُولَهُمْ وَوَقَعَتْ النَّدَامَةُ
} .
وَمُسْلِمٌ : { إذَا أَرَادَ اللَّهُ خَلْقَ شَيْءٍ لَمْ
يَمْنَعْهُ شَيْءٌ } .
وَالطَّبَرَانِيُّ : { اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا
خُلِقَ لَهُ ، اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا يُهْدَى إلَيْهِ مِنْ الْقَوْلِ
، مَنْ خَلَقَهُ اللَّهُ لِوَاحِدَةٍ مِنْ الْمَنْزِلَتَيْنِ وَفَّقَهُ
لِعَمَلِهَا } .
وَأَحْمَدُ وَالطَّبَرَانِيُّ وَالْحَاكِمُ : { كُلُّ
امْرِئٍ مُهَيَّأٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ
} .
وَأَحْمَدُ وَالشَّيْخَانِ وَأَبُو دَاوُد : { كُلٌّ
مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ }
.
وَالدَّارَقُطْنِيُّ وَالدَّيْلَمِيُّ : { إنَّ اللَّهَ
مَنَّ عَلَى قَوْمٍ فَأَلْهَمَهُمْ الْخَيْرَ فَأَدْخَلَهُمْ فِي رَحْمَتِهِ ،
وَابْتَلَى قَوْمًا فَخَذَلَهُمْ وَذَمَّهُمْ عَلَى فِعَالِهِمْ فَلَمْ
يَسْتَطِيعُوا أَنْ يَرْحَلُوا عَمَّا ابْتَلَاهُمْ بِهِ فَعَذَّبَهُمْ وَذَلِكَ
عَدْلُهُ فِيهِمْ } .
وَأَحْمَدُ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَأَحْمَدُ وَأَبُو
دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالطَّبَرَانِيُّ فِي
الْأَوْسَطِ عَنْهُ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَحُذَيْفَةَ وَابْنِ مَسْعُودٍ : {
لَوْ أَنَّ اللَّهَ عَذَّبَ أَهْلَ سَمَوَاتِهِ وَأَهْلَ أَرْضِهِ لَعَذَّبَهُمْ
وَهُوَ غَيْرُ ظَالِمٍ لَهُمْ ، وَلَوْ رَحِمَهُمْ لَكَانَتْ رَحْمَتُهُ لَهُمْ
خَيْرًا مِنْ أَعْمَالِهِمْ ، وَلَوْ أَنْفَقْتَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا فِي
سَبِيلِ اللَّهِ مَا قَبِلَهُ مِنْك حَتَّى تُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ فَتَعْلَمَ أَنَّ
مَا أَصَابَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئكَ وَمَا أَخْطَأَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَكَ
، وَلَوْ مِتَّ عَلَى غَيْرِ هَذَا لَدَخَلْتَ النَّارَ } .
وَأَحْمَدُ وَالشَّيْخَانِ وَالْأَرْبَعَةُ : { مَا مِنْ
نَفْسٍ مَنْفُوسَةٍ إلَّا وَقَدْ كَتَبَ اللَّهُ مَكَانَهَا مِنْ الْجَنَّةِ
وَالنَّارِ ، وَإِلَّا وَقَدْ كُتِبَتْ شَقِيَّةً أَوْ سَعِيدَةً ، قِيلَ :
أَفَلَا نَتَّكِلُ ؟ قَالَ لَا ، اعْمَلُوا وَلَا تَتَّكِلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ
لِمَا خُلِقَ لَهُ ،
أَمَّا أَهْلُ السَّعَادَةِ فَيُيَسَّرُونَ لِعَمَلِ
السَّعَادَةِ ، وَأَمَّا أَهْلُ الشَّقَاوَةِ فَيُيَسَّرُونَ لِعَمَلِ
الشَّقَاوَةِ } .
وَابْنُ مَاجَهْ : { مَنْ تَكَلَّمَ بِشَيْءٍ مِنْ
الْقَدَرِ سُئِلَ عَنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، وَمَنْ لَمْ يَتَكَلَّمْ فِيهِ
لَمْ يُسْأَلْ عَنْهُ } .
وَأَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَابْنُ مَاجَهْ : { الْمُؤْمِنُ
الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إلَى اللَّهِ مِنْ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ وَفِي
كُلٍّ خَيْرٌ ، احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُك وَاسْتَعِنْ بِاَللَّهِ وَلَا
تَعْجَزْ ، وَإِنْ أَصَابَك شَيْءٌ فَلَا تَقُلْ لَوْ : أَنِّي فَعَلْتُ كَانَ
كَذَا وَكَذَا ، وَلَكِنْ قُلْ : قَدَّرَ اللَّهُ وَمَا شَاءَ فَعَلَ ، فَإِنَّ
لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ
} .
وَالتِّرْمِذِيُّ : { لَا يُؤْمِنُ عَبْدٌ حَتَّى
يُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ وَحَتَّى يَعْلَمَ أَنَّ مَا أَصَابَهُ
لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَهُ وَمَا أَخْطَأَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَهُ } .
وَالْبُخَارِيُّ وَالنَّسَائِيُّ : { يَا أَبَا
هُرَيْرَةَ جَفَّ الْقَلَمُ بِمَا أَنْتَ لَاقٍ } .
الْحَدِيثَ
.
وَالْأَرْبَعَةُ وَالْعُقَيْلِيُّ : { بُعِثْتُ دَاعِيًا
وَمُبَلِّغًا وَلَيْسَ إلَيَّ مِنْ الْهُدَى شَيْءٌ ، وَخُلِقَ إبْلِيسُ
مُزَيِّنًا وَلَيْسَ لَهُ مِنْ الضَّلَالِ شَيْءٌ } .
وَمُسْلِمٌ عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ أَسِيدٍ : { إذَا مَرَّ
بِالنُّطْفَةِ اثْنَتَانِ وَأَرْبَعُونَ لَيْلَةً بَعَثَ اللَّهُ إلَيْهَا مَلَكًا
فَصَوَّرَهَا وَخَلَقَ سَمْعَهَا وَبَصَرَهَا وَجِلْدَهَا وَشَحْمَهَا وَعَظْمَهَا
ثُمَّ قَالَ : يَا رَبِّ أَذَكَرٌ أَمْ أُنْثَى ؟ فَيَقْضِي رَبُّك مَا شَاءَ
وَيَكْتُبُ الْمَلَكُ ، ثُمَّ يَقُولُ يَا رَبِّ أَجَلُهُ ؟ فَيَقْضِي رَبُّك مَا
شَاءَ وَيَكْتُبُ الْمَلَكُ ، ثُمَّ يَقُولُ يَا رَبِّ رِزْقُهُ ؟ فَيَقْضِي
رَبُّك مَا شَاءَ وَيَكْتُبُ الْمَلَكُ ، ثُمَّ يَخْرُجُ الْمَلَكُ بِالصَّحِيفَةِ
فَلَا يَزِيدُ عَلَى مَا مَرَّ وَلَا يَنْقُصُ } .
وَمُسْلِمٌ عَنْهُ أَيْضًا : { إنَّ النُّطْفَةَ تَقَعُ
فِي الرَّحِمِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ يَتَصَوَّرُ عَلَيْهَا الْمَلَكُ
الَّذِي يَخْلُقُهَا فَيَقُولُ
: يَا رَبِّ ذَكَرٌ أَمْ أُنْثَى ؟ فَيَجْعَلُهُ اللَّهُ
ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى ثُمَّ يَقُولُ : يَا رَبِّ سَوِيٌّ
أَمْ غَيْرُ سَوِيٍّ فَيَجْعَلُهُ اللَّهُ سَوِيًّا أَوْ
غَيْرَ سَوِيٍّ ثُمَّ يَقُولُ : مَا رِزْقُهُ وَمَا أَجَلُهُ ؟ ثُمَّ يَجْعَلُهُ
اللَّهُ شَقِيًّا أَوْ سَعِيدًا
} .
وَأَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ عَنْهُ أَيْضًا : { يَدْخُلُ الْمَلَكُ
عَلَى النُّطْفَةِ بَعْدَمَا اسْتَقَرَّتْ فِي الرَّحِمِ بِأَرْبَعِينَ لَيْلَةً
فَيَقُولُ : يَا رَبِّ مَاذَا أَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ ؛ ذَكَرٌ أَوْ أُنْثَى ؟
فَيَقُولُ اللَّهُ فَيَكْتُبُ وَيَكْتُبُ عَمَلَهُ وَأَثَرَهُ وَرِزْقَهُ
وَأَجَلَهُ ثُمَّ تُطْوَى الصَّحِيفَةُ فَلَا يُزَادُ عَلَى مَا فِيهَا وَلَا
يُنْقَصُ } .
وَالشَّيْخَانِ وَالْأَرْبَعَةُ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ :
{ إنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا ثُمَّ
يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ ، ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ ، ثُمَّ
يَبْعَثُ اللَّهُ إلَيْهِ مَلَكًا ، وَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ ، وَيُقَالُ لَهُ
: اُكْتُبْ عَمَلَهُ ، وَأَجَلَهُ ، وَرِزْقَهُ وَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ ثُمَّ
يُنْفَخُ فِيهِ الرُّوحُ ، فَإِنَّ الرَّجُلَ مِنْكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ
الْجَنَّةِ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إلَّا ذِرَاعٌ فَيَسْبِقُ
عَلَيْهِ الْكِتَابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ فَيَدْخُلُ النَّارَ ،
وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ حَتَّى مَا يَكُونُ
بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إلَّا ذِرَاعٌ فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ
أَهْلِ الْجَنَّةِ فَيَدْخُلُ الْجَنَّةَ } .
وَظَاهِرُ
" ثُمَّ " فِيهِ يُنَافِي مَا قَبْلَهُ ،
فَإِمَّا أَنْ تَكُونَ بِمَعْنَى الْوَاوِ أَوْ أَنَّ ذَلِكَ يَخْتَلِفُ
بِاخْتِلَافِ الْأَجِنَّةِ ؛ فَمِنْهُمْ مَنْ يُرْسَلُ لَهُ الْمَلَكُ بَعْدَ
الْأَرْبَعِينَ الْأُولَى ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُرْسَلُ لَهُ بَعْدَ الْأَرْبَعِينَ
الثَّالِثَةِ .
وَأَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ : {
أَتَدْرُونَ مَا هَذَانِ الْكِتَابَانِ ؟ هَذَا كِتَابٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ
فِيهِ أَسْمَاءُ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَأَسْمَاءُ آبَائِهِمْ وَقَبَائِلِهِمْ ثُمَّ
أُجْمِلَ عَلَى آخِرِهِمْ فَلَا يُزَادُ فِيهِمْ وَلَا يُنْقَصُ ، وَهَذَا كِتَابٌ
مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ فِيهِ أَسْمَاءُ أَهْلِ النَّارِ وَأَسْمَاءُ
آبَائِهِمْ وَقَبَائِلِهِمْ ثُمَّ أُجْمِلَ عَلَى
آخِرِهِمْ فَلَا يُزَادُ فِيهِمْ وَلَا يُنْقَصُ مِنْهُمْ أَبَدًا .
سَدِّدُوا وَقَارِبُوا فَإِنَّ صَاحِبَ الْجَنَّةِ
يُخْتَمُ لَهُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ ، وَإِنْ عَمِلَ أَيَّ عَمَلٍ ، وَإِنَّ
صَاحِبَ النَّارِ يُخْتَمُ لَهُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ ، وَإِنْ عَمِلَ أَيَّ
عَمَلٍ .
فَرَغَ رَبُّكُمْ مِنْ الْعِبَادِ فَرِيقٌ فِي
الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ
} .
وَالْخَطِيبُ : { أَحْسِنُوا فَإِنْ غُلِبْتُمْ
فَكِتَابُ اللَّهِ - تَعَالَى -
وَقَدَرُهُ وَلَا تُدْخِلُوا اللَّوْ فَإِنَّ مَنْ
أَدْخَلَ اللَّوْ دَخَلَ عَلَيْهِ عَمَلُ الشَّيْطَانِ } .
وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ
وَالْحَاكِمُ فِي صَحِيحِهِ : { إنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ آدَمَ وَمَسَحَ
ظَهْرَهُ بِيَمِينِهِ - أَيْ أَوْجَدَ فِيهِ ذُرِّيَّةً مُلْتَبِسَةً بِقُدْرَتِهِ
وَيُمْنِهِ وَبَرَكَتِهِ - فَاسْتَخْرَجَ مِنْهُ ذُرِّيَّةً فَقَالَ هَؤُلَاءِ
لِلْجَنَّةِ وَبِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ يَعْمَلُونَ ، ثُمَّ مَسَحَ ظَهْرَهُ فَاسْتَخْرَجَ
مِنْهُ ذُرِّيَّةً فَقَالَ خَلَقْتُ هَؤُلَاءِ لِلنَّارِ وَبِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ
يَعْمَلُونَ } .
وَفِي رِوَايَةٍ : { إنَّ اللَّهَ إذَا خَلَقَ الْعَبْدَ
لِلْجَنَّةِ اسْتَعْمَلَهُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ حَتَّى يَمُوتَ عَلَى
عَمَلٍ مِنْ أَعْمَالِ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَيَدْخُلَ بِهِ الْجَنَّةَ ، وَإِذَا
خَلَقَ الْعَبْدَ لِلنَّارِ اسْتَعْمَلَهُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ حَتَّى
يَمُوتَ عَلَى عَمَلٍ مِنْ أَعْمَالِ أَهْلِ النَّارِ فَيَدْخُلَ بِهِ النَّارَ } .
وَأَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ : { إنَّ
اللَّهَ خَلَقَ آدَمَ ثُمَّ أَخَذَ الْخَلْقَ مِنْ ظَهْرِهِ فَقَالَ هَؤُلَاءِ فِي
الْجَنَّةِ وَلَا أُبَالِي وَهَؤُلَاءِ فِي النَّارِ ، وَلَا أُبَالِي } .
وَأَحْمَدُ وَالشَّيْخَانِ وَأَبُو دَاوُد
وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ
: { احْتَجَّ آدَم وَمُوسَى فَقَالَ مُوسَى : أَنْتَ
الَّذِي خَلَقَك اللَّهُ بِيَدِهِ وَنَفَخَ فِيك مِنْ رُوحِهِ وَأَسْجَدَ لَك
مَلَائِكَتَهُ وَأَسْكَنَك جَنَّتَهُ أَخْرَجْتَ النَّاسَ مِنْ الْجَنَّةِ
بِذَنْبِك وَأَشْقَيْتَهُمْ ، قَالَ آدَم : يَا مُوسَى أَنْتَ الَّذِي اصْطَفَاك اللَّهُ
بِرِسَالَتِهِ وَأَنْزَلَ عَلَيْك التَّوْرَاةَ أَتَلُومُنِي
عَلَى أَمْرٍ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيَّ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَنِي فَحَجَّ آدَم
مُوسَى } .
وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُد : { إنَّ مُوسَى سَأَلَ رَبَّهُ أَنْ
يُرِيَهُ آدَمَ فَأَرَاهُ إيَّاهُ فَقَالَ لَهُ : أَنْتَ أَبُونَا آدَم ؟ أَنْتَ
الَّذِي نَفَخَ اللَّهُ فِيك مِنْ رُوحِهِ وَعَلَّمَك الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا
وَأَمَرَ الْمَلَائِكَةَ فَسَجَدُوا لَك ؟ قَالَ : نَعَمْ ، قَالَ : فَمَا حَمَلَك
عَلَى أَنْ أَخْرَجْتَنَا وَنَفْسَك مِنْ الْجَنَّةِ ؟ فَقَالَ لَهُ آدَم : وَمَنْ
أَنْتَ ؟ قَالَ أَنَا مُوسَى قَالَ : أَنْتَ نَبِيُّ بَنِي إسْرَائِيلَ الَّذِي
كَلَّمَك اللَّهُ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ لَمْ يَجْعَلْ بَيْنَك وَبَيْنَهُ رَسُولًا
مِنْ خَلْقِهِ ؟ قَالَ : نَعَمْ
.
قَالَ : فَمَا وَجَدْتَ أَنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابِ
اللَّهِ قَبْلَ أَنْ أُخْلَقَ ؟ قَالَ
: نَعَمْ ، قَالَ : فَبِمَ تَلُومُنِي فِي شَيْءٍ سَبَقَ
مِنْ اللَّهِ فِيهِ الْقَضَاءُ ؟ قَالَ : فَحَجَّ آدَم مُوسَى } .
وَجَاءَ فِي الْقَدَرِيَّةِ أَحَادِيثُ غَيْرُ مَا مَرَّ .
يَتَعَيَّنُ حَمْلُهُمْ عَلَى مَنْ مَرَّ مِنْ
الْمُعْتَزِلَةِ وَنَحْوِهِمْ وَتُنَزِّهُ أَهْلَ السُّنَّةِ مِنْ قَوْلِ
أُولَئِكَ الْمُبْتَدِعَةِ الضُّلَّالِ : إنَّ أَهْلَ السُّنَّةِ هُمْ
الْقَدَرِيَّةُ .
مِنْهَا
: أَخْرَجَ أَحْمَدُ : { لِكُلِّ أُمَّةٍ مَجُوسٌ ،
وَمَجُوسُ أُمَّتِي الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا قَدَرَ إنْ مَرِضُوا فَلَا
تَعُودُوهُمْ ، وَإِنْ مَاتُوا فَلَا تَشْهَدُوهُمْ } .
وَالشَّيْخَانِ وَالنَّسَائِيُّ : { لِكُلِّ أُمَّةٍ مَجُوسٌ وَمَجُوسُ
هَذِهِ الْأُمَّةِ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا قَدَرَ ، فَإِنْ مَرِضُوا فَلَا
تَعُودُوهُمْ ، وَإِنْ مَاتُوا فَلَا تَشْهَدُوهُمْ ، وَهُمْ شِيعَةُ الدَّجَّالِ
وَحَقٌّ عَلَى اللَّهِ أَنْ يَحْشُرَهُمْ مَعَهُ } وَأَحْمَدُ وَالْحَاكِمُ فِي
مُسْتَدْرَكِهِ : { سَيَكُونُ فِي أُمَّتِي أَقْوَامٌ يُكَذِّبُونَ بِالْقَدَرِ } .
وَالْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ
مَاجَهْ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ، وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ جَابِرٍ ، وَالْخَطِيبُ عَنْ
ابْنِ عُمَرَ ، وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ : {
صِنْفَانِ مِنْ أُمَّتِي لَيْسَ لَهُمَا فِي
الْإِسْلَامِ نَصِيبٌ : الْمُرْجِئَةُ وَالْقَدَرِيَّةُ } .
وَأَبُو نُعَيْمٍ عَنْ أَنَسٍ ، وَالطَّبَرَانِيُّ فِي
الْأَوْسَطِ عَنْ وَاثِلَةَ وَعَنْ جَابِرٍ : { صِنْفَانِ مِنْ أُمَّتِي لَا
تَنَالُهُمْ شَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ : الْمُرْجِئَةُ وَالْقَدَرِيَّةُ } .
وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ عَنْ أَنَسٍ : {
صِنْفَانِ مِنْ أُمَّتِي لَا يَرِدَانِ عَلَى الْحَوْضِ وَلَا يَدْخُلَانِ
الْجَنَّةَ : الْقَدَرِيَّةُ وَالْمُرْجِئَةُ } .
وَالْخَطِيبُ : { عَزَمْتُ عَلَى أَنْ لَا تَتَكَلَّمُوا
فِي الْقَدَرِ } .
وَابْنُ عَدِيٍّ : { عَزَمْت عَلَى أَنْ لَا
تَتَكَلَّمُوا فِي الْقَدَرِ ، وَلَا يَتَكَلَّمُ فِي الْقَدَرِ إلَّا شِرَارُ
أُمَّتِي فِي آخِرِ الزَّمَانِ
} .
وَالدَّارَقُطْنِيُّ : { لُعِنَتْ الْقَدَرِيَّةُ عَلَى
لِسَانِ سَبْعِينَ نَبِيًّا } .
وَأَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ
: { لَا تُجَالِسُوا أَهْلَ الْقَدَرِ وَلَا تُفَاتِحُوهُمْ } .
وَابْنُ أَبِي عَاصِمٍ وَالطَّبَرَانِيُّ ، وَابْنُ
عَدِيٍّ : { اتَّقُوا الْقَدَرَ فَإِنَّهُ شُعْبَةٌ مِنْ النَّصْرَانِيَّةِ } .
وَأَبُو دَاوُد وَالْحَاكِمُ : { الْقَدَرِيَّةُ مَجُوسُ
هَذِهِ الْأُمَّةِ إنْ مَرِضُوا فَلَا تَعُودُوهُمْ ، وَإِنْ مَاتُوا فَلَا
تَشْهَدُوهُمْ } .
وَأَبُو يَعْلَى وَابْنُ عَدِيٍّ وَالْخَطِيبُ : {
أَخَافُ عَلَى أُمَّتِي مِنْ بَعْدِي خَصْلَتَيْنِ : تَكْذِيبًا بِالْقَدَرِ
وَتَصْدِيقًا بِالنُّجُومِ } .
وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ وَالْحَاكِمُ فِي
الْمُسْتَدْرَكِ : { آخِرُ الْكَلَامِ فِي الْقَدَرِ لِشِرَارِ أُمَّتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ }
تَنْبِيهٌ : عَدُّ مَا مَرَّ فِي التَّرْجَمَةِ كَبِيرَةً
هُوَ مَا صَرَّحَ بِهِ بَعْضُهُمْ ، وَالْأَحَادِيثُ الَّتِي ذَكَرْتهَا نَصٌّ
فِيهِ وَهُوَ ، وَإِنْ كَانَ دَاخِلًا فِي تَرْكِ السُّنَّةِ الَّذِي مَرَّ
أَنَّهُ كَبِيرَةٌ ، لَكِنْ أُفْرِدَ هَذَا بِالذِّكْرِ لِشِدَّةِ قُبْحِهِ
وَلِكَثْرَةِ وُقُوعِ الْخِلَافِ فِيهِ بَيْنَ أَهْلِ السُّنَّةِ وَغَيْرِهِمْ ؛
إذْ مَسْأَلَةُ خَلْقِ الْأَفْعَالِ مِنْ مُهِمَّاتِ مَسَائِلِ الْكَلَامِ ،
وَمَنْ أَدِلَّةِ الْمُعْتَزِلَةِ فِيهَا عَلَى مَا زَعَمُوهُ افْتِرَاءً عَلَى
اللَّهِ ، وَإِعْرَاضًا عَنْ صَرَائِحِ الْآيَاتِ السَّابِقَةِ وَغَيْرِهَا ،
وَعَنْ جَمِيعِ مَا مَرَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَوْله تَعَالَى : { ، وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ
اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِك قُلْ كُلٌّ
مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا
مَا أَصَابَك مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنْ اللَّهِ وَمَا أَصَابَك مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ
نَفْسِك وَأَرْسَلْنَاك لِلنَّاسِ رَسُولًا وَكَفَى بِاَللَّهِ شَهِيدًا } .
قَالَ إمَامُهُمْ فِي الضَّلَالَةِ الْجُبَّائِيُّ :
قَدْ ثَبَتَ أَنَّ لَفْظَ السَّيِّئَةِ تَارَةً يَقَعُ عَلَى الْبَلِيَّةِ
وَالْمِحْنَةِ ، وَتَارَةً يَقَعُ عَلَى الذَّنْبِ وَالْمَعْصِيَةِ ، ثُمَّ إنَّهُ
تَعَالَى أَضَافَ السَّيِّئَةَ إلَى نَفْسِهِ أَوَّلًا ، وَإِلَى الْعَبْدِ
ثَانِيًا ، وَلَا بُدَّ مِنْ التَّوْفِيقِ بَيْنَهُمَا فَنَقُولُ : لَمَّا كَانَتْ
السَّيِّئَةُ بِالْمَعْنَى الْأَوَّلِ مُضَافَةً إلَيْهِ تَعَالَى ؛ وَجَبَ أَنْ
تَكُونَ بِالْمَعْنَى الثَّانِي مُضَافَةً إلَى الْعَبْدِ لِيَزُولَ التَّنَاقُضُ بَيْنَ
هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ الْمُتَجَاوِرَتَيْنِ ، وَقَدْ حَمَلَ الْمُخَالِفُونَ
أَنْفُسَهُمْ عَلَى تَغْيِيرِ الْآيَةِ وَقَرَءُوا : أَفَمِنْ نَفْسِك أَيْ عَلَى
الِاسْتِفْهَامِ فَغَيَّرُوا الْقُرْآنَ وَسَلَكُوا مِثْلَ طَرِيقَةِ الرَّافِضَةِ
فِي ادِّعَاءِ الْمَعْنَيَيْنِ فِي الْقُرْآنِ .
فَإِنْ قِيلَ : لِمَ أَضَافَ اللَّهُ - تَعَالَى - الْحَسَنَةَ - الَّتِي
هِيَ الطَّاعَةُ - إلَى نَفْسِهِ دُونَ السَّيِّئَةِ وَكِلَاهُمَا فِعْلُ
الْعَبْدِ عِنْدَكُمْ ؟ .
قُلْنَا
: الْحَسَنَةُ ، وَإِنْ كَانَتْ فِعْلَ الْعَبْدِ
فَإِنَّمَا وَصَلَ إلَيْهَا بِتَسْهِيلِهِ وَأَلْطَافِهِ فَصَحَّتْ الْإِضَافَةُ
إلَيْهِ ، وَأَمَّا السَّيِّئَةُ فَهِيَ غَيْرُ مُضَافَةٍ إلَيْهِ - تَعَالَى -
بِأَنَّهُ فَعَلَهَا وَلَا أَرَادَهَا وَلَا أَمَرَ بِهَا وَلَا رَغَّبَ فِيهَا
فَلَا جَرَمَ انْقَطَعَتْ هَذِهِ النِّسْبَةُ إلَى اللَّهِ - تَعَالَى - مِنْ جَمِيعِ
الْوُجُوهِ .
انْتَهَى كَلَامُ الْجُبَّائِيِّ الْمُنْبِئُ عَنْ قُصُورِ
فَهْمِهِ وَفَسَادِ تَصَوُّرِهِ وَقِلَّةِ عِلْمِهِ ؛ إذْ لَيْسَ الْمُرَادُ
بِالسَّيِّئَةِ وَالْحَسَنَةِ أَوَّلًا وَثَانِيًا طَاعَةً وَلَا مَعْصِيَةً ،
بَلْ النِّعَمَ وَالْمِحَنَ وَهُمَا لَيْسَا مِنْ فِعْلِهِمْ ، وَدَلِيلُ ذَلِكَ
التَّعْبِيرُ بِأَصَابَكَ ، إذْ لَا يُقَالُ فِي الطَّاعَةِ : الْمَعْصِيَةُ
أَصَابَنِي ، بَلْ أَصَبْتُهُ بِخِلَافِ النِّعَمِ وَالْمِحَنِ فَإِنَّهَا الَّتِي
يُقَالُ : فِيهَا أَصَابَتْنِي ، وَالسِّيَاقُ صَرِيحٌ فِي ذَلِكَ ، إذْ سَبَبُ
نُزُولِ الْآيَةِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا قَدِمَ
الْمَدِينَةَ قَالَ الْمُنَافِقُونَ الْيَهُودُ : مَا زِلْنَا نَعْرِفُ النَّقْصَ
فِي ثِمَارِنَا وَمَزَارِعِنَا مُنْذُ قَدِمَ الرَّجُلُ وَأَصْحَابُهُ ، فَكَانُوا
يَنْسِبُونَ النِّعَمَ إلَى اللَّهِ وَالْمِحَنَ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ ذَلِكَ مُخْبِرًا عَنْهُمْ
بِمَقَالَتِهِمْ الْفَاسِدَةِ ثُمَّ رَدَّهَا بِقَوْلِهِ : { قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ }
مُبَيِّنًا لِمَصْدَرِهَا الْأَصْلِيِّ ، ثُمَّ بَيَّنَ السَّبَبَ فَخَاطَبَهُ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَالْمُرَادُ غَيْرُهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى :
{ مَا أَصَابَك مِنْ حَسَنَةٍ } أَيْ نِعْمَةٍ كَخِصْبٍ وَنَصْرٍ { فَمِنْ اللَّهِ
} أَيْ مِنْ مَحْضِ فَضْلِهِ إذْ لَا يَسْتَحِقُّ أَحَدٌ عَلَيْهِ - تَعَالَى -
شَيْئًا { وَمَا أَصَابَك مِنْ سَيِّئَةٍ } أَيْ مِحْنَةٍ كَجَدْبٍ وَهَزِيمَةٍ { فَمِنْ نَفْسِك
} أَيْ مِنْ أَجْلِ عِصْيَانِهَا فَهِيَ مِنْ اللَّهِ لَكِنْ بِسَبَبِ ذَنْبِ
النَّفْسِ عُقُوبَةً لَهَا ، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { وَمَا أَصَابَكُمْ
مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ
} وَيَدُلُّ عَلَيْهِ رِوَايَةُ مُجَاهِدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ قَرَأَ : وَمَا أَصَابَك مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ
نَفْسِك وَأَنَا كَتَبْتُهَا عَلَيْك
.
وَقَدْ قَالَ إبْرَاهِيمُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ
يَشْفِينِ } فَأَضَافَ الْمَرَضَ لِنَفْسِهِ وَالشِّفَاءَ إلَى اللَّهِ - تَعَالَى
- وَلَمْ يَقْدَحْ ذَلِكَ فِي كَوْنِهِ - تَعَالَى - خَالِقًا لِلشِّفَاءِ وَالْمَرَضِ
، وَإِنَّمَا فَصَلَ بَيْنَهُمَا رِعَايَةً لِلْأَدَبِ ، لِأَنَّهُ - تَعَالَى -
إنَّمَا يُضَافُ إلَيْهِ عَلَى الْخُصُوصِ الشَّرِيفُ دُونَ الْخَسِيسِ ،
فَيُقَالُ : يَا خَالِقَ الْخَلْقِ وَلَا يُقَالُ : يَا خَالِقَ الْقِرَدَةِ
وَالْخَنَازِيرِ ، وَيُقَالُ : يَا مُدَبِّرَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا
يُقَالُ : يَا مُدَبِّرَ الْقَمْلِ وَالْخَنَافِسِ فَكَذَا هُنَا .
وَإِذَا تَأَمَّلْتَ هَذَا الَّذِي قَرَّرْنَاهُ
وَجَدْتَ نَظْمَ الْآيَةِ عَلَيْهِ عَلَى غَايَةٍ مِنْ السَّبْكِ وَالِالْتِئَامِ
وَالرَّصَانَةِ وَالْبَلَاغَةِ اللَّائِقَةِ بِالْقُرْآنِ .
وَأَمَّا عَلَى مَا زَعَمُوهُ فَيَخْتَلُّ النَّظْمُ
وَيَتَغَيَّرُ الْأُسْلُوبُ لِغَيْرِ مُوجِبٍ وَلَا دَاعٍ إلَّا بِتَكْلِيفٍ
تَامٍّ ، وَجَلَالَةُ الْقُرْآنِ تَأْبَى ذَلِكَ ، عَلَى أَنَّ التَّعْبِيرَ
بِالْإِصَابَةِ الْمُوَافِقَ لِلِاسْتِعْمَالِ اللُّغَوِيِّ صَرِيحٌ فِيمَا
قُلْنَاهُ وَعَلَى التَّنَزُّلِ ، وَأَنَّ الْمُرَادَ بِالسَّيِّئَةِ
وَالْحَسَنَةِ مَا قَالُوهُ ، فَلَا دَلَالَةَ لَهُمْ فِي ذَلِكَ أَيْضًا بَلْ
الْآيَةُ دَالَّةٌ عَلَيْهِمْ لِدَلَالَتِهَا عَلَى أَنَّ الْإِيمَانَ حَصَلَ
بِخَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّهُ حَسَنَةٌ إذْ هِيَ الْغِبْطَةُ الْخَالِيَةُ
عَنْ جَمِيعِ جِهَاتِ الْقُبْحِ وَهُوَ كَذَلِكَ فَوَجَبَ أَنْ تَكُونَ حَسَنَةً ،
وَمِنْ ثَمَّ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ قَوْله تَعَالَى : { وَمَنْ
أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إلَى اللَّهِ } كَلِمَةُ الشَّهَادَةِ وَبِهَا
فُسِّرَ الْإِحْسَانُ فِي قَوْله تَعَالَى : { إنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ
} ، وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ الْإِيمَانَ حَسَنَةٌ فَكُلُّ حَسَنَةٍ مِنْ اللَّهِ
بِنَصِّ
الْآيَةِ حَتَّى عَلَى مَا زَعَمُوهُ ، وَحِينَئِذٍ
فَيَجِبُ الْقَطْعُ بِأَنَّ الْإِيمَانَ مِنْ اللَّهِ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - كَمَا
دَلَّتْ عَلَيْهِ هَذِهِ الْآيَةُ وَهُمْ لَا يَقُولُونَ بِهِ .
لَا يُقَالُ : الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ { فَمِنْ اللَّهِ
} أَنَّهُ قَدَّرَهُ عَلَيْهِ وَهَدَاهُ لِمَعْرِفَةِ حُسْنِهِ وَقُبْحِ ضِدِّهِ
الَّذِي هُوَ الْكُفْرُ .
لِأَنَّا نَقُولُ جَمِيعُ الشَّرَائِطِ مُشْتَرَكَةٌ
بِالنِّسْبَةِ إلَى الْإِيمَانِ وَالْكُفْرِ عِنْدَكُمْ ، فَالْعَبْدُ
بِاخْتِيَارِ نَفْسِهِ أَوْجَدَهُ وَلَا مَدْخَلَ فِيهِ لِقُدْرَةِ اللَّهِ ،
وَإِعَانَتِهِ عَلَى زَعْمِكُمْ فَهُوَ مُنْقَطِعٌ عِنْدَكُمْ عَنْ اللَّهِ مِنْ
كُلِّ الْوُجُوهِ ، وَهَذَا مُنَاقِضٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { مَا أَصَابَك مِنْ
حَسَنَةٍ فَمِنْ اللَّهِ } فَبَانَ بُطْلَانُ مَا ذَهَبْتُمْ إلَيْهِ مِنْ
الْآيَةِ وَأَنَّهُ لَا يَنْفَعُكُمْ ، وَإِذَا ثَبَتَ بِهَا أَنَّ الْإِيمَانَ
مِنْ اللَّهِ تَعَالَى ، فَكَذَلِكَ الْكُفْرُ إذْ كُلُّ مَنْ قَالَ : الْإِيمَانُ
مِنْ اللَّهِ قَالَ : الْكُفْرُ مِنْ اللَّهِ ، فَالْقَوْلُ بِأَنَّ أَحَدَهُمَا
مِنْ اللَّهِ دُونَ الْآخَرِ مُخَالِفٌ لِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ .
وَأَيْضًا : فَالْعَبْدُ لَوْ قَدَرَ عَلَى إيجَادِ الْكُفْرِ
فَالْقُدْرَةُ الصَّالِحَةُ لِإِيجَادِ الْكُفْرِ إمَّا أَنْ تَصْلُحَ لِإِيجَادِ
الْإِيمَانِ أَوْ لَا ، فَإِنْ صَلُحَتْ لِإِيجَادِهِ عَادَ الْقَوْلُ بِأَنَّ
إيمَانَ الْعَبْدِ مِنْهُ وَقَدْ عُلِمَ بُطْلَانُهُ مِنْ الْآيَةِ كَمَا
تَقَرَّرَ ، وَإِنْ لَمْ تَصْلُحْ لِإِيجَادِهِ لَزِمَ أَنَّ الْقَادِرَ عَلَى
الشَّيْءِ غَيْرُ قَادِرٍ عَلَى ضِدِّهِ وَذَلِكَ عِنْدَهُمْ مُحَالٌ ، فَثَبَتَ
أَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَكُنْ الْإِيمَانُ مِنْهُ وَجَبَ أَنْ لَا يَكُونَ الْكُفْرُ
مِنْهُ .
وَأَيْضًا :
إذَا لَمْ يُوجِدْ الْعَبْدُ الْإِيمَانَ فَأَوْلَى أَنْ
لَا يُوجِدَ الْكُفْرَ لِأَنَّ الْمُسْتَقِلَّ بِإِيجَادِ الشَّيْءِ هُوَ الَّذِي يُمْكِنُهُ
تَحْصِيلُ مُرَادٍ ، وَلَيْسَ فِي الدُّنْيَا عَاقِلٌ قَطُّ يُرِيدُ أَنْ يَكُونَ
الْحَاصِلُ فِي قَلْبِهِ هُوَ الْجَهْلَ وَالضَّلَالَ ، فَإِذَا كَانَ الْعَبْدُ
مُوجِدًا لِأَفْعَالِ نَفْسِهِ وَهُوَ لَا يَقْصِدُ إلَّا تَحْصِيلَ الْعِلْمِ
الْحَقِّ الْمُطَابِقِ وَجَبَ أَنْ لَا يَتَحَصَّلَ فِي
قَلْبِهِ إلَّا الْحَقُّ ، وَإِذَا كَانَ الْإِيمَانُ الَّذِي هُوَ مَقْصُودُهُ
وَمَطْلُوبُهُ وَمُرَادُهُ لَمْ يَقَعْ بِإِيجَادِهِ فَبِأَنْ يَكُونَ الْجَهْلُ -
الَّذِي لَمْ يُرِدْهُ وَمَا قَصَدَ تَحْصِيلَهُ وَهُوَ فِي غَايَةِ النَّفْرَةِ
عَنْهُ - غَيْرَ وَاقِعٍ بِإِيجَادِهِ أَوْلَى .
وَأَمَّا مَا شَنَّعَ بِهِ الْجُبَّائِيُّ عَلَى مَنْ
قَرَأَ : أَفَمِنْ نَفْسِك ؟ بِالِاسْتِفْهَامِ فَهُوَ مِنْ جُمْلَةِ افْتِرَائِهِ
كَشِيعَتِهِ .
إذْ أَهْلُ السُّنَّةِ لَمْ يُعَوِّلُوا عَلَى هَذِهِ
الْقِرَاءَةِ وَلَا جَعَلُوهَا حُجَّةً لَهُمْ ، وَإِنَّمَا الْحَقُّ فِي ذَلِكَ
أَنَّهُ إنْ صَحَّ أَنَّهُ قَرَأَ بِهَا أَحَدٌ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ
وَجَبَ قَبُولُهَا وَتَكُونُ حِينَئِذٍ دَلِيلًا عَلَيْهِمْ ، لِأَنَّ
الْقِرَاءَةَ الشَّاذَّةَ إذَا صَحَّ سَنَدُهَا كَالْخَبَرِ الصَّحِيحِ فِي الْحُجِّيَّةِ
عَلَى الْأَصَحِّ ، وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ ذَلِكَ لَمْ يُلْتَفَتْ إلَيْهَا
وَلَيْسَتْ الْحُجِّيَّةُ مُفْتَقِرَةً إلَيْهَا ، عَلَى أَنَّ الْقِرَاءَةَ
الْمَشْهُورَةَ يَصِحُّ حَمْلُهَا عَلَى الِاسْتِفْهَامِ الْإِنْكَارِيِّ كَهُوَ
فِي تِلْكَ الْقِرَاءَةِ إنْ صَحَّتْ ، نَظِيرُ مَا قَالَهُ أَكْثَرُ
الْمُفَسِّرِينَ فِي قَوْله تَعَالَى حِكَايَةٍ عَنْ خَلِيلِهِ : { فَلَمَّا رَأَى
الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي } مِنْ أَنَّ هَذَا إنَّمَا ذَكَرَهُ
اسْتِفْهَامًا عَلَى سَبِيلِ الْإِنْكَارِ ، فَكَذَا هُنَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ
فِيهِ ذَلِكَ ، وَإِنْ لَمْ تَتَوَقَّفْ الْحُجِّيَّةُ عَلَيْهِ كَمَا عُلِمَ مِمَّا
تَقَرَّرَ ، وَالْمَعْنَى عَلَيْهِ أَنَّ الْإِيمَانَ الَّذِي وَقَعَ عَلَى وَفْقِ
قَصْدِهِ قَدْ بَانَ بِقَوْلِهِ : { فَمِنْ اللَّهِ } أَنَّهُ لَيْسَ وَاقِعًا مِنْهُ بَلْ
مِنْ اللَّهِ ، فَهَذَا الْكُفْرُ الَّذِي لَمْ يَقْصِدْهُ وَلَمْ يُرِدْهُ وَلَمْ
يَرْضَ بِهِ أَلْبَتَّةَ كَيْفَ يَدْخُلُ فِي الْعَقْلِ أَنْ يُقَالَ : إنَّهُ
وَاقِعٌ مِنْهُ بَلْ هُوَ مِنْ اللَّهِ مِنْ بَابِ أَوْلَى لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ
مَا لِلنَّفْسِ فِيهِ حَظٌّ وَقَصْدٌ ، وَإِرَادَةٌ وَمَحَبَّةٌ لَا يَقَعُ مِنْهَا
بَلْ مِنْ اللَّهِ ، فَأَوْلَى مَا لَيْسَ لَهَا فِيهِ شَيْءٌ
مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْوَاقِعَ مِنْ اللَّهِ
لَا مِنْهَا .
وَفِي خَتْمِ الْآيَةِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَكَفَى
بِاَللَّهِ شَهِيدًا } إيمَاءٌ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهَا إسْنَادُ جَمِيعِ
الْأُمُورِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى ، إذْ الْمَعْنَى لَيْسَ لَك إلَّا الرِّسَالَةُ
وَالتَّبْلِيغُ وَقَدْ فَعَلْت وَمَا قَصَّرْت وَكَفَى بِاَللَّهِ شَهِيدًا عَلَى
ذَلِكَ .
وَأَمَّا حُصُولُ الْهِدَايَةِ فَلَيْسَ إلَيْك بَلْ إلَى
اللَّهِ { لَيْسَ لَكَ مِنْ الْأَمْرِ شَيْءٌ } { إنَّك لَا تَهْدِي مَنْ
أَحْبَبْتَ } أَوْ { كَفَى بِاَللَّهِ شَهِيدًا } عَلَى صِدْقِك ، وَإِرْسَالِك
أَوْ عَلَى أَنَّ الْحَسَنَةَ وَالسَّيِّئَةَ مِنْ اللَّهِ .
وَمِنْ الْأَدِلَّةِ لِمَذْهَبِ أَهْلِ السُّنَّةِ مَا
فِي الْقُرْآنِ فِي آيٍ كَثِيرَةٍ مِنْ نَحْوِ الْخَتْمِ عَلَى الْقَلْبِ
وَالسَّمْعِ ، وَالطَّبْعِ ، وَالْكِنَانِ ، وَالرَّيْنِ عَلَى الْقَلْبِ
وَالْوَقْرِ فِي الْأُذُنِ وَالْغِشَاوَةِ عَلَى الْبَصَرِ ؛ فَإِنَّ النَّاسَ
اخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ ، فَالْقَائِلُونَ بِأَنَّ أَفْعَالَ الْعِبَادِ
مَخْلُوقَةٌ لِلَّهِ - تَعَالَى - وَهُمْ أَهْلُ السُّنَّةِ فَذَلِكَ كُلُّهُ ظَاهِرٌ
عَلَى مَذْهَبِهِمْ ، ثُمَّ لَهُمْ قَوْلَانِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ
كِنَايَةٌ عَنْ خَلْقِ الْكُفْرِ فِي قُلُوبِ الْكُفَّارِ ، وَثَانِيهِمَا :
أَنَّهُ خَلَقَ الدَّاعِيَةَ الَّتِي إذَا انْضَمَّتْ إلَى الْقُدْرَةِ صَارَ
مَجْمُوعُ الْقُدْرَةِ مَعَهَا سَبَبًا لِوُقُوعِ الْكُفْرِ .
وَأَمَّا الْمُعْتَزِلَةُ قَبَّحَهُمْ اللَّهُ ، فَإِنَّهُمْ
تَأَوَّلُوا هَذِهِ الْأَلْفَاظَ وَأَخْرَجُوهَا عَنْ ظَوَاهِرِهَا بِطَرِيقِ
التَّحَكُّمِ وَالتَّشَهِّي تَحْكِيمًا لِعُقُولِهِمْ الْفَاسِدَةِ الْقَاصِرَةِ
فِي نُصُوصِ الشَّرْعِ يَتَصَرَّفُونَ فِيهَا كَيْفَ شَاءُوا تَارَةً بِالرَّدِّ
وَتَارَةً بِالتَّأْوِيلِ ، فَخَذَلَهُمْ اللَّهُ وَأَبَادَهُمْ فَمَا أَغْبَاهُمْ
وَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَاهُمْ وَأَبْعَدَهُمْ عَنْ سَبِيلِ الْهُدَى وَمُجَانَبَةِ
الضَّلَالِ وَالرَّدَى ، وَأَنْسَاهُمْ لِآيَاتِ اللَّهِ الْبَيِّنَاتِ
وَدَلَائِلِ خَلْقِهِ - تَعَالَى - لِسَائِرِ الْحَادِثَاتِ ، وَكَيْفَ يَلِيقُ
بِالْعَبْدِ الضَّعِيفِ الْعَاجِزِ الْمُقَصِّرِ الْجَاهِلِ
بِاَللَّهِ - تَبَارَكَ وَتَعَالَى - وَبِمَا طَوَاهُ عَنْهُ
مِمَّا اسْتَأْثَرَ بِهِ مِنْ عِلْمِهِ وَحُكْمِهِ أَنْ يَنْسَى قَوْله تَعَالَى
لِخَلْقِهِ إعْلَامًا لَهُمْ بِذَلِكَ { لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ
يُسْأَلُونَ } ثُمَّ يَقُولُ : كَيْفَ يَذُمُّ الْكُفَّارَ عَلَى شَيْءٍ خَلَقَهُ
فِيهِمْ ، وَأَيُّ ذَنْبٍ لَهُمْ حِينَئِذٍ حَتَّى يُعَذِّبَهُمْ عَلَيْهِ
وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنْ الْخُرَافَاتِ الْمُنْبِئَةِ عَنْ الْخُرُوجِ عَنْ حَيْزِ
الْعُبُودِيَّةِ وَالْخُضُوعِ لِلْحَقِّ وَالرِّضَا بِقِسْمَتِهِ - تَعَالَى - ،
وَكَفَى هَؤُلَاءِ هَذِهِ الْمَهَاوِي السَّخِيفَةُ الَّتِي وَقَعُوا فِيهَا فَضَلُّوا
وَأَضَلُّوا وَعَانَدُوا وَلَجُّوا ، وَلَوْ تَأَمَّلُوا مَا هُمْ عَلَيْهِ
لَوَجَدُوا أَنْفُسَهُمْ آخِذِينَ بِحُجْزَةِ قَوْلِ الْكُفَّارِ : { وَإِذَا
قِيلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمْ اللَّهُ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا
لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ } قَالَ -
تَعَالَى - جَوَابًا لَهُمْ : { إنْ أَنْتُمْ إلَّا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ } فَكَذَا
أُولَئِكَ أَعَاذَنَا اللَّهُ مِنْ مُضِلَّاتِ الْآرَاءِ وَغَوَائِلِ الْفِتَنِ ،
وَأَصْلَحَ مِنَّا مَا ظَهَرَ وَجَمِيعَ مَا بَطَنَ إنَّهُ الْجَوَادُ الْكَرِيمُ الرَّءُوفُ
الرَّحِيمُ .
{ الْكَبِيرَةُ الثَّالِثَةُ وَالْخَمْسُونَ : عَدَمُ
الْوَفَاءِ بِالْعَهْدِ } قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إنَّ
الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا } .
وَقَالَ تَعَالَى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
أَوْفُوا بِالْعُقُودِ } قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : بِالْعُهُودِ ، وَهِيَ مَا أَحَلَّ
اللَّهُ ، وَحَرَّمَ ، وَمَا فَرَضَ ، وَمَا حَدَّ فِي جَمِيعِ الْأَشْيَاءِ ، وَكَذَا
قَالَ مُجَاهِدٌ وَغَيْرُهُ ، وَمِنْ ثَمَّ قَالَ الضَّحَّاكُ هِيَ الَّتِي أَخَذَ
اللَّهُ عَلَى هَذِهِ الْأُمَّةِ أَنْ يُوَافُوا بِهَا مِمَّا أَحَلَّ وَحَرَّمَ
وَمِمَّا فَرَضَ مِنْ الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا ، وَهَذَا أَوْلَى مِنْ قَوْلِ ابْنِ
جُرَيْجٍ إنَّهُ فِي أَهْلِ الْكِتَابِ
.
أَيْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا بِالْكُتُبِ
الْمُتَقَدِّمَةِ أَوْفُوا بِالْعُقُودِ الَّتِي أُخِذَتْ عَلَيْكُمْ فِي شَأْنِ
مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّتِي مِنْ جُمْلَتِهَا : { وَإِذْ
أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ
} ، وَمِنْ قَوْلِ قَتَادَةَ : أَرَادَ
بِهَا الْحِلْفَ الَّذِي تَعَاقَدُوا عَلَيْهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ ، قَالَ
الزَّجَّاجُ : وَالْعُقُودُ أَوْكَدُ الْعُهُودِ .
إذْ الْعُهُودُ إلْزَامٌ ، وَالْعُقُودُ إلْزَامٌ عَلَى
سَبِيلِ الْإِحْكَامِ وَالِاسْتِيثَاقِ ، مِنْ عَقَدَ الشَّيْءَ بِغَيْرِهِ
وَصَلَهُ بِهِ كَمَا يُعْقَدُ الْحَبْلُ بِالْحَبْلِ ؛ وَلَمَّا كَانَ الْإِيمَانُ
هُوَ الْمَعْرِفَةَ بِاَللَّهِ وَصِفَاتِهِ وَأَحْكَامِهِ ، وَمِنْ جُمْلَتِهَا
أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْخَلْقِ إظْهَارُ الِانْقِيَادِ لِلَّهِ - تَعَالَى - فِي
جَمِيعِ التَّكَالِيفِ أَمَرَ بِالْوَفَاءِ بِالْعُقُودِ .
وَالْمَعْنَى
: أَنَّكُمْ قَدْ الْتَزَمْتُمْ بِإِيمَانِكُمْ
أَنْوَاعَ الْعُقُودِ وَإِظْهَارَ الطَّاعَةِ لِلَّهِ - تَعَالَى - فِي سَائِرِ
أَوَامِرِهِ وَنَوَاهِيهِ فَأَوْفُوا بِتِلْكَ الْعُهُودِ .
قَالَ ابْنُ شِهَابٍ : قَرَأْتُ كِتَابَ رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَمْرِو بْنِ حَزْمٍ حِينَ بَعَثَهُ إلَى
نَجْرَانَ وَفِي صَدْرِهِ : هَذَا بَيَانٌ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ : { يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ } إلَى { سَرِيعُ الْحِسَابِ
} فَالْمَقْصُودُ التَّكَالِيفُ فِعْلًا وَتَرْكًا ،
وَسُمِّيَتْ عُقُودًا لِأَنَّهُ - تَعَالَى - عَقَدَ أَمْرَهَا وَحَتَمَهُ
وَأَوْثَقَهُ فَلَا انْحِلَالَ لَهُ ، وَقُلْ : هِيَ الْعُقُودُ الَّتِي يَتَعَاقَدُهَا
النَّاسُ بَيْنَهُمْ ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا اخْتَرْنَاهُ فِيمَا مَرَّ أَنَّهَا
عَامَّةٌ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ اسْتَدَلَّ بِهَا عَلَى
صِحَّةِ نَحْوِ نَذْرِ صَوْمِ يَوْمِ الْعِيدِ وَعَضَّدَهَا بِقَوْلِهِ - تَعَالَى
- : { يُوفُونَ بِالنَّذْرِ } { وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إذَا عَاهَدُوا }
" أَوْفِ بِنَذْرِك " وَنَفْيُ خِيَارِ الْمَجْلِسِ لِأَنَّ الْعَقْدَ
قَدْ انْعَقَدَ ، وَحُرْمَةُ الْجَمْعِ بَيْنَ الطَّلَقَاتِ ، لِأَنَّ النِّكَاحَ
عَقْدٌ فَحَرُمَ رَفْعُهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { أَوْفُوا بِالْعُقُودِ } تُرِكَ
الْعَمَلُ بِهِ فِي الطَّلْقَةِ الْوَاحِدَةِ بِالْإِجْمَاعِ فَبَقِيَ فِيمَا
عَدَاهُ عَلَى الْأَصْلِ ، وَخَالَفَهُ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْمَسَائِلِ
الثَّلَاثِ لِأَنَّ هَذَا الْعُمُومَ مَخْصُوصٌ بِالْخَبَرِ الصَّحِيحِ : { لَا
نَذْرَ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ } وَالْخَبَرِ الصَّحِيحِ : { الْبَيِّعَانِ
بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا } ؛ وَالْقِيَاسِ الْجَلِيِّ ، إذًا لَوْ
حَرُمَ الْجَمْعُ فِي الْأَخِيرَةِ لَمَا نَفَذَ ، فَلَمَّا نَفَذَ إجْمَاعًا
دَلَّ عَلَى حِلِّهِ .
إذْ الْأَصْلُ فِي نُفُوذِ الْعُقُودِ أَنَّهُ يَقْتَضِي
حِلَّهَا عَلَى أَنَّ فِيهِ حَدِيثًا صَحِيحًا ، وَهُوَ أَنَّ الْمُلَاعِنَ
طَلَّقَ ثَلَاثًا ظَانًّا أَنَّهَا تَنْفُذُ وَلَمْ يَنْهَهُ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهَا .
إذْ لَوْ كَانَ جَمْعُ الثَّلَاثِ حَرَامًا لَكَانَ أَتَى
بِحَرَامٍ فَكَانَ يَجِبُ نَهْيُهُ عَنْهُ ، فَلَمَّا لَمْ يَنْهَهُ عَنْهُ دَلَّ
ذَلِكَ عَلَى إبَاحَتِهِ .
وَلَا يُقَالُ إنَّمَا لَمْ يَنْهَهُ عَنْهُ لِأَنَّهُ
لَغْوٌ لِمَا أَشَرْنَا إلَيْهِ أَنَّهُ لَيْسَ لَغْوًا إلَّا فِي الْوَاقِعِ ،
وَأَمَّا فِي ظَنِّهِ فَلَمْ يَكُنْ لَغْوًا لِأَنَّهُ ظَنَّ أَنَّهُ يُفِيدُهُ
تَأْيِيدُ حُرْمَتِهَا فَأَوْقَعَ الثَّلَاثَ ، فَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ
الْمُتَعَارَفَ بَيْنَ الصَّحَابَةِ أَنَّ إيقَاعَ الثَّلَاثِ لَا يَحْرُمُ
وَإِلَّا لَنَهَاهُ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ كَمَا
تَقَرَّرَ .
وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى تَأَكُّدِ الْعُهُودِ وَأَنَّ
الْإِخْلَالَ بِالْوَفَاءِ بِهَا كَبِيرَةٌ الْحَدِيثُ الْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ : {
أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا وَمَنْ كَانَ فِيهِ خَصْلَةٌ
مِنْهُنَّ كَانَ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْ النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا : إذَا حَدَّثَ كَذَبَ
، وَإِذَا اُؤْتُمِنَ خَانَ ، وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ ، وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ } .
وَفِي الْحَدِيثِ : { لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ يُقَالُ هَذِهِ غَدْرَةُ فُلَانٍ } .
وَرَوَى الْبُخَارِيُّ : { يَقُولُ اللَّهُ - تَعَالَى -
ثَلَاثَةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، رَجُلٌ أَعْطَى بِي ثُمَّ
غَدَرَ ، وَرَجُلٌ بَاعَ حُرًّا فَأَكَلَ ثَمَنَهُ ، وَرَجُلٌ اسْتَأْجَرَ
أَجِيرًا فَاسْتَوْفَى مِنْهُ الْعَمَلَ وَلَمْ يُعْطِهِ أَجْرَهُ } .
وَرَوَى مُسْلِمٌ : { مَنْ خَلَعَ يَدًا مِنْ طَاعَةِ
اللَّهِ لَقِيَ اللَّهَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا حُجَّةَ لَهُ ، وَمَنْ مَاتَ
وَلَيْسَ فِي عُنُقِهِ بَيْعَةٌ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً } ، وَمَرَّتْ
أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ فِي هَذَا الْمَعْنَى .
تَنْبِيهٌ : عَدُّ هَذَا مِنْ الْكَبَائِرِ هُوَ مَا
وَقَعَ فِي كَلَامِ غَيْرِ وَاحِدٍ ، لَكِنْ مِنْهُمْ مَنْ عَبَّرَ بِمَا مَرَّ ،
وَمِنْهُمْ مَنْ عَبَّرَ بِخُلْفِ الْوَعْدِ ، فَالْعِبَارَتَانِ إمَّا
مُتَّحِدَتَانِ أَوْ مُتَغَايِرَتَانِ وَعَلَى كُلٍّ فَقَدْ يُشْكِلُ عَدُّهُمْ
مِنْ الْكَبَائِرِ بِأَنَّهُ قَدْ تَقَرَّرَ فِي مَذْهَبِنَا أَنَّ الْوَفَاءَ
بِالْوَعْدِ مَنْدُوبٌ لَا وَاجِبٌ وَفِي الْعَهْدِ أَنَّهُ مَا أَوْجَبَهُ
اللَّهُ أَوْ حَرَّمَهُ ، وَمُخَالَفَةُ الْمَنْدُوبِ جَائِزَةٌ ، وَالْوَاجِبِ وَالْحَرَامِ
تَارَةً تَكُونُ كَبِيرَةً وَتَارَةً تَكُونُ صَغِيرَةً ، فَكَيْفَ يُطْلَقُ أَنَّ
عَدَمَ الْوَفَاءِ بِذَلِكَ كَبِيرَةٌ ؟ فَإِنْ أُرِيدَ عَدَمُ الْوَفَاءِ بِمَا
يَكُونُ الْإِخْلَالُ بِهِ كَبِيرَةً كَانَ عَدُّ هَذَا كَبِيرَةً مُسْتَقِلَّةً
غَيْرَ سَائِغٍ .
إذْ لَا وُجُودَ لَهُ إلَّا فِي ضِمْنِ غَيْرِهِ مِنْ
الْكَبَائِرِ .
وَيُجَابُ بِحَمْلِ الْأَوَّلِ بِنَاءً عَلَى
تَغَايُرِهِمَا عَلَى الْمُلْتَزِمِ بِالنَّذْرِ وَنَحْوِهِ ،
وَكَوْنُ مَنْعِهِ كَبِيرَةً ظَاهِرٌ إذْ النَّذْرُ
يُسْلَكُ بِهِ مَسْلَكَ وَاجِبِ الشَّرْعِ ، وَسَيَأْتِي أَنَّ تَرْكَ الصَّلَاةِ
أَوْ الزَّكَاةِ أَوْ الْحَجِّ أَوْ الصَّوْمِ كَبِيرَةٌ فَكَذَا هَذَا .
وَيُحْمَلُ الثَّانِي عَلَى شَيْءٍ خَاصٍّ لَا يُعْلَمُ
إلَّا مِنْ التَّصْرِيحِ بِهَذَا وَهُوَ مَا لَوْ بَايَعَ إمَامًا ثُمَّ أَرَادَ
الْخُرُوجَ عَلَيْهِ لِغَيْرِ مُوجِبٍ وَلَا تَأْوِيلٍ لِهَذَا فَهَذَا كَبِيرَةٌ كَمَا
يُسْتَفَادُ مِنْ خَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ : { ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمْ اللَّهُ
يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ - إلَى أَنْ
قَالَ - وَرَجُلٌ بَايَعَ إمَامًا لَا يُبَايِعُهُ إلَّا لِدُنْيَا فَإِنْ
أَعْطَاهُ مِنْهَا مَا يُرِيدُ وَفَى لَهُ وَإِنْ لَمْ يُعْطِهِ لَمْ يَفِ لَهُ } .
وَمِنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي
خَبَرِ الْبُخَارِيِّ السَّابِقِ : { رَجُلٌ أُعْطِيَ بِي ثُمَّ غَدَرَ } .
وَفِي خَبَرِ مُسْلِمٍ : { مَنْ خَلَعَ يَدًا مِنْ
طَاعَةٍ } .
وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ : { مَنْ أَحَبَّ أَنْ
يُزَحْزَحَ عَنْ النَّارِ وَيَدْخُلَ الْجَنَّةَ فَلْتَأْتِهِ مَنِيَّتُهُ وَهُوَ
يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَأْتِ إلَى النَّاسِ الَّذِي
يُحِبُّ أَنْ يُؤْتَى إلَيْهِ ، وَمَنْ بَايَعَ إمَامًا فَأَعْطَاهُ صَفْقَةَ يَدِهِ
وَثَمَرَةَ قَلْبِهِ فَلْيُطِعْهُ إنْ اسْتَطَاعَ فَإِنْ جَاءَهُ أَحَدٌ
يُنَازِعُهُ فَاضْرِبُوا عُنُقَ الْآخَرِ } ، وَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ أَيْضًا مَا
يَأْتِي فِي الْجِهَادِ ، { إنَّ مَنْ أَمَّنَ حَرْبِيًّا ثُمَّ غَدَرَ بِهِ
وَقَتَلَهُ كَانَ كَبِيرَةً } ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِنَكْثِ الصَّفْقَةِ ، وَقَدْ
مَرَّ فِيهِ وَعِيدٌ شَدِيدٌ وَسَيَأْتِي .
( الْكَبِيرَةُ الرَّابِعَةُ وَالْخَامِسَةُ
وَالْخَمْسُونَ : مَحَبَّةُ الظَّلَمَةِ أَوْ الْفَسَقَةِ بِأَيِّ نَوْعٍ كَانَ
فِسْقُهُمْ ، وَبُغْضُ الصَّالِحِينَ ) أَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ
مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَفِي الصَّغِيرِ وَالْأَوْسَطِ بِسَنَدٍ جَيِّدٍ
عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { ثَلَاثٌ هُنَّ حَقٌّ : لَا يَجْعَلُ اللَّهُ مَنْ لَهُ
سَهْمٌ فِي الْإِسْلَامِ كَمَنْ لَا سَهْمَ لَهُ ، وَلَا يَتَوَلَّى اللَّهُ
عَبْدًا فَيُوَلِّيهِ غَيْرَهُ ، وَلَا يُحِبُّ الرَّجُلُ قَوْمًا إلَّا حُشِرَ
مَعَهُمْ } .
وَأَحْمَدُ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ : { ثَلَاثٌ أَحْلِفُ
عَلَيْهِنَّ : لَا يَجْعَلُ اللَّهُ مَنْ لَهُ سَهْمٌ فِي الْإِسْلَامِ كَمَنْ لَا
سَهْمَ لَهُ ، وَأَسْهُمُ الْإِسْلَامِ ثَلَاثٌ .
الصَّوْمُ وَالصَّلَاةُ وَالزَّكَاةُ وَلَا يَتَوَلَّى
اللَّهُ عَبْدًا فِي الدُّنْيَا فَيُوَلِّيهِ غَيْرَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ،
وَلَا يُحِبُّ الرَّجُلُ قَوْمًا إلَّا جَعَلَهُ اللَّهُ مَعَهُمْ } .
وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ : { الشِّرْكُ أَخْفَى مِنْ دَبِيبِ
النَّمْلِ عَلَى الصَّفَا فِي اللَّيْلَةِ الظَّلْمَاءِ ، وَأَدْنَاهُ أَنْ
يُحِبَّ عَلَى شَيْءٍ مِنْ الْجَوْرِ وَيُبْغِضَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ الْعَدْلِ
وَهَلْ الدِّينُ إلَّا الْحُبُّ فِي اللَّهِ وَالْبُغْضُ فِي اللَّهِ ؟ قَالَ
اللَّهُ - تَعَالَى - { قُلْ إنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي
يُحْبِبْكُمْ اللَّهُ } } .
وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ : { لَا تُصَاحِبْ إلَّا
مُؤْمِنًا وَلَا يَأْكُلْ طَعَامَك إلَّا تَقِيٌّ } .
تَنْبِيهٌ :
عَدُّ هَذَيْنِ كَبِيرَةً هُوَ مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ
تِلْكَ الْأَحَادِيثُ الْمَاضِيَةُ وَالْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ الْآتِيَةُ : { الْمَرْءُ
مَعَ مَنْ أَحَبَّ وَإِنْ لَمْ يَعْمَلْ بِعَمَلِهِمْ } وَلَهُ وَجْهٌ ، إذْ
الْفَرْضُ أَنَّهُ أَحَبَّ الْفَاسِقِينَ لِفِسْقِهِمْ وَبَغَضَ الصَّالِحِينَ
لِصَلَاحِهِمْ ، وَظَاهِرٌ أَنَّ مَحَبَّةَ الْفِسْقِ كَبِيرَةٌ كَفِعْلِهِ
وَكَذَا بُغْضُ الصَّالِحِينَ لِأَنَّ حُبَّ أُولَئِكَ الْفَاسِقِينَ وَبُغْضَ
الصَّالِحِينَ يَدُلُّ عَلَى انْفِكَاكِ رِبْقَةِ الْإِسْلَامِ وَعَلَى بُغْضِهِ ،
وَبُغْضُ الْإِسْلَامِ كُفْرٌ فَمَا يُؤَدِّي إلَيْهِ
يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَبِيرَةً
.
خَاتِمَةٌ فِي سَرْدِ أَحَادِيثَ صَحِيحَةٍ وَحَسَنَةٍ
فِي ثَوَابِ الْمُتَحَابِّينَ فِي اللَّهِ - تَعَالَى - : قَالَ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ بِهِنَّ حَلَاوَةَ
الْإِيمَانِ : مَنْ كَانَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا
، وَمَنْ أَحَبَّ عَبْدًا لَا يُحِبُّهُ إلَّا لِلَّهِ ، وَمَنْ يَكْرَهُ أَنْ يَعُودَ
فِي الْكُفْرِ بَعْدَ إذْ أَنْقَذَهُ اللَّهُ مِنْهُ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ
فِي النَّارِ } ، وَفِي رِوَايَةٍ : { وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءُ فِي اللَّهِ
وَيُبْغِضَ فِي اللَّهِ ، إنَّ اللَّهَ
- تَعَالَى - يَقُولُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ : أَيْنَ
الْمُتَحَابُّونَ بِجَلَالِي ، الْيَوْمَ أُظِلُّهُمْ فِي ظِلِّي يَوْمَ لَا ظِلَّ
إلَّا ظِلِّي } .
{ إنَّ مِنْ الْإِيمَانِ أَنْ يُحِبَّ الرَّجُلُ رَجُلًا
لَا يُحِبُّهُ إلَّا لِلَّهِ مِنْ غَيْرِ مَالٍ أَعْطَاهُ فَذَلِكَ الْإِيمَانُ } .
{ مَا تَحَابَّ رَجُلَانِ فِي اللَّهِ إلَّا كَانَ
أَحَبُّهُمَا إلَى اللَّهِ أَشَدَّهُمَا حُبًّا لِصَاحِبِهِ } .
{ خَيْرُ الْأَصْحَابِ عِنْدَ اللَّهِ خَيْرُهُمْ
لِصَاحِبِهِ ، وَخَيْرُ الْجِيرَانِ عِنْدَ اللَّهِ خَيْرُهُمْ لِجَارِهِ } {
يَقُولُ اللَّهُ - تَبَارَكَ وَتَعَالَى - : وَجَبَتْ مَحَبَّتِي
لِلْمُتَحَابِّينَ فِي ، وَلِلْمُتَجَالِسَيْنِ فِي ، وَلِلْمُتَزَاوِرَيْنِ فِي ،
وَلِلْمُتَبَاذِلَيْنِ فِي } .
{ الْمُتَحَابُّونَ فِي جَلَالِي لَهُمْ مَنَابِرُ مِنْ
نُورٍ يَغْبِطُهُمْ النَّبِيُّونَ وَالشُّهَدَاءُ } .
{ يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى : حَقَّتْ مَحَبَّتِي
لِلْمُتَحَابِّينَ فِي ، وَحَقَّتْ مَحَبَّتِي لِلْمُتَوَاصِلِينَ فِي ، وَحَقَّتْ
مَحَبَّتِي لِلْمُتَزَاوِرِينَ فِي ، وَحَقَّتْ مَحَبَّتِي لِلْمُتَبَاذِلِينَ فِي
، وَحَقَّتْ مَحَبَّتِي لِلَّذِينَ يَتَصَادَقُونَ مِنْ أَجْلِي } .
{ الْمُتَحَابُّونَ فِي اللَّهِ فِي ظِلِّ الْعَرْشِ
يَوْمَ لَا ظِلَّ إلَّا ظِلُّهُ يَغْبِطُهُمْ لِمَكَانِهِمْ النَّبِيُّونَ
وَالشُّهَدَاءُ } .
{ إنَّ لِلَّهِ - تَعَالَى - جُلَسَاءَ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ عَنْ يَمِينِ الْعَرْشِ - وَكِلْتَا يَدَيْ اللَّهِ يَمِينٌ - عَلَى
مَنَابِرَ مِنْ
نُورٍ ، وُجُوهُهُمْ مِنْ نُورٍ لَيْسُوا بِأَنْبِيَاءَ
وَلَا شُهَدَاءَ وَلَا صِدِّيقِينَ ، قِيلَ مَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ
هُمْ الْمُتَحَابُّونَ بِجَلَالِ اللَّهِ - تَعَالَى - } .
{ إنَّ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ عِبَادًا لَيْسُوا
بِأَنْبِيَاءَ يَغْبِطُهُمْ الْأَنْبِيَاءُ وَالشُّهَدَاءُ قِيلَ مَنْ هُمْ ؟
لَعَلَّنَا نُحِبُّهُمْ ، قَالَ : هُمْ قَوْمٌ تَحَابُّوا بِنُورِ اللَّهِ مِنْ
غَيْرِ أَرْحَامٍ وَلَا أَنْسَابٍ ، وُجُوهُهُمْ نُورٌ عَلَى مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ
، لَا يَخَافُونَ إذَا خَافَ النَّاسُ وَلَا يَحْزَنُونَ إذَا حَزِنَ النَّاسُ ؛ ثُمَّ
قَرَأَ : { أَلَا إنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ
يَحْزَنُونَ } } .
{ لَيَبْعَثَنَّ اللَّهُ أَقْوَامًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ
فِي وُجُوهِهِمْ النُّورُ عَلَى مَنَابِرِ اللُّؤْلُؤِ يَغْبِطُهُمْ النَّاسُ
لَيْسُوا بِأَنْبِيَاءَ وَلَا شُهَدَاءَ فَجَثَا أَعْرَابِيٌّ عَلَى رُكْبَتَيْهِ
، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ حَلِّهِمْ لَنَا نَعْرِفُهُمْ ، قَالَ : هُمْ
الْمُتَحَابُّونَ فِي اللَّهِ -
تَعَالَى - مِنْ قَبَائِلَ شَتَّى وَبِلَادٍ شَتَّى
يَجْتَمِعُونَ عَلَى ذِكْرِ اللَّهِ يَذْكُرُونَهُ } ، وَفِي رِوَايَةٍ { هُمْ
نَاسٌ مِنْ أَفْنَاءِ النَّاسِ وَنَوَازِعِ الْقَبَائِلِ ، لَمْ تَصِلْ بَيْنَهُمْ
أَرْحَامٌ مُتَقَارِبَةٌ تَحَابُّوا فِي اللَّهِ وَتَصَادَقُوا يَضَعُ اللَّهُ
لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ فَيُجْلِسُهُمْ عَلَيْهَا
فَيَجْعَلُ وُجُوهَهُمْ نُورًا وَثِيَابَهُمْ نُورًا يَفْزَعُ النَّاسُ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ وَلَا يَفْزَعُونَ وَهُمْ أَوْلِيَاءُ اللَّهِ الَّذِينَ لَا خَوْفٌ
عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ
} .
{ سَأَلَ رَجُلٌ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ : مَتَى السَّاعَةُ ؟ قَالَ : وَمَا أَعْدَدْتَ لَهَا ؟ قَالَ : لَا
شَيْءَ غَيْرَ أَنِّي أُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ .
قَالَ : أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ ، قَالَ أَنَسٌ :
فَمَا فَرِحْنَا بِشَيْءٍ فَرَحَنَا بِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ ، قَالَ أَنَسٌ : فَأَنَا أُحِبُّ
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَأَرْجُو
أَنْ أَكُونَ مَعَهُمْ
بِحُبِّي إيَّاهُمْ وَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ
كَيْفَ تَرَى فِي رَجُلٍ أَحَبَّ قَوْمًا وَلَمْ يَلْحَقْ بِهِمْ ؟ قَالَ : الْمَرْءُ مَعَ
مَنْ أَحَبَّ } .
( الْكَبِيرَةُ السَّادِسَةُ وَالْخَمْسُونَ : أَذِيَّةُ
أَوْلِيَاءِ اللَّهِ وَمُعَادَاتُهُمْ ) قَالَ تَعَالَى : { وَاَلَّذِينَ
يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدْ
احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا } وَقَالَ - تَعَالَى - : { وَاخْفِضْ
جَنَاحَك لِلْمُؤْمِنِينَ } .
وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ عَنْ أَنَسٍ وَأَبِي
هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ { عَنْ اللَّهِ - تَبَارَكَ وَتَعَالَى - : مَنْ أَهَانَ لِي وَلِيًّا
فَقَدْ بَارَزَنِي بِالْمُحَارَبَةِ وَمَا تَرَدَّدْتُ فِي شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ
مَا تَرَدَّدْتُ فِي قَبْضِ نَفْسِ عَبْدِي الْمُؤْمِنِ يَكْرَهُ الْمَوْتَ
وَأَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ وَلَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ ، وَمَا تَقَرَّبَ إلَيَّ عَبْدِي
الْمُؤْمِنُ بِمِثْلِ الزُّهْدِ فِي الدُّنْيَا وَلَا تَعَبَّدَ لِي بِمِثْلِ مَا
افْتَرَضْته عَلَيْهِ } .
وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { إنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - قَالَ : مَنْ
عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْته بِالْحَرْبِ - أَيْ أَعْلَمْته أَنِّي
مُحَارِبٌ لَهُ - وَمَا تَقَرَّبَ إلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ
أَدَاءِ مَا افْتَرَضْته عَلَيْهِ ، وَلَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إلَيَّ بِالنَّوَافِلِ
حَتَّى أُحِبُّهُ فَإِذَا أَحْبَبْته كُنْت سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ
وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا وَرِجْلَهُ
الَّتِي يَمْشِي بِهَا وَإِنْ سَأَلَنِي أَعْطَيْته وَإِنْ اسْتَعَاذَنِي - أَيْ
بِالنُّونِ أَوْ الْبَاءِ - لَأُعِيذَنَّهُ
} .
وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ : { إنَّ أَبَا سُفْيَانَ
أَتَى عَلَى سَلْمَانَ وَصُهَيْبٍ وَبِلَالٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فِي نَفَرٍ
فَقَالُوا : مَا أَخَذَتْ سُيُوفُ اللَّهِ مِنْ عَدُوِّ اللَّهِ مَأْخَذَهَا -
أَيْ لَمْ تَسْتَوْفِ حَقَّهَا مِنْهُ لِأَنَّهُ إذْ ذَاكَ كَانَ عَلَى كُفْرِهِ -
فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : أَتَقُولُونَ هَذَا لِشَيْخِ
قُرَيْشٍ وَسَيِّدِهِمْ ؟ فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ يَا أَبَا بَكْرٍ لَعَلَّك أَغْضَبْتَهُمْ لَئِنْ كُنْتَ
أَغْضَبْتَهُمْ لَقَدْ أَغْضَبْتَ رَبَّك ، فَأَتَاهُمْ
أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَقَالَ يَا إخْوَتَاهْ أَغْضَبْتُكُمْ ؟
قَالُوا : لَا ، يَغْفِرُ اللَّهُ لَك يَا أَخِي } .
وَمِنْ عَظِيمِ احْتِرَامِ الْفُقَرَاءِ سِيَّمَا
فُقَرَاءُ الصَّحَابَةِ الَّذِينَ اسْتَبَقُوا إلَى الْإِيمَانِ قَوْله تَعَالَى
لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا عَذَلَهُ الْمُشْرِكُونَ
فِي الْجُلُوسِ مَعَهُمْ وَقَالُوا : اُطْرُدْهُمْ فَإِنَّ نُفُوسَنَا تَأْنَفُ
أَنْ تُجَالِسَهُمْ ، وَلَئِنْ طَرَدْتَهُمْ لَيُؤْمِنَنَّ بِك أَشْرَافُ النَّاسِ
وَرُؤَسَاؤُهُمْ { وَلَا تَطْرُدْ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ
وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ } فَلَمَّا أَيِسَ الْمُشْرِكُونَ مِنْ
طَرْدِهِمْ سَأَلُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَجْعَلَ
لَهُمْ يَوْمًا وَلَهُمْ يَوْمًا ، فَأَنْزَلَ تَعَالَى : { وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ
الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ
وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا } أَيْ
لَا تَتَعَدَّاهُمْ وَلَا تَتَجَاوَزْهُمْ بِنَظَرِك رَغْبَةً عَنْهُمْ وَطَلَبًا
لِصُحْبَةِ أَبْنَاءِ الدُّنْيَا { وَقُلْ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ
فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ } ثُمَّ ضَرَبَ لَهُمْ مَثَلَ الْغَنِيِّ
وَالْفَقِيرِ بِقَوْلِهِ - عَزَّ قَائِلًا - { وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا
رَجُلَيْنِ } إلَى قَوْله تَعَالَى : { وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا } .
الْآيَةَ
.
كُلُّ ذَلِكَ تَقْرِيرٌ لِفَخَامَتِهِمْ وَحَثٌّ عَلَى تَعْظِيمِهِمْ
وَرِعَايَتِهِمْ ، وَمِنْ ثَمَّ كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يُعَظِّمُ الْفُقَرَاءَ وَيُكْرِمُهُمْ سِيَّمَا أَهْلُ الصُّفَّةِ ، وَهُمْ
فُقَرَاءُ الْمُهَاجِرِينَ مَعَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانُوا فِي
صُفَّةِ الْمَسْجِدِ مُلَازِمِينَ لَهَا يَنْضَمُّ إلَيْهَا كُلُّ مَنْ هَاجَرَ
إلَى أَنْ كَثُرُوا وَكَانُوا عَلَى غَايَةٍ مِنْ الْفَقْرِ وَالصَّبْرِ ، لَكِنْ
حَمَلَهُمْ عَلَى ذَلِكَ شُهُودُهُمْ مَا أَعَدَّ - تَعَالَى - لِأَوْلِيَائِهِ
لَمَّا أَزَالَ عَنْ قُلُوبِهِمْ التَّعَلُّقَ بِشَيْءٍ مِنْ
الْأَغْيَارِ ، وَحَثَّهُمْ عَلَى الِاسْتِبَاقِ إلَى
الْخَيْرَاتِ وَحِيَازَةِ أَفْضَلِ الْأَحْوَالِ وَالْمَقَامَاتِ ، فَحِينَئِذٍ
اسْتَحَقُّوا أَنْ لَا يُطْرَدُوا عَنْ بَابِهِ ، وَأَنْ يُعْلِنَ بِمَدْحِهِمْ
بَيْنَ أَحْبَابِهِ لِمَا أَنَّ الْمَسَاجِدَ مَأْوَاهُمْ ، وَاَللَّهَ مَطْلُوبُهُمْ
وَمَوْلَاهُمْ وَالْجُوعَ طَعَامُهُمْ ، وَالسَّهَرَ إذَا نَامَ النَّاسُ
إدَامُهُمْ وَالْفَقْرَ ، وَالْفَاقَةَ شِعَارُهُمْ ، وَالْمَسْكَنَةَ
وَالْحَيَاءَ دِثَارُهُمْ ، فَقْرُهُمْ لَيْسَ مِنْ الْفَقْرِ الْعَامِّ الَّذِي
هُوَ مُطْلَقُ الْحَاجَةِ إلَى اللَّهِ
- تَعَالَى - لِأَنَّ هَذَا وَصْفُ كُلِّ مَخْلُوقٍ
وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ - تَعَالَى - : { يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمْ
الْفُقَرَاءُ إلَى اللَّهِ } بَلْ مِنْ الْفَقْرِ الْخَاصِّ الَّذِي هُوَ شِعَارُ أَوْلِيَاءِ
اللَّهِ - تَعَالَى - وَأَحِبَّائِهِ وَهُوَ خُلُوُّ الْقَلْبِ مِنْ التَّعَلُّقِ
بِغَيْرٍ أَوْ سِوًى ، وَالتَّمَلِّي بِشُهُودِهِ - تَعَالَى - فِي سَائِرِ الْحَرَكَاتِ
وَالسَّكَنَاتِ حَشَرَنَا اللَّهُ فِي زُمْرَتِهِمْ لِمَا مَنَّ بِهِ عَلَيْنَا
مِنْ حَقَائِقِ مَحَبَّتِهِمْ آمِينَ
.
تَنْبِيهٌ : عَدُّ هَذَا كَبِيرَةً هُوَ مَا صَرَّحَ
بِهِ بَعْضُهُمْ ، وَهُوَ صَرِيحُ هَذَا الْوَعِيدِ الَّذِي لَا أَشَدَّ مِنْهُ إذْ
مُحَارَبَةُ اللَّهِ - تَعَالَى - لِلْعَبْدِ لَمْ تُذْكَرْ إلَّا فِي أَكْلِ
الرِّبَا وَمُعَادَاةِ الْأَوْلِيَاءِ ، وَمَنْ عَادَاهُ اللَّهُ لَا يُفْلِحُ
أَبَدًا بَلْ لَا بُدَّ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ - تَعَالَى - مِنْ أَنْ يَمُوتَ عَلَى الْكُفْرِ ،
عَافَانَا اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ بِمَنِّهِ وَكَرَمِهِ ، ثُمَّ رَأَيْت
الزَّرْكَشِيَّ فِي الْخَادِمِ أَشَارَ إلَى ذَلِكَ حَيْثُ قَالَ بَعْدَ
الْحَدِيثِ وَتَأَمَّلْ هَذَا الْوَعِيدَ وَهُوَ حِينَئِذٍ وَأَكْلُ الرِّبَا فِي
قَرْنٍ { فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ }
وَفِي فَتَاوَى الْبَدِيعِيِّ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ : مَنْ اسْتَخَفَّ بِالْعَالِمِ
طَلُقَتْ امْرَأَتُهُ وَكَأَنَّهُ جَعَلَهُ رِدَّةً انْتَهَى ، وَقَالَ بَعْضُ
الْأَئِمَّةِ - يَعْنِي الْحَافِظَ الْإِمَامَ ابْنَ عَسَاكِرَ - : اعْلَمْ يَا
أَخِي وَفَّقَك اللَّهُ وَإِيَّانَا ، وَهَدَاك
سَبِيلَ الْخَيْرِ وَهَدَانَا أَنَّ لُحُومَ الْعُلَمَاءِ
مَسْمُومَةٌ .
وَعَادَةَ اللَّهِ فِي هَتْكِ مُنْتَقِصِهِمْ
مَعْلُومَةٌ ، وَمَنْ أَطْلَقَ لِسَانَهُ فِي الْعُلَمَاءِ بِالثَّلْبِ بَلَاهُ
اللَّهُ قَبْلَ مَوْتِهِ بِمَوْتِ الْقَلْبِ { فَلْيَحْذَرْ الَّذِينَ
يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ
أَلِيمٌ } .
( الْكَبِيرَةُ السَّابِعَةُ وَالْخَمْسُونَ : سَبُّ
الدَّهْرِ مِنْ عَالِمٍ بِمَا يَأْتِي ) أَخْرَجَ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { يَسُبُّ ابْنُ آدَمَ الدَّهْرَ ، وَأَنَا الدَّهْرُ
وَبِيَدِي اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ } وَفِي رِوَايَةٍ : { أُقَلِّبُ لَيْلَهُ وَنَهَارَهُ
وَإِذَا شِئْتُ قَبَضْتُهُمَا }
.
وَمُسْلِمٌ :
{ لَا يَسُبُّ أَحَدُكُمْ الدَّهْرَ فَإِنَّ اللَّهَ
هُوَ الدَّهْرُ } وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ : { لَا تُسَمُّوا الْعِنَبَ
الْكَرْمَ وَلَا تَقُولُوا خَيْبَةَ الدَّهْرِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الدَّهْرُ } .
وَأَبُو دَاوُد وَالْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحٌ عَلَى
شَرْطِ مُسْلِمٍ : { قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ، يُؤْذِينِي ابْنُ آدَمَ
يَقُولُ يَا خَيْبَةَ الدَّهْرِ ، فَلَا يَقُلْ أَحَدُكُمْ يَا خَيْبَةَ الدَّهْرِ
فَإِنِّي أَنَا الدَّهْرُ أُقَلِّبُ لَيْلَهُ وَنَهَارَهُ } .
وَمَالِكٌ : { لَا يَقُلْ أَحَدُكُمْ يَا خَيْبَةَ
الدَّهْرِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الدَّهْرُ } .
وَالْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ : {
يَقُولُ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - اسْتَقْرَضْتُ عَبْدِي فَلَمْ يُقْرِضْنِي
وَيَشْتُمُنِي عَبْدِي وَهُوَ لَا يَدْرِي يَقُولُ : وَادَهْرَاهُ وَادَهْرَاهُ ،
وَأَنَا الدَّهْرُ } وَالْبَيْهَقِيُّ : { لَا تَسُبُّوا الدَّهْرَ قَالَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ -
: أَنَا الدَّهْرُ ، الْأَيَّامُ وَاللَّيَالِي أُجَدِّدُهَا وَأُبْلِيهَا وَآتِي
بِمُلُوكٍ بَعْدَ مُلُوكٍ } .
تَنْبِيهٌ :
عَدُّ هَذَا هُوَ ظَاهِرُ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ
بِبَادِئِ الرَّأْيِ لَا سِيَّمَا قَوْله تَعَالَى : { وَيَشْتُمُنِي عَبْدِي }
فَعَدَّ - تَعَالَى - سَبَّ الدَّهْرِ شَتْمًا لَهُ أَيْ يُؤَدِّي إلَيْهِ وَهُوَ
كُفْرٌ وَمَا أَدَّى إلَى الْكُفْرِ أَدْنَى مَرَاتِبِهِ أَنْ يَكُونَ كَبِيرَةً ،
لَكِنَّ كَلَامَ أَئِمَّتِنَا يَأْبَى ذَلِكَ وَيُصَرِّحُ بِأَنَّ ذَلِكَ مَكْرُوهٌ
لَا حَرَامٌ .
فَضْلًا عَنْ كَوْنِهِ كَبِيرَةً ، وَاَلَّذِي يُتَّجَهُ
فِي ذَلِكَ تَفْصِيلٌ ، وَهُوَ أَنَّ مَنْ سَبَّ الدَّهْرَ فَإِنْ أَرَادَ بِهِ
الزَّمَنَ فَلَا كَلَامَ فِي الْكَرَاهَةِ ، أَوْ اللَّهَ - تَعَالَى - فَلَا
كَلَامَ
فِي الْكُفْرِ ، وَإِنْ أَطْلَقَ فَهَذَا هُوَ مَحَلُّ
التَّرَدُّدِ لِاحْتِمَالِهِ الْكُفْرَ وَغَيْرَهُ ، وَظَاهِرُ كَلَامِ
أَئِمَّتِنَا الْكَرَاهَةُ هُنَا أَيْضًا لِأَنَّ الْمُتَبَادَرَ مِنْهُ الزَّمَنُ
وَإِطْلَاقُهُ عَلَى اللَّهِ - تَعَالَى - إنَّمَا هُوَ بِطَرِيقِ التَّجَوُّزِ ، وَمِنْ
ثَمَّ قَالُوا فِي مَعْنَى الْحَدِيثِ : إنَّ الْعَرَبَ كَانُوا إذَا نَزَلَتْ بِأَحَدِهِمْ
نَازِلَةٌ أَوْ أَصَابَتْهُ مُصِيبَةٌ أَوْ مَكْرُوهٌ يَسُبُّ الدَّهْرَ
اعْتِقَادًا مِنْهُ أَنَّ الَّذِي أَصَابَهُ فِعْلُ الدَّهْرِ ، كَمَا كَانَتْ
الْعَرَبُ تَسْتَمْطِرُ بِالْأَنْوَاءِ وَتَقُولُ : مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا اعْتِقَادًا
أَنَّ فَاعِلَ ذَلِكَ هُوَ الْأَنْوَاءُ فَكَانَ هَذَا كَاللَّعْنِ لِلْفَاعِلِ ،
وَلَا فَاعِلَ لِكُلِّ شَيْءٍ إلَّا اللَّهُ - تَعَالَى - خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَفَاعِلُهُ
، فَنَهَاهُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ ، ثُمَّ
رَأَيْتُ غَيْرَ وَاحِدٍ قَالُوا : إنَّ سَبَّ الدَّهْرِ كَبِيرَةٌ إنْ اعْتَقَدَ
أَنَّ لَهُ تَأْثِيرًا فِيمَا نَزَلَ بِهِ ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ
اعْتِقَادَ ذَلِكَ كُفْرٌ وَلَيْسَ الْكَلَامُ فِيهِ .
وَاعْلَمْ أَنَّ ابْنَ دَاوُد كَانَ يُنْكِرُ رِوَايَةَ
أَهْلِ الْحَدِيثِ " وَأَنَا الدَّهْرُ " بِضَمِّ الرَّاءِ وَيَقُولُ :
لَوْ كَانَ كَذَلِكَ كَانَ الدَّهْرُ اسْمًا مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ - تَعَالَى - .
وَكَانَ يَرْوِيهِ " وَأَنَا الدَّهْرَ "
بِفَتْحِ الرَّاءِ ظَرْفًا لِأُقَلِّب : أَيْ وَأَنَا أُقَلِّبُ اللَّيْلَ
وَالنَّهَارَ الدَّهْرَ - أَيْ عَلَى طُولِ الزَّمَانِ وَمَمَرِّهِ ، وَتَبِعَهُ
بَعْضُهُمْ فَرَجَّحَ الْفَتْحَ وَلَيْسَ كَمَا قَالَا لِأَنَّ رِوَايَةَ {
فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الدَّهْرُ } تُبْطِلُ مَا زَعَمَاهُ ، وَمِنْ ثَمَّ كَانَ
الْجُمْهُورُ عَلَى ضَمِّ الرَّاءِ وَلَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ مَا زَعَمَهُ ابْنُ
دَاوُد : أَنَّ الدَّهْرَ يَكُونُ مِنْ أَسْمَائِهِ - تَعَالَى - لِمَا سَبَقَ
أَنَّ ذَلِكَ عَلَى التَّجَوُّزِ ، لِأَنَّهُ جَعَلَ فِيهِ الْمُؤَثِّرَ هُوَ
عَيْنُ الْأَثَرِ مُبَالَغَةً فِي تَعْظِيمِ ذَلِكَ الْأَثَرِ وَفِي الزَّجْرِ
عَنْ سَبِّهِ وَنَقْصِهِ .
( الْكَبِيرَةُ الثَّامِنَةُ وَالْخَمْسُونَ : الْكَلِمَةُ
الَّتِي تَعْظُمُ مَفْسَدَتُهَا وَيَنْتَشِرُ ضَرَرُهَا مِمَّا يُسْخِطُ اللَّهَ -
تَعَالَى - وَلَا يُلْقِي لَهَا قَائِلُهَا بَالًا ) وَعَدُّ هَذِهِ كَذَلِكَ هُوَ مَا
وَقَعَ لِبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ وَلَيْسَ بِبَعِيدٍ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ
الْمَفَاسِدِ الْعَظِيمَةِ وَالضَّرَرِ الظَّاهِرِ كَمَا عُلِمَ مِنْ
التَّرْجَمَةِ ، وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ خَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { إنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مَا يَتَبَيَّنُ
فِيهَا فَيَنْزِلُ بِهَا فِي النَّارِ أَبْعَدَ مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ } .
وَجَاءَ أَيْضًا أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ : { إنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ -
تَعَالَى - مَا كَانَ يَظُنُّ أَنْ تَبْلُغَ مَا بَلَغَتْ يَكْتُبُ اللَّهُ لَهُ
رِضْوَانَهُ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ
بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ مَا كَانَ يَظُنُّ أَنْ تَبْلُغَ مَا بَلَغَتْ
يَكْتُبُ اللَّهُ لَهُ بِهِ سَخَطَهُ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ } .
قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ : وَهَذَا كَالْكَلَامِ عِنْدَ
الْمُلُوكِ أَوْ الْوُلَاةِ مِمَّا يَحْصُلُ بِهِ خَيْرٌ عَامٌّ أَوْ شَرٌّ عَامٌّ
، وَمِنْهُ كَلِمَةٌ تَضَمَّنَتْ مَذَمَّةَ سُنَّةٍ أَوْ إقَامَةَ بِدْعَةٍ أَوْ
إبْطَالَ حَقٍّ أَوْ تَحْقِيقَ بَاطِلٍ أَوْ سَفْكَ دَمٍ أَوْ اسْتِحْلَالَ فَرْجٍ
أَوْ مَالٍ ، أَوْ هَتْكَ عِرْضٍ أَوْ قَطْعَ رَحِمٍ أَوْ وُقُوعَ غَدْرَةٍ بَيْنَ
الْمُسْلِمِينَ أَوْ فِرَاقَ زَوْجَةٍ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ .
( الْكَبِيرَةُ التَّاسِعَةُ وَالْخَمْسُونَ : كُفْرَانُ
نِعْمَةِ الْمُحْسِنِ ) كَذَا ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ وَهُوَ بَعِيدٌ ، يَتَعَيَّنُ حَمْلُهُ
عَلَى كُفْرَانِ نِعْمَةِ اللَّهِ - تَبَارَكَ وَتَعَالَى - إذْ هُوَ الْمُحْسِنُ
عَلَى الْحَقِيقَةِ ، وَيُمْكِنُ حَمْلُهُ أَيْضًا عَلَى كُفْرَانِ نِعْمَةِ
مُحْسِنٍ تَجِبُ مُرَاعَاتُهُ كَالزَّوْجِ .
وَيُسْتَدَلُّ لَهُ بِخَبَرِ النَّسَائِيّ : { لَا
يَنْظُرُ اللَّهُ إلَى امْرَأَةٍ لَا تَشْكُرُ زَوْجَهَا وَهِيَ لَا تَسْتَغْنِي
عَنْهُ } وَبِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَ مِنْ مُوجِبَاتِ
كَوْنِ النِّسَاءِ أَكْثَرَ أَهْلِ النَّارِ كُفْرَانَهُنَّ نِعَمَ الزَّوْجِ
وَأَنَّهُ لَوْ أَحْسَنَ إلَى إحْدَاهُنَّ الدَّهْرَ كُلَّهُ ثُمَّ رَأَتْ مِنْهُ
شَيْئًا قَالَتْ : مَا رَأَيْت مِنْك خَيْرًا قَطُّ .
وَلَا شَكَّ أَنَّ مَا فِي هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ
فِيهِ وَعِيدٌ شَدِيدٌ جِدًّا فَلَا بُعْدَ أَنْ يَكُونَ كُفْرَانُ نِعْمَةِ
الزَّوْجِ كَبِيرَةً ، وَأَمَّا اسْتِدْلَالُ بَعْضِهِمْ لِذَلِكَ عَلَى
إطْلَاقِهِ بِالْخَبَرِ الصَّحِيحِ : { لَا يَشْكُرُ اللَّهَ مَنْ لَا يَشْكُرُ
النَّاسَ } .
بِرَفْعِهِمَا ، أَوْ نَصْبِهِمَا ، وَرَفْعِ الْأَوَّلِ
وَنَصْبِ الثَّانِي وَعَكْسِهِ ، فَوَاضِحٌ أَنَّهُ لَا دَلِيلَ فِيهِ لِخُصُوصِ
الْكَبِيرَةِ إذْ لَا شَيْءَ فِيهِ مِنْ عَلَامَاتِهَا ، وَقَوْلُهُ عَقِبَ
الْحَدِيثِ : وَالشُّكْرُ بِالْمُجَازَاةِ أَوْ الثَّنَاءِ أَوْ الدُّعَاءِ .
لِخَبَرِ التِّرْمِذِيِّ وَابْنِ حِبَّانَ : { مَنْ
أُعْطِيَ عَطَاءً فَوَجَدَ فَلْيَجْزِ بِهِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَلْيُثْنِ بِهِ
فَمَنْ أَثْنَى بِهِ فَقَدْ شَكَرَهُ وَمَنْ كَتَمَهُ فَقَدْ كَفَرَهُ } .
وَلَا يُؤَيِّدُ مَا اُسْتُدِلَّ لَهُ فَالْوَجْهُ
حَمْلُ ذَلِكَ عَلَى مَا ذَكَرْته مَعَ مَا فِيهِ أَيْضًا .
( الْكَبِيرَةُ السِّتُّونَ : تَرْكُ الصَّلَاةِ عَلَى
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ سَمَاعِ ذِكْرِهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) أَخْرَجَ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ : { اُحْضُرُوا الْمِنْبَرَ فَحَضَرْنَاهُ ، فَلَمَّا ارْتَقَى دَرَجَةً
قَالَ آمِينَ ، فَلَمَّا ارْتَقَى الدَّرَجَةَ الثَّانِيَةَ قَالَ آمِينَ ،
فَلَمَّا ارْتَقَى الدَّرَجَةَ الثَّالِثَةَ قَالَ آمِينَ ، فَلَمَّا نَزَلَ
قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ لَقَدْ سَمِعْنَا مِنْك الْيَوْمَ شَيْئًا مَا كُنَّا
نَسْمَعُهُ قَالَ : إنَّ جِبْرِيلَ عَرَضَ لِي فَقَالَ : بَعُدَ مَنْ أَدْرَكَ
رَمَضَانَ فَلَمْ يُغْفَرْ لَهُ قُلْتُ آمِينَ ، فَلَمَّا رَقَيْتُ الثَّانِيَةَ
قَالَ بَعُدَ مَنْ ذُكِرْتَ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْك قُلْتُ آمِينَ ، فَلَمَّا
رَقَيْتُ الثَّالِثَةَ قَالَ بَعُدَ مَنْ أَدْرَكَ أَبَوَيْهِ الْكِبَرُ عِنْدَهُ
أَوْ أَحَدَهُمَا فَلَمْ يُدْخِلَاهُ الْجَنَّةَ قُلْتُ آمِينَ } .
وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ : { صَعِدَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمِنْبَرَ فَلَمَّا رَقِيَ عَتَبَةً قَالَ
آمِينَ ، ثُمَّ رَقِيَ أُخْرَى فَقَالَ آمِينَ ، ثُمَّ رَقِيَ عَتَبَةً ثَالِثَةً
فَقَالَ آمِينَ ، ثُمَّ قَالَ : أَتَانِي جِبْرِيلُ ، فَقَالَ : يَا مُحَمَّدُ
مَنْ أَدْرَكَ رَمَضَانَ وَلَمْ يُغْفَرْ لَهُ فَأَبْعَدَهُ اللَّهُ ، فَقُلْت :
آمِينَ ، وَمَنْ أَدْرَكَ وَالِدَيْهِ أَوْ أَحَدَهُمَا فَدَخَلَ النَّارَ
فَأَبْعَدَهُ اللَّهُ ، فَقُلْتُ
: آمِينَ قَالَ وَمَنْ ذُكِرْتَ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ
عَلَيْك فَأَبْعَدَهُ اللَّهُ ، قُلْتُ : آمِينَ } .
وَالطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ لَيِّنٍ : { أَنَّهُ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ارْتَقَى عَلَى الْمِنْبَرِ فَأَمَّنَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ
ثُمَّ قَالَ : تَدْرُونَ لِمَ أَمَّنْت ؟ قَالُوا : اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ
، قَالَ : جَاءَنِي جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَقَالَ : إنَّهُ مَنْ ذُكِرْتَ
عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْك فَأَبْعَدَهُ اللَّهُ وَأَسْحَقَهُ قُلْت :
آمِينَ ، وَمَنْ أَدْرَكَ أَبَوَيْهِ أَوْ أَحَدَهُمَا فَلَمْ يَبَرَّهُمَا
دَخَلَ النَّارَ فَأَبْعَدَهُ اللَّهُ وَأَسْحَقَهُ ،
قُلْتُ آمِينَ ، وَمَنْ أَدْرَكَ رَمَضَانَ فَلَمْ يُغْفَرْ لَهُ دَخَلَ النَّارَ
فَأَبْعَدَهُ اللَّهُ وَأَسْحَقَهُ فَقُلْتُ : آمِينَ } .
وَالْبَزَّارُ وَالطَّبَرَانِيُّ : { أَنَّهُ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ الْمَسْجِدَ ، وَصَعِدَ الْمِنْبَرَ ، فَقَالَ
: آمِينَ آمِينَ آمِينَ ، فَلَمَّا انْصَرَفَ قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ
رَأَيْنَاك صَنَعْت شَيْئًا مَا كُنْت تَصْنَعُهُ ، فَقَالَ : إنَّ جِبْرِيلَ
تَبَدَّى لِي فِي أَوَّلِ دَرَجَةٍ فَقَالَ : يَا مُحَمَّدُ مَنْ أَدْرَكَ
وَالِدَيْهِ فَلَمْ يُدْخِلَاهُ الْجَنَّةَ فَأَبْعَدَهُ اللَّهُ ثُمَّ أَبْعَدَهُ
، فَقُلْت : آمِينَ ، ثُمَّ قَالَ لِي فِي الدَّرَجَةِ الثَّانِيَةِ : وَمَنْ أَدْرَكَ
شَهْرَ رَمَضَانَ فَلَمْ يُغْفَرْ لَهُ فَأَبْعَدَهُ اللَّهُ ثُمَّ أَبْعَدَهُ ،
فَقُلْتُ : آمِينَ ، ثُمَّ تَبَدَّى لِي فِي الدَّرَجَةِ الثَّالِثَةِ فَقَالَ :
وَمَنْ ذُكِرْتَ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْكَ فَأَبْعَدَهُ اللَّهُ ثُمَّ
أَبْعَدَهُ ، فَقُلْتُ آمِينَ }
.
وَابْنَا خُزَيْمَةَ وَحِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ
وَاللَّفْظُ لَهُ : { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَعِدَ
الْمِنْبَرَ ، فَقَالَ : آمِينَ آمِينَ آمِينَ ، قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّك
صَعِدْت الْمِنْبَرَ فَقُلْت آمِينَ آمِينَ آمِينَ ، فَقَالَ : إنَّ جِبْرِيلَ
عَلَيْهِ السَّلَامُ أَتَانِي فَقَالَ : مَنْ أَدْرَكَ شَهْرَ رَمَضَانَ فَلَمْ
يُغْفَرْ لَهُ فَدَخَلَ النَّارَ فَأَبْعَدَهُ اللَّهُ قُلْ آمِينَ ، فَقُلْتُ :
آمِينَ ، وَمَنْ أَدْرَكَ أَبَوَيْهِ أَوْ أَحَدَهُمَا فَلَمْ يَبَرَّهُمَا
فَمَاتَ فَدَخَلَ النَّارَ فَأَبْعَدَهُ اللَّهُ ، قُلْ : آمِينَ ، فَقُلْت : آمِينَ ، وَمَنْ
ذُكِرْتَ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْك فَمَاتَ فَدَخَلَ النَّارَ فَأَبْعَدَهُ
اللَّهُ ، قُلْ آمِينَ فَقُلْتُ : آمِينَ } .
وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ غَرِيبٌ .
{ رَغَمَ } - أَيْ بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ ذَلَّ ، أَوْ
بِكَسْرِهَا لَصِقَ بِالرَّغَامِ وَهُوَ التُّرَابُ ذُلًّا وَهَوَانًا - { أَنْفُ
مَنْ ذُكِرْتَ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْك ، وَرَغَمَ أَنْفُ رَجُلٍ دَخَلَ
عَلَيْهِ رَمَضَانُ ثُمَّ انْسَلَخَ قَبْلَ أَنْ يُغْفَرَ لَهُ ،
وَرَغَمَ أَنْفُ رَجُلٍ أَدْرَكَ عِنْدَهُ أَبَوَاهُ
الْكِبَرَ فَلَمْ يُدْخِلَاهُ الْجَنَّةَ } .
وَالطَّبَرَانِيُّ عَنْ حُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ : { مَنْ ذُكِرْتُ عِنْدَهُ فَخَطِئَ الصَّلَاةَ عَلَيَّ خَطِئَ طَرِيقَ
الْجَنَّةِ } .
وَرُوِيَ مُرْسَلًا عَنْ مُحَمَّدِ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ
قَالَ الْحَافِظُ الْمُنْذِرِيُّ وَهُوَ أَشْبَهُ ، وَفِي رِوَايَةٍ لِابْنِ أَبِي
عَاصِمٍ عَنْ مُحَمَّدِ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { مَنْ ذُكِرْتُ عِنْدَهُ فَنَسِيَ الصَّلَاةَ
عَلَيَّ خَطِئَ طَرِيقَ الْجَنَّةِ
} .
وَابْنُ مَاجَهْ وَالطَّبَرَانِيُّ وَغَيْرُهُمَا
بِسَنَدٍ فِيهِ مُخْتَلَفٌ فِيهِ : { مَنْ نَسِيَ الصَّلَاةَ عَلَيَّ خَطِئَ طَرِيقَ
الْجَنَّةِ } .
وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ
وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ ، عَنْ الْحُسَيْنِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، عَنْ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَالتِّرْمِذِيُّ : وَزَادَ فِي
سَنَدِهِ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، وَقَالَ حَسَنٌ
صَحِيحٌ غَرِيبٌ : { الْبَخِيلُ مَنْ ذُكِرْتُ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيَّ } .
وَابْنُ أَبِي عَاصِمٍ : { أَلَا أُخْبِرُكُمْ
بِأَبْخَلِ النَّاسِ ؟ قَالُوا بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ ، قَالَ : مَنْ ذُكِرْتُ
عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيَّ فَذَلِكَ أَبْخَلُ النَّاسِ } .
تَنْبِيهٌ : عَدُّ هَذَا هُوَ صَرِيحُ هَذِهِ
الْأَحَادِيثِ ، لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَ فِيهَا
وَعِيدًا شَدِيدًا كَدُخُولِ النَّارِ ، وَتَكَرُّرِ الدُّعَاءِ مِنْ جِبْرِيلَ
وَالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْبُعْدِ وَالسُّحْقِ ، وَمِنْ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالذُّلِّ وَالْهَوَانِ ،
وَالْوَصْفِ بِالْبُخْلِ ، بَلْ بِكَوْنِهِ أَبْخَلَ النَّاسِ ، وَهَذَا كُلُّهُ وَعِيدٌ
شَدِيدٌ جِدًّا فَاقْتَضَى أَنَّ ذَلِكَ كَبِيرَةٌ ، لَكِنَّ هَذَا إنَّمَا
يَأْتِي عَلَى الْقَوْلِ الَّذِي قَالَ بِهِ جَمْعٌ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ
وَالْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ : إنَّهُ تَجِبُ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلَّمَا ذُكِرَ .
وَهُوَ صَرِيحُ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ ، وَإِنْ قِيلَ
إنَّهُ مُخَالِفٌ لِلْإِجْمَاعِ قِيلَ هَؤُلَاءِ عَلَى أَنَّهَا لَا تَجِبُ
مُطْلَقًا فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ ، فَعَلَى الْقَوْلِ بِالْوُجُوبِ يُمْكِنُ أَنْ
يُقَالَ إنَّ تَرْكَ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ
سَمَاعِ ذِكْرِهِ كَبِيرَةٌ .
وَأَمَّا عَلَى مَا عَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ مِنْ عَدَمِ
الْوُجُوبِ ، فَهُوَ مُشْكِلٌ مَعَ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ ،
اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ الْوَعِيدُ فِيهَا عَلَى مَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ
عَلَى وَجْهٍ يُشْعِرُ بِعَدَمِ تَعْظِيمِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ،
كَأَنْ يَتْرُكَهَا لِاشْتِغَالِهِ بِلَهْوٍ وَلَعِبٍ مُحَرَّمٍ ، فَهَذِهِ
الْهَيْئَةُ الِاجْتِمَاعِيَّةُ لَا يَبْعُدُ أَنْ يُقَالَ : إنَّهُ حَقُّهَا مِنْ
الْقُبْحِ وَالِاسْتِهْتَارِ بِحَقِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا
اقْتَضَى أَنَّ التَّرْكَ حِينَئِذٍ لِمَا اقْتَرَنَ بِهِ كَبِيرَةٌ مُفَسِّقٌ ،
فَحِينَئِذٍ يَتَّضِحُ أَنَّهُ لَا مُعَارَضَةَ بَيْنَ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ وَمَا
قَالَهُ الْأَئِمَّةُ مِنْ عَدَمِ الْوُجُوبِ بِالْكُلِّيَّةِ ، فَتَأَمَّلْ
ذَلِكَ فَإِنَّهُ مُهِمٌّ وَلَمْ أَرَ مَنْ نَبَّهَ عَلَى شَيْءٍ مِنْهُ وَلَا
بِأَدْنَى إشَارَةٍ .
خَاتِمَةٌ فِي سَرْدِ أَحَادِيثَ صَحِيحَةٍ وَحَسَنَةٍ
فِي فَضْلِ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَى نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَقَدْ اسْتَوْفَيْت جَمِيعَ مَا فِيهَا وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا فِي
كِتَابِي : [ الدُّرِّ الْمَنْضُودِ فِي فَضَائِلِ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَى صَاحِبِ
الْمَقَامِ الْمَحْمُودِ ] قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { مَنْ
صَلَّى عَلَيَّ وَاحِدَةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ عَشْرًا .
مَنْ ذُكِرْتُ عِنْدَهُ فَلْيُصَلِّ عَلَيَّ .
وَمَنْ صَلَّى عَلَيَّ مَرَّةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
عَشْرًا .
مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً وَاحِدَةً صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ عَشْرَ صَلَوَاتٍ وَحَطَّ عَنْهُ بِهَا عَشْرَ سَيِّئَاتٍ وَرَفَعَهُ
بِهَا عَشْرَ دَرَجَاتٍ } .
وَفِي رِوَايَةٍ لِلطَّبَرَانِيِّ : { مَنْ صَلَّى عَلَيَّ
صَلَاةً وَاحِدَةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ عَشْرًا ، وَمَنْ صَلَّى عَلَيَّ
عَشْرًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ مِائَةً ، وَمَنْ صَلَّى عَلَيَّ مِائَةً كَتَبَ
اللَّهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ بَرَاءَةً مِنْ النِّفَاقِ وَبَرَاءَةً مِنْ النَّارِ ،
وَأَسْكَنَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَعَ الشُّهَدَاءِ .
إنَّ جِبْرِيلَ قَالَ لِي : أَلَا أُبَشِّرُك ؟ إنَّ
اللَّهَ - عَزَّ وَجَلَّ - يَقُولُ مَنْ صَلَّى عَلَيْك صَلَّيْتُ عَلَيْهِ ،
وَمَنْ سَلَّمَ عَلَيْك سَلَّمْتُ عَلَيْهِ ، فَسَجَدْتُ لِلَّهِ شُكْرًا } .
وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي يَعْلَى : { سَجَدْت لِرَبِّي
شُكْرًا فِيمَا أَبْلَانِي } أَيْ أَنْعَمَ عَلَيَّ فِي أُمَّتِي { مَنْ صَلَّى
عَلَيَّ صَلَاةً مِنْ أُمَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَهُ عَشْرَ حَسَنَاتٍ وَمَحَا
عَنْهُ عَشْرَ سَيِّئَاتٍ } .
زَادَ ابْنُ أَبِي عَاصِمٍ : { وَرَفَعَهُ بِهَا عَشْرَ
دَرَجَاتٍ وَكُنَّ لَهُ عِدْلَ عَشْرِ رِقَابٍ } .
وَفِي أُخْرَى لِلنَّسَائِيِّ وَالطَّبَرَانِيِّ
وَالْبَزَّازِ : { مَنْ صَلَّى عَلَيَّ مِنْ أُمَّتِي صَلَاةً مُخْلِصًا مِنْ
قَلْبِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرَ صَلَوَاتٍ ، وَرَفَعَهُ بِهَا
عَشْرَ دَرَجَاتٍ ، وَكَتَبَ لَهُ بِهَا عَشْرَ حَسَنَاتٍ ، وَمَحَا عَنْهُ عَشْرَ
سَيِّئَاتٍ .
إذَا سَمِعْتُمْ الْمُؤَذِّنَ فَقُولُوا مِثْلَ مَا
يَقُولُ ثُمَّ صَلُّوا عَلَيَّ فَإِنَّهُ مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى
اللَّهُ
عَلَيْهِ عَشْرًا ، ثُمَّ سَلُوا اللَّهَ لِي
الْوَسِيلَةَ فَإِنَّهَا مَنْزِلَةٌ فِي الْجَنَّةِ لَا تَنْبَغِي إلَّا لِعَبْدٍ
مِنْ عِبَادِ اللَّهِ ، وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَنَا هُوَ ، فَمَنْ سَأَلَ
اللَّهَ لِي الْوَسِيلَةَ حَلَّتْ عَلَيْهِ الشَّفَاعَةُ } أَيْ وَجَبَتْ
وَتَحَتَّمَتْ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ .
" مَنْ صَلَّى عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاحِدَةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَمَلَائِكَتُهُ سَبْعِينَ
صَلَاةً " قَالَهُ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، وَمِثْلُهُ لَا
يُقَالُ مِنْ قِبَلِ الرَّأْيِ فَهُوَ فِي حُكْمِ الْمَرْفُوعِ .
{ أَكْثِرُوا مِنْ الصَّلَاةِ عَلَيَّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ
فَإِنَّهُ أَتَانِي جِبْرِيلُ آنِفًا عَنْ رَبِّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - فَقَالَ : مَا عَلَى
الْأَرْضِ مِنْ مُسْلِمٍ يُصَلِّي عَلَيْك مَرَّةً وَاحِدَةً إلَّا صَلَّيْتُ
أَنَا وَمَلَائِكَتِي عَلَيْهِ عَشْرًا
} .
{ إنَّ لِلَّهِ مَلَائِكَةً سَيَّاحِينَ يُبَلِّغُونِي
عَنْ أُمَّتِي السَّلَامَ حَيْثُمَا كُنْتُمْ ، فَصَلُّوا عَلَيَّ فَإِنَّ صَلَاتَكُمْ
تَبْلُغُنِي } .
{ مَنْ صَلَّى عَلَيَّ بَلَغَتْنِي صَلَاتُهُ
وَصَلَّيْتُ عَلَيْهِ وَكُتِبَ لَهُ سِوَى ذَلِكَ عَشْرُ حَسَنَاتٍ } .
{ مَا مِنْ أَحَدٍ يُسَلِّمُ عَلَيَّ إلَّا رَدَّ
اللَّهُ إلَيَّ رُوحِي - أَيْ نُطْقِي إذْ الْأَنْبِيَاءُ أَحْيَاءٌ فِي قُبُورِهِمْ -
حَتَّى أَرُدَّ عَلَيْهِ السَّلَامَ
} .
وَفِي رِوَايَةٍ فِيهَا مَجْهُولٌ : { إنَّ اللَّهَ وَكَّلَ بِقَبْرِي
مَلَكًا أَعْطَاهُ أَسْمَاعَ الْخَلَائِقِ فَلَا يُصَلِّي عَلَيَّ أَحَدٌ إلَى
يَوْمِ الْقِيَامَةِ إلَّا بَلَّغَنِي بِاسْمِهِ وَاسْمِ أَبِيهِ : هَذَا فُلَانُ
بْنُ فُلَانٍ قَدْ صَلَّى عَلَيْك
} .
{ إنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ
أَكْثَرُهُمْ عَلَيَّ صَلَاةً }
.
{ مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً لَمْ تَزَلْ
الْمَلَائِكَةُ تُصَلِّي عَلَيْهِ مَا صَلَّى عَلَيَّ فَلْيُقْلِلْ عَبْدٌ مِنْ
ذَلِكَ أَوْ لِيُكْثِرْ } .
{ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
إذَا ذَهَبَ رُبُعُ اللَّيْلِ قَامَ فَقَالَ : يَا أَيُّهَا النَّاسُ اُذْكُرُوا
اللَّهَ جَاءَتْ الرَّاجِفَةُ تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ جَاءَ الْمَوْتُ بِمَا
فِيهِ .
قَالَ أُبَيّ بْنُ كَعْبٍ فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ
اللَّهِ إنِّي أُكْثِرُ الصَّلَاةَ فَكَمْ أَجْعَلُ لَك مِنْ صَلَاتِي ؟ قَالَ :
مَا شِئْت .
قُلْت : الرُّبُعُ ؟ قَالَ : مَا شِئْتَ وَإِنْ زِدْتَ
فَهُوَ خَيْرٌ لَك .
قَالَ النِّصْفُ ؟ قَالَ مَا شِئْت وَإِنْ زِدْت فَهُوَ
خَيْرٌ لَك .
قَالَ : أَجْعَلُ لَك صَلَاتِي كُلَّهَا ؟ قَالَ : إذًا
تُكْفَى مَا هَمَّك وَيُغْفَرُ لَك ذَنْبُك } .
{ وَقَالَ رَجُلٌ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْت إنْ
جَعَلْتُ صَلَاتِي كُلَّهَا عَلَيْك ؟ قَالَ : إذًا يَكْفِيَك اللَّهُ - تَبَارَكَ
وَتَعَالَى - مَا أَهَمَّكَ مِنْ دُنْيَاك وَآخِرَتِك } .
{ أَيُّمَا رَجُلٍ مُسْلِمٍ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ
صَدَقَةٌ فَلْيَقُلْ فِي دُعَائِهِ
: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ عَبْدِك وَرَسُولِك
وَصَلِّ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ
فَإِنَّهَا زَكَاةٌ } .
وَقَالَ : { لَا يَشْبَعُ مُؤْمِنٌ مِنْ خَيْرٍ حَتَّى
يَكُونَ مُنْتَهَاهُ الْجَنَّةَ أَكْثِرُوا مِنْ الصَّلَاةِ عَلَيَّ يَوْمَ
الْجُمُعَةِ فَإِنَّهُ يَوْمٌ مَشْهُودٌ تَشْهَدُهُ الْمَلَائِكَةُ وَإِنَّ
أَحَدًا لَنْ يُصَلِّيَ عَلَيَّ إلَّا عُرِضَتْ عَلَيَّ صَلَاتُهُ حَتَّى يَفْرُغَ
مِنْهَا .
قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ : قُلْتُ وَبَعْدَ الْمَوْتِ .
قَالَ : إنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَى الْأَرْضِ أَنْ تَأْكُلَ
أَجْسَادَ الْأَنْبِيَاءِ } .
{ أَكْثِرُوا عَلَيَّ مِنْ الصَّلَاةِ يَوْمَ
الْجُمُعَةِ ، فَإِنَّ صَلَاةَ أُمَّتِي تُعْرَضُ عَلَيَّ فِي كُلِّ يَوْمِ
جُمُعَةٍ ، فَمَنْ كَانَ أَكْثَرَهُمْ عَلَيَّ صَلَاةً كَانَ أَقْرَبَهُمْ مِنِّي
مَنْزِلَةً } .
{ مِنْ أَفْضَلِ أَيَّامِكُمْ يَوْمُ الْجُمُعَةِ ،
فِيهِ خُلِقَ آدَم وَفِيهِ قُبِضَ وَفِيهِ النَّفْخَةُ وَفِيهِ الصَّعْقَةُ
فَأَكْثِرُوا عَلَيَّ مِنْ الصَّلَاةِ فِيهِ فَإِنَّ صَلَاتَكُمْ مَعْرُوضَةٌ
عَلَيَّ ، قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ تُعْرَضُ صَلَاتُنَا عَلَيْك
وَقَدْ أَرَمْت ؟ - أَيْ بِفَتْحِ أَوَّلَيْهِ أَوْ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ فَكَسْرِ الرَّاءِ
يَعْنِي بَلِيتَ - فَقَالَ : إنَّ اللَّهَ - عَزَّ وَجَلَّ - حَرَّمَ عَلَى الْأَرْضِ أَنْ
تَأْكُلَ أَجْسَادَ الْأَنْبِيَاءِ
} .
وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ وَالْأَوْسَطِ :
{ مَنْ
قَالَ جَزَى اللَّهُ عَنَّا مُحَمَّدًا مَا هُوَ
أَهْلُهُ أَتْعَبَ سَبْعِينَ كَاتِبًا أَلْفَ صَبَاحٍ } .
وَأَبُو يَعْلَى : { مَا مِنْ عَبْدَيْنِ مُتَحَابَّيْنِ
يَسْتَقْبِلُ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ وَيُصَلِّيَانِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَّا لَمْ يَتَفَرَّقَا حَتَّى يُغْفَرَ لَهُمَا
ذُنُوبُهُمَا مَا تَقَدَّمَ مِنْهَا وَمَا تَأَخَّرَ } .
( الْكَبِيرَةُ الْحَادِيَةُ وَالسِّتُّونَ : قَسْوَةُ
الْقَلْبِ بِحَيْثُ تَحْمِلُ صَاحِبَهَا عَلَى مَنْعِ إطْعَامِ الْمُضْطَرِّ
مَثَلًا ) أَخْرَجَ الْحَاكِمُ عَنْ عَلِيٍّ - كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ - أَنَّ
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { اُطْلُبُوا الْمَعْرُوفَ
مِنْ رُحَمَاءِ أُمَّتِي تَعِيشُوا فِي أَكْنَافِهِمْ ، وَلَا تَطْلُبُوهُ مِنْ الْقَاسِيَةِ
قُلُوبُهُمْ فَإِنَّ اللَّعْنَةَ تَنْزِلُ عَلَيْهِمْ ، يَا عَلِيُّ إنَّ اللَّهَ
خَلَقَ الْمَعْرُوفَ وَخَلَقَ لَهُ أَهْلًا فَحَبَّبَهُ إلَيْهِمْ وَحَبَّبَ
إلَيْهِمْ فِعَالَهُ وَوَجَّهَ إلَيْهِمْ طُلَّابَهُ كَمَا وَجَّهَ الْمَاءَ إلَى
الْأَرْضِ الْجَدْبَةِ لِيُحْيِيَ بِهِ أَهْلَهَا ، وَإِنَّ أَهْلَ الْمَعْرُوفِ
فِي الدُّنْيَا هُمْ أَهْلُ الْمَعْرُوفِ فِي الْآخِرَةِ } .
وَالْخَرَائِطِيُّ فِي مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ : {
اُطْلُبُوا الْحَوَائِجَ عِنْدَ الرُّحَمَاءِ مِنْ أُمَّتِي تَعِيشُوا فِي
أَكْنَافِهِمْ فَإِنَّ فِيهِمْ رَحْمَتِي ، وَلَا تَطْلُبُوهَا مِنْ الْقَاسِيَةِ
قُلُوبُهُمْ فَإِنَّهُمْ يَنْتَظِرُونَ سَخَطِي } .
تَنْبِيهٌ : عَدُّ هَذَا هُوَ صَرِيحُ هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ
، فَإِنَّ اللَّعْنَةَ وَالسَّخَطَ مِنْ أَمَارَاتِ الْكَبِيرَةِ ، لِمَا فِيهِمَا
مِنْ الْوَعِيدِ الشَّدِيدِ ، وَلَكِنْ يَنْبَغِي حَمْلُ الْقَسْوَةِ
الْمَذْكُورَةِ فِيهِمَا عَلَى مَا ذَكَرْته فِي التَّرْجَمَةِ ، وَهَذَا كُلُّهُ
ظَاهِرٌ وَإِنْ لَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِهِ وَلَا أَشَارَ إلَيْهِ .
( الْكَبِيرَةُ الثَّانِيَةُ وَالثَّالِثَةُ
وَالسِّتُّونَ : الرِّضَا بِكَبِيرَةٍ مِنْ الْكَبَائِرِ أَوْ الْإِعَانَةُ
عَلَيْهَا بِأَيِّ نَوْعٍ كَانَ ) وَذِكْرِي لِهَذَيْنِ ظَاهِرٌ مَعْلُومٌ مِنْ
كَلَامِهِمْ فِيمَا يَأْتِي فِي بَحْثِ تَرْكِ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ
عَنْ الْمُنْكَرِ .
( الْكَبِيرَةُ الرَّابِعَةُ وَالسِّتُّونَ :
مُلَازَمَةُ الشَّرِّ وَالْفُحْشِ حَتَّى يَخْشَاهُ النَّاسُ اتِّقَاءَ شَرِّهِ )
أَخْرَجَ الشَّيْخَانِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ : قَالَ النَّبِيُّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { إنَّ شَرَّ النَّاسِ عِنْدَ اللَّهِ
مَنْزِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْ وَدَعَهُ النَّاسُ أَوْ تَرَكَهُ النَّاسُ
اتِّقَاءَ فُحْشِهِ } .
وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ : { الْحَيَاءُ مِنْ
الْإِيمَانِ ، وَالْإِيمَانُ فِي الْجَنَّةِ ، وَالْبَذَاءُ - أَيْ الْفُحْشُ -
مِنْ الْجَفَاءِ وَالْجَفَاءُ فِي النَّارِ } .
وَأَحْمَدُ : { إنَّ الْفُحْشَ وَالتَّفَحُّشَ لَيْسَا
مِنْ الْإِسْلَامِ فِي شَيْءٍ ، وَإِنَّ أَحْسَنَ النَّاسِ إسْلَامًا أَحْسَنُهُمْ
خُلُقًا } .
الْكَبِيرَةُ الْخَامِسَةُ وَالسِّتُّونَ : كَسْرُ
الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ ) كَذَا ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ وَاسْتَدَلَّ
بِقَوْلِهِ - تَعَالَى - : { وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ
يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ } .
نَقَلَ الْمُفَسِّرُونَ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ : أَنَّهُمْ
كَانُوا يَكْسِرُونَ الدَّرَاهِمَ
.
وَلِخَبَرِ أَبِي دَاوُد : { نَهَى رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تُكْسَرَ سِكَّةُ الْمُسْلِمِينَ
الْجَائِزَةُ بَيْنَهُمْ إلَّا مِنْ بَأْسٍ } ، انْتَهَى .
وَلَا دَلِيلَ فِي ذَلِكَ بَلْ الْكَلَامُ فِي حُرْمَةِ
ذَلِكَ فَضْلًا عَنْ كَوْنِهِ كَبِيرَةً ، وَالْوَجْهُ أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ إلَّا
إنْ كَانَ فِيهِ نَقْصٌ لَقِيمَتِهَا ، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ الْحَدِيثُ إنْ صَحَّ .
( الْكَبِيرَةُ السَّادِسَةُ وَالسِّتُّونَ : ضَرْبُ
نَحْوِ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ عَلَى كَيْفِيَّةٍ مِنْ الْغِشِّ الَّتِي
لَوْ اطَّلَعَ عَلَيْهَا النَّاسُ لَمَا قَبِلُوهَا ) وَذِكْرِي لِهَذَا ظَاهِرٌ
وَإِنْ لَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِهِ
.
وَوَجْهُهُ أَنَّ دَلَائِلَ الْغِشِّ الْآتِيَةَ فِي
كِتَابِ الْبَيْعِ تَشْمَلُ هَذَا ، وَأَيْضًا فَفِيهِ أَكْلُ أَمْوَالِ النَّاسِ
بِالْبَاطِلِ ، إذْ غَالِبُ الْمُنْهَمِكِينَ عَلَى ضَرْبِ الْكِيمْيَاءِ
أَنَّهُمْ لَا يُحْسِنُونَهَا وَإِنَّمَا يَصْبُغُونَ ، أَوْ يَلْبَسُونَ ، أَوْ
نَحْوُ ذَلِكَ مِنْ الْغِشِّ الْمُسْتَلْزِمِ لِتَغْرِيرِ النَّاسِ وَأَكْلِ
أَمْوَالِهِمْ بِالْبَاطِلِ .
وَلِذَلِكَ تَجِدُهُمْ قَدْ مَحَقَهُمْ اللَّهُ
الْبَرَكَةَ وَسَحَقَهُمْ فَلَا يَسْتَتِرُ لَهُمْ عَوَارٌ وَلَا تُحْمَدُ لَهُمْ آثَارٌ
وَلَا يُقَرُّ لَهُمْ فِي مَحَلٍّ قَرَارٌ ، بَلْ ضُرِبَتْ عَلَيْهِمْ الذِّلَّةُ
وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِأَقْبَحِ وَصْفٍ وَحُرِمُوا الْجَنَّةَ لِأَنَّهُمْ
أَخْلَصُوا الْقَصْدَ فِي مَحَبَّةِ الدُّنْيَا وَتَحْصِيلِهَا بِالْبَاطِلِ ،
وَرَضُوا بِغِشِّ الْمُسْلِمِينَ وَأَكْلِ أَمْوَالِهِمْ وَضَيَاعِهَا فِيمَا
لَيْسَ بِطَائِلٍ ، فَوَفَّقَهُمْ اللَّهُ لِاتِّبَاعِ الْحَقِّ وَسُلُوكِ
سَبِيلِهِ وَمُجَانَبَةِ الْبَاطِلِ وَقَبِيلِهِ .
سِيَّمَا أَهْلُ هَذِهِ الصِّنَاعَةِ الرَّذِيلَةِ
الَّتِي أَوْسَعُوا فِي طُرُقِ تَحْصِيلِهَا الْحِيلَةَ ، وَمَعَ ذَلِكَ لَا
يَزْدَادُونَ إلَّا فَقْرًا وَلَا يَذُوقُونَ فِيهَا إلَّا ذُلًّا وَقَهْرًا ،
وَفَّقَنَا اللَّهُ وَإِيَّاهُمْ لِطَاعَتِهِ آمِينَ .
الْبَابُ الثَّانِي فِي الْكَبَائِرِ الظَّاهِرَةِ
وَقَدْ عَزَمْت أَنْ أُرَتِّبَهَا عَلَى تَرْتِيبِ أَبْوَابِ الْفِقْهِ لِيَسْهُلَ
الْكَشْفُ عَنْهَا كِتَابُ الطَّهَارَةِ بَابُ الْآنِيَةِ ( الْكَبِيرَةُ
السَّابِعَةُ وَالسِّتُّونَ : الْأَكْلُ أَوْ الشُّرْبُ فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ أَوْ
الْفِضَّةِ ) أَخْرَجَ مُسْلِمٌ وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { إنَّ الَّذِي يَأْكُلُ وَيَشْرَبُ فِي
آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ إنَّمَا يُجَرْجِرُ - أَيْ يُصَوِّتُ - فِي
بَطْنِهِ نَارَ جَهَنَّمَ } .
زَادَ الطَّبَرَانِيُّ : { إلَّا أَنْ يَتُوبَ } .
وَالنَّسَائِيُّ عَنْ أَنَسٍ .
{ نُهِيَ عَنْ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ فِي إنَاءِ
الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ } .
وَرَوَى الشَّيْخَانِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : {
الَّذِي يَشْرَبُ فِي إنَاءِ الْفِضَّةِ إنَّمَا يُجَرْجِرُ فِي بَطْنِهِ نَارَ
جَهَنَّمَ } .
وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ
: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { مَنْ يَشْرَبُ فِي
إنَاءٍ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ فَإِنَّمَا يُجَرْجِرُ فِي بَطْنِهِ نَارًا مِنْ جَهَنَّمَ } .
تَنْبِيهَاتٌ : مِنْهَا : عَدُّ هَذَا كَبِيرَةً هُوَ
مَا جَرَى عَلَيْهِ بَعْضُ أَئِمَّتِنَا وَكَأَنَّهُ أَخَذَ ذَلِكَ مِمَّا ذُكِرَ
فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ ، فَإِنَّ تَصْوِيتَ النَّارِ فِي جَوْفِهِ
الْمُتَوَعَّدَ بِهِ عَلَى ذَلِكَ عَذَابٌ شَدِيدٌ .
ثُمَّ رَأَيْت شَيْخَ الْإِسْلَامِ صَلَاحَ الدِّينِ
الْعَلَائِيَّ صَرَّحَ بِمَا ذَكَرْته مِنْ تَوْجِيهِ كَوْنِ ذَلِكَ كَبِيرَةً
وَزَادَ نَقْلَهُ عَنْ الْأَصْحَابِ ، وَتَبِعَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ الْجَلَالُ
الْبُلْقِينِيُّ فَقَالَ : قَالَ الشَّيْخُ صَلَاحُ الدِّينِ الْعَلَائِيُّ :
وَقَدْ صَرَّحَ أَصْحَابُنَا بِأَنَّ الشُّرْبَ مِنْ آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ
كَبِيرَةٌ وَهُوَ مُنْطَبِقٌ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ مَا تُوُعِّدَ
عَلَيْهِ بِالنَّارِ كَبِيرَةٌ انْتَهَى .
وَنَقَلَ ذَلِكَ الدَّمِيرِيُّ فِي مَنْظُومَتِهِ عَنْ
جَمَاعَةٍ أَيْضًا فَقَالَ : وَعَدَّ مِنْهُنَّ ذَوُو الْأَعْمَالِ آنِيَةَ
النَّقْدَيْنِ فِي اسْتِعْمَالِ لَكِنَّ الَّذِي جَرَى
عَلَيْهِ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ وَنَقَلُوهُ عَنْ الْجُمْهُورِ : أَنَّ ذَلِكَ
صَغِيرَةٌ .
وَمِنْهَا :
ذِكْرُ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ فِي الْحَدِيثِ مِثَالٌ
وَلِذَا أَلْحَقُوا بِهِمَا سَائِرَ وُجُوهِ الِاسْتِعْمَالِ وَأَلْحَقُوا بِالِاسْتِعْمَالِ
الِاقْتِنَاءَ أَيْضًا فَيَحْرُمُ لِأَنَّ اقْتِنَاءَ ذَلِكَ يَجُرُّ إلَى
اسْتِعْمَالِهِ كَاقْتِنَاءِ آلَةِ اللَّهْوِ ، وَالْمُرَادُ بِالْإِنَاءِ كُلُّ
مَا يُسْتَعْمَلُ فِي أَمْرٍ وُضِعَ لَهُ عُرْفًا ، فَيَدْخُلُ فِيهِ الْمِرْوَدُ
وَالْمُكْحُلَةُ وَالْخِلَالُ وَمَا يُخْرَجُ بِهِ وَسَخُ الْأُذُنِ وَنَحْوُ
ذَلِكَ .
نَعَمْ إنْ كَانَ بِعَيْنِهِ أَذًى ، وَقَالَ لَهُ
طَبِيبٌ عَدْلٌ : إنَّ الِاكْتِحَالَ بِمِرْوَدِ الذَّهَبِ أَوْ الْفِضَّةِ
يَنْفَعُ ذَلِكَ حَلَّ لَهُ اسْتِعْمَالُهُ لِلضَّرُورَةِ ، وَلَا يُشْتَرَطُ
تَمَحَّضُ الْإِنَاءِ مِنْ الذَّهَبِ أَوْ الْفِضَّةِ ، بَلْ لَوْ غُشِّيَ إنَاءٌ نَحْوُ
نُحَاسٍ بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ بِحَيْثُ سَتَرَ عَيْنَهُ وَكَانَ يَتَحَصَّلُ
مِنْهُ شَيْءٌ لَوْ عُرِضَ عَلَى النَّارِ حَرُمَ اسْتِعْمَالُهُ أَيْضًا ،
لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ بِمَنْزِلَةِ إنَاءِ النَّقْدَيْنِ ، وَالْعِلَّةُ فِي
تَحْرِيمِهِ الْعَيْنُ وَالْخُيَلَاءُ ، وَمِنْ ثَمَّ لَوْ غُشِّيَ إنَاءُ النَّقْدِ
بِنَحْوِ نُحَاسٍ حَتَّى عَمَّهُ جَمِيعَهُ حَلَّ اسْتِعْمَالُهُ وَإِنْ لَمْ
يَتَحَصَّلْ مِنْهُ شَيْءٌ بِالنَّارِ كَمَا لَوْ صَدِئَ إنَاءُ الذَّهَبِ
وَعَمَّهُ الصَّدَأُ فَإِنَّهُ يَحِلُّ اسْتِعْمَالُهُ لِفَوَاتِ أَحَدِ جُزْأَيْ
الْعِلَّةِ وَهُوَ الْخُيَلَاءُ ، وَيَحِلُّ اسْتِعْمَالُ الْأَوَانِي
النَّفِيسَةِ الْمُثَمَّنَةِ كَالْيَاقُوتِ وَاللُّؤْلُؤِ لِانْتِفَاءِ الْعَيْنِ
وَلَا نَظَرَ لِوُجُودِ الْخُيَلَاءِ فِيهَا لِأَنَّهُ وَحْدَهُ لَا يَكْفِي ، عَلَى
أَنَّهُ لَا يَعْرِفُ ذَلِكَ إلَّا الْخَوَاصُّ فَلَا تَنْكَسِرُ بِاسْتِعْمَالِهِ
قُلُوبُ الْفُقَرَاءِ لِأَنَّهُمْ لَوْ رَأَوْهُ لَمْ يَعْرِفْهُ غَالِبُهُمْ
بِخِلَافِ الذَّهَبِ أَوْ الْفِضَّةِ فَإِنَّهُ لَا يَخْفَى عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ
، فَلَوْ جَازَ اسْتِعْمَالُهُ لَأَدَّى إلَى كَسْرِ قُلُوبِهِمْ .
وَمِنْهَا : لَا فَرْقَ فِي تَحْرِيمِ مَا
مَرَّ بَيْنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْمُكَلَّفِينَ
وَغَيْرِهِمْ حَتَّى يَحْرُمَ عَلَى الْمَرْأَةِ أَنْ تَسْقِيَ طِفْلَهَا فِي
مِسْعَطِ فِضَّةٍ ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ حُرْمَةِ اسْتِعْمَالِ مَا مَرَّ
الضَّبَّةُ الصَّغِيرَةُ عُرْفًا لِلزِّينَةِ إذَا كَانَتْ مِنْ فِضَّةٍ
فَإِنَّهَا تَحِلُّ مَعَ الْكَرَاهَةِ ، لِأَنَّ قَدَحَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ بِهِ ضَبَّةٌ ، وَأَصْلُ الضَّبَّةِ مَا يُصْلَحُ بِهِ
خَلَلُ الْإِنَاءِ كَشَرِيطٍ يُشَدُّ بِهِ كَسْرُهُ أَوْ خَدْشُهُ ، ثُمَّ
أُطْلِقَتْ عَلَى مَا هُوَ لِلزِّينَةِ تَوَسُّعًا ، وَكَذَا تَحِلُّ ضَبَّةٌ
لِحَاجَةٍ لَكِنْ تُكْرَهُ إنْ كَانَتْ كَبِيرَةً ؛ وَلَيْسَ مِنْ الِاسْتِعْمَالِ
الْمُحَرَّمِ مَا يُتَلَقَّى بِالْفَمِ أَوْ الْيَدِ مِنْ مَاءِ مِيزَابِ
الْكَعْبَةِ النَّازِلِ مِنْهُ ، لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُعَدُّ اسْتِعْمَالًا
عُرْفًا ، وَلَا الْجُلُوسُ تَحْتَ سَقْفٍ مُمَوَّهٍ بِمَا لَا يَتَحَصَّلُ مِنْهُ
شَيْءٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ
.
وَالْحِيلَةُ فِي حِلِّ اسْتِعْمَالِ آنِيَةِ النَّقْدِ
أَنْ يُصَبَّ مِمَّا فِيهِ فِي الْيَدِ الْيَسَارِ أَوْ فِي إنَاءٍ ثُمَّ يَأْخُذُ
مِنْهُ بِيَمِينِهِ ، لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَا يُسَمَّى عُرْفًا مُسْتَعْمِلًا
لِإِنَاءِ النَّقْدِ " .
نَعَمْ الظَّاهِرُ أَنَّ هَذِهِ الْحِيلَةَ إنَّمَا
تَمْنَعُ حُرْمَةَ مُبَاشَرَةِ الِاسْتِعْمَالِ مِنْ الْإِنَاءِ .
أَمَّا حُرْمَةُ اسْتِعْمَالِهِ بِوَضْعِ مَظْرُوفِهِ
فِيهِ وَحُرْمَةُ اتِّخَاذِهِ فَلَا حِيلَةَ فِيهِمَا فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ
فَإِنَّهُ مُهِمٌّ ، وَرُبَّمَا يُتَوَهَّمُ مِنْ كَلَامِهِمْ نَفْعُ هَذِهِ
الْحِيلَةِ فِي الْكُلِّ .
بَابُ الْأَحْدَاثِ ( الْكَبِيرَةُ الثَّامِنَةُ وَالسِّتُّونَ
: نِسْيَانُ الْقُرْآنِ أَوْ آيَةٍ مِنْهُ بَلْ أَوْ حَرْفٍ ) أَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ
وَالنَّسَائِيُّ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ : { عُرِضَتْ عَلَيَّ أُجُورُ أُمَّتِي حَتَّى الْقَذَاةُ يُخْرِجُهَا
الرَّجُلُ مِنْ الْمَسْجِدِ وَعُرِضَتْ عَلَيَّ ذُنُوبُ أُمَّتِي فَلَمْ أَرَ
ذَنْبًا أَعْظَمَ مِنْ سُورَةٍ مِنْ الْقُرْآنِ أَوْ آيَةٍ أُوتِيَهَا رَجُلٌ
ثُمَّ نَسِيَهَا } .
وَأَبُو دَاوُد عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ : { مَا مِنْ
امْرِئٍ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ ثُمَّ يَنْسَاهُ إلَّا لَقِيَ اللَّهَ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ أَجْذَمَ } .
وَأَخْرَجَ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { إنَّ مِنْ أَكْبَرِ ذَنْبٍ تُوَافَى بِهِ
أُمَّتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَسُورَةً مِنْ كِتَابِ اللَّهِ كَانَتْ مَعَ
أَحَدِهِمْ فَنَسِيَهَا } .
وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ الْوَلِيدِ بْنِ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مُغِيثٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ : { عُرِضَتْ عَلَيَّ الذُّنُوبُ فَلَمْ أَرَ فِيهَا شَيْئًا
أَعْظَمَ مِنْ حَامِلِ الْقُرْآنِ وَتَارِكِهِ } : أَيْ بَعْدَ مَا كَانَ
حَامِلَهُ بِأَنْ نَسِيَهُ .
وَأَخْرَجَ أَيْضًا عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ : { مَا مِنْ
أَحَدٍ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ ثُمَّ يَنْسَاهُ إلَّا لَقِيَ اللَّهَ وَهُوَ أَجْذَمُ } .
وَأَخْرَجَ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ عَنْ سَعْدِ بْنِ
عُبَادَةَ : { مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ ثُمَّ نَسِيَهُ لَقِيَ اللَّهَ وَهُوَ
أَجْذَمُ } .
تَنْبِيهَاتٌ : عَدُّ نِسْيَانِ الْقُرْآنِ كَبِيرَةً
هُوَ مَا جَرَى عَلَيْهِ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ ، لَكِنْ قَالَ فِي الرَّوْضَةِ
: إنَّ حَدِيثَ أَبِي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيِّ : { عُرِضَتْ عَلَيَّ ذُنُوبُ أُمَّتِي
فَلَمْ أَرَ ذَنْبًا أَعْظَمَ مِنْ سُورَةٍ مِنْ الْقُرْآنِ أَوْ آيَةٍ أُوتِيَهَا
رَجُلٌ ثُمَّ نَسِيَهَا } فِي إسْنَادِهِ ضَعْفٌ .
وَقَدْ تَكَلَّمَ فِيهِ التِّرْمِذِيُّ انْتَهَى .
وَكَلَامُ التِّرْمِذِيِّ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ هُوَ
قَوْلُهُ عَقِبَهُ " غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ
وَذَاكَرْتُ بِهِ مُحَمَّدَ بْنَ
إسْمَاعِيلَ : أَيْ الْبُخَارِيَّ فَلَمْ يَعْرِفْهُ
وَاسْتَغْرَبَهُ .
قَالَ مُحَمَّدٌ : وَلَا نَعْرِفُ لِلْمُطَّلِبِ بْنِ
حَنْطَبٍ أَيَّ رِوَايَةٍ سَمَاعًا مِنْ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
قَالَ عَبْدُ اللَّهِ : وَأَنْكَرَ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ
أَنْ يَكُونَ الْمُطَّلِبُ سَمِعَ مِنْ أَنَسٍ .
" انْتَهَى كَلَامُ التِّرْمِذِيِّ ، وَبِهِ
يُعْلَمُ أَنَّ مُرَادَ النَّوَوِيِّ بِقَوْلِهِ " فِي إسْنَادِهِ ضَعْفٌ
" أَيْ انْقِطَاعٌ لَا ضَعْفٌ فِي الرَّاوِي الَّذِي هُوَ الْمُطَّلِبُ
لِأَنَّهُ ثِقَةٌ كَمَا قَالَهُ جَمَاعَةٌ .
لَكِنْ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدٍ : لَا يُحْتَجُّ
بِحَدِيثِهِ لِأَنَّهُ يُرْسِلُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ كَثِيرًا وَلَيْسَ لَهُ لِقِيٌّ .
وَبَيَّنَ الدَّارَقُطْنِيُّ أَنَّ فِيهِ انْقِطَاعًا
آخَرَ وَهُوَ أَنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ رَاوِيَهُ عَنْ الْمُطَّلِبِ الْمَذْكُورِ لَمْ
يَسْمَعْ مِنْ الْمُطَّلِبِ شَيْئًا كَمَا أَنَّ الْمُطَّلِبَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ
أَنَسٍ شَيْئًا فَلَمْ يَثْبُتْ الْحَدِيثُ بِسَبَبِ ذَلِكَ ، وَمَا ذُكِرَ أَنَّهُ
لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ شَيْئًا يَرُدُّ عَلَيْهِ قَوْلُ
الْحَافِظِ الْمُنْذِرِيِّ : إنَّهُ رَوَى عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ .
وَحَدِيثُ : { مَا مِنْ امْرِئٍ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ
ثُمَّ يَنْسَاهُ إلَّا لَقِيَ اللَّهَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَجْذَمَ } فِيهِ انْقِطَاعٌ
وَإِرْسَالٌ أَيْضًا ، وَسُكُوتُ أَبِي دَاوُد عَلَيْهِ مُعْتَرَضٌ بِأَنَّ فِيهِ
يَزِيدَ بْنَ أَبِي زِيَادٍ وَلَيْسَ صَالِحًا لِلِاحْتِجَاجِ بِهِ عِنْدَ
كَثِيرِينَ .
لَكِنْ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الْآجُرِّيُّ عَنْ أَبِي
دَاوُد لَا أَعْلَمُ أَحَدًا تَرَكَ حَدِيثَهُ ، وَغَيْرُهُ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْهُ .
وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ : هُوَ مِنْ شِيعَةِ أَهْلِ
الْكُوفَةِ وَمَعَ ضَعْفِهِ يُكْتَبُ حَدِيثُهُ انْتَهَى ، وَبِالتَّعْبِيرِ فِيهِ
بِامْرِئٍ الشَّامِلِ لِلرَّجُلِ وَغَيْرِهِ يُعْلَمُ أَنَّ ذِكْرَ الرَّجُلِ فِي
الْحَدِيثِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا إنَّمَا هُوَ لِلْغَالِبِ .
وَمِنْهَا : الظَّاهِرُ مِنْ الرَّوْضَةِ أَنَّهُ
مُوَافِقٌ لِلرَّافِعِيِّ عَلَى مَا مَرَّ عَنْهُ مِنْ أَنَّ ذَلِكَ كَبِيرَةٌ
فَإِنَّهُ
لَمْ يَعْتَرِضْهُ فِي الْحُكْمِ ، وَإِنَّمَا أَفَادَ
أَنَّ الْحَدِيثَ ضَعِيفٌ عَلَى مَا مَرَّ ، وَمِنْ ثَمَّ جَرَى مُخْتَصِرُو
الرَّوْضَةِ وَغَيْرُهُمْ عَلَى ذَلِكَ ، وَبِهِ يَتَّضِحُ قَوْلُ الصَّلَاحِ
الْعَلَائِيِّ فِي قَوَاعِدِهِ : إنَّ النَّوَوِيَّ قَالَ : اخْتِيَارِي أَنَّ
نِسْيَانَ الْقُرْآنِ مِنْ الْكَبَائِرِ لِحَدِيثٍ فِيهِ انْتَهَى ، فَأَرَادَ
بِاخْتِيَارِهِ لِذَلِكَ أَنَّهُ أَقَرَّ الرَّافِعِيَّ عَلَيْهِ وَذَلِكَ
مُشْعِرٌ بِاخْتِيَارِهِ وَاعْتِمَادِهِ .
نَعَمْ قَوْلُهُ " لِحَدِيثٍ فِيهِ " فِيهِ
نَظَرٌ لِأَنَّهُ لَمْ يَخْتَرْهُ لِذَلِكَ الْحَدِيثِ ، كَيْفَ وَهُوَ مُصَرِّحٌ بِضَعْفِ
ذَلِكَ الْحَدِيثِ وَالطَّعْنِ فِيهِ ، وَإِنَّمَا سَبَبُ تَقْرِيرِهِ
لِلرَّافِعِيِّ عَلَى ذَلِكَ اتِّضَاحُهُ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى وَإِنْ كَانَ فِي
دَلِيلِهِ شَيْءٌ عَلَى أَنَّ الَّذِي مَرَّ أَنَّ فِيهِ انْقِطَاعًا وَإِرْسَالًا
، وَقَدْ يُؤْخَذُ مِنْ تَعْدَادِ طُرُقِهِ الَّتِي أَشَرْت إلَيْهَا فِيمَا مَرَّ
جَبْرُ مَا فِيهِ .
وَبِمَا وَجَّهْت بِهِ كَلَامَ الْعَلَائِيِّ مَعَ
النَّظَرِ فِيهِ مِنْ الْجِهَةِ السَّابِقَةِ يُعْلَمُ مَا فِي قَوْلِ الْجَلَالِ الْبُلْقِينِيِّ
لَمْ يَظْهَرْ مِنْ كَلَامِ النَّوَوِيِّ اخْتِيَارُ كَوْنِهِ كَبِيرَةً خِلَافًا
لِلْعَلَائِيِّ ، وَبِذَلِكَ أَيْضًا يُرَدُّ قَوْلُ الزَّرْكَشِيّ : إنَّهُ فِي
الرَّوْضَةِ خَالَفَ الرَّافِعِيَّ فِي كَوْنِ نِسْيَانِ الْقُرْآنِ كَبِيرَةً .
وَمِنْهَا : قَالَ الْخَطَّابِيُّ : قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ
: الْأَجْذَمُ الْمَقْطُوعُ الْيَدِ
.
وَقَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ : الْأَجْذَمُ هَاهُنَا
الْمَجْذُومُ .
وَقَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ : مَعْنَاهُ لَا حُجَّةَ
لَهُ وَلَا خَيْرَ فِيهِ .
وَجَاءَ مِثْلُهُ عَنْ سُوَيْد بْنِ غَفَلَةَ .
وَمِنْهَا :
قَالَ الْجَلَالُ الْبُلْقِينِيُّ وَالزَّرْكَشِيُّ
وَغَيْرُهُمَا : مَحَلُّ كَوْنِ نِسْيَانِهِ كَبِيرَةً عِنْدَ مَنْ قَالَ بِهِ
إذَا كَانَ عَنْ تَكَاسُلٍ وَتَهَاوُنٍ انْتَهَى ، وَكَأَنَّهُ احْتَرَزَ بِذَلِكَ
عَمَّا لَوْ اشْتَغَلَ عَنْهُ بِنَحْوِ إغْمَاءٍ أَوْ مَرَضٍ مَانِعٍ لَهُ مِنْ
الْقِرَاءَةِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ كُلِّ مَا لَا يَتَأَتَّى مَعَهُ الْقِرَاءَةُ ،
وَعَدَمُ التَّأْثِيمِ بِالنِّسْيَانِ
حِينَئِذٍ وَاضِحٌ لِأَنَّهُ مَغْلُوبٌ عَلَيْهِ لَا
اخْتِيَارَ لَهُ فِيهِ بِوَجْهٍ بِخِلَافِ مَا إذَا اشْتَغَلَ عَنْهُ بِمَا يُمْكِنُهُ
الْقِرَاءَةُ مَعَهُ ، وَإِنْ كَانَ مَا اشْتَغَلَ بِهِ أَهَمَّ وَآكَدَ
كَتَعَلُّمِ الْعِلْمِ الْعَيْنِيِّ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ شَأْنِ تَعَلُّمِهِ
الِاشْتِغَالُ بِهِ عَنْ الْقُرْآنِ الْمَحْفُوظِ حَتَّى نَسِيَ ، وَيُؤْخَذُ مِنْ
قَوْلِهِمْ إنَّ نِسْيَانَ آيَةٍ مِنْهُ كَبِيرَةٌ أَيْضًا أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى
مَنْ حَفِظَهُ بِصِفَةٍ مِنْ إتْقَانٍ أَوْ تَوَسُّطٍ أَوْ غَيْرِهِمَا كَأَنْ
كَانَ يَتَوَقَّفُ فِيهِ أَوْ يَكْثُرُ غَلَطُهُ فِيهِ أَنْ يَسْتَمِرَّ عَلَى
تِلْكَ الصِّفَةِ الَّتِي حَفِظَهُ عَلَيْهَا فَلَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ إلَّا
نَقْصُهَا مِنْ حَافِظَتِهِ ، أَمَّا زِيَادَتُهَا عَلَى مَا كَانَ فِي
حَافِظَتِهِ فَهُوَ وَإِنْ كَانَ أَمْرًا مُؤَكَّدًا يَنْبَغِي الِاعْتِنَاءُ بِهِ
لِمَزِيدِ فَضْلِهِ إلَّا أَنَّ عَدَمَهُ لَا يُوجِبُ إثْمًا .
وَحَمَلَ أَبُو شَامَةَ شَيْخُ النَّوَوِيِّ وَتِلْمِيذُ
ابْنِ الصَّلَاحِ الْأَحَادِيثَ فِي ذَمِّ نِسْيَانِ الْقُرْآنِ عَلَى تَرْكِ
الْعَمَلِ ، لِأَنَّ النِّسْيَانَ هُوَ التَّرْكُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : {
وَلَقَدْ عَهِدْنَا إلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ } قَالَ : وَلِلْقُرْآنِ
يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَالَتَانِ
: إحْدَاهُمَا : الشَّفَاعَةُ لِمَنْ قَرَأَهُ وَلَمْ
يَنْسَ الْعَمَلَ بِهِ .
وَالثَّانِيَةُ : الشِّكَايَةُ عَلَى مَنْ نَسِيَهُ :
أَيْ تَرَكَهُ تَهَاوُنًا بِهِ وَلَمْ يَعْمَلْ بِمَا فِيهِ ، قَالَ : وَلَا
يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ مَنْ تَهَاوَنَ بِهِ حَتَّى نَسِيَ تِلَاوَتَهُ كَذَلِكَ انْتَهَى .
وَهَذَا الَّذِي زَعَمَ أَنَّهُ لَا يَبْعُدُ هُوَ الْمُتَبَادَرُ
مِنْ النِّسْيَانِ الْوَاقِعِ فِي الْأَحَادِيثِ السَّابِقَةِ فَهُوَ الْمُرَادُ
مِنْهَا خِلَافًا لِمَا زَعَمَهُ
.
وَسَيَأْتِي فِي حَدِيثِ الْبُخَارِيِّ فِي كِتَابِ
الصَّلَاةِ تَشْدِيدٌ عَظِيمٌ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ لِمَنْ أَخَذَ الْقُرْآنَ ثُمَّ
رَفَضَهُ وَنَامَ عَنْ الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ ، وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي
النِّسْيَانِ أَيْضًا .
وَمِنْهَا : قَالَ الْقُرْطُبِيُّ : لَا يُقَالُ حِفْظُ
جَمِيعِ الْقُرْآنِ لَيْسَ وَاجِبًا عَلَى الْأَعْيَانِ ، فَكَيْفَ يُذَمُّ
مَنْ تَغَافَلَ عَنْ حِفْظِهِ ؟ لِأَنَّا نَقُولُ : مَنْ
جَمَعَهُ فَقَدْ عَلَتْ رُتْبَتُهُ وَشَرُفَ فِي نَفْسِهِ وَقَوْمِهِ ، وَكَيْفَ
لَا ؟ وَمَنْ حَفِظَهُ فَقَدْ أُدْرِجَتْ النُّبُوَّةُ بَيْنَ جَنْبَيْهِ ، وَصَارَ
مِمَّنْ يُقَالُ : فِيهِ هُوَ مِنْ أَهْلِ اللَّهِ وَخَاصَّتِهِ ، فَإِذَا كَانَ
كَذَلِكَ فَمِنْ الْمُنَاسِبِ تَغْلِيظُ الْعُقُوبَةِ عَلَى مَنْ أَخَلَّ
بِمَرْتَبَتِهِ الدِّينِيَّةِ ، وَمُؤَاخَذَتُهُ بِمَا لَا يُؤَاخَذُ بِهِ
غَيْرُهُ ، وَتَرْكُ مُعَاهَدَةِ الْقُرْآنِ يُؤَدِّي إلَى الْجَهَالَةِ انْتَهَى .
( الْكَبِيرَةُ التَّاسِعَةُ وَالسِّتُّونَ : الْجِدَالُ
وَالْمِرَاءُ وَهُوَ الْمُخَاصَمَةُ ، وَالْمُحَاجَجَةُ ، وَطَلَبُ الْقَهْرِ ،
وَالْغَلَبَةِ فِي الْقُرْآنِ أَوْ الدِّينِ ) أَخْرَجَ الطَّيَالِسِيُّ
وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ
: { لَا تُجَادِلُوا فِي الْقُرْآنِ فَإِنَّ جِدَالًا
فِيهِ كُفْرٌ } .
وَالْحَاكِمُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { الْجِدَالُ فِي الْقُرْآنِ كُفْرٌ } .
وَأَبُو دَاوُد وَالْحَاكِمُ عَنْهُ أَيْضًا ، {
الْمِرَاءُ فِي الْقُرْآنِ كُفْرٌ
} .
وَالسِّجْزِيُّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ : { نُهِيَ عَنْ
الْجِدَالِ فِي الْقُرْآنِ } وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ : { دَعُوا
الْمِرَاءَ فِي الْقُرْآنِ فَإِنَّ الْأُمَمَ قَبْلَكُمْ لَمْ يُلْعَنُوا حَتَّى
اخْتَلَفُوا فِي الْقُرْآنِ ، إنَّ مِرَاءً فِي الْقُرْآنِ كُفْرٌ } .
وَالطَّبَرَانِيُّ وَغَيْرُهُ : { لَا تُمَارُوا فِي
الْقُرْآنِ فَإِنَّ الْمِرَاءَ فِيهِ كُفْرٌ } .
وَالدَّيْلَمِيُّ : { لَا تُجَادِلُوا فِي الْقُرْآنِ
وَلَا تُكَذِّبُوا كِتَابَ اللَّهِ بَعْضَهُ بِبَعْضٍ ، فَوَاَللَّهِ إنَّ
الْمُؤْمِنَ لَيُجَادِلُ بِهِ فَيُغْلَبُ ، وَإِنَّ الْمُنَافِقَ لَيُجَادِلُ بِهِ
فَيُغَالِبُ } .
وَالطَّبَرَانِيُّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : { خَرَجَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى قَوْمٍ يَتَنَازَعُونَ
فِي الْقُرْآنِ فَقَالَ يَا قَوْمُ بِهَذَا هَلَكَتْ الْأُمَمُ قَبْلَكُمْ مِنْ
الْقُرُونِ ، إنَّ الْقُرْآنَ يُصَدِّقُ بَعْضُهُ بَعْضًا فَلَا تُكَذِّبُوا
بَعْضَهُ بِبَعْضٍ } .
وَالطَّبَرَانِيُّ وَفِيهِ مَنْ اُخْتُلِفَ فِي تَوْثِيقِهِ
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ : { كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ بَابِ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَتَذَاكَرُ يَنْزِعُ هَذَا بِآيَةٍ
وَيَنْزِعُ هَذَا بِآيَةٍ ، فَخَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَأَنَّمَا يُنْقَعُ فِي وَجْهِهِ حَبُّ الرُّمَّانِ ، فَقَالَ
: يَا هَؤُلَاءِ أَبِهَذَا بُعِثْتُمْ أَمْ بِهَذَا أُمِرْتُمْ ؟ لَا تَرْجِعُوا
بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ } وَصَحَّ : {
مَا ضَلَّ قَوْمٌ بَعْدَ هُدًى كَانُوا عَلَيْهِ إلَّا
أُوتُوا الْجِدَالَ ثُمَّ قَرَأَ : { مَا ضَرَبُوهُ لَك إلَّا جَدَلًا } } .
وَرَوَى الشَّيْخَانِ : { إنَّ أَبْغَضَ الرِّجَالِ إلَى
اللَّهِ الْأَلَدُّ الْخَصِمُ - أَيْ الشَّدِيدُ الْخُصُومَةِ - الَّذِي يُحِجُّ
مُخَاصِمَهُ } .
وَصَحَّ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : {
إنَّ عِيسَى قَالَ : إنَّمَا الْأُمُورُ ثَلَاثَةٌ ، أَمْرٌ تَبَيَّنَ لَك
رُشْدُهُ فَاتَّبِعْهُ ، وَأَمْرٌ تَبَيَّنَ لَك غَيُّهُ فَاجْتَنِبْهُ ، وَأَمْرٌ
اُخْتُلِفَ فِيهِ فَرُدَّهُ إلَى عَالِمِهِ } .
وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ أَنَّ جَمَاعَةً مِنْ
الصَّحَابَةِ قَالُوا : { خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا وَنَحْنُ نَتَمَارَى فِي شَيْءٍ مِنْ أَمْرِ الدِّينِ
فَغَضِبَ غَضَبًا شَدِيدًا لَمْ يَغْضَبْ مِثْلَهُ ثُمَّ انْتَهَرَنَا فَقَالَ :
مَهْلًا يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ
.
إنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِهَذَا ، ذَرُوا
الْمِرَاءَ لِقِلَّةِ خَيْرِهِ ، ذَرُوا الْمِرَاءَ فَإِنَّ الْمُؤْمِنَ لَا
يُمَارِي ، ذَرُوا الْمِرَاءَ فَإِنَّ الْمُمَارِيَ قَدْ تَمَّتْ خَسَارَتُهُ ،
ذَرُوا الْمِرَاءَ فَكَفَى إثْمًا أَنْ لَا تَزَالَ مُمَارِيًا ، ذَرُوا الْمِرَاءَ
فَإِنَّ الْمُمَارِيَ لَا أَشْفَعُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، ذَرُوا الْمِرَاءَ
فَأَنَا زَعِيمٌ بِثَلَاثَةِ أَبْيَاتٍ فِي الْجَنَّةِ : فِي رَبَاضِهَا - أَيْ أَسْفَلِهَا
وَوَسَطِهَا ، وَأَعْلَاهَا ، لِمَنْ تَرَكَ الْمِرَاءَ وَهُوَ صَادِقٌ ، ذَرُوا
الْمِرَاءَ فَإِنَّ أَوَّلَ مَا نَهَانِي عَنْهُ رَبِّي بَعْدَ عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ
الْمِرَاءُ } الْحَدِيثَ ، وَقَوْلُهُ : { بَعْدَ عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ } لَا يَقْتَضِي
أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبَدَهَا حَاشَاهُ مِنْ ذَلِكَ ، إذْ
الْأَنْبِيَاءُ مَعْصُومُونَ مِنْ الْكُفْرِ بِإِجْمَاعِ مَنْ يُعْتَدُّ بِهِ .
تَنْبِيهٌ : عَدُّ هَذَا كَبِيرَةً لَمْ أَرَ مَنْ
سَبَقَنِي إلَيْهِ ، وَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ كَمَا تَرَى ظَاهِرَةٌ فِي ذَلِكَ ،
وَالْحَدِيثُ الْأَخِيرُ وَإِنْ كَانَ ضَعِيفًا إلَّا أَنَّهُ يُعَضِّدُهُ حَدِيثُ
الْبُخَارِيِّ : { أَبْغَضُ الرِّجَالِ عِنْدَ اللَّهِ الْأَلَدُّ الْخَصِمُ } .
وَقَدْ أَخَذَ جَمْعٌ
عَدَّ الْوَطْءِ فِي دُبُرِ الْحَلِيلَةِ كَبِيرَةً مِنْ
نَظِيرِ هَذَا وَهُوَ الْحُكْمُ عَلَيْهِ فِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ الْآتِيَةِ
بِأَنَّهُ كُفْرٌ ، فَكَذَا يُقَالُ هُنَا : إنَّ تَسْمِيَتَهُ كُفْرًا ظَاهِرٌ
فِي أَنَّهُ كَبِيرَةٌ ، بَلْ مَا هُنَا أَوْلَى لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى
الْكُفْرِ الْحَقِيقِيِّ مِنْ ذَلِكَ الْوَطْءِ ، لِأَنَّ الْجِدَالَ وَالْمِرَاءَ
فِي الْقُرْآنِ إنْ أَدَّى إلَى اعْتِقَادِ وُقُوعِ تَنَاقُضٍ حَقِيقِيٍّ أَوْ
اخْتِلَالٍ فِي نَظْمِهِ كَانَ كُفْرًا حَقِيقِيًّا وَإِنْ لَمْ يُؤَدِّ لِذَلِكَ
وَإِنَّمَا أَوْهَمَ بِهِ النَّاسَ تَنَاقُضًا أَوْ اخْتِلَالًا ، أَوْ أَدْخَلَ
بِالْكَلَامِ فِي الْقُرْآنِ عَلَيْهِمْ شُبْهَةً وَنَحْوَهَا ، فَهَذَا وَإِنْ
لَمْ يَكُنْ كُفْرًا حَقِيقِيًّا إلَّا أَنَّهُ لَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ
كَبِيرَةً لِعِظَمِ ضَرَرِهِ فِي الدِّينِ ، وَأَدَائِهِ إلَى سُلُوكِ سَبِيلِ
الْمُلْحِدِينَ .
وَلَقَدْ ضَرَبَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَنْ
أَرَادَ إدْخَالَ أَدْنَى شُبْهَةٍ عَلَى النَّاسِ بِسُؤَالِهِ عَنْ نَحْوِ قَوْله
تَعَالَى : { فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ } مَعَ قَوْله
تَعَالَى : { فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ } وَعَنْ قَوْله
تَعَالَى : { الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ
وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ } مَعَ قَوْله تَعَالَى : { يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ
أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ } قَوْله تَعَالَى : { هَذَا يَوْمُ
لَا يَنْطِقُونَ } وَنَفَاهُ مِنْ الْمَدِينَةِ لِأَنَّهُ خَشِيَ مِنْ فَتْحِ
هَذَا الْبَابِ أَنْ يَتَطَرَّقَ النَّاسُ إلَى اعْتِقَادِ نَوْعِ نَقْصٍ فِي
الْقُرْآنِ الْمُنَزَّهِ الْمُكَرَّمِ
.
وَالْحَاصِلُ : أَنَّ الْجِدَالَ فِيهِ إمَّا كُفْرٌ
أَوْ عَظِيمُ الضَّرَرِ فِي الدِّينِ فَكَانَ إمَّا كُفْرًا أَوْ كَبِيرَةً .
وَبِذَلِكَ صَحَّ مَا ذَكَرْته وَاتَّضَحَ مَا حَرَّرْته
وَاَللَّهُ - تَعَالَى - الْمُوَفِّقُ
.
ثُمَّ رَأَيْت بَعْضَهُمْ عَدَّ الْخِصَامَ مِنْ
الْكَبَائِرِ كَمَا سَيَأْتِي وَهُوَ يُؤَيِّدُ مَا ذَكَرْته .
خَاتِمَةٌ فِي بَعْضِ أَحَادِيثَ مُنَبِّهَةٍ عَلَى
أُمُورٍ مُهِمَّةٍ تَتَعَلَّقُ بِالْقُرْآنِ : أَخْرَجَ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ
وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ : { تَذَاكَرُوا الْقُرْآنَ فَوَاَلَّذِي
نَفْسِي بِيَدِهِ لَهُوَ أَشَدُّ تَفَصِّيًا مِنْ صُدُورِ الرِّجَالِ مِنْ النَّعَمِ
مِنْ عُقُلِهَا } .
وَمُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ وَالطَّبَرَانِيُّ وَالْحَاكِمُ
: { تَعَاهَدُوا الْقُرْآنَ فَإِنَّهُ وَحْشِيٌّ فَلَهُوَ أَسْرَعُ تَفَصِّيًا
مِنْ صُدُورِ الرِّجَالِ مِنْ الْإِبِلِ مِنْ عُقُلِهَا } .
وَالطَّبَرَانِيُّ وَالْخَطِيبُ : { تَعَاهَدُوا الْقُرْآنَ
فَوَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَهُوَ أَشَدُّ تَفَصِّيًا مِنْ صُدُورِ الرِّجَالِ
مِنْ الْإِبِلِ النَّوَازِعِ إلَى أَوْطَانِهَا } .
وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ : { لَا يَفْقَهُ
مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ فِي أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثٍ } أَيْ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَا
يَتَأَمَّلُ مَعَانِيَهُ وَلَا يُحَكِّمُ مَبَانِيَهُ .
وَالطَّبَرَانِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيُّ وَالْحَاكِمُ : {
لَا تَمَسَّ الْقُرْآنَ إلَّا وَأَنْتَ طَاهِرٌ } .
وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ : { لَا يَمَسُّ
الْقُرْآنَ إلَّا طَاهِرٌ } .
وَمُسْلِمٌ : { لَا يَقُلْ أَحَدُكُمْ نَسِيتُ آيَةَ
كَيْتَ وَكَيْتَ بَلْ هُوَ نُسِّيَ
} .
وَالشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا : { بِئْسَمَا
لِأَحَدِكُمْ أَنْ يَقُولَ نَسِيتُ آيَةَ كَيْتَ وَكَيْتَ بَلْ هُوَ نُسِّيَ } .
وَأَيْضًا : { نُهِيَ أَنْ يُسَافِرَ بِالْقُرْآنِ إلَى
أَرْضِ الْعَدُوِّ } .
وَالتِّرْمِذِيُّ : { مَا آمَنَ بِالْقُرْآنِ مَنْ
اسْتَحَلَّ مَحَارِمَهُ } .
وَالْبَيْهَقِيُّ : { مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ لِيَأْكُلَ
بِهِ أَمْوَالَ النَّاسِ جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَوَجْهُهُ عَظْمٌ لَيْسَ
عَلَيْهِ لَحْمٌ } .
وَالْبَيْهَقِيُّ وَضَعَّفَهُ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ
قَالَ : { عَلَّمْتُ رَجُلًا الْقُرْآنَ فَأَهْدَى إلَيَّ قَوْسًا فَذَكَرْتُ
ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : إنْ
أَخَذْتَهَا أَخَذْتَ قَوْسًا مِنْ نَارٍ } .
وَفِي رِوَايَةٍ لِأَحْمَدَ وَابْنِ مَنِيعٍ وَعَبْدِ
بْنِ حُمَيْدٍ وَالطَّبَرَانِيِّ وَالْحَاكِمِ وَالْبَيْهَقِيِّ وَأَبِي دَاوُد
وَابْنِ مَاجَهْ وَأَبِي يَعْلَى عَنْ عُبَادَةَ بْنِ
الصَّامِتِ بِمِثْلِ قِصَّةِ أُبَيِّ : { إنْ كُنْت
تُحِبُّ أَنْ تُطَوَّقَ بِهَا طَوْقًا مِنْ نَارٍ فَخُذْهَا } .
وَأَبُو نُعَيْمٍ { إنْ أَرَدْت أَنْ يُقَلِّدَك اللَّهُ
قَوْسًا مِنْ نَارٍ فَخُذْهَا }
.
وَالطَّبَرَانِيُّ : { مَنْ يَأْخُذْ عَلَى تَعْلِيمِ
الْقُرْآنِ قَوْسًا قَلَّدَهُ اللَّهُ قَوْسًا مِنْ نَارٍ } .
وَأَبُو نُعَيْمٍ : { مَنْ أَخَذَ عَلَى الْقُرْآنِ
أَجْرًا فَقَدْ تَعَجَّلَ حَسَنَاتِهِ فِي الدُّنْيَا ، وَالْقُرْآنُ يُحَاجِجُهُ
يَوْمَ الْقِيَامَةِ } .
وَأَخَذَ جَمَاعَةٌ بِظَاهِرِ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ فَحَرَّمُوا
الِاسْتِئْجَارَ لِتَعْلِيمِ الْقُرْآنِ ، وَجَوَّزَهُ الْأَكْثَرُونَ لِقَوْلِهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { إنَّ أَحَقَّ مَا أَخَذْتُمْ عَلَيْهِ
أَجْرًا كِتَابُ اللَّهِ } .
وَمُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ عَنْ عُمَيْرِ بْنِ هَانِئٍ
قَالَ : { قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّا لَنَجِدُ لِلْقُرْآنِ مِنْك مَا
لَا نَجِدُ مِنْ أَنْفُسِنَا إذَا نَحْنُ خَلَوْنَا ، فَقَالَ : أَجَلْ .
أَنَا أَقْرَؤُهُ لِبَطْنٍ وَأَنْتُمْ تَقْرَءُونَهُ
لِظَهْرٍ .
قَالُوا :
يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا الْبَطْنُ مِنْ الظَّهْرِ ؟
قَالَ أَنَا أَقْرَؤُهُ وَأَتَدَبَّرُهُ وَأَعْمَلُ بِمَا فِيهِ ، تَقْرَءُونَهُ أَنْتُمْ
هَكَذَا وَأَشَارَ بِيَدِهِ فَأَمَرَّهَا } .
وَالسِّجْزِيُّ وَقَالَ : غَرِيبٌ وَفِي بَعْضِ
رُوَاتِهِ مَقَالٌ .
وَابْنُ السُّنِّيِّ وَالدَّيْلَمِيُّ : { حَمَلَةُ
الْقُرْآنِ ثَلَاثَةٌ : أَحَدُهُمْ اتَّخَذَهُ مَتْجَرًا ، وَالْآخَرُ يَزْهُو بِهِ
حَتَّى لَهُوَ أَزْهَى بِهِ مِنْ مَزَامِيرَ عَلَى مِنْبَرٍ فَيَقُولُ :
وَاَللَّهِ لَا أَلْحَنُ وَلَا يَعِيبُنِي فِيهِ حَرْفٌ فَتِلْكَ الطَّائِفَةُ
شِرَارُ أُمَّتِي ، وَحَمَلَهُ آخَرُ فَسَرْبَلَهُ جَوْفُهُ وَأَلْهَمَهُ قَلْبُهُ
فَاتَّخَذَ قَلْبَهُ مِحْرَابًا ، النَّاسُ مِنْهُ فِي عَافِيَةٍ وَنَفْسُهُ
مِنْهُ فِي بَلَاءٍ فَأُولَئِكَ أَقَلُّ فِي أُمَّتِي مِنْ الْكِبْرِيتِ
الْأَحْمَرِ } .
وَابْنُ حِبَّانَ فِي الضُّعَفَاءِ وَالسِّجْزِيُّ
وَقَالَ غَرِيبٌ وَفِي رُوَاتِهِ مَقَالٌ .
وَالدَّيْلَمِيُّ عَنْ بُرَيْدَةَ .
وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ الْحَسَنِ مِنْ قَوْلِهِ : {
قُرَّاءُ الْقُرْآنِ ثَلَاثَةٌ : رَجُلٌ قَرَأَ الْقُرْآنَ فَاتَّخَذَهُ
بِضَاعَةً اسْتَمَالَ بِهِ النَّاسَ ، وَرَجُلٌ قَرَأَ
الْقُرْآنَ فَأَقَامَ حُرُوفَهُ ، وَضَيَّعَ حُدُودَهُ ، كَثُرَ هَؤُلَاءِ مِنْ
قُرَّاءِ الْقُرْآنِ لَا كَثَّرَهُمْ اللَّهُ - تَعَالَى - ، وَرَجُلٌ قَرَأَ الْقُرْآنَ
فَوَضَعَ دَوَاءَ الْقُرْآنِ عَلَى دَاءِ قَلْبِهِ فَأَسْهَرَ بِهِ لَيْلَهُ
وَأَظْمَأَ بِهِ نَهَارَهُ وَقَامُوا فِي مَسَاجِدِهِمْ وَحُفُّوا بِهِ تَحْتَ
بَرَانِسِهِمْ ، فَهَؤُلَاءِ يَدْفَعُ اللَّهُ بِهِمْ الْبَلَاءَ وَيُنِيلُ مِنْ
الْأَعْدَاءِ وَيُنَزِّلُ غَيْثَ السَّمَاءِ فَوَاَللَّهِ لَهَؤُلَاءِ مِنْ
الْقُرَّاءِ أَعَزُّ مِنْ الْكِبْرِيتِ الْأَحْمَرِ }
بَابُ قَضَاءِ الْحَاجَةِ ( الْكَبِيرَةُ السَّبْعُونَ :
التَّغَوُّطُ فِي الطُّرُقِ ) أَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ
وَغَيْرُهُمَا بِسَنَدٍ رُوَاتُهُ ثِقَاتٌ إلَّا مُحَمَّدَ بْنَ عَمْرٍو
الْأَنْصَارِيَّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ : قَالَ رَجُلٌ لِأَبِي
هُرَيْرَةَ : أَفْتَيْتَنَا فِي كُلِّ شَيْءٍ يُوشِكُ أَنْ تُفْتِيَنَا فِي
الْخُرْءِ ، فَقَالَ : سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يَقُولُ : { مَنْ سَلَّ سَخِيمَتَهُ عَلَى طَرِيقٍ مِنْ طُرُقِ الْمُسْلِمِينَ
فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ } .
وَالطَّبَرَانِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ أَنَّهُ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ
: { مَنْ آذَى الْمُسْلِمِينَ فِي طُرُقِهِمْ وَجَبَتْ
عَلَيْهِ لَعْنَتُهُمْ } .
وَالْخَطِيبُ : { مَنْ تَغَوَّطَ عَلَى حَافَّةِ نَهْرٍ
يُتَوَضَّأُ مِنْهُ وَيُشْرَبُ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ
أَجْمَعِينَ } .
وَأَحْمَدُ : { اتَّقُوا الْمَلَاعِنَ الثَّلَاثَ ،
قِيلَ : مَا الْمَلَاعِنُ الثَّلَاثُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : أَنْ يَقْعُدَ
أَحَدُكُمْ فِي ظِلٍّ يُسْتَظَلُّ بِهِ أَوْ فِي طَرِيقٍ أَوْ فِي نَقْعِ مَاءٍ } .
وَفِي رِوَايَةٍ مُرْسَلَةٍ : { اتَّقُوا الْمَلَاعِنَ الثَّلَاثَ
الْبَرَازَ فِي الْمَوَارِدِ وَقَارِعَةِ الطَّرِيقِ وَالظِّلِّ } .
وَفِي أُخْرَى لِمُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ : { اتَّقُوا
اللَّاعِنَيْنِ ، قَالُوا : وَمَا اللَّاعِنَانِ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ :
الَّذِي يَتَخَلَّى فِي طَرِيقِ النَّاسِ وَفِي ظِلِّهِمْ } .
أَيْ الَّذِي اتَّخَذُوهُ مَقِيلًا وَمَنْزِلًا لَا مُطْلَقًا
؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى حَاجَتَهُ تَحْتَ حَائِشٍ
مِنْ النَّخْلِ وَهُوَ لَا مَحَالَةَ لَهُ ظِلٌّ قَالَهُ الْخَطَّابِيُّ .
وَفِي أُخْرَى لِابْنِ مَاجَهْ بِسَنَدٍ رُوَاتُهُ ثِقَاتٌ
: { إيَّاكُمْ وَالتَّعْرِيسَ عَلَى جَوَادِّ الطَّرِيقِ ، وَالصَّلَاةَ عَلَيْهَا
فَإِنَّهَا مَأْوَى الْحَيَّاتِ وَالسِّبَاعِ ، وَقَضَاءَ الْحَاجَةِ عَلَيْهَا
فَإِنَّهَا الْمَلَاعِنُ } .
تَنْبِيهٌ : عَدُّ هَذَا مِنْ الْكَبَائِرِ هُوَ مَا
اقْتَضَاهُ الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ وَالثَّانِي لِمَا مَرَّ أَنَّ مِنْ أَمَائِرِ
الْكَبِيرَةِ اللَّعْنَ .
لَكِنَّ أَئِمَّتَنَا لَمْ يُعَوِّلُوا عَلَى ذَلِكَ
لِضَعْفِ الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ كَمَا عُرِفَ مِمَّا مَرَّ فِيهِ ، وَإِنَّمَا
الْخِلَافُ بَيْنَهُمْ فِي أَنَّهُ هَلْ هُوَ صَغِيرَةٌ أَوْ مَكْرُوهٌ ؟
وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ
.
لَكِنَّ تِلْكَ الْأَحَادِيثَ تُرَجِّحُ الْحُرْمَةَ
الَّتِي جَرَى عَلَيْهَا صَاحِبُ الْعُدَّةِ مِنْ أَصْحَابِنَا وَنَقَلَهُ عَنْهُ
الشَّيْخَانِ فِي بَابِ الشَّهَادَةِ وَأَقَرَّاهُ وَاعْتَمَدَهُ بَعْضُ
الْمُتَأَخِّرِينَ .
وَفِي الْخَادِمِ : مُرَادُ صَاحِبِ الْعُدَّةِ
التَّحْرِيمُ مِنْ جِهَةِ أَنَّ فِيهِ إيذَاءً لِلْمُسْلِمِينَ بِإِشْغَالِ
الطَّرِيقِ بِغَيْرِ حَقِّهِ مِنْ الطُّرُوقِ .
أَمَّا مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ أَدَبًا مِنْ آدَابِ
قَضَاءِ الْحَاجَةِ فَلَا يَنْتَهِي إلَى التَّحْرِيمِ فَهُوَ ذُو وَجْهَيْنِ ،
هَذَا إنْ جَرَيْنَا عَلَى أَنَّ مُرَادَ صَاحِبِ الْعُدَّةِ مَا فَهِمَهُ عَنْهُ
الرَّافِعِيُّ ، وَالظَّاهِرُ خِلَافُهُ ، وَإِنَّمَا أَرَادَ أَنَّ ذَلِكَ مِمَّا
تُرَدُّ بِهِ الشَّهَادَةُ لِأَنَّهُ يُخِلُّ بِالْمُرُوءَةِ لَا لِكَوْنِهِ
حَرَامًا .
انْتَهَى مُلَخَّصًا .
( الْكَبِيرَةُ الْحَادِيَةُ وَالسَّبْعُونَ : عَدَمُ
التَّنَزُّهِ مِنْ الْبَوْلِ فِي الْبَدَنِ أَوْ الثَّوْبِ ) أَخْرَجَ
الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا : {
أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ
بِقَبْرَيْنِ فَقَالَ إنَّهُمَا يُعَذَّبَانِ وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ
بَلَى إنَّهُ لَكَبِيرٌ ، أَمَّا أَحَدُهُمَا فَكَانَ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ ،
وَأَمَّا الْآخَرُ فَكَانَ لَا يَسْتَنْزِهُ مِنْ بَوْلِهِ } .
وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ وَابْنِ خُزَيْمَةَ فِي
صَحِيحِهِ : { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِحَائِطٍ
فَسَمِعَ صَوْتَ إنْسَانَيْنِ يُعَذَّبَانِ فِي قُبُورِهِمَا فَقَالَ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إنَّهُمَا يُعَذَّبَانِ وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ ،
ثُمَّ قَالَ : بَلَى ، إنَّ أَحَدَهُمَا كَانَ لَا يَسْتَنْزِهُ مِنْ
بَوْلِهِ وَكَانَ الْآخَرُ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ } الْحَدِيثَ .
وَفِي رِوَايَةٍ سَنَدُهَا لَا بَأْسَ إلَّا أَنَّ
فِيهَا مُخْتَلَفًا فِي تَوْثِيقِهِ
: { عَامَّةُ عَذَابِ الْقَبْرِ فِي الْبَوْلِ } ، وَفِي
لَفْظٍ : { مِنْ الْبَوْلِ فَاسْتَنْزِهُوا مِنْ الْبَوْلِ } .
وَفِي أُخْرَى صَحِيحَةٍ : { أَكْثَرُ عَذَابِ الْقَبْرِ
مِنْ الْبَوْلِ } .
وَفِي أُخْرَى سَنَدُهَا لَا بَأْسَ بِهِ : { اتَّقُوا
الْبَوْلَ فَإِنَّهُ أَوَّلُ مَا يُحَاسَبُ بِهِ الْعَبْدُ فِي الْقَبْرِ } .
وَفِي أُخْرَى لِأَحْمَدَ وَالطَّبَرَانِيِّ وَاللَّفْظُ
لَهُ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ قَالَ : { بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْشِي بَيْنِي وَبَيْنَ رَجُلٍ آخَرَ إذْ أَتَى عَلَى قَبْرَيْنِ
فَقَالَ : إنَّ صَاحِبَيْ هَذَيْنِ الْقَبْرَيْنِ يُعَذَّبَانِ فَأْتِيَانِي
بِجَرِيدَةٍ ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ : فَاسْتَبَقْتُ أَنَا وَصَاحِبِي ،
فَأَتَيْتُهُ بِجَرِيدَةٍ ، فَشَقَّهَا نِصْفَيْنِ فَوَضَعَ فِي هَذَا الْقَبْرِ
وَاحِدَةً وَفِي ذَا الْقَبْرِ وَاحِدَةً وَقَالَ : لَعَلَّهُ يُخَفِّفُ عَنْهُمَا مَا
دَامَتَا رَطْبَتَيْنِ } .
وَفِي أُخْرَى لِأَحْمَدَ وَاللَّفْظُ لَهُ ، وَابْنُ
مَاجَهْ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ : { مَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فِي يَوْمٍ شَدِيدِ الْحَرِّ بِبَقِيعِ الْغَرْقَدِ قَالَ : وَكَانَ النَّاسُ
يَمْشُونَ خَلْفَهُ قَالَ : فَلَمَّا سَمِعَ صَوْتَ النِّعَالِ
وَقَرَ ذَلِكَ فِي نَفْسِهِ فَجَلَسَ حَتَّى قَدَّمَهُمْ أَمَامَهُ ، فَلَمَّا
مَرَّ بِبَقِيعِ الْغَرْقَدِ إذَا بِقَبْرَيْنِ قَدْ دَفَنُوا فِيهِمَا رَجُلَيْنِ
قَالَ : فَوَقَفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : مَنْ
دَفَنْتُمْ هَاهُنَا الْيَوْمَ ؟ قَالُوا : فُلَانٌ وَفُلَانٌ ، قَالُوا : يَا
نَبِيَّ اللَّهِ وَمَا ذَاكَ ؟ قَالَ : أَمَّا أَحَدُهُمَا فَكَانَ لَا
يَسْتَنْزِهُ مِنْ الْبَوْلِ ، وَأَمَّا الْآخَرُ فَكَانَ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ
وَأَخَذَ جَرِيدَةً رَطْبَةً فَشَقَّهَا ثُمَّ جَعَلَهَا عَلَى الْقَبْرِ ،
قَالُوا : يَا نَبِيَّ اللَّهِ لِمَ فَعَلْتَ هَذَا ؟ قَالَ : لِيُخَفِّفَ
عَنْهُمَا ، قَالُوا : يَا نَبِيَّ اللَّهِ حَتَّى مَتَى هُمَا يُعَذَّبَانِ ؟
قَالَ : غَيْبٌ لَا يَعْلَمُهُ إلَّا اللَّهُ ، وَلَوْلَا تَمَزُّعُ قُلُوبِكُمْ وَتَزَيُّدُكُمْ
فِي الْحَدِيثِ لَسَمِعْتُمْ مَا أَسْمَعُ } .
وَفِي أُخْرَى لِابْنِ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : { كُنَّا نَمْشِي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَرَرْنَا عَلَى قَبْرَيْنِ فَقَامَ
فَقُمْنَا مَعَهُ ، فَجَعَلَ لَوْنُهُ يَتَغَيَّرُ حَتَّى رَعَدَ كُمُّ قَمِيصِهِ
، فَقُلْنَا : مَا لَك يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ فَقَالَ : أَمَا تَسْمَعُونَ مَا
أَسْمَعُ ؟ فَقُلْنَا : وَمَا ذَاكَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ ؟ قَالَ : هَذَانِ
رَجُلَانِ يُعَذَّبَانِ فِي قُبُورِهِمَا عَذَابًا شَدِيدًا فِي ذَنْبٍ هَيِّنٍ -
أَيْ فِي ظَنِّهِمَا أَوْ هَيِّنٍ عَلَيْهِمَا اجْتِنَابُهُ - قُلْنَا : فَبِمَ
ذَاكَ ؟ قَالَ : كَانَ أَحَدُهُمَا لَا يَسْتَنْزِهُ مِنْ الْبَوْلِ وَكَانَ
الْآخَرُ يُؤْذِي النَّاسَ بِلِسَانِهِ وَيَمْشِي بَيْنَهُمْ بِالنَّمِيمَةِ
فَدَعَا بِجَرِيدَتَيْنِ مِنْ جَرَائِدِ النَّخْلِ فَجَعَلَ فِي كُلِّ قَبْرٍ
وَاحِدَةً ، قُلْنَا : يَا رَسُولَ اللَّهِ وَهَلْ يَنْفَعُهُمْ ذَلِكَ ؟ قَالَ :
نَعَمْ ، يُخَفِّفُ عَنْهُمَا مَا دَامَتَا رَطْبَتَيْنِ } .
وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا ، وَالطَّبَرَانِيُّ
- بِإِسْنَادٍ لَيِّنٍ - وَأَبُو نُعَيْمٍ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ : { أَرْبَعَةٌ يُؤْذُونَ أَهْلَ
النَّارِ عَلَى مَا بِهِمْ مِنْ الْأَذَى يَسْعَوْنَ
بَيْنَ الْحَمِيمِ وَالْجَحِيمِ يَدْعُونَ بِالْوَيْلِ وَالثُّبُورِ ، يَقُولُ
أَهْلُ النَّارِ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ : مَا بَالُ هَؤُلَاءِ قَدْ آذَوْنَا عَلَى
مَا بِنَا مِنْ الْأَذَى قَالَ : فَرَجُلٌ يُغْلَقُ عَلَيْهِ تَابُوتٌ مِنْ جَمْرٍ
، وَرَجُلٌ يَجُرُّ أَمْعَاءَهُ ، وَرَجُلٌ يَسِيلُ فُوهُ قَيْحًا وَدَمًا ،
وَرَجُلٌ يَأْكُلُ لَحْمَهُ ، قَالَ : فَيُقَالُ لِصَاحِبِ التَّابُوتِ مَا بَالُ
الْأَبْعَدِ قَدْ آذَانَا عَلَى مَا بِنَا مِنْ الْأَذَى ، فَيَقُولُ : إنَّ
الْأَبْعَدَ مَاتَ وَفِي عُنُقِهِ أَمْوَالُ النَّاسِ مَا يَجِدُ لَهَا قَضَاءً
أَوْ وَفَاءً .
ثُمَّ يُقَالُ لِلَّذِي يَجُرُّ أَمْعَاءَهُ : مَا بَالُ
الْأَبْعَدِ قَدْ آذَانَا عَلَى مَا بِنَا مِنْ الْأَذَى فَيَقُولُ : إنَّ الْأَبْعَدَ
كَانَ لَا يُبَالِي أَيْنَ أَصَابَ الْبَوْلُ مِنْهُ لَا يَغْسِلُهُ } .
وَيَأْتِي فِي بَحْثِ الْغِيبَةِ تَمَامُ الْحَدِيثِ .
وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ : { أَوَ مَا
عَلِمْتُمْ مَا أَصَابَ صَاحِبَ بَنِي إسْرَائِيلَ كَانُوا إذَا أَصَابَهُمْ
شَيْءٌ مِنْ الْبَوْلِ قَرَضُوهُ بِالْمَقَارِيضِ فَنَهَاهُمْ صَاحِبُهُمْ
فَعُذِّبَ فِي قَبْرِهِ } .
تَنْبِيهٌ : قَدْ عَلِمْت مِنْ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ
أَنَّهَا مُصَرِّحَةٌ بِأَنَّ عَدَمَ التَّنَزُّهِ عَنْ الْبَوْلِ كَبِيرَةٌ ، وَبِهِ
صَرَّحَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَئِمَّتِنَا وَسَبَقَهُمْ إلَيْهِ الْبُخَارِيُّ
فَإِنَّهُ تَرْجَمَ عَلَى رِوَايَتِهِ السَّابِقَةِ بَابَ : مِنْ الْكَبَائِرِ أَنْ لَا
يُسْتَنْزَهَ مِنْ الْبَوْلِ .
قَالَ الْخَطَّابِيُّ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ : { وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ } مَعْنَاهُ أَنَّهُمَا لَمْ
يُعَذَّبَا فِي أَمْرٍ كَانَ يَكْبُرُ عَلَيْهِمَا ، أَوْ يَشُقُّ فِعْلُهُ لَوْ
أَرَادَا أَنْ يَفْعَلَاهُ وَهُوَ التَّنَزُّهُ مِنْ الْبَوْلِ وَتَرْكُ النَّمِيمَةِ
، وَلَمْ يُرِدْ أَنَّ الْمَعْصِيَةَ فِي هَاتَيْنِ الْخَصْلَتَيْنِ لَيْسَتْ
بِكَبِيرَةٍ فِي حَقِّ الدِّينِ وَأَنَّ الذَّنْبَ فِيهِمَا هَيِّنٌ سَهْلٌ .
قَالَ الْحَافِظُ الْمُنْذِرِيُّ : وَلِخَوْفِ تَوَهُّمِ مِثْلِ هَذَا
اسْتَدْرَكَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ بَلَى إنَّهُ كَبِيرٌ .
وَفِي
هَذِهِ الْأَحَادِيثِ دَلَالَةٌ ظَاهِرَةٌ لِقَوْلِ
جَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا يَجِبُ الِاسْتِبْرَاءُ بِأَنْ يَمْشِيَ خُطُوَاتٍ
أَوْ يَنْتُرَ ذَكَرَهُ أَوْ يَتَنَحْنَحَ ، وَقَدْ جَرَتْ لِكُلِّ إنْسَانٍ
عَادَةٌ فِي الِاسْتِبْرَاءِ لَا تَخْرُجُ فَضَلَاتُ بَوْلِهِ إلَّا بِهَا ، فَلْيَفْعَلْ
كُلُّ إنْسَانٍ عَادَتَهُ لَكِنْ لَا يَنْبَغِي لَهُ الِاسْتِقْصَاءُ فِي ذَلِكَ
فَإِنَّهُ يُورِثْ الْوَسْوَاسَ وَيَضُرُّ بِهِ سِيَّمَا بِالذَّكَرِ إذَا
أَكْثَرَ مِنْ جَذْبِهِ ، وَكَذَلِكَ يَتَعَيَّنُ عَلَى الْإِنْسَانِ فِي
غَائِطِهِ أَنْ يُبَالِغَ فِي غَسْلِ مَحَلِّهِ وَأَنْ يَسْتَرْخِيَ قَلِيلًا
حَتَّى يَغْسِلَ مَا فِي تَضَاعِيفِ شَرْجِ حَلْقَةِ دُبُرِهِ ، فَإِنَّ
كَثِيرِينَ مِمَّنْ لَا يَسْتَرْخُونَ وَلَا يُبَالِغُونَ فِي غَسْلِ ذَلِكَ
الْمَحَلِّ يُصَلُّونَ بِالنَّجَاسَةِ فَيَحْصُلُ لَهُمْ ذَلِكَ الْوَعِيدُ
الشَّدِيدُ الْمَذْكُورُ فِي تِلْكَ الْأَحَادِيثِ ، لِأَنَّهُ إذَا تَرَتَّبَ
عَلَى الْبَوْلِ فَلَأَنْ يَتَرَتَّبَ عَلَى الْغَائِطِ مِنْ بَابِ أَوْلَى لِأَنَّهُ
أَقْذَرُ وَأَفْحَشُ .
وَقَدْ حَكَى الْأَئِمَّةُ أَنَّ ابْنَ أَبِي زَيْدٍ
الْمَالِكِيَّ رُئِيَ فِي النَّوْمِ فَقِيلَ لَهُ مَا فَعَلَ اللَّهُ بِك ؟ قَالَ
: غَفَرَ لِي ، قِيلَ : بِمَاذَا ؟ قَالَ : بِقَوْلِي فِي الرِّسَالَةِ فِي بَابِ
الِاسْتِنْجَاءِ وَأَنْ يَسْتَرْخِيَ قَلِيلًا وَكَانَ أَوَّلَ مَنْ قَالَهَا ،
أَيْ لِمَا تَقَرَّرَ مِنْ أَنَّ الْإِنْسَانَ إذَا أَرْخَى مَقْعَدَتَهُ قَلِيلًا
ظَهَرَتْ تِلْكَ التَّضَاعِيفُ وَالتَّثَنِّي الَّذِي فِي فَمِ الدُّبُرِ
فَيَصِلُهُ الْمَاءُ وَيُنَقِّي مَا فِيهِ بِخِلَافِ مَا إذَا غَسَلَهُ بِدُونِ
ذَلِكَ ، وَالْوَاجِبُ فِي ذَلِكَ أَنْ يَغْسِلَ حَتَّى يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ زَوَالُ
عَيْنِ النَّجَاسَةِ وَآثَارِهَا عَنْ جَمِيعِ حَدِّ الظَّاهِرِ ، وَإِذَا غَلَبَ
عَلَى ظَنِّهِ زَوَالُ ذَلِكَ ثُمَّ شَمَّ فِي يَدِهِ رِيحَ النَّجَاسَةِ فَإِنْ
كَانَ فِي جِرْمِ الْيَدِ الْمُبَاشِرِ لَلْمَحَلِّ وَجَبَ غَسْلُهُ لِأَنَّ
ذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى نَجَاسَتِهِ ، وَإِنْ لَمْ يَشُمَّهَا مِنْ ذَلِكَ كَأَنْ
شَمَّهَا مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ أَوْ شَكَّ لَمْ يَلْزَمْهُ إلَّا غَسْلُ يَدِهِ
لِاحْتِمَالِ أَنَّ الرِّيحَ
فِي الْمَحَلِّ الَّذِي لَمْ يُبَاشِرْ الدُّبُرَ .
بَابُ الْوُضُوءِ ( الْكَبِيرَةُ الثَّانِيَةُ
وَالسَّبْعُونَ : تَرْكُ شَيْءٍ مِنْ وَاجِبَاتِ الْوُضُوءِ ) أَخْرَجَ
الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ
: { مَنْ لَمْ يُخَلِّلْ أَصَابِعَهُ بِالْمَاءِ خَلَّلَهَا اللَّهُ بِالنَّارِ
يَوْمَ الْقِيَامَةِ } وَرَوَاهُ فِي الْأَوْسَطِ مَرْفُوعًا وَفِي الْكَبِيرِ
مَوْقُوفًا عَلَى ابْنِ مَسْعُودٍ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ بِلَفْظِ : { لَتَنْهَكُنَّ الْأَصَابِعَ
بِالطَّهُورِ أَوْ لَتَنْهَكُنَّهَا النَّارُ } النَّهْكُ : الْمُبَالَغَةُ : أَيْ لَتُبَالِغُنَّ
فِي غَسْلِهَا أَوْ لَتُبَالِغَنَّ النَّارُ فِي إحْرَاقِهَا ، وَفِي رِوَايَةٍ
لَهُ فِي الْكَبِيرِ مَوْقُوفًا : { خَلِّلُوا الْأَصَابِعَ الْخَمْسَ لَا
يَحْشُوهَا اللَّهُ نَارًا } .
وَأَخْرَجَ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ { صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى رَجُلًا
لَمْ يَغْسِلْ عَقِبَيْهِ فَقَالَ : وَيْلٌ لِلْأَعْقَابِ مِنْ النَّارِ } ، وَفِي
رِوَايَةٍ لَهُمَا : أَنَّهُ رَأَى قَوْمًا يَتَوَضَّئُونَ مِنْ الْمِطْهَرَةِ
فَقَالَ : أَسْبِغُوا الْوُضُوءَ فَإِنِّي سَمِعْت أَبَا الْقَاسِمِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { وَيْلٌ لِلْأَعْقَابِ مِنْ النَّارِ ، أَوْ
وَيْلٌ لِلْعَرَاقِيبِ مِنْ النَّارِ
} .
وَفِي رِوَايَةٍ مَوْقُوفَةٍ لِأَحْمَدَ وَمَرْفُوعَةٍ
لِلطَّبَرَانِيِّ فِي الْكَبِيرِ وَابْنِ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ : { وَيْلٌ
لِلْأَعْقَابِ وَبُطُونِ الْأَقْدَامِ مِنْ النَّارِ } .
وَفِي أُخْرَى لِلطَّبَرَانِيِّ فِي سَنَدِهَا ابْنُ لَهِيعَةَ
عَنْ { أَبِي الْهَيْثَمِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : رَآنِي رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَوَضَّأُ فَقَالَ بَطْنَ الْقَدَمِ يَا
أَبَا الْهَيْثَمِ } .
وَرَوَى مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَاللَّفْظُ لَهُ
وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَكَذَا الْبُخَارِيُّ بِنَحْوِهِ : أَنَّهُ {
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى قَوْمًا وَأَعْقَابُهُمْ تَلُوحُ فَقَالَ
: وَيْلٌ لِلْأَعْقَابِ مِنْ النَّارِ أَسْبِغُوا الْوُضُوءَ } .
وَرَوَى أَحْمَدُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ { أَنَّهُ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ فِي صَلَاتِهِ بِسُورَةِ
الرُّومِ فَلَبَسَ بَعْضُهَا فَقَالَ : إنَّمَا لَبَسَ
عَلَيْنَا الشَّيْطَانُ الْقِرَاءَةَ مِنْ أَجْلِ أَقْوَامٍ يَأْتُونَ الصَّلَاةَ
بِغَيْرِ وُضُوءٍ ، فَإِذَا أَتَيْتُمْ الصَّلَاةَ فَأَحْسِنُوا الْوُضُوءَ } .
وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ صَحِيحَةٍ أَيْضًا { فَتَرَدَّدَ
فِي آيَةٍ فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ : إنَّهُ لَبَّسَ عَلَيْنَا الْقِرَاءَةَ أَنَّ
أَقْوَامًا مِنْكُمْ يُصَلُّونَ مَعَنَا لَا يُحْسِنُونَ الْوُضُوءَ ، فَمَنْ
شَهِدَ الصَّلَاةَ مَعَنَا فَلْيُحْسِنْ الْوُضُوءَ } .
وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ أَنَّهُ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { لَا تَتِمُّ صَلَاةٌ لِأَحَدٍ حَتَّى
يُسْبِغَ الْوُضُوءَ كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ بِغَسْلِ وَجْهِهِ وَيَدَيْهِ إلَى
الْمَرْفِقَيْنِ وَيَمْسَحُ رَأْسَهُ وَرِجْلَيْهِ إلَى الْكَعْبَيْنِ } .
وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ وَالطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ لَا
بَأْسَ بِهِ : { خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فَقَالَ : حَبَّذَا الْمُتَخَلِّلُونَ مِنْ أُمَّتِي ، قَالُوا : وَمَا
الْمُتَخَلِّلُونَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : الْمُتَخَلِّلُونَ بِالْوُضُوءِ وَالْمُتَخَلَّلُونَ
مِنْ الطَّعَامِ } .
أَمَّا تَخْلِيلُ الْوُضُوءِ : فَالْمَضْمَضَةُ
وَالِاسْتِنْشَاقُ وَبَيْنَ الْأَصَابِعِ .
وَأَمَّا تَخْلِيلُ الطَّعَامِ : فَمِنْ الطَّعَامِ
أَنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ أَشَدَّ عَلَى الْمَلَكَيْنِ مِنْ أَنْ يَرَيَا بَيْنَ
أَسْنَانِ صَاحِبِهِمَا طَعَامًا وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي .
تَنْبِيهٌ : اُسْتُفِيدَ مِنْ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ
التَّوَعُّدُ الشَّدِيدُ عَلَى مَنْ تَرَكَ شَيْئًا مِنْ وَاجِبِ غَسْلِ
الْأَيْدِي وَالْأَرْجُلِ ، وَيُقَاسُ بِهِ بَقِيَّةُ وَاجِبَاتِ الْوُضُوءِ
فَيَدْخُلُ ذَلِكَ فِي حَدِّ الْكَبِيرَةِ السَّابِقِ بِأَنَّهُ مَا تَوَعَّدَ
عَلَيْهِ ، فَلِذَلِكَ عَدَدْتُ ذَلِكَ مِنْ الْكَبَائِرِ وَإِنْ لَمْ أَرَ مَنْ
سَبَقَنِي لِذَلِكَ ، لِأَنَّ أَحَدَهُمْ شَامِلٌ لَهُ عَلَى أَنَّ تَرْكَ ذَلِكَ
- أَعْنِي الْوَاجِبَ إجْمَاعًا أَوْ بِالنِّسْبَةِ لِاعْتِقَادِ التَّارِكِ -
يَسْتَلْزِمُ تَرْكَ الصَّلَاةِ ، فَيَكُونُ دَاخِلًا تَحْتَ قَوْلِهِمْ الْآتِي :
إنَّ تَرْكَهَا كَبِيرَةٌ .
بَابُ الْغُسْلِ ( الْكَبِيرَةُ الثَّالِثَةُ وَالسَّبْعُونَ
: تَرْكُ شَيْءٍ مِنْ وَاجِبَاتِ الْغُسْلِ ) أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ
وَأَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ وَابْنُ جَرِيرٍ عَنْ عَلِيٍّ كَرَّمَ
اللَّهُ وَجْهَهُ أَنَّهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ : { مَنْ تَرَكَ مَوْضِعَ شَعْرَةٍ مِنْ جَسَدِهِ فِي جَنَابَةٍ لَمْ
يَغْسِلْهَا فُعِلَ بِهَا كَذَا وَكَذَا فِي النَّارِ } قَالَ عَلِيٌّ : فَمِنْ
ثَمَّ عَادَيْت شَعْرَ رَأْسِي ، وَكَانَ يَجُزُّ شَعْرَهُ " .
وَابْنُ جَرِيرٍ مَرْفُوعًا وَمَوْقُوفًا : { تَحْتَ
كُلِّ شَعْرَةٍ جَنَابَةٌ } .
وَالْبَيْهَقِيُّ مُرْسَلًا وَابْنُ جَرِيرٍ مَوْصُولًا
: { تَحْتَ كُلِّ شَعْرَةٍ جَنَابَةٌ فَبِلُّوا الشَّعْرَ وَنَقُّوا الْبَشَرَ } .
وَأَحْمَدُ : { يَا عَائِشَةُ إنَّ عَلَى كُلِّ شَعْرَةٍ
جَنَابَةً } .
وَالطَّبَرَانِيُّ : { اتَّقُوا اللَّهَ وَأَحْسِنُوا
الْغُسْلَ فَإِنَّهَا مِنْ الْأَمَانَةِ الَّتِي حُمِّلْتُمْ وَالسَّرَائِرِ
الَّتِي اُسْتُوْدِعْتُمْ } .
تَنْبِيهٌ : مَا ذُكِرَ فِي أَوَّلِ هَذِهِ
الْأَحَادِيثِ وَعِيدٌ شَدِيدٌ كَمَا تَرَى ، وَبِهِ يَتَّضِحُ عَدُّ ذَلِكَ
كَبِيرَةً ، سِيَّمَا مَعَ مُلَاحَظَةِ مَا مَرَّ أَنَّ تَرْكَهُ يَسْتَلْزِمُ
تَرْكَ الصَّلَاةِ ، نَظِيرُ مَا مَرَّ فِي الْوُضُوءِ .
( الْكَبِيرَةُ الرَّابِعَةُ وَالسَّبْعُونَ : كَشْفُ
الْعَوْرَةِ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ وَمِنْهُ دُخُولُ الْحَمَّامِ بِغَيْرِ مِئْزَرٍ
سَاتِرٍ لَهَا ) أَخْرَجَ ابْنُ مَاجَهْ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ : { لَا يَتَنَاجَى اثْنَانِ عَلَى غَائِطِهِمَا يَنْظُرُ كُلُّ
وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَى عَوْرَةِ صَاحِبِهِ فَإِنَّ اللَّهَ - عَزَّ وَجَلَّ -
يَمْقُتُ عَلَى ذَلِكَ } .
وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُد وَابْنِ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ
: { لَا يَخْرُجْ الرَّجُلَانِ يَضْرِبَانِ الْغَائِطَ - أَيْ يَأْتِيَانِهِ -
كَاشِفَيْنِ عَنْ عَوْرَتِهِمَا يَتَحَدَّثَانِ فَإِنَّ اللَّهَ - عَزَّ وَجَلَّ -
يَمْقُتُ عَلَى ذَلِكَ } وَفِي سَنَدِهِمَا مَنْ رَوَى لَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ
لَكِنْ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ : إنَّهُ مَجْهُولٌ .
وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ لَيِّنٍ : { لَا يَخْرُجْ
اثْنَانِ إلَى الْغَائِطِ فَيَجْلِسَانِ يَتَحَدَّثَانِ كَاشِفَيْنِ عَنْ
عَوْرَتِهِمَا فَإِنَّ اللَّهَ - عَزَّ وَجَلَّ - يَمْقُتُ عَلَى ذَلِكَ } ، وَصَحَّحَ
ابْنَا السَّكَنِ وَالْقَطَّانُ خَبَرَ : { إذَا تَغَوَّطَ الرَّجُلَانِ
فَلْيَتَوَارَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنْ صَاحِبِهِ } .
وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ
الْأَرْبَعَةِ وَالْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ : { احْفَظْ عَوْرَتَك إلَّا مِنْ
زَوْجَتِك أَوْ مَا مَلَكَتْ يَمِينُك ، قِيلَ : إذَا كَانَ الْقَوْمُ بَعْضُهُمْ فِي
بَعْضٍ قَالَ : فَإِنْ اسْتَطَعْتَ أَنْ لَا يَرَيَنَّهَا أَحَدٌ فَلَا
يَرَيَنَّهَا ، قِيلَ : فَإِذَا كَانَ أَحَدُنَا خَالِيًا ، قَالَ : فَإِنَّ
اللَّهَ أَحَقُّ أَنْ يُسْتَحْيَا مِنْهُ مِنْ النَّاسِ } .
وَأَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ : { إنَّ اللَّهَ
- تَعَالَى - حَيِيٌّ سِتِّيرٌ يُحِبُّ الْحَيَاءَ وَالسَّتْرَ ، فَإِذَا
اغْتَسَلَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْتَتِرْ
} .
وَالْحَاكِمُ عَنْ جَبَّارِ بْنِ صَخْرٍ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ : { إنَّا نُهِينَا أَنْ تُرَى عَوْرَاتُنَا } .
وَالطَّبَرَانِيُّ عَنْ الْعَبَّاسِ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ : { نُهِيت أَنْ أَمْشِيَ عَارِيًّا } .
وَالتِّرْمِذِيُّ : { إيَّاكُمْ وَالتَّعَرِّي فَإِنَّ
مَعَكُمْ مَنْ لَا يُفَارِقُكُمْ إلَّا عِنْدَ الْغَائِطِ وَحِينَ يُفْضِي
الرَّجُلُ إلَى أَهْلِهِ
فَاسْتَحْيُوهُمْ وَأَكْرِمُوهُمْ } .
وَابْنُ عَسَاكِرَ : { إنَّ اللَّهَ - عَزَّ وَجَلَّ -
حَيِيٌّ عَلِيمٌ سِتِّيرٌ ، فَإِذَا اغْتَسَلَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْتَتِرْ وَلَوْ
بِجِرْمِ حَائِطٍ } .
وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ : { إنَّ اللَّهَ - عَزَّ وَجَلَّ
- حَيِيٌّ يُحِبُّ الْحَيَاءَ سِتِّيرٌ يُحِبُّ السَّتْرَ ، فَإِذَا اغْتَسَلَ
أَحَدُكُمْ فَلْيَتَوَارَ } .
وَالطَّبَرَانِيُّ : { يَا أَيُّهَا النَّاسُ إنَّ
رَبَّكُمْ حَيِيٌّ كَرِيمٌ ، فَإِذَا اغْتَسَلَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْتَتِرْ } .
وَالدَّيْلَمِيُّ : { لَا تَدْخُلُنَّ الْمَاءَ إلَّا
بِمِئْزَرٍ فَإِنَّ لِلْمَاءِ عَيْنَيْنِ } .
وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ
بَلَغَنِي { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ فَإِذَا
هُوَ بِأَجِيرٍ لَهُ يَغْتَسِلُ عَارِيًّا فَقَالَ : لَا أَرَاك تَسْتَحِي مِنْ رَبِّكَ
، خُذْ إجَارَتَك لَا حَاجَةَ لَنَا بِك } .
وَأَخْرَجَ النَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ
وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ : { مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ
الْآخِرِ فَلَا يَدْخُلْ الْحَمَّامَ إلَّا بِمِئْزَرٍ ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ
بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يُدْخِلْ حَلِيلَتَهُ الْحَمَّامَ } .
وَابْنُ مَاجَهْ وَأَبُو دَاوُد : { سَتُفْتَحُ
عَلَيْكُمْ أَرْضُ الْعَجَمِ وَسَتَجِدُونَ فِيهَا بُيُوتًا يُقَالُ لَهَا
الْحَمَّامَاتُ فَلَا يَدْخُلَنَّهَا الرِّجَالُ إلَّا بِالْإِزَارِ وَامْنَعُوهَا
النِّسَاءَ إلَّا مَرِيضَةً أَوْ نُفَسَاءَ } .
وَفِي رِوَايَةٍ إسْنَادُهَا لَيْسَ بِذَلِكَ الْقَائِمِ
كَمَا قَالَهُ التِّرْمِذِيُّ : { نَهَى الرِّجَالَ وَالنِّسَاءَ عَنْ دُخُولِ
الْحَمَّامَاتِ ثُمَّ رَخَّصَ لِلرِّجَالِ أَنْ يَدْخُلُوهَا فِي الْمِئْزَرِ
وَلَمْ يُرَخِّصْ لِلنِّسَاءِ }
.
وَفِي أُخْرَى صَحِيحَةٍ : { الْحَمَّامُ حَرَامٌ عَلَى نِسَاءِ
أُمَّتِي } وَفِي أُخْرَى صَحِيحَةٍ أَيْضًا : { مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ
وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيُكْرِمْ جَارَهُ ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ
وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ
بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ مِنْ نِسَائِكُمْ فَلَا تَدْخُلْ الْحَمَّامَ } .
وَصَحَّ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ
الْعَزِيزِ رَحِمَهُ اللَّهُ مَنَعَ لِأَجْلِ هَذِهِ
الرِّوَايَةِ النِّسَاءَ عَنْ الْحَمَّامِ .
وَفِي أُخْرَى صَحِيحَةٍ أَيْضًا : { احْذَرُوا بَيْتًا
يُقَالُ لَهُ الْحَمَّامُ ، فَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّهُ يُذْهِبُ
الدَّرَنَ - أَيْ الْوَسَخَ - وَيَنْفَعُ الْمَرِيضَ ، قَالَ فَمَنْ دَخَلَهُ فَلْيَسْتَتِرْ } .
زَادَ الطَّبَرَانِيُّ فِي أَوَّلِهَا : { شَرُّ الْبُيُوتِ
الْحَمَّامُ ، تُرْفَعُ فِيهِ الْأَصْوَاتُ ، وَتُكْشَفُ فِيهِ الْعَوْرَاتُ } .
وَفِي أُخْرَى صَحِيحَةٍ أَيْضًا : " إنَّ نِسَاءً مِنْ
حِمْصَ أَوْ الشَّامِ دَخَلْنَ عَلَى عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا
فَقَالَتْ : أَنْتُنَّ اللَّاتِي يَدْخُلْنَ نِسَاؤُكُنَّ الْحَمَّامَاتِ ؟
سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : { مَا مِنْ
امْرَأَةٍ تَضَعُ ثِيَابَهَا فِي غَيْرِ بَيْتِ زَوْجِهَا إلَّا هَتَكَتْ
السِّتْرَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ رَبِّهَا
} .
وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّهُ وَقَعَ نَظِيرُ ذَلِكَ لِأُمِّ
سَلَمَةَ وَأَنَّهَا قَالَتْ لَهُنَّ - لَمَّا قُلْنَ لَهَا : وَبِالْحَمَّامَاتِ
بَأْسٌ ؟ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : { أَيُّمَا
امْرَأَةٍ نَزَعَتْ ثِيَابَهَا فِي غَيْرِ بَيْتِهَا خَرَقَ اللَّهُ عَنْهَا
سِتْرَهُ } .
وَفِي رِوَايَةٍ لِأَحْمَدَ وَالْبَزَّارِ وَالطَّبَرَانِيِّ
: { مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَدْخُلْ
الْحَمَّامَ إلَّا بِمِئْزَرٍ ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ
الْآخِرِ فَلَا يُدْخِلْ حَلِيلَتَهُ
- أَيْ مَوْطُوءَتَهُ مِنْ زَوْجَةٍ أَوْ أَمَةٍ -
الْحَمَّامَ } .
وَفِي أُخْرَى فِي سَنَدِهَا ابْنُ لَهِيعَةَ : { أَنَّ
عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا سَأَلَتْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
عَنْ الْحَمَّامِ فَقَالَ : إنَّهُ سَيَكُونُ بَعْدِي حَمَّامَاتٌ وَلَا خَيْرَ
فِي الْحَمَّامَاتِ لِلنِّسَاءِ ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّهَا تَدْخُلُهُ
بِإِزَارٍ ، فَقَالَ لَا ؛ وَإِنْ دَخَلَتْهُ بِإِزَارٍ وَدِرْعٍ وَخِمَارٍ ،
وَمَا مِنْ امْرَأَةٍ تَنْزِعُ خِمَارَهَا فِي غَيْرِ بَيْتِ زَوْجِهَا إلَّا
كَشَفَتْ السِّتْرَ فِيمَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ رَبِّهَا } .
وَفِي رِوَايَةٍ لِلطَّبَرَانِيِّ
: { إنَّكُمْ سَتَفْتَحُونَ أُفُقًا ، أَيْ نَاحِيَةً ،
فِيهَا بُيُوتٌ يُقَالُ لَهَا الْحَمَّامَاتُ حَرَامٌ عَلَى أُمَّتِي دُخُولُهَا ،
فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّهَا تُذْهِبُ الْوَصَبَ ، - أَيْ الْمَرَضَ - ،
وَتُنَقِّي الدَّرَنَ قَالَ فَإِنَّهَا حَلَالٌ لِذُكُورِ أُمَّتِي فِي الْأُزُرِ حَرَامٌ
عَلَى إنَاثِ أُمَّتِي } .
وَفِي أُخْرَى لَهُ أَيْضًا : { مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ
بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَدْخُلْ الْحَمَّامَ ، مَنْ كَانَ
يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يُدْخِلْ حَلِيلَتَهُ الْحَمَّامَ
، مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَشْرَبْ الْخَمْرَ
، مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَجْلِسْ عَلَى
مَائِدَةٍ يُشْرَبُ عَلَيْهَا الْخَمْرُ .
مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ
فَلَا يَخْلُوَنَّ بِامْرَأَةٍ أَجْنَبِيَّةٍ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا مَحْرَمِيَّةٌ } .
وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ : { إنَّ الْحَمَّامَ بَيْتٌ لَا
يَسْتُرُ وَمَاءٌ لَا يُطَهِّرُ ، لَا يَحِلُّ لِرَجُلٍ أَنْ يَدْخُلَهُ إلَّا
بِمِنْدِيلٍ ، مُرْ الْمُسْلِمِينَ لَا يَفْتِنُونَ نِسَاءَهُمْ : { الرِّجَالُ
قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ }
عَلِّمُوهُنَّ ، وَمُرُوهُنَّ بِالتَّسْبِيحِ } .
وَأَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ : { بِئْسَ
الْبَيْتُ الْحَمَّامُ تُرْفَعُ فِيهِ الْأَصْوَاتُ وَتُكْشَفُ فِيهِ الْعَوْرَاتُ } .
وَابْنُ عَسَاكِرَ : { أَنْشُدُ اللَّهَ رِجَالَ أُمَّتِي
لَا يَدْخُلُونَ الْحَمَّامَ إلَّا بِمِئْزَرٍ وَأَنْشُدُ اللَّهَ نِسَاءَ
أُمَّتِي لَا يَدْخُلْنَ الْحَمَّامَ
} .
وَالطَّبَرَانِيُّ : { شَرُّ الْبَيْتِ الْحَمَّامُ ؛ تَعْلُو
فِيهِ الْأَصْوَاتُ ، وَتُكْشَفُ فِيهِ الْعَوْرَاتُ فَمَنْ دَخَلَهُ فَلَا
يَدْخُلْهُ إلَّا مُسْتَتِرًا }
.
وَالشِّيرَازِيُّ : { مَنْ دَخَلَ الْحَمَّامَ بِغَيْرِ
مِئْزَرٍ لَعَنَهُ اللَّهُ وَالْمَلَائِكَةُ } .
وَالْحَكِيمُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ السُّنِّيِّ
وَابْنُ عَسَاكِرَ : { نِعْمَ الْبَيْتُ يَدْخُلُهُ الرَّجُلُ الْمُسْلِمُ بَيْتُ
الْحَمَّامِ ، وَذَلِكَ أَنَّهُ إذَا دَخَلَ سَأَلَ اللَّهَ الْجَنَّةَ
وَاسْتَعَاذَ مِنْ النَّارِ .
وَبِئْسَ الْبَيْتُ يَدْخُلُهُ الرَّجُلُ الْمُسْلِمُ
بَيْتُ الْعَرُوسِ ، وَذَلِكَ أَنَّهُ يُرَغِّبُهُ فِي
الدُّنْيَا وَيُنْسِيهِ الْآخِرَةَ
} .
وَالْعُقَيْلِيُّ وَالطَّبَرَانِيُّ وَابْنُ عَدِيٍّ
وَالْبَيْهَقِيُّ : { أَوَّلُ مَنْ دَخَلَ الْحَمَّامَاتِ وَوُضِعَتْ لَهُ
النُّورَةُ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُد .
فَلَمَّا دَخَلَهُ وَوَجَدَ حَرَّهُ وَغَمَّهُ قَالَ :
أُوهِ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ أُوهِ قَبْلَ أَنْ لَا يَكُونَ أُوهِ } .
وَابْنُ عَسَاكِرَ : { إذَا كَانَ آخِرُ الزَّمَانِ
حَرُمَ فِيهِ دُخُولُ الْحَمَّامِ عَلَى ذُكُورِ أُمَّتِي بِمَآزِرِهَا قَالُوا :
يَا رَسُولَ اللَّهِ لِمَ ذَاكَ ؟ قَالَ لِأَنَّهُمْ يَدْخُلُونَ عَلَى قَوْمٍ
عُرَاةٍ ، أَلَا وَقَدْ لَعَنَ اللَّهُ النَّاظِرَ وَالْمَنْظُورَ إلَيْهِ } .
وَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ : { مَا بَيْنَ السُّرَّةِ
وَالرُّكْبَةِ عَوْرَةٌ } .
وَسَمَّوَيْةِ .
{ عَوْرَةُ الْمُؤْمِنِ مَا بَيْنَ سُرَّتِهِ إلَى
رُكْبَتِهِ } .
وَالدَّارَقُطْنِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ : { مَا فَوْقَ
الرُّكْبَتَيْنِ مِنْ الْعَوْرَةِ وَمَا أَسْفَلَ السُّرَّةِ مِنْ الْعَوْرَةِ } .
وَالطَّبَرَانِيُّ : { فَخِذُ الْمَرْءِ الْمُسْلِمِ
مِنْ عَوْرَتِهِ } .
وَالْحَاكِمُ : { غَطِّ فَخِذَك فَإِنَّ الْفَخِذَ
عَوْرَةٌ } .
وَالتِّرْمِذِيُّ : { الْفَخِذُ عَوْرَةٌ } ، وَأَحْمَدُ
وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ { يَا جَرْهَدُ
غَطِّ فَخِذَك فَإِنَّ الْفَخِذَ عَوْرَةٌ } .
وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ وَالْحَاكِمُ : { لَا
تُبْرِزْ فَخِذَك وَلَا تَنْظُرْ إلَى فَخِذِ حَيٍّ وَلَا مَيِّتٍ } .
وَالْحَاكِمُ : { عَوْرَةُ الرَّجُلِ عَلَى الرَّجُلِ
كَعَوْرَةِ الْمَرْأَةِ عَلَى الرَّجُلِ ، وَعَوْرَةُ الْمَرْأَةِ عَلَى
الْمَرْأَةِ كَعَوْرَةِ الْمَرْأَةِ عَلَى الرَّجُلِ } .
تَنْبِيهٌ : مُقْتَضَى مَا مَرَّ مِنْ أَحَادِيثَ {
فَإِنَّ اللَّهَ يَمْقُتُ عَلَى ذَلِكَ } أَيْ كَشْفِ الْعَوْرَةِ ، إذْ الْكَلَامُ
مُبَاحٌ فَلَا يَتَرَتَّبُ الْمَقْتُ عَلَيْهِ .
وَمَا مَرَّ فِي أَحَادِيثِ دُخُولِ الْحَمَّامِ
يَشْهَدُ لِمَا ذَكَرْته مِنْ أَنَّ كَشْفَ الْعَوْرَةِ الصُّغْرَى أَوْ
الْكُبْرَى بِحَضْرَةِ غَيْرِ زَوْجَتِهِ أَوْ أَمَتِهِ الَّتِي تَحِلُّ لَهُ كَبِيرَةٌ .
وَبِهِ صَرَّحَ مِنْ أَصْحَابِنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ
مُحَمَّدٍ
الْعُتْبِيُّ حَيْثُ قَالَ : كَشْفُهَا فِسْقٌ بَيْنَ
النَّاسِ ، الْمُغَلَّظَةُ - أَيْ وَهِيَ السَّوْأَتَانِ - وَالْمُخَفَّفَةُ فِي
الْحَمَّامِ وَغَيْرِهَا ، وَكَلَامُ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
يَقْتَضِيهِ ، فَفِي طَبَقَاتِ الْعَبَّادِيِّ أَنَّ الْمُزَنِيّ رَوَى عَنْ
الشَّافِعِيِّ : أَنَّهُ قَالَ فِي رَجُلٍ فِي الْحَمَّامِ يُرَى مَكْشُوفًا :
إنَّهُ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ ، فَإِنَّ السَّتْرَ فَرْضٌ انْتَهَى .
وَكَذَا حَكَاهُ التَّوْحِيدِيُّ فِي الْبَصَائِرِ عَنْ
رِوَايَةِ الْمُزَنِيّ وَقَالَ بَدَلَ مَكْشُوفًا السَّابِقِ مَكْشُوفَ
الْعَوْرَةِ ، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ يُفَسَّقُ بِالْمَرَّةِ الْوَاحِدَةِ مِنْ
ذَلِكَ وَهَذَا شَأْنُ الْكَبِيرَةِ ، وَيُوَافِقُ ذَلِكَ مَا فِي أَدَبِ الْقَضَاءِ
لِلْحَسَنِ بْنِ أَحْمَدَ الْحَدَّادِ الْبَصْرِيِّ أَدْرَكَ أَصْحَابُ ابْنِ
شُرَيْحٍ أَنَّ زَكَرِيَّا السَّاجِيَّ قَالَ : لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ مَنْ دَخَلَ
الْحَمَّامَ بِغَيْرِ مِئْزَرٍ أَوْ وَقَعَ فِي نَهْرٍ بِغَيْرِ مِئْزَرٍ ،
وَنَقَلَهُ أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَيْفٍ
السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ الْمُزَنِيّ عَنْ الشَّافِعِيِّ نَصًّا .
ثُمَّ قَالَ الْحَدَّادُ إنَّ زَكَرِيَّا قَالَ يُشْبِهُ
أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَحْضُرْهُ مَنْ يَرَى عَوْرَتَهُ لِأَنَّهُ
لَيْسَ مِنْ الْمُرُوءَةِ ، وَصَوَّبَهُ الْحَدَّادُ وَقَالَ هُوَ مُسْقِطٌ
لِلْمُرُوءَةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعْصِيَةً انْتَهَى .
وَصَرَّحَ ابْنُ سُرَاقَةَ فِي أَدَبِ الشَّاهِدِ
بِأَنَّهُ مُسْقِطٌ لِلشَّهَادَةِ غَيْرَ أَنَّهُ قَيَّدَ ذَلِكَ بِمَا إذَا كَشَفَهَا
مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ وَلَا بُدَّ مِنْهُ ، وَفِي فَتَاوَى الشَّاشِيِّ كَشْفُ
الْعَوْرَةِ فِي الْحَمَّامِ يَقْدَحُ فِي الْعَدَالَةِ .
وَقَالَ ابْنُ بَرْهَانٍ : كَشْفُهَا بِحَضْرَةِ
النَّاسِ يَقْدَحُ فِي الْعَدَالَةِ بِخِلَافِهِ فِي الْخَلْوَةِ .
لَكِنْ أَقَرَّ الشَّيْخَانِ فِي الرَّوْضَةِ
وَأَصْلِهَا صَاحِبَ الْعُدَّةِ عَلَى إطْلَاقِهِ أَنَّ كَشْفَهَا صَغِيرَةٌ ،
وَيُوَافِقُهُ إفْتَاءُ الْحَنَّاطِيِّ بِأَنَّ مَنْ دَخَلَ الْحَمَّامَ بِغَيْرِ
إزَارٍ يَصِيرُ فَاسِقًا إذَا تَعَوَّدَ ذَلِكَ انْتَهَى .
فَتَقْيِيدُهُ الْفِسْقَ بِالتَّكَرُّرِ صَرِيحٌ
فِي أَنَّهُ صَغِيرَةٌ ، وَحَمَلَ بَعْضُهُمْ الْقَوْلَ
بِأَنَّ ذَلِكَ صَغِيرَةً عَلَى مَا إذَا كَشَفَهَا فِي الْخَلْوَةِ وَإِنْ أَمِنَ
حُضُورَ مَنْ يَرَاهُ لِوُجُوبِ السَّتْرِ فِيهَا أَيْضًا .
وَالْحَاصِلُ ؛ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ فِي الْمَذْهَبِ
أَنَّهُ صَغِيرَةٌ مُطْلَقًا ، لَكِنَّهُ بِحَضْرَةِ النَّاسِ يُوجِبُ خَرْمَ
الْمُرُوءَةِ ، وَقِلَّةَ الْمُبَالَاةِ ، فَتُبْطَلُ بِهِ الشَّهَادَةُ وَيَكُونُ
كَالْفِسْقِ فِي مَنْعِهِ لَهَا ؛ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ مَا مَرَّ عَنْ أَدَبِ
الْقَضَاءِ لِلْحَدَّادِ ، وَمَا بَعْدَهُ ، وَأَنَّ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُهُمْ
فِي حَدِّ الْكَبِيرَةِ وَصَرَّحَ بِهِ مَنْ مَرَّ مِنْ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ
بِحَضْرَةِ النَّاسِ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ كَبِيرَةٌ .
تَنْبِيهٌ آخَرُ : قَضِيَّةُ الْحَدِيثِ الْأَخِيرِ الَّذِي
فِيهِ لَعْنُ النَّاظِرِ وَالْمَنْظُورِ أَنَّ النَّظَرَ إلَى الْعَوْرَةِ
كَبِيرَةٌ وَأَنَّ كَشْفَهَا كَبِيرَةٌ لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّ اللَّعْنَ مِنْ
عَلَامَاتِ الْكَبِيرَةِ ؛ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ تَعَمُّدَ نَظَرِ أَجْنَبِيَّةٍ
أَوْ أَمْرَدَ بِغَيْرِ حَاجَةٍ فِسْقٌ وَسَيَأْتِي مَا فِيهِ .
بَابُ الْحَيْضِ ( الْكَبِيرَةُ الْخَامِسَةُ
وَالسَّبْعُونَ : وَطْءُ الْحَائِضِ )
أَخْرَجَ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { مَنْ أَتَى حَائِضًا فِي فَرْجِهَا أَوْ امْرَأَةً
فِي دُبُرِهَا ، أَوْ كَاهِنًا فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ } .
قَالَ التِّرْمِذِيُّ : ضَعَّفَ مُحَمَّدٌ يَعْنِي الْبُخَارِيَّ
هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ قِبَلِ إسْنَادِهِ ، وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ مِنْ طُرُقٍ
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مِنْ قَوْلِهِ
.
تَنْبِيهٌ :
مَا ذُكِرَ مِنْ أَنَّ ذَلِكَ كَبِيرَةٌ نَقَلَهُ فِي
زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ عَنْ الْمَحَامِلِيِّ ، وَفِي الْمَجْمُوعِ عَنْ
الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، وَكَذَا نَقَلَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذِّبِ
عَنْ الْمَحَامِلِيِّ أَيْضًا قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ الْجَلَالُ الْبُلْقِينِيُّ
: وَالظَّاهِرُ أَنَّ الشَّيْخَ مُحْيِيَ الدِّينِ لَمْ يَرْوِهِ عَنْ غَيْرِهِ
فَنَقَلَهُ نَقْلَ مُسْتَغْرِبٍ لَهُ ، وَقَدْ جَاءَ فِيهِ حَدِيثٌ ، وَذَكَرَ مَا
مَرَّ ثُمَّ قَالَ : فَهَذَا الْحَدِيثُ لَا حُجَّةَ فِيهِ لِضَعْفِ إسْنَادِهِ
كَمَا قَالَ الْبُخَارِيُّ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ تُثْبَتَ الْكَبِيرَةُ بِذَلِكَ
مَعَ احْتِمَالِ تَأْوِيلِهِ بِأَنْ يَكُونَ مُسْتَحِلًّا فَإِنَّهُ مُحَرَّمٌ بِالْإِجْمَاعِ
- أَيْ الْمَعْلُومِ مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ - فَيُكَفَّرُ مُسْتَحِلُّهُ .
وَقَالَ الشَّيْخُ صَلَاحُ الدِّينِ الْعَلَائِيُّ :
إنَّ الْوَطْءَ فِي الْحَيْضِ جَاءَ فِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ لَعْنُ فَاعِلِهِ
وَلَمْ أَقِفْ إلَى الْآنَ عَلَى ذَلِكَ .
انْتَهَى
.
، لَكِنْ
جَرَى جَمَاعَةٌ عَلَى مَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ كَبِيرَةٌ لِكَوْنِ النَّوَوِيِّ
نَقَلَهُ فِي الرَّوْضَةِ وَالْمَجْمُوعِ عَنْ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ .
كِتَابُ الصَّلَاةِ ( الْكَبِيرَةُ السَّادِسَةُ
وَالسَّبْعُونَ : تَعَمُّدُ تَرْكِ الصَّلَاةِ ) قَالَ - تَعَالَى - مُخْبِرًا عَنْ أَصْحَابِ
الْجَحِيمِ : { مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ قَالُوا لَمْ نَكُ مِنْ الْمُصَلِّينَ
وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ } .
وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ : { بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ
الْكُفْرِ تَرْكُ الصَّلَاةِ }
.
وَمُسْلِمٌ : { بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ الشِّرْكِ
أَوْ الْكُفْرِ تَرْكُ الصَّلَاةِ
} .
وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ : { لَيْسَ بَيْنَ
الْعَبْدِ وَبَيْنَ الْكُفْرِ إلَّا تَرْكُ الصَّلَاةِ } .
وَالتِّرْمِذِيُّ : { بَيْنَ الْكُفْرِ وَالْإِيمَانِ
تَرْكُ الصَّلَاةِ } .
وَابْنُ مَاجَهْ : { بَيْنَ الْعَبْدِ وَبَيْنَ
الْكُفْرِ تَرْكُ الصَّلَاةِ }
.
وَصَحَّ كَمَا قَالَهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ .
قَالَ الْحَاكِمُ : وَلَا يُعْرَفُ لَهُ عِلَّةٌ : {
الْعَهْدُ الَّذِي بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ الصَّلَاةُ فَمَنْ تَرَكَهَا فَقَدْ
كَفَرَ } .
وَالطَّبَرَانِيُّ بِإِسْنَادٍ لَا بَأْسَ بِهِ : { مَنْ
تَرَكَ الصَّلَاةَ مُتَعَمِّدًا فَقَدْ كَفَرَ جِهَارًا } .
وَفِي رِوَايَةٍ : { بَيْنَ الْعَبْدِ وَالْكُفْرِ أَوْ
الشِّرْكِ تَرْكُ الصَّلَاةِ ، فَإِذَا تَرَكَ الصَّلَاةَ فَقَدْ كَفَرَ } .
وَفِي أُخْرَى : { لَيْسَ بَيْنَ الْعَبْدِ وَالشِّرْكِ
إلَّا تَرْكُ الصَّلَاةِ ، فَإِذَا تَرَكَهَا فَقَدْ أَشْرَكَ } .
وَفِي أُخْرَى - سَنَدُهَا حَسَنٌ - : { عُرَى
الْإِسْلَامِ وَقَوَاعِدُ الدِّينِ ثَلَاثٌ عَلَيْهِنَّ أُسُّ الْإِسْلَامِ ، مَنْ
تَرَكَ وَاحِدَةً مِنْهُنَّ فَهُوَ بِهَا كَافِرٌ حَلَالُ الدَّمِ : شَهَادَةُ
أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ ، وَالصَّلَاةُ الْمَكْتُوبَةُ ، وَصَوْمُ رَمَضَانَ } .
وَفِي أُخْرَى - سَنَدُهَا حَسَنٌ أَيْضًا : { مَنْ
تَرَكَ مِنْهُنَّ وَاحِدَةً فَهُوَ بِاَللَّهِ كَافِرٌ ، وَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ
صَرْفٌ وَلَا عَدْلٌ وَقَدْ حَلَّ دَمُهُ وَمَالُهُ } .
وَالطَّبَرَانِيُّ وَغَيْرُهُ بِإِسْنَادَيْنِ لَا
بَأْسَ بِهِمَا عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : {
أَوْصَانِي خَلِيلِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَبْعِ خِلَالٍ قَالَ :
لَا تُشْرِكُوا بِاَللَّهِ شَيْئًا وَإِنْ قُطِّعْتُمْ أَوْ
حُرِّقْتُمْ أَوْ صُلِّبْتُمْ ، وَلَا تَتْرُكُوا
الصَّلَاةَ تَعَمُّدًا فَمَنْ تَرَكَهَا مُتَعَمِّدًا فَقَدْ خَرَجَ مِنْ
الْمِلَّةِ ، وَلَا تَرْكَبُوا الْمَعْصِيَةَ فَإِنَّهَا سَخَطُ اللَّهِ ، وَلَا
تَشْرَبُوا الْخَمْرَ فَإِنَّهَا رَأْسُ الْخَطَايَا كُلِّهَا } الْحَدِيثَ .
وَالتِّرْمِذِيُّ : " كَانَ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَرَوْنَ شَيْئًا مِنْ الْأَعْمَالِ
تَرْكُهُ كُفْرٌ غَيْرَ الصَّلَاةِ
" .
وَصَحَّ خَبَرُ : { بَيْنَ الْعَبْدِ وَبَيْنَ الْكُفْرِ
وَالْإِيمَانِ الصَّلَاةُ ، فَإِذَا تَرَكَهَا فَقَدْ أَشْرَكَ } .
وَالْبَزَّارُ : { لَا سَهْمَ فِي الْإِسْلَامِ لِمَنْ
لَا صَلَاةَ لَهُ .
وَلَا صَلَاةَ لِمَنْ لَا وُضُوءَ لَهُ } .
وَالطَّبَرَانِيُّ : { لَا إيمَانَ لِمَنْ لَا أَمَانَةَ
لَهُ وَلَا صَلَاةَ لِمَنْ لَا طَهُورَ لَهُ وَلَا دِينَ لِمَنْ لَا صَلَاةَ لَهُ .
إنَّمَا مَوْضِعُ الصَّلَاةِ مِنْ الدِّينِ كَمَوْضِعِ
الرَّأْسِ مِنْ الْجَسَدِ } .
وَابْنُ مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَبِي
الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : { أَوْصَانِي خَلِيلِي صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِاَللَّهِ شَيْئًا وَإِنْ قُطِّعْتَ وَإِنْ
أُحْرِقْتَ ، وَلَا تَتْرُكْ صَلَاةً مَكْتُوبَةً مُتَعَمِّدًا فَمَنْ تَرَكَهَا
مُتَعَمِّدًا فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُ الذِّمَّةُ ، وَلَا تَشْرَبْ الْخَمْرَ
فَإِنَّهَا مِفْتَاحُ كُلِّ شَرٍّ
} .
وَالْبَزَّارُ وَغَيْرُهُ بِسَنَدٍ حَسَنٍ عَنْ { ابْنِ
عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : لَمَّا قَامَ بَصَرِي - أَيْ ذَهَبَ -
مَعَ بَقَاءِ صِحَّةِ الْحَدَقَةِ قِيلَ نُدَاوِيك وَتَدَعُ الصَّلَاةَ أَيَّامًا
؟ قَالَ : لَا ، إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
مَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ لَقِيَ اللَّهَ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ } .
وَالطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ لَا بَأْسَ بِهِ فِي
الْمُتَابَعَاتِ : { أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
رَجُلٌ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ عَلِّمْنِي عَمَلًا إذَا أَنَا عَمِلْتُهُ
دَخَلْتُ الْجَنَّةَ ، قَالَ : لَا تُشْرِكْ بِاَللَّهِ شَيْئًا وَإِنْ عُذِّبْتَ
وَحُرِّقْتَ ، وَأَطِعْ وَالِدَيْك وَإِنْ أَخْرَجَاك مِنْ مَالِكِ وَمِنْ كُلِّ
شَيْءٍ
هُوَ لَك ، وَلَا تَتْرُكْ الصَّلَاةَ مُتَعَمِّدًا
فَإِنَّ مَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ مُتَعَمِّدًا فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُ ذِمَّةُ
اللَّهِ } الْحَدِيثَ .
وَفِي رِوَايَةٍ سَنَدُهَا صَحِيحٌ لَكِنْ فِيهِ
انْقِطَاعٌ : { لَا تُشْرِكْ بِاَللَّهِ شَيْئًا وَإِنْ قُتِلْتَ وَحُرِّقْتَ ،
وَلَا تَعُقَّنَّ وَالِدَيْك وَإِنْ أَمَرَاك أَنْ تَخْرُجَ مِنْ أَهْلِك
وَمَالِكِ ، وَلَا تَتْرُكَنَّ صَلَاةً مَكْتُوبَةً مُتَعَمِّدًا فَإِنَّ مَنْ
تَرَكَ صَلَاةً مَكْتُوبَةً مُتَعَمِّدًا فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُ ذِمَّةُ اللَّهِ
، وَلَا تَشْرَبَنَّ خَمْرًا فَإِنَّهُ - أَيْ شُرْبَهَا - رَأْسُ كُلِّ فَاحِشَةٍ
، وَإِيَّاكَ وَالْمَعْصِيَةَ فَإِنَّ بِالْمَعْصِيَةِ حَلَّ سَخَطُ اللَّهِ ،
وَإِيَّاكَ وَالْفِرَارَ مِنْ الزَّحْفِ وَإِنْ هَلَكَ النَّاسُ وَإِنْ أَصَابَ
النَّاسَ مَوْتٌ فَاثْبُتْ ، وَأَنْفِقْ عَلَى أَهْلِك مِنْ طَوْلِك وَلَا
تَرْفَعْ عَصَاك عَنْهُمْ أَدَبًا وَأَخِفْهُمْ فِي اللَّهِ } .
وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ : { بَكِّرُوا
بِالصَّلَاةِ فِي يَوْمِ الْغَيْمِ فَإِنَّهُ مَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ فَقَدْ
كَفَرَ } .
وَالطَّبَرَانِيُّ عَنْ { أُمَيْمَةَ مَوْلَاةِ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ : كُنْت أَصُبُّ عَلَى رَأْسِ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَضُوءَهُ فَدَخَلَ رَجُلٌ
فَقَالَ أَوْصِنِي ؟ فَقَالَ : لَا تُشْرِكْ بِاَللَّهِ شَيْئًا وَإِنْ قُطِّعْت
وَحُرِّقْت بِالنَّارِ ، وَلَا تَعْصِ وَالِدَيْك وَإِنْ أَمَرَاك أَنْ تُخَلِّيَ
مِنْ أَهْلِك وَدُنْيَاك فَتَخَلَّهُ ، وَلَا تَشْرَبَنَّ خَمْرًا فَإِنَّهَا مِفْتَاحُ
كُلِّ شَرٍّ ، وَلَا تَتْرُكَنَّ صَلَاةً مُتَعَمِّدًا فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ
فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُ ذِمَّةُ اللَّهِ ، وَذِمَّةُ رَسُولِهِ } الْحَدِيثَ .
وَأَبُو نُعَيْمٍ : { مَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ
مُتَعَمِّدًا كَتَبَ اللَّهُ اسْمَهُ عَلَى بَابِ النَّارِ مِمَّنْ يَدْخُلُهَا } .
وَالطَّبَرَانِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ : { مَنْ تَرَكَ
الصَّلَاةَ فَإِنَّمَا وُتِرَ أَهْلَهُ وَمَالَهُ } .
وَالْحَاكِمُ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { وَاَللَّهِ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ لَتُقِيمُنَّ الصَّلَاةَ
وَلَتُؤْتُنَّ الزَّكَاةَ أَوْ
لَأَبْعَثَنَّ عَلَيْكُمْ رَجُلًا فَيَضْرِبُ أَعْنَاقَكُمْ
عَلَى الدِّينِ } الْحَدِيثَ وَالْبَزَّارُ : { لَا سَهْمَ فِي الْإِسْلَامِ
لِمَنْ لَا صَلَاةَ لَهُ ، وَلَا صَلَاةَ لِمَنْ لَا وُضُوءَ لَهُ } .
وَأَحْمَدُ مُرْسَلًا : { أَرْبَعٌ فَرَضَهُنَّ اللَّهُ
فِي الْإِسْلَامِ فَمَنْ أَتَى بِثَلَاثٍ لَمْ يُغْنِينَ عَنْهُ شَيْئًا حَتَّى
يَأْتِيَ بِهِنَّ جَمِيعًا : الصَّلَاةُ وَالزَّكَاةُ وَصِيَامُ رَمَضَانَ وَحَجُّ
الْبَيْتِ } .
وَالْأَصْبَهَانِيّ : { مَنْ تَرَكَ صَلَاةً مُتَعَمِّدًا
أَحْبَطَ اللَّهُ عَمَلَهُ وَبَرِئَتْ مِنْهُ ذِمَّةُ اللَّهِ حَتَّى يُرَاجِعَ
اللَّهَ - عَزَّ وَجَلَّ - تَوْبَةً
} .
وَالطَّبَرَانِيُّ : { مَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ فَقَدْ
كَفَرَ جِهَارًا } .
وَأَحْمَدُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ لَكِنْ فِيهِ انْقِطَاعٌ :
{ لَا تَتْرُكْ الصَّلَاةَ مُتَعَمِّدًا فَإِنَّهُ مَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ
مُتَعَمِّدًا فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُ ذِمَّةُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ } .
وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَالْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ
مَوْقُوفًا عَلَى عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : { مَنْ لَمْ يُصَلِّ
فَهُوَ كَافِرٌ } .
وَمُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ
مَوْقُوفًا عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ : { مَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ فَقَدْ كَفَرَ } .
وَابْنُ نَصْرٍ مَوْقُوفًا عَلَى ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ
: { مَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ فَلَا دِينَ لَهُ } .
وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ مَوْقُوفًا عَلَى جَابِرٍ : {
مَنْ لَمْ يُصَلِّ فَهُوَ كَافِرٌ
} .
وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَغَيْرُهُ مَوْقُوفًا عَلَى
أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ : { لَا إيمَانَ لِمَنْ لَا صَلَاةَ لَهُ وَلَا صَلَاةَ لِمَنْ لَا
وُضُوءَ لَهُ } .
وَقَالَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { مَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ فَقَدْ كَفَرَ } .
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ : سَمِعْت إِسْحَاقَ
يَقُولُ : " صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {
أَنَّ تَارِكَ الصَّلَاةِ كَافِرٌ
} .
وَكَذَلِكَ كَانَ رَأْيُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ لَدُنْ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ تَارِكَ الصَّلَاةِ عَمْدًا مِنْ غَيْرِ
عُذْرٍ حَتَّى يَذْهَبَ وَقْتُهَا كَافِرٌ .
وَقَالَ أَيُّوبُ : تَرْكُ الصَّلَاةِ
كُفْرٌ لَا يُخْتَلَفُ فِيهِ .
( الْكَبِيرَةُ السَّابِعَةُ وَالسَّبْعُونَ : تَعَمُّدُ
تَأْخِيرِ الصَّلَاةِ عَنْ وَقْتِهَا أَوْ تَقْدِيمِهَا عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ
عُذْرٍ كَسَفَرٍ أَوْ مَرَضٍ عَلَى الْقَوْلِ بِجَوَازِ الْجَمْعِ بِهِ ) قَالَ - تَعَالَى - : {
فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ
فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا إلَّا مَنْ تَابَ } قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ : لَيْسَ
مَعْنَى أَضَاعُوهَا : تَرَكُوهَا بِالْكُلِّيَّةِ ، وَلَكِنْ أَخَّرُوهَا عَنْ
أَوْقَاتِهَا .
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ إمَامُ التَّابِعِينَ
: هُوَ أَنْ لَا يُصَلِّيَ الظُّهْرَ حَتَّى تَأْتِيَ الْعَصْرُ وَلَا يُصَلِّيَ
الْعَصْرَ إلَى الْمَغْرِبِ وَلَا يُصَلِّيَ الْمَغْرِبَ إلَى الْعِشَاءِ وَلَا
يُصَلِّيَ الْعِشَاءَ إلَى الْفَجْرِ وَلَا يُصَلِّيَ الْفَجْرَ إلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ
، فَمَنْ مَاتَ وَهُوَ مُصِرٌّ عَلَى هَذِهِ الْحَالَةِ وَلَمْ يَتُبْ أَوْعَدَهُ
اللَّهُ بِغَيٍّ وَهُوَ وَادٍ فِي جَهَنَّمَ ، بَعِيدٌ قَعْرُهُ شَدِيدٌ عِقَابُهُ .
وَقَالَ - تَعَالَى - : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ
وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمْ الْخَاسِرُونَ } .
قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْمُفَسِّرِينَ الْمُرَادُ
بِذِكْرِ اللَّهِ هُنَا الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ فَمَنْ اشْتَغَلَ عَنْ الصَّلَاةِ
فِي وَقْتِهَا بِمَالِهِ كَبَيْعِهِ أَوْ صَنْعَتِهِ أَوْ وَلَدِهِ كَانَ مِنْ الْخَاسِرِينَ
، وَلِهَذَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { أَوَّلُ مَا يُحَاسَبُ بِهِ
الْعَبْدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ عَمَلِهِ صَلَاتُهُ فَإِنْ صَلَحَتْ فَقَدْ
أَفْلَحَ وَأَنْجَحَ وَإِنْ نَقَصَتْ فَقَدْ خَابَ وَخَسِرَ } .
وَقَالَ - تَعَالَى - : { فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ
الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ } قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ : { هُمْ الَّذِينَ يُؤَخِّرُونَ الصَّلَاةَ عَنْ وَقْتِهَا } .
وَقَالَ - تَعَالَى - : { إنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى
الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا
} .
وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ بِسَنَدٍ جَيِّدٍ وَالطَّبَرَانِيُّ
وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ : { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
ذَكَرَ الصَّلَاةَ يَوْمًا
فَقَالَ : مَنْ حَافَظَ عَلَيْهَا كَانَتْ لَهُ نُورًا
وَبُرْهَانًا وَنَجَاةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، وَمَنْ لَمْ يُحَافِظْ عَلَيْهَا
لَمْ يَكُنْ لَهُ نُورٌ وَلَا بُرْهَانٌ وَلَا نَجَاةٌ وَكَانَ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ مَعَ قَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَأُبَيِّ بْنِ خَلَفٍ } .
قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ : وَإِنَّمَا حُشِرَ مَعَ
هَؤُلَاءِ لِأَنَّهُ إنْ اشْتَغَلَ عَنْ الصَّلَاةِ بِمَالِهِ أَشْبَهَ قَارُونَ
فَيُحْشَرُ مَعَهُ ، أَوْ بِمُلْكِهِ أَشْبَهَ فِرْعَوْنَ فَيُحْشَرُ مَعَهُ ،
أَوْ بِوَزَارَتِهِ أَشْبَهَ هَامَانَ فَيُحْشَرُ مَعَهُ ، أَوْ بِتِجَارَتِهِ
أَشْبَهَ أُبَيَّ بْنِ خَلَفٍ تَاجِرَ كُفَّارِ مَكَّةَ فَيُحْشَرُ مَعَهُ .
وَالْبَزَّارُ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ عَنْ { سَعْدِ بْنِ
أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ : سَأَلْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ
{ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ } قَالَ
هُمْ الَّذِينَ يُؤَخِّرُونَ الصَّلَاةَ عَنْ وَقْتِهَا } .
وَأَبُو يَعْلَى بِسَنَدٍ حَسَنٍ عَنْ مُصْعَبِ بْنِ
سَعْدٍ قَالَ : قُلْت لِأَبِي يَا أَبَتَاهُ أَرَأَيْت قَوْله تَعَالَى : {
الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ } أَيُّنَا لَا يَسْهُو أَيُّنَا لَا
يُحَدِّثُ نَفْسَهُ ، قَالَ لَيْسَ ذَاكَ إنَّمَا هُوَ إضَاعَةُ الْوَقْتِ .
وَالْوَيْلُ : شِدَّةُ الْعَذَابِ ، وَقِيلَ وَادٍ فِي
جَهَنَّمَ لَوْ سُيِّرَ فِيهِ جِبَالُ الدُّنْيَا لَذَابَتْ مِنْ شِدَّةِ حَرِّهِ
، فَهُوَ مَسْكَنٌ لِمَنْ يَتَهَاوَنُ بِالصَّلَاةِ وَيُؤَخِّرُهَا عَنْ وَقْتِهَا
إلَّا أَنْ يَتُوبَ إلَى اللَّهِ - تَعَالَى - وَيَنْدَمَ عَلَى مَا فَرَّطَ .
وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ : { مَنْ فَاتَتْهُ
صَلَاةٌ فَكَأَنَّمَا وُتِرَ أَهْلَهُ وَمَالَهُ } .
وَالْحَاكِمُ بِسَنَدٍ فِيهِ مَنْ اُخْتُلِفَ فِي
تَوْثِيقِهِ ، وَالْأَكْثَرُ عَلَى عَدَمِهِ : { مَنْ جَمَعَ بَيْنَ صَلَاتَيْنِ
مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ فَقَدْ أَتَى بَابًا مِنْ أَبْوَابِ الْكَبَائِرِ } .
وَالشَّيْخَانِ وَالْأَرْبَعَةُ : { الَّذِي تَفُوتُهُ
صَلَاةُ الْعَصْرِ كَأَنَّمَا وُتِرَ أَهْلَهُ وَمَالَهُ } .
زَادَ ابْنُ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ قَالَ مَالِكٌ :
تَفْسِيرُهُ ذَهَابُ الْوَقْتِ
.
وَالنَّسَائِيُّ : { مِنْ الصَّلَاةِ
صَلَاةُ مَنْ فَاتَتْهُ فَكَأَنَّمَا وُتِرَ أَهْلَهُ
وَمَالَهُ } .
يَعْنِي الْعَصْرَ .
وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ : { إنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ
- يَعْنِي الْعَصْرَ - عُرِضَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ فَضَيَّعُوهَا ، فَمَنْ
حَافَظَ مِنْكُمْ الْيَوْمَ عَلَيْهَا كَانَ لَهُ أَجْرُهُ مَرَّتَيْنِ وَلَا صَلَاةَ
بَعْدَهَا حَتَّى يَطْلُعَ الشَّاهِدُ } أَيْ النَّجْمُ .
وَأَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَالنَّسَائِيُّ : { مَنْ
تَرَكَ صَلَاةَ الْعَصْرِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ } .
وَأَحْمَدُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ
: { مَنْ تَرَكَ صَلَاةَ الْعَصْرِ مُتَعَمِّدًا حَتَّى تَفُوتَهُ فَقَدْ حَبِطَ
عَمَلُهُ } .
وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ مُرْسَلًا : { مَنْ تَرَكَ
الْعَصْرَ حَتَّى تَغِيبَ الشَّمْسُ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ } .
وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ : { لَأَنْ يُوتَرَ أَحَدُكُمْ
أَهْلَهُ وَمَالَهُ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَفُوتَهُ وَقْتُ صَلَاةِ الْعَصْرِ } .
وَالطَّبَرَانِيُّ وَأَحْمَدُ : { مَنْ تَرَكَ صَلَاةَ
الْعَصْرِ مُتَعَمِّدًا حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ فَكَأَنَّمَا وُتِرَ أَهْلَهُ
وَمَالَهُ } .
وَالشَّافِعِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ : { مَنْ فَاتَتْهُ
الصَّلَاةُ فَكَأَنَّمَا أُوتِرَ أَهْلَهُ وَمَالَهُ } .
وَالْبُخَارِيُّ عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : { كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ مِمَّا يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ لِأَصْحَابِهِ هَلْ رَأَى أَحَدٌ مِنْكُمْ
رُؤْيَا ؟ فَيَقُصُّ عَلَيْهِ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقُصَّ ، وَإِنَّهُ قَالَ
لَنَا ذَاتَ غَدَاةٍ : إنَّهُ أَتَانِي اللَّيْلَةَ آتِيَانِ ، وَإِنَّهُمَا
انْبَعَثَا بِي ، وَإِنَّهُمَا قَالَا لِي : انْطَلِقْ ، وَإِنِّي انْطَلَقْت مَعَهُمَا
، وَإِنَّا أَتَيْنَا عَلَى رَجُلٍ مُضْطَجِعٍ ، وَإِذَا آخَرُ قَائِمٌ عَلَيْهِ
بِصَخْرَةٍ وَإِذَا هُوَ يَهْوِي بِالصَّخْرَةِ لِرَأْسِهِ فَيَثْلَغُ رَأْسَهُ
فَيَتَدَهْدَهُ الْحَجَرُ - أَيْ فَيَتَدَحْرَجُ - فَيَأْخُذُهُ فَلَا يَرْجِعُ
إلَيْهِ حَتَّى يَصِحَّ رَأْسُهُ كَمَا كَانَ ثُمَّ يَعُودُ عَلَيْهِ فَيَفْعَلُ
بِهِ مِثْلَ مَا فَعَلَ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى ، قَالَ : قُلْت لَهُمَا :
سُبْحَانَ اللَّهِ مَا هَذَا ؟ قَالَا لِي : انْطَلِقْ
انْطَلِقْ ، فَأَتَيْنَا عَلَى رَجُلٍ مُسْتَلْقٍ عَلَى
قَفَاهُ وَإِذَا آخَرُ قَائِمٌ عَلَيْهِ بِكَلُّوبٍ مِنْ حَدِيدٍ وَإِذَا هُوَ
يَأْتِي أَحَدَ شِقَّيْ وَجْهِهِ فَيُشَرْشِرُ أَيْ يَشُقُّ شِدْقَهُ إلَى قَفَاهُ
وَمَنْخِرَهُ إلَى قَفَاهُ وَعَيْنَاهُ إلَى قَفَاهُ - قَالَ : وَرُبَّمَا قَالَ
أَبُو رَجَاءٍ : فَيَشُقُّ - قَالَ ثُمَّ يَتَحَوَّلُ إلَى الْجَانِبِ الْآخَرِ فَيَفْعَلُ
بِهِ مِثْلَ مَا فَعَلَ بِالْجَانِبِ الْأَوَّلِ ، قَالَ فَمَا يَفْرُغُ مِنْ
ذَلِكَ الْجَانِبِ حَتَّى يَصِحَّ ذَلِكَ الْجَانِبُ كَمَا كَانَ ثُمَّ يَعُودُ
عَلَيْهِ فَيَفْعَلُ مِثْلَ مَا فَعَلَ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى ، قَالَ : قُلْت
: سُبْحَانَ اللَّهِ مَا هَذَا ؟ قَالَا لِي : انْطَلِقْ انْطَلِقْ ، فَانْطَلَقْنَا
فَأَتَيْنَا عَلَى مِثْلِ التَّنُّورِ قَالَ فَأَحْسَبُ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ
فَإِذَا فِيهِ لَغَطٌ وَأَصْوَاتٌ قَالَ : فَاطَّلَعْنَا عَلَيْهِ فَإِذَا فِيهِ
رِجَالٌ وَنِسَاءٌ عُرَاةٌ وَإِذَا هُمْ يَأْتِيهِمْ لَهَبٌ مِنْ أَسْفَلَ
مِنْهُمْ .
فَإِذَا أَتَاهُمْ ذَلِكَ اللَّهَبُ ضَوْضَوْا - أَيْ
بِفَتْحِ الْمُعْجَمَتَيْنِ وَسُكُونِ الْوَاوَيْنِ صِيَاحٌ مَعَ انْضِمَامٍ وَفَزَعٍ
- ، قَالَ قُلْت : مَا هَؤُلَاءِ ؟ قَالَا لِي : انْطَلِقْ انْطَلِقْ ، قَالَ :
فَانْطَلَقْنَا فَأَتَيْنَا عَلَى نَهْرٍ حَسِبْتُ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ أَحْمَرَ
مِثْلِ الدَّمِ وَإِذَا فِي النَّهْرِ رَجُلٌ سَابِحٌ يَسْبَحُ وَإِذَا عَلَى
شَطِّ النَّهْرِ رَجُلٌ قَدْ جَمَعَ عِنْدَهُ حِجَارَةً كَثِيرَةً فَيُلْقِمُهُ
حَجَرًا فَيَنْطَلِقُ فَيَسْبَحُ ثُمَّ يَرْجِعُ إلَيْهِ ، كُلَّمَا رَجَعَ
إلَيْهِ فَغَرَ - أَيْ بِفَاءٍ فَمُعْجَمَةٍ مَفْتُوحَتَيْنِ فَتَحَ - فَاهُ
فَأَلْقَمَهُ حَجَرًا ، قُلْت لَهُمَا مَا هَذَا ؟ قَالَا لِي : انْطَلِقْ
انْطَلِقْ ، فَانْطَلَقْنَا فَأَتَيْنَا عَلَى رَجُلٍ كَرِيهِ الْمِرْآةِ
كَأَكْرَهِ مَا أَنْتَ رَاءٍ رَجُلًا مَرْئِيًّا وَإِذَا عِنْدَهُ نَارٌ
يَحُشُّهَا - أَيْ بِمُهْمَلَةٍ مَضْمُومَةٍ فَمُعْجَمَةٍ يُوقِدُهَا وَيَسْعَى حَوْلَهَا
- ، قَالَ : قُلْت لَهُمَا مَا هَذَا ؟ قَالَا لِي : انْطَلِقْ انْطَلِقْ ، فَانْطَلَقْنَا
عَلَى رَوْضَةٍ مُعْتَمَّةٍ - أَيْ طَوِيلَةِ النَّبَاتِ مِنْ اعْتَمَّ إذَا طَالَ
- فِيهَا مِنْ
كُلِّ نُورِ الرَّبِيعِ ، وَإِذَا بَيْنَ ظَهْرَانِي
الرَّوْضَةِ رَجُلٌ طُوَالٌ لَا أَكَادُ أَرَى رَأْسَهُ طُولًا فِي السَّمَاءِ .
وَإِذَا حَوْلَ الرَّجُلِ مِنْ أَكْثَرِ وِلْدَانٍ
رَأَيْتُهُمْ ، قَالَ : قُلْت مَا هَذَا مَا هَؤُلَاءِ ؟ قَالَا لِي : انْطَلِقْ
انْطَلِقْ ، فَانْطَلَقْنَا فَأَتَيْنَا عَلَى دَوْحَةٍ عَظِيمَةٍ لَمْ أَرَ
دَوْحَةً قَطُّ أَعْظَمَ وَلَا أَحْسَنَ مِنْهَا قَالَا لِي : ارْقَ فِيهَا فَارْتَقَيْنَا
فِيهَا إلَى مَدِينَةٍ مَبْنِيَّةٍ بِلَبِنٍ ذَهَبٍ وَلَبِنٍ فِضَّةٍ فَأَتَيْنَا
بَابَ الْمَدِينَةِ فَاسْتَفْتَحْنَا فَفُتِحَ لَنَا فَدَخَلْنَاهَا فَتَلَقَّانَا
رِجَالٌ ، شَطْرٌ مِنْ خَلْقِهِمْ كَأَحْسَنِ مَا أَنْتَ رَاءٍ ، وَشَطْرٌ
مِنْهُمْ كَأَقْبَحِ مَا أَنْتَ رَاءٍ قَالَا لَهُمْ اذْهَبُوا فَقَعُوا فِي
ذَلِكَ النَّهْرِ .
قَالَ :
وَإِذَا النَّهْرُ مُعْتَرِضٌ يَجْرِي كَأَنَّ مَاءَهُ
الْمَحْضُ - أَيْ الْخَالِصُ - فِي الْبَيَاضِ فَذَهَبُوا فَوَقَعُوا فِيهِ ثُمَّ
رَجَعُوا إلَيْنَا قَدْ ذَهَبَ ذَلِكَ السُّوءُ عَنْهُمْ فَصَارُوا فِي أَحْسَنِ صُورَةٍ
قَالَا لِي : هَذِهِ جَنَّةُ عَدْنٍ وَهَذَا مَنْزِلُك ، قَالَ : فَسَمَا - أَيْ
ارْتَفَعَ بَصَرِي - صُعُدًا بِضَمَّتَيْنِ إلَى فَوْقُ فَإِذَا قَصْرٌ مِثْلُ
الرَّبَابَةِ - أَيْ السَّحَابَةِ - الْبَيْضَاءِ قَالَ : قَالَا لِي هَذَا
مَنْزِلُك قَالَ : قُلْت لَهُمَا بَارَكَ اللَّهُ فِيكُمَا فَذَرَانِي
فَأَدْخُلَهُ قَالَا : أَمَّا الْآنَ فَلَا وَأَنْتَ دَاخِلَهُ ، قَالَ : قُلْت
لَهُمَا فَإِنِّي رَأَيْت مُنْذُ اللَّيْلَةِ عَجَبًا فَمَا هَذَا الَّذِي رَأَيْت
؟ قَالَا لِي إنَّا سَنُخْبِرُك
: أَمَّا الرَّجُلُ الْأَوَّلُ الَّذِي أَتَيْت عَلَيْهِ
يُثْلَغُ رَأْسُهُ بِالْحَجَرِ فَإِنَّهُ الرَّجُلُ يَأْخُذُ الْقُرْآنَ
فَيَرْفُضُهُ ، وَيَنَامُ عَنْ الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ .
وَأَمَّا الرَّجُلُ الَّذِي أَتَيْت عَلَيْهِ يُشَرْشَرُ
شِدْقُهُ إلَى قَفَاهُ وَمَنْخِرُهُ إلَى قَفَاهُ وَعَيْنَاهُ إلَى قَفَاهُ
فَإِنَّهُ الرَّجُلُ يَغْدُو مِنْ بَيْتِهِ فَيَكْذِبُ الْكَذْبَةَ تَبْلُغُ
الْآفَاقَ .
وَأَمَّا الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ الْعُرَاةُ الَّذِينَ
هُمْ فِي مِثْلِ بِنَاءِ التَّنُّورِ فَإِنَّهُمْ الزُّنَاةُ وَالزَّوَانِي .
وَأَمَّا الرَّجُلُ
الَّذِي أَتَيْت عَلَيْهِ يَسْبَحُ فِي النَّهْرِ
وَيُلْقَمُ الْحَجَرُ فَإِنَّهُ آكِلُ الرِّبَا .
وَأَمَّا الرَّجُلُ الْكَرِيهُ الْمِرْآةِ الَّذِي
عِنْدَ النَّارِ يَحُشُّهَا وَيَسْعَى حَوْلَهَا فَإِنَّهُ مَالِكٌ خَازِنُ
النَّارِ .
وَأَمَّا الرَّجُلُ الطُّوَالُ الَّذِي فِي الرَّوْضَةِ
فَإِنَّهُ إبْرَاهِيمُ .
وَأَمَّا الْوِلْدَانُ الَّذِينَ حَوْلَهُ فَكُلُّ
مَوْلُودٍ مَاتَ عَلَى الْفِطْرَةِ ، فَقَالَ بَعْضُ الْمُسْلِمِينَ : يَا رَسُولَ
اللَّهِ وَأَوْلَادُ الْمُشْرِكِينَ ؟ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَأَوْلَادُ الْمُشْرِكِينَ
.
وَأَمَّا الْقَوْمُ الَّذِينَ كَانُوا شَطْرٌ مِنْهُمْ
حَسَنٌ وَشَطْرٌ مِنْهُمْ قَبِيحٌ فَإِنَّهُمْ قَوْمٌ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا
وَآخَرَ سَيِّئًا تَجَاوَزَ اللَّهُ عَنْهُمْ } .
وَفِي حَدِيثِ الْبَزَّارِ قَالَ : { ثُمَّ أَتَى النَّبِيُّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى قَوْمٍ تُرْضَخُ رُءُوسُهُمْ بِالصَّخْرِ
كُلَّمَا رُضِخَتْ عَادَتْ كَمَا كَانَتْ وَلَا يَفْتُرُ عَنْهُمْ مِنْ ذَلِكَ
شَيْءٌ ، قَالَ يَا جِبْرِيلُ مَنْ هَؤُلَاءِ ؟ قَالَ : هَؤُلَاءِ الَّذِينَ
تَثَاقَلَتْ رُءُوسُهُمْ عَنْ الصَّلَاةِ } .
وَأَخْرَجَ الْخَطِيبُ وَابْنُ النَّجَّارِ : { عِلْمُ الْإِسْلَامِ
الصَّلَاةُ فَمَنْ فَرَغَ لَهَا قَلْبُهُ وَحَافَظَ عَلَيْهَا بِحَدِّهَا
وَوَقْتِهَا وَسُنَنِهَا فَهُوَ مُؤْمِنٌ } .
وَابْنُ مَاجَهْ : { قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى -
افْتَرَضْتُ عَلَى أُمَّتِك خَمْسَ صَلَوَاتٍ وَعَهِدْتُ عِنْدِي عَهْدًا أَنَّ
مَنْ حَافَظَ عَلَيْهِنَّ لِوَقْتِهِنَّ أَدْخَلْتُهُ الْجَنَّةَ وَمَنْ لَمْ
يُحَافِظْ عَلَيْهِنَّ فَلَا عَهْدَ لَهُ عِنْدِي } .
وَأَحْمَدُ وَالْحَاكِمُ : { مَنْ عَلِمَ أَنَّ
الصَّلَاةَ عَلَيْهِ حَقٌّ وَاجِبٌ وَأَدَّاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ } .
وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ غَرِيبٌ وَالنَّسَائِيُّ
وَابْنُ مَاجَهْ : { أَوَّلُ مَا يُحَاسَبُ بِهِ الْعَبْدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
مِنْ عَمَلِهِ الصَّلَاةُ فَإِنْ صَلَحَتْ فَقَدْ أَفْلَحَ وَأَنْجَحَ ، وَإِنْ
فَسَدَتْ فَقَدْ خَابَ وَخَسِرَ ، وَإِنْ انْتَقَصَ مِنْ فَرِيضَتِهِ قَالَ
الرَّبُّ : اُنْظُرُوا هَلْ لِعَبْدِي مِنْ تَطَوُّعٍ فَيُكَمَّلَ بِهَا مَا
انْتَقَصَ مِنْ
الْفَرِيضَةِ ثُمَّ يَكُونُ سَائِرُ عَمَلِهِ عَلَى
ذَلِكَ } .
وَالنَّسَائِيُّ : { أَوَّلُ مَا يُحَاسَبُ بِهِ
الْعَبْدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الصَّلَاةُ وَأَوَّلُ مَا يُقْضَى بِهِ بَيْنَ
النَّاسِ فِي الدِّمَاءِ } .
وَأَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ
مَاجَهْ وَالْحَاكِمُ : { أَوَّلُ مَا يُحَاسَبُ بِهِ الْعَبْدُ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ صَلَاتُهُ ، فَإِنْ كَانَ أَتَمَّهَا كُتِبَتْ لَهُ تَامَّةً ،
وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَتَمَّهَا قَالَ لِمَلَائِكَتِهِ اُنْظُرُوا هَلْ تَجِدُونَ
لِعَبْدِي مِنْ تَطَوُّعٍ ، فَيُكْمِلُونَ بِهَا فَرِيضَتَهُ ، ثُمَّ الزَّكَاةُ
كَذَلِكَ ثُمَّ تُؤْخَذُ الْأَعْمَالُ عَلَى حَسَبِ ذَلِكَ } .
وَأَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ
وَالدَّارِمِيُّ وَابْنُ قَانِعٍ وَالْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ تَمِيمٍ
الدَّارِيِّ وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَأَحْمَدُ عَنْ رَجُلٍ مِنْ الصَّحَابَةِ : {
أَوَّلُ مَا يُحَاسَبُ بِهِ الْعَبْدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ صَلَاتُهُ فَإِنْ كَانَ
أَتَمَّهَا كُتِبَتْ لَهُ تَامَّةً وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَتَمَّهَا ، قَالَ اللَّهُ
- عَزَّ وَجَلَّ - لِلْمَلَائِكَةِ : اُنْظُرُوا هَلْ تَجِدُونَ لِعَبْدِي مِنْ تَطَوُّعٍ
، فَتُكْمِلُونَ بِهَا فَرِيضَتَهُ ثُمَّ الزَّكَاةُ كَذَلِكَ ثُمَّ تُؤْخَذُ
الْأَعْمَالُ عَلَى حَسَبِ ذَلِكَ
} .
وَالطَّبَرَانِيُّ : { أَوَّلُ مَا يُسْأَلُ عَنْهُ
الْعَبْدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُنْظَرُ فِي صَلَاتِهِ فَإِنْ صَلَحَتْ فَقَدْ
أَفْلَحَ ، وَإِنْ فَسَدَتْ فَقَدْ خَابَ وَخَسِرَ } .
وَابْنُ عَسَاكِرَ : { أَوَّلُ مَا يُحَاسَبُ بِهِ الْعَبْدُ
صَلَاتُهُ فَإِنْ صَلَحَتْ صَلُحَ سَائِرُ عَمَلِهِ ، وَإِنْ فَسَدَتْ فَسَدَ
سَائِرُ عَمَلِهِ ثُمَّ يَقُولُ : اُنْظُرُوا هَلْ لِعَبْدِي نَافِلَةٌ ؟ فَإِنْ
كَانَتْ لَهُ أَتَمَّ بِهَا الْفَرِيضَةَ ، ثُمَّ الْفَرَائِضُ كَذَلِكَ
لِعَائِدَةِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ
} .
وَأَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَالْحَاكِمُ
: { أَوَّلُ مَا يُحَاسَبُ النَّاسُ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ أَعْمَالِهِمْ
الصَّلَاةُ ، فَيَقُولُ رَبُّنَا - عَزَّ وَجَلَّ - لِمَلَائِكَتِهِ وَهُوَ
أَعْلَمُ : اُنْظُرُوا فِي صَلَاةِ عَبْدِي أَتَمَّهَا أَمْ نَقَصَهَا ، فَإِنْ كَانَتْ
تَامَّةً كُتِبَتْ تَامَّةً
وَإِنْ انْتَقَصَ مِنْهَا شَيْئًا قَالَ اُنْظُرُوا هَلْ
لِعَبْدِي مِنْ تَطَوُّعٍ ، فَإِنْ كَانَ لَهُ تَطَوُّعٌ أَتِمُّوا لِعَبْدِي
فَرِيضَتَهُ مِنْ تَطَوُّعِهِ ثُمَّ تُؤْخَذُ الْأَعْمَالُ عَلَى ذَاكُمْ } .
وَالطَّيَالِسِيُّ وَالطَّبَرَانِيُّ وَالضِّيَاءُ فِي
الْمُخْتَارَةِ : { أَتَانِي جِبْرِيلُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ - تَبَارَكَ
وَتَعَالَى - فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ إنَّ اللَّهَ - عَزَّ وَجَلَّ - يَقُولُ إنِّي
افْتَرَضْت عَلَى أُمَّتِك خَمْسَ صَلَوَاتٍ فَمَنْ أَوْفَى بِهِنَّ عَلَى
وُضُوئِهِنَّ وَمَوَاقِيتِهِنَّ وَرُكُوعِهِنَّ وَسُجُودِهِنَّ كَانَ لَهُ بِهِنَّ
عَهْدٌ أَنْ أُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ ، وَمَنْ لَقِيَنِي قَدْ انْتَقَصَ مِنْ ذَلِكَ
شَيْئًا فَلَيْسَ لَهُ عِنْدِي عَهْدٌ إنْ شِئْتُ عَذَّبْتُهُ وَإِنْ شِئْتُ رَحِمْتُهُ } .
وَالْبَيْهَقِيُّ : { لِلصَّلَاةِ مِيزَانٌ فَمَنْ
أَوْفَى اسْتَوْفَى } .
وَالدَّيْلَمِيُّ : { الصَّلَاةُ تُسَوِّدُ وَجْهَ
الشَّيْطَانِ ، وَالصَّدَقَةُ تَكْسِرُ ظَهْرَهُ ، وَالتَّحَابُبُ فِي اللَّهِ ،
وَالتَّوَدُّدُ فِي الْعِلْمِ يَقْطَعُ دَابِرَهُ فَإِذَا فَعَلْتُمْ ذَلِكَ
تَبَاعَدَ مِنْكُمْ كَمَطْلِعِ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا } .
وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ : {
اتَّقُوا اللَّهَ وَصَلُّوا خَمْسَكُمْ وَصُومُوا شَهْرَكُمْ وَأَدُّوا زَكَاةَ
أَمْوَالِكُمْ وَأَطِيعُوا إذَا أَمَرْتُكُمْ تَدْخُلُوا جَنَّةَ رَبِّكُمْ } .
وَأَحْمَدُ وَالشَّيْخَانِ وَأَبُو دَاوُد
وَالنَّسَائِيُّ : { أَحَبُّ الْأَعْمَالِ إلَى اللَّهِ الصَّلَاةُ لِوَقْتِهَا
ثُمَّ بِرُّ الْوَالِدَيْنِ ثُمَّ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ } .
وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
قَالَ : { جَاءَ رَجُلٌ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَقَالَ يَا رَسُولَ أَيُّ الْأَعْمَالِ أَحَبُّ إلَى اللَّهِ فِي الْإِسْلَامِ ؟
فَقَالَ : الصَّلَاةُ لِوَقْتِهَا ، وَمَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ فَلَا دِينَ لَهُ ،
وَالصَّلَاةُ عِمَادُ الدِّينِ
} .
وَلِذَلِكَ لَمَّا طُعِنَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قِيلَ
: لَهُ الصَّلَاةُ يَا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ قَالَ نِعْمَةٌ ، أَمَا إنَّهُ لَا
حَظَّ لِأَحَدٍ فِي الْإِسْلَامِ أَضَاعَ الصَّلَاةَ وَصَلَّى - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ -
وَجُرْحُهُ يَجْرِي دَمُهُ .
وَرَوَى الذَّهَبِيُّ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ : { إذَا صَلَّى الْعَبْدُ الصَّلَاةَ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ
صَعِدَتْ إلَى السَّمَاءِ وَلَهَا نُورٌ حَتَّى تَنْتَهِيَ إلَى الْعَرْشِ
فَتَسْتَغْفِرُ لِصَاحِبِهَا إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَتَقُولُ لَهُ حَفِظَك
اللَّهُ كَمَا حَفِظْتَنِي ، وَإِذَا صَلَّى الْعَبْدُ الصَّلَاةَ فِي غَيْرِ وَقْتِهَا
صَعِدَتْ إلَى السَّمَاءِ وَعَلَيْهَا ظُلْمَةٌ ، فَإِذَا انْتَهَتْ إلَى
السَّمَاءِ تُلَفُّ كَمَا يُلَفُّ الثَّوْبُ الْخَلَقُ وَيُضْرَبُ بِهَا وَجْهُ
صَاحِبِهَا } .
وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُد أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { ثَلَاثٌ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ مِنْهُمْ صَلَاتَهُمْ
وَذَكَرَ مِنْهُمْ مَنْ أَتَى الصَّلَاةَ دِبَارًا } أَيْ بَعْدَ أَنْ تَفُوتَهُ .
قَالَ بَعْضُهُمْ : وَوَرَدَ فِي الْحَدِيثِ : أَنَّ {
مَنْ حَافَظَ عَلَى الصَّلَاةِ أَكْرَمَهُ اللَّهُ بِخَمْسِ خِصَالٍ : يَرْفَعُ
عَنْهُ ضِيقَ الْعَيْشِ ، وَعَذَابَ الْقَبْرِ ، وَيُعْطِيهِ اللَّهُ كِتَابَهُ
بِيَمِينِهِ ، وَيَمُرُّ عَلَى الصِّرَاطِ كَالْبَرْقِ ، وَيَدْخُلُ الْجَنَّةَ
بِغَيْرِ حِسَابٍ ، وَمَنْ تَهَاوَنَ عَنْ الصَّلَاةِ عَاقَبَهُ اللَّهُ بِخَمْسَ
عَشْرَةَ عُقُوبَةً : خَمْسَةٌ فِي الدُّنْيَا ، وَثَلَاثَةٌ عِنْدَ الْمَوْتِ ،
وَثَلَاثٌ فِي قَبْرِهِ ، وَثَلَاثٌ عِنْدَ خُرُوجِهِ مِنْ الْقَبْرِ .
فَأَمَّا اللَّوَاتِي فِي الدُّنْيَا : فَالْأُولَى
تُنْزَعُ الْبَرَكَةُ مِنْ عُمْرِهِ ، وَالثَّانِيَةُ تُمْحَى سِيمَا
الصَّالِحِينَ مِنْ وَجْهِهِ ، وَالثَّالِثَةُ كُلُّ عَمَلٍ يَعْمَلُهُ لَا
يَأْجُرُهُ اللَّهُ عَلَيْهِ ، وَالرَّابِعَةُ لَا يُرْفَعُ لَهُ دُعَاءٌ إلَى
السَّمَاءِ ، وَالْخَامِسَةُ لَيْسَ لَهُ حَظٌّ فِي دُعَاءِ الصَّالِحِينَ .
وَأَمَّا الَّتِي تُصِيبُهُ عِنْدَ الْمَوْتِ ،
فَإِنَّهُ يَمُوتُ ذَلِيلًا ، وَالثَّانِيَةُ يَمُوتُ جَائِعًا ، وَالثَّالِثَةُ
يَمُوتُ عَطْشَانًا وَلَوْ سُقِيَ بِحَارَ الدُّنْيَا مَا رُوِيَ مِنْ عَطَشِهِ .
وَأَمَّا الَّتِي تُصِيبُهُ فِي قَبْرِهِ : فَالْأُولَى
يَضِيقُ عَلَيْهِ الْقَبْرُ حَتَّى تَخْتَلِفَ أَضْلَاعُهُ ، وَالثَّانِيَةُ
يُوقَدُ عَلَيْهِ الْقَبْرُ نَارًا فَيَنْقَلِبُ عَلَى
الْجَمْرِ لَيْلًا وَنَهَارًا ، وَالثَّالِثَةُ
يُسَلَّطُ عَلَيْهِ فِي قَبْرِهِ ثُعْبَانٌ اسْمُهُ الشُّجَاعُ الْأَقْرَعُ ،
عَيْنَاهُ مِنْ نَارٍ وَأَظْفَارُهُ مِنْ حَدِيدٍ طُولُ كُلِّ ظُفْرٍ مَسِيرَةُ
يَوْمٍ يُكَلِّمُ الْمَيِّتَ فَيَقُولُ
: أَنَا الشُّجَاعُ الْأَقْرَعُ ، وَصَوْتُهُ مِثْلُ
الرَّعْدِ الْقَاصِفِ يَقُولُ أَمَرَنِي رَبِّي أَنْ أَضْرِبَك عَلَى تَضْيِيعِ
صَلَاةِ الصُّبْحِ إلَى بَعْدِ طُلُوعِ الشَّمْسِ ، وَأَضْرِبَك عَلَى تَضْيِيعِ صَلَاةِ
الظُّهْرِ إلَى الْعَصْرِ ، وَأَضْرِبَك عَلَى تَضْيِيعِ صَلَاةِ الْعَصْرِ إلَى
الْمَغْرِبِ ، وَأَضْرِبَك عَلَى تَضْيِيعِ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ إلَى الْعِشَاءِ ،
وَأَضْرِبَك عَلَى صَلَاةِ الْعِشَاءِ إلَى الْفَجْرِ .
فَكُلَّمَا ضَرَبَهُ ضَرْبَةً يَغُوصُ فِي الْأَرْضِ سَبْعِينَ
ذِرَاعًا فَلَا يَزَالُ فِي الْقَبْرِ مُعَذَّبًا إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ
وَأَمَّا الَّتِي تُصِيبُهُ عِنْدَ خُرُوجِهِ مِنْ الْقَبْرِ فِي مَوْقِفِ
الْقِيَامَةِ فَشِدَّةُ الْحِسَابِ وَسَخَطُ الرَّبِّ وَدُخُولُ النَّارِ } .
وَفِي رِوَايَةٍ : { فَإِنَّهُ يَأْتِي يَوْمَ
الْقِيَامَةِ وَعَلَى وَجْهِهِ ثَلَاثَةُ أَسْطُرٍ مَكْتُوبَاتٍ .
السَّطْرُ الْأَوَّلُ : يَا مُضَيِّعَ حَقِّ اللَّهِ ،
السَّطْرُ الثَّانِي : يَا مَخْصُوصًا بِغَضَبِ اللَّهِ ، الثَّالِثُ كَمَا
ضَيَّعْتَ فِي الدُّنْيَا حَقَّ اللَّهِ فَآيِسٌ الْيَوْمَ أَنْتَ مِنْ رَحْمَةِ
اللَّهِ } .
وَمَا ذُكِرَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ تَفْصِيلِ الْعَدَدِ
لَا يُطَابِقُ جُمْلَةَ الْخَمْسَ عَشْرَةَ لِأَنَّ الْمُفَصَّلَ أَرْبَعَ
عَشْرَةَ فَقَطْ فَلَعَلَّ الرَّاوِيَ نَسِيَ الْخَامِسَ عَشَرَ .
وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ :
" إذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ يُؤْتَى بِرَجُلٍ فَيُوقَفُ بَيْنَ يَدَيْ
اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - فَيَأْمُرُ اللَّهُ بِهِ إلَى النَّارِ فَيَقُولُ يَا
رَبِّ بِمَاذَا ؟ فَيَقُولُ اللَّهُ - تَعَالَى - بِتَأْخِيرِ الصَّلَاةِ عَنْ أَوْقَاتِهَا
وَحَلِفِك بِي كَاذِبًا "
.
قَالَ بَعْضُهُمْ أَيْضًا : وَعَنْ { رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ يَوْمًا لِأَصْحَابِهِ قُولُوا :
اللَّهُمَّ لَا تَدَعْ فِينَا شَقِيًّا وَلَا مَحْرُومًا ، ثُمَّ قَالَ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَدْرُونَ مَنْ الشَّقِيُّ
الْمَحْرُومُ ؟ قَالُوا وَمَنْ هُوَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : تَارِكُ
الصَّلَاةِ } .
قَالَ أَيْضًا : وَيُرْوَى أَنَّهُ { أَوَّلُ مَا
يَسْوَدُّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وُجُوهُ تَارِكِي الصَّلَاةِ وَإِنَّ فِي جَهَنَّمَ
وَادِيًا يُقَالُ لَهُ لَمْلَمُ فِيهِ حَيَّاتٌ كُلُّ حَيَّةٍ بِثِخَنِ رَقَبَةِ الْبَعِيرِ
، طُولُهَا مَسِيرَةُ شَهْرٍ ، تَلْسَعُ تَارِكَ الصَّلَاةِ فَيَغْلِي سُمُّهَا
فِي جِسْمِهِ سَبْعِينَ سَنَةً ثُمَّ يَتَهَرَّأُ لَحْمُهُ } .
قَالَ
: وَرُوِيَ أَيْضًا : { أَنَّ امْرَأَةً مِنْ بَنِي
إسْرَائِيلَ جَاءَتْ إلَى مُوسَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِ
وَعَلَى سَائِرِ النَّبِيِّينَ - فَقَالَتْ : يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَذْنَبْت
ذَنْبًا عَظِيمًا وَقَدْ تُبْت إلَى اللَّهِ - تَعَالَى - فَادْعُ اللَّهَ لِي
أَنْ يَغْفِرَ ذَنْبِي وَيَتُوبَ عَلَيَّ ، فَقَالَ لَهَا مُوسَى : وَمَا ذَنْبُك
؟ قَالَتْ يَا نَبِيَّ اللَّهِ زَنَيْتُ وَوَلَدْتُ وَلَدًا وَقَتَلْتُهُ ،
فَقَالَ لَهَا مُوسَى - عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -
اُخْرُجِي يَا فَاجِرَةُ ، لَا تَنْزِلُ نَارٌ مِنْ السَّمَاءِ فَتُحْرِقُنَا
بِشُؤْمِك فَخَرَجَتْ مِنْ عِنْدِهِ مُنْكَسِرَةَ الْقَلْبِ فَنَزَلَ جِبْرِيلُ
عَلَيْهِ السَّلَامُ وَقَالَ : يَا مُوسَى الرَّبُّ - تَعَالَى - يَقُولُ لَك لِمَ رَدَدْتَ
التَّائِبَةَ ؟ يَا مُوسَى أَمَا وَجَدْتَ شَرًّا مِنْهَا ؟ قَالَ مُوسَى يَا
جِبْرِيلُ وَمَنْ شَرٌّ مِنْهَا ؟ قَالَ : مَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ عَامِدًا مُتَعَمِّدًا } .
وَقَالَ أَيْضًا عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ : إنَّهُ دَفَنَ
أُخْتًا لَهُ مَاتَتْ فَسَقَطَ مِنْهُ كِيسٌ فِيهِ مَالٌ فِي قَبْرِهَا وَلَمْ
يَشْعُرْ بِهِ حَتَّى انْصَرَفَ عَنْ قَبْرِهَا ثُمَّ تَذَكَّرَهُ ، فَرَجَعَ إلَى
قَبْرِهَا فَنَبَشَهُ بَعْدَمَا انْصَرَفَ النَّاسُ فَوَجَدَ الْقَبْرَ يَشْتَعِلُ
عَلَيْهَا نَارًا فَرَدَّ التُّرَابَ عَلَيْهَا وَرَجَعَ إلَى أُمِّهِ بَاكِيًا
حَزِينًا ، فَقَالَ : يَا أُمَّاهُ أَخْبِرِينِي عَنْ أُخْتِي وَمَا كَانَتْ
تَعْمَلُ ؟ قَالَتْ : وَمَا سُؤَالُك عَنْهَا ؟ قَالَ : يَا أُمَّاهُ رَأَيْتُ
قَبْرَهَا يَشْتَعِلُ عَلَيْهَا نَارًا قَالَ : فَبَكَتْ وَقَالَتْ
: يَا وَلَدِي كَانَتْ أُخْتُك تَتَهَاوَنُ بِالصَّلَاةِ
وَتُؤَخِّرُهَا عَنْ وَقْتِهَا ، فَهَذَا حَالُ مَنْ يُؤَخِّرُ الصَّلَاةَ عَنْ
وَقْتِهَا فَكَيْفَ حَالُ مَنْ لَا يُصَلِّي ؟ فَنَسْأَلُ اللَّهَ - تَعَالَى -
أَنْ يُعِينَنَا عَلَى الْمُحَافَظَةِ عَلَيْهَا بِكِمَالَاتِهَا فِي أَوْقَاتِهَا
إنَّهُ جَوَادٌ كَرِيمٌ رَءُوفٌ رَحِيمٌ .
تَنْبِيهَاتٌ مِنْهَا : عَدُّ مَا ذُكِرَ مِنْ أَنَّ
كُلًّا مِنْ تَرْكِ الصَّلَاةِ وَتَقْدِيمِهَا عَلَى وَقْتِهَا وَتَأْخِيرِهَا
عَنْهُ بِلَا عُذْرٍ كَبِيرَةً وَهُوَ مَا نَقَلَهُ الشَّيْخَانِ عَنْ صَاحِبِ
الْعُدَّةِ وَأَقَرَّاهُ ، وَتَقْيِيدُ الْأَنْوَارِ لِذَلِكَ بِلَا إعَادَةٍ
لَيْسَ فِي مَحَلِّهِ ، لِأَنَّهُ وَإِنْ أَعَادَهَا فِي الْوَقْتِ هُوَ بِفِعْلِهَا
قَبْلَهُ مُتَعَمِّدًا مُتَلَاعِبٌ بِالدِّينِ .
وَأَمَّا قَوْلُ الْإِسْنَوِيِّ إنَّ عَدَّ
الشَّيْخَيْنِ تَقْدِيمَ الصَّلَاةِ عَلَى وَقْتِهَا كَبِيرَةً لَا تَحْقِيقَ لَهُ
، لِأَنَّهُ إنْ كَانَ مُعْتَقِدًا لِلْجَوَازِ فَلَا كَلَامَ فِيهِ وَإِنْ كَانَ
عَالِمًا بِالْمَنْعِ فَالصَّلَاةُ فَاسِدَةٌ ، وَحِينَئِذٍ فَإِنْ صَلَّاهَا فِي وَقْتِهَا
فَالتَّحْرِيمُ وَقَعَ لِكَوْنِهِ أَتَى بِصَلَاةٍ فَاسِدَةٍ فَيَنْبَغِي
التَّعْبِيرُ بِهِ ، وَلَا يُقْتَصَرُ عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ الشَّاذَّةِ
النَّادِرَةِ ، وَإِنْ لَمْ يُصَلِّهَا فِي وَقْتِهَا فَالْعِصْيَانُ
بِالتَّأْخِيرِ وَبِالصَّلَاةِ الْفَاسِدَةِ فَهُوَ لَيْسَ فِي مَحَلِّهِ أَيْضًا
، وَمِنْ ثَمَّ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : مَا ذَكَرَهُ تَخْلِيطٌ لَا مَزِيدَ
عَلَيْهِ وَلَيْسَ مُرَادَ صَاحِبِ الْعُدَّةِ وَغَيْرِهِ بِتَقْدِيمِ الصَّلَاةِ
عَلَى وَقْتِهَا إلَّا إذَا قَدَّمَهَا عَالِمًا بِعَدَمِ دُخُولِ الْوَقْتِ
وَأَنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ ، وَهَذَا مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ خَلَائِقَ مِنْ
الْأَئِمَّةِ وَلَا نِزَاعَ فِيهِ وَلَا رَيْبَ أَنَّهُ مِنْ الْكَبَائِرِ ،
وَالتَّلَاعُبِ بِالدِّينِ ، سَوَاءٌ قَضَاهَا أَمْ لَا انْتَهَى .
وَفِي التَّهْذِيبِ حِكَايَةُ وَجْهٍ ضَعِيفٍ : أَنَّ
تَرْكَ الصَّلَاةِ الْوَاحِدَةِ إلَى أَنْ يَخْرُجَ وَقْتُهَا لَيْسَ بِكَبِيرَةٍ
وَإِنَّمَا تُرَدُّ الشَّهَادَةُ بِهِ إذَا اعْتَادَهُ .
قَالَ الْحَلِيمِيُّ : تَرْكُ الصَّلَاةِ كَبِيرَةٌ
فَإِنْ اتَّخَذَهُ عَادَةً فَهُوَ فَاحِشَةٌ فَإِنْ
أَقَامَهَا وَلَمْ يُوفِهَا حَقَّهَا مِنْ الْخُشُوعِ كَأَنْ الْتَفَتَ فِيهَا
أَوْ فَرَقَعَ أَصَابِعَهُ أَوْ اسْتَمَعَ إلَى حَدِيثِ النَّاسِ ، أَوْ سَوَّى
الْحَصَا ، أَوْ أَكْثَرَ مِنْ مَسِّ اللِّحْيَةِ فَذَلِكَ مِنْ الصَّغَائِرِ انْتَهَى .
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : قَضِيَّةُ كَلَامِ غَيْرِهِ
عَدُّ ذَلِكَ مِنْ الْمَكْرُوهَاتِ ، وَالْقَلْبُ إلَى مَا قَالَهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ
تَعَالَى - أَمْيَلُ ا هـ .
وَهُوَ مُوَافِقٌ لِلْوَجْهِ الْمُوجِبِ لِلْخُشُوعِ
فَعَلَيْهِ كُلُّ مَا نَافَى الْخُشُوعَ مِنْ أَصْلِهِ - بِأَنْ لَا يُوجَدَ فِي
جُزْءٍ مِنْهَا - يَكُونُ مُحَرَّمًا ، أَمَّا عَلَى الْأَصَحِّ أَنَّ الْخُشُوعَ
سُنَّةٌ فَلَا حُرْمَةَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ .
وَمِنْهَا : اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ مِنْ الصَّحَابَةِ
وَمَنْ بَعْدَهُمْ فِي كُفْرِ تَارِكِ الصَّلَاةِ ، وَقَدْ مَرَّ فِي
الْأَحَادِيثِ الْكَثِيرَةِ السَّابِقَةِ التَّصْرِيحُ بِكُفْرِهِ وَشِرْكِهِ
وَخُرُوجِهِ مِنْ الْمِلَّةِ ، وَبِأَنَّهُ تَبْرَأُ مِنْهُ ذِمَّةُ اللَّهِ
وَذِمَّةُ رَسُولِهِ ، وَبِأَنَّهُ يَحْبَطُ عَمَلُهُ ، وَبِأَنَّهُ لَا دِينَ
لَهُ ، وَبِأَنَّهُ لَا إيمَانَ لَهُ ، وَبِنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ التَّغْلِيظَاتِ ،
وَأَخَذَ بِظَاهِرِهَا جَمَاعَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ
وَمَنْ بَعْدَهُمْ فَقَالُوا : مَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ مُتَعَمِّدًا حَتَّى خَرَجَ جَمِيعُ
وَقْتِهَا كَانَ كَافِرًا مُرَاقَ الدَّمِ .
مِنْهُمْ عُمَرُ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ
وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَابْنُ مَسْعُودٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ
وَجَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَأَبُو الدَّرْدَاءِ ، وَمِنْ غَيْرِ الصَّحَابَةِ
أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ
الْمُبَارَكِ وَالنَّخَعِيُّ وَالْحَكَمُ بْنُ عُيَيْنَةَ وَأَيُّوبُ
السِّخْتِيَانِيُّ وَأَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيُّ وَأَبُو بَكْرٍ بْنُ أَبِي
شَيْبَةَ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَغَيْرُهُمْ ، فَهَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةُ
كُلُّهُمْ قَائِلُونَ بِكُفْرِ تَارِكِ الصَّلَاةِ وَإِبَاحَةِ دَمِهِ .
قَالَ ابْنُ حَزْمٍ : قَدْ جَاءَ عَنْ عُمَرَ ، وَذَكَرَ
بَعْضَ مَا ذَكَرْنَا : أَنَّ مَنْ تَرَكَ
صَلَاةَ فَرْضٍ وَاحِدَةً مُتَعَمِّدًا حَتَّى يَخْرُجَ
وَقْتُهَا فَهُوَ كَافِرٌ مُرْتَدٌّ وَلَا نَعْلَمُ لِهَؤُلَاءِ الصَّحَابَةِ
مُخَالِفًا انْتَهَى .
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ الْمَرْوَزِيُّ : قَالَ
إِسْحَاقُ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { أَنَّ
تَارِكَ الصَّلَاةِ كَافِرٌ } وَكَانَ رَأْيُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ لَدُنْهُ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ تَارِكَهَا عَمْدًا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ حَتَّى
يَذْهَبَ وَقْتُهَا كَافِرٌ .
انْتَهَى
.
وَفِي هَذِهِ الدَّعْوَى نَظَرٌ بَلْ هِيَ مَمْنُوعَةٌ
كَمَا عُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ مِنْ حِكَايَةِ الْخِلَافِ عَنْ الصَّحَابَةِ
وَمَنْ بَعْدَهُمْ .
وَأَمَّا الشَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ : فَإِنَّهُمْ وَإِنْ
قَالُوا بِعَدَمِ كُفْرِهِ إذَا لَمْ يَسْتَحِلَّ التَّرْكَ ، لَكِنَّهُمْ
قَائِلُونَ بِأَنَّهُ يُقْتَلُ بِتَرْكِ صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ فَإِذَا أُمِرَ بِهَا
فِي وَقْتِهَا حَتَّى خَرَجَ وَلَمْ يُصَلِّهَا ، ثُمَّ قِيلَ لَهُ : صَلِّهَا
فَأَبَى ضُرِبَ عُنُقُهُ بِالسَّيْفِ
.
وَمِنْهَا : وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ : {
مُرُوا أَوْلَادَكُمْ بِالصَّلَاةِ ، وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعٍ - أَيْ إنْ
مَيَّزُوا - ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا ، وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرٍ ، وَفَرِّقُوا
بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ }
.
قَالَ الْخَطَّابِيُّ : هَذَا الْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى
إغْلَاظِ الْعُقُوبَةِ لِتَارِكِ الصَّلَاةِ إذَا بَلَغَ تَارِكًا لَهَا ، وَكَانَ
بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ يَحْتَجُّ بِهِ فِي وُجُوبِ قَتْلِهِ ، وَيَقُولُ : إذَا اسْتَحَقَّ
الضَّرْبَ وَهُوَ غَيْرُ بَالِغٍ فَيَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ بَعْدَ الْبُلُوغِ
يَسْتَحِقُّ مِنْ الْعُقُوبَةِ مَا هُوَ أَبْلَغُ مِنْ الضَّرْبِ وَلَيْسَ بَعْدَ
الضَّرْبِ شَيْءٌ أَشَدَّ مِنْ الْقَتْلِ انْتَهَى .
وَفِيهِ مَا فِيهِ ، وَمِمَّا وُجِّهَ بِهِ قَتْلُهُ :
أَنَّ تَارِكَهَا جَنَى عَلَى جَمِيعِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْمُؤْمِنِينَ
لِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ فِي التَّشَهُّدِ أَنْ يَقُولَ : السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ
اللَّهِ الصَّالِحِينَ ، قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { إذَا
قَالَهَا بَلَغَتْ كُلَّ عَبْدٍ صَالِحٍ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ } .
وَهَذِهِ
الْجِنَايَةُ الْعَامَّةُ لَا يَلِيقُ بِهَا إلَّا
الْقَتْلُ ، وَالْأَوْلَى أَنْ يُسْتَدَلَّ لِقَتْلِهِ بِالْأَحَادِيثِ
الصَّحِيحَةِ السَّابِقَةِ : أَنَّ تَارِكَهَا تَبْرَأُ مِنْهُ ذِمَّةُ اللَّهِ
وَذِمَّةُ رَسُولِهِ ، وَأَنَّهُ لَا عَهْدَ لَهُ لِأَنَّ ذَلِكَ ظَاهِرٌ أَوْ
صَرِيحٌ فِي إهْدَارِ دَمِهِ ، وَمِنْ لَازِمِ إهْدَارِهِ وُجُوبُ قَتْلِهِ ، وَإِنَّمَا
لَمْ يُقْتَلْ بِتَرْكِ الزَّكَاةِ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَخْذُهَا مِنْهُ
بِالْمُقَاتَلَةِ وَلَا بِتَرْكِ الصَّوْمِ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ إلْجَاؤُهُ إلَيْهِ
بِالْحَبْسِ وَمَنْعِ الْمُفْطِرِ كَالطَّعَامِ وَالشَّرَابِ ، فَإِنَّهُ إذَا
عَلِمَ أَنَّهُ لَا مُخَلِّصَ لَهُ إلَى تَنَاوُلِ مُفْطِرٍ نَهَارًا ، نَوَى
لَيْلًا ، وَصَامَ ، وَلَا بِتَرْكِ الْحَجِّ لِأَنَّهُ عَلَى التَّرَاخِي
وَيُمْكِنُ قَضَاؤُهُ مِنْ تَرِكَتِهِ ، وَالصَّلَاةُ لَيْسَتْ كَذَلِكَ فِي
الْكُلِّ فَلَمْ يُنَاسِبْ عُقُوبَةَ تَرْكِهَا إلَّا الْقَتْلُ ، وَإِذَا جَازَتْ
الْمُقَاتَلَةُ لِتَخْلِيصِ الزَّكَاةِ فَلَأَنْ يَجُوزَ الْقَتْلُ بِحَمْلِ
النَّاسِ بِالْخَوْفِ مِنْهُ عَلَى فِعْلِ الصَّلَاةِ مِنْ بَابِ أَوْلَى .
( الْكَبِيرَةُ الثَّامِنَةُ وَالسَّبْعُونَ : النَّوْمُ
عَلَى سَطْحٍ لَا تَحْجِيرَ بِهِ ) أَخْرَجَ أَبُو دَاوُد أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : { مَنْ بَاتَ عَلَى ظَهْرِ بَيْتٍ لَيْسَ لَهُ
حِجَارٌ فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُ الذِّمَّةُ } ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ "
حِجَابٌ " بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَهُوَ بِمَعْنَاهُ .
وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ غَرِيبٌ : { نَهَى رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَنَامَ الرَّجُلُ عَلَى سَطْحٍ
لَيْسَ بِمَحْجُورٍ عَلَيْهِ }
.
وَالطَّبَرَانِيُّ : { مَنْ رَمَانَا بِاللَّيْلِ فَلَيْسَ
مِنَّا وَمَنْ رَقَدَ عَلَى سَطْحٍ لَا جِدَارَ لَهُ فَمَاتَ فَدَمُهُ هَدَرٌ } .
وَعَنْ أَبِي عِمْرَانَ الْجَوْنِيِّ قَالَ : "
كُنَّا بِفَارِسَ وَعَلَيْنَا أَمِيرٌ يُقَالُ لَهُ زُهَيْرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
فَأَبْصَرَ إنْسَانًا فَوْقَ بَيْتٍ أَوْ إجَّارٍ - أَيْ بِكَسْرٍ فَجِيمٍ
مُشَدَّدَةٍ سَطْحٌ لَيْسَ حَوْلَهُ شَيْءٌ - فَقَالَ لِي سَمِعْتَ فِي هَذَا
شَيْئًا ؟ قُلْتُ : لَا ، قَالَ حَدَّثَنِي رَجُلٌ أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { مَنْ بَاتَ فَوْقَ إجَّارٍ أَوْ فَوْقَ
بَيْتٍ لَيْسَ حَوْلَهُ شَيْءٌ يَرُدُّ رِجْلَهُ فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُ
الذِّمَّةُ ، وَمَنْ رَكِبَ الْبَحْرَ بَعْدَمَا يُرِيحُ - أَيْ يَهِيجُ وَيَضْطَرِبُ - فَقَدْ بَرِئَتْ
مِنْهُ الذِّمَّةُ } رَوَاهُ أَحْمَدُ مَرْفُوعًا هَكَذَا وَمَوْقُوفًا
وَرُوَاتُهُمَا ثِقَاتٌ وَالْبَيْهَقِيُّ مَرْفُوعًا .
وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبَيْهَقِيِّ عَنْ أَبِي عِمْرَانَ
أَيْضًا قَالَ : كُنْت مَعَ زُهَيْرٍ الشَّوَّاءِ فَأَتَيْنَا عَلَى رَجُلٍ
نَائِمٍ عَلَى ظَهْرِ جِدَارٍ وَلَيْسَ لَهُ مَا يَدْفَعُ رِجْلَيْهِ فَضَرَبَ
يَدَهُ بِرِجْلِهِ ثُمَّ قَالَ قُمْ ، ثُمَّ قَالَ زُهَيْرٌ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { مَنْ بَاتَ عَلَى ظَهْرِ جِدَارٍ وَلَيْسَ لَهُ
مَا يَدْفَعُ رِجْلَيْهِ فَوَقَعَ فَمَاتَ فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُ الذِّمَّةُ } .
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ رَوَاهُ شُعْبَةُ عَنْ أَبِي عِمْرَانَ
عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي زُهَيْرٍ ، وَقِيلَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زُهَيْرِ بْنِ
أَبِي عَلِيٍّ ، وَقِيلَ عَنْ زُهَيْرِ بْنِ
أَبِي جَبَلٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ ، وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ
.
تَنْبِيهٌ :
أَخَذَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ
هَذِهِ الْأَحَادِيثِ عِنْدَ النَّوْمِ عَلَى سَطْحٍ غَيْرِ مَحُوطٍ مِنْ الْكَبَائِرِ
وَلَيْسَ هَذَا الْأَخْذُ بِصَحِيحٍ لِأَنَّ بَرَاءَةَ الذِّمَّةِ لَيْسَ
مَعْنَاهُ هُنَا بِخِلَافِهِ فِيمَا قَدَّمْته آنِفًا لِمَا هُوَ ظَاهِرٌ مِنْ
سِيَاقِ تِلْكَ الْأَحَادِيثِ وَهَذَا الْحَدِيثِ إلَّا أَنَّهُ وُكِلَ إلَى
نَفْسِهِ لِارْتِكَابِهِ مَا هُوَ سَبَبٌ لِلْهَلَاكِ عَادَةً فِي بَعْضِ النَّاسِ
فَلَمْ يَقْتَضِ ذَلِكَ الْحُرْمَةَ فَضْلًا عَنْ كَوْنِهِ كَبِيرَةً ، فَمِنْ
ثَمَّ اُتُّجِهَ أَنَّ الصَّوَابَ مَا عَلَيْهِ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ أَنَّ
ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ مَكْرُوهٌ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ ، وَعَلَى قِيَاسِ قَوْلِ مَنْ
عَدَّ ذَلِكَ كَبِيرَةً فَرُكُوبُ الْبَحْرِ وَقْتَ هَيَجَانِهِ يَكُونُ كَبِيرَةً
بِالْأَوْلَى ؛ لِأَنَّ هَذَا حَرَامٌ فَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ فِعْلُهُ
كَبِيرَةً لِأَنَّهُ إلْقَاءٌ بِالنَّفْسِ إلَى التَّهْلُكَةِ وَالتَّغْرِيرِ
الشَّنِيعِ ؛ فَبَرَاءَةُ الذِّمَّةِ فِيهِ بِمَعْنَى أَنَّهُ يُوكَلُ إلَى
نَفْسِهِ حَتَّى إذَا مَاتَ عُذِّبَ بِسَبَبِ تَعَدِّيهِ بِرُكُوبِهِ الْمُحَرَّمِ
، بِخِلَافِ النَّوْمِ عَلَى السَّطْحِ غَيْرِ الْمَحُوطِ فَإِنَّ الْهَلَاكَ لَا
يَغْلِبُ مِنْهُ كَمَا يَغْلِبُ مِنْ رُكُوبِهِ الْبَحْرَ الْمَذْكُورِ كَمَا هُوَ
مُشَاهَدٌ ، وَهَذَا هُوَ مَلْحَظُ قَوْلِ الْأَئِمَّةِ بِحُرْمَةِ هَذَا وَكَرَاهَةِ
ذَلِكَ .
( الْكَبِيرَةُ التَّاسِعَةُ وَالسَّبْعُونَ : تَرْكُ وَاجِبٍ
مِنْ وَاجِبَاتِ الصَّلَاةِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهَا أَوْ الْمُخْتَلَفِ فِيهَا
عِنْدَ مَنْ يَرَى الْوُجُوبَ كَتَرْكِ الطُّمَأْنِينَةِ فِي الرُّكُوعِ أَوْ
غَيْرِهِ ) أَخْرَجَ جَمَاعَةٌ وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيُّ
وَالْبَيْهَقِيُّ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { لَا
تُجْزِئُ صَلَاةُ الرَّجُلِ حَتَّى يُقِيمَ صُلْبَهُ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ } .
وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ
وَابْنَا خُزَيْمَةَ وَحِبَّانَ فِي صَحِيحَيْهِمَا : { نَهَى رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ نَقْرَةِ الْغُرَابِ ، وَافْتِرَاشِ
السَّبُعِ ، وَأَنْ يُوَطِّنَ الرَّجُلُ الْمَكَانَ فِي الْمَسْجِدِ كَمَا
يُوَطِّنُ الْبَعِيرُ } ، وَصَحَّ أَيْضًا { أَسْوَأُ النَّاسِ سَرِقَةً الَّذِي يَسْرِقُ
مِنْ صَلَاتِهِ ، قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ يَسْرِقُ مِنْ صَلَاتِهِ ؟
قَالَ : لَا يُتِمُّ رُكُوعَهَا وَلَا سُجُودَهَا } - أَوْ قَالَ - { لَا يُقِيمُ
صُلْبَهُ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ
} .
وَصَحَّ أَيْضًا : { أَسْرَقُ النَّاسِ الَّذِي يَسْرِقُ
صَلَاتَهُ ، قِيلَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ يَسْرِقُ صَلَاتَهُ ؟ قَالَ لَا
يُتِمُّ رُكُوعَهَا وَلَا سُجُودَهَا ، وَأَبْخَلُ النَّاسِ مَنْ بَخِلَ
بِالسَّلَامِ } .
وَأَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ وَابْنَا خُزَيْمَةَ
وَحِبَّانَ فِي صَحِيحَيْهِمَا
: { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَحَ
بِمُؤَخَّرِ عَيْنِهِ رَجُلًا خَلْفَهُ لَا يُقِيمُ صَلَاتَهُ - يَعْنِي صُلْبَهُ
- فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ فَلَمَّا قَضَى صَلَاتَهُ قَالَ : يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ
لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَا يُقِيمُ صُلْبَهُ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ } ،
وَالطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ رُوَاتُهُ ثِقَاتٌ : { لَا يَنْظُرُ اللَّهُ إلَى
صَلَاةِ عَبْدٍ لَا يُقِيمُ فِيهَا صُلْبَهُ بَيْنَ رُكُوعِهَا وَسُجُودِهَا } .
وَالطَّبَرَانِيُّ وَأَبُو يَعْلَى بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ
وَابْنُ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْأَشْعَرِيِّ {
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى رَجُلًا لَا
يُتِمُّ رُكُوعَهُ ، وَيَنْقُرُ فِي سُجُودِهِ وَهُوَ
يُصَلِّي ، فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَوْ مَاتَ
هَذَا عَلَى حَالِهِ مَاتَ عَلَى غَيْرِ مِلَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَثَلُ
الَّذِي لَا يُتِمُّ رُكُوعَهُ وَيَنْقُرُ فِي سُجُودِهِ مَثَلُ الْجَائِعِ
يَأْكُلُ التَّمْرَةَ وَالتَّمْرَتَيْنِ لَا يُغْنِيَانِ عَنْهُ شَيْئًا } .
قَالَ أَبُو صَالِحٍ قُلْت لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ :
مَنْ حَدَّثَ بِهَذَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟
قَالَ أُمَرَاءُ الْأَجْنَادِ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ ، وَخَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ
، وَشُرَحْبِيلُ بْنُ حَسَنَةَ سَمِعُوهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
وَأَبُو الْقَاسِمِ الْأَصْبَهَانِيُّ : { إنَّ
الرَّجُلَ لَيُصَلِّي سِتِّينَ سَنَةً وَمَا تُقْبَلُ لَهُ صَلَاةٌ لَعَلَّهُ
يُتِمُّ الرُّكُوعَ وَلَا يُتِمُّ السُّجُودَ وَيُتِمُّ السُّجُودَ وَلَا يُتِمُّ
الرُّكُوعَ } .
وَالطَّبَرَانِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ { أَنَّهُ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِأَصْحَابِهِ : لَوْ أَنَّ لِأَحَدِكُمْ هَذِهِ
السَّارِيَةَ لَكَرِهَ أَنْ يَجْدَعَ - أَيْ يَقْطَعَ - بَعْضَهَا ، كَيْفَ
يَعْمِدُ أَحَدُكُمْ فَيَجْدَعُ صَلَاتَهُ الَّتِي هِيَ لِلَّهِ فَأَتِمُّوا
صَلَاتَكُمْ فَإِنَّ اللَّهَ - عَزَّ وَجَلَّ - لَا يَقْبَلُ إلَّا تَامًّا } .
وَصَحَّ عَنْ بِلَالٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : أَنَّهُ
رَأَى رَجُلًا لَا يُتِمُّ الرُّكُوعَ وَلَا السُّجُودَ فَقَالَ : لَوْ مَاتَ
هَذَا مَاتَ عَلَى غَيْرِ مِلَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
وَالْبُخَارِيُّ عَنْ حُذَيْفَةَ : أَنَّهُ رَأَى
رَجُلًا يُصَلِّي لَا يُتِمُّ رُكُوعَ الصَّلَاةِ وَلَا سُجُودَهَا فَقَالَ لَهُ
حُذَيْفَةُ : مَا صَلَّيْتَ وَلَوْ مِتَّ وَأَنْتَ تُصَلِّي هَذِهِ الصَّلَاةَ
مِتَّ عَلَى غَيْرِ فِطْرَةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
زَادَ أَبُو دَاوُد أَنَّهُ قَالَ : " مُذْ كَمْ
تُصَلِّي هَذِهِ الصَّلَاةَ ؟ قَالَ مُنْذُ أَرْبَعِينَ سَنَةً ، قَالَ مَا
صَلَّيْتَ مُنْذُ أَرْبَعِينَ سَنَةً شَيْئًا ، وَلَوْ مِتَّ مِتَّ عَلَى غَيْرِ
فِطْرَةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " .
وَأَحْمَدُ بِإِسْنَادٍ
جَيِّدٍ :
{ لَا يَنْظُرُ اللَّهُ إلَى عَبْدٍ لَا يُقِيمُ
صُلْبَهُ بَيْنَ رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ ، وَمَا تَرَوْنَ فِي الشَّارِبِ
وَالزَّانِي وَالسَّارِقِ - وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ فِيهِمْ الْحُدُودُ ؟ قَالُوا
اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ ، قَالَ : هُنَّ فَوَاحِشُ وَفِيهِنَّ عُقُوبَةٌ
وَأَسْوَأُ السَّرِقَةِ الَّذِي يَسْرِقُ صَلَاتَهُ قَالُوا وَكَيْفَ يَسْرِقُ
صَلَاتَهُ ؟ قَالَ لَا يُتِمُّ رُكُوعَهَا وَلَا سُجُودَهَا } .
وَالْبَيْهَقِيُّ : { مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ
ثُمَّ قَامَ إلَى الصَّلَاةِ فَأَتَمَّ رُكُوعَهَا وَسُجُودَهَا وَالْقِرَاءَةَ
فِيهَا ، قَالَتْ الصَّلَاةُ : حَفِظَك اللَّهُ كَمَا حَفِظْتَنِي ثُمَّ صُعِدَ
بِهَا إلَى السَّمَاءِ ، وَلَهَا ضَوْءٌ وَنُورٌ ، وَفُتِحَتْ لَهَا أَبْوَابُ
السَّمَاءِ حَتَّى يُنْتَهَى بِهَا إلَى اللَّهِ فَتَشْفَعُ لِصَاحِبِهَا ،
وَإِذَا لَمْ يُتِمَّ رُكُوعَهَا وَلَا سُجُودَهَا وَلَا الْقِرَاءَةَ فِيهَا ،
قَالَتْ : ضَيَّعَك اللَّهُ كَمَا ضَيَّعْتَنِي ثُمَّ صُعِدَ بِهَا إلَى السَّمَاءِ
وَعَلَيْهَا ظُلْمَةٌ فَأُغْلِقَتْ دُونَهَا أَبْوَابُ السَّمَاءِ ثُمَّ تُلَفُّ
كَمَا يُلَفُّ الثَّوْبُ الْخَلَقُ فَيُضْرَبُ بِهَا وَجْهُ صَاحِبِهَا } .
وَالطَّبَرَانِيُّ : { وَمَنْ صَلَّاهَا لِغَيْرِ وَقْتِهَا
، وَلَمْ يُسْبِغْ لَهَا وُضُوءَهَا ، وَلَمْ يُتِمَّ لَهَا خُشُوعَهَا وَلَا
رُكُوعَهَا وَلَا سُجُودَهَا خَرَجَتْ ، وَهِيَ سَوْدَاءُ مُظْلِمَةٌ ، تَقُولُ
ضَيَّعَك اللَّهُ كَمَا ضَيَّعْتَنِي حَتَّى إذَا كَانَتْ حَيْثُ شَاءَ اللَّهُ لُفَّتْ
كَمَا يُلَفُّ الثَّوْبُ الْخَلَقُ ثُمَّ ضُرِبَ بِهَا وَجْهُهُ } .
وَصَحَّ كَمَا قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي
حَدِيثِ الْمُسِيءِ صَلَاتَهُ .
وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ إنَّهُ حَدِيثٌ حَسَنٌ { إنَّهُ
لَمَّا صَلَّى وَجَاءَ فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فَرَدَّ عَلَيْهِ ، ثُمَّ قَالَ : لَهُ ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّك لَمْ
تُصَلِّ ، فَرَجَعَ وَصَلَّى ، ثُمَّ جَاءَ وَسَلَّمَ فَرَدَّ عَلَيْهِ ، ثُمَّ
قَالَ لَهُ ذَلِكَ فَفَعَلَ ، ثُمَّ جَاءَ فَقَالَ لَهُ ذَلِكَ ، فَقَالَ : لَا أَدْرِي
مَا عِبْت عَلَيَّ ، فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّهُ لَا
تَتِمُّ صَلَاةُ
أَحَدِكُمْ حَتَّى يُسْبِغَ الْوُضُوءَ كَمَا أَمَرَهُ
اللَّهُ ، وَيَغْسِلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ إلَى الْمَرْفِقَيْنِ ، وَيَمْسَحَ
بِرَأْسِهِ وَرِجْلَيْهِ إلَى الْكَعْبَيْنِ ، ثُمَّ يُكَبِّرَ اللَّهَ وَيَحْمَدَهُ
وَيُمَجِّدَهُ وَيَقْرَأَ مِنْ الْقُرْآنِ مَا أَذِنَ اللَّهُ لَهُ فِيهِ
وَتَيَسَّرَ ، ثُمَّ يُكَبِّرَ وَيَرْكَعَ فَيَضَعَ كَفَّيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ
حَتَّى تَطْمَئِنَّ مَفَاصِلُهُ وَتَسْتَرْخِيَ ، ثُمَّ يَقُولَ : سَمِعَ اللَّهُ
لِمَنْ حَمِدَهُ ، وَيَسْتَوِيَ قَائِمًا حَتَّى يَأْخُذَ كُلُّ عَظْمٍ مَأْخَذَهُ
وَيُقِيمَ صُلْبَهُ ، ثُمَّ يُكَبِّرَ فَيَسْجُدَ وَيُمَكِّنَ جَبْهَتَهُ مِنْ
الْأَرْضِ حَتَّى تَطْمَئِنَّ مَفَاصِلُهُ وَتَسْتَرْخِيَ ، ثُمَّ يُكَبِّرَ
فَيَرْفَعَ رَأْسَهُ وَيَسْتَوِيَ قَاعِدًا عَلَى مَقْعَدَتِهِ وَيُقِيمَ صُلْبَهُ
، فَوَصَفَ الصَّلَاةَ هَكَذَا حَتَّى فَرَغَ ثُمَّ قَالَ ، لَا تَتِمُّ صَلَاةُ
أَحَدِكُمْ حَتَّى يَفْعَلَ ذَلِكَ
} .
وَالْبَزَّارُ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ : { الصَّلَاةُ
ثَلَاثَةُ أَثْلَاثٍ ، الطَّهُورُ ثُلُثٌ ، وَالرُّكُوعُ ثُلُثٌ ، وَالسُّجُودُ
ثُلُثٌ ، فَمَنْ أَدَّاهَا بِحَقِّهَا قُبِلَتْ مِنْهُ وَقُبِلَ مِنْهُ سَائِرُ
عَمَلِهِ ، وَمَنْ رُدَّتْ عَلَيْهِ صَلَاتُهُ رُدَّ عَلَيْهِ سَائِرُ عَمَلِهِ } .
تَنْبِيهٌ :
عَدُّ ذَلِكَ مِنْ الْكَبَائِرِ وَاضِحٌ وَإِنْ لَمْ
أَرَ مَنْ ذَكَرَهُ لَمَا عَلِمْته مِنْ هَذَا الْوَعِيدِ الشَّدِيدِ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ
عَلَى أَنَّ تَرْكَ وَاجِبٍ لَهَا مُجْمَعٍ عَلَيْهِ يَسْتَلْزِمُ تَرْكَ
الصَّلَاةِ وَأَنَّهُ كَبِيرَةٌ ، وَكَذَا الْمُخْتَلَفُ فِيهِ عِنْدَ مَنْ يَرَى
وُجُوبَهُ ، فَتَرْكُهُ مُسْتَلْزِمٌ لِتَرْكِهَا أَيْضًا ، فَفِيهِ أَيْضًا
الْوَعِيدُ السَّابِقُ فِي تَرْكِ الصَّلَاةِ .
الْكَبِيرَةُ الثَّمَانُونَ : الْوَصْلُ وَطَلَبُ
عَمَلِهِ الْكَبِيرَةُ الْحَادِيَةُ وَالثَّمَانُونَ : الْوَشْمُ وَطَلَبُ
عَمَلِهِ الْكَبِيرَةُ الثَّانِيَةُ وَالثَّمَانُونَ : وَشْرُ الْأَسْنَانِ أَيْ
تَحْدِيدُهَا وَطَلَبُ عَمَلِهِ الْكَبِيرَةُ الثَّالِثَةُ وَالثَّمَانُونَ :
التَّنْمِيصُ وَطَلَبُ عَمَلِهِ ، وَهُوَ جَرْدُ الْوَجْهِ أَخْرَجَ الشَّيْخَانِ
وَغَيْرُهُمَا : { لَعَنَ اللَّهُ الْوَاصِلَةَ وَالْمُسْتَوْصِلَةَ ،
وَالْوَاشِمَةَ وَالْمُسْتَوْشِمَةَ
} ، وَفِي
رِوَايَةٍ لَهُمَا عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ " لَعَنَ اللَّهُ الْوَاشِمَاتِ ،
وَالْمُسْتَوْشِمَاتِ وَالْمُتَنَمِّصَاتِ ، وَالْمُتَفَلِّجَاتِ لِلْحُسْنِ
الْمُغَيِّرَاتِ خَلْقَ اللَّهِ ، فَقَالَتْ لَهُ امْرَأَةٌ فِي ذَلِكَ فَقَالَ :
وَمَا لِي لَا أَلْعَنُ مَنْ لَعَنَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي كِتَابِ اللَّهِ - تَعَالَى - : { وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ
فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا } .
وَأَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ :
" لُعِنَتْ الْوَاصِلَةُ وَالْمُسْتَوْصِلَةُ وَالنَّامِصَةُ
وَالْمُتَنَمِّصَةُ وَالْوَاشِمَةُ وَالْمُسْتَوْشِمَةُ مِنْ غَيْرِ دَاءٍ " .
وَالشَّيْخَانِ : { أَنَّ امْرَأَةً مِنْ الْأَنْصَارِ
زَوَّجَتْ ابْنَتَهَا فَتَمَعَّطَ شَعَرُ رَأْسِهَا فَجَاءَتْ إلَى النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لَهُ وَقَالَتْ : إنَّ
زَوْجَهَا أَمَرَنِي أَنْ أَصِلَ فِي شَعَرِهَا ، فَقَالَ : لَا إنَّهُ قَدْ
لُعِنَ الْمَوْصُولَاتُ } .
وَرُوِيَ أَيْضًا أَنَّ مُعَاوِيَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
قَامَ عَلَى الْمِنْبَرِ عَامَ حَجَّ وَتَنَاوَلَ قُصَّةً مِنْ شَعَرٍ ، فَقَالَ
يَا أَهْلَ الْمَدِينَةِ أَيْنَ عُلَمَاؤُكُمْ ؟ سَمِعْت النَّبِيَّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ مِثْلِ هَذَا وَيَقُولُ : { إنَّمَا
هَلَكَتْ بَنُو إسْرَائِيلَ حِينَ اتَّخَذَهَا نِسَاؤُهُمْ } .
وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ أَنَّهُ أَخْرَجَ كُبَّةً مِنْ
شَعَرٍ فَقَالَ : { مَا كُنْت أَرَى أَحَدًا يَفْعَلُهُ إلَّا الْيَهُودُ إنَّ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَلَغَهُ فَسَمَّاهُ الزُّورَ } ، .
وَفِي أُخْرَى لَهُمَا أَنَّهُ قَالَ ذَاتَ يَوْمٍ :
إنَّكُمْ قَدْ اتَّخَذْتُمْ زِيَّ سُوءٍ فَإِنَّ نَبِيَّ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ الزُّورِ .
قَالَ قَتَادَةُ : يَعْنِي مَا تُكْثِرُ بِهِ النِّسَاءُ
أَشْعَارَهُنَّ مِنْ الْخِرَقِ
.
وَقَالَ : جَاءَ رَجُلٌ بِعَصًا وَعَلَى رَأْسِهَا
خِرْقَةٌ فَقَالَ مُعَاوِيَةُ : أَلَا هَذَا الزُّورُ .
وَفِي رِوَايَةٍ لِلطَّبَرَانِيِّ - فِي سَنَدِهَا ابْنُ
لَهِيعَةَ - { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ بِقُصَّةٍ
فَقَالَ : إنَّ نِسَاءَ بَنِي إسْرَائِيلَ كُنَّ يَجْعَلْنَ هَذَا فِي
رُءُوسِهِنَّ فَلُعِنَّ وَحُرِّمَ عَلَيْهِنَّ الْمَسَاجِدُ } .
وَالْوَاصِلَةُ الَّتِي تَصِلُ الشَّعَرَ بِشَعَرٍ آخَرَ
، ، وَالْوَاشِمَةُ الَّتِي تَفْعَلُ الْوَشْمَ وَهُوَ مَعْرُوفٌ ، ،
وَالنَّامِصَةُ الَّتِي تَنْقُشُ الْحَاجِبَ حَتَّى تُرِقَّهُ كَذَا قَالَ أَبُو
دَاوُد ، وَالْأَشْهَرُ مَا قَالَهُ الْخَطَّابِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ مِنْ
النَّمْصِ ، وَهُوَ نَتْفُ شَعَرِ الْوَجْهِ ، ، وَالْمُتَفَلِّجَةُ هِيَ الَّتِي
تُفَلِّجُ أَسْنَانَهَا بِنَحْوِ مِبْرَدٍ لِلْحُسْنِ ، وَالْمُسْتَوْصِلَةَ وَالْمُتَنَمِّصَةُ
وَالْمُسْتَوْشِمَةَ الْمَفْعُولُ بِهَا ذَلِكَ .
تَنْبِيهٌ :
ذَكَرَ هَذِهِ كُلَّهَا مِنْ الْكَبَائِرِ ، وَهُوَ مَا
جَرَى عَلَيْهِ شَيْخُ الْإِسْلَامِ الْجَلَالُ الْبُلْقِينِيُّ فِي
الْأَوَّلَيْنِ ، وَغَيْرُهُ فِي الْكُلِّ ، وَهُوَ ظَاهِرٌ لِمَا مَرَّ أَنَّ
مِنْ أَمَارَاتِ الْكَبِيرَةِ اللَّعْنَ ، وَقَدْ عَلِمْت صِحَّةَ الْأَحَادِيثِ بِلَعْنِ
الْكُلِّ ، لَكِنْ لَمْ يَجْرِ كَثِيرٌ مِنْ أَئِمَّتِنَا عَلَى إطْلَاقِ ذَلِكَ ،
بَلْ قَالُوا : إنَّمَا يَحْرُمُ غَيْرُ الْوَشْمِ وَالنَّمْصِ بِغَيْرِ إذْنِ
الزَّوْجِ أَوْ السَّيِّدِ ، وَهُوَ مُشْكِلٌ لِمَا عَلِمْت فِي قِصَّةِ
الْأَنْصَارِيَّةِ فَإِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهَا : لَا
، مَعَ قَوْلِهَا إنَّ الزَّوْجَ أَمَرَ بِالْوَصْلِ ، وَعَجِيبٌ قَوْلُهُمْ بِكَرَاهَةِ
النَّمْصِ بِمَعْنَيَيْهِ السَّابِقَيْنِ مَعَ اللَّعْنِ فِيهِ وَمَعَ قَوْلِهِمْ بِالْحُرْمَةِ
فِي غَيْرِهِ مُطْلَقًا أَوْ بِغَيْرِ إذْنِ الزَّوْجِ عَلَى الْخِلَافِ فِيهِ ،
وَأَيُّ فَرْقٍ مَعَ وُقُوعِ اللَّعْنِ عَلَى الْكُلِّ فِي حَدِيثٍ وَاحِدٍ ،
وَالْجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ أَشَارُوا إلَيْهِ فِي
مَحَلِّهِ .
( الْكَبِيرَةُ الرَّابِعَةُ وَالثَّمَانُونَ :
الْمُرُورُ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي إذَا صَلَّى لِسُتْرَةٍ بِشَرْطِهَا )
أَخْرَجَ الشَّيْخَانِ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ : { لَوْ يَعْلَمُ الْمَارُّ بَيْنَ
يَدَيْ الْمُصَلِّي مَاذَا عَلَيْهِ لَكَانَ أَنْ يَقِفَ أَرْبَعِينَ خَيْرًا لَهُ
مِنْ أَنْ يَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ
} .
وَفِي رِوَايَةٍ صَحِيحَةٍ : { لَكَانَ أَنْ يَقُومَ أَرْبَعِينَ
خَرِيفًا } : سَنَةً أَيْ خَيْرًا لَهُ مِنْ أَنْ يَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ .
قَالَ التِّرْمِذِيُّ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ
قَالَ : { لَأَنْ يَقِفَ أَحَدُكُمْ مِائَةَ عَامٍ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَمُرَّ
بَيْنَ يَدَيْ أَخِيهِ وَهُوَ يُصَلِّي
.
} وَصَحَّ فِيهِ حَدِيثٌ وَهُوَ : { لَوْ يَعْلَمُ أَحَدُكُمْ
مَا لَهُ فِي أَنْ يَمْشِيَ بَيْنَ يَدَيْ أَخِيهِ مُعْتَرِضًا وَهُوَ يُنَاجِي
رَبَّهُ لَكَانَ أَنْ يَقِفَ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ مِائَةَ عَامٍ أَحَبَّ إلَيْهِ
مِنْ الْخُطْوَةِ الَّتِي خَطَاهَا
} .
وَأَخْرَجَ الشَّيْخَانِ : { إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ
إلَى شَيْءٍ يَسْتُرُهُ مِنْ النَّاسِ فَأَرَادَ أَحَدٌ أَنْ يَجْتَازَ بَيْنَ
يَدَيْهِ فَلْيَدْفَعْ فِي نَحْرِهِ فَإِنْ أَبَى فَلْيُقَاتِلْهُ فَإِنَّمَا هُوَ
شَيْطَانٌ } .
وَصَحَّ أَيْضًا : { فَلَا يَدَعْ أَحَدًا يَمُرُّ
بَيْنَ يَدَيْهِ فَإِنْ أَبَى فَلْيُقَاتِلْهُ فَإِنَّ مَعَهُ الْقَرِينَ } أَيْ
وَأَطَاعَهُ وَإِلَّا فَلَا خُصُوصِيَّةَ لَهُ .
وَأَخْرَجَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ مَوْقُوفًا : { لَأَنْ يَكُونَ
الرَّجُلُ رَمَادًا يُذْرَى بِهِ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْ
رَجُلٍ مُتَعَمِّدًا وَهُوَ يُصَلِّي
} .
تَنْبِيهٌ :
عَدُّ هَذَا كَبِيرَةً هُوَ مَا وَقَعَ لِبَعْضِ
أَئِمَّتِنَا وَكَأَنَّهُ أَخَذَهُ مِنْ نَحْوِ مَا ذَكَرْته مِنْ هَذِهِ
الْأَحَادِيثِ فَإِنَّ فِيهَا وَعِيدًا شَدِيدًا كَمَا لَا يَخْفَى ، وَاسْتُفِيدَ
مِنْهَا أَنَّ شَرْطَ التَّحْرِيمِ أَنْ يُصَلِّيَ إلَى سَاتِرٍ ، وَهُوَ عِنْدَنَا
جِدَارٌ أَوْ عَمُودٌ أَوْ نَحْوُ عَصًا يَغْرِزُهَا ، أَوْ مَتَاعٍ يَجْمَعُهُ ،
فَإِنْ عَجَزَ بَسَطَ مُصَلًّى ، فَإِنْ عَجَزَ خَطَّ خَطًّا طُولًا عَنْ
يَمِينِهِ أَوْ يَسَارِهِ ، وَيُشْتَرَطُ قُرْبُهُ مِنْهُ بِأَنْ لَا يَكُونَ
بَيْنَ عَقِبِهِ وَبَيْنَهُ
أَكْثَرُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَذْرُعٍ ، وَأَنْ يَكُونَ
طُولُ أَحَدِ الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ ثُلُثَيْ ذِرَاعٍ فَأَكْثَرَ ، وَأَنْ لَا
يَقِفَ بِطَرِيقٍ كَالْمَطَافِ وَقْتَ طَوَافِ أَحَدٍ بِهِ ، وَأَنْ لَا يَكُونَ
بَيْنَ يَدَيْهِ فُرْجَةٌ فِي صَفٍّ وَإِنْ بَعُدَ عَنْهُ ، فَإِنْ انْتَفَى شَرْطٌ
مِمَّا ذُكِرَ لَمْ يَحْرُمْ الْمُرُورُ بَيْنَ يَدَيْهِ بَلْ يُكْرَهُ ، وَقِيلَ
يَحْرُمُ فِي مَحَلِّ سُجُودِهِ وَعَلَيْهِ جَمَاعَةٌ مِنْ أَئِمَّتِنَا .
( الْكَبِيرَةُ الْخَامِسَةُ وَالثَّمَانُونَ : إطْبَاقُ أَهْلِ
الْقَرْيَةِ أَوْ الْبَلَدِ أَوْ نَحْوِهِمَا عَلَى تَرْكِ الْجَمَاعَةِ فِي
فَرْضٍ مِنْ الْمَكْتُوبَاتِ الْخَمْسِ وَقَدْ وُجِدَتْ فِيهِمْ شُرُوطُ وُجُوبِ
الْجَمَاعَةِ ) أَخْرَجَ الشَّيْخَانِ
: { لَقَدْ هَمَمْت أَنْ آمُرَ بِالصَّلَاةِ فَتُقَامَ ،
ثُمَّ آمُرَ رَجُلًا فَيَؤُمَّ النَّاسَ ثُمَّ أَنْطَلِقَ مَعِي بِرِجَالٍ
مَعَهُمْ حُزَمٌ مِنْ حَطَبٍ إلَى قَوْمٍ لَا يَشْهَدُونَ الْجَمَاعَةَ
فَأُحَرِّقَ عَلَيْهِمْ بُيُوتَهُمْ
} .
وَأَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَابْنَا خُزَيْمَةَ
وَحِبَّانَ فِي صَحِيحَيْهِمَا عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : { مَا مِنْ
ثَلَاثَةٍ فِي قَرْيَةٍ وَلَا بَدْوٍ لَا تُقَامُ فِيهِمْ الصَّلَاةُ إلَّا قَدْ
اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمْ الشَّيْطَانُ ، أَيْ غَلَبَ ، فَعَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَةِ
فَإِنَّمَا يَأْكُلُ الذِّئْبُ مِنْ الْغَنَمِ الْقَاصِيَةَ } زَادَ رَزِينٌ : {
وَإِنَّ ذِئْبَ الْإِنْسَانِ الشَّيْطَانُ إذَا خَلَا بِهِ أَكَلَهُ } .
وَالْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ : { ثَلَاثَةٌ
لَعَنَهُمْ اللَّهُ : مَنْ تَقَدَّمَ قَوْمًا وَهُمْ لَهُ كَارِهُونَ ،
وَامْرَأَةٌ بَاتَتْ تُحَذِّفُ وَزَوْجُهَا عَلَيْهَا سَاخِطٌ ، وَرَجُلٌ سَمِعَ
حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ فَلَمْ يُجِبْ } .
وَالشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ
قَالَ : " مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَلْقَى اللَّهَ غَدًا مُسْلِمًا - يَعْنِي يَوْمَ
الْقِيَامَةِ - فَلْيُحَافِظْ عَلَى هَؤُلَاءِ الصَّلَوَاتِ حَيْثُ يُنَادَى
بِهِنَّ فَإِنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - شَرَعَ لِنَبِيِّكُمْ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُنَنَ الْهُدَى
- وَإِنَّهُنَّ - مِنْ سُنَنِ الْهُدَى ، وَلَوْ
أَنَّكُمْ صَلَّيْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ كَمَا يُصَلِّي هَذَا الْمُتَخَلِّفُ فِي
بَيْتِهِ لَتَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ ، وَلَوْ تَرَكْتُمْ سُنَّةَ
نَبِيِّكُمْ لَضَلَلْتُمْ .
وَمَا مِنْ رَجُلٍ يَتَطَهَّرُ فَيُحْسِنُ الطُّهُورَ ، ثُمَّ
يَعْمِدَ إلَى مَسْجِدٍ مِنْ هَذِهِ الْمَسَاجِدِ إلَّا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ
بِكُلِّ خُطْوَةٍ يَخْطُوهَا حَسَنَةً ، وَيَرْفَعُهُ بِهَا دَرَجَةً
وَيَحُطُّ بِهَا عَنْهُ سَيِّئَةً ، وَلَقَدْ
رَأَيْتُنَا وَمَا يَتَخَلَّفُ عَنْهَا إلَّا مُنَافِقٌ مَعْلُومُ النِّفَاقِ ، وَلَقَدْ
كَانَ الرَّجُلُ يُؤْتَى بِهِ يُهَادَى بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ حَتَّى يُقَامَ فِي
الصَّفِّ " ، وَفِي رِوَايَةٍ : " لَقَدْ رَأَيْتنَا وَمَا يَتَخَلَّفُ
عَنْ الصَّلَاةِ إلَّا مُنَافِقٌ قَدْ عُلِمَ نِفَاقُهُ أَوْ مَرِيضٌ ، إنْ كَانَ
الْمَرِيضُ لَيَمْشِي بَيْنَ رَجُلَيْنِ حَتَّى يَأْتِيَ الصَّلَاةَ "
وَقَالَ إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَّمَنَا
سُنَنَ الْهُدَى ، وَإِنَّ مِنْ سُنَنِ الْهُدَى الصَّلَاةَ فِي الْمَسْجِدِ
الَّذِي يُؤَذَّنُ فِيهِ .
وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُد بَدَلُ قَوْلِهِ - :
" وَلَوْ تَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ لَضَلَلْتُمْ " - وَلَوْ
تَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ لَكَفَرْتُمْ " .
وَأَحْمَدُ وَالطَّبَرَانِيُّ : { الْجَفَاءُ كُلُّ الْجَفَاءِ
، وَالْكُفْرُ وَالنِّفَاقُ مَنْ سَمِعَ مُنَادِيَ اللَّهِ يُنَادِي إلَى
الصَّلَاةِ فَلَا يُجِيبُهُ } .
وَفِي رِوَايَةٍ لِلطَّبَرَانِيِّ : { بِحَسْبِ
الْمُؤْمِنِ مِنْ الشَّقَاءِ وَالْخَيْبَةِ أَنْ يَسْمَعَ الْمُؤَذِّنَ يُثَوِّبُ
بِالصَّلَاةِ فَلَا يُجِيبُهُ }
وَالتَّثْوِيبُ هُنَا اسْمٌ لِإِقَامَةِ الصَّلَاةِ .
وَمُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ : { لَقَدْ هَمَمْت أَنْ آمُرَ
فِتْيَتِي فَيَجْمَعُوا إلَيَّ حُزَمًا مِنْ حَطَبٍ ثُمَّ آتِيَ قَوْمًا
يُصَلُّونَ فِي بُيُوتِهِمْ لَيْسَتْ بِهِمْ عِلَّةٌ فَأُحَرِّقَهَا عَلَيْهِمْ }
فَقِيلَ لِيَزِيدَ - هُوَ ابْنُ الْأَصَمِّ - : الْجُمُعَةَ عَنَى أَوْ غَيْرَهَا ؟
قَالَ : صُمَّتَا أُذُنَايَ إنْ لَمْ أَكُنْ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَأْثُرُهُ
عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَذْكُرْ جُمُعَةً
وَلَا غَيْرَهَا .
وَأَحْمَدُ بِسَنَدٍ جَيِّدٍ { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَى الْمَسْجِدَ فَرَأَى فِي الْقَوْمِ
رِقَّةً فَقَالَ : إنِّي لَأَهُمُّ أَنْ أَجْعَلَ لِلنَّاسِ إمَامًا ثُمَّ
أَخْرُجُ فَلَا أَقْدِرُ عَلَى إنْسَانٍ يَتَخَلَّفُ عَنْ الصَّلَاةِ فِي بَيْتِهِ
إلَّا أَحْرَقْتُهُ عَلَيْهِ فَقَالَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ : يَا رَسُولَ اللَّهِ
إنَّ بَيْنِي وَبَيْنَ الْمَسْجِدِ نَخْلًا
وَشَجَرًا وَلَا أَقْدِرُ عَلَى قَائِدٍ كُلَّ سَاعَةٍ
أَيَسَعُنِي أَنْ أُصَلِّيَ فِي بَيْتِي قَالَ : أَتَسْمَعُ
الْإِقَامَةَ ؟ قَالَ : نَعَمْ قَالَ : فَأْتِهَا } .
وَمُسْلِمٌ :
{ إنَّ أَعْمَى قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ لَيْسَ لِي
قَائِدٌ يَقُودُنِي إلَى الْمَسْجِدِ فَسَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أَنْ يُرَخِّصَ لَهُ فَرَخَّصَ لَهُ ، فَلَمَّا وَلَّى دَعَاهُ فَقَالَ
هَلْ تَسْمَعُ النِّدَاءَ بِالصَّلَاةِ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، قَالَ فَأَجِبْ } .
وَأَبُو دَاوُد : { إنَّ ابْنَ أُمِّ مَكْتُومٍ أَتَى
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ
الْمَدِينَةَ كَثِيرَةُ الْهَوَامِّ وَالسِّبَاعِ وَأَنَا ضَرِيرُ الْبَصَرِ
شَاسِعُ الدَّارِ - أَيْ بَعِيدُهَا - وَلِي قَائِدٌ لَا يُلَائِمُنِي فَهَلْ لِي
رُخْصَةٌ أَنْ أُصَلِّيَ فِي بَيْتِي ؟ فَقَالَ : هَلْ تَسْمَعُ النِّدَاءَ ؟ فَقَالَ
نَعَمْ ، قَالَ فَأَجِبْ فَإِنِّي لَا أَجِدُ لَكُمْ رُخْصَةً } .
وَابْنُ مَاجَهْ : { لَيَنْتَهِيَنَّ رِجَالٌ عَنْ
تَرْكِ الْجَمَاعَةِ أَوْ لَأُحَرِّقَنَّ بُيُوتَهُمْ } وَصَحَّحَ الْحَاكِمُ خَبَرَ : { مَنْ
سَمِعَ النِّدَاءَ فَارِغًا صَحِيحًا فَلَمْ يُجِبْ فَلَا صَلَاةَ لَهُ } ، لَكِنْ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ الصَّحِيحُ وَقْفُهُ .
وَأَبُو دَاوُد : { مَنْ يَسْمَعُ الْمُنَادِيَ بِالصَّلَاةِ
فَلَمْ يَمْنَعْهُ مِنْ اتِّبَاعِهِ عُذْرٌ قِيلَ وَمَا الْعُذْرُ ؟ قَالَ خَوْفٌ
أَوْ مَرَضٌ لَمْ تُقْبَلْ مِنْهُ الصَّلَاةُ الَّتِي صَلَّى } يَعْنِي فِي بَيْتِهِ .
وَقَالَ إبْرَاهِيمُ التَّيْمِيُّ فِي قَوْله تَعَالَى :
{ يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ
خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إلَى السُّجُودِ
وَهُمْ سَالِمُونَ } إنَّ ذَلِكَ الْيَوْمَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ فَإِنَّهُ
يَغْشَاهُمْ فِيهِ ذُلُّ النَّدَامَةِ لِأَجْلِ كَوْنِهِمْ كَانُوا يُدْعَوْنَ فِي
الدُّنْيَا إلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ فَلَمْ يُجِيبُوا ، وَقَالَ أَيْضًا
: يُدْعَوْنَ إلَى الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ بِالْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ .
وَقَالَ ابْنُ الْمُسَيِّبِ : كَانُوا يَسْمَعُونَ
" حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ " فَلَا
يُجِيبُونَ وَهُمْ أَصِحَّاءُ سَالِمُونَ .
وَقَالَ كَعْبُ الْأَحْبَارِ : وَاَللَّهِ مَا نَزَلَتْ
هَذِهِ الْآيَةُ إلَّا فِي الْمُتَخَلِّفِينَ عَنْ الْجَمَاعَاتِ فَأَيُّ وَعِيدٍ
أَبْلَغُ وَأَشَدُّ مِنْ هَذَا لِمَنْ تَرَكَ الْجَمَاعَةَ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ .
وَسُئِلَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا
عَمَّنْ يَصُومُ النَّهَارَ وَيَقُومُ اللَّيْلَ وَلَا يُصَلِّي فِي الْجَمَاعَةِ
وَلَا يُجَمِّعُ ؟ فَقَالَ : إنْ مَاتَ هَذَا فَهُوَ فِي النَّارِ .
وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ : لَأَنْ يَمْتَلِئَ أُذُنُ
ابْنِ آدَمَ رَصَاصًا مُذَابًا خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَسْمَعَ النِّدَاءَ وَلَا
يُجِيبَ .
وَقَالَ عَلِيٌّ - كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ - : لَا
صَلَاةَ لِجَارِ الْمَسْجِدِ إلَّا فِي الْمَسْجِدِ ، قِيلَ : وَمَنْ جَارُ
الْمَسْجِدِ ؟ قَالَ : مَنْ يَسْمَعُ الْأَذَانَ ، وَكُلٌّ مِنْ هَذَيْنِ
اللَّذَيْنِ قَالَهُمَا جَاءَ حَدِيثًا : وَقَالَ حَاتِمٌ الْأَصَمُّ : فَاتَتْنِي
مَرَّةً صَلَاةٌ فَعَزَّانِي أَبُو إِسْحَاقَ الْبُخَارِيُّ وَحْدَهُ وَلَوْ مَاتَ
لِي وَلَدٌ لَعَزَّانِي أَكْثَرُ مِنْ عَشَرَةِ آلَافِ نَفْسٍ لِأَنَّ مُصِيبَةَ
الدِّينِ عِنْدَ النَّاسِ أَهْوَنُ مِنْ مُصِيبَةِ الدُّنْيَا .
وَحَكَى ابْنُ عُمَرَ : أَنَّ عُمَرَ خَرَجَ إلَى
بُسْتَانٍ لَهُ فَرَجَعَ وَقَدْ صَلَّى النَّاسُ الْعَصْرَ ، فَقَالَ : إنَّا
لِلَّهِ وَإِنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ ، فَاتَتْنِي صَلَاةُ الْعَصْرِ فِي
الْجَمَاعَةِ أُشْهِدُكُمْ أَنَّ حَائِطِي عَلَى الْمَسَاكِينِ صَدَقَةٌ لِتَكُونَ
كَفَّارَةً لِمَا صُنِعَ .
وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا : كُنَّا
إذَا فَقَدْنَا الْإِنْسَانَ فِي صَلَاةِ الْعِشَاءِ وَالصُّبْحِ فِي الْجَمَاعَةِ
أَسَأْنَا بِهِ الظَّنَّ أَنْ يَكُونَ قَدْ نَافَقَ أَيْ لِحَدِيثِ : { إنَّهُمَا
أَثْقَلُ الصَّلَوَاتِ عَلَى الْمُنَافِقِينَ وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِيهِمَا
لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا }
.
تَنْبِيهٌ :
فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا دَلِيلٌ
لِمَذْهَبِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ أَنَّ الْجَمَاعَةَ فَرْضُ عَيْنٍ ، وَبِهِ
يَظْهَرُ مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ أَيْضًا مِنْ أَنَّ تَرْكَ الْجَمَاعَةِ
بِالْقُيُودِ الَّتِي قَدَّمْتهَا كَبِيرَةٌ وَلَمْ أَرَ مَنْ
صَرَّحَ بِذَلِكَ ، بَلْ الظَّاهِرُ مِنْ الْأَحَادِيثِ
أَيْضًا أَنَّ تَرْكَهَا بِالْقُيُودِ الَّتِي قَدَّمْتهَا كَبِيرَةٌ ، وَإِنْ
قُلْنَا بِالرَّاجِحِ فِي مَذْهَبِنَا أَنَّهَا فَرْضُ كِفَايَةٍ ، وَيُؤَيِّدُ
ذَلِكَ أَنَّ الْإِمَامَ يُقَاتِلُهُمْ عَلَى تَرْكِهَا ؛ وَأَمَّا مَا رَجَّحَهُ الرَّافِعِيُّ
مِنْ أَنَّهَا سُنَّةٌ وَأَنَّهُمْ لَا يُقَاتَلُونَ عَلَى تَرْكِهَا فَلَا
يَقْتَضِي أَنَّا عَلَى الْمُعْتَمَدِ لَا نَجْعَلُهُ كَبِيرَةً ، لِأَنَّهُ
يُؤَوِّلُ الْأَحَادِيثَ بِحَمْلِهَا عَلَى الْمُنَافِقِينَ ، فَهِيَ وَارِدَةٌ
فِي قَوْمٍ كُفَّارٍ مُنَافِقِينَ فَلَا حُجَّةَ فِيهَا فَهُوَ وَإِنْ سَلِمَ لَهُ
فِيمَنْ عَزَمَ عَلَى حَرْقِهِمْ فَلَا يَسْلَمُ لَهُ فِي الْمَلْعُونِينَ
وَنَحْوِهِمْ ، وَقَدْ مَرَّ أَنَّ اللَّعْنَ مِنْ أَمَارَاتِ الْكَبِيرَةِ ،
فَظَهَرَ أَنَّ تَرْكَهَا كَبِيرَةٌ فَيُفَسَّقُ أَهْلُ الْبَلَدِ مَثَلًا إذْ
تَوَاطَئُوا عَلَيْهِ وَلَوْ فِي صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ مِنْ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ
كَمَا مَرَّ لِأَنَّهُ دَلِيلٌ ظَاهِرٌ عَلَى تَهَاوُنِهِمْ بِالدِّينِ فَهُوَ جَرِيمَةٌ
تُؤْذِنُ بِقِلَّةِ اكْتِرَاثِ مُرْتَكِبِهَا بِالدِّينِ وَرِقَّةِ الدِّيَانَةِ .
ثُمَّ رَأَيْت الذَّهَبِيَّ ذَكَرَ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ
الْكَبَائِرِ ، لَكِنْ عَلَى غَيْرِ الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرْته فَإِنَّهُ قَالَ :
الْكَبِيرَةُ السَّادِسَةُ وَالسِّتُّونَ الْإِصْرَارُ عَلَى تَرْكِ صَلَاةِ
الْجَمَاعَةِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ ، وَاسْتَدَلَّ لَهُ بِبَعْضِ مَا سَبَقَ ، وَمَا
ذَكَرَهُ لَا يَتَمَشَّى إلَّا عَلَى مَذْهَبِ أَحْمَدَ الْقَائِلِ بِأَنَّهَا
فَرْضُ عَيْنٍ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ لَا عَلَى مَذْهَبِنَا ، لِأَنَّهَا إمَّا
فَرْضُ كِفَايَةٍ أَوْ سُنَّةٌ ، وَكُلٌّ مِنْ فَرْضِ الْكِفَايَةِ - إذَا قَامَ
بِهِ غَيْرُهُ - وَمِنْ السُّنَّةِ لَا إثْمَ بِتَرْكِهِ فَضْلًا عَنْ كَوْنِهِ كَبِيرَةً .
( الْكَبِيرَةُ السَّادِسَةُ وَالثَّمَانُونَ : إمَامَةُ
الْإِنْسَانِ لِقَوْمٍ وَهُمْ لَهُ كَارِهُونَ ) أَخْرَجَ الْحَاكِمُ فِي
مُسْتَدْرَكِهِ : { ثَلَاثَةٌ لَعَنَهُمْ اللَّهُ : مَنْ تَقَدَّمَ قَوْمًا وَهُمْ
لَهُ كَارِهُونَ ، وَامْرَأَةٌ بَاتَتْ وَزَوْجُهَا عَلَيْهَا سَاخِطٌ ، وَرَجُلٌ
سَمِعَ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ فَلَمْ يُجِبْ } .
وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ غَرِيبٌ : { ثَلَاثَةٌ
لَا تُجَاوِزُ صَلَاتُهُمْ آذَانَهُمْ
: الْعَبْدُ الْآبِقُ حَتَّى يَرْجِعَ ، وَامْرَأَةٌ
بَاتَتْ وَزَوْجُهَا عَلَيْهَا سَاخِطٌ ، وَإِمَامُ قَوْمٍ وَهُمْ لَهُ كَارِهُونَ } .
وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ : { ثَلَاثَةٌ لَا
يَقْبَلُ اللَّهُ مِنْهُمْ صَلَاةً : مَنْ تَقَدَّمَ قَوْمًا وَهُمْ لَهُ
كَارِهُونَ ، وَرَجُلٌ يَأْتِي الصَّلَاةَ دِبَارًا - وَالدِّبَارُ أَنْ
يَأْتِيَهَا بَعْدَ أَنْ تَفُوتَهُ - وَرَجُلٌ اعْتَبَدَ حُرًّا } أَيْ جَعَلَهُ
عَبْدًا .
وَالطَّبَرَانِيُّ - بِسَنَدٍ قِيلَ فِي بَعْضِ رِجَالِهِ :
إنَّ لَهُ مَنَاكِيرَ - : أَنَّ طَلْحَةَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ صَلَّى بِقَوْمٍ فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ : إنِّي نَسِيت أَنْ
أَسْتَأْمِرَكُمْ قَبْلَ أَنْ أَتَقَدَّمَ أَرَضِيتُمْ بِصَلَاتِي ؟ قَالُوا :
نَعَمْ وَمَنْ يَكْرَهُ ذَلِكَ يَا حَوَارِيَّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ قَالَ : إنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَقُولُ : { أَيُّمَا رَجُلٍ أَمَّ قَوْمًا وَهُمْ لَهُ كَارِهُونَ لَمْ
تُجَاوِزْ صَلَاتُهُ أُذُنَيْهِ
} .
وَابْنُ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ مُرْسَلًا
وَمَرْفُوعًا : { ثَلَاثَةٌ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ مِنْهُمْ صَلَاةً ، لَا تَصْعَدُ
إلَى السَّمَاءِ وَلَا تُجَاوِزُ رُءُوسَهُمْ : رَجُلٌ أَمَّ قَوْمًا وَهُمْ لَهُ
كَارِهُونَ ، وَرَجُلٌ صَلَّى عَلَى جِنَازَةٍ وَلَمْ يُؤَمَّرْ ، وَامْرَأَةٌ
دَعَاهَا زَوْجُهَا مِنْ اللَّيْلِ فَأَبَتْ عَلَيْهِ } .
وَابْنُ مَاجَهْ : { ثَلَاثَةٌ لَا تُرْفَعُ صَلَاتُهُمْ
عَلَى رُءُوسِهِمْ شِبْرًا : رَجُلٌ أَمَّ قَوْمًا وَهُمْ لَهُ كَارِهُونَ ،
وَامْرَأَةٌ بَاتَتْ وَزَوْجُهَا عَلَيْهَا سَاخِطٌ ، وَأَخَوَانِ مُتَصَارِمَانِ } .
وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ : {
=============
ج4. كتاب : الزواجر عن اقتراف الكبائر أحمد بن محمد بن حجر المكي
الهيتمي
ثَلَاثَةٌ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ لَهُمْ صَلَاةً : إمَامُ
قَوْمٍ وَهُمْ لَهُ كَارِهُونَ ، وَامْرَأَةٌ بَاتَتْ وَزَوْجُهَا عَلَيْهَا
غَضْبَانُ ، وَأَخَوَانِ مُتَصَارِمَانِ } .
تَنْبِيهٌ : عَدُّ هَذَا مِنْ الْكَبَائِرِ مَعَ
الْجَزْمِ بِهِ وَقَعَ لِبَعْضِ أَئِمَّتِنَا وَكَأَنَّهُ نَظَرَ إلَى مَا فِي
هَذِهِ الْأَحَادِيثِ ، وَهُوَ عَجِيبٌ مِنْهُ ، فَإِنَّ ذَلِكَ مَكْرُوهٌ
عِنْدَنَا إنْ كَرِهَهُ أَكْثَرُ الْقَوْمِ لِأَمْرٍ مَذْمُومٍ فِيهِ شَرْعًا
مِمَّا لَا يَقْدَحُ فِي عَدَالَتِهِ وَنَحْوِهَا مِمَّا تُكْرَهُ الْإِمَامَةُ
وَالِاقْتِدَاءُ مَعَهُ وَلَيْسَ الِاقْتِدَاءُ بِهِ مَكْرُوهًا مُطْلَقًا ، وَلَا
إمَامَتُهُ بِمُحَرَّمَةٍ مُطْلَقًا
.
فَضْلًا عَنْ كَوْنِهِ كَبِيرَةً ، لِأَنَّ الْإِمَامَ
لَيْسَ بِمُجْبِرٍ لِأَحَدٍ عَلَى الِاقْتِدَاءِ بِهِ إذْ هُمْ بِسَبِيلٍ مِنْ
أَنْ لَا يُصَلُّوا وَرَاءَهُ فَهُمْ الْمُقَصِّرُونَ دُونَهُ ، نَعَمْ .
إنْ حُمِلَتْ تِلْكَ الْأَحَادِيثُ عَلَى مَنْ تَعَدَّى
عَلَى وَظِيفَةِ إمَامٍ رَاتِبٍ فَصَلَّى فِيهَا قَهْرًا عَلَى صَاحِبِهَا وَعَلَى
الْمَأْمُومِينَ أَمْكَنَ أَنْ يُقَالَ حِينَئِذٍ : إنَّ ذَلِكَ كَبِيرَةٌ ،
لِأَنَّ غَصْبَ الْمَنَاصِبِ أَوْلَى بِالْكَبِيرَةِ مِنْ غَصْبِ الْأَمْوَالِ
الْمُصَرَّحِ فِيهِ بِأَنَّهُ كَبِيرَةٌ .
خَاتِمَةٌ : صَحَّ عِنْدَ ابْنَيْ خُزَيْمَةَ وَحِبَّانَ : { مَنْ أَمَّ
النَّاسَ فَأَصَابَ الْوَقْتَ وَأَتَمَّ الصَّلَاةَ فَلَهُ وَلَهُمْ وَمَنْ
انْتَقَصَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَعَلَيْهِ وَلَا عَلَيْهِمْ } .
وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ : { مَنْ أَمَّ قَوْمًا فَلْيَتَّقِ
اللَّهَ وَلْيَعْلَمْ أَنَّهُ ضَامِنٌ مَسْئُولٌ لِمَا ضَمِنَ ، وَإِنْ أَحْسَنَ
كَانَ لَهُ مِنْ الْأَجْرِ مِثْلُ أَجْرِ مَنْ صَلَّى خَلْفَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ
يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا وَمَا كَانَ مِنْ نَقْصٍ فَهُوَ عَلَيْهِ } .
وَرَوَى الْبُخَارِيُّ : { يُصَلُّونَ لَكُمْ فَإِذَا
أَصَابُوا فَلَكُمْ وَإِنْ أَخْطَئُوا فَلَكُمْ وَعَلَيْهِمْ } .
وَفِي حَدِيثٍ حَسَنٍ : { ثَلَاثَةٌ عَلَى كُثْبَانِ
الْمِسْكِ أُرَاهُ قَالَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ : عَبْدٌ أَدَّى حَقَّ اللَّهِ
وَحَقَّ مَوَالِيهِ ، وَرَجُلٌ أَمَّ قَوْمًا وَهُمْ بِهِ رَاضُونَ ، وَرَجُلٌ
يُنَادِي
بِالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ } .
وَفِي أُخْرَى بِسَنَدٍ لَا بَأْسَ بِهِ : { ثَلَاثَةٌ
لَا يَهُولُهُمْ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَلَا يَنَالُهُمْ الْحِسَابُ - هُمْ عَلَى
كَثِيبٍ مِنْ مِسْكٍ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ حِسَابِ الْخَلَائِقِ : رَجُلٌ قَرَأَ الْقُرْآنَ
ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ ، وَأَمَّ بِهِ قَوْمًا وَهُمْ بِهِ رَاضُونَ }
الْحَدِيثَ .
( الْكَبِيرَةُ السَّابِعَةُ وَالثَّمَانُونَ
وَالْكَبِيرَةُ الثَّامِنَةُ وَالثَّمَانُونَ : قَطْعُ الصَّفِّ وَعَدَمُ
تَسْوِيَتِهِ ) أَخْرَجَ جَمَاعَةٌ وَقَالَ الْحَاكِمُ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ
مُسْلِمٍ : { مَنْ وَصَلَ صَفًّا وَصَلَهُ اللَّهُ ، وَمَنْ قَطَعَ صَفًّا
قَطَعَهُ اللَّهُ } .
وَأَيْضًا : { إنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ
عَلَى الَّذِينَ يَصِلُونَ الصُّفُوفَ
} .
وَأَخْرَجَ ابْنُ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ : { أَنَّهُ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُسَوِّيهِمْ فِي صُفُوفِهِمْ بِيَدِهِ ،
وَيَقُولُ : لَا تَخْتَلِفُوا فَتَخْتَلِفَ قُلُوبُكُمْ .
وَيَقُولُ : إنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ
عَلَى الَّذِينَ يَصِلُونَ الصُّفُوفَ الْأُوَلَ } .
وَفِي رِوَايَةٍ فِي سَنَدِهَا مَتْرُوكٌ : { مَنْ سَدَّ
فُرْجَةً رَفَعَهُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَةً وَبَنَى لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ } .
وَفِي أُخْرَى بِسَنَدٍ حَسَنٍ : { مَنْ سَدَّ فُرْجَةً
فِي الصَّفِّ غُفِرَ لَهُ } .
وَفِي أُخْرَى بِسَنَدٍ لَا بَأْسَ بِهِ : { إنَّ
اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى الَّذِينَ يَصِلُونَ الصُّفُوفَ ، وَلَا
يَصِلُ عَبْدٌ صَفًّا إلَّا رَفَعَهُ اللَّهُ بِهِ دَرَجَةً وَدَرَّتْ عَلَيْهِ الْمَلَائِكَةُ
مِنْ الْبِرِّ } .
وَرَوَى الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا : { لَتُسَوُّنَّ
صُفُوفَكُمْ أَوْ لَيُخَالِفَنَّ اللَّهُ بَيْنَ وُجُوهِكُمْ } .
وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُد وَابْنِ حِبَّانَ فِي
صَحِيحِهِ : { أَقِيمُوا صُفُوفَكُمْ أَوْ لَيُخَالِفَنَّ اللَّهُ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ } .
وَفِي أُخْرَى لِأَحْمَدَ وَغَيْرِهِ : { لَتُسَوُّنَّ
الصُّفُوفَ أَوْ لَيُطْمَسَنَّ الْوُجُوهُ وَلَيُغْمَضَنَّ أَبْصَارُكُمْ أَوْ لَتُخْطَفَنَّ
أَبْصَارُكُمْ } .
تَنْبِيهٌ : عَدُّ هَذَيْنِ مِنْ الْكَبَائِرِ هُوَ
قَضِيَّةُ الْوَعِيدِ الشَّدِيدِ عَلَيْهِمَا بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ : { وَمَنْ قَطَعَ صَفًّا قَطَعَهُ اللَّهُ } إذْ هُوَ بِمَعْنَى :
لَعَنَهُ اللَّهُ أَوْ قَرِيبٌ مِنْهُ ، وَمَرَّ أَنَّ مِنْ أَمَارَاتِ
الْكَبِيرَةِ اللَّعْنَ وَنَحْوَهُ ، وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ { أَوْ لَيُخَالِفَنَّ اللَّهُ بَيْنَ وُجُوهِكُمْ أَوْ قُلُوبِكُمْ } ؛
إذْ هُوَ تَهْدِيدُ الطَّمْسِ أَوْ
الْمَسْخِ كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الرِّوَايَةُ الْأَخِيرَةُ
الَّتِي اسْتَحْسَنَ سَنَدَهَا بَعْضُهُمْ وَهَذَا وَعِيدٌ شَدِيدٌ ، لَكِنْ لَمْ
أَرَ أَحَدًا عَدَّ ذَلِكَ مِنْ الْكَبَائِرِ عَلَى أَنَّ قَطْعَ الصَّفِّ أَوْ
عَدَمَ تَسْوِيَتِهِ عِنْدَنَا إنَّمَا هُوَ مَكْرُوهٌ لَا حَرَامٌ فَضْلًا عَنْ
كَوْنِهِ كَبِيرَةً ، نَعَمْ يَلْزَمُ مَنْ عَدَّ إمَامَةَ مَنْ يَكْرَهُونَهُ ،
وَالنَّوْمَ عَلَى سَطْحٍ غَيْرِ مَحُوطٍ ، وَتَرْكَ الْجَمَاعَةِ كَبَائِرَ مَعَ
أَنَّهَا إنَّمَا هِيَ مَكْرُوهَاتٌ أَنْ يَعُدَّ هَذَيْنِ مِنْ الْكَبَائِرِ
بِالْأَوْلَى لِأَنَّ الْوَعِيدَ هُنَا أَشَدُّ مِنْهُ فِي أُولَئِكَ .
وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُد : { لَا يَزَالُ قَوْمٌ يَتَأَخَّرُونَ
عَنْ الصَّفِّ الْأَوَّلِ حَتَّى يُؤَخِّرَهُمْ اللَّهُ فِي النَّارِ } .
وَفِي رِوَايَةٍ لِابْنِ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ
وَابْنِ حِبَّانَ { حَتَّى يُخَلِّفَهُمْ اللَّهُ فِي النَّارِ } وَكَأَنَّ
الْأَئِمَّةَ فَهِمُوا مِنْ هَذِهِ فَإِنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِهَا ظَاهِرَهَا
إجْمَاعًا أَنَّ التَّغْلِيظَاتِ فِي هَذَا الْبَابِ لَمْ يُقْصَدْ بِهَا
ظَوَاهِرُهَا ، بَلْ الزَّجْرُ عَنْ خَلَلِ الصُّفُوفِ وَحَمْلُ النَّاسِ عَلَى إكْمَالِهَا
وَتَسْوِيَتِهَا مَا أَمْكَنَ .
( الْكَبِيرَةُ التَّاسِعَةُ وَالثَّمَانُونَ :
مُسَابَقَةُ الْإِمَامِ ) أَخْرَجَ الشَّيْخَانِ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ
الْأَرْبَعَةِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { أَمَا يَخْشَى
أَحَدُكُمْ إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ رُكُوعٍ أَوْ سُجُودٍ قَبْلَ الْإِمَامِ
أَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ رَأْسَهُ رَأْسَ حِمَارٍ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ صُورَتَهُ
صُورَةَ حِمَارٍ } .
وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ بِلَفْظِ : { مَا يَأْمَنُ
أَحَدُكُمْ إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ قَبْلَ الْإِمَامِ أَنْ يُحَوِّلَ اللَّهُ
رَأْسَهُ رَأْسَ كَلْبٍ } .
وَصَحَّ وَقْفُهُ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى عَلَى ابْنِ
مَسْعُودٍ وَمِثْلُهُ لَا يُقَالُ مِنْ قِبَلِ الرَّأْيِ فَهُوَ مَرْفُوعٌ ،
وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ بِلَفْظِ : { أَمَا يَخْشَى الَّذِي
يَرْفَعُ رَأْسَهُ قَبْلَ الْإِمَامِ أَنْ يُحَوِّلَ اللَّهُ رَأْسَهُ رَأْسَ
كَلْبٍ } .
وَفِي رِوَايَةٍ سَنَدُهَا حَسَنٌ : { الَّذِي يَخْفِضُ
وَيَرْفَعُ قَبْلَ الْإِمَامِ إنَّمَا نَاصِيَتُهُ بِيَدِ الشَّيْطَانِ } .
تَنْبِيهٌ :
عَدُّ هَذَا مِنْ الْكَبَائِرِ هُوَ صَرِيحُ مَا فِي
هَذِهِ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ وَبِهِ جَزَمَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ ، وَإِنَّمَا
يَتَّضِحُ بِنَاءً عَلَى مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ : { أَنَّ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ لَا
صَلَاةَ لَهُ } .
قَالَ الْخَطَّابِيُّ : وَأَمَّا عَامَّةُ أَهْلِ الْعِلْمِ
فَإِنَّهُمْ قَالُوا قَدْ أَسَاءَ ، وَصَلَاتُهُ مُجْزِئَةٌ ، غَيْرَ أَنَّ
أَكْثَرَهُمْ يَأْمُرُونَهُ أَنْ يَعُودَ إلَى السُّجُودِ وَيَمْكُثَ فِي
سُجُودِهِ بَعْدَ أَنْ يَرْفَعَ الْإِمَامُ رَأْسَهُ بِقَدْرِ مَا كَانَ تَرَكَ
انْتَهَى .
وَمَذْهَبُنَا أَنَّ مُجَرَّدَ رَفْعِ الرَّأْسِ قَبْلَ
الْإِمَامِ أَوْ الْقِيَامِ أَوْ الْهُوِيِّ قَبْلَهُ مَكْرُوهٌ كَرَاهَةَ
تَنْزِيهٍ ، وَأَنْ يُسَنَّ لَهُ الْعَوْدُ إلَى الْإِمَامِ إنْ كَانَ بَاقِيًا
فِي ذَلِكَ الرُّكْنِ ، فَإِنْ سَبَقَهُ بِرُكْنٍ كَأَنْ رَكَعَ وَاعْتَدَلَ -
وَالْإِمَامُ قَائِمٌ لَمْ يَرْكَعْ - حَرُمَ عَلَيْهِ ، وَلَا يَبْعُدُ أَنْ
يُحْمَلَ الْحَدِيثُ عَلَى هَذِهِ الْحَالَةِ وَتَكُونَ هَذِهِ الْمَعْصِيَةُ كَبِيرَةً
، أَوْ بِرُكْنَيْنِ كَأَنْ هَوَى إلَى السُّجُودِ ، وَالْإِمَامُ
لَمْ يَرْكَعْ ، وَكَانَ رَكَعَ وَاعْتَدَلَ وَالْإِمَامُ
لَمْ يَرْكَعْ ، فَلَمَّا أَرَادَ الْإِمَامُ الِاعْتِدَالَ هَوَى الْمَأْمُومُ
لِلسُّجُودِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَيَكُونُ فِعْلُهُ ذَلِكَ تَسْمِيَتُهُ كَبِيرَةً
ظَاهِرَةٌ .
( الْكَبِيرَةُ التِّسْعُونَ وَالْحَادِيَةُ
وَالتِّسْعُونَ وَالثَّانِيَةُ وَالتِّسْعُونَ : رَفْعُ الْبَصَرِ إلَى السَّمَاءِ ،
وَالِالْتِفَاتُ فِي الصَّلَاةِ ، وَالِاخْتِصَارُ ) أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ
وَغَيْرُهُ : { مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَرْفَعُونَ أَبْصَارَهُمْ إلَى السَّمَاءِ
فِي صَلَاتِهِمْ فَاشْتَدَّ قَوْلُهُ فِي ذَلِكَ حَتَّى قَالَ لَيَنْتَهُنَّ عَنْ
ذَلِكَ أَوْ لَتُخْطَفَنَّ أَبْصَارُهُمْ } .
وَابْنُ مَاجَهْ وَالطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ رُوَاتُهُ
رُوَاةُ الصَّحِيحِ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ : { لَا تَرْفَعُوا
أَبْصَارَكُمْ إلَى السَّمَاءِ فَتَلْتَمِعَ ، يَعْنِي فِي الصَّلَاةِ ، أَيْ
يُذْهَبَ بِهَا } .
وَمُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ : { لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ
عَنْ رَفْعِهِمْ أَبْصَارَهُمْ إلَى السَّمَاءِ عِنْدَ الدُّعَاءِ فِي الصَّلَاةِ
أَوْ لَتُخْطَفَنَّ أَبْصَارُهُمْ
} .
وَمُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ : { لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ يَرْفَعُونَ
أَبْصَارَهُمْ إلَى السَّمَاءِ فِي الصَّلَاةِ أَوْ لَا تَرْجِعُ إلَيْهِمْ } .
وَأَبُو دَاوُد : { دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَسْجِدَ فَرَأَى فِيهِ نَاسًا يُصَلُّونَ رَافِعِي
أَيْدِيهِمْ إلَى السَّمَاءِ فَقَالَ
: لَيَنْتَهِيَنَّ رِجَالٌ يَشْخَصُونَ أَبْصَارَهُمْ
فِي الصَّلَاةِ أَوْ لَا تَرْجِعُ إلَيْهِمْ أَبْصَارُهُمْ } .
وَالْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهَا سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ
التَّلَفُّتِ فِي الصَّلَاةِ فَقَالَ
: { اخْتِلَاسٌ يَخْتَلِسُهُ الشَّيْطَانُ مِنْ صَلَاةِ
الْعَبْدِ } .
وَأَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ
خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ وَفِي سَنَدِهِ مَنْ صَحَّحَ
لَهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ وَغَيْرُهُمَا : { لَا يَزَالُ اللَّهُ
مُقْبِلًا عَلَى الْعَبْدِ فِي صَلَاتِهِ مَا لَمْ يَلْتَفِتْ فَإِذَا صَرَفَ
وَجْهَهُ انْصَرَفَ } .
وَأَحْمَدُ بِسَنَدٍ حَسَنٍ ، وَغَيْرُهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
{ أَوْصَانِي خَلِيلِي بِثَلَاثٍ ، وَنَهَانِي عَنْ ثَلَاثٍ : نَهَانِي عَنْ نَقْرَةٍ كَنَقْرَةِ
الدِّيكِ ، وَإِقْعَاءٍ كَإِقْعَاءِ الْكَلْبِ ، وَالْتِفَاتٍ كَالْتِفَاتِ
الثَّعْلَبِ } وَالْإِقْعَاءُ
بِكَسْرِ أَوَّلِهِ : أَنْ يَجْلِسَ عَلَى أَلْيَيْهِ
نَاصِبًا فَخِذَيْهِ ، قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ : وَاضِعًا يَدَيْهِ بِالْأَرْضِ ،
وَخَرَجَ بِهِ الْجُلُوسُ عَلَى عَقِبَيْهِ فَإِنَّهُ سُنَّةٌ بَيْنَ
السَّجْدَتَيْنِ فَقَطْ كَمَا فِي مُسْلِمٍ ، وَمَعَ ذَلِكَ الِافْتِرَاشُ
أَفْضَلُ مِنْهُ .
وَالْبَزَّارُ : { إذَا أَقْبَلَ الرَّجُلُ فِي
الصَّلَاةِ أَقْبَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ بِوَجْهِهِ - أَيْ رَحْمَتِهِ - فَإِذَا
الْتَفَتَ قَالَ يَا ابْنَ آدَمَ إلَى مَنْ تَلْتَفِتُ ؟ إلَى مَنْ هُوَ خَيْرٌ
لَك مِنِّي ؟ أَقْبِلْ إلَيَّ ، فَإِذَا الْتَفَتَ الثَّانِيَةَ قَالَ مِثْلَ
ذَلِكَ ، فَإِذَا الْتَفَتَ الثَّالِثَةَ صَرَفَ اللَّهُ - تَبَارَكَ وَتَعَالَى -
وَجْهَهُ عَنْهُ أَيْ رَحْمَتَهُ عَنْهُ } .
وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ : { يَا بُنَيَّ إيَّاكَ
وَالِالْتِفَاتَ فِي الصَّلَاةِ فَإِنَّ الِالْتِفَاتَ فِي الصَّلَاةِ هَلَكَةٌ }
الْحَدِيثَ .
وَالطَّبَرَانِيُّ : { مَنْ قَامَ فِي الصَّلَاةِ
فَالْتَفَتَ رَدَّ اللَّهُ عَلَيْهِ صَلَاتَهُ } .
وَالْبُخَارِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ : { نُهِيَ عَنْ
الْخَصْرِ فِي الصَّلَاةِ } .
وَمُسْلِمٌ وَلَفْظُهُ : أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { نَهَى أَنْ يُصَلِّيَ الرَّجُلُ مُخْتَصِرًا } .
زَادَ أَبُو دَاوُد " يَعْنِي يَضَعُ يَدَيْهِ
عَلَى خَاصِرَتِهِ " .
وَابْنَا خُزَيْمَةَ وَحِبَّانَ فِي صَحِيحَيْهِمَا : {
الِاخْتِصَارُ فِي الصَّلَاةِ رَاحَةُ أَهْلِ النَّارِ } .
تَنْبِيهٌ :
عَدُّ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ مِنْ الْكَبَائِرِ هُوَ مَا
قَدْ يُتَوَهَّمُ مِنْ خَطْفِ الْبَصَرِ فِي الْأَوَّلِ ، وَانْصِرَافِ
الرَّحْمَةِ فِي الثَّانِي ، وَكَوْنِ ذَلِكَ رَاحَةَ أَهْلِ النَّارِ فِي
الثَّالِثَةِ ، وَهُوَ قِيَاسُ مَا مَرَّ فِي إمَامَةِ الْكَارِهِينَ لَهُ وَفِي
غَيْرِ مُسَابَقَةِ الْإِمَامِ وَغَيْرِهِمَا وَمَا يَأْتِي فِي لُبْسِ الْحَرِيرِ
، لِأَنَّهُمْ إذَا أَخَذُوا مِنْ مَنْعِ لُبْسِهِ فِي الْآخِرَةِ ذَلِكَ فَأَخْذُ
ذَلِكَ مِمَّا هُنَا أَوْلَى ، لَكِنَّ الْمُعْتَمَدَ أَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ لَا
حُرْمَةَ فِي شَيْءٍ مِنْهُ فَضْلًا عَنْ كَوْنِهِ كَبِيرَةً ، وَإِنَّمَا هِيَ
مَكْرُوهَاتٌ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ
.
( الْكَبِيرَةُ الثَّالِثَةُ وَالرَّابِعَةُ
وَالْخَامِسَةُ وَالسَّادِسَةُ وَالسَّابِعَةُ وَالثَّامِنَةُ وَالتِّسْعُونَ :
اتِّخَاذُ الْقُبُورِ مَسَاجِدَ ، وَإِيقَادُ السُّرُجِ عَلَيْهَا ،
وَاِتِّخَاذُهَا أَوْثَانًا ، وَالطَّوَافُ بِهَا ، وَاسْتِلَامُهَا ،
وَالصَّلَاةُ إلَيْهَا ) أَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ لَا بَأْسَ بِهِ عَنْ
كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : { عَهْدِي بِنَبِيِّكُمْ
قَبْلَ وَفَاتِهِ بِخَمْسِ لَيَالٍ فَسَمِعْته يَقُولُ : إنَّهُ لَمْ يَكُنْ
نَبِيٌّ إلَّا وَلَهُ خَلِيلٌ مِنْ أُمَّتِهِ وَإِنَّ خَلِيلِي أَبُو بَكْرٍ بْنُ
أَبِي قُحَافَةَ ، وَإِنَّ اللَّهَ اتَّخَذَ صَاحِبَكُمْ خَلِيلًا ، أَلَا وَإِنَّ
الْأُمَمَ قَبْلَكُمْ كَانُوا يَتَّخِذُونَ قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ
وَإِنِّي أَنْهَاكُمْ عَنْ ذَلِكَ ، اللَّهُمَّ إنِّي بَلَّغْتُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ
، ثُمَّ قَالَ اللَّهُمَّ اشْهَدْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ } الْحَدِيثَ .
وَالطَّبَرَانِيُّ { لَا تُصَلُّوا إلَى قَبْرٍ ، وَلَا
تُصَلُّوا عَلَى قَبْرٍ } .
وَأَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ
وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَابْنُ حِبَّانَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُمَا : { لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
زَائِرَاتِ الْقُبُورِ وَالْمُتَّخِذِينَ عَلَيْهَا الْمَسَاجِدَ وَالسُّرُجَ } .
وَمُسْلِمٌ
: { أَلَا وَإِنَّ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ كَانُوا
يَتَّخِذُونَ قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ فَإِنِّي أَنْهَاكُمْ عَنْ ذَلِكَ } .
وَأَحْمَدُ :
{ إنَّ مِنْ شِرَارِ النَّاسِ مَنْ تُدْرِكُهُمْ
السَّاعَةُ وَهُمْ أَحْيَاءُ ، وَاَلَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْقُبُورَ مَسَاجِدَ } .
وَأَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ
مَاجَهْ وَالْحَاكِمُ : { الْأَرْضُ كُلُّهَا مَسْجِدٌ إلَّا الْمَقْبَرَةَ
وَالْحَمَّامَ } .
وَالشَّيْخَانِ وَأَبُو دَاوُد : { قَاتَلَ اللَّهُ
الْيَهُودَ اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ } .
وَأَحْمَدُ عَنْ أُسَامَةَ ، وَأَحْمَدُ وَالشَّيْخَانِ
، وَالنَّسَائِيُّ عَنْ عَائِشَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ ، وَمُسْلِمٌ عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ : { لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى اتَّخَذُوا قُبُورَ
أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ } .
وَأَحْمَدُ
وَالشَّيْخَانِ وَالنَّسَائِيُّ : { أُولَئِكَ إذَا كَانَ فِيهِمْ
الرَّجُلُ الصَّالِحُ فَمَاتَ بَنَوْا عَلَى قَبْرِهِ مَسْجِدًا ، وَصَوَّرُوا
فِيهِ تِلْكَ الصُّوَرَ أُولَئِكَ شِرَارُ الْخَلْقِ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ } .
وَابْنُ حِبَّانَ عَنْ أَنَسٍ : { نَهَى صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الصَّلَاةِ إلَى الْقُبُورِ } .
وَأَحْمَدُ وَالطَّبَرَانِيُّ : { إنَّ مِنْ شِرَارِ
النَّاسِ مَنْ تُدْرِكُهُمْ السَّاعَةُ وَهُمْ أَحْيَاءُ ، وَمَنْ يَتَّخِذُ
الْقُبُورَ مَسَاجِدَ } .
وَابْنُ سَعْدٍ : { أَلَا إنَّ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ
كَانُوا يَتَّخِذُونَ قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ وَصَالِحِيهِمْ مَسَاجِدَ فَلَا
تَتَّخِذُوا الْقُبُورَ مَسَاجِدَ فَإِنِّي أَنْهَاكُمْ عَنْ ذَلِكَ } .
وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ { إنَّ مِنْ شَرِّ النَّاسِ مَنْ
يَتَّخِذُ الْقُبُورَ مَسَاجِدَ
} .
وَأَيْضًا : { كَانَتْ بَنُو إسْرَائِيلَ اتَّخَذُوا
قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ فَلَعَنَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى } .
تَنْبِيهٌ :
عَدُّ هَذِهِ السِّتَّةِ مِنْ الْكَبَائِرِ وَقَعَ فِي
كَلَامِ بَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ وَكَأَنَّهُ أَخَذَ ذَلِكَ مِمَّا ذَكَرْته مِنْ
هَذِهِ الْأَحَادِيثِ ، وَوَجْهُ أَخْذِ اتِّخَاذِ الْقَبْرِ مَسْجِدًا مِنْهَا وَاضِحٌ
، لِأَنَّهُ لُعِنَ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ بِقُبُورِ أَنْبِيَائِهِ وَجُعِلَ مَنْ
فَعَلَ ذَلِكَ بِقُبُورِ صُلَحَائِهِ شَرَّ الْخَلْقِ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ ، فَفِيهِ تَحْذِيرٌ لَنَا كَمَا فِي رِوَايَةِ : { يُحَذِّرُ مَا
صَنَعُوا } : أَيْ يُحَذِّرُ أُمَّتَهُ بِقَوْلِهِ لَهُمْ ذَلِكَ مِنْ أَنْ
يَصْنَعُوا كَصُنْعِ أُولَئِكَ فَيُلْعَنُوا كَمَا لُعِنُوا ؛ وَاِتِّخَاذُ
الْقَبْرِ مَسْجِدًا مَعْنَاهُ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ أَوْ إلَيْهِ ، وَحِينَئِذٍ
فَقَوْلُهُ " وَالصَّلَاةُ إلَيْهَا " مُكَرَّرٌ إلَّا أَنْ يُرَادَ
بِاِتِّخَاذِهَا مَسَاجِدَ الصَّلَاةُ عَلَيْهَا فَقَطْ ، نَعَمْ إنَّمَا
يُتَّجَهُ هَذَا الْأَخْذُ إنْ كَانَ الْقَبْرُ قَبْرَ مُعَظَّمٍ مِنْ نَبِيٍّ
أَوْ وَلِيٍّ كَمَا أَشَارَتْ إلَيْهِ رِوَايَةُ : { إذَا كَانَ فِيهِمْ الرَّجُلُ
الصَّالِحُ } وَمِنْ ثَمَّ قَالَ أَصْحَابُنَا : { تَحْرُمُ الصَّلَاةُ إلَى
قُبُورِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْأَوْلِيَاءِ تَبَرُّكًا
وَإِعْظَامًا } فَاشْتَرَطُوا شَيْئَيْنِ أَنْ يَكُونَ
قَبْرَ مُعَظَّمٍ وَأَنْ يَقْصِدَ بِالصَّلَاةِ إلَيْهِ - وَمِثْلُهَا الصَّلَاةُ
- عَلَيْهِ التَّبَرُّكَ وَالْإِعْظَامَ ، وَكَوْنُ هَذَا الْفِعْلِ كَبِيرَةً
ظَاهِرٌ مِنْ الْأَحَادِيثِ الْمَذْكُورَةِ لِمَا عَلِمْت ، وَكَأَنَّهُ قَاسَ عَلَى
ذَلِكَ كُلَّ تَعْظِيمٍ لِلْقَبْرِ كَإِيقَادِ السُّرُجِ عَلَيْهِ تَعْظِيمًا لَهُ
وَتَبَرُّكًا بِهِ ، وَالطَّوَافُ بِهِ كَذَلِكَ وَهُوَ أَخْذٌ غَيْرُ بَعِيدٍ ،
سِيَّمَا وَقَدْ صَرَّحَ فِي الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ آنِفًا بِلَعْنِ مَنْ
اتَّخَذَ عَلَى الْقَبْرِ سُرُجًا ، فَيُحْمَلُ قَوْلُ أَصْحَابِنَا بِكَرَاهَةِ
ذَلِكَ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَقْصِدْ بِهِ تَعْظِيمًا وَتَبَرُّكًا بِذِي
الْقَبْرِ .
وَأَمَّا اتِّخَاذُهَا أَوْثَانًا فَجَاءَ النَّهْيُ
عَنْهُ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { لَا تَتَّخِذُوا قَبْرِي
وَثَنًا يُعْبَدُ بَعْدِي } أَيْ لَا تُعَظِّمُوهُ تَعْظِيمَ غَيْرِكُمْ
لِأَوْثَانِهِمْ بِالسُّجُودِ لَهُ أَوْ نَحْوِهِ ، فَإِنْ أَرَادَ ذَلِكَ
الْإِمَامُ بِقَوْلِهِ : { وَاِتِّخَاذُهَا أَوْثَانًا } هَذَا الْمَعْنَى
اُتُّجِهَ مَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ ذَلِكَ كَبِيرَةٌ بَلْ كُفْرٌ بِشَرْطِهِ ،
وَإِنْ أَرَادَ أَنَّ مُطْلَقَ التَّعْظِيمِ الَّذِي لَمْ يُؤْذَنْ فِيهِ كَبِيرَةٌ
فَفِيهِ بُعْدٌ ، نَعَمْ قَالَ بَعْضُ الْحَنَابِلَةِ : قَصْدُ الرَّجُلِ
الصَّلَاةَ عِنْدَ الْقَبْرِ مُتَبَرِّكًا بِهَا عَيْنُ الْمُحَادَّةِ لِلَّهِ
وَرَسُولِهِ ، وَإِبْدَاعُ دِينٍ لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ لِلنَّهْيِ عَنْهَا
ثُمَّ إجْمَاعًا ، فَإِنَّ أَعْظَمَ الْمُحَرَّمَاتِ وَأَسْبَابِ الشِّرْكِ
الصَّلَاةُ عِنْدَهَا وَاِتِّخَاذُهَا مَسَاجِدَ أَوْ بِنَاؤُهَا عَلَيْهَا .
وَالْقَوْلُ بِالْكَرَاهَةِ مَحْمُولٌ عَلَى غَيْرِ
ذَلِكَ إذْ لَا يُظَنُّ بِالْعُلَمَاءِ تَجْوِيزُ فِعْلٍ تَوَاتَرَ عَنْ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَعْنُ فَاعِلِهِ ، وَتَجِبُ
الْمُبَادَرَةُ لِهَدْمِهَا وَهَدْمِ الْقِبَابِ الَّتِي عَلَى الْقُبُورِ إذْ
هِيَ أَضَرُّ مِنْ مَسْجِدِ الضِّرَارِ لِأَنَّهَا أُسِّسَتْ عَلَى مَعْصِيَةِ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّهُ نَهَى عَنْ ذَلِكَ وَأَمَرَ
صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَدْمِ الْقُبُورِ
الْمُشْرِفَةِ ، وَتَجِبُ إزَالَةُ كُلِّ قِنْدِيلٍ أَوْ سِرَاجٍ عَلَى قَبْرٍ
وَلَا يَصِحُّ وَقْفُهُ وَنَذْرُهُ انْتَهَى .
( الْكَبِيرَةُ التَّاسِعَةُ وَالتِّسْعُونَ : سَفَرُ
الْإِنْسَانِ وَحْدَهُ ) أَخْرَجَ أَحْمَدُ مِنْ رِوَايَةِ الطَّيِّبِ بْنِ مُحَمَّدٍ - وَبَقِيَّةُ
رُوَاتِهِ رُوَاةُ الصَّحِيحِ - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
قَالَ : { لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُخَنَّثِي
الرِّجَالِ الَّذِينَ يَتَشَبَّهُونَ بِالنِّسَاءِ وَالْمُتَرَجِّلَات مِنْ
النِّسَاءِ الْمُتَشَبِّهَاتِ بِالرِّجَالِ وَرَاكِبَ الْفَلَاةِ وَحْدَهُ } .
وَالْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ : { لَوْ أَنَّ النَّاسَ
يَعْلَمُونَ مَا فِي الْوَحْدَةِ مَا أَعْلَمُ مَا سَارَ رَاكِبٌ بِلَيْلٍ
وَحْدَهُ } .
وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ : أَنَّ { رَجُلًا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ فَقَالَ
لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ صَحِبْتَ ؟ قَالَ
مَا صَحِبْتُ أَحَدًا ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ الرَّاكِبُ شَيْطَانٌ وَالرَّاكِبَانِ شَيْطَانَانِ وَالثَّلَاثَةُ
رَكْبٌ } .
وَرَوَى الْمَرْفُوعَ مِنْهُ مَالِكٌ وَأَبُو دَاوُد
وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ النَّسَائِيُّ وَابْنُ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ
وَبَوَّبَ عَلَيْهِ بَابَ النَّهْيِ ، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ مَا دُونَ
الثَّلَاثَةِ مِنْ الْمُسَافِرِينَ عُصَاةٌ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَعْلَمَ أَنَّ الْوَاحِدَ شَيْطَانٌ ، وَالِاثْنَانِ شَيْطَانَانِ
} ، وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى قَوْلِهِ " شَيْطَانٌ " - أَيْ
عَاصٍ - لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ } أَيْ
عُصَاتَهُمْ انْتَهَى .
وَالْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ : {
الْوَاحِدُ شَيْطَانٌ وَالِاثْنَانِ شَيْطَانَانِ وَالثَّلَاثَةُ رَكْبٌ } .
تَنْبِيهٌ :
عَدُّ هَذَا هُوَ صَرِيحُ الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ ،
وَظَاهِرُهُ مَا بَعْدَهُ ، لَكِنَّهُ لَا يُوَافِقُ كَلَامَ أَئِمَّتِنَا
فَإِنَّهُمْ مُصَرِّحُونَ بِكَرَاهَةِ ذَلِكَ ، فَلْيُحْمَلْ كَقَوْلِ ابْنِ
خُزَيْمَةَ السَّابِقِ بِالْعِصْيَانِ عَلَى مَنْ عَلِمَ حُصُولَ ضَرَرٍ عَظِيمٍ
لَهُ بِسَفَرِهِ وَحْدَهُ أَوْ مَعَ آخَرَ فَقَطْ كَأَنْ كَانَ بِتِلْكَ الطَّرِيقِ
سَبُعٌ ضَارٍ أَوْ نَحْوُهُ .
( الْكَبِيرَةُ الْمِائَةُ : سَفَرُ الْمَرْأَةِ وَحْدَهَا
بِطَرِيقٍ تَخَافُ فِيهَا عَلَى بُضْعِهَا ) أَخْرَجَ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا :
{ لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ
تُسَافِرَ سَفَرًا يَكُونُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَصَاعِدًا إلَّا وَمَعَهَا
أَبُوهَا أَوْ أَخُوهَا أَوْ زَوْجُهَا أَوْ ابْنُهَا أَوْ ذُو مَحْرَمٍ مِنْهَا } .
وَفِي رِوَايَةٍ لَهُمَا : " يَوْمَيْنِ " .
وَفِي أُخْرَى لَهُمَا : " مَسِيرَةَ يَوْمٍ
وَلَيْلَةٍ " .
وَفِي أُخْرَى لَهُمَا : " مَسِيرَةَ يَوْمٍ " .
وَفِي أُخْرَى لَهُمَا : " مَسِيرَةَ لَيْلَةٍ " .
وَفِي أُخْرَى لِأَبِي دَاوُد وَابْنِ خُزَيْمَةَ :
" أَنْ تُسَافِرَ بَرِيدًا
" .
تَنْبِيهٌ :
عَدُّ هَذَا بِالْقَيْدِ الَّذِي ذَكَرْته ظَاهِرٌ
لِعَظِيمِ الْمَفْسَدَةِ الَّتِي تَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ غَالِبًا ، وَهِيَ اسْتِيلَاءُ
الْفَجَرَةِ ، وَفُسُوقُهُمْ بِهَا ، فَهُوَ وَسِيلَةٌ إلَى الزِّنَا
وَلِلْوَسَائِلِ حُكْمُ الْمَقَاصِدِ ، وَأَمَّا الْحُرْمَةُ فَلَا تَتَقَيَّدُ
بِذَلِكَ بَلْ يَحْرُمُ عَلَيْهَا السَّفَرُ مَعَ غَيْرِ مَحْرَمٍ وَإِنْ قَصُرَ
السَّفَرُ وَكَانَ أَمْنًا وَلَوْ لِطَاعَةٍ كَنَفْلِ الْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ
وَلَوْ مَعَ النِّسَاءِ مِنْ التَّنْعِيمِ ، وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ عَدُّهُمْ
ذَلِكَ مِنْ الصَّغَائِرِ .
( الْكَبِيرَةُ الْحَادِيَةُ بَعْدَ الْمِائَةِ : تَرْكُ
السَّفَرِ ، وَالرُّجُوعُ مِنْهُ تَطَيُّرًا ) عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : {
الطِّيَرَةُ شِرْكٌ ، الطِّيَرَةُ شِرْكٌ ، وَمَا مِنَّا إلَّا ، وَلَكِنَّ
اللَّهَ يُذْهِبُهُ بِالتَّوَكُّلِ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَاللَّفْظُ لَهُ ،
وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ فِي صَحِيحِهِ مِنْ غَيْرِ تَكْرَارٍ .
وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ .
قَالَ الْحَافِظُ أَبُو الْقَاسِمِ الْأَصْفَهَانِيُّ
وَغَيْرُهُ : فِي الْحَدِيثِ إضْمَارٌ وَالتَّقْدِيرُ : مَا مِنَّا إلَّا وَقَدْ
وَقَعَ فِي قَلْبِهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ يَعْنِي قُلُوبَ أُمَّتِهِ ، وَلَكِنَّ اللَّهَ
- تَعَالَى - يُذْهِبُ ذَلِكَ عَنْ قَلْبِ كُلِّ مَنْ يَتَوَكَّلُ عَلَى اللَّهِ
وَلَا يَثْبُتُ عَلَى ذَلِكَ انْتَهَى
.
وَاعْتَرَضَهُ الْحَافِظُ الْمُنْذِرِيُّ لِأَنَّ
الصَّوَابَ مَا ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّ قَوْلَهُ وَمَا مِنَّا
إلَخْ مِنْ كَلَامِ ابْنِ مَسْعُودٍ مُدْرَجٌ غَيْرُ مَرْفُوعٍ .
وَنَقَلَ الْبُخَارِيُّ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ حَرْبٍ
أَنَّهُ كَانَ يُنْكِرُ رَفْعَ ذَلِكَ ، وَيَقُولُ : كَأَنَّهُ مِنْ قَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ .
وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ فِي
صَحِيحِهِ : { الْعِيَافَةُ - أَيْ الْخَطُّ - وَالطِّيَرَةُ وَالطَّرْقُ - أَيْ
الزَّجْرُ - مِنْ الْجِبْتِ } .
وَالطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ وَالْبَيْهَقِيُّ :
{ لَنْ يَنَالَ الدَّرَجَاتِ الْعُلَا مَنْ تَكَهَّنَ أَوْ اسْتَقْسَمَ أَوْ رَجَعَ
مِنْ سَفَرٍ تَطَيُّرًا } .
تَنْبِيهٌ : عَدُّ هَذَا هُوَ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ
الْأَوَّلِ وَالثَّانِي ، وَيَنْبَغِي حَمْلُهُ عَلَى مَا إذَا كَانَ مُعْتَقِدًا
حُدُوثَ تَأْثِيرٍ لِلتَّطَيُّرِ لَكِنَّ الْكَلَامَ فِي إسْلَامِ مِثْلِ هَذَا .
( الْكَبِيرَةُ الثَّانِيَةُ بَعْدَ الْمِائَةِ : تَرْكُ
صَلَاةِ الْجُمُعَةِ مَعَ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ ، وَإِنْ قَالَ
إنَّهُ يُصَلِّيهَا ظُهْرًا وَحْدَهُ
) .
أَخْرَجَ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِقَوْمٍ يَتَخَلَّفُونَ عَنْ الْجُمُعَةِ : { لَقَدْ
هَمَمْت أَنْ آمُرَ رَجُلًا يُصَلِّي بِالنَّاسِ ثُمَّ أُحَرِّقَ عَلَى رِجَالٍ
يَتَخَلَّفُونَ عَنْ الْجُمُعَةِ بُيُوتَهُمْ } .
وَمُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ أَيْضًا أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ وَابْنَ
عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ قَالَا : سَمِعْنَا رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ عَلَى أَعْوَادِ مِنْبَرِهِ : {
لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ عَنْ وَدْعِهِمْ الْجُمُعَةَ - أَيْ بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ
أَيْ تَرْكِهِمْ إيَّاهَا - أَوْ لَيَخْتِمَنَّ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ ثُمَّ
لَيَكُونُنَّ مِنْ الْغَافِلِينَ
} .
وَأَحْمَدُ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ وَحَسَّنَهُ
التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ ابْنَا خُزَيْمَةَ وَحِبَّانَ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ
عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ : { مَنْ تَرَكَ ثَلَاثَ جُمَعٍ تَهَاوُنًا طُبِعَ عَلَى
قَلْبِهِ } .
وَفِي رِوَايَةٍ لِابْنَيْ خُزَيْمَةَ وَحِبَّانَ : {
مَنْ تَرَكَ الْجُمُعَةَ ثَلَاثًا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ فَهُوَ مُنَافِقٌ } .
وَفِي أُخْرَى لِرَزِينٍ { فَقَدْ بَرِئَ مِنْ اللَّهِ } .
وَأَحْمَدُ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَابْنُ مَاجَهْ
بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ .
{ مَنْ تَرَكَ الْجُمُعَةَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِنْ غَيْرِ
ضَرُورَةٍ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قَلْبِهِ } .
زَادَ الْبَيْهَقِيُّ : { وَجَعَلَ قَلْبَهُ قَلْبَ
مُنَافِقٍ } .
وَفِي رِوَايَةٍ لَهَا شَوَاهِدُ : { كُتِبَ مِنْ
الْمُنَافِقِينَ } .
وَفِي أُخْرَى - سَنَدُهَا صَحِيحٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ
- مَوْقُوفَةٍ : { فَقَدْ نَبَذَ الْإِسْلَامَ وَرَاءَ ظَهْرِهِ } .
وَالطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ حَسَنٍ : { لَيَنْتَهِيَنَّ
أَقْوَامٌ يَسْمَعُونَ النِّدَاءَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ ثُمَّ لَا يَأْتُونَهَا أَوْ
لَيَطْبَعَنَّ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ ثُمَّ لَيَكُونُنَّ مِنْ الْغَافِلِينَ } .
وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ .
{ خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ
تُوبُوا إلَى اللَّهِ قَبْلَ أَنْ تَمُوتُوا ، وَبَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ
الصَّالِحَةِ قَبْلَ أَنْ تَشْتَغِلُوا ، وَصِلُوا الَّذِي بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ
رَبِّكُمْ بِكَثْرَةِ ذِكْرِكُمْ لَهُ ، وَكَثْرَةِ الصَّدَقَةِ فِي السِّرِّ
وَالْعَلَانِيَةِ تُرْزَقُوا وَتُنْصَرُوا وَتُجْبَرُوا ؛ وَاعْلَمُوا أَنَّ
اللَّهَ افْتَرَضَ عَلَيْكُمْ الْجُمُعَةَ فِي مَقَامِي هَذَا فِي يَوْمِي هَذَا فِي
شَهْرِي هَذَا فِي عَامِي هَذَا إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ، فَمَنْ تَرَكَهَا فِي
حَيَاتِي أَوْ بَعْدِي وَلَهُ إمَامٌ عَادِلٌ أَوْ جَائِرٌ اسْتِخْفَافًا بِهَا
وَجُحُودًا بِهَا فَلَا جَمَعَ اللَّهُ لَهُ شَمْلَهُ ، وَلَا بَارَكَ لَهُ فِي
أَمْرِهِ ، أَلَا وَلَا صَلَاةَ لَهُ وَلَا زَكَاةَ لَهُ وَلَا حَجَّ لَهُ وَلَا
صَوْمَ لَهُ وَلَا بِرَّ لَهُ حَتَّى يَتُوبَ فَمَنْ تَابَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ } .
تَنْبِيهٌ : عَدُّ هَذَا مِنْ الْكَبَائِرِ وَاضِحٌ
مِمَّا ذَكَرْته فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ وَبِهِ صَرَّحَ غَيْرُ وَاحِدٍ ،
وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ فِعْلَهَا فِي الْجَمَاعَةِ - عَلَى غَيْرِ ذَوِي
الْأَعْذَارِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْفِقْهِ - فَرْضُ عَيْنٍ إجْمَاعًا ، بَلْ هُوَ
مَعْلُومٌ مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ ، فَمَنْ اسْتَحَلَّهُ وَهُوَ مُخَالِطٌ
الْمُسْلِمِينَ كَفَرَ فِيمَا يَظْهَرُ ؛ لِأَنَّهُ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ مَعْلُومٌ
مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ ، وَمِنْ ثَمَّ لَوْ قَالَ إنْسَانٌ : أُصَلِّي ظُهْرًا
لَا جُمُعَةً قُتِلَ عَلَى الْأَصَحِّ عِنْدَنَا لِأَنَّ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ
تَرْكِهَا مِنْ أَصْلِهَا ، وَقَالَ الْحَلِيمِيُّ : إنَّ تَرْكَ الْجُمُعَةِ
لِغَيْرِهَا صَغِيرَةٌ ، وَمَعْنَى قَوْلِهِ لِغَيْرِهَا : أَنَّهُ أَعْرَضَ عَنْ
الْجُمُعَةِ وَقَصَدَ صَلَاةَ الظُّهْرِ بَدَلَهَا وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّ
ذَلِكَ صَغِيرَةٌ حِينَئِذٍ فِيهِ نَظَرٌ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ ،
وَلَعَلَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْوَجْهِ الضَّعِيفِ أَنَّ مَنْ قَالَ أُصَلِّي
الظُّهْرَ وَلَا أُصَلِّي الْجُمُعَةَ لَا يُقْتَلُ بِنَاءً عَلَى الضَّعِيفِ
أَيْضًا أَنَّ الْجُمُعَةَ ظُهْرٌ مَقْصُورَةٌ ، أَمَّا عَلَى الْأَصَحِّ
فَإِنَّهُ يُقْتَلُ بِنَاءً عَلَى الْأَصَحِّ أَنَّهَا صَلَاةٌ
مُسْتَقِلَّةٌ وَلَيْسَتْ بَدَلًا عَنْ الظُّهْرِ ؛
فَتَرْكُهَا كَبِيرَةٌ وَإِنْ قَالَ أُصَلِّي الظُّهْرَ كَمَا تَقَرَّرَ .
فَائِدَةٌ :
أَخْرَجَ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ
وَابْنُ مَاجَهْ وَالْحَاكِمُ : { مَنْ تَرَكَ الْجُمُعَةَ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ فَلْيَتَصَدَّقْ
بِدِينَارٍ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَنِصْفِ دِينَارٍ } .
وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبَيْهَقِيِّ : { بِدِرْهَمٍ أَوْ
نِصْفِ دِرْهَمٍ أَوْ صَاعٍ أَوْ مُدٍّ
} .
وَفِي أُخْرَى لِابْنِ مَاجَهْ مُرْسَلَةٍ : { أَوْ
صَاعِ حِنْطَةٍ أَوْ نِصْفِ صَاعٍ
} .
( الْكَبِيرَةُ الثَّالِثَةُ بَعْدَ الْمِائَةِ :
تَخَطِّي الرِّقَابِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ ) أَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ
حَدِيثٌ غَرِيبٌ وَالْعَمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ ، وَابْنُ مَاجَهْ
أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { مَنْ تَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ
يَوْمَ الْجُمُعَةِ اتَّخَذَ جِسْرًا إلَى جَهَنَّمَ } .
وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الصَّغِيرِ وَالْأَوْسَطِ عَنْ
أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ : { بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ النَّاسَ إذْ جَاءَ رَجُلٌ يَتَخَطَّى
رِقَابَ النَّاسِ حَتَّى جَلَسَ قَرِيبًا مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ ، فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاتَهُ
قَالَ : مَا مَنَعَك يَا فُلَانُ أَنْ تُجَمِّعَ مَعَنَا ؟ قَالَ : يَا رَسُولَ
اللَّهِ قَدْ حَرَصْت أَنْ أَضَعَ نَفْسِي بِالْمَكَانِ الَّذِي تَرَى ، قَالَ
قَدْ رَأَيْتُك تَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ وَتُؤْذِيهِمْ ، مَنْ آذَى مُسْلِمًا
فَقَدْ آذَانِي وَمَنْ آذَانِي فَقَدْ آذَى اللَّهَ - عَزَّ وَجَلَّ - } .
وَأَحْمَدُ وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ
وَالْحَاكِمُ : { إنَّ الَّذِي يَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ
وَيُفَرِّقُ بَيْنَ الِاثْنَيْنِ بَعْدَ خُرُوجِ الْإِمَامِ كَجَارِّ قُصْبِهِ
أَيْ أَمْعَائِهِ فِي النَّارِ } ، قِيلَ وَالتَّقْيِيدُ بِالْجُمُعَةِ
لِلْغَالِبِ .
وَأَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَابْنَا
خُزَيْمَةَ وَحِبَّانَ فِي صَحِيحَيْهِمَا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ رَضِيَ
اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قَالَ
: { جَاءَ رَجُلٌ يَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ يَوْمَ
الْجُمُعَةِ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ فَقَالَ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اجْلِسْ فَقَدْ آذَيْت } .
زَادَ ابْنُ خُزَيْمَةَ : " وَأُوذِيتَ " .
وَزَادَ أَيْضًا كَأَحْمَدَ وَابْنِ حِبَّانَ : "
وَآنَيْتَ " أَيْ بِالْمَدِّ أَخَّرْت الْمَجِيءَ .
تَنْبِيهٌ :
عَدُّ هَذَا كَبِيرَةً هُوَ مَا جَرَى عَلَيْهِ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ
وَكَأَنَّهُ أَخَذَهُ مِنْ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ وَهُوَ وَإِنْ كَانَ أَخْذًا
قَرِيبًا إلَّا أَنَّ الْأَصَحَّ مِنْ مَذْهَبِنَا أَنَّهُ
مَكْرُوهٌ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ وَيُجْمَعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ
تِلْكَ الْأَحَادِيثِ بِحَمْلِهَا عَلَى مَنْ آذَى بِهِ النَّاسَ أَذًى شَدِيدًا
عُرْفًا ، وَحَمْلُ الْكَرَاهَةِ عَلَى مَا إذَا خَفَّ ذَلِكَ الْأَذَى ،
وَيَأْتِي عَلَى الْأَثَرِ نَظِيرُ ذَلِكَ فِي الْجُلُوسِ وَسْطَ الْحَلْقَةِ .
( الْكَبِيرَةُ الرَّابِعَةُ بَعْدَ الْمِائَةِ
الْجُلُوسُ وَسْطُ الْحَلْقَةِ ) : أَخْرَجَ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ
حَسَنٍ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالْحَاكِمُ عَنْ حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى
عَنْهُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { لَعَنَ اللَّهُ مَنْ
جَلَسَ وَسْطَ الْحَلْقَةِ } .
وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ : { أَنَّ رَجُلًا
قَعَدَ وَسْطَ حَلْقَةٍ فَقَالَ حُذَيْفَةُ مَلْعُونٌ عَلَى لِسَانِ مُحَمَّدٍ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ } ، أَوْ : { لَعَنَ اللَّهُ عَلَى لِسَانِ
مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ جَلَسَ وَسْطَ الْحَلْقَةِ } .
وَالطَّبَرَانِيُّ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ : { مَنْ
تَخَطَّى حَلْقَةَ قَوْمٍ بِغَيْرِ إذْنِهِمْ فَهُوَ عَاصٍ } .
وَأَبُو دَاوُد : { لَا تَجْلِسْ بَيْنَ رَجُلَيْنِ
إلَّا بِإِذْنِهِمَا } .
وَأَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ : { لَا يَحِلُّ لِرَجُلٍ
أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَ اثْنَيْنِ إلَّا بِإِذْنِهِمَا } .
وَالْبَغَوِيُّ وَالطَّبَرَانِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ : {
إذَا انْتَهَى أَحَدُكُمْ الْمَجْلِسَ فَإِنْ وَسِعَ لَهُ فَلْيَجْلِسْ وَإِلَّا
فَلْيَنْظُرْ إلَى أَوْسَعِ مَكَان يَرَاهُ فَلْيَجْلِسْ فِيهِ } .
تَنْبِيهٌ : عَدُّ هَذَا كَبِيرَةً وَقَعَ فِي كَلَامِ
بَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ وَكَأَنَّهُمْ أَخَذُوهُ مِنْ اللَّعْنِ عَلَيْهِ
الْمَذْكُورِ وَهُوَ أَخْذٌ ظَاهِرٌ إنْ آذَى بِهِ غَيْرَهُ إيذَاءً لَا
يُحْتَمَلُ عُرْفًا ، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ الْحَدِيثُ أَيْضًا .
وَأَمَّا قَوْلُ أَصْحَابِنَا بِكَرَاهَتِهِ فَيُحْمَلُ
عَلَى مَا إذَا خَفَّ الْإِيذَاءُ بِهِ ، وَيُؤَيِّدُ هَذَا التَّفْصِيلَ مَا
ذَكَرْنَاهُ فِي كُتُبِنَا الْفِقْهِيَّةِ فِي حَمْلِ السِّلَاحِ فِي صَلَاةِ
الْخَوْفِ ، وَتَقْبِيلِ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ عِنْدَ الزَّحْمَةِ وَغَيْرِ
ذَلِكَ مِنْ أَنَّ الْإِيذَاءَ إنْ خَفَّ كُرِهَ وَإِلَّا حَرُمَ ، وَبِهَذَا
اتَّضَحَ أَنَّهُ لَا مُخَالَفَةَ بَيْنَ كَلَامِ أَئِمَّتِنَا وَالْحَدِيثِ ،
فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ فَإِنِّي لَمْ أَرَ مَنْ تَنَبَّهَ لَهُ .
الْكَبِيرَةُ الْخَامِسَةُ بَعْدَ الْمِائَةِ ) : لُبْسُ
الذَّكَرِ أَوْ الْخُنْثَى الْبَالِغِ الْعَاقِلِ الْحَرِيرَ الصِّرْفَ أَوْ
الَّذِي أَكْثَرُهُ حَرِيرٌ وَزْنًا لَا ظُهُورًا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ كَدَفْعِ
قَمْلٍ أَوْ حَكَّةٍ .
أَخْرَجَ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا عَنْ عُمَرَ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : {
لَا تَلْبَسُوا الْحَرِيرَ فَإِنَّهُ مَنْ لَبِسَهُ فِي الدُّنْيَا لَمْ يَلْبَسْهُ
فِي الْآخِرَةِ } .
زَادَ النَّسَائِيُّ وَقَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُمَا : { مَنْ لَبِسَهُ فِي الدُّنْيَا لَمْ يَدْخُلْ الْجَنَّةَ } .
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا
حَرِيرٌ } وَالشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا : { إنَّمَا يَلْبَسُ الْحَرِيرَ مَنْ لَا
خَلَاقَ لَهُ } .
زَادَ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ : { لَا خَلَاقَ لَهُ
فِي الْآخِرَةِ } .
وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ
وَالْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ : { مَنْ لَبِسَ الْحَرِيرَ فِي
الدُّنْيَا لَمْ يَلْبَسْهُ فِي الْآخِرَةِ ، وَإِنْ دَخَلَ الْجَنَّةَ لَبِسَهُ
أَهْلُ الْجَنَّةِ وَلَمْ يَلْبَسْهُ
} .
وَالشَّيْخَانِ : { مَنْ لَبِسَ الْحَرِيرَ فِي
الدُّنْيَا لَمْ يَلْبَسْهُ فِي الْآخِرَةِ } .
وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ : رَأَيْت { رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَ
حَرِيرًا فَجَعَلَهُ فِي يَمِينِهِ ، وَذَهَبًا فَجَعَلَهُ فِي يَسَارِهِ ثُمَّ قَالَ
: إنَّ هَذَيْنِ حَرَامٌ عَلَى ذُكُورِ أُمَّتِي } .
وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ : { مَنْ لَبِسَ الْحَرِيرَ
فِي الدُّنْيَا لَمْ يَلْبَسْهُ فِي الْآخِرَةِ ، وَمَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فِي
الدُّنْيَا لَمْ يَشْرَبْهُ فِي الْآخِرَةِ ، وَمَنْ شَرِبَ فِي آنِيَةٍ مِنْ
الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ لَمْ يَشْرَبْ بِهَا فِي الْآخِرَةِ ، ثُمَّ قَالَ :
لِبَاسُ أَهْلِ الْجَنَّةِ - أَيْ الْحَرِيرُ - وَشَرَابُ أَهْلِ الْجَنَّةِ -
أَيْ الْخَمْرُ - وَآنِيَةُ أَهْلِ الْجَنَّةِ - أَيْ الذَّهَبُ } .
وَالشَّيْخَانِ : سَمِعْت ابْنَ الزُّبَيْرِ يَخْطُبُ
وَيَقُولُ : لَا تُلْبِسُوا نِسَاءَكُمْ الْحَرِيرَ فَإِنِّي سَمِعْت عُمَرَ
يَقُولُ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { لَا تَلْبَسُوا الْحَرِيرَ
فَإِنَّهُ مَنْ لَبِسَهُ فِي الدُّنْيَا لَمْ يَلْبَسْهُ فِي الْآخِرَةِ } .
زَادَ النَّسَائِيُّ : { وَمَنْ لَمْ يَلْبَسْهُ فِي الْآخِرَةِ
لَمْ يَدْخُلْ الْجَنَّةَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ } }
وَالنَّسَائِيُّ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِهِمَا عَنْ عُقْبَةَ
بْنِ عَامِرٍ أَنَّهُ كَانَ يَمْنَعُ أَهْلَهُ الْحِلْيَةَ وَالْحَرِيرَ وَيَقُولُ
: إنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ حِلْيَةَ الْجَنَّةِ وَحَرِيرَهَا فَلَا تَلْبَسُوهُمَا
فِي الدُّنْيَا .
وَفَهِمَهُ هُوَ وَابْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ هَذَا الْوَعِيدَ
بِعَدَمِ لُبْسِهِ فِي الْآخِرَةِ يَجْرِي فِي النِّسَاءِ وَنَحْوِهِنَّ مِمَّنْ
أُبِيحَ لَهُ لُبْسُهُ إنَّمَا هُوَ مُجَرَّدُ احْتِيَاطٍ ، وَإِلَّا فَتَجْوِيزُ
لُبْسِهِ لَهُنَّ : الظَّاهِرُ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يَمْنَعُ لُبْسَهُ فِي
الْآخِرَةِ .
وَالشَّيْخَانِ : { أُهْدِيَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرُّوجُ حَرِيرٍ - أَيْ بِفَتْحِ الْفَاءِ فَرَاءٍ
مَضْمُومَةٍ مُشَدَّدَةٍ فَجِيمٍ :
قَبَاءٌ شُقَّ مِنْ خَلْفِهِ - فَلَبِسَهُ ثُمَّ صَلَّى
فِيهِ ثُمَّ انْصَرَفَ فَنَزَعَهُ نَزْعًا شَدِيدًا كَالْكَارِهِ لَهُ ، ثُمَّ
قَالَ لَا يَنْبَغِي هَذَا لِلْمُتَّقِينَ } .
وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ : أَنَّ عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ قَالَ :
سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : { مَنْ كَذَبَ
عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ } .
وَأُشْهِدُكُمْ أَنِّي سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ
: { مَنْ لَبِسَ الْحَرِيرَ فِي الدُّنْيَا حُرِمَهُ فِي
الْآخِرَةِ } .
وَالْبُخَارِيُّ : { نَهَانَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَشْرَبَ فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَأَنْ
نَأْكُلَ فِيهَا وَعَنْ لُبْسِ الْحَرِيرِ وَالدِّيبَاجِ وَأَنْ نَجْلِسَ عَلَيْهِ } .
وَأَحْمَدُ : { لَا يَسْتَمْتِعُ بِالْحَرِيرِ مَنْ
يَرْجُو أَيَّامَ اللَّهِ } أَيْ لِقَاءَ اللَّهِ وَحِسَابَهُ .
وَأَحْمَدُ : { إنَّمَا يَلْبَسُ الْحَرِيرَ فِي
الدُّنْيَا مَنْ لَا يَرْجُو أَنْ يَلْبَسَهُ فِي الْآخِرَةِ } .
قَالَ الْحَسَنُ
: فَمَا بَالُ أَقْوَامٍ يَبْلُغُهُمْ هَذَا عَنْ
نَبِيِّهِمْ فَيَجْعَلُونَ حَرِيرًا فِي ثِيَابِهِمْ وَبُيُوتِهِمْ .
وَأَحْمَدُ وَالْبَيْهَقِيُّ : { يَبِيتُ قَوْمٌ مِنْ
هَذِهِ الْأُمَّةِ عَلَى طُعْمٍ وَشُرْبٍ وَلَهْوٍ وَلَعِبٍ ، فَيُصْبِحُوا قَدْ
مُسِخُوا قِرَدَةً وَخَنَازِيرَ ، وَلَيُصِيبَنَّهُمْ خَسْفٌ وَقَذْفٌ حَتَّى
يُصْبِحَ النَّاسُ ، فَيَقُولُونَ : خُسِفَ اللَّيْلَةَ بِبَنِي فُلَانٍ ، خُسِفَ اللَّيْلَةَ
بِدَارِ فُلَانٍ ، وَلَتُرْسَلَنَّ عَلَيْهِنَّ حِجَارَةٌ مِنْ السَّمَاءِ كَمَا
أُرْسِلَتْ عَلَى قَوْمِ لُوطٍ عَلَى قَبَائِلَ فِيهَا وَعَلَى دُورٍ ،
وَلَتُرْسَلَنَّ عَلَيْهِمْ الرِّيحُ الْعَقِيمُ كَمَا أُرْسِلَتْ إلَى عَادٍ
عَلَى قَبَائِلَ فِيهَا وَعَلَى دُورٍ بِشُرْبِهِمْ الْخَمْرَ وَلُبْسِهِمْ
الْحَرِيرَ وَاِتِّخَاذِهِمْ الْقَيْنَاتِ وَأَكْلِهِمْ الرِّبَا وَقَطِيعَتِهِمْ
الرَّحِمَ } .
وَالْبُخَارِيُّ تَعْلِيقًا وَأَبُو دَاوُد : {
لَيَكُونَنَّ مِنْ أُمَّتِي أَقْوَامٌ يَسْتَحِلُّونَ الْحَرِيرَ يُمْسَخُ
مِنْهُمْ قِرَدَةً وَخَنَازِيرَ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ } .
وَالْبَيْهَقِيُّ وَقَوَّاهُ : { إذَا اسْتَحَلَّتْ
أُمَّتِي خَمْسًا فَعَلَيْهِمْ الدَّمَارُ } أَيْ الْهَلَاكُ { إذَا ظَهَرَ التَّلَاعُنُ ،
وَشَرِبُوا الْخَمْرَ ، وَلَبِسُوا الْحَرِيرَ ، وَاِتَّخَذُوا الْقَيْنَاتِ ،
وَاكْتَفَى الرِّجَالُ بِالرِّجَالِ وَالنِّسَاءُ بِالنِّسَاءِ } .
وَالْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِهِمَا عَنْ
سَعْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ { أَنَّهُ قَالَ لِمَنْ اسْتَأْذَنَ عَلَيْهِ
فَكَانَ مُتَّكِئًا عَلَى شِبْهِ مِخَدَّةٍ مِنْ حَرِيرٍ فَأَزَالَهَا فَأُخْبِرَ
أَنَّهُ أَزَالَهَا لِأَجْلِهِ } { نِعْمَ الرَّجُلُ أَنْتَ إنْ لَمْ تَكُنْ
مِمَّنْ قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى
- فِيهِمْ : { أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي
حَيَاتِكُمْ الدُّنْيَا } وَاَللَّهِ لَأَنْ أَضْطَجِعَ عَلَى جَمْرِ الْغَضَى أَحَبُّ
إلَيَّ مِنْ أَنْ أَضْطَجِعَ عَلَيْهَا
} .
وَالْبَزَّارُ وَالطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ رُوَاتُهُ
ثِقَاتٌ : { رَأَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جُبَّةً
مُجَيَّبَةً بِحَرِيرٍ : أَيْ لَهَا جَيْبٌ أَيْ طَوْقٌ مِنْهُ ، فَقَالَ طَوْقٌ
مِنْ نَارٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
} وَهُوَ مَحْمُولٌ
عَلَى غَيْرِ التَّسْجِيفِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لَهُ جُبَّةٌ .
مَكْفُوفَةٌ - أَيْ مُسَجَّفَةٌ - بِالدِّيبَاجِ .
وَأَحْمَدُ وَالطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ فِيهِ جَابِرٌ
الْجُعْفِيُّ وَقَدْ وَثَّقَهُ جَمَاعَةٌ : { مَنْ لَبِسَ ثَوْبَ حَرِيرٍ
أَلْبَسَهُ اللَّهُ يَوْمًا أَوْ ثَوْبًا مِنْ النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ } .
وَفِي رِوَايَةٍ : { مَنْ لَبِسَ ثَوْبَ حَرِيرٍ فِي
الدُّنْيَا أَلْبَسَهُ اللَّهُ - تَعَالَى - ثَوْبَ مَذَلَّةٍ مِنْ النَّارِ أَوْ
ثَوْبًا مِنْ النَّارِ } .
وَرَوَاهُ الْبَزَّارُ عَنْ حُذَيْفَةَ مَوْقُوفًا : {
مَنْ لَبِسَ ثَوْبَ حَرِيرٍ أَلْبَسَهُ اللَّهُ - تَعَالَى - يَوْمًا مِنْ نَارٍ
لَيْسَ مِنْ أَيَّامِكُمْ وَلَكِنْ مِنْ أَيَّامِ اللَّهِ - تَعَالَى - الطِّوَالِ } .
( الْكَبِيرَةُ السَّادِسَةُ بَعْدَ الْمِائَةِ ) :
تَحَلِّي الذَّكَرِ الْبَالِغِ الْعَاقِلِ بِذَهَبٍ كَخَاتَمٍ أَوْ فِضَّةٍ غَيْرِ
خَاتَمٍ أَخْرَجَ أَحْمَدُ بِسَنَدٍ رُوَاتُهُ ثِقَاتٌ : { مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ
وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ، فَلَا يَلْبَسْ حَرِيرًا وَلَا ذَهَبًا } .
وَأَحْمَدُ بِسَنَدٍ رُوَاتُهُ ثِقَاتٌ أَيْضًا
وَالطَّبَرَانِيُّ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ،
عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { مَنْ مَاتَ مِنْ أُمَّتِي
وَهُوَ يَشْرَبُ الْخَمْرَ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ شُرْبَهَا فِي الْجَنَّةِ ،
وَمَنْ مَاتَ مِنْ أُمَّتِي وَهُوَ يَتَحَلَّى بِالذَّهَبِ حَرَّمَ اللَّهُ
عَلَيْهِ لُبْسَهُ فِي الْجَنَّةِ
} .
وَمُسْلِمٌ :
{ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى
خَاتَمًا مِنْ ذَهَبٍ فِي يَدِ رَجُلٍ فَنَزَعَهُ وَطَرَحَهُ وَقَالَ يَعْمِدُ
أَحَدُكُمْ إلَى جَمْرَةٍ مِنْ نَارٍ فَيَطْرَحُهَا فِي يَدِهِ ، فَقِيلَ
لِلرَّجُلِ بَعْدَمَا ذَهَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : خُذْ خَاتَمَك
انْتَفِعْ بِهِ ، فَقَالَ : وَاَللَّهِ لَا آخُذُهُ وَقَدْ طَرَحَهُ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ } .
وَالنَّسَائِيُّ : { إنَّ رَجُلًا قَدِمَ مِنْ نَجْرَانَ
إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَيْهِ خَاتَمٌ مِنْ
ذَهَبٍ فَأَعْرَضَ عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ،
وَقَالَ : إنَّك جِئْتنِي وَفِي يَدِك جَمْرَةٌ مِنْ نَارٍ } .
وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ : { وَيْلٌ لِلنِّسَاءِ
مِنْ الْأَحْمَرَيْنِ : الذَّهَبِ وَالْمُعَصْفَرِ } .
وَأَبُو الشَّيْخِ وَغَيْرُهُ : { أُرِيتُ أَنِّي
دَخَلْت الْجَنَّةَ فَإِذَا أَعَالِي أَهْلِ الْجَنَّةِ فُقَرَاءُ الْمُهَاجِرِينَ
وَذَرَارِيُّ الْمُؤْمِنِينَ وَإِذَا لَيْسَ فِيهَا أَحَدٌ أَقَلُّ مِنْ
الْأَغْنِيَاءِ وَالنِّسَاءِ ، فَقِيلَ لِي : أَمَّا الْأَغْنِيَاءُ فَإِنَّهُمْ
عَلَى الْبَابِ يُحَاسَبُونَ وَيُمَحَّصُونَ ، وَأَمَّا النِّسَاءُ فَأَلْهَاهُنَّ
الذَّهَبُ وَالْحَرِيرُ } الْحَدِيثَ ، وَبِهِ يُعْلَمُ مَعْنَى قَوْلِهِ { وَيْلٌ
لِلنِّسَاءِ } فِي الْحَدِيثِ قَبْلَهُ : أَيْ أَنَّ هَذَيْنِ سَبَبٌ
لِلَهْوِهِنَّ وَإِعْرَاضِهِنَّ عَنْ الْخَيْرِ ،
وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ ظَاهِرَهُ لِأَنَّهُمَا حَلَالَانِ لَهُنَّ إجْمَاعًا .
تَنْبِيهٌ :
عَدُّ لُبْسِ الْحَرِيرِ كَبِيرَةً هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ
أَحَادِيثِهِ الصَّحِيحَةِ السَّابِقَةِ فِيهِ لِمَا فِيهَا مِنْ ذَلِكَ
الْوَعِيدِ الشَّدِيدِ ، لَكِنَّ جُمْهُورَ أَئِمَّتِنَا عَلَى أَنَّهُ صَغِيرَةٌ
، وَلَعَلَّهُمْ نَظَرُوا إلَى اخْتِصَاصِ الْكَبِيرَةِ بِمَا فِيهِ حَدٌّ ، وَمَرَّ
أَنَّ الصَّحِيحَ خِلَافُهُ .
فَالْوَجْهُ الَّذِي لَا مَحِيدَ عَنْهُ عِنْدَ
النَّظَرِ إلَى تِلْكَ الْأَحَادِيثِ - وَحَدُّهَا بِأَنَّهَا مَا فِيهِ وَعِيدٌ
شَدِيدٌ - الْجَزْمُ بِأَنَّ ذَلِكَ كَبِيرَةٌ ، وَمِمَّنْ اخْتَارَ ذَلِكَ
الْجَلَالُ الْبُلْقِينِيُّ ، وَغَيْرُهُ إلَيْهِ مَيْلُ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ ،
وَأَمَّا عَدُّ لُبْسِ الذَّهَبِ الَّذِي ذَكَرْته - بَحْثًا - كَبِيرَةً فَهُوَ
أَوْلَى بِذَلِكَ مِنْ الْحَرِيرِ مَعَ الْوَعِيدِ الشَّدِيدِ عَلَيْهِ الَّذِي
فِي أَحَادِيثِهِ الصَّحِيحَةِ الْمَذْكُورَةِ ، وَإِلْحَاقُ حِلْيَةِ الْفِضَّةِ
بِهِ الَّذِي ذَكَرْته مُحْتَمَلٌ وَإِنْ أَمْكَنَ الْفَرْقُ بِأَنَّ الذَّهَبَ
أَغْلَظُ ، وَمِنْ ثَمَّ قَالَ بَعْضُ أَئِمَّتِنَا يَحِلُّ لُبْسُ بَعْضِ
حِلْيَةِ الْفِضَّةِ غَيْرِ الْخَاتَمِ لِلرَّجُلِ ، وَاتَّفَقُوا عَلَى حِلِّ
بَلْ نَدْبِ لُبْسِ خَاتَمِهَا لَهُ وَتَحْرِيمِ خَاتَمِ الذَّهَبِ لَهُ .
فَوَائِدُ : يَحِلُّ نَحْوُ الْجُلُوسِ عَلَى الْحَرِيرِ
بِحَائِلٍ وَلَوْ رَقِيقًا وَمُهَلْهَلًا بِخِلَافِ الْمُخَرَّقِ ، وَمِنْ
اسْتِعْمَالِهِ الْمُحَرَّمِ التَّدَثُّرُ بِهِ وَاِتِّخَاذُهُ سِتْرًا ،
وَيَحِلُّ التَّسْجِيفُ بِهِ بِقَدْرِ الْعَادَةِ ، وَجَعْلُ الطِّرَازِ مِنْهُ
عَلَى الْكُمِّ إذَا كَانَ بِقَدْرِ أَرْبَعِ أَصَابِعَ ، وَخَيْطِ السُّبْحَةِ ،
وَعَلَمِ الرُّمْحِ ، وَكِيسِ الْمُصْحَفِ ، وَإِلْبَاسُهُ كَحُلِيِّ
النَّقْدَيْنِ لِلْمَجْنُونِ وَالصَّبِيِّ إلَى الْبُلُوغِ .
وَأَفْتَى ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ بِتَأْثِيمِ
مُتَّخِذِ الْحَرِيرِ لَكِنَّهُ دُونَ إثْمِ اللُّبْسِ ، وَالنَّوَوِيُّ
بِتَحْرِيمِ كِتَابَةِ الصَّدَاقِ فِيهِ لِلرَّجُلِ ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ
خِلَافًا لِمَنْ نَازَعَ فِيهِ ، وَتَزْيِينُ الْبُيُوتِ وَالْمَسَاجِدِ
بِحَرِيرٍ أَوْ بِصُوَرٍ حَرَامٌ ، وَلَوْ لِامْرَأَةٍ
وَبِغَيْرِهِمَا مَكْرُوهٌ وَكَالْحَرِيرِ مَا صُبِغَ بِزَعْفَرَانٍ أَوْ عُصْفُرٍ
أَوْ وَرْسٍ عَلَى كَلَامٍ فِيهِ بَيَّنْتُهُ كَفَوَائِدَ غَزِيرَةٍ فِي شَرْحِ
الْعُبَابِ .
الْكَبِيرَةُ السَّابِعَةُ بَعْدَ الْمِائَةِ ) :
تَشَبُّهُ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ فِيمَا يَخْتَصِصْنَ بِهِ عُرْفًا غَالِبًا
مِنْ لِبَاسٍ أَوْ كَلَامٍ أَوْ حَرَكَةٍ أَوْ نَحْوِهَا وَعَكْسِهِ أَخْرَجَ
الْبُخَارِيُّ وَالْأَرْبَعَةُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : { لَعَنَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُتَشَبِّهِينَ مِنْ
الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ ، وَالْمُتَشَبِّهَاتِ مِنْ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ } .
وَالطَّبَرَانِيُّ : { أَنَّ امْرَأَةً مَرَّتْ عَلَى
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَقَلِّدَةً قَوْسًا فَقَالَ
: لَعَنَ اللَّهُ الْمُتَشَبِّهَاتِ مِنْ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ
وَالْمُتَشَبِّهِينَ مِنْ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ } .
وَالْبُخَارِيُّ : { لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُخَنَّثِينَ مِنْ الرِّجَالِ ،
وَالْمُتَرَجِّلَاتِ مِنْ النِّسَاءِ } : وَالْأَوَّلُ جَمْعُ مُخَنَّثٍ بِفَتْحِ
النُّونِ وَكَسْرِهَا وَهُوَ مَنْ فِيهِ انْخِنَاثٌ ، وَهُوَ التَّكَسُّرُ
وَالتَّثَنِّي كَمَا يَفْعَلُهُ النِّسَاءُ ، وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ الْفَاحِشَةَ
الْكُبْرَى ، وَالثَّانِي الْمُتَشَبِّهَاتُ مِنْ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ .
وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ
وَالْحَاكِمُ - وَقَالَ : صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ - : { لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّجُلَ يَلْبَسُ لُبْسَةَ الْمَرْأَةِ ،
وَالْمَرْأَةَ تَلْبَسُ لُبْسَ الرَّجُلِ } .
وَأَحْمَدُ بِسَنَدٍ حَسَنٍ : { لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُخَنَّثِي الرِّجَالِ الَّذِينَ يَتَشَبَّهُونَ
بِالنِّسَاءِ ، وَالْمُتَرَجِّلَاتِ مِنْ النِّسَاءِ الْمُتَشَبِّهَاتِ
بِالرِّجَالِ ، وَرَاكِبَ الْفَلَاةِ وَحْدَهُ } .
وَالطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ فِيهِ مُخْتَلَفٌ فِيهِ : {
أَرْبَعَةٌ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ، وَأَمَّنَتْ الْمَلَائِكَةُ :
رَجُلٌ جَعَلَهُ اللَّهُ ذَكَرًا فَأَنَّثَ نَفْسَهُ وَتَشَبَّهَ بِالنِّسَاءِ ،
وَامْرَأَةٌ جَعَلَهَا اللَّهُ أُنْثَى فَتَذَكَّرَتْ وَتَشَبَّهَتْ بِالرِّجَالِ
، وَاَلَّذِي يُضِلُّ الْأَعْمَى ، وَرَجُلٌ حَصُورٌ وَلَمْ يَجْعَلْ اللَّهُ حَصُورًا
إلَّا يَحْيَى
بْنَ زَكَرِيَّا } .
وَأَبُو دَاوُد : { أُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمُخَنَّثٍ قَدْ خَضَّبَ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ
بِالْحِنَّاءِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَا
بَالُ هَذَا ؟ قَالُوا يَتَشَبَّهُ بِالنِّسَاءِ ، فَأَمَرَ بِهِ فَنُفِيَ إلَى
النَّقِيعِ } ، أَيْ بِالنُّونِ وَهُوَ بَعِيدٌ مِنْ
الْمَدِينَةِ .
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ : فِي مَتْنِهِ نَكَارَةٌ وَلَيْسَ
فِي سَنَدِهِ مَجْهُولٌ خِلَافًا لِمَنْ زَعَمَهُ .
وَصَحَّ : { ثَلَاثَةٌ لَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ :
الْعَاقُّ لِوَالِدَيْهِ ، وَالدَّيُّوثُ ، وَرَجُلَةُ النِّسَاءِ } .
وَفِي رِوَايَةٍ ، قَالَ الْمُنْذِرِيُّ لَا أَعْلَمُ
فِي رُوَاتِهَا مَجْرُوحًا : { ثَلَاثَةٌ لَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ أَبَدًا : الدَّيُّوثُ وَرَجُلَةُ
النِّسَاءِ ، وَمُدْمِنُ الْخَمْرِ ، قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَمَّا
مُدْمِنُ الْخَمْرِ فَقَدْ عَرَفْنَاهُ فَمَا الدَّيُّوثُ ؟ قَالَ : الَّذِي لَا
يُبَالِي بِمَنْ يَدْخُلُ عَلَى أَهْلِهِ ، قُلْنَا : فَمَا الرَّجُلَةُ مِنْ النِّسَاءِ ؟
قَالَ الَّتِي تَتَشَبَّهُ بِالرِّجَالِ } .
تَنْبِيهٌ : عَدُّ هَذَا مِنْ الْكَبَائِرِ وَاضِحٌ لِمَا
عَرَفْت مِنْ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ وَمَا فِيهَا مِنْ الْوَعِيدِ
الشَّدِيدِ وَاَلَّذِي رَأَيْته لِأَئِمَّتِنَا أَنَّ ذَلِكَ التَّشَبُّهَ فِيهِ
قَوْلَانِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّهُ حَرَامٌ وَصَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ بَلْ
صَوَّبَهُ .
وَثَانِيهِمَا : أَنَّهُ مَكْرُوهٌ وَصَحَّحَهُ
الرَّافِعِيُّ فِي مَوْضِعٍ .
وَالصَّحِيحُ بَلْ الصَّوَابُ مَا قَالَهُ النَّوَوِيُّ
مِنْ الْحُرْمَةِ بَلْ مَا قَدَّمْته مِنْ أَنَّ ذَلِكَ كَبِيرَةٌ ثُمَّ رَأَيْت
بَعْضَ الْمُتَكَلِّمِينَ عَلَى الْكَبَائِرِ عَدَّهُ مِنْهَا وَهُوَ ظَاهِرٌ ، وَعُلِمَ
مِنْ خَبَرِ الْمُخَنَّثِ الْمَخْضُوبِ الَّذِي نَفَاهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ لِأَجْلِ تَشَبُّهِهِ بِالنِّسَاءِ بِخَضْبِهِ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ
أَنَّ خَضْبَ الرَّجُلِ يَدَيْهِ أَوْ رِجْلَيْهِ بِالْحِنَّاءِ حَرَامٌ ، بَلْ
كَبِيرَةٌ عَلَى مَا ذُكِرَ فِيهِ مِنْ التَّشَبُّهِ بِالنِّسَاءِ ، وَأَنَّ
الْحَدِيثَ الْمَذْكُورَ صَرِيحٌ فِي ذَلِكَ ، وَقَدْ وَقَعَتْ هَذِهِ
الْمَسْأَلَةُ
قَرِيبًا مِنْ الْيَمَنِ فَاخْتَلَفَ فِيهَا
عُلَمَاؤُهَا وَصَنَّفُوا فِي الْحِلِّ وَالْحُرْمَةِ ثُمَّ أَرْسَلُوا إلَيَّ
بِمَكَّةَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَخَمْسِينَ وَتِسْعِمِائَةٍ ثَلَاثَ مُصَنَّفَاتٍ ،
اثْنَيْنِ فِي حِلِّهِ مُطْلَقًا ، وَوَاحِدًا فِي حُرْمَتِهِ ، وَطَلَبُوا مِنِّي
إبَانَةَ الْحَقِّ فِي الْمَسْأَلَةِ فَأَلَّفْت فِيهَا كِتَابًا حَافِلًا
سَمَّيْته شَنُّ الْغَارَةِ عَلَى مَنْ أَظْهَرَ مَعَرَّةَ تَقَوُّلِهِ فِي الْحِنَّاءِ
، وَعَوَارَهُ وَإِنَّمَا سَمَّيْته بِذَلِكَ لِيُطَابِقَ اسْمُهُ مُسَمَّاهُ ،
فَإِنَّ بَعْضَ الْقَائِلِينَ بِالْحِلِّ تَعَدَّى طَوْرَهُ إلَى أَنْ ادَّعَى
فِيهِ الِاجْتِهَادَ ، وَزَعَمَ أَنَّ الْقَائِلِينَ بِالْحُرْمَةِ - أَيْ وَهُمْ
الْأَصْحَابُ قَاطِبَةً بَلْ وَالشَّافِعِيُّ كَمَا بَيَّنْته ثَمَّ -
اسْتَرْوَحُوا وَلَمْ يَتَأَمَّلُوهُ فَغَلَّطُوا فِي ذَلِكَ ، ثُمَّ أَكْثَرُوا
فِي الْكَلَامِ مِنْ نَحْوِ هَذِهِ الْخُرَافَاتِ وَالْمُجَازَفَاتِ ، وَسَوَّلَتْ
لَهُ نَفْسُهُ أَنَّهُ أَبْرَزَ أَدِلَّةً خَفِيَتْ عَلَيْهِمْ ، وَأَنَّ تَقْلِيدَهُ
أَوْ تَقْلِيدَ شَيْخِهِ التَّابِعِ لَهُ فِي الْحِلِّ أَوْلَى مِنْ تَقْلِيدِهِمْ
، فَلِعَظِيمِ ضَرَرِ هَذِهِ الْحَادِثَةِ وَسُوءِ صَنِيعِ وَطَوِيَّةِ هَذَا
الْمُجَازِفِ جَرَّدْت صَارِمَ الْعَزْمِ وَبَاتِرَ التَّنْقِيبِ وَالْفَحْصِ
وَالْفَهْمِ ، وَأَوْرَيْت زَنْدَ الْفِكْرِ حَمِيَّةً لِأَئِمَّتِنَا غُيُوثِ
الْهُدَى وَمَصَابِيحِ الدُّجَى ، وَانْتِصَارًا لِإِيضَاحِ الْحَقِّ الصُّرَاحِ ،
وَإِدْحَاضِ ذَلِكَ الْبَاطِلِ الْبَرَاحِ ، فَلِذَلِكَ اتَّسَعَ مَجَالُ ذَلِكَ الْكِتَابِ
، وَتَعَيَّنَ فِيهِ إيثَارُ جَادَّةِ الْإِطْنَابِ ، وَظَهَرَتْ بِهِ سُبُلُ
الصَّوَابِ بِحَمْدِ رَبِّنَا لَا إلَهَ إلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْت
وَإِلَيْهِ مَتَابٌ .
خَاتِمَةٌ : يَجِبُ عَلَى الزَّوْجِ أَنْ يَمْنَعَ
زَوْجَتَهُ مِمَّا تَقَعُ فِيهِ مِنْ التَّشَبُّهِ بِالرِّجَالِ فِي مِشْيَةٍ أَوْ
لُبْسَةٍ أَوْ غَيْرِهِمَا خَوْفًا عَلَيْهَا مِنْ اللَّعْنَةِ بَلْ وَعَلَيْهِ
أَيْضًا ، فَإِنَّهُ إذَا أَقَرَّهَا أَصَابَهُ مَا أَصَابَهَا وَامْتِثَالًا
لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا } أَيْ
بِتَعْلِيمِهِمْ
وَتَأْدِيبِهِمْ وَأَمْرِهِمْ بِطَاعَةِ رَبِّهِمْ
وَنَهْيِهِمْ عَنْ مَعْصِيَتِهِ ، وَلِقَوْلِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ : { كُلُّكُمْ رَاعٍ ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ
الرَّجُلُ فِي أَهْلِهِ رَاعٍ ، وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ }
، وَفِي الْحَدِيثِ : { إنَّ هَلَاكَ الرِّجَالِ طَاعَتُهُمْ لِنِسَائِهِمْ ، وَمِنْ
ثَمَّ قَالَ الْحَسَنُ : وَاَللَّهِ مَا أَصْبَحَ الْيَوْمَ رَجُلٌ يُطِيعُ
امْرَأَتَهُ فِيمَا تَهْوَى إلَّا كَبَّهُ اللَّهُ فِي النَّارِ } .
( الْكَبِيرَةُ الثَّامِنَةُ بَعْدَ الْمِائَةِ ) :
لُبْسُ الْمَرْأَةِ ثَوْبًا رَقِيقًا يَصِفُ بَشَرَتَهَا ، وَمَيْلُهَا ، وَإِمَالَتُهَا
أَخْرَجَ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ : { صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَهُمَا
: قَوْمٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ كَأَذْنَابِ الْبَقَرِ يَضْرِبُونَ بِهَا النَّاسَ
وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَّاتٌ مَائِلَاتٌ مُمِيلَاتٌ رُءُوسُهُنَّ
كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ الْمَائِلَةِ لَا يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ وَلَا يَجِدْنَ
رِيحَهَا وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ كَذَا وَكَذَا } .
وَكَاسِيَاتٌ ، أَيْ مِنْ نِعَمِ اللَّهِ وَعَارِيَّاتٌ
أَيْ مِنْ شُكْرِهَا ؛ وَالْمُرَادُ كَاسِيَاتٌ صُورَةً عَارِيَّاتٌ مَعْنًى بِأَنْ
تَلْبَسَ ثَوْبًا رَقِيقًا يَصِفُ لَوْنَ أَبْدَانِهِنَّ ، وَمَائِلَاتٌ أَيْ عَنْ
طَاعَةِ اللَّهِ وَمَا يَلْزَمُهُنَّ فِعْلُهُ وَحِفْظُهُ ، وَمُمِيلَاتٌ ، أَيْ
لِغَيْرِهِنَّ إلَى فِعْلِهِنَّ الْمَذْمُومِ بِتَعْلِيمِهِنَّ إيَّاهُنَّ ذَلِكَ
، أَوْ مَائِلَاتٌ يَمْشِينَ مُتَبَخْتِرَاتٍ مُمِيلَاتٍ لِأَكْتَافِهِنَّ ، أَوْ مَائِلَاتٌ
تُمْشَطْنَ الْمِشْطَةَ الْمَيْلَاءَ وَهِيَ مِشْطَةُ الْبَغَايَا .
مُمِيلَاتٌ : أَيْ يُمَشِّطْنَ غَيْرَهُنَّ تِلْكَ
الْمِشْطَةَ .
رُءُوسُهُنَّ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ : أَيْ يُكَبِّرْنَهَا
وَيُعَظِّمْنَهَا بِلَفِّ نَحْوِ عِمَامَةٍ أَوْ عِصَابَةٍ .
وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَاللَّفْظُ لَهُ
وَالْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ : { يَكُونُ فِي آخِرِ
أُمَّتِي رِجَالٌ يَرْكَبُونَ عَلَى سُرُوجٍ كَأَشْبَاهِ الرِّحَالِ يَنْزِلُونَ
عَلَى أَبْوَابِ الْمَسَاجِدِ ، نِسَاؤُهُمْ كَاسِيَاتٌ عَارِيَّاتٌ عَلَى
رُءُوسِهِنَّ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ الْعِجَافِ الْعَنُوهُنَّ فَإِنَّهُنَّ مَلْعُونَاتٌ
، لَوْ كَانَ وَرَاءَكُمْ أُمَّةٌ مِنْ الْأُمَمِ خَدَمَتْهُنَّ نِسَاؤُكُمْ كَمَا
خَدَمَتْكُمْ نِسَاءُ الْأُمَمِ قَبْلَكُمْ } .
وَأَبُو دَاوُد مُرْسَلًا عَنْ عَائِشَةَ : أَنَّ أُخْتَهَا
{ أَسْمَاءَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا دَخَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَيْهَا ثِيَابٌ رِقَاقٌ فَأَعْرَضَ عَنْهَا
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ : يَا أَسْمَاءُ إنَّ
الْمَرْأَةَ إذَا
بَلَغَتْ زَمَنَ الْحَيْضِ لَمْ يَصْلُحْ أَنْ يُرَى
مِنْهَا إلَّا هَذَا وَأَشَارَ إلَى وَجْهِهِ وَكَفَّيْهِ } .
تَنْبِيهٌ :
ذِكْرُ هَذَا مِنْ الْكَبَائِرِ ظَاهِرٌ لِمَا فِيهِ
مِنْ الْوَعِيدِ الشَّدِيدِ ، وَلَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِذَلِكَ إلَّا أَنَّهُ
مَعْلُومٌ بِالْأَوْلَى مِمَّا مَرَّ فِي تَشَبُّهِهِنَّ بِالرِّجَالِ .
قَالَ الذَّهَبِيُّ : وَمِنْ الْأَفْعَالِ الَّتِي
تُلْعَنُ الْمَرْأَةُ عَلَيْهَا إظْهَارُ زِينَتِهَا كَذَهَبٍ أَوْ لُؤْلُؤٍ مِنْ
تَحْتِ نِقَابِهَا ، وَتَطَيُّبُهَا بِطِيبٍ كَمِسْكٍ إذَا خَرَجَتْ .
وَكَذَا لُبْسُهَا عِنْدَ خُرُوجِهَا كُلَّ مَا يُؤَدِّي
إلَى التَّبَهْرُجِ كَمَصُوغٍ بَرَّاقٍ وَإِزَارِ حَرِيرٍ وَتَوْسِعَةِ كُمٍّ
وَتَطْوِيلِهِ ، فَكُلُّ ذَلِكَ مِنْ التَّبَهْرُجِ الَّذِي يَمْقُتُ اللَّهُ
عَلَيْهِ فَاعِلَهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ، وَلِهَذِهِ الْقَبَائِحِ الْغَالِبَةِ
عَلَيْهِنَّ قَالَ عَنْهُنَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : {
اطَّلَعْتُ فِي النَّارِ فَرَأَيْت أَكْثَرَ أَهْلِهَا النِّسَاءَ } .
( الْكَبِيرَةُ التَّاسِعَةُ بَعْدَ الْمِائَةِ : طُولُ
الْإِزَارِ أَوْ الثَّوْبِ أَوْ الْكُمِّ أَوْ الْعَذَبَةِ خُيَلَاءَ ) (
الْكَبِيرَةُ الْعَاشِرَةُ بَعْدَ الْمِائَةِ : التَّبَخْتُرُ فِي الْمَشْيِ ) أَخْرَجَ
الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ : { مَا أَسْفَلَ مِنْ الْكَعْبَيْنِ مِنْ الْإِزَارِ
فَفِي النَّارِ } .
وَفِي رِوَايَةٍ لِلنَّسَائِيِّ : { إزْرَةُ الْمُؤْمِنِ
إلَى عَضَلَةِ سَاقِهِ ثُمَّ إلَى نِصْفِ سَاقِهِ ثُمَّ إلَى كَعْبَيْهِ وَمَا
تَحْتَ الْكَعْبَيْنِ مِنْ الْإِزَارِ فَفِي النَّارِ } .
وَالشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا : { لَا يَنْظُرُ اللَّهُ
يَوْمَ الْقِيَامَةِ إلَى مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ خُيَلَاءَ } .
وَأَيْضًا : { لَا يَنْظُرُ اللَّهُ إلَى مَنْ جَرَّ
إزَارَهُ بَطَرًا } .
وَأَيْضًا :
{ مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ خُيَلَاءَ لَمْ يَنْظُرْ اللَّهُ
إلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ إزَارِي يَسْتَرْخِي إلَّا أَنْ أَتَعَاهَدَهُ ،
فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إنَّك لَسْت
مِمَّنْ يَفْعَلُهُ خُيَلَاءَ }
.
وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ : سَمِعْت
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأُذُنَيَّ هَاتَيْنِ يَقُولُ
: { مَنْ جَرَّ إزَارَهُ لَا يُرِيدُ بِذَلِكَ إلَّا الْمَخِيلَةَ فَإِنَّ اللَّهَ
لَا يَنْظُرُ إلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ } .
وَالْخُيَلَاءُ بِضَمٍّ أَوْ كَسْرٍ فَفَتْحٍ وَمَدٍّ :
الْكِبْرُ وَالْعُجْبُ ، وَالْمَخِيلَةُ مِنْ الِاخْتِيَالِ وَهُوَ الْكِبْرُ
وَاسْتِحْقَارُ النَّاسِ .
وَأَبُو دَاوُد عَنْ ابْنِ عُمَرَ : { مَا قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْإِزَارِ فَهُوَ فِي الْقُمُصِ } .
وَمَالِكٌ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ
مَاجَهْ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ عَنْ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ
، عَنْ أَبِيهِ قَالَ : سَأَلْت أَبَا سَعِيدٍ عَنْ الْإِزَارِ فَقَالَ عَلَى
الْخَبِيرِ بِهَا سَقَطْتَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ : { إزْرَةُ الْمُؤْمِنِ إلَى نِصْفِ السَّاقِ وَلَا حَرَجَ أَوْ قَالَ
وَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكَعْبَيْنِ ، مَا كَانَ
أَسْفَلَ مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ فِي النَّارِ ، وَمَنْ
جَرَّ إزَارَهُ بَطَرًا لَمْ يَنْظُرْ اللَّهُ إلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ } .
وَأَحْمَدُ بِسَنَدٍ رُوَاتُهُ ثِقَاتٌ عَنْ ابْنِ
عُمَرَ : { دَخَلْت عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَيَّ
إزَارٌ يَتَقَعْقَعُ فَقَالَ : مَنْ هَذَا ؟ قُلْت : عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ ،
قَالَ : إنْ كُنْت عَبْدَ اللَّهِ فَارْفَعْ إزَارَك ، فَرَفَعْت إزَارِي إلَى
نِصْفِ السَّاقَيْنِ فَلَمْ تَزَلْ إزْرَتَهُ حَتَّى مَاتَ } .
وَمُسْلِمٌ وَالْأَرْبَعَةُ : { ثَلَاثَةٌ لَا
يُكَلِّمُهُمْ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يَنْظُرُ إلَيْهِمْ وَلَا
يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ، قَالَ : فَقَرَأَهَا رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ .
قَالَ أَبُو ذَرٍّ : خَابُوا وَخَسِرُوا مَنْ هُمْ يَا
رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : الْمُسْبِلُ وَالْمَنَّانُ وَالْمُنَفِّقُ سِلْعَتَهُ
بِالْحَلِفِ الْكَاذِبِ } .
وَفِي رِوَايَةٍ : { الْمُسْبِلُ إزَارَهُ } .
وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ
رِوَايَةِ مَنْ وَثَّقَهُ الْجُمْهُورُ { وَالْإِسْبَالُ فِي الْإِزَارِ
وَالْقَمِيصِ وَالْعِمَامَةِ مَنْ جَرَّ شَيْئًا خُيَلَاءَ لَمْ يَنْظُرْ اللَّهُ
إلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ }
.
وَفِي رِوَايَةٍ : { إيَّاكَ وَإِسْبَالَ الْإِزَارِ
فَإِنَّهُ مِنْ الْمَخِيلَةِ وَلَا يُحِبُّهَا اللَّهُ } .
وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ : { يَا مَعْشَرَ
الْمُسْلِمِينَ اتَّقُوا اللَّهَ وَصِلُوا أَرْحَامَكُمْ فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ
ثَوَابٍ أَسْرَعَ مِنْ صِلَةِ الرَّحِمِ ، وَإِيَّاكُمْ وَالْبَغْيَ فَإِنَّهُ
لَيْسَ مِنْ عُقُوبَةٍ أَسْرَعَ مِنْ عُقُوبَةِ الْبَغْيِ ، وَإِيَّاكُمْ
وَعُقُوقَ الْوَالِدَيْنِ فَإِنَّ رِيحَ الْجَنَّةِ يُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَلْفِ
عَامٍ ، وَاَللَّهِ لَا يَجِدُهَا عَاقٌّ وَلَا قَاطِعُ رَحِمٍ وَلَا شَيْخٌ زَانٍ
وَلَا جَارُّ إزَارِهِ خُيَلَاءَ ، إنَّمَا الْكِبْرِيَاءُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ
} الْحَدِيثَ .
وَأَيْضًا : { مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ خُيَلَاءَ لَمْ
يَنْظُرْ اللَّهُ إلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَإِنْ كَانَ عَلَى اللَّهِ
كَرِيمًا } .
وَالْبَيْهَقِيُّ : { أَتَانِي جِبْرِيلُ عَلَيْهِ
السَّلَامُ
فَقَالَ لِي : هَذِهِ لَيْلَةُ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ
وَلِلَّهِ فِيهَا عُتَقَاءُ مِنْ النَّارِ بِعَدَدِ شُعُورِ غَنَمِ بَنِي كَلْبٍ
لَا يَنْظُرُ اللَّهُ فِيهَا إلَى مُشْرِكٍ وَلَا إلَى سَاحِرٍ وَلَا إلَى قَاطِعِ
رَحِمٍ وَلَا إلَى مُسْبِلٍ وَلَا إلَى عَاقٍّ لِوَالِدَيْهِ وَلَا إلَى مُدْمِنِ
خَمْرٍ } .
وَالْبَزَّارُ عَنْ بُرَيْدَةَ قَالَ : { كُنَّا عِنْدَ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَقْبَلَ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ
يَخْطِرُ فِي حُلَّةٍ لَهُ ، فَلَمَّا قَامَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : يَا بُرَيْدَةُ هَذَا لَا يُقِيمُ اللَّهُ لَهُ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ وَزْنًا } وَمَرَّتْ بَقِيَّةُ أَحَادِيثِ التَّبَخْتُرِ فِي
أَوَائِلِ الْكِتَابِ فِي بَحْثِ الْكِبْرِ .
تَنْبِيهٌ : عَدُّ هَذَيْنِ مِنْ الْكَبَائِرِ هُوَ مَا صَرَّحَتْ
بِهِ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ لِمَا فِيهَا مِنْ شِدَّةِ الْوَعِيدِ عَلَيْهِمَا ،
وَتَقْرِيرُ الشَّيْخَيْنِ صَاحِبَ الْعُدَّةِ عَلَى أَنَّ التَّبَخْتُرَ فِي
الْمَشْيِ مِنْ الصَّغَائِرِ يَتَعَيَّنُ حَمْلُهُ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَنْتَهِ
بِهِ الْحَالُ إلَى أَنْ يَقْصِدَ بِهِ التَّكَبُّرَ الْمُنْضَمَّ إلَيْهِ نَحْوُ
اسْتِحْقَارِ الْخَلْقِ ، وَإِلَّا فَهُوَ كَبِيرَةٌ إذْ التَّكَبُّرُ مِنْ
الْكَبَائِرِ كَمَا مَرَّ وَصَرَّحَ بِهِ جَمْعٌ مِنْ أَئِمَّتِنَا ، وَمِنْ ثَمَّ
اعْتَرَضَ عَلَى الشَّيْخَيْنِ جَمْعٌ بِأَنَّ تَقْرِيرَهُمَا لَهُ عَلَى ذَلِكَ
فِيهِ نَظَرٌ إذَا تَعَمَّدَهُ تَكَبُّرًا وَفَخْرًا وَإِكْثَارًا قَالَ - تَعَالَى - : {
وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إنَّك لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ
تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّك
مَكْرُوهًا } وَالْمَرَحُ : التَّبَخْتُرُ كَمَا فِي رِيَاضِ النَّوَوِيِّ .
وَرَوَى مُسْلِمٌ : { لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ
كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ } .
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ : { أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَهْلِ
النَّارِ كُلُّ عُتُلٍّ جَوَّاظٍ مُسْتَكْبِرٍ } وَفِيهِمَا : { لَا يَنْظُرُ
اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إلَى مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ بَطَرًا } .
وَفِيهِمَا أَيْضًا : { بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِي فِي
حُلَّةٍ تُعْجِبُهُ نَفْسُهُ مُرَجَّلَةً
رَأْسُهُ يَخْتَالُ فِي مِشْيَتِهِ إذْ خَسَفَ اللَّهُ
بِهِ فَهُوَ يَتَجَلْجَلُ فِي الْأَرْضِ } .
وَيَتَجَلْجَلُ بِالْجِيمِ : أَيْ يَغُوصُ وَيَنْزِلُ
فِيهَا إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ
.
( الْكَبِيرَةُ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ بَعْدَ الْمِائَةِ
خَضْبُ نَحْوِ اللِّحْيَةِ بِالسَّوَادِ لِغَيْرِ غَرَضٍ نَحْوِ جِهَادٍ )
أَخْرَجَ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ
وَالْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ ، وَزَعْمُ ضَعْفِهِ لَيْسَ فِي
مَحَلِّهِ .
عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ :
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { يَكُونُ قَوْمٌ يُخَضِّبُونَ
فِي آخِرِ الزَّمَانِ بِالسَّوَادِ كَحَوَاصِلِ الْحَمَامِ لَا يَرِيحُونَ رَائِحَةَ
الْجَنَّةِ } .
تَنْبِيهٌ : عَدُّ هَذَا مِنْ الْكَبَائِرِ هُوَ ظَاهِرُ
مَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ مِنْ هَذَا الْوَعِيدِ الشَّدِيدِ وَإِنْ
لَمْ أَرَ مَنْ عَدَّهُ مِنْهَا ، وَكَانَ الْأَنْسَبُ ذِكْرَ هَذَا مَعَ
مُلَائِمِهِ السَّابِقِ فِي شُرُوطِ الصَّلَاةِ إلَّا أَنَّ لَهُ مُنَاسَبَةَ مَا
بِهَذَا الْبَابِ أَيْضًا .
( الْكَبِيرَةُ الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ بَعْدَ الْمِائَةِ
: قَوْلُ الْإِنْسَانِ إثْرَ الْمَطَرِ : مُطِرْنَا بِنَوْءِ نَجْمِ كَذَا أَيْ وَقْتِهِ
مُعْتَقِدًا أَنَّ لَهُ تَأْثِيرًا ) أَخْرَجَ الشَّيْخَانِ عَنْ زَيْدِ بْنِ
خَالِدِ الْجُهَنِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إثْرَ سَمَاءِ أَيْ مَطَرٍ مِنْ اللَّيْلِ { هَلْ
تَدْرُونَ مَا قَالَ رَبُّكُمْ ؟ قَالُوا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ ، قَالَ
أَصْبَحَ مِنْ عِبَادِي مُؤْمِنٌ بِي وَكَافِرٌ ، فَأَمَّا مَنْ قَالَ مُطِرْنَا
بِفَضْلِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ فَذَلِكَ مُؤْمِنٌ بِي كَافِرٌ بِالْكَوَاكِبِ ؛
وَأَمَّا مَنْ قَالَ مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا وَكَذَا فَهُوَ كَافِرٌ بِي
مُؤْمِنٌ بِالْكَوَاكِبِ } .
تَنْبِيهٌ : عَدُّ هَذَا كَبِيرَةً هُوَ مَا وَقَعَ فِي
كَلَامِ غَيْرِ وَاحِدٍ وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ لِأَنَّ مَنْ قَالَ ذَلِكَ مُعْتَقِدًا
مَا ذُكِرَ كَافِرٌ حَقِيقَةً وَالْكَلَامُ إنَّمَا هُوَ فِي الْكَبَائِرِ الَّتِي
لَا تُزِيلُ الْإِسْلَامَ ، وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ :
مَنْ قَالَ مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا وَهُوَ يُرِيدُ أَنَّ النَّوْءَ نَزَلَ
بِالْمَاءِ فَهُوَ كَافِرٌ حَلَالٌ دَمُهُ إنْ لَمْ يَتُبْ .
وَفِي الرَّوْضَةِ : إنْ اعْتَقَدَ أَنَّ النَّوْءَ
مُمْطِرٌ حَقِيقَةً كَفَرَ وَصَارَ مُرْتَدًّا .
وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ : إنْ اعْتَقَدَ أَنَّ
النَّوْءَ سَبَبٌ يُنْزِلُ اللَّهُ بِهِ الْمَاءَ عَلَى مَا قَدَّرَهُ وَسَبَقَ
فِي عِلْمِهِ فَهُوَ وَإِنْ كَانَ مُبَاحًا فَقَدْ كَفَرَ بِنِعْمَةِ اللَّهِ
وَجَهِلَ بِلَطِيفِ حِكْمَتِهِ
.
( الْكَبِيرَةُ الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ وَالرَّابِعَةَ
عَشْرَةَ وَالْخَامِسَةَ عَشْرَةَ وَالسَّادِسَةَ عَشْرَةَ وَالسَّابِعَةَ
عَشْرَةَ وَالثَّامِنَةَ عَشْرَةَ بَعْدَ الْمِائَةِ : خَمْشُ أَوْ لَطْمُ نَحْوِ الْخَدِّ ،
وَشَقُّ نَحْوِ الْجَيْبِ ، وَالنِّيَاحَةُ وَسَمَاعُهَا ، وَحَلْقٌ أَوْ نَتْفُ
الشَّعَرِ ، وَالدُّعَاءُ بِالْوَيْلِ وَالثُّبُورِ عِنْدَ الْمُصِيبَةِ (
أَخْرَجَ الشَّيْخَانِ : { لَيْسَ مِنَّا مَنْ ضَرَبَ الْخُدُودَ وَشَقَّ
الْجُيُوبَ وَدَعَا بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ } .
وَأَخْرَجَا أَيْضًا عَنْ { أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ أَنَّهُ
قَالَ : أَنَا بَرِيءٌ مِمَّنْ بَرِئَ مِنْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
بَرِئَ مِنْ الصَّالِقَةِ - أَيْ الرَّافِعَةِ صَوْتَهَا بِالنَّدْبِ وَالنِّيَاحَةِ ،
وَالْحَالِقَةِ - أَيْ لِرَأْسِهَا عِنْدَ الْمُصِيبَةِ ، وَالشَّاقَّةِ : أَيْ
لِثَوْبِهَا } وَفِي رِوَايَةٍ لِلنَّسَائِيِّ : { أَبْرَأُ إلَيْكُمْ كَمَا
بَرِئَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ مِنَّا مَنْ حَلَقَ
وَلَا خَرَقَ وَلَا صَلَقَ } .
وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ { اثْنَتَانِ مِنْ النَّاسِ هُمَا
بِهِمْ كُفْرٌ الطَّعْنُ فِي النَّسَبِ وَالنِّيَاحَةُ عَلَى الْمَيِّتِ } .
وَابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ : {
ثَلَاثَةٌ مِنْ الْكُفْرِ بِاَللَّهِ : شَقُّ الْجَيْبِ : أَيْ طَوْقِ الْقَمِيصِ
، وَالنِّيَاحَةُ ، وَالطَّعْنُ فِي النَّسَبِ } .
وَفِي رِوَايَةٍ لِابْنِ حِبَّانَ : { ثَلَاثٌ هِيَ
الْكُفْرُ } وَفِي أُخْرَى : { ثَلَاثٌ مِنْ عَمَلِ الْجَاهِلِيَّةِ } .
وَأَحْمَدُ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ
: { لَمَّا افْتَتَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ رَنَّ إبْلِيسُ رَنَّةً اجْتَمَعَتْ إلَيْهِ جُنُودُهُ
فَقَالَ : ايْأَسُوا أَنْ تَرُدُّوا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ عَلَى الشِّرْكِ بَعْدَ يَوْمِكُمْ
هَذَا ، وَلَكِنْ افْتِنُوهُمْ فِي دِينِهِمْ وَأَفْشُوا فِيهِمْ النَّوْحَ } .
وَالْبَزَّارُ بِسَنَدٍ رُوَاتُهُ ثِقَاتٌ : { صَوْتَانِ
مَلْعُونَانِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ مِزْمَارٌ عِنْدَ نِعْمَةٍ وَرَنَّةٌ
عِنْدَ مُصِيبَةٍ }
وَأَحْمَدُ بِسَنَدٍ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ حَسَنٌ إنْ
شَاءَ اللَّهُ - تَعَالَى - : { لَا تُصَلِّي الْمَلَائِكَةُ عَلَى نَائِحَةٍ
وَلَا مُرِنَّةٍ } .
وَمُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ : { أَرْبَعٌ فِي أُمَّتِي مِنْ
الْجَاهِلِيَّةِ لَا يَتْرُكُونَهُنَّ : الْفَخْرُ فِي الْأَحْسَابِ وَالطَّعْنُ
فِي الْأَنْسَابِ وَالِاسْتِسْقَاءُ بِالنُّجُومِ وَالنِّيَاحَةُ } .
وَقَالَ :
{ النَّائِحَةُ إذَا لَمْ تَتُبْ قَبْلَ مَوْتِهَا
تُقَامُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَعَلَيْهَا سِرْبَالٌ مِنْ قَطِرَانٍ } أَيْ
بِفَتْحٍ فَكَسْرٍ : نُحَاسٌ مُذَابٌ أَوْ مَا تُدَاوَى بِهِ الْإِبِلُ ، وَقِيلَ غَيْرُ
ذَلِكَ { وَدِرْعٌ مِنْ جَرَبٍ
} .
وَابْنُ مَاجَهْ : { النِّيَاحَةُ مِنْ أَمْرِ
الْجَاهِلِيَّةِ ، وَإِنَّ النَّائِحَةَ إذَا مَاتَتْ وَلَمْ تَتُبْ قَطَعَ
اللَّهُ لَهَا ثِيَابًا مِنْ قَطِرَانٍ وَدِرْعًا مِنْ لَهَبِ النَّارِ } .
وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ : { إنَّ هَذِهِ النَّوَائِحَ
لَيُجْعَلْنَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ صَفَّيْنِ فِي جَهَنَّمَ صَفٌّ عَنْ يَمِينِهِمْ
وَصَفٌّ عَنْ يَسَارِهِمْ فَيَنْبَحْنَ عَلَى أَهْلِ النَّارِ كَمَا تَنْبَحُ
الْكِلَابُ } وَأَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ قَالَ الْحَافِظُ الْمُنْذِرِيُّ :
وَلَيْسَ فِي إسْنَادِهِ مَنْ تُرِكَ
.
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
قَالَ : { لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّائِحَةَ
وَالْمُسْتَمِعَةَ } .
وَالشَّيْخَانِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا
قَالَتْ : { لَمَّا جَاءَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَتْلُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ وَجَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَعَبْدِ اللَّهِ
بْنِ رَوَاحَةَ جَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يُعْرَفُ فِيهِ الْحُزْنُ قَالَتْ وَأَنَا أَطَّلِعُ مِنْ شَقِّ الْبَابِ
فَأَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ : أَيْ رَسُولَ اللَّهِ إنَّ نِسَاءَ جَعْفَرٍ وَذَكَرَ بُكَاءَهُنَّ
فَأَمَرَهُ أَنْ يَنْهَاهُنَّ فَذَهَبَ الرَّجُلُ ثُمَّ أَتَى فَقَالَ :
وَاَللَّهِ لَقَدْ غَلَبْنَنِي أَوْ غَلَبْنَنَا فَزَعَمَتْ أَنَّ النَّبِيَّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فَاحْثُ فِي أَفْوَاهِهِنَّ التُّرَابَ
فَقُلْتُ وَأَرْغَمَ اللَّهُ أَنْفَكَ فَوَاَللَّهِ مَا أَنْتَ
بِفَاعِلٍ وَلَا تَرَكْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْعَنَاءِ } .
وَأَبُو دَاوُد عَنْ امْرَأَةٍ مِنْ الْمُبَايِعَاتِ
قَالَتْ : { كَانَ فِيمَا أَخَذَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فِي الْمَعْرُوفِ الَّذِي أَخَذَ عَلَيْنَا أَنْ لَا نَخْمُشَ وَجْهًا
وَلَا نَدْعُوَ وَيْلًا وَلَا نَشُقَّ جَيْبًا وَلَا نَنْتِفَ شَعَرًا } .
وَابْنَا مَاجَهْ وَحِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ عَنْ أَبِي
أُمَامَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَعَنَ الْخَامِشَةَ وَجْهَهَا وَالشَّاقَّةَ جَيْبَهَا
وَالدَّاعِيَةَ بِالْوَيْلِ وَالثُّبُورِ } .
وَالشَّيْخَانِ : { الْمَيِّتُ يُعَذَّبُ فِي قَبْرِهِ
بِمَا نِيحَ عَلَيْهِ } .
وَفِي رِوَايَةٍ { مَا نِيحَ عَلَيْهِ } .
وَرَوَيَا أَيْضًا : { مَنْ نِيحَ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ
يُعَذَّبُ بِمَا نِيحَ عَلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ } .
وَالْبُخَارِيُّ عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : { أُغْمِيَ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَوَاحَةَ
فَجَعَلَتْ أُخْتُهُ تَبْكِي وَا جَبَلَاهُ وَا كَذَا وَا كَذَا تُعَدِّدُ
عَلَيْهِ فَقَالَ حِينَ أَفَاقَ مَا قُلْتِ لِي شَيْئًا إلَّا قِيلَ لِي أَنْتَ
كَذَلِكَ ، فَلَمَّا مَاتَ لَمْ تَبْكِ عَلَيْهِ } وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ
وَفِيهِ { فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أُغْمِيَ عَلَيَّ فَصَاحَتْ النِّسَاءُ
وَا عِزَّاهُ وَا جَبَلَاهُ فَقَامَ مَلَكٌ وَمَعَهُ مِرْزَبَّةٌ فَجَعَلَهَا
بَيْنَ رِجْلَيَّ فَقَالَ أَنْتَ كَمَا تَقُولُهُ ؟ قُلْت : لَا ، وَلَوْ قُلْت نَعَمْ
ضَرَبَنِي بِهَا } .
وَرُوِيَ أَيْضًا : { أَنَّ مُعَاذًا وَقَعَ لَهُ نَظِيرُ
ذَلِكَ وَأَنَّهُ قَالَ مَا زَالَ مَلَكٌ شَدِيدُ الِانْتِهَارِ كُلَّمَا قُلْت
وَا كَذَا وَا كَذَا قَالَ أَكَذَلِكَ أَنْتَ ؟ فَأَقُولُ لَا } وَالتِّرْمِذِيُّ
وَقَالَ حَسَنٌ غَرِيبٌ : { مَا مِنْ مَيِّتٍ يَمُوتُ فَيَقُومُ بَاكِيهِمْ
فَيَقُولُ وَا جَبَلَاهُ وَا سَنَدَاهُ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ إلَّا وُكِّلَ بِهِ
مَلَكَانِ يَلْهَزَانِهِ أَهَكَذَا كُنْتَ } ، وَاللَّهْزُ الدَّفْعُ بِجُمْعِ
الْيَدِ إلَى الصَّدْرِ .
وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ : { إنَّ الْمَيِّتَ
لَيُعَذَّبُ بِبُكَاءِ الْحَيِّ إذَا
قَالَتْ وَا عَضُدَاهُ وَا مَانِعَاهُ وَا كَاسِيَاهُ
حَبَّذَا الْمَيِّتُ ، فَقِيلَ أَنَاصِرُهَا أَنْتَ أَكَاسِيهَا أَنْتَ } .
وَحَكَى الْأَوْزَاعِيُّ : أَنَّ عُمَرَ بْنَ
الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ سَمِعَ صَوْتَ بُكَاءٍ فَدَخَلَ وَمَعَهُ
غَيْرُهُ فَمَالَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا حَتَّى بَلَغَ النَّائِحَةَ فَضَرَبَهَا
حَتَّى سَقَطَ خِمَارُهَا فَقَالَ اضْرِبْ فَإِنَّهَا نَائِحَةٌ وَلَا حُرْمَةَ
لَهَا ، إنَّهَا لَا تَبْكِي لِشَجْوِكُمْ إنَّهَا تُهْرِيقُ دُمُوعَهَا عَلَى
أَخْذِ دَرَاهِمِكُمْ وَإِنَّهَا تُؤْذِي مَوْتَاكُمْ فِي قُبُورِهِمْ وَأَحْيَاءَكُمْ
فِي دُورِهِمْ إنَّهَا تَنْهَى عَنْ الصَّبْرِ وَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ بِهِ ،
وَتَأْمُرُ بِالْجَزَعِ وَقَدْ نَهَى اللَّهُ عَنْهُ .
تَنْبِيهٌ : قَدْ ظَهَرَ مِنْ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ الَّتِي
ذَكَرْنَاهَا وَمَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ مِنْ اللَّعْنِ ، وَأَنَّ ذَلِكَ كُفْرٌ
أَيْ يُؤَدِّي إلَيْهِ ، أَوْ لِمَنْ اسْتَحَلَّ ، أَوْ بِالنِّعَمِ وَمِنْ غَيْرِ
ذَلِكَ مِنْ أَنْوَاعِ الْوَعِيدِ صِحَّةُ مَا قَالَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَنَّ
تِلْكَ كُلَّهَا كَبَائِرُ وَيَلْحَقُ بِهَا مَا فِي مَعْنَاهَا .
وَأَمَّا تَقْرِيرُ الشَّيْخَيْنِ لِصَاحِبِ الْعُدَّةِ
عَلَى أَنَّ النِّيَاحَةَ وَالصِّيَاحَ وَشَقَّ الْجَيْبِ فِي الْمَصَائِبِ مِنْ
الصَّغَائِرِ فَمَرْدُودٌ .
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : لَمْ أَرَ ذَلِكَ لِغَيْرِهِ ،
وَالْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ تَقْتَضِي أَنَّ ذَلِكَ مِنْ كَبَائِرِ الذُّنُوبِ
لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَبَرَّأَ مِنْ فَاعِلِ ذَلِكَ
وَقَالَ : { لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَطَمَ الْخُدُودَ وَشَقَّ الْجُيُوبَ }
الْحَدِيثَ .
وَقَالَ
: { اثْنَتَانِ فِي النَّاسِ هُمَا بِهِمْ كُفْرٌ
الطَّعْنُ فِي النَّسَبِ وَالنِّيَاحَةُ عَلَى الْمَيِّتِ } رَوَاهُ مُسْلِمٌ .
قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وَهَذَا
الْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى تَغْلِيظِ تَحْرِيمِ الطَّعْنِ فِي النَّسَبِ ،
وَالنِّيَاحَةِ ، قِيلَ فِيهِ أَقْوَالٌ : أَصَحُّهَا : أَنَّهُمَا مِنْ أَعْمَالِ
الْكُفَّارِ وَأَخْلَاقِ الْجَاهِلِيَّةِ .
وَالثَّانِي : أَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى الْكُفْرِ .
وَالثَّالِثُ : أَنَّهُ كُفْرُ النِّعْمَةِ
وَالْإِحْسَانِ ، وَالرَّابِعُ : أَنَّ ذَلِكَ
فِي الْمُسْتَحِلِّ انْتَهَى .
فَيَجِبُ الْجَزْمُ بِأَنَّ مَنْ جَمَعَ بَيْنَ
النِّيَاحَةِ وَشَقِّ الْجَيْبِ وَالصِّيَاحِ مَعَ الْعِلْمِ بِالتَّحْرِيمِ
وَاسْتِحْضَارِ النَّهْيِ عَنْهُ وَالتَّشْدِيدَاتِ فِيهِ ، وَتَعَمَّدَ ذَلِكَ
خَرَجَ عَنْ الْعَدَالَةِ لِجَمْعِهِ بَيْنَ هَذِهِ الْقَبَائِحِ وَإِيذَاءِ
الْمَيِّتِ بِذَلِكَ كَمَا نَطَقَتْ بِهِ السُّنَّةُ .
انْتَهَى كَلَامُ الْأَذْرَعِيِّ .
وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ : وَأَمَّا النِّيَاحَةُ
وَمَا بَعْدَهَا ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ تَسَخُّطًا بِالْقَضَاءِ ، وَعَدَمَ رِضًا
بِالْمَقْضِيِّ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ كَبِيرَةٌ ، وَإِنْ كَانَ لِفَرْطِ الْجَزَعِ
وَالضَّعْفِ عَنْ حَمْلِ الْمُصِيبَةِ مِنْ غَيْرِ اسْتِحْضَارِ سَخَطٍ وَنَحْوِهِ
فَمُحْتَمَلٌ .
وَهَلْ يُعْذَرُ الْجَاهِلُ ؟ فِيهِ نَظَرٌ .
وَقَالَ فِي الْخَادِمِ : وَأَمَّا النِّيَاحَةُ وَمَا
بَعْدَهَا فَقَضِيَّةُ الْخَبَرِ بِالتَّوَعُّدِ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ كَبِيرَةً
انْتَهَى .
فَيَحْرُمُ النَّدْبُ - وَهُوَ تَعْدِيدُ مَحَاسِنِ
الْمَيِّتِ كَوَا جَبَلَاهُ - ، وَالنَّوْحُ -
وَهُوَ رَفْعُ الصَّوْتِ بِالنَّدْبِ وَمِثْلُهُ إفْرَاطُ رَفْعِهِ بِالْبُكَاءِ ،
وَإِنْ لَمْ يَقْتَرِنْ بِنَدْبٍ وَلَا نَوْحٍ - وَضَرْبُ نَحْوِ الْخَدِّ ، وَشَقُّ
نَحْوِ الْجَيْبِ ، وَنَشْرُ الشَّعَرِ ، وَحَلْقُهُ ، وَنَتْفُهُ ، وَتَسْوِيدُ
الْوَجْهِ ، وَإِلْقَاءُ الرَّمَادِ عَلَى الرَّأْسِ ، وَالدُّعَاءُ بِالْوَيْلِ
وَالثُّبُورِ : أَيْ الْهَلَاكِ ، وَكُلُّ شَيْءٍ فِيهِ تَغْيِيرٌ لِلزِّيِّ
كَلُبْسِ مَا لَا يُعْتَادُ لُبْسُهُ أَصْلًا أَوْ عَلَى تِلْكَ الصِّفَةِ
وَكَتَرْكِ شَيْءٍ مِنْ لِبَاسِهِ وَالْخُرُوجِ بِدُونِهِ عَلَى خِلَافِ
الْعَادَةِ ، وَقَدْ اُبْتُلِيَ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ بِتَغْيِيرِ الزِّيِّ مَعَ
مَا تَقَرَّرَ مِنْ حُرْمَتِهِ بَلْ كَوْنِهِ كَبِيرَةً وَفِسْقًا قِيَاسًا عَلَى
تِلْكَ الْمَذْكُورَاتِ وَإِنْ كَانَتْ أَفْحَشَ مِنْهُ ، لِأَنَّهُمْ عَلَّلُوهَا
بِمَا يَعُمُّ الْكُلَّ وَهُوَ أَنَّ ذَلِكَ يُشْعِرُ إشْعَارًا ظَاهِرًا
بِالسَّخَطِ وَعَدَمِ الرِّضَا بِالْقَضَاءِ ، أَمَّا الْبُكَاءُ السَّالِمُ مِنْ
كُلِّ ذَلِكَ فَهُوَ جَائِزٌ قَبْلَ الْمَوْتِ وَبَعْدَهُ لَكِنَّ الْأَوْلَى
تَرْكُهُ بَعْدَهُ إنْ
أَمْكَنَ ، وَقَالَ جَمْعٌ إنَّهُ مَكْرُوهٌ لِقَوْلِهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ : { فَإِذَا
وَجَبَتْ فَلَا تَبْكِيَنَّ بَاكِيَةٌ
} .
وَقَدْ بَكَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَبْلَهُ عَلَى وَلَدِهِ وَغَيْرِهِ
.
أَخْرَجَ الشَّيْخَانِ : أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { عَادَ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ وَمَعَهُ جَمَاعَةٌ فَبَكَى
فَلَمَّا رَأَوْهُ بَكَوْا فَقَالَ : أَلَا تَسْمَعُونَ ، إنَّ اللَّهَ لَا
يُعَذِّبُ بِدَمْعِ الْعَيْنِ وَلَا بِحُزْنِ الْقَلْبِ وَلَكِنْ يُعَذِّبُ
بِهَذَا أَوْ يَرْحَمُ وَأَشَارَ إلَى لِسَانِهِ } .
وَأَخْرَجَا أَيْضًا : أَنَّهُ { رُفِعَ إلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابْنٌ لِبِنْتِهِ وَهُوَ فِي الْمَوْتِ فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ
فَقَالَ لَهُ سَعْدٌ : مَا هَذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ هَذِهِ رَحْمَةٌ
جَعَلَهَا اللَّهُ - تَعَالَى - فِي قُلُوبِ عِبَادِهِ وَإِنَّمَا يَرْحَمُ اللَّهُ
مِنْ عِبَادِهِ الرُّحَمَاءَ }
.
وَالْبُخَارِيُّ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَى ابْنِهِ إبْرَاهِيمَ وَهُوَ يَجُودُ بِنَفْسِهِ فَجَعَلَتْ
عَيْنَا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَذْرِفَانِ فَقَالَ
لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ وَأَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ فَقَالَ :
يَا ابْنَ عَوْفٍ إنَّهَا رَحْمَةٌ ، ثُمَّ أَتْبَعَهَا بِأُخْرَى ، فَقَالَ :
إنَّ الْعَيْنَ تَدْمَعُ وَالْقَلْبَ يَحْزَنُ وَلَا نَقُولُ إلَّا مَا يُرْضِي رَبَّنَا
وَإِنَّا بِفِرَاقِك يَا إبْرَاهِيمُ لَمَحْزُونُونَ } .
وَأَخَذَ أَصْحَابُنَا مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ قَوْلَهُمْ :
دَمْعُ الْعَيْنِ بِلَا بُكَاءٍ لَا كَرَاهَةَ فِيهِ بَلْ هُوَ مُبَاحٌ ، وَمَا
مَرَّ فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ مِنْ أَنَّ الْمَيِّتَ يُعَذَّبُ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ
عَلَيْهِ اخْتَلَفُوا فِي مَاذَا يُحْمَلُ عَلَيْهِ ، وَالصَّحِيحُ عِنْدَنَا
أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا أَوْصَى بِذَلِكَ ، بِخِلَافِ مَا إذَا سَكَتَ
فَلَمْ يَأْمُرْ وَلَمْ يَنْهَ أَوْ أَمَرَ فَإِنَّهُ يُعَذَّبُ بِسَبَبِ أَمْرِهِ
وَامْتِثَالِهِمْ لَهُ ، لِأَنَّ مَنْ سَنَّ سُنَّةً سَيِّئَةً عَلَيْهِ وِزْرُهَا
وَوِزْرُ مَنْ يَعْمَلُ بِهَا ، فَالْإِثْمُ يَزِيدُ عَلَيْهِ
بِالِامْتِثَالِ بِمَا لَا يُوجَدُ لَوْ لَمْ يُمْتَثَلْ
، وَقِيلَ : إنَّهُ إذَا سَكَتَ وَلَمْ يَنْهَهُمْ عَنْ نَحْوِ النَّوْحِ
يُعَذَّبُ بِذَلِكَ أَيْضًا لِأَنَّ سُكُوتَهُ عَنْ نَهْيِهِمْ رِضًا مِنْهُ بِهِ
فَعُذِّبَ بِهِ كَمَا لَوْ أَمَرَ ، فَمَنْ أَرَادَ الْخُرُوجَ مِنْ وَرْطَةِ
هَذَا الْقَوْلِ يَنْبَغِي لَهُ إذَا نَزَلَ بِهِ مَرَضٌ أَنْ يَنْهَاهُمْ عَنْ
بِدَعِ الْجَنَائِزِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ الشَّنِيعَةِ وَالْقَبَائِحِ
الْفَظِيعَةِ .
قَالَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ : وَيَتَأَكَّدُ لِمَنْ اُبْتُلِيَ
بِمُصِيبَةٍ بِمَيِّتٍ أَوْ فِي نَفْسِهِ أَوْ أَهْلِهِ أَوْ مَالِهِ وَإِنْ
خَفَّتْ أَنْ يُكْثِرَ مِنْ : إنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ .
اللَّهُمَّ اجُرْنِي فِي مُصِيبَتِي وَأَخْلِفْ لِي
خَيْرًا مِنْهَا .
لِخَبَرِ مُسْلِمٍ أَنَّ مَنْ قَالَ ذَلِكَ أَجَرَهُ
اللَّهُ وَأَخْلَفَ لَهُ خَيْرًا مِنْهَا ، وَلِأَنَّهُ - تَعَالَى - وَعَدَ مَنْ
قَالَ ذَلِكَ بِأَنَّ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٍ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةً وَأَنَّهُمْ
الْمُهْتَدُونَ ، أَيْ لِلتَّرْجِيعِ أَوْ لِلْجَنَّةِ وَالثَّوَابِ .
قَالَ ابْنُ جُبَيْرٍ : لَقَدْ أُعْطِيت هَذِهِ
الْأُمَّةُ عِنْدَ الْمُصِيبَةِ مَا لَمْ يُعْطَهُ غَيْرُهُمْ { إنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا
إلَيْهِ رَاجِعُونَ } .
وَلَوْ أُوتُوهُ لَقَالَهُ يَعْقُوبُ وَلَمْ يَقُلْ {
يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ } .
وَفِي الْحَدِيثِ : { مَا أُصِيبَ عَبْدٌ بِمُصِيبَةٍ
إلَّا لِذَنْبٍ لَمْ يَكُنْ يُغْفَرُ إلَّا بِهَا أَوْ دَرَجَةٍ لَمْ يَكُنْ
يَبْلُغُهَا إلَّا بِهَا } .
وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا بِلَفْظِ : { مَا
أَصَابَ رَجُلًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ نَكْبَةٌ فَمَا فَوْقَهَا حَتَّى الشَّوْكَةُ
إلَّا لِإِحْدَى خَصْلَتَيْنِ ، إمَّا لِيَغْفِرَ اللَّهُ لَهُ مِنْ الذُّنُوبِ
ذَنْبًا لَمْ يَكُنْ لِيُغْفَرَ لَهُ إلَّا بِمِثْلِ ذَلِكَ ، أَوْ يَبْلُغَ بِهِ
مِنْ الْكَرَامَةِ كَرَامَةً لَمْ يَكُنْ يَبْلُغُهَا إلَّا بِمِثْلِ ذَلِكَ } .
وَأَخْرَجَ الشَّيْخَانِ : { أَنَّ بِنْتًا لَهُ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْسَلَتْ إلَيْهِ تُخْبِرُهُ أَنَّ ابْنَهَا فِي
الْمَوْتِ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلرَّسُولِ ارْجِعْ
إلَيْهَا فَأَخْبِرْهَا أَنَّ
لِلَّهِ مَا أَخَذَ وَلَهُ مَا أَعْطَى وَكُلُّ شَيْءٍ
عِنْدَهُ بِأَجَلٍ مُسَمًّى فَمُرْهَا فَلْتَصْبِرْ وَلْتَحْتَسِبْ } .
قَالَ النَّوَوِيُّ : هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ أَعْظَمِ
قَوَاعِدِ الْإِسْلَامِ الْمُشْتَمِلَةِ عَلَى مُهِمَّاتٍ كَثِيرَةٍ مِنْ أُصُولِ
الدِّينِ وَفُرُوعِهِ وَالْأَدَبِ وَالصَّبْرِ عَلَى النَّوَازِلِ كُلِّهَا وَالْهُمُومِ
وَالْأَسْقَامِ وَسَائِرِ الْأَعْرَاضِ ، وَمَعْنَى ( أَنَّ لِلَّهِ مَا أَخَذَ )
أَنَّ الْعَالَمَ كُلَّهُ مُلْكُهُ فَلَمْ يَأْخُذْ إلَّا مَا هُوَ لَهُ
عِنْدَكُمْ فِي مَعْنَى الْعَارِيَّةِ ( وَلَهُ مَا أَعْطَى ) أَيْ مَا وَهَبَهُ
لَكُمْ إذْ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ مُلْكِهِ فَيَفْعَلُ فِيهِ مَا شَاءَ ( وَكُلُّ
شَيْءٍ عِنْدَهُ بِأَجَلٍ مُسَمًّى
) أَيْ فَلَا يُمْكِنُ تَقْدِيمُهُ عَلَيْهِ وَلَا
تَأْخِيرُهُ عَنْهُ .
فَمَنْ عَلِمَ هَذَا أَدَّاهُ إلَى أَنْ يَصْبِرَ
وَيَحْتَسِبَ .
وَقَدْ وَرَدَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ لِمَنْ شَقَّ عَلَيْهِ مَوْتُ ابْنِهِ { أَيُّمَا كَانَ أَحَبَّ
إلَيْك أَنْ تَمَتَّعَ بِهِ عُمُرَك أَوْ لَا تَأْتِي غَدًا بَابًا مِنْ أَبْوَابِ
الْجَنَّةِ إلَّا وَجَدْتَهُ قَدْ سَبَقَك إلَيْهِ فَيَفْتَحُهُ لَك ؟ فَقَالَ يَا
رَسُولَ اللَّهِ هَذَا أَحَبُّ إلَيَّ ، قَالَ هُوَ لَك ، فَقِيلَ يَا رَسُولَ
اللَّهِ هُوَ لَهُ خَاصَّةً أَمْ لِلْمُسْلِمِينَ عَامَّةً ؟ فَقَالَ بَلْ
لِلْمُسْلِمِينَ عَامَّةً } .
وَفِي خَبَرِ مُسْلِمٍ : { مَا مِنْ مُصِيبَةٍ يُصَابُ بِهَا
الْمُؤْمِنُ إلَّا كُفِّرَ بِهَا عَنْهُ حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا } .
وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ { مَنْ أُصِيبَ بِمُصِيبَةٍ
فَلْيَذْكُرْ مُصِيبَتَهُ بِي فَإِنَّهَا أَعْظَمُ الْمَصَائِبِ } .
وَكَأَنَّ الْقَاضِيَ حُسَيْنًا - مِنْ أَكَابِرِ
أَئِمَّتِنَا - أَخَذَ مِنْ هَذَا قَوْلَهُ الَّذِي أَقَرُّوهُ عَلَيْهِ : يَجِبُ
عَلَى كُلِّ مُؤْمِنٍ أَنْ يَكُونَ حُزْنُهُ عَلَى فِرَاقِ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الدُّنْيَا أَكْثَرَ مِنْهُ عَلَى فِرَاقِ
أَبَوَيْهِ ، كَمَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أَحَبَّ إلَيْهِ مِنْ نَفْسِهِ وَأَهْلِهِ وَمَالِهِ .
وَفِي حَدِيثٍ { إنَّ مَنْ حَمِدَ اللَّهَ وَاسْتَرْجَعَ
عِنْدَ مَوْتِ
وَلَدِهِ أَمَرَ اللَّهُ مَلَائِكَتَهُ أَنْ يَبْنُوا
لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَيُسَمُّوهُ بَيْتَ الْحَمْدِ } .
وَفِي أُخْرَى عِنْدَ الْبُخَارِيِّ : { مَا لِعَبْدِي
الْمُؤْمِنِ جَزَاءٌ إذَا قَبَضْتُ صَفِيَّهُ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا ثُمَّ
احْتَسَبَهُ إلَّا الْجَنَّةُ }
.
وَفِي أُخْرَى : { إنَّمَا الصَّبْرُ عِنْدَ الصَّدْمَةِ
الْأُولَى } أَيْ إنَّمَا يُحْمَدُ الصَّبْرُ عِنْدَ مُفَاجَأَةِ الْمُصِيبَةِ
وَأَمَّا فِيمَا بَعْدُ فَيَقَعُ السُّلُوُّ طَبْعًا .
وَمِنْ ثَمَّ قَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ : يَنْبَغِي
لِلْعَاقِلِ أَنْ يَفْعَلَ بِنَفْسِهِ أَوَّلَ أَيَّامِ الْمُصِيبَةِ مَا
يَفْعَلُهُ الْأَحْمَقُ بَعْدَ خَمْسَةِ أَيَّامٍ .
وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ : { مَنْ قَدَّمَ ثَلَاثَةً مِنْ
الْوَلَدِ لَمْ يَبْلُغُوا الْحِنْثَ كَانُوا لَهُ حِصْنًا مِنْ النَّارِ ،
فَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ قَدَّمْت اثْنَيْنِ قَالَ وَاثْنَيْنِ ، قَالَ آخَرُ :
قَدَّمْت وَاحِدًا قَالَ وَوَاحِدًا ، وَلَكِنَّ ذَلِكَ فِي أَوَّلِ صَدْمَةٍ } .
وَفِي أُخْرَى { مَنْ كَانَ لَهُ فَرَطَانِ أَيْ
وَلَدَانِ مِنْ أُمَّتِي دَخَلَ الْجَنَّةَ ، قَالَتْ عَائِشَةُ : وَمَنْ لَهُ
فَرَطٌ ؟ قَالَ وَمَنْ لَهُ فَرَطٌ } الْحَدِيثَ .
وَفِي خَبَرِ مُسْلِمٍ : { أَنَّهُ مَاتَ ابْنٌ لِأَبِي
طَلْحَةَ مِنْ أُمِّ سُلَيْمٍ فَقَالَتْ لِأَهْلِهَا لَا يُحَدِّثُهُ إلَّا أَنَا
، فَلَمَّا جَاءَتْ قَرَّبَتْ إلَيْهِ عَشَاءَهُ فَأَكَلَ وَشَرِبَ ثُمَّ
تَصَنَّعَتْ لَهُ أَحْسَنَ مَا كَانَتْ تَتَصَنَّعُ لَهُ قَبْلُ فَغَشِيَهَا ،
فَلَمَّا رَأَتْ أَنَّهُ قَدْ شَبِعَ وَأَصَابَ قَالَتْ : يَا أَبَا طَلْحَةَ أَرَأَيْت
لَوْ أَنَّ قَوْمًا أَعَارُوا عَارِيَهُمْ أَهْلَ بَيْتٍ فَطَلَبُوا
عَارِيَّتَهُمْ أَلَهُمْ أَنْ يَمْنَعُوهُمْ ؟ قَالَ لَا ، قَالَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ
فَاحْتَسِبْ ابْنَك فَغَضِبَ ، ثُمَّ انْطَلَقَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ بَارَكَ اللَّهُ لَكُمَا فِي
لَيْلَتِكُمَا } الْحَدِيثَ .
وَفِي حَدِيثٍ : { مَا أُعْطِيَ أَحَدٌ عَطَاءً خَيْرًا
وَأَوْسَعَ مِنْ الصَّبْرِ } .
وَقَالَ عَلِيٌّ لِلْأَشْعَثِ : إنَّك إنْ صَبَرْت
صَبَرْت إيمَانًا وَاحْتِسَابًا وَإِلَّا سَلَوْت كَمَا تَسْلُو الْبَهَائِمُ :
أَيْ
لِأَنَّهُ بِطُولِ الزَّمَنِ يَقَعُ السُّلُوُّ طَبْعًا
، وَقِيلَ لِمُصَابٍ : لَا تَجْمَعْ بَيْنَ مُصِيبَتَيْنِ عَظِيمَتَيْنِ ذَهَابِ
الْوَلَدِ وَالْأَجْرِ .
وَفِي حَدِيثِ مُسْلِمٍ : { إنَّ الْأَطْفَالَ
دَعَامِيصُ الْجَنَّةِ أَيْ حُجَّابُ أَبْوَابِهَا يَتَلَقَّى أَحَدُهُمْ أَبَاهُ أَوْ
قَالَ أَبَوَيْهِ فَيَأْخُذُ بِثَوْبِهِ أَوْ قَالَ بِيَدِهِ فَلَا يَنْتَهِي
حَتَّى يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ }
.
وَضَحِكَ ابْنُ عُمَرَ عِنْدَ دَفْنِهِ لِابْنِهِ
فَقِيلَ لَهُ ؟ فَقَالَ : أَرَدْت أَنْ أُرْغِمَ الشَّيْطَانَ .
وَرَأَى عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَلَدَهُ فِي
الْمَوْتِ ، فَقَالَ : يَا بُنَيَّ لَأَنْ تَكُونَ فِي مِيزَانِي أَحَبُّ إلَيَّ
مِنْ أَنْ أَكُونَ فِي مِيزَانِك ، وَلَمَّا أُسِيلَ دَمُ عُثْمَانَ عَلَى
وَجْهِهِ عِنْدَ قَتْلِهِ قَالَ : { لَا إلَهَ إلَّا أَنْتَ سُبْحَانَك إنِّي
كُنْتُ مِنْ الظَّالِمِينَ } اللَّهُمَّ إنِّي أَسْتَعِينُ بِك عَلَيْهِمْ وَأَسْتَعِينُك
عَلَى جَمِيعِ أُمُورِي وَأَسْأَلُك الصَّبْرَ عَلَى مَا أَبْلَيْتَنِي وَلَمَّا
قُطِعَتْ رِجْلُ عُرْوَةَ لِأَكِلَةٍ بِهَا لَمْ يَتَأَوَّهْ وَإِنَّمَا قَالَ : {
لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا } وَلَمْ يَدَعْ وِرْدَهُ تِلْكَ
اللَّيْلَةَ ؛ وَقَدِمَ فِيهَا عَلَى الْوَلِيدِ أَعْمَى فَسَأَلَهُ عَنْ شَأْنِهِ
فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ كَانَ لَهُ أَهْلٌ وَأَوْلَادٌ وَأَمْوَالٌ عَظِيمَةٌ
فَجَاءَهُمْ سَيْلٌ فَأَهْلَكَهُمْ إلَّا بَعِيرًا وَصَبِيًّا فَنَدَّ الْبَعِيرُ
فَاتَّبَعَهُ ، فَجَاءَ الذِّئْبُ فَأَكَلَ صَبِيَّهُ وَلَمَّا لَحِقَ الْبَعِيرَ رُمْحُهُ
فَأَذْهَبَ عَيْنَيْهِ وَذَهَبَ فَأَصْبَحَ لَا مَالَ وَلَا وَلَدَ فَقَالَ
الْوَلِيدُ : انْطَلِقُوا بِهِ إلَى عُرْوَةَ لِيَعْلَمَ أَنَّ فِي الْأَرْضِ مَنْ
هُوَ أَشَدُّ بَلَاءً مِنْهُ .
وَرَأَى الْمَدَائِنِيُّ امْرَأَةً بِالْبَادِيَةِ فِي
غَايَةِ الْجَمَالِ فَظَنَّ أَنَّ هَذَا نَضْرَةُ السُّرُورِ فَبَيَّنَتْ لَهُ
أَنَّهَا قَرِيبَةُ أَحْزَانٍ وَهُمُومٍ ، وَأَنَّ زَوْجَهَا ذَبَحَ شَاةً ،
فَأَرَادَ أَحَدُ ابْنَيْهَا أَنْ يَفْعَلَ بِأَخِيهِ كَذَلِكَ فَذَبَحَهُ فَخَافَ
فَفَرَّ إلَى الْجَبَلِ فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَفَرَّ أَبُوهُ خَلْفَهُ فَتَاهَ وَمَاتَ
عَطَشًا ، فَقَالَ : لَهَا
كَيْفَ أَنْتِ وَالصَّبْرُ ؟ قَالَتْ كَانَ جُرْحًا
فَانْدَمَلَ .
قِيلَ :
وَسَبَبُ تَوْبَةِ مَالِكِ بْنِ دِينَارٍ أَنَّهُ كَانَ
سِكِّيرًا فَمَاتَتْ لَهُ بِنْتٌ كَانَ يُحِبُّهَا ، فَرَأَى لَيْلَةَ نِصْفِ شَعْبَانَ
أَنَّهُ خَرَجَ مِنْ قَبْرِهِ ، وَحَيَّةٌ عَظِيمَةٌ تَتْبَعُهُ كُلَّمَا أَسْرَعَ
أَسْرَعَتْ ، فَمَرَّ بِشَيْخٍ ضَعِيفٍ فَسَأَلَهُ أَنْ يُنْقِذَهُ مِنْهَا ،
فَقَالَ : أَنَا عَاجِزٌ ، مُرَّ وَأَسْرِعْ لَعَلَّك تَنْجُو مِنْهَا فَأَسْرَعَ
وَهِيَ خَلْفَهُ حَتَّى مَرَّ عَلَى طَبَقَاتِ النَّارِ وَهِيَ تَفُورُ ، وَكَادَ
أَنْ يَهْوِيَ فِيهَا ، وَإِذَا بِصَوْتٍ لَسْتَ مِنْ أَهْلِي ، فَمَرَّ حَتَّى
أَشْرَفَ عَلَى جَبَلٍ بِهِ طَاقَاتٌ وَسُتُورٌ ، وَإِذَا بِصَوْتٍ أَدْرِكُوا
هَذَا الْيَائِسَ قَبْلَ أَنْ يُدْرِكَهُ عَدُوُّهُ ، فَأَشْرَفَ عَلَيْهِ
أَطْفَالٌ فِيهِمْ بِنْتُهُ فَنَزَلَتْ إلَيْهِ ، وَضَرَبَتْ بِيَدِهَا الْيُمْنَى
إلَى الْحَيَّةِ فَوَلَّتْ هَارِبَةً ، وَجَلَسَتْ فِي حِجْرِهِ قَائِلَةً : { أَلَمْ يَأْنِ
لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنْ
الْحَقِّ } فَقُلْت أَتَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ ؟ قَالَتْ : نَحْنُ أَعْرَفُ بِهِ
مِنْكُمْ ، ثُمَّ سَأَلَهَا مَا مُقَامُهُمْ هُنَا ؟ ، فَأَخْبَرَتْهُ أَنَّهُمْ
أُسْكِنُوا هُنَا إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ يَنْتَظِرُونَ آبَاءَهُمْ يَقْدَمُونَ
عَلَيْهِمْ ، ثُمَّ سَأَلَ عَنْ تِلْكَ الْحَيَّةِ ؟ فَقَالَتْ عَمَلُك السُّوءُ ،
وَعَنْ الشَّيْخِ ؟ فَقَالَتْ عَمَلُك الصَّالِحُ أَضْعَفْتَهُ حَتَّى لَمْ تَكُنْ
لَهُ طَاقَةٌ بِعَمَلِك السُّوءِ فَتُبْ إلَى اللَّهِ وَلَا تَكُنْ مِنْ
الْهَالِكِينَ ، ثُمَّ ارْتَفَعَتْ عَنْهُ وَاسْتَيْقَظَ فَتَابَ تَوْبَةَ النَّصُوحِ
لِوَقْتِهِ ، فَتَأَمَّلْ نَفْعَ الذُّرِّيَّةِ لَكِنْ إنَّمَا يَحْصُلُ لِمَنْ
رَضِيَ أَوْ صَبَرَ ، وَأَمَّا مَنْ سَخِطَ فَدَعَا بِوَيْلٍ أَوْ لَطْمٍ أَوْ
شَقٍّ أَوْ حَلْقٍ مَثَلًا فَعَلَيْهِ سَخَطُ اللَّهِ وَلَعَنَتُهُ رَجُلًا كَانَ
أَوْ امْرَأَةً .
وَرُوِيَ أَنَّ الضَّرْبَ عَلَى الْفَخِذِ عِنْدَ
الْمُصِيبَةِ يُحْبِطُ الْأَجْرَ
.
وَرُوِيَ أَيْضًا : { مَنْ أَصَابَتْهُ مُصِيبَةٌ
فَخَرَقَ عَلَيْهَا ثَوْبًا أَوْ لَطَمَ خَدًّا أَوْ شَقَّ جَيْبًا أَوْ
نَتَفَ شَعَرًا فَكَأَنَّمَا أَخَذَ رُمْحًا يُرِيدُ
أَنْ يُحَارِبَ بِهِ رَبَّهُ }
.
قَالَ صَالِحٌ الْمُزَنِيّ : نِمْت لَيْلَةَ جُمُعَةٍ
بِمَقْبَرَةٍ فَرَأَيْت الْأَمْوَاتَ خَرَجُوا مِنْ قُبُورِهِمْ وَتَحَلَّقُوا ،
وَنَزَلَتْ عَلَيْهِمْ أَطْبَاقٌ مُغَطَّاةٌ وَفِيهِمْ شَابٌّ يُعَذَّبُ
فَتَقَدَّمْتُ وَسَأَلْتُهُ فَقَالَ لِي : وَالِدَتِي جَمَعَتْ النَّوَادِبَ
فَأَنَا مُعَذَّبٌ بِذَلِكَ فَلَا جَزَاهَا اللَّهُ عَنِّي خَيْرًا وَبَكَى ،
ثُمَّ أَمَرَنِي أَنْ أَذْهَبَ إلَيْهَا ، وَأَعْلَمَنِي مَحَلَّهَا وَأَنْ أُنَاشِدَهَا
بِتَرْكِ هَذَا الْعَذَابِ الْعَظِيمِ الَّذِي تَسَبَّبَتْ لَهُ فِيهِ ، فَلَمَّا
أَصْبَحْت ذَهَبْت إلَيْهَا وَرَأَيْت عِنْدَهَا تِلْكَ النَّوَادِبَ ،
وَوَجْهُهَا قَدْ اسْوَدَّ مِنْ كَثْرَةِ اللَّطْمِ وَالْبُكَاءِ فَذَكَرْت لَهَا
ذَلِكَ الْمَنَامَ فَتَابَتْ وَأَخْرَجَتْ النَّوَادِبَ وَأَعْطَتْنِي دَرَاهِمَ
أَتَصَدَّقُ بِهَا عَنْهُ ، فَأَتَيْت الْمَقْبَرَةَ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ عَلَى
عَادَتِي وَتَصَدَّقْت عَنْهُ بِتِلْكَ الدَّرَاهِمِ فَنِمْت فَرَأَيْته وَهُوَ
يَقُولُ لِي جَزَاك اللَّهُ عَنِّي خَيْرًا ، أَذْهَبَ اللَّهُ عَنِّي الْعَذَابَ وَوَصَلَتْنِي
الصَّدَقَةُ فَأَخْبِرْ أُمِّي بِذَلِكَ ، فَاسْتَيْقَظْت وَذَهَبْت إلَيْهَا
فَوَجَدْتهَا مَاتَتْ فَحَضَرْت الصَّلَاةَ عَلَيْهَا ، وَدُفِنَتْ بِجَنْبِ
وَلَدِهَا .
وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ : { يَوَدُّ أَهْلُ
الْعَافِيَةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِينَ يُعْطَى أَهْلُ الْبَلَاءِ الثَّوَابَ
لَوْ أَنَّ جُلُودَهُمْ كَانَتْ قُرِضَتْ بِالْمَقَارِيضِ } .
وَالطَّبَرَانِيُّ مِنْ رِوَايَةِ مَنْ وُثِقَ بِهِ : { يُؤْتَى
بِالشَّهِيدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُوقَفُ لِلْحِسَابِ ، ثُمَّ يُؤْتَى
بِالْمُتَصَدِّقِ فَيُنْصَبُ لِلْحِسَابِ ، ثُمَّ يُؤْتَى بِأَهْلِ الْبَلَاءِ
فَلَا يُنْصَبُ لَهُمْ مِيزَانٌ وَلَا يُنْشَرُ لَهُمْ دِيوَانٌ فَيُصَبُّ
عَلَيْهِمْ الْأَجْرُ صَبًّا حَتَّى إنَّ أَهْلَ الْعَافِيَةِ لَيَتَمَنَّوْنَ فِي
الْمَوْقِفِ أَنَّ أَجْسَادَهُمْ قُرِضَتْ بِالْمَقَارِيضِ مِنْ حُسْنِ ثَوَابِ
اللَّهِ } .
وَالْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ : { مَنْ يُرِدْ اللَّهُ
بِهِ خَيْرًا يُصِبْ مِنْهُ } أَيْ يُوَجِّهْ إلَيْهِ مُصِيبَةً أَوْ
بَلَاءً ، وَصَحَّ : { إذَا أَحَبَّ اللَّهُ قَوْمًا
ابْتَلَاهُمْ فَمَنْ صَبَرَ فَلَهُ الصَّبْرُ وَمَنْ جَزِعَ فَلَهُ الْجَزَعُ } .
وَصَحَّ أَيْضًا : { إنَّ الرَّجُلَ لَيَكُونُ لَهُ
عِنْدَ اللَّهِ الْمَنْزِلَةُ فَمَا يَبْلُغُهَا بِعَمَلٍ فَمَا يَزَالُ اللَّهُ
يَبْتَلِيهِ بِمَا يَكْرَهُ حَتَّى يُبَلِّغَهُ إيَّاهَا } .
وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَأَبُو يَعْلَى
وَالطَّبَرَانِيُّ : { إنَّ الْعَبْدَ إذَا سَبَقَتْ لَهُ مِنْ اللَّهِ مَنْزِلَةٌ
فَلَمْ يَبْلُغْهَا بِعَمَلٍ ابْتَلَاهُ اللَّهُ فِي جَسَدِهِ أَوْ مَالِهِ أَوْ
فِي وَلَدِهِ ثُمَّ صَبَّرَهُ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى يُبَلِّغَهُ الْمَنْزِلَةَ
الَّتِي سَبَقَتْ لَهُ مِنْ اللَّهِ
- عَزَّ وَجَلَّ - } .
وَالطَّبَرَانِيُّ : { إنَّ اللَّهَ لَيُجَرِّبُ أَحَدَكُمْ
بِالْبَلَاءِ كَمَا يُجَرِّبُ أَحَدُكُمْ ذَهَبَهُ بِالنَّارِ ، فَمِنْهُمْ مَنْ
يَخْرُجُ كَالذَّهَبِ الْإِبْرِيزِ فَذَلِكَ الَّذِي حَمَاهُ اللَّهُ مِنْ
الشُّبُهَاتِ ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَخْرُجُ دُونَ ذَلِكَ فَذَلِكَ الَّذِي يَشُكُّ
بَعْضَ الشَّكِّ ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَخْرُجُ كَالذَّهَبِ الْأَسْوَدِ فَذَلِكَ
الَّذِي اُفْتُتِنَ } .
وَالشَّيْخَانِ : { مَا يُصِيبُ الْمُؤْمِنَ مِنْ نَصَبٍ
أَيْ تَعَبٍ وَلَا وَصَبٍ أَيْ مَرَضٍ وَلَا هَمٍّ أَيْ وَلَا حُزْنٍ وَلَا غَمٍّ
حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا إلَّا كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ } .
وَفِي رِوَايَةٍ لَهُمَا : { مَا مِنْ مُصِيبَةٍ تُصِيبُ
الْمُسْلِمَ إلَّا كَفَّرَ اللَّهُ عَنْهُ بِهَا حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا } .
وَلِمُسْلِمٍ : { مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُشَاكُ
الشَّوْكَةَ فَمَا فَوْقَهَا إلَّا كُتِبَ لَهُ بِهَا دَرَجَةٌ وَمُحِيَتْ عَنْهُ
بِهَا خَطِيئَةٌ } .
وَصَحَّ
: { مَا يَزَالُ الْبَلَاءُ بِالْمُؤْمِنِ
وَالْمُؤْمِنَةِ فِي نَفْسِهِ وَمَالِهِ وَوَلَدِهِ حَتَّى يَلْقَى اللَّهَ وَمَا
عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ } .
وَصَحَّ أَيْضًا : { مَنْ أُصِيبَ بِمُصِيبَةٍ فِي
مَالِهِ أَوْ فِي نَفْسِهِ فَكَتَمَهَا وَلَمْ يَشْكُهَا إلَى النَّاسِ كَانَ
حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يَغْفِرَ لَهُ } .
وَصَحَّ : { وَصَبُ الْمُؤْمِنِ كَفَّارَةٌ لِخَطَايَاهُ .
إذَا اشْتَكَى الْمُؤْمِنُ أَخْلَصَهُ اللَّهُ مِنْ
الذُّنُوبِ كَمَا يُخْلِصُ الْكِيرُ
خَبَثَ الْحَدِيدِ } .
سَأَلَتْ امْرَأَةٌ بِهَا لَمَمٌ أَيْ ، جُنُونٌ ،
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَدْعُوَ لَهَا فَقَالَ :
{ إنْ شِئْتِ دَعَوْتُ اللَّهَ فَشَفَاكِ وَإِنْ شِئْتِ صَبَرْتِ وَلَا حِسَابَ
عَلَيْك ، قَالَتْ بَلْ أَصْبِرُ وَلَا حِسَابَ عَلَيَّ } .
{ مَا ضَرَبَ عَلَى مُؤْمِنٍ عِرْقٌ قَطُّ إلَّا حَطَّ
اللَّهُ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةً وَكَتَبَ اللَّهُ لَهُ حَسَنَةً وَرَفَعَ لَهُ
دَرَجَةً } .
{ إذَا مَرِضَ الْعَبْدُ أَوْ سَافَرَ كُتِبَ لَهُ مَا
كَانَ يَعْمَلُ صَحِيحًا } .
{ إنَّ الْمَرِيضَ تَتَحَاتُّ عَنْهُ خَطَايَاهُ كَمَا
يَتَحَاتُّ وَرَقُ الشَّجَرِ }
.
{ صُدَاعُ الْمُؤْمِنِ وَشَوْكَةٌ يُشَاكُهَا أَوْ
شَيْءٌ يُؤْذِيهِ يَرْفَعُ اللَّهُ بِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ دَرَجَتَهُ
وَيُكَفِّرُ عَنْهُ بِهَا ذُنُوبَهُ
} .
{ إنَّ اللَّهَ لَيَبْتَلِي عَبْدَهُ بِالسَّقَمِ حَتَّى
يُكَفِّرَ ذَلِكَ عَنْهُ كُلَّ ذَنْبٍ
} .
{ لَا تَسُبُّنَّ الْحُمَّى فَإِنَّهَا تُذْهِبُ
خَطَايَا بَنِي آدَمَ كَمَا يُذْهِبُ الْكِيرُ خَبَثَ الْحَدِيدِ } .
{ إنَّ اللَّهَ لَيُكَفِّرُ عَنْ الْمُؤْمِنِ خَطَايَاهُ
كُلَّهَا بِحُمَّى لَيْلَةٍ } .
{ الْحُمَّى حَظُّ الْمُؤْمِنِ مِنْ النَّارِ } .
وَصَحَّ أَيْضًا { لَمَّا نَزَلَ { مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا
يُجْزَ بِهِ } شَقَّ عَلَيْهِمْ مَشَقَّةً شَدِيدَةً فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَعَمْ يُجْزَى بِهِ فِي الدُّنْيَا مِنْ مُصِيبَةٍ فِي
جَسَدِهِ مِمَّا يُؤْذِيهِ } .
وَسَأَلَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ ذَلِكَ
فَقَالَ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { غَفَرَ اللَّهُ لَك يَا أَبَا
بَكْرٍ أَلَسْتَ تَمْرَضُ أَلَسْت تَحْزَنُ أَلَسْتَ تُصِيبُك اللَّأْوَاءُ : أَيْ
شِدَّةُ الضِّيقِ ، قَالَ : قُلْت بَلَى ، قَالَ هُوَ الَّذِي تُجْزَوْنَ بِهِ } .
وَفِي رِوَايَةٍ : إنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهَا رَوَتْ نَظِيرَ ذَلِكَ فِي { وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ
تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ
} .
( الْكَبِيرَةُ التَّاسِعَةَ عَشْرَةَ ، وَالْعِشْرُونَ
بَعْدَ الْمِائَةِ ) كَسْرُ عَظْمِ الْمَيِّتِ ، وَالْجُلُوسُ عَلَى الْقُبُورِ
أَخْرَجَ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ أَنَّهُ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { كَسْرُ عَظْمِ الْمَيِّتِ كَكَسْرِهِ
حَيًّا } .
وَمُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ : { لَأَنْ يَجْلِسَ أَحَدُكُمْ عَلَى
جَمْرَةٍ فَتُحْرِقَ ثِيَابَهُ فَتَخْلُصَ إلَى جِلْدِهِ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ
يَجْلِسَ عَلَى قَبْرٍ } .
وَابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ : { لَأَنْ
أَمْشِيَ عَلَى جَمْرَةٍ أَوْ سَيْفٍ أَوْ أَخْصِفَ نَعْلِي بِرِجْلِي أَحَبُّ
إلَيَّ مِنْ أَنْ أَمْشِيَ عَلَى قَبْرٍ } .
وَالطَّبَرَانِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ عَنْ ابْنِ
مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ
: { لَأَنْ أَطَأَ عَلَى جَمْرَةٍ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ
أَنْ أَطَأَ عَلَى قَبْرِ مُسْلِمٍ
} .
وَالطَّبَرَانِيُّ أَيْضًا لَكِنْ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ
لَهِيعَةَ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ حَزْمٍ قَالَ : { رَآنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسًا عَلَى قَبْرٍ فَقَالَ يَا صَاحِبَ الْقَبْرِ
انْزِلْ مِنْ عَلَى الْقَبْرِ لَا تُؤْذِي صَاحِبَ الْقَبْرِ وَلَا يُؤْذِيكَ } .
تَنْبِيهٌ : عَدُّ هَذَيْنِ مِنْ الْكَبَائِرِ لَمْ
أَرَهُ لَكِنْ قَدْ تُفْهِمُهُ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ ، لِأَنَّ الْوَعِيدَ الَّذِي
فِيهَا شَدِيدٌ وَلَا رَيْبَ فِي ذَلِكَ فِي كَسْرِ عَظْمِهِ لِمَا عَلِمْت مِنْ
الْحَدِيثِ أَنَّهُ كَكَسْرِ عَظْمِ الْحَيِّ .
وَأَمَّا الْجُلُوسُ ؛ فَجَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا
عَلَى حُرْمَتِهِ وَتَبِعَهُمْ النَّوَوِيُّ فِي بَعْضِ كُتُبِهِ أَخْذًا مِنْ الْحَدِيثِ
السَّابِقِ فِيهِ ، فَكَمَا أَنَّهُمْ أَخَذُوا حُرْمَتَهُ مِنْ ذَلِكَ ،
فَكَذَلِكَ نَحْنُ نَأْخُذُ كَوْنَهُ كَبِيرَةً مِنْهُ لِصِدْقِ حَدِّهَا
السَّابِقِ عَلَيْهِ إذْ هُوَ مِمَّا فِيهِ وَعِيدٌ شَدِيدٌ .
( الْكَبِيرَةُ الْحَادِيَةُ وَالثَّانِيَةُ
وَالثَّالِثَةُ وَالْعِشْرُونَ بَعْدَ الْمِائَةِ : اتِّخَاذُ الْمَسَاجِدِ أَوْ
السُّرُجِ عَلَى الْقُبُورِ ، وَزِيَارَةُ النِّسَاءِ لَهَا ، وَتَشْيِيعُهُنَّ الْجَنَائِزَ
( أَخْرَجَ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ
حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ لَكِنْ فِي سَنَدِهِ مُخْتَلَفٌ فِيهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا : { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ لَعَنَ زَائِرَاتِ الْقُبُورِ وَالْمُتَّخِذِينَ عَلَيْهَا الْمَسَاجِدَ
وَالسُّرُجَ } .
وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَابْنَا
مَاجَهْ وَحِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ بِسَنَدٍ مُخْتَلَفٍ فِي اتِّصَالِهِ : {
أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَعَنَ زَوَّارَاتِ الْقُبُورِ } .
وَأَبُو دَاوُد عَنْ { عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : قَبَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْنِي مَيِّتًا ، فَلَمَّا فَرَغْنَا انْصَرَفَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَانْصَرَفْنَا ، فَلَمَّا حَاذَى
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَابَهُ وَقَفَ فَإِذَا نَحْنُ
بِامْرَأَةٍ مُقْبِلَةٍ قَالَ أَظُنُّهُ عَرَفَهَا ، فَلَمَّا ذَهَبَتْ فَإِذَا
هِيَ فَاطِمَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فَقَالَ لَهَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
: مَا أَخْرَجَك يَا فَاطِمَةُ مِنْ بَيْتِك ؟ قَالَتْ : أَتَيْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَهْلَ
هَذَا الْمَيِّتِ فَرَحِمْتُ إلَيْهِمْ مَيِّتَهُمْ أَوْ قَالَتْ عَزَّيْتُهُمْ
بِهِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَعَلَّك
بَلَغْتِ مَعَهُمْ الْكُدَى بِكَافٍ مَضْمُومَةٍ : أَيْ الْمَقَابِرَ ، فَقَالَتْ
مَعَاذَ اللَّهِ وَقَدْ سَمِعْتُكَ تَذْكُرُ فِيهَا مَا تَذْكُرُ ، فَقَالَ لَوْ بَلَغْتِ
مَعَهُمْ الْكُدَى فَذَكَرَ تَشْدِيدًا فِي ذَلِكَ } .
وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ إلَّا أَنَّهُ قَالَ فِي
آخِرِهِ : { لَوْ بَلَغْتِهَا مَعَهُمْ مَا رَأَيْتِ الْجَنَّةَ حَتَّى يَرَاهَا
جَدُّ أَبِيكِ } .
وَابْنُ مَاجَهْ وَأَبُو يَعْلَى عَنْ عَلِيٍّ كَرَّمَ
اللَّهُ وَجْهَهُ قَالَ : { خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَإِذَا نِسْوَةٌ جُلُوسٌ قَالَ : مَا يُجْلِسُكُنَّ ،
قُلْنَ نَنْتَظِرُ الْجِنَازَةَ ، قَالَ هَلْ تَغْسِلْنَ ؟ قُلْنَ لَا ، قَالَ
هَلْ تَحْمِلْنَ ؟ قُلْنَ لَا ، قَالَ هَلْ تُدْلِينَ فِيمَنْ يُدْلِي ؟ قُلْنَ لَا
، قَالَ فَارْجِعْنَ مَأْزُورَاتٍ غَيْرَ مَأْجُورَاتٍ } .
تَنْبِيهٌ :
عَدُّ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ هُوَ صَرِيحُ الْحَدِيثِ
الْأَوَّلِ فِي الْأَوَّلَيْنِ لِمَا فِيهِ مِنْ لَعْنِ فَاعِلِهِمَا ، وَصَرِيحُ الْحَدِيثِ
الثَّانِي فِي الثَّانِيَةِ ، وَظَاهِرُ حَدِيثِ فَاطِمَةَ فِي الثَّالِثَةِ بَلْ
صَرِيحُ رِوَايَةِ النَّسَائِيّ : " مَا رَأَيْتِ الْجَنَّةَ " إلَى
آخِرِهَا ، وَلَمْ أَرَ مَنْ عَدَّ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ ، بَلْ كَلَامُ
أَصْحَابِنَا فِي الثَّلَاثَةِ مُصَرِّحٌ بِكَرَاهَتِهَا دُونَ حُرْمَتِهَا
فَضْلًا عَنْ كَوْنِهَا كَبِيرَةً ، فَلْيُحْمَلْ كَوْنُ هَذِهِ كَبَائِرَ عَلَى
مَا إذَا عَظُمَتْ مَفَاسِدُهَا كَمَا يَفْعَلُ كَثِيرٌ مِنْ النِّسَاءِ مِنْ
الْخُرُوجِ إلَى الْمَقَابِرِ وَخَلْفَ الْجَنَائِزِ بِهَيْئَةٍ قَبِيحَةٍ جِدًّا
، إمَّا لِاقْتِرَانِهَا بِالنِّيَاحَةِ وَنَحْوِهَا أَوْ بِالزِّينَةِ عِنْدَ
زِيَارَةِ الْقُبُورِ بِحَيْثُ يُخْشَى مِنْهَا الْفِتْنَةُ خَشْيَةً قَوِيَّةً ،
وَكَأَنْ بُنِيَ الْمَسْجِدُ فِي مَقْبَرَةٍ مُسَبَّلَةٍ لِأَنَّهُ مِنْ حَيِّزِ الْغَصْبِ
حِينَئِذٍ وَكَأَنْ يُسْرَفَ فِي الْإِيقَادِ عَلَيْهَا ، لِأَنَّهُ مِنْ
التَّبْذِيرِ وَالْإِسْرَافِ وَإِنْفَاقِ الْمَالِ فِي الْمُحَرَّمَاتِ ،
فَحِينَئِذٍ يَتَّضِحُ عَدُّ هَذِهِ كَبَائِرَ ، نَعَمْ صَرَّحَ أَصْحَابُنَا
بِحُرْمَةِ السِّرَاجِ عَلَى الْقَبْرِ وَإِنْ قَلَّ حَيْثُ لَمْ يَنْتَفِعْ بِهِ
مُقِيمٌ وَلَا زَائِرٌ وَعَلَّلُوهُ بِالْإِسْرَافِ وَإِضَاعَةِ الْمَالِ
وَالتَّشَبُّهِ بِالْمَجُوسِ ، فَلَا يَبْعُدُ فِي هَذَا حِينَئِذٍ أَنْ يَكُونَ
كَبِيرَةً .
( الْكَبِيرَةُ الرَّابِعَةُ وَالْخَامِسَةُ
وَالْعِشْرُونَ بَعْدَ الْمِائَةِ : الرُّقَى ، وَتَعْلِيقُ التَّمَائِمِ ،
وَالْحُرُوزِ الْآتِي بَيَانُهَا ) أَخْرَجَ أَحْمَدُ وَأَبُو يَعْلَى بِإِسْنَادٍ
جَيِّدٍ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
قَالَ : سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : {
مَنْ عَلَّقَ تَمِيمَةً فَلَا أَتَمَّ اللَّهُ لَهُ ، وَمَنْ عَلَّقَ وَدَعَةً
فَلَا وَدَعَ اللَّهُ لَهُ } .
وَأَحْمَدُ بِسَنَدٍ رُوَاتُهُ ثِقَاتٌ وَالْحَاكِمُ
وَاللَّفْظُ لَهُ عَنْهُ أَيْضًا
: { أَنَّهُ جَاءَ فِي رَكْبٍ عَشَرَةٌ إلَى رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَايَعَ تِسْعَةً وَأَمْسَكَ عَنْ
رَجُلٍ مِنْهُمْ فَقَالُوا مَا شَأْنُهُ ؟ فَقَالَ إنَّ فِي عَضُدِهِ تَمِيمَةً
فَفَصَّى الرَّجُلُ التَّمِيمَةَ فَبَايَعَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
ثُمَّ قَالَ مَنْ عَلَّقَ فَقَدْ أَشْرَكَ } .
وَصَحَّ
{ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبْصَرَ
عَلَى عَضُدِ رَجُلٍ حَلْقَةً أَرَاهُ قَالَ مِنْ صُفْرٍ فَقَالَ : وَيْحَك مَا
هَذِهِ ؟ قَالَ : مِنْ الْوَاهِنَةِ
.
قَالَ : أَمَا إنَّهَا لَا تَزِيدُك إلَّا وَهَنًا
انْبِذْهَا عَنْك فَإِنَّك لَوْ مِتّ وَهِيَ عَلَيْك مَا أَفْلَحْت أَبَدًا } .
وَصَحَّ :
أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ دَخَلَ
عَلَى امْرَأَتِهِ وَفِي عُنُقِهَا شَيْءٌ تَتَعَوَّذُ بِهِ فَجَذَبَهُ فَقَطَعَهُ
ثُمَّ قَالَ : لَقَدْ أَصْبَحَ آلُ عَبْدِ اللَّهِ أَغْنِيَاءَ عَنْ أَنْ يُشْرِكُوا
بِاَللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا ثُمَّ قَالَ : سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ
: { إنَّ الرُّقَى وَالتَّمَائِمَ وَالتُّوَلَةَ شِرْكٌ
قَالُوا يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ هَذِهِ الرُّقَى وَالتَّمَائِمُ قَدْ
عَرَفْنَاهَا فَمَا التُّوَلَةُ ؟ قَالَ شَيْءٌ تَصْنَعُهُ النِّسَاءُ
يَتَحَبَّبْنَ إلَى أَزْوَاجِهِنَّ } ، وَفَسَّرَ بَعْضُهُمْ التُّوَلَةَ بِكَسْرِ
الْفَوْقِيَّةِ وَفَتْحِ الْوَاوِ أَنَّهُ شَيْءٌ يُشْبِهُ السِّحْرَ أَوْ مِنْ
أَنْوَاعِهِ تَفْعَلُهُ الْمَرْأَةُ لِتَحَبُّبِهَا إلَى زَوْجِهَا ، وَفِي
رِوَايَةٍ : { أَنَّ زَوْجَتَهُ قَالَتْ
لَهُ إنِّي خَرَجْت يَوْمًا فَأَبْصَرَنِي فُلَانٌ
فَدَمَعَتْ عَيْنِي الَّتِي تَلِيهِ فَإِذَا رَقَيْتُهَا سَكَنَتْ دَمْعَتُهَا ،
وَإِذَا تَرَكْتُهَا دَمَعَتْ قَالَ ذَلِكَ الشَّيْطَانُ إذَا أَطَعْتِهِ تَرَكَكِ
وَإِذَا عَصَيْتِهِ طَعَنَ بِأُصْبُعِهِ فِي عَيْنِك ، وَلَكِنْ لَوْ فَعَلْتِ
كَمَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ خَيْرًا
لَكِ وَأَجْدَرَ أَنْ تُشْفَى تَنْضَحِي فِي عَيْنِكِ الْمَاءَ وَتَقُولِي :
أَذْهِبْ الْبَأْسَ رَبَّ النَّاسِ وَاشْفِ أَنْتَ الشَّافِي لَا شِفَاءَ إلَّا شِفَاؤُك
شِفَاءً لَا يُغَادِرُ سَقَمًا
} .
وَصَحَّ : { لَيْسَتْ التَّمِيمَةُ مَا يُعَلَّقُ بِهِ
بَعْدَ الْبَلَاءِ إنَّمَا التَّمِيمَةُ مَا يُعَلَّقُ بِهِ قَبْلَ الْبَلَاءِ } .
تَنْبِيهٌ : عَدُّ هَذَيْنِ مِنْ الْكَبَائِرِ هُوَ مَا
يَقْتَضِيهِ الْوَعِيدُ الَّذِي فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ لَا سِيَّمَا
تَسْمِيَتُهُ شِرْكًا ، لَكِنْ لَمْ أَرَ أَحَدًا صَرَّحَ بِذَلِكَ بِخُصُوصِهِ ،
وَلَكِنَّهُمْ صَرَّحُوا بِمَا يُفْهَمُ جَرَيَانُ ذَلِكَ فِيهِ بِالْأَوْلَى ،
نَعَمْ يَتَعَيَّنُ حَمْلُهُ عَلَى مَا كَانُوا يَفْعَلُونَهُ مِنْ تَعْلِيقِ
خَرَزَةٍ - يُسَمُّونَهَا تَمِيمَةً - أَوْ نَحْوِهَا يَرَوْنَ أَنَّهَا تَدْفَعُ عَنْهُمْ
الْآفَاتِ ، وَلَا شَكَّ أَنَّ اعْتِقَادَ هَذَا جَهْلٌ وَضَلَالٌ وَأَنَّهُ مِنْ
أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ لِأَنَّهُ إنْ لَمْ يَكُنْ شِرْكًا فَهُوَ يُؤَدِّي إلَيْهِ
إذْ لَا يَنْفَعُ وَيَضُرُّ وَيَمْنَعُ وَيَدْفَعُ إلَّا اللَّهُ - تَعَالَى - .
وَأَمَّا الرُّقَى فَهِيَ مَحْمُولَةٌ عَلَى ذَلِكَ أَوْ
عَلَى مَا إذَا كَانَتْ بِغَيْرِ لِسَانِ الْعَرَبِيَّةِ وَلَمْ يُعْرَفْ
مَعْنَاهَا فَإِنَّهَا حِينَئِذٍ حَرَامٌ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْخَطَّابِيُّ
وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمَا ، وَاسْتَدَلَّ لَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ
بِأَنَّهُمْ لَمَّا سَأَلُوهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ
فَقَالَ : { اعْرِضُوا عَلَيَّ رُقَاكُمْ } ،
وَسَبَبُ ذَلِكَ مَا قَالُوهُ مِنْ أَنَّ ذَلِكَ الْمَجْهُولَ قَدْ يَكُونُ
سِحْرًا أَوْ كُفْرًا .
قَالَ الْخَطَّابِيُّ بَعْدَ ذِكْرِهِ ذَلِكَ : فَأَمَّا
إذَا كَانَ مَفْهُومَ الْمَعْنَى وَكَانَ فِيهِ ذِكْرُ اللَّهِ - تَعَالَى -
فَإِنَّهُ
مُسْتَحَبٌّ مُتَبَرَّكٌ بِهِ .
الْكَبِيرَةُ السَّادِسَةُ وَالْعِشْرُونَ بَعْدَ
الْمِائَةِ : كَرَاهَةُ لِقَاءِ اللَّهِ - تَعَالَى - ( أَخْرَجَ الشَّيْخَانِ
عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ : { قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَنْ أَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ أَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ
، وَمَنْ كَرِهَ لِقَاءَ اللَّهِ كَرِهَ اللَّهُ لِقَاءَهُ ، فَقُلْت يَا نَبِيَّ
اللَّهِ أَمَّا كَرَاهَةُ الْمَوْتِ فَكُلُّنَا نَكْرَهُ الْمَوْتَ ، فَقَالَ لَيْسَ
ذَلِكَ وَلَكِنَّ الْمُؤْمِنَ إذَا بُشِّرَ بِرَحْمَةِ اللَّهِ وَرِضْوَانِهِ
وَجَنَّتِهِ أَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ فَأَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ ، وَإِنَّ
الْكَافِرَ إذَا بُشِّرَ بِعَذَابِ اللَّهِ وَسَخَطِهِ كَرِهَ لِقَاءَ اللَّهِ
وَكَرِهَ اللَّهُ لِقَاءَهُ } .
وَفِي رِوَايَةٍ صَحِيحَةٍ عَنْ أَنَسٍ : { مَنْ أَحَبَّ
لِقَاءَ اللَّهِ أَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ ، وَمَنْ كَرِهَ لِقَاءَ اللَّهِ
كَرِهَ اللَّهُ لِقَاءَهُ .
قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ كُلُّنَا نَكْرَهُ
الْمَوْتَ ، قَالَ لَيْسَ ذَاكَ كَرَاهَةَ الْمَوْتِ ، وَلَكِنَّ الْمُؤْمِنَ إذَا
اُحْتُضِرَ جَاءَهُ الْمُبَشِّرُ مِنْ اللَّهِ فَلَيْسَ شَيْءٌ أَحَبَّ إلَيْهِ
مِنْ أَنْ يَكُونَ قَدْ لَقِيَ اللَّهَ فَأَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ ، وَإِنَّ
الْكَافِرَ أَوْ الْفَاجِرَ إذَا اُحْتُضِرَ جَاءَهُ مَا هُوَ صَائِرٌ إلَيْهِ
مِنْ الشَّرِّ أَوْ مَا يَلْقَى مِنْ الشَّرِّ فَكَرِهَ لِقَاءَ اللَّهِ فَكَرِهَ
اللَّهُ لِقَاءَهُ } .
وَفِي رِوَايَةٍ صَحِيحَةٍ أَيْضًا : { لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ
أَحَبَّ إلَيْهِ مِنْ لِقَاءِ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ لِلِقَائِهِ أَحَبَّ ،
وَإِنَّ الْكَافِرَ إذَا جَاءَهُ مَا يَكْرَهُ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ أَكْرَهَ
إلَيْهِ مِنْ لِقَاءِ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ لِلِقَائِهِ أَكْرَهَ } .
وَابْنُ مَاجَهْ وَالطَّبَرَانِيُّ : أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { اللَّهُمَّ مَنْ آمَنَ بِي وَصَدَّقَنِي وَعَلِمَ
أَنَّ مَا جِئْت بِهِ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِك فَأَقْلِلْ مَالَهُ وَوَلَدَهُ
وَحَبِّبْ إلَيْهِ لِقَاءَك وَعَجِّلْ لَهُ الْقَضَاءَ ، وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِي
وَلَمْ يُصَدِّقْنِي وَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ مَا جِئْت بِهِ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِك
فَأَكْثِرْ مَالَهُ وَوَلَدَهُ وَأَطِلْ
عُمْرَهُ
} .
وَفِي رِوَايَةٍ لِابْنِ حِبَّانَ وَابْنِ أَبِي
الدُّنْيَا وَالطَّبَرَانِيِّ : { اللَّهُمَّ مَنْ آمَنَ بِك وَشَهِدَ أَنِّي
رَسُولُك فَحَبِّبْ إلَيْهِ لِقَاءَك وَسَهِّلْ عَلَيْهِ قَضَاءَك وَأَقْلِلْ لَهُ
مِنْ الدُّنْيَا ، وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِك وَلَمْ يَشْهَدْ أَنِّي رَسُولُك
فَلَا تُحَبِّبْ إلَيْهِ لِقَاءَك وَلَا تُسَهِّلْ عَلَيْهِ قَضَاءَك وَأَكْثِرْ
لَهُ مِنْ الدُّنْيَا } .
تَنْبِيهٌ :
عَدُّ مَا ذُكِرَ كَبِيرَةً هُوَ ظَاهِرُ تِلْكَ
الْأَحَادِيثِ وَإِنْ لَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَهُ إذْ كَرَاهَةُ اللَّهِ لِلِقَاءِ
مَنْ كَرِهَ لِقَاءَهُ كِنَايَةٌ عَنْ غَايَةِ الْوَعِيدِ الشَّدِيدِ
وَالتَّهْدِيدِ وَلَيْسَ مُجَرَّدُ كَرَاهَةِ الْمَوْتِ كَذَلِكَ ، لِأَنَّ ذَلِكَ
أَمْرٌ طَبِيعِيٌّ لِلنَّفْسِ فَلَمْ تَكُنْ كَرَاهَتُهُ مُقْتَضِيَةً لِلْإِثْمِ بِخِلَافِ
كَرَاهَتِهِ مِنْ حَيْثُ كَرَاهَةُ لِقَاءِ اللَّهِ ، فَإِنَّهَا تُنْبِي عَنْ
الْيَأْسِ مِنْ الرَّحْمَةِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْحَدِيثُ الثَّانِي ، وَمَرَّ
أَنَّهُ كَبِيرَةٌ ، فَكَذَا هَذَا الَّذِي يَسْتَلْزِمُهُ ، ثُمَّ رَأَيْت غَيْرَ
وَاحِدٍ عَدُّوا مِنْ الْكَبَائِرِ سُوءَ الظَّنِّ بِاَللَّهِ - تَعَالَى - وَهُوَ
صَرِيحٌ فِيمَا ذَكَرْته إذْ هُوَ عَيْنُ كَرَاهَةِ لِقَائِهِ - تَعَالَى - .
وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ
وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ وَاثِلَةَ
: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَقُولُ : { قَالَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - : أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي
بِي إنْ ظَنَّ بِي خَيْرًا فَلَهُ وَإِنْ ظَنَّ شَرًّا فَلَهُ } .
الْكَبِيرَةُ السَّابِعَةُ وَالثَّامِنَةُ
وَالْعِشْرُونَ بَعْدَ الْمِائَةِ : تَرْكُ الزَّكَاةِ ، وَتَأْخِيرُهَا بَعْدَ
وُجُوبِهَا لِغَيْرِ عُذْرٍ شَرْعِيٍّ
) قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى - : { وَوَيْلٌ
لِلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ } سَمَّاهُمْ الْمُشْرِكِينَ
، وَقَالَ - تَعَالَى - : { وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمْ
اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ
مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ
وَاَللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ } ، وَقَالَ تَعَالَى : { يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ
جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا
كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ } .
وَأَخْرَجَ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { مَا مِنْ صَاحِبِ ذَهَبٍ وَلَا فِضَّةٍ لَا يُؤَدِّي
مِنْهَا حَقَّهَا إلَّا إذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ صُفِّحَتْ لَهُ صَفَائِحَ
مِنْ نَارٍ فَأُحْمِيَ عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَيُكْوَى بِهَا جَنْبُهُ وَجَبِينُهُ
وَظَهْرُهُ } أَيْ وَيُوَسَّعُ جِسْمُهُ لَهَا كُلِّهَا وَإِنْ كَثُرَتْ .
كَمَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ : { كُلَّمَا
بَرَدَتْ أُعِيدَتْ لَهُ فِي كُلِّ يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ
سَنَةٍ حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ الْعِبَادِ فَيَرَى سَبِيلَهُ إمَّا إلَى الْجَنَّةِ
وَإِمَّا إلَى النَّارِ ، قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَالْإِبِلُ ؟ قَالَ وَلَا
صَاحِبُ إبِلٍ لَا يُؤَدِّي حَقَّهَا وَمِنْ حَقِّهَا حَلْبُهَا يَوْمَ وُرُودِهَا
إلَّا إذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ بُطِحَ لَهَا بِقَاعٍ قَرْقَرٍ : أَيْ
مَكَان أَمْلَسَ ، أَوْفَرَ : أَيْ أَسْمَنَ مَا كَانَتْ لَا يَفْقِدُ فَصِيلًا
وَاحِدًا تَطَؤُهُ بِأَخْفَافِهَا وَتَعَضُّهُ بِأَفْوَاهِهَا كُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ
أُولَاهَا رُدَّ عَلَيْهِ أُخْرَاهَا فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ
أَلْفَ سَنَةٍ حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ الْعِبَادِ فَيَرَى سَبِيلَهُ إمَّا إلَى
الْجَنَّةِ وَإِمَّا إلَى النَّارِ ،
قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَالْبَقَرُ وَالْغَنَمُ ؟
قَالَ : وَلَا صَاحِبُ بَقَرٍ وَلَا غَنَمٍ لَا يُؤَدِّي مِنْهَا حَقَّهَا إلَّا
إذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ بُطِحَ لَهَا بِقَاعٍ قَرْقَرٍ أَوْفَرَ مَا
كَانَتْ لَا يَفْقِدُ مِنْهَا شَيْئًا لَيْسَ مِنْهَا عَقْصَاءُ : أَيْ مُلْتَوِيَةُ
قَرْنٍ ، وَلَا جَلْحَاءُ : أَيْ لَا قَرْنَ لَهَا ، وَلَا عَضْبَاءُ : أَيْ
بِالْمُعْجَمَةِ مَكْسُورَةُ قَرْنٍ تَنْطَحُهُ بِقُرُونِهَا وَتَطَؤُهُ
بِأَظْلَافِهَا أَيْ هِيَ لِلْبَقَرِ وَالْغَنَمِ بِمَنْزِلَةِ الْحَافِرِ
لِلْفَرَسِ كُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ أُولَاهَا رُدَّ عَلَيْهِ أُخْرَاهَا فِي
يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ
الْعِبَادِ فَيَرَى سَبِيلَهُ إمَّا إلَى الْجَنَّةِ وَإِمَّا إلَى النَّارِ .
قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَالْخَيْلُ ؟ قَالَ :
الْخَيْلُ ثَلَاثَةٌ : هِيَ لِرَجُلٍ وِزْرٌ وَهِيَ لِرَجُلٍ سِتْرٌ وَهِيَ
لِرَجُلٍ أَجْرٌ ، فَأَمَّا الَّتِي هِيَ وِزْرٌ فَرَجُلٌ رَبَطَهَا رِيَاءً
وَفَخْرًا وَنِوَاءً : أَيْ بِكَسْرِ النُّونِ لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ أَيْ
مُعَادَاةً لَهُمْ فَهِيَ لَهُ وِزْرٌ ، وَأَمَّا الَّتِي هِيَ لَهُ سِتْرٌ
فَرَجُلٌ رَبَطَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَمْ يَنْسَ حَقَّ اللَّهِ فِي
ظُهُورِهَا وَلَا رِقَابِهَا فَهِيَ لَهُ سِتْرٌ ، وَأَمَّا الَّتِي هِيَ لَهُ
أَجْرٌ فَرَجُلٌ رَبَطَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ فِي مَرْجٍ
أَوْ رَوْضَةٍ فَمَا أَكَلَتْ مِنْ ذَلِكَ الْمَرْجِ أَوْ الرَّوْضَةِ مِنْ شَيْءٍ
إلَّا كُتِبَ لَهُ عَدَدَ مَا أَكَلَتْ حَسَنَاتٌ وَكُتِبَ لَهُ عَدَدَ
أَرْوَاثِهَا وَأَبْوَالِهَا حَسَنَاتٌ وَلَا يُقْطَعُ طِوَلُهَا أَيْ بِكَسْرٍ
فَفَتْحٍ : حَبْلٌ تُشَدُّ بِهِ قَائِمَتُهَا وَتُرْسَلُ لِتَرْعَى أَوْ يُمْسَكُ طَرَفُهُ
وَتُرْسَلُ ، فَاسْتَنَّتْ أَيْ بِالتَّشْدِيدِ : جَرَتْ بِقُوَّةٍ شَرَفًا أَيْ
بِالْمُعْجَمَةِ فَرَاءٍ مَفْتُوحَتَيْنِ : شَوْطًا ، وَقِيلَ نَحْوُ مِيلٍ ، أَوْ
شَرَفَيْنِ إلَّا كُتِبَ لَهُ عَدَدَ آثَارِهَا وَأَرْوَاثِهَا حَسَنَاتٌ وَلَا
مَرَّ بِهَا صَاحِبُهَا عَلَى نَهْرٍ فَشَرِبَتْ مِنْهُ وَلَا يُرِيدُ أَنْ
يَسْقِيَهَا إلَّا كَتَبَ اللَّهُ - تَعَالَى - لَهُ عَدَدَ مَا شَرِبَتْ
حَسَنَاتٍ
قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَالْحُمُرُ ؟ قَالَ مَا
أُنْزِلَ عَلَيَّ فِي الْحُمُرِ إلَّا هَذِهِ الْآيَةُ الْفَاذَّةُ الْجَامِعَةُ :
{ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ
ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ } } .
وَأَحْمَدُ وَالشَّيْخَانِ : { لَا أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ
يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رَقَبَتِهِ بَعِيرٌ لَهُ رُغَاءٌ : أَيْ
بِضَمِّ الرَّاءِ وَبِالْمُعْجَمَةِ وَبِالْمَدِّ : صَوْتُ الْبَعِيرِ ، يَقُولُ
يَا رَسُولَ اللَّهِ أَغِثْنِي فَأَقُولُ لَا أَمْلِكُ لَك مِنْ اللَّهِ شَيْئًا
قَدْ أَبْلَغْتُك ، لَا أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى
رَقَبَتِهِ شَاةٌ لَهَا ثُغَاءٌ ، أَيْ بِضَمِّ الْمُثَلَّثَةِ وَبِالْمُعْجَمَةِ
وَبِالْمَدِّ صَوْتُ الْغَنَمِ يَقُولُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَغِثْنِي فَأَقُولُ
لَا أَمْلِكُ لَك مِنْ اللَّهِ شَيْئًا قَدْ أَبْلَغْتُك ، لَا أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ
يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رَقَبَتِهِ بَقَرَةٌ لَهَا صِيَاحٌ فَيَقُولُ
يَا رَسُولَ اللَّهِ أَغِثْنِي فَأَقُولُ لَا أَمْلِكُ لَك مِنْ اللَّهِ شَيْئًا
قَدْ أَبْلَغْتُك ، لَا أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
وَعَلَى رَقَبَتِهِ رِقَاعٌ تَخْفِقُ فَيَقُولُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَغِثْنِي
فَأَقُولُ لَا أَمْلِكُ لَك مِنْ اللَّهِ شَيْئًا قَدْ أَبْلَغْتُك ، لَا
أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رَقَبَتِهِ صَامِتٌ
فَيَقُولُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَغِثْنِي فَأَقُولُ لَا أَمْلِكُ لَك مِنْ اللَّهِ
شَيْئًا } .
وَأَحْمَدُ وَالشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ
مَاجَهْ : { هُمْ الْأَخْسَرُونَ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ هُمْ
الْأَخْسَرُونَ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ الْأَكْثَرُونَ إلَّا مَنْ قَالَ فِي عِبَادِ
اللَّهِ هَكَذَا وَهَكَذَا وَقَلِيلٌ مَا هُمْ ، وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا
مِنْ رَجُلٍ يَمُوتُ وَيَتْرُكُ غَنَمًا أَوْ إبِلًا أَوْ بَقَرًا لَمْ يُؤَدِّ زَكَاتَهَا
إلَّا جَاءَتْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْظَمَ مَا تَكُونُ وَأَسْمَنَهُ حَتَّى
تَطَأَهُ بِأَظْلَافِهَا وَتَنْطَحَهُ بِقُرُونِهَا حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ
النَّاسِ كُلَّمَا نَفِدَتْ أُخْرَاهَا عَادَ عَلَيْهِ أُولَاهَا } .
وَالنَّسَائِيُّ : {
مَا مِنْ رَجُلٍ لَا يُؤَدِّي زَكَاةَ مَالِهِ إلَّا
جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ شُجَاعًا مِنْ نَارٍ أَيْ بِضَمِّ أَوَّلِهِ
الْمُعْجَمِ أَوْ كَسْرِهِ : حَيَّةٌ ، وَقِيلَ الذَّكَرُ خَاصَّةً ، وَقِيلَ
نَوْعٌ مِنْ الْحَيَّاتِ ، فَتُكْوَى بِهَا جَبْهَتُهُ وَجَنْبُهُ وَظَهْرُهُ فِي
يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ النَّاسِ } .
وَمُسْلِمٌ :
{ مَا مِنْ صَاحِبِ إبِلٍ لَا يَفْعَلُ فِيهَا حَقَّهَا
إلَّا جَاءَتْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَكْثَرَ مَا كَانَتْ وَقَعَدَ لَهَا بِقَاعٍ
قَرْقَرٍ تَسْتَنُّ عَلَيْهِ بِقَوَائِمِهَا وَأَخْفَافِهَا ، وَلَا صَاحِبِ
بَقَرٍ لَا يَفْعَلُ فِيهَا حَقَّهَا إلَّا جَاءَتْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَكْثَرَ مَا
كَانَ وَقَعَدَ لَهَا بِقَاعٍ قَرْقَرٍ تَنْطَحُهُ بِقُرُونِهَا وَتَطَؤُهُ
بِأَظْلَافِهَا لَيْسَ فِيهَا جَمَّاءُ وَلَا مُنْكَسِرٌ قَرْنُهَا ، وَلَا
صَاحِبُ كَنْزٍ لَا يَفْعَلُ فِيهِ حَقَّهُ إلَّا جَاءَ كَنْزُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
شُجَاعًا أَقْرَعَ يَتْبَعُهُ فَاتِحًا فَاهُ فَإِذَا أَتَاهُ فَرَّ مِنْهُ
فَيُنَادِيهِ خُذْ كَنْزَك الَّذِي خَبَّأْتَهُ فَأَنَا عَنْهُ غَنِيٌّ ، فَإِذَا
رَأَى أَنْ لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ سَلَكَ : أَيْ أَدْخَلَ يَدَهُ فِي فِيهِ
فَيَقْضِمَهَا قَضْمَ الْفَحْلِ
} .
وَابْنُ مَاجَهْ وَاللَّفْظُ لَهُ وَالنَّسَائِيُّ بِإِسْنَادٍ
صَحِيحٍ وَابْنُ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { مَا
مِنْ أَحَدٍ لَا يُؤَدِّي زَكَاةَ مَالِهِ إلَّا مُثِّلَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
شُجَاعًا أَقْرَعَ حَتَّى يُطَوَّقَ بِهِ عُنُقُهُ ، ثُمَّ قَرَأَ عَلَيْنَا
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِصْدَاقَهُ مِنْ كِتَابِ
اللَّهِ - تَعَالَى - : { وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمْ
اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ
مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
} } .
وَالطَّبَرَانِيُّ وَقَالَ تَفَرَّدَ بِهِ ثَابِتٌ أَيْ
وَهُوَ ثِقَةٌ ، وَبَقِيَّةُ رُوَاتِهِ لَا بَأْسَ بِهِمْ وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ
مَوْقُوفًا .
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَهُوَ أَشْبَهُ : { إنَّ اللَّهَ
عَزَّ وَجَلَّ فَرَضَ عَلَى أَغْنِيَاءِ الْمُسْلِمِينَ
فِي أَمْوَالِهِمْ بِقَدْرِ الَّذِي يَسَعُ فُقَرَاءَهُمْ وَلَنْ يُجْهَدَ
الْفُقَرَاءُ إنْ جَاعُوا وَعَرُوا إلَّا بِمَا يُضَيِّعُ أَغْنِيَاؤُهُمْ ؛ أَلَا
وَإِنَّ اللَّهَ يُحَاسِبُهُمْ حِسَابًا شَدِيدًا وَيُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا } .
وَأَحْمَدُ وَأَبُو يَعْلَى وَابْنِ حِبَّانَ
وَخُزَيْمَةَ عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ : قَالَ عَبْدُ اللَّهِ : { آكِلُ الرِّبَا وَمُوكِلُهُ
وَشَاهِدُهُ إذَا عَلِمَا ، وَالْوَاشِمَةُ ، وَالْمُسْتَوْشِمَةُ وَلَاوِي
الصَّدَقَةِ أَيْ الْمُمْتَنِعُ مِنْ أَدَائِهَا ، أَوْ الْمُمَاطِلُ بِهَا
وَالْمُرْتَدُّ أَعْرَابِيًّا بَعْدَ الْهِجْرَةِ مَلْعُونُونَ عَلَى لِسَانِ
مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ } .
وَالْأَصْبَهَانِيّ : { لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آكِلَ الرِّبَا وَمُوكِلَهُ وَشَاهِدَهُ وَكَاتِبَهُ
وَالْوَاشِمَةَ ، وَالْمُسْتَوْشِمَةَ وَمَانِعَ الصَّدَقَةِ وَالْمُحَلِّلَ
وَالْمُحَلَّلَ لَهُ } .
وَالطَّبَرَانِيُّ وَغَيْرُهُ بِسَنَدٍ فِيهِ مَطْعُونٌ
فِيهِ : { وَيْلٌ لِلْأَغْنِيَاءِ مِنْ الْفُقَرَاءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
يَقُولُونَ ظَلَمُونَا حُقُوقَنَا الَّتِي فُرِضَتْ عَلَيْهِمْ ، فَيَقُولُ
اللَّهُ - تَعَالَى - : وَعِزَّتِي وَجَلَالِي لَأُدْنِيَنَّكُمْ ، وَلِأُبَاعِدَنهُمْ
، ثُمَّ تَلَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : {
وَاَلَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ } } .
وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَأَحْمَدُ وَالْحَاكِمُ
وَابْنَا خُزَيْمَةَ وَحِبَّانَ فِي صَحِيحَيْهِمَا : { عُرِضَ عَلَيَّ أَوَّلُ
ثَلَاثَةٍ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَأَوَّلُ ثَلَاثَةٍ يَدْخُلُونَ النَّارَ ،
فَأَمَّا أَوَّلُ ثَلَاثَةٍ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ فَالشَّهِيدُ وَمَمْلُوكٌ
أَحْسَنَ عِبَادَةَ رَبِّهِ وَنَصَحَ لِسَيِّدِهِ وَعَفِيفٌ مُتَعَفِّفٌ } وَفِي لَفْظٍ
: { وَعَبْدٌ مَمْلُوكٌ لَمْ يَشْغَلْهُ رِقُّ الدُّنْيَا عَنْ طَاعَةِ رَبِّهِ
وَفَقِيرٌ مُتَعَفِّفٌ ذُو عِيَالٍ
.
وَأَمَّا أَوَّلُ ثَلَاثَةٍ يَدْخُلُونَ النَّارَ
فَأَمِيرٌ مُسَلَّطٌ وَذُو ثَرْوَةٍ مِنْ مَالٍ لَا يُؤَدِّي حَقَّ اللَّهِ -
تَعَالَى - فِي مَالِهِ
وَفَقِيرٌ فَخُورٌ } .
وَصَحَّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ : { أُمِرْنَا بِإِقَامِ
الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ وَمَنْ لَمْ يُزَكِّ فَلَا صَلَاةَ لَهُ } .
وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ { مَنْ أَقَامَ الصَّلَاةَ
وَلَمْ يُؤْتِ الزَّكَاةَ فَلَيْسَ بِمُسْلِمٍ يَنْفَعُهُ عَمَلُهُ } .
وَالْبَزَّارُ بِسَنَدٍ حَسَنٍ وَالطَّبَرَانِيُّ
وَابْنَا خُزَيْمَةَ وَحِبَّانَ فِي صَحِيحَيْهِمَا : { مَنْ تَرَكَ بَعْدَهُ
كَنْزًا مُثِّلَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ شُجَاعًا أَقْرَعَ لَهُ زَبِيبَتَانِ
يَتْبَعُهُ فَيَقُولُ مَنْ أَنْتَ ؟ فَيَقُولُ أَنَا كَنْزُك الَّذِي خَلَّفْت
فَلَا يَزَالُ يَتْبَعُهُ حَتَّى يُلْقِمَهُ يَدَهُ فَيَقْضِمَهَا ثُمَّ
يَتْبَعُهُ سَائِرُ جَسَدِهِ }
.
وَالنَّسَائِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ { إنَّ الَّذِي لَا
يُؤَدِّي زَكَاةَ مَالِهِ يُخَيَّلُ إلَيْهِ مَالُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ شُجَاعًا
أَقْرَعَ لَهُ زَبِيبَتَانِ : أَيْ الزَّبِيبَتَانِ فِي شِدْقَيْهِ ، وَقِيلَ
هُمَا النُّكْتَتَانِ السَّوْدَاوَانِ فَوْقَ عَيْنَيْهِ ، قَالَ فَيَلْزَمُهُ
أَوْ يُطَوِّقُهُ يَقُولُ أَنَا كَنْزُك أَنَا كَنْزُك } .
وَالْبُخَارِيُّ وَالنَّسَائِيُّ : { مَنْ آتَاهُ اللَّهُ
مَالًا فَلَمْ يُؤَدِّ زَكَاتَهُ مُثِّلَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ شُجَاعًا
أَقْرَعَ لَهُ زَبِيبَتَانِ يُطَوِّقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ يَأْخُذُ
بِلِهْزِمَتَيْهِ يَعْنِي شِدْقَيْهِ ثُمَّ يَقُولُ أَنَا مَالُك أَنَا كَنْزُك
ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ : { وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ }
الْآيَةَ } .
وَأَحْمَدُ بِسَنَدٍ فِيهِ ابْنُ لَهِيعَةَ وَمِنْ
طَرِيقٍ آخَرَ مُرْسَلًا : { أَرْبَعٌ فَرَضَهُنَّ اللَّهُ فِي الْإِسْلَامِ
فَمَنْ جَاءَ بِثَلَاثَةٍ لَمْ يُغْنِينَ عَنْهُ شَيْئًا حَتَّى يَأْتِيَ بِهِنَّ
جَمِيعًا الصَّلَاةُ وَالزَّكَاةُ وَصِيَامُ رَمَضَانَ وَحَجُّ الْبَيْتِ } .
وَالْبَزَّارُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ : { أَنَّهُ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُتِيَ بِفَرَسٍ يَجْعَلُ كُلَّ خُطْوَةٍ مِنْهُ
أَقْصَى بَصَرِهِ فَسَارَ وَسَارَ مَعَهُ جِبْرِيلُ فَأَتَى عَلَى قَوْمٍ
يَزْرَعُونَ فِي يَوْمٍ وَيَحْصُدُونَ فِي يَوْمٍ كُلَّمَا حَصَدُوا عَادَ كَمَا
كَانَ ، قَالَ يَا جِبْرِيلُ مَنْ هَؤُلَاءِ ؟ قَالَ : هَؤُلَاءِ الْمُجَاهِدُونَ
فِي
سَبِيلِ اللَّهِ تُضَاعَفُ لَهُمْ الْحَسَنَةُ
بِسَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ وَمَا أَنْفَقُوا مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ ، ثُمَّ
أَتَى عَلَى قَوْمٍ تُرْضَخُ رُءُوسُهُمْ بِالصَّخْرِ كُلَّمَا رُضِخَتْ عَادَتْ
كَمَا كَانَتْ وَلَا يَفْتُرُ عَنْهُمْ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ قَالَ يَا جِبْرِيلُ
مَنْ هَؤُلَاءِ ؟ قَالَ : الَّذِينَ تَثَاقَلَتْ رُءُوسُهُمْ عَنْ الصَّلَاةِ ،
ثُمَّ أَتَى عَلَى قَوْمٍ عَلَى أَدْبَارِهِمْ رِقَاعٌ وَعَلَى أَقْبَالِهِمْ
رِقَاعٌ يَسْرَحُونَ كَمَا تَسْرَحُ الْأَنْعَامُ إلَى الضَّرِيعِ وَالزَّقُّومِ وَرَضْفِ
جَهَنَّمَ ، قَالَ مَنْ هَؤُلَاءِ يَا جِبْرِيلُ ؟ قَالَ : هَؤُلَاءِ الَّذِينَ لَا يُؤَدُّونَ
صَدَقَاتِ أَمْوَالِهِمْ وَمَا ظَلَمَهُمْ اللَّهُ وَمَا اللَّهُ بِظَلَّامٍ
لِلْعَبِيدِ .
} وَالطَّبَرَانِيُّ : { مَا تَلِفَ مَالٌ فِي بَرٍّ
وَلَا بَحْرٍ إلَّا بِحَبْسِ الزَّكَاةِ مَانِعُ الزَّكَاةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
فِي النَّارِ } .
وَالْبَزَّارُ وَالْبَيْهَقِيُّ : { مَا خَالَطَتْ
الصَّدَقَةُ أَوْ قَالَ الزَّكَاةُ مَالًا إلَّا أَفْسَدَتْهُ } أَيْ مَا تُرِكَتْ
فِي مَالٍ وَلَمْ تُخْرَجْ مِنْهُ إلَّا أَهْلَكَتْهُ بِدَلِيلِ الْحَدِيثِ
الَّذِي قَبْلَهُ ، أَوْ الْمُرَادُ أَنَّ مَنْ أَخَذَهَا وَهُوَ غَنِيٌّ فَوَضَعَهَا
مَعَ مَالِهِ أَهْلَكَتْهُ وَهَذَا تَفْسِيرُ أَحْمَدَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ .
وَالْبَزَّارُ : { ظَهَرَتْ لَهُمْ الصَّلَاةُ فَقَبِلُوهَا
وَخَفِيَتْ لَهُمْ الزَّكَاةُ فَأَكَلُوهَا أُولَئِكَ هُمْ الْمُنَافِقُونَ } .
وَصَحَّ : { مَا مَنَعَ قَوْمٌ الزَّكَاةَ إلَّا حَبَسَ
اللَّهُ عَنْهُمْ الْقَطْرَ } .
وَفِي رِوَايَةٍ صَحِيحَةٍ { إلَّا ابْتَلَاهُمْ اللَّهُ
بِالسِّنِينَ } .
وَفِي أُخْرَى عِنْدَ الْبَيْهَقِيّ وَغَيْرِهِ : { يَا
مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ خِصَالٌ خَمْسٌ ، إنْ اُبْتُلِيتُمْ بِهِنَّ وَنَزَلَتْ بِكُمْ
أَعُوذُ بِاَللَّهِ أَنْ تُدْرِكُوهُنَّ : لَمْ تَظْهَرْ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ
قَطُّ حَتَّى يُعْلِنُوا بِهَا إلَّا فَشَتْ فِيهِمْ الْأَوْجَاعُ الَّتِي لَمْ
تَكُنْ فِي أَسْلَافِهِمْ ، وَلَمْ يُنْقِصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إلَّا
أُخِذُوا بِالسِّنِينَ وَشِدَّةِ الْمَئُونَةِ وَجَوْرِ السُّلْطَانِ ، وَلَمْ
يَمْنَعُوا زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ إلَّا مُنِعُوا
الْمَطَرَ مِنْ السَّمَاءِ وَلَوْلَا الْبَهَائِمُ لَمْ
يُمْطَرُوا ، وَلَا نَقَضُوا عَهْدَ اللَّهِ وَعَهْدَ رَسُولِهِ إلَّا سُلِّطَ
عَلَيْهِمْ عَدُوٌّ مِنْ غَيْرِهِمْ فَيَأْخُذُ بَعْضَ مَا فِي أَيْدِيهِمْ ،
وَمَا لَمْ يَحْكُمْ أَئِمَّتُهُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ إلَّا جَعَلَ اللَّهُ
بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ } .
وَالطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ قَرِيبٍ مِنْ الْحَسَنِ
وَلَهُ خَمْسُ شَوَاهِدَ : { خَمْسٌ بِخَمْسٍ ، قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا
خَمْسٌ بِخَمْسٍ ؟ قَالَ : مَا نَقَضَ قَوْمٌ الْعَهْدَ إلَّا سُلِّطَ عَلَيْهِمْ
عَدُوُّهُمْ ، وَمَا حَكَمُوا بِغَيْرِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إلَّا فَشَا فِيهِمْ
الْمَوْتُ ، وَلَا مَنَعُوا الزَّكَاةَ إلَّا حُبِسَ عَنْهُمْ الْقَطْرُ ، وَلَا طَفَّفُوا
الْمِكْيَالَ إلَّا حُبِسَ عَنْهُمْ النَّبَاتُ وَأُخِذُوا بِالسِّنِينَ } ،
وَهِيَ جَمْعُ سَنَةٍ ، وَهُوَ الْعَامُ الْمُقْحَطُ الَّذِي لَا تُنْبِتُ
الْأَرْضُ فِيهِ شَيْئًا وَقَعَ مَطَرٌ أَوْ لَا .
وَصَحَّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي
قَوْله تَعَالَى فِي مَانِعِي الزَّكَاةِ { يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ
جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ } قَالَ : لَا
يُكْوَى رَجُلٌ يَكْنِزُ فَيَمَسُّ دِرْهَمٌ دِرْهَمًا وَلَا دِينَارٌ دِينَارًا ،
يُوَسَّعُ جِلْدُهُ حَتَّى يُوضَعَ كُلُّ دِينَارٍ وَدِرْهَمٍ عَلَى حِدَتِهِ ،
وَإِنَّمَا خَصَّ اللَّهُ - تَعَالَى - الْجِبَاهَ وَالْجُنُوبَ وَالظُّهُورَ
بِالْكَيِّ ؛ لِأَنَّ الْغَنِيَّ الْبَخِيلَ إذَا رَأَى الْفَقِيرَ عَبَسَ
وَجْهُهُ وَزَوَى مَا بَيْنَ عَيْنَيْهِ وَأَعْرَضَ لِجَنْبِهِ ، فَإِذَا قَرُبَ
مِنْهُ وَلَّاهُ ظَهْرَهُ فَعُوقِبَ بِكَيِّ هَذِهِ الْأَعْضَاءِ لِيَكُونَ
الْجَزَاءُ مِنْ جِنْسِ الْعَمَلِ
.
وَعَنْهُ قَالَ : " مَنْ كَسَبَ طَيِّبًا خُبْثُهُ
مَنْعُ الزَّكَاةِ ، وَمَنْ كَسَبَ خَبِيثًا لَمْ تُطَيِّبْهُ الزَّكَاةُ " .
وَالشَّيْخَانِ عَنْ الْأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ قَالَ : {
جَلَسْت فِي مَلَإٍ مِنْ قُرَيْشٍ فَجَاءَ رَجُلٌ خَشِنُ الشَّعَرِ وَالثِّيَابِ
وَالْهَيْئَةِ حَتَّى قَامَ عَلَيْهِمْ فَسَلَّمَ ثُمَّ قَالَ : بَشِّرْ
الْكَانِزِينَ بِرَضْفٍ } أَيْ بِفَتْحٍ فَسُكُونِ الْمُعْجَمَةِ : حِجَارَةٌ يُحْمَى
عَلَيْهَا فِي
نَارِ جَهَنَّمَ { ثُمَّ يُوضَعُ عَلَى حَلَمَةِ ثَدْيِ
أَحَدِهِمْ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ نُغْضٍ } أَيْ بِضَمِّ النُّونِ فَسُكُونِ
الْمُعْجَمَةِ بَعْدَهَا مُعْجَمَةٌ : غُضْرُوفُ كَتِفِهِ { وَيُوضَعُ عَلَى
نُغْضِ كَتِفِهِ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ حَلَمَةِ ثَدْيِهِ فَيَتَزَلْزَلُ ثُمَّ وَلَّى
فَجَلَسَ إلَى سَارِيَةٍ وَتَبِعْتُهُ وَجَلَسْتُ إلَيْهِ وَأَنَا لَا أَدْرِي
مَنْ هُوَ ، فَقُلْت لَا أَرَى الْقَوْمَ إلَّا قَدْ كَرِهُوا الَّذِي قُلْت ،
قَالَ إنَّهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا ، قَالَ لِي خَلِيلِي ، قُلْت مَنْ
خَلِيلُك ؟ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، أَتُبْصِرُ
أَحَدًا .
قَالَ فَنَظَرْتُ إلَى الشَّمْسِ مَا بَقِيَ مِنْ
النَّهَارِ وَأَنَا أَرَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يُرْسِلُنِي فِي حَاجَةٍ لَهُ قُلْت نَعَمْ ، قَالَ مَا أُحِبُّ أَنَّ لِي مِثْلَ
أُحُدٍ ذَهَبًا أُنْفِقُهُ كُلَّهُ إلَّا ثَلَاثَةَ دَنَانِيرَ ، وَإِنَّ
هَؤُلَاءِ لَا يَعْقِلُونَ إنَّمَا يَجْمَعُونَ الدُّنْيَا ، لَا وَاَللَّهِ لَا
أَسْأَلُهُمْ دُنْيَا وَلَا أَسْتَفْتِيهِمْ فِي دِينٍ حَتَّى أَلْقَى اللَّهَ
عَزَّ وَجَلَّ } .
وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ أَنَّهُ قَالَ : { بَشِّرْ
الْكَانِزِينَ بِكَيٍّ فِي ظُهُورِهِمْ يَخْرُجُ مِنْ جُنُوبِهِمْ وَبِكَيٍّ مِنْ
قِبَلِ أَقْفَائِهِمْ يَخْرُجُ مِنْ جِبَاهِهِمْ قَالَ ثُمَّ تَنَحَّى فَقَعَدَ ، قَالَ
قُلْت : مَنْ هَذَا ؟ قَالُوا هَذَا أَبُو ذَرٍّ ، قَالَ فَقُمْت إلَيْهِ فَقُلْت
مَا شَيْءٌ سَمِعْتُك تَقُولُ قُبَيْلُ ؟ قَالَ مَا قُلْت إلَّا شَيْئًا سَمِعْته
مِنْ نَبِيِّهِمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ قُلْت : مَا تَقُولُ
فِي هَذَا الْعَطَاءِ ؟ قَالَ خُذْهُ فَإِنَّ فِيهِ الْيَوْمَ مَعُونَةً فَإِذَا
كَانَ ثَمَنًا لِدِينِك فَدَعْهُ
} .
وَالطَّبَرَانِيُّ : { الزَّكَاةُ قَنْطَرَةُ
الْإِسْلَامِ } .
وَالطَّبَرَانِيُّ وَأَبُو نُعَيْمٍ وَالْخَطِيبُ : {
حَصِّنُوا أَمْوَالَكُمْ بِالزَّكَاةِ وَدَاوُوا مَرْضَاكُمْ بِالصَّدَقَةِ
وَأَعِدُّوا لِلْبَلَاءِ الدُّعَاءَ
} .
التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ : { إذَا أَدَّيْت زَكَاةَ
مَالِكَ فَقَدْ أَدَّيْت مَا عَلَيْك
} .
وَالْحَاكِمُ وَغَيْرُهُ : { إذَا أَدَّيْت زَكَاةَ
مَالِكَ فَقَدْ أَذْهَبْت
عَنْك شَرَّهُ } .
وَابْنُ عَدِيٍّ : { إنَّ الصَّدَقَةَ لَا تَزِيدُ الْمَالَ
إلَّا كَثْرَةً } .
وَالْبَيْهَقِيُّ : { كُلُّ مَا أَدَّيْت زَكَاتَهُ
فَلَيْسَ بِكَنْزٍ وَإِنْ كَانَ مَدْفُونًا تَحْتَ الْأَرْضِ ، وَكُلُّ مَا لَا
تُؤَدِّي زَكَاتَهُ فَهُوَ كَنْزٌ وَإِنْ كَانَ ظَاهِرًا } .
وَأَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ : { مَا نَقَصَتْ
صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ ، وَمَا زَادَ اللَّهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ إلَّا عِزًّا ، وَمَا
تَوَاضَعَ أَحَدٌ لِلَّهِ إلَّا رَفَعَهُ اللَّهُ } .
وَرَوَى أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ
وَالدَّارَقُطْنِيُّ وَلَفْظُهُمَا : { أَنَّ امْرَأَتَيْنِ أَتَتَا رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي أَيْدِيهِمَا سِوَارَانِ مِنْ
ذَهَبٍ فَقَالَ لَهُمَا أَتُؤَدِّيَانِ زَكَاتَهُ ؟ فَقَالَتَا لَا ، فَقَالَ
لَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتُحِبَّانِ أَنْ
يُسَوِّرَكُمَا اللَّهُ بِسِوَارَيْنِ مِنْ نَارٍ ؟ قَالَتَا لَا قَالَ فَأَدِّيَا
زَكَاتَهُ } .
وَفِي رِوَايَةٍ سَنَدُهَا حَسَنٌ نَحْوُ ذَلِكَ .
وَفِي آخِرِهَا : { أَمَا تَخَافَانِ أَنْ
يُسَوِّرَكُمَا اللَّهُ أَسْوِرَةً مِنْ نَارٍ أَدِّيَا زَكَاتَهُ } وَهَذَا كَمَا
قَالَ الْخَطَّابِيُّ تَأْوِيلُ قَوْلِهِ - عَزَّ وَجَلَّ - : { يَوْمَ يُحْمَى
عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ
وَظُهُورُهُمْ } الْآيَةَ .
وَصَحَّ : أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { رَأَى فِي يَدِ
عَائِشَةَ حَلَقَاتٍ مِنْ وَرِقٍ فَقَالَ مَا هَذَا ؟ قَالَتْ أَتَزَيَّنُ لَك يَا
رَسُولَ اللَّهِ ، قَالَ أَتُؤَدِّينَ زَكَاتَهُنَّ ؟ قَالَتْ لَا ، قَالَ هِيَ
حَسْبُكِ مِنْ النَّارِ } .
وَصَحَّ أَيْضًا : { أَيُّمَا امْرَأَةٍ تَقَلَّدَتْ
قِلَادَةً مِنْ ذَهَبٍ قُلِّدَتْ فِي عُنُقِهَا مِثْلَهَا مِنْ النَّارِ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ .
وَأَيُّمَا امْرَأَةٍ جَعَلَتْ فِي أُذُنِهَا خُرْصًا
مِنْ ذَهَبٍ جُعِلَ فِي أُذُنِهَا مِثْلُهُ مِنْ النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ } .
وَصَحَّ أَيْضًا : { مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُحَلِّقَ
جَنْبَيْهِ حَلْقَةً مِنْ نَارٍ فَلْيُحَلِّقْهُ حَلْقَةً مِنْ ذَهَبٍ ، وَمَنْ
أَحَبَّ أَنْ يُطَوِّقَ جَنْبَيْهِ طَوْقًا مِنْ نَارٍ فَلْيُطَوِّقْهُ طَوْقًا
مِنْ
ذَهَبٍ ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُسَوِّرَ جَنْبَيْهِ
بِسِوَارٍ مِنْ نَارٍ فَلْيُسَوِّرْهُ بِسِوَارٍ مِنْ ذَهَبٍ ، وَلَكِنْ
عَلَيْكُمْ بِالْفِضَّةِ فَالْعَبُوا بِهَا } .
وَهَذِهِ كَأَحَادِيثَ أُخَرَ بِمَعْنَاهَا مَحْمُولَةٌ
عِنْدَنَا عَلَى أَنَّ الْحُلِيَّ لِلنِّسَاءِ كَانَ مُحَرَّمًا أَوَّلَ
الْإِسْلَامِ فَوَجَبَتْ زَكَاتُهُ أَوْ عَلَى أَنَّهُنَّ كُنَّ أَسْرَفْنَ فِيهِ
، وَالْحُلِيُّ إذَا أَسْرَفْنَ فِيهِ يَلْزَمُهُنَّ زَكَاتُهُ ، وَكَذَا لَوْ
كَانَ مَكْرُوهًا كَالضَّبَّةِ الصَّغِيرَةِ لِزِينَةٍ وَالْكَبِيرَةِ لِحَاجَةٍ .
وَفِي حَدِيثٍ : { أَوَّلُ ثَلَاثَةٍ يَدْخُلُونَ
النَّارَ أَمِيرٌ مُسَلَّطٌ وَذُو ثَرْوَةٍ لَا يُؤَدِّي حَقَّ اللَّهِ مِنْ
مَالِهِ وَفَقِيرٌ فَخُورٌ } .
وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى
عَنْهُمَا قَالَ : مَنْ كَانَ لَهُ مَالٌ يُبَلِّغُهُ حَجَّ بَيْتِ اللَّهِ
الْحَرَامِ وَلَمْ يَحُجَّ أَوْ تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ وَلَمْ يُزَكِّ سَأَلَ
الرَّجْعَةَ عِنْدَ الْمَوْتِ ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ اتَّقِ اللَّهَ يَا ابْنَ
عَبَّاسٍ فَإِنَّمَا يَسْأَلُ الرَّجْعَةَ الْكُفَّارُ ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ سَأَتْلُو
عَلَيْك بِذَلِكَ قُرْآنًا .
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { وَأَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ
مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا
أَخَّرْتَنِي إلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ } أَيْ أُؤَدِّيَ الزَّكَاةَ {
وَأَكُنْ مِنْ الصَّالِحِينَ } أَيْ أَحُجَّ
.
وَحُكِيَ أَنَّ جَمَاعَةً مِنْ التَّابِعِينَ خَرَجُوا لِزِيَارَةِ
أَبِي سِنَانٍ ، فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ وَجَلَسُوا عِنْدَهُ قَالَ قُومُوا
بِنَا نَزُورُ جَارًا لَنَا مَاتَ أَخُوهُ وَنُعَزِّيهِ فِيهِ .
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ الْفِرْيَابِيُّ : فَقُمْنَا
مَعَهُ وَدَخَلْنَا عَلَى ذَلِكَ الرَّجُلِ فَوَجَدْنَاهُ كَثِيرَ الْبُكَاءِ
وَالْجَزَعِ عَلَى أَخِيهِ فَجَعَلْنَا نُعَزِّيهِ وَنُسَلِّيهِ وَهُوَ لَا
يَقْبَلُ تَسْلِيَةً وَلَا عَزَاءً ، فَقُلْنَا لَهُ : أَمَا تَعْلَمُ أَنَّ
الْمَوْتَ سَبِيلٌ لَا بُدَّ مِنْهُ ؟ قَالَ : بَلَى وَلَكِنْ أَبْكِي عَلَى مَا
أَصْبَحَ وَأَمْسَى فِيهِ أَخِي مِنْ الْعَذَابِ ؛ فَقُلْنَا لَهُ قَدْ أَطْلَعَك
اللَّهُ عَلَى الْغَيْبِ ؟ قَالَ : لَا ،
وَلَكِنْ لَمَّا دَفَنْته وَسَوَّيْت عَلَيْهِ التُّرَابَ
وَانْصَرَفَ النَّاسُ جَلَسْتُ عِنْدَ قَبْرِهِ وَإِذَا صَوْتٌ مِنْ قَبْرِهِ
يَقُولُ آهْ أَفْرَدُونِي وَحِيدًا أُقَاسِي الْعَذَابَ قَدْ كُنْت أَصُومُ قَدْ
كُنْت أُصَلِّي ، قَالَ فَأَبْكَانِي كَلَامُهُ فَنَبَشْت عَنْهُ التُّرَابَ
لِأَنْظُرَ مَا حَالُهُ وَإِذَا الْقَبْرُ يَلْمَعُ عَلَيْهِ نَارًا وَفِي
عُنُقِهِ طَوْقٌ مِنْ نَارٍ فَحَمَلَتْنِي شَفَقَةُ الْأُخُوَّةِ وَمَدَدْت يَدِي
لِأَرْفَعَ الطَّوْقَ مِنْ رَقَبَتِهِ فَاحْتَرَقَتْ أَصَابِعِي وَيَدِي ثُمَّ
أَخْرَجَ إلَيْنَا يَدَهُ فَإِذَا هِيَ سَوْدَاءُ مُحْتَرِقَةٌ ، قَالَ فَرَدَدْت
عَلَيْهِ التُّرَابَ وَانْصَرَفْت فَكَيْفَ لَا أَبْكِي عَلَى حَالِهِ وَأَحْزَنُ عَلَيْهِ
؟ فَقُلْنَا فَمَا كَانَ أَخُوك يَعْمَلُ فِي الدُّنْيَا ؟ قَالَ كَانَ لَا
يُؤَدِّي الزَّكَاةَ مِنْ مَالِهِ ، قَالَ فَقُلْنَا هَذَا تَصْدِيقُ قَوْلِهِ : {
وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ
هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ
يَوْمَ الْقِيَامَةِ } وَأَخُوك عُجِّلَ لَهُ الْعَذَابُ فِي قَبْرِهِ إلَى يَوْمِ
الْقِيَامَةِ ، قَالَ : ثُمَّ خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِهِ وَأَتَيْنَا أَبَا ذَرٍّ صَاحِبَ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذَكَرْنَا لَهُ قَضِيَّةَ الرَّجُلِ
وَقُلْنَا لَهُ يَمُوتُ الْيَهُودِيُّ وَالنَّصْرَانِيُّ وَلَا نَرَى فِيهِمْ
ذَلِكَ ، فَقَالَ أُولَئِكَ لَا شَكَّ أَنَّهُمْ فِي النَّارِ وَإِنَّمَا
يُرِيكُمْ اللَّهُ فِي أَهْلِ الْإِيمَانِ لِتَعْتَبِرُوا .
قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى - : { فَمَنْ أَبْصَرَ
فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ } .
وَأَخْرَجَ الْخَطِيبُ : { إنَّ اللَّهَ - تَعَالَى -
يُبْغِضُ الْبَخِيلَ فِي حَيَاتِهِ السَّخِيَّ عِنْدَ مَوْتِهِ } .
وَأَبُو دَاوُد وَالْحَاكِمُ : { إيَّاكُمْ وَالشُّحَّ
فَإِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِالشُّحِّ ، أَمَرَهُمْ بِالْبُخْلِ
فَبَخِلُوا وَأَمَرَهُمْ بِالْقَطِيعَةِ فَقَطَعُوا ، وَأَمَرَهُمْ بِالْفُجُورِ فَفَجَرُوا } .
وَالْبُخَارِيُّ فِي الْأَدَبِ وَالتِّرْمِذِيُّ : {
خَصْلَتَانِ لَا يَجْتَمِعَانِ فِي مُؤْمِنٍ
الْبُخْلُ وَسُوءُ الْخُلُقِ } .
وَالْبُخَارِيُّ فِي الْأَدَبِ : { شِرَارُ النَّاسِ
الَّذِي يُسْأَلُ بِاَللَّهِ وَلَا يُعْطِي } .
وَالْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ وَأَبُو دَاوُد : {
شَرُّ مَا فِي الرَّجُلِ شُحٌّ هَالِعٌ وَجُبْنٌ خَالِعٌ } .
وَالْخَطِيبُ : { الشَّحِيحُ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ } .
وَأَحْمَدُ وَالطَّبَرَانِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ : {
صَلَاحُ أَوَّلِ هَذِهِ الْأُمَّةِ بِالزُّهْدِ وَالْيَقِينِ وَيَهْلَكُ آخِرُهَا
بِالْبُخْلِ وَالْأَمَلِ } .
وَالْخَطِيبُ وَغَيْرُهُ : { طَعَامُ السَّخِيِّ دَوَاءٌ
وَطَعَامُ الشَّحِيحِ دَاءٌ } .
وَابْنُ عَسَاكِرَ : { أَقْسَمَ اللَّهُ - تَعَالَى -
لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ بَخِيلٌ
} .
وَأَبُو يَعْلَى : { مَا مَحَقَ الْإِسْلَامَ مَحْقَ
الشُّحِّ شَيْءٌ } .
وَأَحْمَدُ وَالشَّيْخَانِ وَالنَّسَائِيُّ : { مَثَلُ
الْبَخِيلِ وَالْمُتَصَدِّقِ كَمَثَلِ رَجُلَيْنِ عَلَيْهِمَا جُنَّتَانِ ، أَيْ
مِنْ أَجَنَّ بِمَعْنَى سَتَرَ
.
وَفِي رِوَايَةٍ بِالْبَاءِ ، وَالْمُرَادُ دِرْعَانِ
مِنْ حَدِيدٍ مِنْ ثُدِيِّهِمَا إلَى تَرَاقِيِهِمَا ، فَأَمَّا الْمُنْفِقُ فَلَا
يُنْفِقُ إلَّا سَبَغَتْ عَلَى جِلْدِهِ حَتَّى تُجِنَّ أَيْ تَسْتُرَ بَنَانَهُ
وَتَقْفُوَ أَثَرَهُ ، وَأَمَّا الْبَخِيلُ فَلَا يُرِيدُ أَنْ يُنْفِقَ شَيْئًا
إلَّا لَزِقَتْ كُلُّ حَلْقَةٍ مَكَانَهَا فَهُوَ يُوَسِّعُهَا فَلَا تَتَّسِعُ ،
وَمَعْنَاهُ أَنَّهَا بِالْإِنْفَاقِ تَطُولُ حَتَّى تَسْتُرَ بَنَانَ يَدَيْهِ
وَرِجْلَيْهِ وَبِعَدَمِهِ تَلْزَقُ كُلُّ حَلْقَةٍ مَكَانَهَا فَهُوَ
يُوَسِّعُهَا فَلَا تَتَّسِعُ .
كَنَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
بِالْجُنَّةِ أَوْ الْجُبَّةِ عَنْ نِعَمِ اللَّهِ - تَعَالَى - وَرِزْقِهِ ،
فَالْمُنْفِقُ كُلَّمَا أَنْفَقَ اتَّسَعَتْ عَلَيْهِ النِّعَمُ وَسَبَغَتْ حَتَّى
تَسْتُرَ جَمِيعَهُ سَتْرًا كَامِلًا ، وَالْبَخِيلُ كُلَّمَا أَرَادَ أَنْ
يُنْفِقَ مَنَعَهُ حِرْصُهُ وَشُحُّهُ وَخَوْفُ نَقْصِ مَالِهِ فَهُوَ بِمَنْعِهِ
يَطْلُبُ أَنْ تَزِيدَ نِعَمُهُ وَمَالُهُ فَهِيَ لَا تَزْدَادُ إلَّا ضِيقًا
وَلَا تَسْتُرُ مِنْهُ شَيْئًا يَرُومُ سَتْرَهُ } .
وَابْنُ أَبِي الدُّنْيَا : { نَجَا أَوَّلُ هَذِهِ
الْأُمَّةِ بِالْيَقِينِ وَالزُّهْدِ ، وَيَهْلَكُ
آخِرُهَا بِالْبُخْلِ وَالْأَمَلِ } .
وَالدَّيْلَمِيُّ : { الْوَيْلُ كُلُّ الْوَيْلِ لِمَنْ
تَرَكَ عِيَالَهُ بِخَيْرٍ وَقَدِمَ عَلَى رَبِّهِ بِشَرٍّ } .
وَسَمَّوَيْةِ : { لَا تَجْتَمِعُ خَصْلَتَانِ فِي
مُؤْمِنٍ الْبُخْلُ وَالْكَذِبُ
} .
وَالْخَطِيبُ : { إنَّ السَّيِّدَ لَا يَكُونُ بَخِيلًا } .
وَأَبُو يَعْلَى وَالطَّبَرَانِيُّ : { بَرِئَ مِنْ
الشُّحِّ مَنْ أَدَّى الزَّكَاةَ وَقَرَى الضَّيْفَ وَأَعْطَى فِي النَّائِبَةِ } .
وَمُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ : { يَهْرَمُ ابْنُ آدَمَ
وَيَشِبُّ مَعَهُ خَصْلَتَانِ الْحِرْصُ عَلَى الْمَالِ وَالْحِرْصُ عَلَى
الْعُمُرِ .
قَلْبُ الشَّيْخِ شَابَ عَلَى حُبِّ اثْنَتَيْنِ حُبِّ
الْعَيْشِ وَالْمَالِ } .
وَابْنُ عَدِيٍّ : { أَخْوَفُ مَا أَخَافُ عَلَى
أُمَّتِي الْهَوَى وَطُولُ الْأَمَلِ
} .
وَالدَّيْلَمِيُّ : { إنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ
لَيَغْضَبُ لِلسَّائِلِ الصَّدُوقِ كَمَا يَغْضَبُ لِنَفْسِهِ } .
وَابْنُ جَرِيرٍ : { إيَّاكُمْ وَالْبُخْلَ فَإِنَّ
الْبُخْلَ دَعَا قَوْمًا فَمَنَعُوا زَكَاتَهُمْ وَدَعَاهُمْ فَقَطَعُوا
أَرْحَامَهُمْ وَدَعَاهُمْ فَسَفَكُوا دِمَاءَهُمْ } .
وَأَيْضًا : { إيَّاكُمْ وَالشُّحَّ فَإِنَّمَا أَهْلَكَ
مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ الشُّحُّ ، أَمَرَهُمْ بِالْكَذِبِ فَكَذَبُوا وَأَمَرَهُمْ
بِالظُّلْمِ فَظَلَمُوا وَأَمَرَهُمْ بِالْقَطِيعَةِ فَقَطَعُوا } .
وَالدَّارَقُطْنِيُّ وَالْخَطِيبُ : { الْبُخْلُ
عَشَرَةُ أَجْزَاءٍ تِسْعَةٌ فِي فَارِسَ وَوَاحِدٌ فِي سَائِرِ النَّاسِ } .
وَالْخَطِيبُ : { يَقُولُونَ أَوْ يَقُولُ قَائِلُكُمْ
: الشَّحِيحُ أَغْدَرُ مِنْ الظَّالِمِ وَأَيُّ ظُلْمٍ أَظْلَمُ عِنْدَ اللَّهِ
مِنْ الشُّحِّ ، يَحْلِفُ اللَّهُ - تَعَالَى - بِعِزَّتِهِ وَعَظَمَتِهِ
وَجَلَالِهِ أَنْ لَا يَدْخُلَ الْجَنَّةَ شَحِيحٌ وَلَا بَخِيلٌ } .
وَأَبُو نُعَيْمٍ وَغَيْرُهُ : { خَلَقَ اللَّهُ
اللُّؤْمَ فَحَفَّهُ بِالْبُخْلِ وَالْمَالِ } .
وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَهَنَّادٌ وَالنَّسَائِيُّ
وَالْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ :
{ لَا يَجْتَمِعُ الشُّحُّ وَالْإِيمَانُ فِي قَلْبِ
عَبْدٍ أَبَدًا } .
وَابْنُ عَدِيٍّ : { لَا يَجْتَمِعُ الْإِيمَانُ
وَالْبُخْلُ فِي قَلْبِ رَجُلٍ مُؤْمِنٍ أَبَدًا } .
وَالدَّيْلَمِيُّ : { يَا ابْنَ آدَمَ كُنْت بَخِيلًا
مَا
دُمْت حَيًّا فَلَمَّا حَضَرَتْك الْوَفَاةُ عَمَدْت
إلَى مَالِكَ تُبَدِّدُهُ فَلَا تَجْمَعْ خَصْلَتَيْنِ إسَاءَةً فِي الْحَيَاةِ
وَإِسَاءَةً عِنْدَ الْمَوْتِ اُنْظُرْ إلَى قَرَابَتِك الَّذِينَ يُحْرَمُونَ
وَلَا يَرِثُونَ فَأَوْصِ لَهُمْ بِمَعْرُوفٍ } .
تَنْبِيهَاتٌ : مِنْهَا : عَدُّ مَنْعِ الزَّكَاةِ
كَبِيرَةً هُوَ مَا أَجْمَعُوا عَلَيْهِ لِمَا عَلِمْت مَا فِيهِ مِنْ أَنْوَاعِ
ذَلِكَ الْوَعِيدِ الشَّدِيدِ الَّذِي دَلَّتْ عَلَيْهِ تِلْكَ الْأَحَادِيثُ ،
وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَوْ صَرِيحُهُ أَنَّهُ لَا يُفَرَّقُ بَيْنَ مَنْعِ
قَلِيلِهَا وَكَثِيرِهَا ، لَكِنْ سَيَأْتِي فِي الْغَصْبِ وَنَحْوِهِ تَقْيِيدُهُ
بِنِصَابِ السَّرِقَةِ .
قِيلَ فَيَحْتَمِلُ أَنَّ ذَلِكَ يَأْتِي هُنَا
لَكِنَّهُ تَحْدِيدٌ لَا مُسْتَنَدَ لَهُ .
انْتَهَى
.
وَأَقُولُ :
لَوْ سَلَّمْنَا مَا يَأْتِي فِي نَحْوِ الْغَصْبِ لَا
نَقُولُ بِهِ هُنَا لِأَنَّ الزَّكَاةَ مُفَوَّضَةٌ إلَى الْمَالِكِ ، فَلَوْ
سُومِحَ فِي مَنْعِ الْبَعْضِ بِالْحُكْمِ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ غَيْرُ كَبِيرَةٍ أَدَّاهُ
ذَلِكَ إلَى مَنْعِ الْكُلِّ كَمَا قَالُوهُ فِي أَنَّ شُرْبَ قَطْرَةٍ مِنْ
الْخَمْرِ كَبِيرَةٌ مَعَ تَحَقُّقِ عَدَمِ الْإِسْكَارِ فِيهَا ، وَعَلَّلُوا
ذَلِكَ بِأَنَّ قَلِيلَهَا يُؤَدِّي إلَى كَثِيرِهَا فَفُطِمَ عَنْهَا
بِالْكُلِّيَّةِ ، وَكَذَلِكَ الْمَالُ إذْ مَحَبَّةُ النَّفْسِ لِتَكْثِيرِهِ
تَدْعُو إلَى أَنَّهُ لَوْ سُهِّلَ لَهَا فِي قَلِيلِهِ اتَّخَذَتْهُ ذَرِيعَةً
إلَى مَنْعِ كَثِيرِهِ .
فَاتَّضَحَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ هُنَا بَيْنَ مَنْعِ
الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ ، وَأَمَّا عَدُّ تَأْخِيرِهَا بَعْدَ وُجُوبِهَا
بِشَرْطِهِ فَهُوَ صَرِيحُ مَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَابْنَا خُزَيْمَةَ
وَحِبَّانَ وَأَبُو يَعْلَى عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ : { إنَّ لَاوِيَ الصَّدَقَةِ }
أَيْ مُؤَخِّرَهَا { مِنْ جُمْلَةِ الْمَلْعُونِينَ عَلَى لِسَانِ مُحَمَّدٍ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ } وَمِنْ ثَمَّ جَزَمَ بَعْضُهُمْ بِعَدِّهِ كَبِيرَةً .
وَمِنْهَا :
مَرَّ فِي أَحَادِيثَ تَوَعُّدٌ شَدِيدٌ عَلَى تَحَلِّي
النِّسَاءِ بِالذَّهَبِ وَقَدَّمْتُ الْإِشَارَةَ إلَى الْجَوَابِ عَنْهَا ، وَنَزِيدُهُ
هُنَا بَسْطًا ، وَهُوَ أَنَّهُ أُجِيبَ عَنْهَا بِأَجْوِبَةٍ : أَحَدُهَا :
أَنَّ ذَلِكَ مَنْسُوخٌ لِثُبُوتِ إبَاحَةِ تَحْلِيَتِهِنَّ بِالذَّهَبِ .
ثَانِيهَا : أَنَّ ذَلِكَ فِي حَقِّ مَنْ لَا يُؤَدِّي زَكَاتَهُ
دُونَ مَنْ أَدَّاهَا بِنَاءً عَلَى وُجُوبِهَا فِيهِ ، وَعَلَيْهِ جَمَاعَةٌ مِنْ
الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَتَبِعَهُمْ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ
وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ
.
وَقَالَ آخَرُونَ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ
وَمَنْ بَعْدَهُمْ كَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ بِعَدَمِ وُجُوبِهَا
فِيهِ .
قَالَ الْخَطَّابِيُّ : وَالظَّاهِرُ مِنْ الْآيَاتِ
يَشْهَدُ لِلْأَوَّلِينَ الَّذِينَ أَوْجَبُوهَا ، وَالْأَثَرُ يُؤَيِّدُهُ .
وَمَنْ أَسْقَطَهَا ذَهَبَ إلَى النَّظَرِ ، وَمَعَهُ
طَرَفٌ مِنْ الْأَثَرِ .
وَالِاحْتِيَاطُ أَدَاؤُهَا انْتَهَى .
ثَالِثُهَا :
حَمْلُ ذَلِكَ عَلَى مَنْ تَزَيَّنَتْ بِهِ وَأَظْهَرَتْهُ
لِخَبَرِ أَبِي دَاوُد وَالنَّسَائِيِّ : { أَمَا إنَّهُ لَيْسَ مِنْكُنَّ
امْرَأَةٌ تَتَحَلَّى ذَهَبًا وَتُظْهِرُهُ إلَّا عُذِّبَتْ بِهِ } نَعَمْ صَحَّ { أَنَّهُ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَمْنَعُ أَهْلَهُ الْحِلْيَةَ وَالْحَرِيرَ ،
وَيَقُولُ : إنْ كُنْتُنَّ تُحْبِبْنَ حِلْيَةَ الْجَنَّةِ وَحَرِيرَهَا فَلَا
تَلْبَسْنَهُمَا فِي الدُّنْيَا
} .
رَابِعُهَا :
أَنَّ سَبَبَ الْمَنْعِ مَا رَأَى فِي ذَلِكَ مِنْ
الْغِلْظَةِ - كَمَا مَرَّ - الْمُؤَدِّي إلَى الْإِسْرَافِ وَهُوَ فِي حُلِيِّ
النَّقْدِ يُحَرِّمُهُ .
وَمِنْهَا : سَبَقَ فِي الْأَحَادِيثِ ذَمُّ الْبُخْلِ ،
وَالْإِشَارَةُ إلَى آفَاتِهِ وَغَوَائِلِهِ ؛ وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ الْبُخْلَ -
شَرْعًا - هُوَ مَنْعُ الزَّكَاةِ وَأُلْحِقَ بِهَا كُلُّ وَاجِبٍ ، فَمَنْ مَنَعَ
ذَلِكَ كَانَ بَخِيلًا ، وَعُوقِبَ بِمَا مَرَّ فِي الْأَحَادِيثِ .
قَالَ الْغَزَالِيُّ : وَحَدَّهُ قَوْمٌ بِأَنَّهُ مَنْعُ
الْوَاجِبِ ، فَمَنْ أَدَّى مَا يَجِبُ عَلَيْهِ غَيْرُ بَخِيلٍ ، وَهَذَا غَيْرُ
كَافٍ ، إذْ مَنْ يَرُدُّ اللَّحْمَ أَوْ الْخُبْزَ إلَى قَصَّابٍ أَوْ
خَبَّازٍ لِنَقْصِ حَبَّةٍ يُعَدُّ بَخِيلًا اتِّفَاقًا
، وَكَذَا مَنْ يُضَايِقُ عِيَالَهُ فِي لُقْمَةٍ أَوْ تَمْرَةٍ أَكَلُوهَا مِنْ
مَالِهِ بَعْدَ أَنْ سَلَّمَهُمْ مَا فَرَضَ لَهُمْ الْقَاضِي ، وَمَنْ بَيْنَ
يَدَيْهِ رَغِيفٌ فَحَضَرَ مَنْ يَظُنُّ أَنَّهُ يُشَارِكُهُ فِيهِ فَأَخْفَاهُ
عَنْهُ عُدَّ بَخِيلًا .
وَقَالَ آخَرُونَ : الْبَخِيلُ الَّذِي يَسْتَصْعِبُ
كُلَّ الْعَطِيَّةِ ، وَهُوَ قَاصِرٌ فَإِنَّهُ إنْ أُرِيدَ أَنَّهُ يَسْتَصْعِبُ
كُلَّ عَطِيَّةٍ وَرَدَ عَلَيْهِ أَنَّ كَثِيرًا مِنْ الْبُخَلَاءِ لَا يَسْتَصْعِبُ
نَحْوَ الْحَبَّةِ ، أَوْ الْكَثِيرَ فَقَطْ لَمْ يَقْدَحْ ذَلِكَ فِي الْبُخْلِ .
وَكَذَلِكَ اخْتَلَفُوا فِي الْجُودِ مَا هُوَ ؟ فَقِيلَ
هُوَ عَطَاءٌ بِلَا مَنٍّ ، وَإِسْعَافٌ عَلَى غَيْرِ رَوِيَّةٍ ، وَقِيلَ :
عَطَاءٌ مِنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ ، وَقِيلَ السُّرُورُ بِالسَّائِلِ ، وَالْفَرَحُ
بِعَطَاءِ مَا أَمْكَنَ ، وَقِيلَ عَطَاءٌ عَلَى رَوِيَّةِ أَنَّهُ وَمَالَهُ
لِلَّهِ ، وَهَذَا كُلُّهُ غَيْرُ مُحِيطٍ بِحَقِيقَةِ الْبُخْلِ وَالْجُودِ .
وَالْحَقُّ أَنَّ الْإِمْسَاكَ حَيْثُ وَجَبَ الْبَذْلُ
بُخْلٌ وَالْبَذْلَ حَيْثُ وَجَبَ الْإِمْسَاكُ تَبْذِيرٌ ، وَبَيْنَهُمَا وَسَطٌ
هُوَ الْمَحْمُودُ ، وَهُوَ الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُعَبَّرَ عَنْهُ بِالسَّخَاءِ
وَالْجُودِ ، فَإِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُؤْمَرْ إلَّا بِالسَّخَاءِ
، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى - لَهُ : { وَلَا تَجْعَلْ يَدَك مَغْلُولَةً
إلَى عُنُقِك وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا } أَيْ
بِالْغَلِّ { مَحْسُورًا } أَيْ بِالْبَسْطِ .
وَقَالَ -
تَعَالَى - : { وَاَلَّذِينَ إذَا أَنْفَقُوا لَمْ
يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا } فَالْجُودُ وَسَطٌ بَيْنَ الْإِسْرَافِ
وَالْإِقْتَارِ وَبَيْنَ الْقَبْضِ وَالْبَسْطِ ؛ وَكَمَالُهُ أَنْ لَا يَكُونَ
نَاظِرًا بِقَلْبِهِ إلَى مَا أَعْطَاهُ بِوَجْهٍ بَلْ يَنْبَغِي أَنْ لَا
يَعْلَقَ قَلْبُهُ مِنْ الْمَالِ إلَّا بِصَرْفِهِ فِيمَا يُحْمَدُ صَرْفُهُ ؛
ثُمَّ الْوَاجِبُ بَذْلُهُ فِيهِ إمَّا شَرْعًا وَإِمَّا مُرُوءَةً وَعَادَةً ، فَالسَّخِيُّ
هُوَ الَّذِي لَا يَمْنَعُهَا وَإِلَّا فَهُوَ الْبَخِيلُ ، لَكِنَّ مَانِعَ
وَاجِبِ الشَّرْعِ
كَالزَّكَاةِ وَنَفَقَةِ الْعِيَالِ أَبْخَلُ وَأَقْبَحُ
مِنْ مَانِعِ وَاجِبِ الْمُرُوءَةِ كَالْمُضَايَقَةِ وَالِاسْتِقْصَاءِ فِي
الْمُحَقَّرَاتِ ، وَاسْتِقْبَاحُ هَذَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَحْوَالِ
وَالْأَشْخَاصِ فَيُسْتَقْبَحُ مِنْ ذَوِي الْمَالِ وَمَعَ الْجَارِ وَالْأَهْلِ
وَالصَّدِيقِ مَا لَا يُسْتَقْبَحُ مَعَ أَضْدَادِهِمْ .
وَلِلْبُخْلِ دَرَجَةٌ ثَالِثَةٌ وَهِيَ مَا لَوْ كَثُرَ
مَالُهُ وَهُوَ قَائِمٌ بِوَاجِبَيْ الشَّرْعِ وَالْمُرُوءَةِ ثُمَّ أَمْسَكَ عَنْ
الْإِنْفَاقِ مِنْهُ فِي وُجُوهِ الْقُرُبَاتِ لِيَكُونَ عُدَّةً لَهُ عَلَى
النَّوَائِبِ ، وَإِيثَارًا لِهَذَا الْغَرَضِ الْفَانِي عَلَى مَا أَعَدَّ
اللَّهُ لَهُ لَوْ أَنْفَقَ مِنْ الثَّوَابِ الْبَاقِي ، وَالدَّرَجَاتِ
الْعَلِيَّةِ ، وَالْمَرَاتِبِ الْمُرْضِيَةِ فَهَذَا بَخِيلٌ أَيُّ بَخِيلٍ ،
لَكِنْ عِنْدَ الْأَكْيَاسِ دُونَ عَامَّةِ الْخَلْقِ لِأَنَّهُمْ يَرَوْنَ إمْسَاكَهُ
لِلنَّوَائِبِ مُهِمًّا ، عَلَى أَنَّهُمْ رُبَّمَا اسْتَقْبَحُوا مِنْهُ
حِرْمَانَهُ لِفَقِيرٍ بِجِوَارِهِ وَإِنْ كَانَ يُؤَدِّي الزَّكَاةَ ،
وَيَخْتَلِفُ اسْتِقْبَاحُ ذَلِكَ بِاخْتِلَافِ مِقْدَارِ مَالِهِ وَشِدَّةِ
حَاجَةِ الْفَقِيرِ وَصَلَاحِهِ ، ثُمَّ إنَّهُ هُوَ بِأَدَاءِ ذَيْنِكَ
الْوَاجِبَيْنِ يَبْرَأُ مِنْ الْبُخْلِ وَلَا يَثْبُتُ لَهُ الْجُودُ مَا لَمْ
يَبْذُلْ زِيَادَةً عَلَيْهِمَا لِنَيْلِ الْفَضِيلَةِ لَا لِطَمَعٍ فِي ثَنَاءٍ
أَوْ خِدْمَةٍ أَوْ مُكَافَأَةٍ ، وَيَكُونُ وُجُودُهُ بِحَسَبِ مَا اتَّسَعَتْ
لَهُ نَفْسُهُ مِنْ قَلِيلِ الْبَذْلِ وَكَثِيرِهِ .
وَمِنْهَا : يَتَعَيَّنُ عَلَى كُلِّ مَنْ أَرَادَ
الْبَرَاءَةَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ التَّنَصُّلُ مِنْ دَاءِ الْبُخْلِ حَذَرًا
مِمَّا فِيهِ مِنْ الْمُهْلِكَاتِ وَلَا يَتِمُّ ذَلِكَ إلَّا بِمَعْرِفَةِ
سَبَبِهِ وَعِلَاجِهِ ، فَسَبَبُهُ حُبُّ الْمَالِ : إمَّا لِحُبِّ الشَّهَوَاتِ
الَّتِي لَا وُصُولَ إلَيْهَا إلَّا بِهِ مَعَ طُولِ الْأَمَلِ ، إذْ مَنْ عَلِمَ
أَنَّهُ يَمُوتُ بَعْدَ يَوْمٍ لَا يَبْقَى عِنْدَهُ مِنْ أَثَرِ الْبُخْلِ شَيْءٌ
أَلْبَتَّةَ ، وَإِمَّا لِحُبِّ ذَاتِ الْمَالِ وَلِذَلِكَ تَرَى مَنْ تَيَقَّنَ
أَنَّ مَعَهُ مِنْ الْأَمْوَالِ مَا يَزِيدُ عَلَى كِفَايَتِهِ لَوْ
عَاشَ الْعُمُرَ الطَّبِيعِيَّ ، وَأَنْفَقَ نَفَقَةَ
الْمُلُوكِ وَلَا وَارِثَ لَهُ ، وَمَعَ ذَلِكَ هُوَ مِنْ الْبُخْلِ وَمَنْعِ
الزَّكَاةِ وَغَيْرِهَا بِمَكَانٍ فَيَكْنِزُهُ تَحْتَ الْأَرْضِ عَالِمًا
بِأَنَّهُ يَمُوتُ بَلْ رُبَّمَا عِنْدَ مَوْتِهِ يَبْتَلِعُهُ ، وَمَرَضُ مِثْلِ
هَذَا عَسِرٌ عِلَاجُهُ بَلْ مُحَالٌ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ ، فَحُبُّ الشَّهَوَاتِ
يُعَالَجُ بِالْقَنَاعَةِ بِالْيَسِيرِ وَبِالصَّبْرِ ، وَيُعَالَجُ طُولُ الْأَمَلِ
بِكَثْرَةِ ذِكْرِ الْمَوْتِ ، وَالنَّظَرِ فِي مَوْتِ الْأَقْرَانِ وَطُولِ
تَعَبِهِمْ فِي جَمْعِ الْمَالِ وَضَيَاعِهِ بَعْدَهُمْ فِي أَقْبَحِ الْمَعَاصِي
وَأَقْرَبِ زَمَنٍ .
وَيُعَالَجُ الِالْتِفَاتُ إلَى الْوَلَدِ
بِاسْتِحْضَارِ الْخَيْرِ السَّابِقِ
: { إنَّ شَرَّ النَّاسِ مَنْ تَرَكَ وَرَثَتَهُ فِي
خَيْرٍ وَقَدِمَ عَلَى اللَّهِ بِشَرٍّ } وَبِأَنَّ اللَّهَ خَلَقَ لِلْوَلَدِ
رِزْقًا لَا يَزِيدُ وَلَا يَنْقُصُ ، وَكَمْ مِمَّنْ لَمْ يُخَلِّفْ لَهُ أَبُوهُ
فَلْسًا صَارَ غَنِيًّا وَمَنْ خَلَّفَ لَهُ الْقَنَاطِيرَ الْمُقَنْطَرَةَ صَارَ
فَقِيرًا فِي أَسْرَعِ وَقْتٍ ، وَبِأَنْ يَتَأَمَّلَ فِي أَحْوَالِ الْبُخَلَاءِ
وَأَنَّهُمْ عَلَى مُدْرَجَةِ الْمَقْتِ وَالْبُعْدِ مِنْ كُلِّ خَيْرٍ وَلِذَلِكَ
تَجِدُ النُّفُوسَ تَنْفِرُ عَنْهُمْ بِالطَّبْعِ وَتَسْتَقْبِحُهُمْ ، حَتَّى
إنَّ بَعْضَ الْبُخَلَاءِ يَسْتَقْبِحُ كَثِيرَ الْبُخْلِ مِنْ غَيْرِهِ
وَيَسْتَثْقِلُ كُلَّ بَخِيلٍ مِنْ أَصْحَابِهِ ، وَيَغْفُلُ عَنْ أَنَّهُ
مُسْتَثْقَلٌ وَمُسْتَقْذَرٌ فِي قُلُوبِ النَّاسِ كَمَا أَنَّ الْبُخَلَاءَ
عِنْدَهُ كَذَلِكَ ، وَيَتَأَمَّلُ فِي الْمَنَافِعِ الَّتِي يُقْصَدُ لَهَا
الْمَالُ فَلَا يَحْفَظُ مِنْهُ إلَّا مَا يَحْتَاجُهُ وَمَا زَادَ يَنْبَغِي لَهُ
أَنْ يَدَّخِرَ ثَوَابَهُ وَبِرَّهُ عِنْدَ اللَّهِ - تَعَالَى - بِإِخْرَاجِهِ فِي
مَرْضَاتِهِ .
وَمَنْ أَمْعَنَ تَأَمُّلَهُ فِي هَذِهِ الْأَدْوِيَةِ
انْصَقَلَ فِكْرُهُ وَانْشَرَحَ قَلْبُهُ فَيُجَانِبُ الْبُخْلَ بِسَائِرِ
أَنْوَاعِهِ أَوْ بَعْضِهَا بِحَسَبِ كَمَالِ اسْتِعْدَادِهِ وَنَقْصِهِ ،
وَيَنْبَغِي لَهُ حِينَئِذٍ أَنْ يُجِيبَ أَوَّلَ خَاطِرِ الْإِنْفَاقِ فَإِنَّ
الشَّيْطَانَ رُبَّمَا زَيَّنَ لِلنَّفْسِ
الرُّجُوعَ عَنْهُ وَلِذَلِكَ خَطَرَ لِبَعْضِ الْأَكَابِرِ
، - قِيلَ أَبُو بَكْرٍ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ - : التَّصَدُّقُ بِثَوْبِهِ وَهُوَ فِي
الْخَلَاءِ فَخَرَجَ فَوْرًا وَتَصَدَّقَ بِهِ ثُمَّ رَجَعَ ، فَلَمَّا خَرَجَ
سُئِلَ فَقَالَ خَشِيت أَنَّ الشَّيْطَانَ يُثْنِي عِنَانَ عَزْمِي ، وَلَا
تَزُولُ صِفَةُ الْبُخْلِ إلَّا بِالْبَذْلِ تَكَلُّفًا كَمَا لَا يَزُولُ الْعِشْقُ
إلَّا بِالسَّفَرِ عَنْ مَحَلِّ الْمَعْشُوقِ .
وَمِنْهَا : لِلْمَالِ فَوَائِدُ دِينِيَّةٌ
وَدُنْيَوِيَّةٌ لِأَنَّهُ - تَعَالَى - سَمَّاهُ خَيْرًا فِي قَوْلِهِ - عَزَّ
وَجَلَّ - : { إنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ } وَامْتَنَّ بِهِ عَلَى عِبَادِهِ
، وَفِي حَدِيثٍ : { كَادَ الْفَقْرُ أَنْ يَكُونَ كُفْرًا } ، أَمَّا
الدُّنْيَوِيَّةُ فَظَاهِرَةٌ ، وَأَمَّا الدِّينِيَّةُ فَمِنْ أُمَّهَاتِ
الْعِبَادَاتِ مَا لَا يُتَوَصَّلُ إلَيْهَا إلَّا بِهِ كَالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ
، وَبِهِ يُتَقَوَّى عَلَى الْعِبَادَاتِ كَالْمَطْعَمِ وَالْمَلْبَسِ
وَالْمَسْكَنِ وَالْمَنْكَحِ وَضَرُورَاتِ الْمَعِيشَةِ إذْ لَا يَتَفَرَّغُ
لِلدِّينِ إلَّا مَنْ كُفِيَ ذَلِكَ وَمَا لَا يُتَوَصَّلُ لِلْعِبَادَةِ إلَّا
بِهِ عِبَادَةٌ ، بِخِلَافِ مَا زَادَ عَلَى الْحَاجَةِ فَإِنَّهُ مِنْ حُظُوظِ الدُّنْيَا .
وَمِنْ فَوَائِدِهِ الدِّينِيَّةِ مَا يَصْرِفُهُ مِنْ صَدَقَةٍ
- وَفَضَائِلُهَا مَشْهُورَةٌ ، وَقَدْ أَلَّفْتُ فِيهَا كِتَابًا حَافِلًا - ،
أَوْ هَدَايَا وَضِيَافَاتٍ وَنَحْوِهِمَا لِلْأَغْنِيَاءِ - وَفِيهِمَا فَضَائِلُ مَعَ أَنَّهُ
يَكْتَسِبُ بِهِمَا الْأَصْدِقَاءَ وَصِفَةَ السَّخَاءِ أَوْ - ، وِقَايَةِ عِرْضٍ
مِنْ نَحْوِ شَاعِرٍ أَوْ مَارِقٍ ، وَفِي خَبَرٍ : { إنَّ مَا وُقِيَ بِهِ
الْعِرْضُ صَدَقَةٌ } - أَوْ أُجْرَةِ مَنْ يَقُومُ بِأَشْغَالِك إذْ لَوْ بَاشَرْتهَا
فَاتَتْ مَصَالِحُك الْأُخْرَوِيَّةُ ، إذْ عَلَيْك مِنْ الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ وَالذِّكْرِ
وَالْفِكْرِ مَا لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَقُومَ بِهِ غَيْرُك فَتَضْيِيعُك
الْوَقْتَ فِي غَيْرِهِ خُسْرَانٌ ، أَوْ فِي خَيْرٍ عَامٍّ : كَبِنَاءِ مَسَاجِدَ ، أَوْ رُبُطٍ ،
أَوْ قَنَاطِرَ ، أَوْ سِقَايَاتٍ بِالطُّرُقِ ، أَوْ دُورٍ لِلْمَرْضَى ، أَوْ
غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَوْقَافِ الْمُرْصَدَةِ
لِلْخَيْرَاتِ ، وَهَذِهِ مِنْ الْخَيْرَاتِ
الْمُؤَبَّدَةِ الدَّائِمَةِ بَعْدَ الْمَوْتِ الْمُسْتَجْلِبَةِ بَرَكَةَ
أَدْعِيَةِ الصَّالِحِينَ إلَى أَوْقَاتٍ مُتَمَادِيَةٍ ، وَنَاهِيكَ بِذَلِكَ
خَيْرًا .
فَهَذِهِ جُمْلَةُ فَوَائِدِ الْمَالِ فِي الدِّينِ
سِوَى مَا فِيهِ مِنْ الْحُظُوظِ الْعَاجِلَةِ كَالْعِزِّ ، وَكَثْرَةِ الْخَدَمِ
، وَالْأَصْدِقَاءِ ، وَتَعْظِيمِ النَّاسِ لَهُ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا
يَقْتَضِيهِ الْمَالُ مِنْ الْحُظُوظِ الدُّنْيَوِيَّةِ .
وَكَذَلِكَ لِلْمَالِ آفَاتٌ كَثِيرَةٌ دِينِيَّةٌ
وَدُنْيَوِيَّةٌ ، فَالدِّينِيَّةُ أَنَّهُ يَجُرُّ إلَى الْمَعَاصِي
لِلتَّمَكُّنِ بِهِ مِنْهَا ، إذْ مِنْ الْعِصْمَةِ أَنْ لَا تَجِدَ ، وَمَتَى
اسْتَشْعَرَتْ النَّفْسُ الْقُدْرَةَ عَلَى مَعْصِيَةٍ انْبَعَثَتْ دَاعِيَتُهَا
إلَيْهَا فَلَا تَسْتَقِرُّ حَتَّى تَرْتَكِبَهَا ، وَيَجُرُّ أَيْضًا ابْتِدَاءً
إلَى التَّنَعُّمِ بِالْمُبَاحَاتِ حَتَّى يَصِيرَ إلْفًا لَهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى
تَرْكِهِ حَتَّى لَوْ لَمْ يَتَوَصَّلْ إلَيْهِ إلَّا بِسَعْيٍ أَوْ كَسْبٍ
حَرَامٍ لَاقْتَرَفَهُ تَحْصِيلًا لِمَأْلُوفَاتِهِ إذْ مَنْ كَثُرَ مَالُهُ
كَثُرَ احْتِيَاجُهُ إلَى مُعَاشَرَةِ النَّاسِ وَمُخَالَطَتِهِمْ ، وَمِنْ لَازِمِ
ذَلِكَ أَنَّهُ يُنَافِقُهُمْ وَيَعْصِي اللَّهَ فِي طَلَبِ رِضَاهُمْ أَوْ
سَخَطِهِمْ ، فَتَثُورُ الْعَدَاوَةُ وَالْحِقْدُ ، وَالْحَسَدُ ، وَالرِّيَاءُ ،
وَالْكِبْرُ ، وَالْكَذِبُ ، وَالْغِيبَةُ ، وَالنَّمِيمَةُ ، وَغَيْرُ ذَلِكَ
مِنْ الْمَعَاصِي وَالْأَخْلَاقِ وَالْأَحْوَالِ السَّيِّئَةِ الْمُوجِبَةِ
لِلْمَقْتِ وَاللَّعْنِ ، وَيَجُرُّ أَيْضًا إلَى مَا لَا يَنْفَكُّ عَنْهُ أَحَدٌ
مِنْ ذَوِي الْأَمْوَالِ وَهُوَ الِاشْتِغَالُ بِإِصْلَاحِ مَالِهِ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ
وَمَرْضَاتِهِ ، وَكُلُّ مَا شَغَلَ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ فَهُوَ شُؤْمٌ وَخُسْرَانٌ
مُبِينٌ ، وَهَذَا هُوَ الدَّاءُ الْعُضَالُ فَإِنَّ أَصْلَ الْعِبَادَاتِ
وَسِرَّهَا ذِكْرُ اللَّهِ وَالتَّفَكُّرُ فِي جَلَالِهِ وَذَلِكَ يَسْتَدْعِي
قَلْبًا فَارِغًا ، وَمُحَالٌ فَرَاغُهُ مَعَ مَا تَعَلَّقَ بِهِ مِنْ إصْلَاحِ
الْمَالِ وَالِاعْتِنَاءِ بِتَحْصِيلِهِ وَدَفْعِ مَضَارِّهِ وَذَلِكَ بَحْرٌ لَا
سَاحِلَ لَهُ ، فَهَذِهِ جُمَلُ
الْآفَاتِ الدِّينِيَّةِ ؛ سِوَى مَا يُقَاسِيهِ أَرْبَابُ
الْأَمْوَالِ فِي الدُّنْيَا قَبْلَ الْآخِرَةِ مِنْ الْخَوْفِ وَالْحُزْنِ
وَالْهَمِّ وَالْغَمِّ الدَّائِمِ وَالتَّعَبِ فِي دَفْعِ الْخَسَارِ وَتَجَشُّمِ
الْمَصَاعِبِ وَالْمَشَاقِّ فِي حِفْظِ الْأَمْوَالِ وَكَسْبِهَا ، فَإِذًا
تِرْيَاقُ الْمَالِ أَخْذُ نَحْوِ الْقُوتِ مِنْهُ ، وَصَرْفُ الْبَاقِي إلَى
وُجُوهِ الْخَيْرِ ، وَمَا عَدَا ذَلِكَ سُمُومٌ وَآفَاتٌ .
إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَالْمَالُ لَيْسَ بِخَيْرٍ
مَحْضٍ وَلَا شَرٍّ مَحْضٍ ، بَلْ هُوَ سَبَبٌ لِلْأَمْرَيْنِ جَمِيعًا يُمْتَدَحُ
تَارَةً لَا مَحَالَةَ وَيُذَمُّ أُخْرَى ، لَكِنْ مَنْ أَخَذَ مِنْ الدُّنْيَا
أَكْثَرَ مِمَّا يَكْفِيهِ فَقَدْ أَخَذَ حَتْفَهُ وَهُوَ لَا يَشْعُرُ كَمَا
وَرَدَ ، وَلَمَّا مَالَتْ الطِّبَاعُ إلَى الشَّهَوَاتِ الْقَاطِعَةِ عَنْ
الْهُدَى ، وَكَانَ الْمَالُ آلَةً فِيهَا عَظُمَ الْخَطَرُ فِيمَا يَزِيدُ عَلَى الْكِفَايَةِ
فَاسْتَعَاذَ الْأَنْبِيَاءُ مِنْ شَرِّهِ حَتَّى قَالَ نَبِيُّنَا صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { اللَّهُمَّ اجْعَلْ قُوتَ آلِ مُحَمَّدٍ كَفَافًا } فَلَمْ
يَطْلُبْ مِنْ الدُّنْيَا إلَّا مَا تَمَحَّضَ خَيْرُهُ .
وَقَالَ : { اللَّهُمَّ أَحْيِنِي مِسْكِينًا وَأَمِتْنِي
مِسْكِينًا } ، وَقَالَ : { تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ تَعِسَ عَبْدُ الدِّرْهَمِ
تَعِسَ وَانْتَكَسَ وَإِذَا شِيكَ فَلَا انْتَقَشَ } .
( خَاتِمَةٌ : فِي مَدْحِ السَّخَاءِ وَالْجُودِ
وَغَيْرِ ذَلِكَ إذْ بِهِ تُعْرَفُ غَوَائِلُ الْبُخْلِ وَمَا فِيهِ مِنْ
الِانْحِطَاطِ عَنْ تِلْكَ الدَّرَجَاتِ الْعَلِيَّةِ ، إذْ الشَّيْءُ إنَّمَا
يَتِمُّ انْكِشَافُهُ بِمَعْرِفَةِ ضِدِّهِ ) أَخْرَجَ الشَّيْخَانِ : { مَا مِنْ
يَوْمٍ يُصْبِحُ الْعِبَادُ فِيهِ إلَّا وَمَلَكَانِ يَنْزِلَانِ فَيَقُولُ أَحَدُهُمَا
: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا وَيَقُولُ الْآخَرُ اللَّهُمَّ أَعْطِ مُمْسِكًا
تَلَفًا } .
وَفِي رِوَايَةٍ لِابْنِ حِبَّانَ : { إنَّ مَلَكًا
بِبَابٍ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ } ، وَفِي رِوَايَةٍ : { مِنْ أَبْوَابِ
السَّمَاءِ يَقُولُ : مَنْ يُقْرِضُ الْيَوْمَ يُجْزَ غَدًا ، وَمَلَكٌ بِبَابٍ
آخَرَ يَقُولُ : اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا وَأَعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا
} ، وَأَيْضًا قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى - : { أَنْفِقْ أُنْفِقُ عَلَيْك } .
وَقَالَ
: { يَدُ اللَّهِ مَلْأَى لَا يَغِيضُهَا نَفَقَةٌ
سَحَّاءُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ ، أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْفَقَ مُنْذُ خَلَقَ
السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ فَإِنَّهُ لَمْ يَغِضْ مَا بِيَدِهِ وَكَانَ عَرْشُهُ
عَلَى الْمَاءِ وَبِيَدِهِ الْمِيزَانُ : أَيْ الْعَدْلُ ، يَخْفِضُ وَيَرْفَعُ } .
وَمُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ : { يَا ابْنَ آدَمَ إنَّك إنْ
تَبْذُلْ الْفَضْلَ : } أَيْ مَا زَادَ عَلَى الْحَاجَةِ ، { خَيْرٌ وَإِنْ تُمْسِكْهُ
شَرٌّ لَك وَلَا تُلَامُ عَلَى كَفَافٍ } : أَيْ إمْسَاكِ قَدْرِ الْكِفَايَةِ ، {
وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ وَالْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنْ الْيَدِ السُّفْلَى } .
وَأَحْمَدُ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ .
وَالْحَاكِمُ بِنَحْوِهِ وَصَحَّحَهُ : { مَا طَلَعَتْ
شَمْسٌ قَطُّ إلَّا وَبِجَنْبَيْهَا مَلَكَانِ يُنَادِيَانِ : اللَّهُمَّ مَنْ
أَنْفَقَ فَأَعْقِبْهُ خَلَفًا وَمَنْ أَمْسَكَ فَأَعْقِبْهُ تَلَفًا } وَفِي رِوَايَةٍ
لِلْبَيْهَقِيِّ : { إنَّهُ لَيَسْمَعُ نِدَاءَهُمَا مَا خَلَقَ اللَّهُ كُلُّهُمْ
غَيْرَ الثَّقَلَيْنِ وَإِنَّهُ يُنَادِي يَا أَيُّهَا النَّاسُ هَلُمُّوا إلَى
رَبِّكُمْ فَإِنَّ مَا قَلَّ وَكَفَى خَيْرٌ مِمَّا كَثُرَ وَأَلْهَى } ، وَإِنَّ
اللَّهَ - تَعَالَى - أَنْزَلَ فِي قَوْلِهِمَا هَلُمُّوا قَوْلَهُ فِي سُورَةِ
يُونُسَ { وَاَللَّهُ يَدْعُو إلَى
دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ
} وَفِي دُعَائِهِمَا قَوْله تَعَالَى : { وَاللَّيْلِ إذَا يَغْشَى } إلَى {
لِلْعُسْرَى } .
،
وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ عَلَى شَرْطِهِمَا : { الْأَخِلَّاءُ ثَلَاثَةٌ ،
فَإِمَّا خَلِيلٌ فَيَقُولُ أَنَا مَعَك حَتَّى تَأْتِيَ قَبْرَك ، وَإِمَّا
خَلِيلٌ فَيَقُولُ أَنَا لَك مَا أَعْطَيْت وَمَا أَمْسَكْت فَلَيْسَ لَك فَذَلِكَ
مَالُك ، وَإِمَّا خَلِيلٌ فَيَقُولُ أَنَا مَعَك حَيْثُ دَخَلْت وَحَيْثُ خَرَجْت
فَذَلِكَ عَمَلُك ، فَيَقُولُ وَاَللَّهِ لَقَدْ كُنْتَ مِنْ أَهْوَنِ الثَّلَاثَةِ
عَلَيَّ } .
وَالْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ : { أَيُّكُمْ مَالُ
وَارِثِهِ أَحَبُّ إلَيْهِ مِنْ مَالِهِ ؟ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا مِنَّا
أَحَدٌ إلَّا مَالُهُ أَحَبُّ إلَيْهِ مِنْ مَالِ وَارِثِهِ ، قَالَ : فَإِنَّ
مَالَهُ مَا قَدَّمَ وَمَالُ وَارِثِهِ مَا أَخَّرَ } .
وَالْبَزَّارُ بِسَنَدٍ حَسَنٍ : { أَنَّهُ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَى بِلَالٍ وَعِنْدَهُ صُبَرٌ مِنْ تَمْرٍ فَقَالَ
: مَا هَذَا يَا بِلَالُ ؟ قَالَ أُعِدُّ ذَلِكَ لِأَضْيَافِكُمْ ، قَالَ : أَمَا
تَخْشَى أَنْ يَكُونَ لَك دُخَانٌ فِي جَهَنَّمَ أَنْفِقْ بِلَالُ وَلَا تَخْشَ
مِنْ ذِي الْعَرْشِ إقْلَالًا }
.
وَفِي رِوَايَةٍ ، { أَمَا تَخْشَى أَنْ يَثُورَ لَهُ
بُخَارٌ فِي نَارِ جَهَنَّمَ }
.
وَالشَّيْخَانِ : { لَا تُوكِي فَيُوكَأُ عَلَيْك } أَيْ
لَا تَدَّخِرِي وَتَمْنَعِي مَا فِي يَدِك فَتُقْطَعُ مَادَّةُ بَرَكَةِ الرِّزْقِ
عَنْك .
وَصَحَّ
: { يَا بِلَالُ الْقَ اللَّهَ فَقِيرًا وَلَا تَلْقَهُ
غَنِيًّا ، فَقَالَ وَكَيْفَ لِي بِذَلِكَ ؟ قَالَ : مَا رُزِقْت فَلَا تُخَبِّئْ
وَمَا سُئِلْت فَلَا تَمْنَعْ ، قَالَ وَكَيْفَ لِي بِذَلِكَ ؟ قَالَ : هُوَ أَوْ النَّارُ } .
وَجَاءَ بِسَنَدٍ حَسَنٍ : أَنَّ زَوْجَةَ طَلْحَةَ بْنِ
عُبَيْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رَأَتْ مِنْهُ ثِقَلًا فَقَالَتْ لَهُ مَا
لَك لَعَلَّهُ رَابَك مِنَّا شَيْءٌ فَنَعْتِبُكُ ، قَالَ لَا وَلَنِعْمَ
حَلِيلَةُ الْمَرْءِ الْمُسْلِمِ أَنْتِ وَلَكِنْ اجْتَمَعَ عِنْدِي مَالٌ وَلَا
أَدْرِي كَيْفَ أَصْنَعُ بِهِ .
قَالَتْ وَمَا يَغُمُّك مِنْهُ اُدْعُ قَوْمَك
فَاقْسِمْهُ بَيْنَهُمْ ، فَقَالَ يَا
غُلَامُ عَلَيَّ بِقَوْمِي فَكَانَ جُمْلَةُ مَا قَسَمَ
أَرْبَعَمِائَةِ أَلْفٍ .
وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ فِي الصَّغِيرِ وَالْأَوْسَطِ :
{ وَسَّعَ اللَّهُ عَلَى عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِهِ أَكْثَرَ لَهُمَا مِنْ
الْمَالِ وَالْوَلَدِ ، فَقَالَ لِأَحَدِهِمَا : أَيْ فُلَانُ بْنَ فُلَانٍ ،
قَالَ لَبَّيْكَ رَبِّ وَسَعْدَيْكَ ، قَالَ أَلَمْ أُكْثِرْ لَك مِنْ الْمَالِ
وَالْوَلَدِ ؟ قَالَ بَلَى يَا رَبِّ ، قَالَ وَكَيْفَ صَنَعْتَ فِيمَا آتَيْتُك ؟
قَالَ تَرَكْتُهُ لِوَلَدِي مَخَافَةَ الْعَيْلَةِ ، أَيْ الْفَقْرِ ، قَالَ أَمَا
إنَّك لَوْ تَعْلَمُ الْعِلْمَ لَضَحِكْتَ قَلِيلًا وَلَبَكَيْتَ كَثِيرًا ، أَمَا
إنَّ الَّذِي قَدْ تَخَوَّفْتَ عَلَيْهِمْ قَدْ أَنْزَلْتُ بِهِمْ .
وَيَقُولُ لِلْآخَرِ أَيْ فُلَانُ بْنَ فُلَانٍ
فَيَقُولُ لَبَّيْكَ أَيْ رَبِّ وَسَعْدَيْكَ .
قَالَ أَلَمْ أُكْثِرْ لَك الْمَالَ وَالْوَلَدَ ؟ قَالَ
بَلَى يَا رَبِّ قَالَ فَكَيْفَ صَنَعْتَ فِيمَا آتَيْتُك ؟ قَالَ أَنْفَقْتُهُ
فِي طَاعَتِك وَوَثِقْتُ لِوَلَدِي مِنْ بَعْدِي بِحُسْنِ طَوْلِك أَيْ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ
، فَضْلِك وَقُدْرَتِك وَغِنَاك ، قَالَ أَمَا إنَّك لَوْ تَعْلَمُ الْعِلْمَ
لَضَحِكْتَ كَثِيرًا وَلَبَكَيْتَ قَلِيلًا ، أَمَا إنَّ الَّذِي قَدْ وَثِقْتَ
بِهِ قَدْ أَنْزَلْتُ بِهِمْ }
.
وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ : أَنَّ عُمَرَ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَرْسَلَ مَعَ غُلَامِهِ بِأَرْبَعِمِائَةِ دِينَارٍ
لِأَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَأَمَرَهُ
بِالتَّأَنِّي لِيَرَى مَا يَصْنَعُ فِيهَا ، فَذَهَبَ بِهَا إلَيْهِ وَأَعْطَاهَا
لَهُ وَتَأَنَّى يَسِيرًا فَفَرَّقَهَا كُلَّهَا فَرَجَعَ الْغُلَامُ لِعُمَرَ وَأَخْبَرَهُ
فَوَجَدَهُ قَدْ أَعَدَّ مِثْلَهَا لِمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
فَأَرْسَلَهَا مَعَهُ إلَيْهِ ، وَأَمَرَهُ بِالتَّأَنِّي كَذَلِكَ فَفَعَلَ
فَفَرَّقَهَا فَاطَّلَعَتْ زَوْجَتُهُ وَقَالَتْ نَحْنُ وَاَللَّهِ مَسَاكِينُ
فَأَعْطِنَا فَلَمْ يَبْقَ بِالْخِرْقَةِ إلَّا دِينَارَانِ فَأَعْطَاهُمَا لَهَا
فَرَجَعَ الْغُلَامُ لِعُمَرَ وَأَخْبَرَهُ فَسُرَّ بِذَلِكَ وَقَالَ إنَّهُمْ
إخْوَةٌ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ
.
وَصَحَّ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
لَمَّا مَرِضَ كَانَ عِنْدَهُ سَبْعَةُ دَنَانِيرَ
فَأَمَرَ عَائِشَةَ أَنْ تُعْطِيَهَا لِعَلِيٍّ لِيَتَصَدَّقَ بِهَا فَاشْتَغَلَتْ
بِإِغْمَائِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَانَ كُلَّمَا أَفَاقَ
أَمَرَهَا بِذَلِكَ حَتَّى أَعْطَتْهَا لِعَلِيٍّ فَأَمْسَتْ لَيْلَةَ مَوْتِهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَيْسَ عِنْدَهَا شَيْءٌ فَاحْتَاجَتْ لِمِصْبَاحٍ
فَأَرْسَلَتْ إلَى امْرَأَةٍ مِنْ نِسَائِهِ تَطْلُبُ مِنْهَا مَا تُسْرِجُهُ } .
وَصَحَّ { أَنَّ أَبَا ذَرٍّ خَرَجَ عَطَاؤُهُ فَأَنْفَقَهُ
فِي حَوَائِجِهِ وَلَمْ يَبْقَ مَعَهُ إلَّا سَبْعَةُ دَنَانِيرَ فَأَمَرَ
بِإِخْرَاجِهَا أَيْضًا فَقِيلَ لَهُ ، فَقَالَ إنَّ خَلِيلِي صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَهِدَ إلَيَّ أَيُّمَا ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ أُوكِيَ عَلَيْهِ
فَهُوَ جَمْرٌ عَلَى صَاحِبِهِ حَتَّى يُفْرِغَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ
وَجَلَّ } .
وَفِي رِوَايَةٍ صَحِيحَةٍ عَنْهُ أَيْضًا : سَمِعْت
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : { مَنْ أَوْكَى
عَلَى ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ فَلَمْ يُنْفِقْهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَانَ جَمْرًا
يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُكْوَى بِهِ
} .
وَوَرَدَ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَلَهُ شَوَاهِدُ : { مَا أُحِبُّ
أَنَّ لِي أُحُدًا ذَهَبًا أَبْقَى صُبْحَ ثَالِثَةٍ وَعِنْدِي مِنْهُ شَيْءٌ
إلَّا شَيْئًا أُعِدُّهُ لِدَيْنٍ
} .
وَصَحَّ
: { وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا يَسُرُّنِي أَنَّ
أُحُدًا تَحَوَّلَ لِآلِ مُحَمَّدٍ ذَهَبًا أُنْفِقُهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ
أَمُوتُ يَوْمَ أَمُوتُ أَدَعُ مِنْهُ دِينَارَيْنِ إلَّا دِينَارَيْنِ
أُعِدُّهُمَا لِدَيْنٍ إنْ كَانَ
} .
وَكَتَبَ سَلْمَانُ إلَى أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُمَا : يَا أَخِي إيَّاكَ أَنْ تَجْمَعَ مِنْ الدُّنْيَا مَا لَا تُؤَدِّي
شُكْرَهُ ، فَإِنِّي سَمِعْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يَقُولُ : { يُجَاءُ بِصَاحِبِ الدُّنْيَا الَّذِي أَطَاعَ اللَّهَ فِيهَا
وَمَالُهُ بَيْنَ يَدَيْهِ كُلَّمَا تَكَفَّأَ بِهِ الصِّرَاطُ أَيْ مَالَ قَالَ
لَهُ امْضِ فَقَدْ أَدَّيْتَ حَقَّ اللَّهِ فِي ، ثُمَّ يُجَاءُ بِصَاحِبِ
الدُّنْيَا الَّذِي لَمْ يُطِعْ اللَّهَ فِيهَا وَمَالُهُ بَيْنَ يَدَيْهِ
كُلَّمَا تَكَفَّأَ بِهِ
الصِّرَاطُ قَالَ لَهُ مَالُهُ وَيْلَك أَلَا أَدَّيْتَ
حَقَّ اللَّهِ فِي ، فَمَا يَزَالُ ذَلِكَ حَتَّى يَدْعُوَ بِالْوَيْلِ
وَالثُّبُورِ } .
وَأَرْسَلَ عُمَرُ إلَى أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ زَيْنَبَ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا بِعَطَائِهَا فَقَسَمَتْهُ كُلَّهُ لِوَقْتِهِ فِي
أَرْحَامِهَا وَأَيْتَامِهَا وَقَالَتْ : اللَّهُمَّ لَا يُدْرِكُنِي عَطَاءُ
عُمَرَ بَعْدَ عَامِي هَذَا فَكَانَتْ أَوَّلَ نِسَائِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
لُحُوقًا بِهِ .
وَقَالَ الْحَسَنُ : وَاَللَّهِ مَا أَعَزَّ الدَّرَاهِمَ
أَحَدٌ إلَّا أَذَلَّهُ اللَّهُ - تَعَالَى - ، وَقِيلَ : أَوَّلُ مَا ضُرِبَتْ الدَّنَانِيرُ
وَالدَّرَاهِمُ رَفَعَهُمَا إبْلِيسُ إلَى جَبْهَتِهِ وَقَبَّلَهُمَا وَقَالَ مَنْ
أَحَبَّكُمَا فَهُوَ عَبْدِي حَقًّا ، وَمِنْ ثَمَّ قَالَ بَعْضُهُمْ : إنَّهُمَا
أَزِمَّةُ الْمُنَافِقِينَ يُقَادُونَ بِهَا إلَى النَّارِ .
وَقَالَ ابْنُ مُعَاذٍ : الدِّرْهَمُ عَقْرَبٌ فَإِنْ
أَخَذْتَهُ بِغَيْرِ رُقْيَةٍ قَتَلَك بِسُمِّهِ ، قِيلَ مَا رُقْيَتُهُ ؟ قَالَ
أَنْ تَأْخُذَهُ مِنْ حِلِّهِ وَتَضَعَهُ فِي حَقِّهِ .
وَلَمَّا قِيلَ لِعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ
بِمَرَضِهِ تَرَكْتَ أَوْلَادَك الثَّلَاثَةَ عَشَرَ فُقَرَاءَ لَا دِينَارَ لَهُمْ
وَلَا دِرْهَمَ ، قَالَ لَمْ أَمْنَعْهُمْ حَقًّا لَهُمْ وَلَمْ أُعْطِهِمْ حَقًّا
لِغَيْرِهِمْ ، وَإِنَّمَا وَلَدِي أَحَدُ رَجُلَيْنِ إمَّا مُطِيعٌ لِلَّهِ
فَاَللَّهُ يَكْفِيهِ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ ، وَإِمَّا عَاصٍ لِلَّهِ
فَلَا أُبَالِي عَلَامَ وَقَعَ
.
وَقِيلَ لِمَنْ أَنْفَقَ مَالَهُ الْكَثِيرَ : لَوْ
ادَّخَرْته لِوَلَدِك ؟ فَقَالَ بَلْ أَدَّخِرُهُ لِنَفْسِي عِنْدَ رَبِّي
وَأَدَّخِرُ رَبِّي لِوَلَدِي .
وَقَالَ ابْنُ مُعَاذٍ : مُصِيبَتَانِ لَمْ يَسْمَعْ الْأَوَّلُونَ
وَالْآخِرُونَ بِمِثْلِهِمَا تُصِيبَانِ الْعَبْدَ عِنْدَ مَوْتِهِ يُؤْخَذُ
مِنْهُ مَالُهُ كُلُّهُ وَيُسْأَلُ عَنْهُ كُلِّهِ .
( شُحُّ الدَّائِنِ عَلَى مَدِينِهِ الْمُعْسِرِ مَعَ
عِلْمِهِ بِإِعْسَارِهِ بِالْمُلَازَمَةِ أَوْ الْحَبْسِ ) أَخْرَجَ أَحْمَدُ بِإِسْنَادٍ
جَيِّدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : { خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى الْمَسْجِدِ وَهُوَ يَقُولُ هَكَذَا وَأَوْمَأَ
أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ بِيَدِهِ إلَى الْأَرْضِ : مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا أَوْ
وَضَعَ لَهُ : أَيْ حَطَّ عَنْهُ دَيْنَهُ أَوْ بَعْضَهُ بِالْبَرَاءَةِ
مِنْهُ ، وَقَاهُ اللَّهُ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ } .
وَابْنُ أَبِي الدُّنْيَا عَنْهُ قَالَ : { دَخَلَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَسْجِدَ وَهُوَ يَقُولُ :
أَيُّكُمْ يَسُرُّهُ أَنْ يَقِيَهُ اللَّهُ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ ؟ قُلْنَا : يَا
رَسُولَ اللَّهِ كُلُّنَا يَسُرُّهُ أَنْ يَقِيَهُ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - ،
قَالَ مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا أَوْ وَضَعَ لَهُ وَقَاهُ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ
- مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ } .
أَوْ فِي حَدِيثٍ حَسَنٍ : { مَنْ نَفَّسَ عَنْ
غَرِيمِهِ أَوْ مَحَا عَنْهُ كَانَ فِي ظِلِّ الْعَرْشِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ } .
وَجَاءَ فِي تَظْلِيلِهِ بِظِلِّ الْعَرْشِ إذَا
أَنْظَرَ مُعْسِرًا أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ .
مِنْهَا :
{ مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا أَوْ وَضَعَ لَهُ أَظَلَّهُ
اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تَحْتَ ظِلِّ عَرْشِهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إلَّا
ظِلُّهُ } .
{ مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا أَوْ وَضَعَ لَهُ أَظَلَّهُ
اللَّهُ فِي ظِلِّهِ } .
{ إنَّ أَوَّلَ النَّاسِ يَسْتَظِلُّ فِي ظِلِّ اللَّهِ
يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَرَجُلٌ أَنْظَرَ مُعْسِرًا حَتَّى يَجِدَ شَيْئًا ، أَوْ
تَصَدَّقَ عَلَيْهِ بِمَا يَطْلُبُهُ يَقُولُ مَالِي عَلَيْك صَدَقَةٌ ابْتِغَاءَ وَجْهِ
اللَّهِ وَيَخْرِقُ صَحِيفَتَهُ } أَيْ كِتَابَ الدَّيْنِ الَّذِي لَهُ عَلَيْهِ .
الْأَوَّلَانِ صَحِيحَانِ وَالثَّالِثُ حَسَنٌ .
وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ : { مَنْ فَرَّجَ عَنْ
مُسْلِمٍ كُرْبَةً جَعَلَ اللَّهُ
- تَعَالَى - لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ شُعْبَتَيْنِ
مِنْ نُورٍ عَلَى الصِّرَاطِ يَسْتَضِيءُ بِضَوْئِهِمَا عَالَمٌ لَا يُحْصِيهِمْ
إلَّا رَبُّ الْعِزَّةِ } .
وَابْنُ أَبِي الدُّنْيَا : { مَنْ أَرَادَ أَنْ
تُسْتَجَابَ دَعْوَتُهُ وَأَنْ
تُكْشَفَ كُرْبَتُهُ فَلْيُفَرِّجْ عَنْ مُعْسِرٍ } .
وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَاللَّفْظُ
لَهُ وَحَسَّنَهُ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ عَلَى شَرْطِهِمَا : { مَنْ نَفَّسَ
عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ
كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ ، وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ فِي الدُّنْيَا
يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ، وَمَنْ سَتَرَ عَلَى
مُسْلِمٍ فِي الدُّنْيَا سَتَرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ،
وَاَللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ } .
وَصَحَّ : { مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا فَلَهُ كُلَّ
يَوْمٍ مِثْلِهِ صَدَقَةٌ قَبْلَ أَنْ يَحِلَّ الدَّيْنُ فَإِذَا حَلَّ الدَّيْنُ
فَأَنْظَرَهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ كُلَّ يَوْمٍ مِثْلَيْهِ صَدَقَةٌ } .
وَمُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ : { مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُنْجِيَهُ
اللَّهُ مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلْيُنَفِّسْ عَنْ مُعْسِرٍ أَوْ يَضَعْ
عَنْهُ } .
وَالشَّيْخَانِ : { إنَّ رَجُلًا مِمَّنْ كَانَ
قَبْلَكُمْ أَتَاهُ الْمَلَكُ لِيَقْبِضَ رُوحَهُ ، قَالَ هَلْ عَمِلْتَ مِنْ
خَيْرٍ ؟ قَالَ مَا أَعْلَمُ ، قِيلَ لَهُ اُنْظُرْ ، قَالَ مَا أَعْلَمُ شَيْئًا
غَيْرَ أَنِّي كُنْت أُبَايِعُ النَّاسَ فِي الدُّنْيَا فَأُنْظِرُ الْمُوسِرَ
وَأَتَجَاوَزُ عَنْ الْمُعْسِرِ فَأَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ } .
وَفِي رِوَايَةٍ لَهُمَا : { كُنْت أُدَايِنُ النَّاسَ
فَآمُرُ فِتْيَانِي أَنْ يُنْظِرُوا الْمُوسِرَ وَيَتَجَاوَزُوا عَنْ الْمُعْسِرِ
، قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى - تَجَاوَزُوا عَنْهُ
} .
وَفِي أُخْرَى لِمُسْلِمٍ : { أُتِيَ اللَّهَ بِعَبْدٍ
مِنْ عِبَادِهِ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا فَقَالَ لَهُ مَاذَا عَمِلْتَ فِي
الدُّنْيَا ؟ قَالَ : { وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا } قَالَ يَا رَبِّ آتَيْتَنِي مَالًا
فَكُنْت أُبَايِعُ النَّاسَ وَكَانَ مِنْ خُلُقِي التَّجَاوُزُ فَكُنْت أُيَسِّرُ
عَلَى الْمُوسِرِ وَأُنْظِرُ الْمُعْسِرَ .
فَقَالَ اللَّهُ - تَعَالَى - : أَنَا أَحَقُّ بِذَلِكَ
مِنْك تَجَاوَزُوا عَنْ عَبْدِي
} .
وَفِي أُخْرَى لَهُمَا : { كَانَ يَقُولُ لِفَتَاهُ إذَا
أَتَيْتَ مُعْسِرًا فَتَجَاوَزْ عَنْهُ لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَتَجَاوَزَ
عَنَّا فَلَقِيَ اللَّهَ فَتَجَاوَزَ عَنْهُ } .
وَفِي أُخْرَى لِلنَّسَائِيِّ : { فَإِذَا بَعَثْتُهُ
يَتَقَاضَى قُلْتُ لَهُ خُذْ مَا تَيَسَّرَ وَاتْرُكْ مَا تَعَسَّرَ وَتَجَاوَزْ
لَعَلَّ اللَّهَ يَتَجَاوَزُ عَنَّا ، قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى - : قَدْ
تَجَاوَزْتُ عَنْك } .
تَنْبِيهٌ : مَا ذَكَرْته مِنْ أَنَّ فِعْلَ الدَّائِنِ بِمَدِينِهِ
مَا ذُكِرَ كَبِيرَةٌ ظَاهِرٌ جِدًّا وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحُوا بِهِ ، إلَّا
أَنَّهُ دَاخِلٌ فِي إيذَاءِ الْمُسْلِمِ الشَّدِيدِ الَّذِي لَا يُطَاقُ عَادَةً
، وَمَفْهُومُ الْحَدِيثَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ أَنَّ مَنْ لَمْ يُنْظِرْ مَدِينَهُ
الْمُعْسِرَ لَا يُوقَى فَيْحَ جَهَنَّمَ وَذَلِكَ وَعِيدٌ شَدِيدٌ ، وَبِهِ
يَتَأَكَّدُ عَدُّ ذَلِكَ كَبِيرَةً
.
( الْخِيَانَةُ فِي الصَّدَقَةِ ) أَخْرَجَ مُسْلِمٌ
وَغَيْرُهُ : أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { مَنْ
اسْتَعْمَلْنَاهُ مِنْكُمْ عَلَى عَمَلٍ فَكَتَمَنَا مِخْيَطًا فَمَا فَوْقَهُ
كَانَ غُلُولًا يَأْتِي بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، فَقَامَ إلَيْهِ أَنْصَارِيٌّ فَقَالَ
يَا رَسُولَ اللَّهِ اقْبَلْ مِنِّي عَمَلَك ، قَالَ وَمَالَك ؟ قَالَ سَمِعْتُك
تَقُولُ كَذَا وَكَذَا ، قَالَ وَأَنَا أَقُولُهُ الْآنَ مَنْ اسْتَعْمَلْنَاهُ
مِنْكُمْ عَلَى عَمَلٍ فَلْيَجِئْ بِقَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ فَمَا أُوتِيَ مِنْهُ
أَخَذَ وَمَا نُهِيَ عَنْهُ انْتَهَى
} .
وَصَحَّ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ لِسَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : { يَا أَبَا الْوَلِيدِ
اتَّقِ اللَّهَ لَا تَأْتِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِبَعِيرٍ تَحْمِلُهُ لَهُ رُغَاءٌ
أَوْ بَقَرَةٍ لَهَا خُوَارٌ أَوْ شَاةٍ لَهَا ثُغَاءٌ ، قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ
إنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ ؟ قَالَ : إي وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ، قَالَ
فَوَاَلَّذِي بَعَثَك بِالْحَقِّ لَا أَعْمَلُ لَك عَلَى شَيْءٍ أَبَدًا } .
وَأَحْمَدُ : { سَتُفْتَحُ عَلَيْكُمْ مَشَارِقُ
الْأَرْضِ وَمَغَارِبُهَا وَإِنَّ عُمَّالَهَا فِي النَّارِ إلَّا مَنْ اتَّقَى اللَّهَ
عَزَّ وَجَلَّ وَأَدَّى الْأَمَانَةَ
} .
وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ :
أَنَّهُ { كَانَ مَاشِيًا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي
الْبَقِيعِ فَسَمِعَهُ يَقُولُ : أُفٍّ لَك أُفٍّ لَك فَتَأَخَّرَ وَظَنَّ أَنَّهُ
يُرِيدُهُ ، فَقَالَ لَهُ مَا لَك امْشِ ، قَالَ أَحْدَثْت حَدَثًا ؟ قَالَ : لَا
، قَالَ وَمَا لَك أَفَفْتَ بِي ، قَالَ لَا وَلَكِنْ هَذَا فُلَانٌ بَعَثْتُهُ
سَاعِيًا عَلَى بَنِي فُلَانٍ فَغَلَّ نَمِرَةً - أَيْ بِفَتْحٍ فَكَسْرٍ :
كِسَاءٌ مِنْ صُوفٍ مُخَطَّطٌ - فَدُرِّعَ مِثْلَهَا مِنْ النَّارِ } .
وَصَحَّ : { الْمُتَعَدِّي فِي الصَّدَقَةِ كَمَانِعِهَا } أَيْ عَلَيْهِ
مِنْ الْإِثْمِ كَمَا عَلَى الْمَانِعِ إذَا مَنَعَ قَالَهُ التِّرْمِذِيُّ :
وَأَبُو يَعْلَى وَالْبَزَّارُ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ : { إنِّي مُمْسِكٌ بِحُجَزِكُمْ : أَيْ
جَمْعُ حُجْزَةٍ وَهِيَ مَعْقِدُ الْإِزَارِ ، عَنْ النَّارِ : هَلُمَّ عَنْ
النَّارِ هَلُمَّ عَنْ
النَّارِ هَلُمَّ عَنْ النَّارِ وَتَغْلِبُونَنِي ،
تُقَاحِمُونَ تَقَاحُمَ الْفَرَاشِ أَوْ الْجَنَادِبَةِ فَأُوشِكُ أَنْ أُرْسِلَ
بِحُجَزِكُمْ وَأَنَا فَرَطُكُمْ : أَيْ بِفَتَحَاتٍ هُوَ مَنْ يَتَقَدَّمُ
الْقَوْمَ إلَى الْمَنْزِلِ لِيُهَيِّئَ مَصَالِحَهُمْ فِيهِ ، عَلَى الْحَوْضِ فَتَرِدُونَ
عَلَيَّ مَعًا وَأَشْتَاتًا فَأَعْرِفُكُمْ بِسِيمَاكُمْ وَأَسْمَائِكُمْ كَمَا
يَعْرِفُ الرَّجُلُ الْغَرِيبَةَ مِنْ الْإِبِلِ فِي إبِلِهِ وَيَذْهَبُ بِكُمْ
ذَاتَ الشِّمَالِ وَأُنَاشِدُ فِيكُمْ رَبَّ الْعَالَمِينَ فَأَقُولُ أَيْ رَبِّ
قَوْمِي أَيْ رَبِّ أُمَّتِي ، فَيَقُولُ يَا مُحَمَّدُ إنَّك لَا تَدْرِي مَا
أَحْدَثُوا بَعْدَك كَانُوا يَمْشُونَ بَعْدَك الْقَهْقَرَى عَلَى أَعْقَابِهِمْ ،
فَلَا أَعْرِفَنَّ أَحَدَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَحْمِلُ شَاةً لَهَا ثُغَاءٌ
فَيُنَادِي يَا مُحَمَّدُ يَا مُحَمَّدُ فَأَقُولُ لَا أَمْلِكُ لَك شَيْئًا قَدْ بَلَّغْتُك
، فَلَا أَعْرِفَنَّ أَحَدَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَحْمِلُ بَعِيرًا لَهُ
رُغَاءٌ فَيُنَادِي يَا مُحَمَّدُ يَا مُحَمَّدُ ، فَأَقُولُ لَا أَمْلِكُ لَك
شَيْئًا قَدْ بَلَّغْتُك ، فَلَا أَعْرِفَنَّ أَحَدَكُمْ يَأْتِي يَوْمَ
الْقِيَامَةِ يَحْمِلُ فَرَسًا لَهَا حَمْحَمَةٌ : أَيْ بِمُهْمَلَتَيْنِ اسْمٌ
لِصَوْتِهَا ، فَيُنَادِي يَا مُحَمَّدُ يَا مِحْصَدُ ، فَأَقُولُ لَا أَمْلِكُ
لَك مِنْ اللَّهِ شَيْئًا قَدْ بَلَّغْتُك ، فَلَا أَعْرِفَنَّ أَحَدَكُمْ يَأْتِي
يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَحْمِلُ سِقَاءً مِنْ أَدَمٍ يُنَادِي يَا مُحَمَّدُ يَا
مُحَمَّدُ ، فَأَقُولُ لَا أَمْلِكُ لَك مِنْ اللَّهِ شَيْئًا قَدْ بَلَّغْتُك } .
تَنْبِيهٌ :
عَدُّ مَا ذُكِرَ مِنْ الْكَبَائِرِ ظَاهِرٌ وَإِنْ لَمْ
يُصَرِّحُوا بِهِ لِأَنَّ كَلَامَهُمْ فِي أَمَاكِنَ صَرِيحٌ فِيهِ ، وَقَدْ
عَدُّوا مُطْلَقَ الْخِيَانَةِ مِنْ الْكَبَائِرِ وَهُوَ شَامِلٌ لِهَذِهِ وَغَيْرِهِ
وَسَيَأْتِي مَا فِيهِ .
( جِبَايَةُ الْمُكُوسِ ، وَالدُّخُولُ فِي شَيْءٍ مِنْ
تَوَابِعِهَا كَالْكِتَابَةِ عَلَيْهَا لَا بِقَصْدِ حِفْظِ حُقُوقِ النَّاسِ إلَى
أَنْ تُرَدَّ إلَيْهِمْ إنْ تَيَسَّرَ ) وَهُوَ دَاخِلٌ فِي قَوْله تَعَالَى : {
إنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي
الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } .
وَالْمِكَاسُ بِسَائِرِ أَنْوَاعِهِ : مِنْ جَابِي
الْمَكْسِ وَكَاتِبِهِ وَشَاهِدِهِ وَوَازِنِهِ وَكَائِلِهِ وَغَيْرِهِمْ مِنْ
أَكْبَرِ أَعْوَانِ الظَّلَمَةِ بَلْ هُمْ مِنْ الظَّلَمَةِ بِأَنْفُسِهِمْ ،
فَإِنَّهُمْ يَأْخُذُونَ مَا لَا يَسْتَحِقُّونَهُ وَيَدْفَعُونَهُ لِمَنْ لَا
يَسْتَحِقُّهُ ، وَلِهَذَا لَا يَدْخُلُ صَاحِبُ مَكْسٍ الْجَنَّةَ لِأَنَّ
لَحْمَهُ يَنْبُتُ مِنْ حَرَامٍ كَمَا يَأْتِي .
وَأَيْضًا فَلِأَنَّهُمْ تَقَلَّدُوا بِمَظَالِمِ
الْعِبَادِ ، وَمِنْ أَيْنَ لِلْمَكَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنْ يُؤَدِّيَ
النَّاسَ مَا أَخَذَ مِنْهُمْ إنَّمَا يَأْخُذُونَ مِنْ حَسَنَاتِهِ إنْ كَانَ
لَهُ حَسَنَاتٌ ، وَهُوَ دَاخِلٌ فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ : { أَتَدْرُونَ مَنْ الْمُفْلِسُ ؟ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ
الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لَا دِرْهَمَ لَهُ وَلَا مَتَاعَ ، قَالَ : إنَّ الْمُفْلِسَ
مِنْ أُمَّتِي مَنْ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلَاةٍ وَزَكَاةٍ وَصِيَامٍ
وَقَدْ شَتَمَ هَذَا وَضَرَبَ هَذَا وَأَخَذَ مَالَ هَذَا فَيَأْخُذُ هَذَا مِنْ
حَسَنَاتِهِ وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ
يَقْضِيَ مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِهِمْ فَطُرِحَ عَلَيْهِ ثُمَّ طُرِحَ
فِي النَّارِ } .
أَخْرَجَ أَحْمَدُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ ، عَنْ
الْحَسَنِ ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ : قَالَ : سَمِعْت رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : { كَانَ لِدَاوُدَ نَبِيِّ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَاعَةٌ يُوقِظُ فِيهَا أَهْلَهُ
يَقُولُ : يَا آلَ دَاوُد قُومُوا فَصَلُّوا فَإِنَّ هَذِهِ السَّاعَةَ
يَسْتَجِيبُ اللَّهُ فِيهَا الدُّعَاءَ إلَّا لِسَاحِرٍ أَوْ عَشَّارٍ } .
وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ
وَالْحَاكِمُ كُلُّهُمْ مِنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ
إِسْحَاقَ وَهُوَ ثِقَةٌ .
وَقَوْلُ الْحَاكِمِ إنَّهُ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ
مُسْلِمٍ مُعْتَرَضٌ بِأَنَّ مُسْلِمًا إنَّمَا أَخْرَجَ لِابْنِ إِسْحَاقَ فِي
الْمُتَابَعَاتِ .
عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : {
لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ صَاحِبُ مَكْسٍ } .
قَالَ يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ يَعْنِي الْعَشَّارَ ،
وَقَالَ الْبَغَوِيّ : يُرِيدُ بِصَاحِبِ الْمَكْسِ الَّذِي يَأْخُذُ مِنْ
التُّجَّارِ إذَا مَرُّوا عَلَيْهِ مَكْسًا بِاسْمِ الْعُشْرِ أَيْ الزَّكَاةِ .
قَالَ الْحَافِظُ الْمُنْذِرِيُّ : أَمَّا الْآنَ
فَإِنَّهُمْ يَأْخُذُونَ مَكْسًا بِاسْمِ الْعُشْرِ وَمَكْسًا آخَرَ لَيْسَ لَهُ
اسْمٌ بَلْ شَيْءٌ يَأْخُذُونَهُ حَرَامًا وَسُحْتًا وَيَأْكُلُونَهُ فِي
بُطُونِهِمْ نَارًا ، حُجَّتُهُمْ فِيهِ دَاحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَعَلَيْهِمْ
غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ
.
وَسُئِلَ السِّرَاجُ الْبُلْقِينِيُّ عَنْ قَوْلِهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { فَإِنَّهُ تَابَ تَوْبَةً لَوْ تَابَهَا
صَاحِبُ مَكْسٍ } الْحَدِيثَ هَلْ الْمَكَّاسُ الْمَعْلُومُ عِنْدَ النَّاسِ
هُوَ الَّذِي يَتَنَاوَلُ الْمُرَتَّبَ عَلَى الْبَضَائِعِ أَوْ غَيْرُهُ ؟
فَأَجَابَ : الْمَكَّاسُ يُطْلَقُ عَلَى مَنْ أَحْدَثَ الْمَكْسَ وَيُطْلَقُ عَلَى
مَنْ يَجْرِي عَلَى طَرِيقَتِهِ الرَّدِيئَةِ .
وَالظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَكَّاسُ الَّذِي ذَنْبُهُ عَظِيمٌ وَهُوَ الَّذِي يُقَالُ
لَهُ أَيْضًا صَاحِبُ مَكْسٍ وَكَذَلِكَ يُقَالُ لِلْجَارِي عَلَى طَرِيقَتِهِ ،
وَيَظْهَرُ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ الَّذِي أَحْدَثَ الْمَكْسَ تُقْبَلُ
تَوْبَتُهُ وَأَنَّ الَّذِي اسْتَنَّ السَّيِّئَةَ إنَّمَا يَكُونُ عَلَيْهِ
وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ يَعْمَلُ بِهَا إذَا لَمْ يَتُبْ فَإِذَا تَابَ قُبِلَتْ تَوْبَتُهُ
وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ وِزْرُ مَنْ يَعْمَلُ بِهَا .
انْتَهَى
.
وَرَوَى أَحْمَدُ بِإِسْنَادٍ فِيهِ مَنْ اُخْتُلِفَ فِي
تَوْثِيقِهِ ، وَبَقِيَّةُ رُوَاتِهِ مُحْتَجٌّ بِهِمْ فِي الصَّحِيحِ عَنْ
الْحَسَنِ ، قَالَ : " مَرَّ عُثْمَانُ بْنُ أَبِي الْعَاصِ
عَلَى كِلَابِ بْنِ أُمَيَّةَ وَهُوَ جَالِسٌ عَلَى
مَجْلِسِ الْعَاشِرِ بِالْبَصْرَةِ ، فَقَالَ مَا يُجْلِسُك هَا هُنَا ؟ قَالَ
اسْتَعْمَلَنِي عَلَى هَذَا الْمَكَانِ : يَعْنِي زِيَادًا ، فَقَالَ لَهُ
عُثْمَانُ : أَلَا أُحَدِّثُك حَدِيثًا سَمِعْته مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ فَقَالَ بَلَى ، فَقَالَ عُثْمَانُ : { سَمِعْت رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : كَانَ لِدَاوُدَ نَبِيِّ
اللَّهِ سَاعَةٌ يُوقِظُ فِيهَا أَهْلَهُ يَقُولُ : يَا آلَ دَاوُد قُومُوا فَصَلُّوا
فَإِنَّ هَذِهِ السَّاعَةَ يَسْتَجِيبُ اللَّهُ فِيهَا الدُّعَاءَ إلَّا لِسَاحِرٍ
أَوْ عَاشِرٍ } .
فَرَكِبَ كِلَابُ بْنُ أُمَيَّةَ بِنَفْسِهِ فَأَتَى
زِيَادًا فَاسْتَعْفَاهُ فَأَعْفَاهُ
.
وَاخْتُلِفَ فِي سَمَاعِ الْحَسَنِ مِنْ عُثْمَانَ ؛
وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ وَلَفْظُهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { تُفْتَحُ أَبْوَابُ السَّمَاءِ نِصْفَ
اللَّيْلِ فَيُنَادِي مُنَادٍ هَلْ مِنْ دَاعٍ فَيُسْتَجَابُ لَهُ ؟ هَلْ مِنْ
سَائِلٍ فَيُعْطَى ؟ هَلْ مِنْ مَكْرُوبٍ فَيُفَرَّجُ عَنْهُ ؟ فَلَا يَبْقَى
مُسْلِمٌ يَدْعُو بِدَعْوَةٍ إلَّا اسْتَجَابَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ إلَّا زَانِيَةً
تَسْعَى بِفَرْجِهَا أَوْ عَشَّارًا
} .
وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ فِي الْكَبِيرِ أَيْضًا : سَمِعْت
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : { إنَّ اللَّهَ
يَدْنُو مِنْ خَلْقِهِ أَيْ بِرَحْمَتِهِ وُجُودِهِ وَفَضْلِهِ فَيَغْفِرُ لِمَنْ
اسْتَغْفَرَ إلَّا لِبَغِيَّةٍ بِفَرْجِهَا أَوْ عَشَّارٍ } .
وَأَحْمَدُ بِسَنَدٍ فِيهِ ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ أَبِي
الْخَيْرِ قَالَ : عَرَضَ مَسْلَمَةُ بْنُ مَخْلَدٍ وَكَانَ أَمِيرًا عَلَى مِصْرَ
عَلَى رُوَيْفِعِ بْنِ ثَابِتٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنْ يُوَلِّيَهُ الْعُشُورَ
، فَقَالَ : إنِّي سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يَقُولُ : { إنَّ صَاحِبَ الْمَكْسِ فِي النَّارِ } .
وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ بِنَحْوِهِ وَزَادَ يَعْنِي
الْعَاشِرَ .
وَالطَّبَرَانِيُّ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهَا قَالَتْ : { كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي
الصَّحْرَاءِ فَإِذَا مُنَادٍ يُنَادِيهِ يَا رَسُولَ
اللَّهِ فَالْتَفَتَ فَلَمْ يَرَ أَحَدًا ، ثُمَّ الْتَفَتَ فَإِذَا ظَبْيَةٌ
مُوثَقَةٌ ، فَقَالَتْ اُدْنُ مِنِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ فَدَنَا مِنْهَا فَقَالَ
مَا حَاجَتُك ؟ فَقَالَتْ إنَّ لِي خِشْفَيْنِ فِي هَذَا الْجَبَلِ فَحُلَّنِي
حَتَّى أَذْهَبَ فَأُرْضِعَهُمَا ثُمَّ أَرْجِعَ إلَيْك ، قَالَ وَتَفْعَلِينَ ؟ قَالَتْ
: عَذَّبَنِي اللَّهُ عَذَابَ الْعَشَّارِ إنْ لَمْ أَفْعَلْ ، فَأَطْلَقَهَا
فَذَهَبَتْ فَأَرْضَعَتْ خِشْفَيْهَا ثُمَّ رَجَعَتْ فَأَوْثَقَهَا وَانْتَبَهَ
الْأَعْرَابِيُّ ، فَقَالَ أَلَك حَاجَةٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ نَعَمْ
تُطْلِقُ هَذِهِ ؛ فَأَطْلَقَهَا فَخَرَجَتْ تَعْدُو وَهِيَ تَقُولُ أَشْهَدُ أَنْ
لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّك رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ } .
وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طُرُقٍ وَأَبُو نُعَيْمٍ
الْأَصْبَهَانِيُّ ، وَقَالَ بَعْضُ حُفَّاظِ الْمُتَأَخِّرِينَ إنَّ هَذَا وَرَدَ
فِي الْجُمْلَةِ فِي عِدَّةِ أَحَادِيثَ يَتَقَوَّى بَعْضُهَا بِبَعْضٍ وَرَدَّهَا
شَيْخُ الْإِسْلَامِ الْعَسْقَلَانِيُّ فِي تَخْرِيجِ أَحَادِيثِ الْمُخْتَصَرِ انْتَهَى .
وَالْحَاصِلُ : أَنَّهُ وَإِنْ ضَعَّفَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ
الْأَئِمَّةِ لَكِنَّ طُرُقَهُ يُقَوِّي بَعْضُهَا بَعْضًا وَبِذَلِكَ يُرَدُّ
قَوْلُ الْحَافِظِ ابْنِ كَثِيرٍ لَا أَصْلَ لَهُ وَقَدْ ذَكَرَهُ الْقَاضِي
عِيَاضٌ فِي الشِّفَاءِ .
وَقَالَ التَّاجُ السُّبْكِيُّ فِي شَرْحِ الْمُخْتَصَرِ
: هُوَ وَتَسْبِيحُ الْحَصَى وَإِنْ لَمْ يَتَوَاتَرَا فَلَعَلَّهُمَا
اُسْتُغْنِيَ عَنْهُمَا بِنَقْلِ غَيْرِهِمَا أَوْ لَعَلَّهُمَا تَوَاتَرَا إذْ
ذَاكَ .
وَابْنُ عَسَاكِرَ : { أَلَا أُنَبِّئُك بِشَرِّ
النَّاسِ ؟ مَنْ أَكَلَ وَحْدَهُ وَمَنَعَ رِفْدَهُ وَسَافَرَ وَحْدَهُ وَضَرَبَ
عَبْدَهُ ، أَلَا أُنَبِّئُك بِشَرٍّ مِنْ هَذَا ؟ مَنْ يُبْغِضُ النَّاسَ
وَيُبْغِضُونَهُ ، أَلَا أُنَبِّئُك بِشَرٍّ مِنْ هَذَا ؟ مَنْ يُخْشَى شَرُّهُ
وَلَا يُرْجَى خَيْرُهُ ، أَلَا أُنَبِّئُك بِشَرٍّ مِنْ هَذَا ؟ مَنْ بَاعَ
آخِرَتَهُ بِدُنْيَا غَيْرِهِ أَلَا أُنَبِّئُك بِشَرٍّ مِنْ هَذَا ؟ مَنْ أَكَلَ
الدُّنْيَا بِالدِّينِ } .
وَأَحْمَدُ مِنْ طُرُقٍ رُوَاةُ بَعْضِهَا
ثِقَاتٌ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ
: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : { وَيْلٌ
لِلْعُرَفَاءِ وَيْلٌ لِلْأُمَنَاءِ ، لَيَتَمَنَّيَنَّ أَقْوَامٌ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ أَنَّ ذَوَائِبَهُمْ مُعَلَّقَةٌ بِالثُّرَيَّا يَتَدَلَّوْنَ بَيْنَ
السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَكُونُوا عَمِلُوا عَلَى شَيْءٍ } .
وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالْحَاكِمُ
وَاللَّفْظُ لَهُ وَصَحَّحَهُ :
{ وَيْلٌ لِلْأُمَرَاءِ وَيْلٌ لِلْعُرَفَاءِ ، وَيْلٌ
لِلْأُمَنَاءِ لَيَتَمَنَّيَنَّ أَقْوَامٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنَّ
ذَوَائِبَهُمْ مُعَلَّقَةٌ بِالثُّرَيَّا يُدْلَوْنَ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ
وَأَنَّهُمْ لَمْ يَلُوا عَمَلًا
} .
وَالْبَزَّارُ : { إنَّ فِي النَّارِ حَجَرًا يُقَالُ
لَهُ وَيْلٌ يَصْعَدُ عَلَيْهِ الْعُرَفَاءُ وَيَنْزِلُونَ } .
وَأَبُو يَعْلَى قَالَ الْحَافِظُ الْمُنْذِرِيُّ
وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : {
أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّتْ بِهِ جِنَازَةٌ
فَقَالَ طُوبَى لَهُ إنْ لَمْ يَكُنْ عَرِيفًا } .
وَأَبُو دَاوُد عَنْ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ {
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَرَبَ عَلَى
مَنْكِبَيْهِ ثُمَّ قَالَ : أَفْلَحْتَ يَا قَدِيمُ إنْ مِتَّ وَلَمْ تَكُنْ
أَمِيرًا وَلَا كَاتِبًا وَلَا عَرِيفًا } .
وَالطَّبَرَانِيُّ عَمَّنْ قَالَ الْحَافِظُ
الْمُنْذِرِيُّ فِيهِ إنَّهُ لَا يَعْرِفُهُ : إنَّ جَدَّهُ { أَتَى النَّبِيَّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ رَجُلًا مِنْ
بَنِي تَمِيمٍ ذَهَبَ بِمَالِي كُلِّهِ ، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّهُ لَيْسَ عِنْدِي مَا أُعْطِيكَهُ ثُمَّ قَالَ
هَلْ لَك أَنْ تُعَرِّفَ عَلَى قَوْمِك أَوْ أَلَا أُعَرِّفُك عَلَى قَوْمِك ؟
قُلْت لَا ، قَالَ : أَمَا إنَّ الْعَرِيفَ يُدْفَعُ فِي النَّار دَفْعًا } .
وَأَبُو دَاوُد : { إنَّ قَوْمًا كَانُوا عَلَى مَنْهَلٍ
مِنْ الْمَنَاهِلِ فَلَمَّا بَلَغَهُمْ الْإِسْلَامُ جَعَلَ صَاحِبُ الْمَاءِ
لِقَوْمِهِ مِائَةً مِنْ الْإِبِلِ عَلَى أَنْ يُسْلِمُوا فَأَسْلَمُوا وَقَسَمَ الْإِبِلَ
بَيْنَهُمْ
وَبَدَا لَهُ أَنْ يَرْتَجِعَهَا فَأَرْسَلَ ابْنَهُ
إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ } وَفِي
آخِرِهِ { ثُمَّ قَالَ : إنَّ أَبِي شَيْخٌ كَبِيرٌ وَهُوَ عَرِيفُ الْمَاءِ
وَإِنَّهُ يَسْأَلُك أَنْ تَجْعَلَ لِي هَذِهِ الْعِرَافَةَ بَعْدَهُ قَالَ : إنَّ
الْعِرَافَةَ حَقٌّ وَلَا بُدَّ لِلنَّاسِ مِنْ عِرَافَةٍ وَلَكِنَّ الْعُرَفَاءَ
فِي النَّارِ } .
وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ : { لَيَأْتِيَنَّ
عَلَيْكُمْ أُمَرَاءُ يُقَرِّبُونَ شِرَارَ النَّاسِ وَيُؤَخِّرُونَ الصَّلَاةَ
عَنْ مَوَاقِيتِهَا فَمَنْ أَدْرَكَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَلَا يَكُونَنَّ عَرِيفًا وَلَا
شُرْطِيًّا وَلَا جَابِيًا وَلَا خَازِنًا } .
وَصَحَّ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ : { لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ لَحْمٌ نَبَتَ مِنْ سُحْتٍ النَّارُ أَوْلَى
بِهِ } وَالْمَكْسُ مِنْ أَقْبَحِ السُّحْتِ وَأَفْحَشِهِ .
وَذَكَرَ الْوَاحِدِيُّ فِي تَفْسِيرِ قَوْله تَعَالَى :
{ لَا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ } عَنْ جَابِرٍ { أَنَّ رَجُلًا قَالَ :
يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ الْخَمْرَ كَانَتْ تِجَارَتِي وَإِنِّي جَمَعْت مِنْ
بَيْعِهَا مَالًا فَهَلْ يَنْفَعُنِي ذَلِكَ الْمَالُ إنْ عَمِلْت فِيهِ بِطَاعَةِ
اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ : إنْ أَنْفَقْتَهُ فِي حَجٍّ أَوْ جِهَادٍ أَوْ صَدَقَةٍ لَمْ يَعْدِلْ عِنْدَ
اللَّهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ إنَّ اللَّهَ لَا يَقْبَلُ إلَّا الطَّيِّبَ ،
فَأَنْزَلَ اللَّهُ - تَعَالَى - تَصْدِيقًا لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { قُلْ لَا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ } } .
قَالَ الْحَسَنُ وَعَطَاءٌ : هُوَ الْحَلَالُ
وَالْحَرَامُ .
وَفِي حَدِيثِ الْمَرْأَةِ الَّتِي طَهَّرَتْ نَفْسَهَا
بِالرَّجْمِ : { لَقَدْ تَابَتْ تَوْبَةً لَوْ تَابَهَا صَاحِبُ مَكْسٍ لَغُفِرَ
لَهُ أَوْ لَقُبِلَتْ مِنْهُ }
.
وَالدَّيْلَمِيُّ : { سِتَّةُ أَشْيَاءَ تُحْبِطُ الْعَمَلَ
الِاشْتِغَالُ بِعُيُوبِ الْخَلْقِ ، وَقَسْوَةُ الْقَلْبِ ، وَحُبُّ الدُّنْيَا ،
وَقِلَّةُ الْحَيَاءِ ، وَطُولُ الْأَمَلِ ، وَظَالِمٌ لَا يَنْتَهِي } .
وَابْنُ حِبَّانَ مُرْسَلًا : { الْبِرُّ لَا يَبْلَى ،
وَالذَّنْبُ لَا
يُنْسَى ، وَالدَّيَّانُ لَا يَمُوتُ ، اعْمَلْ مَا
شِئْت كَمَا تَدِينُ تُدَانُ }
.
تَنْبِيهٌ :
عَدُّ ذَلِكَ مِنْ الْكَبَائِرِ ظَاهِرٌ وَبِهِ صَرَّحَ
جَمَاعَةٌ ، وَالْأَحَادِيثُ فِي وَعِيدِهِ كَثِيرَةٌ ، صَحِيحَةٌ لَا تُحْصَى وَسَيَأْتِي
جُمْلَةٌ مِنْهَا فِي الظُّلْمِ ، وَكُلُّهَا يَدْخُلُ الْمَكَّاسُونَ
وَأَعْوَانُهُمْ فِي وَعِيدِهَا ، وَمَا ذَكَرْته فِي كَاتِبِ الْمَكْسِ فِي
التَّرْجَمَةِ هُوَ مَا أَفْتَى بِهِ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَهُوَ ظَاهِرٌ ،
لِأَنَّ الْفَرْضَ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ أَنَّهُ لَا يَحْضُرُ لِأَخْذِ شَيْءٍ مِنْ
الْمَكْسِ بَلْ لِمُجَرَّدِ ضَبْطِ مَا يُؤْخَذُ وَيُعْطَى فَحَسْبُ ، وَلَوْ
جَعَلَ لَهُ السُّلْطَانُ شَيْئًا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ عَلَى الْحُضُورِ فَحَضَرَ
بِقَصْدِ الضَّبْطِ جَازَ ، ثُمَّ رَأَيْت كَلَامَ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ .
وَفِيهِ التَّصْرِيحُ بِجَوَازِ أَخْذِ الْأُجْرَةِ
بِنِيَّةِ رَدِّهَا وَذَلِكَ لِأَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الشَّهَادَةِ عَلَى الْمَكْسِ
وَأَخْذِ الظَّلَمَةِ الْأَمْوَالَ ، فَقَالَ إنْ قَصَدَ الشَّاهِدُ بِذَلِكَ
حِفْظَ الْمَالِ عَلَى أَرْبَابِهِ ، وَالشَّهَادَةَ لَهُمْ لِيَرْجِعُوا بِهِ فِي
وَقْتٍ آخَرَ عِنْدَ إمْكَانِهِ بِرُجُوعِ السُّلْطَانِ إلَى الْعَدْلِ أَوْ تَوْلِيَةِ
عَدْلٍ جَازَ ، وَإِنْ قَصَدُوا إعَانَةَ الظَّلَمَةِ لَمْ يَجُزْ .
وَيَجُوزُ أَنْ يَأْخُذُوا الْأُجْرَةَ بِنِيَّةِ
رَدِّهَا عَلَى أَرْبَابِهَا إلَّا أَنْ يَكُونُوا مِنْ الْعُلَمَاءِ الَّذِينَ يَقْتَدِي
بِهِمْ النَّاسُ لِأَنَّهُمْ لَا يَطَّلِعُونَ عَلَى نِيَّاتِهِمْ .
وَاعْلَمْ أَنَّ بَعْضَ فَسَقَةِ التُّجَّارِ يَظُنُّ أَنَّ
مَا يُؤْخَذُ مِنْ الْمَكْسِ يُحْسَبُ عَنْهُ إذَا نَوَى بِهِ الزَّكَاةَ وَهَذَا
ظَنٌّ بَاطِلٌ لَا مُسْتَنَدَ لَهُ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ ، لِأَنَّ
الْإِمَامَ لَمْ يُنَصِّبْ الْمَكَّاسِينَ لِقَبْضِ الزَّكَاةِ مِمَّنْ تَجِبُ
عَلَيْهِ دُونَ غَيْرِهِ ، وَإِنَّمَا نَصَّبَهُمْ لِأَخْذِ عُشُورِ أَيِّ مَالٍ
وَجَدُوهُ قَلَّ أَوْ كَثُرَ وَجَبَتْ فِيهِ زَكَاةٌ أَوْ لَا ، وَزَعَمَ أَنَّهُ
إنَّمَا أَمَرَ بِأَخْذِ ذَلِكَ لِيَصْرِفَهُ عَلَى الْجُنْدِ فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ
لَا يُفِيدُ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ
.
لِأَنَّا لَوْ سَلَّمْنَا أَنَّ
ذَلِكَ سَائِغٌ بِشَرْطِهِ وَهُوَ أَنْ لَا يَكُونَ فِي
بَيْتِ الْمَالِ شَيْءٌ .
وَاضْطُرَّ الْإِمَامُ إلَى الْأَخْذِ مِنْ مَالِ
الْأَغْنِيَاءِ لَكَانَ أَخْذُهُ غَيْرَ مُسْقِطٍ لِلزَّكَاةِ أَيْضًا لِأَنَّهُ
لَمْ يَأْخُذْهُ بِاسْمِهَا .
وَذَكَرَ لِي بَعْضُ التُّجَّارِ أَنَّهُ إذَا أَعْطَى
الْمَكَّاسَ نَوَى بِهِ أَنَّهُ مِنْ الزَّكَاةِ فَيَكُونُ الْمَكَّاسُ قَدْ
مَلَكَهُ زَكَاةً ، وَأَنَّهُ ضَيَّعَهُ هُوَ بِإِعْطَائِهِ لِلْغَيْرِ وَهَذَا
لَا يُفِيدُ شَيْئًا لِأَنَّ الْمَكَسَةَ وَأَعْوَانَهُمْ عَزَّ أَنْ تَجِدَ فِيهِمْ
مُسْتَحِقًّا لِلزَّكَاةِ ، لِأَنَّهُمْ كُلَّهُمْ لَهُمْ قُدْرَةٌ عَلَى صَنْعَةٍ
وَكَسْبٍ ، وَلَهُمْ قُوَّةٌ وَتَجَبُّرٌ لَوْ صَرَفُوهُ فِي تَحْصِيلِ
مُؤْنَتِهِمْ مِنْ كَسْبٍ حَلَالٍ لَاسْتَغْنَوْا بِهِ عَنْ هَذِهِ الْفَاحِشَةِ
الْقَبِيحَةِ .
وَمَنْ هَذِهِ حَالَتُهُ كَيْفَ يُعْطَى مِنْ الزَّكَاةِ
، لَكِنَّ مَحَبَّةَ التُّجَّارِ لِأَمْوَالِهِمْ أَعْمَتْهُمْ عَنْ أَنْ
يُبْصِرُوا الْحَقَّ وَأَصَمَّتْهُمْ عَنْ أَنْ يَسْمَعُوا مَا يَنْفَعُهُمْ فِي
دِينِهِمْ اتِّبَاعًا لِلشَّيْطَانِ وَتَسْوِيلِهِ لَهُمْ أَنَّ هَذَا الْمَالَ
مَأْخُوذٌ مِنْهُمْ قَهْرًا وَظُلْمًا ، فَكَيْفَ مَعَ ذَلِكَ يُخْرِجُونَ
الزَّكَاةَ ، وَمَا دَرَوْا أَنَّ اللَّهَ أَوْجَبَ عَلَيْهِمْ الزَّكَاةَ فَلَا
يَبْرَءُونَ مِنْهَا إلَّا بِدَفْعِهَا عَلَى وَجْهٍ سَائِغٍ جَائِزٍ ، وَأَمَّا
مَا ظُلِمُوا بِهِ فَكَيْفَ يُكْتَبُ لَهُمْ بِهِ حَسَنَاتٌ وَيُرْفَعُ لَهُمْ
بِهِ دَرَجَاتٌ ، وَقَدْ جَعَلَ الْعُلَمَاءُ الْمَكَّاسِينَ مِنْ جُمْلَةِ اللُّصُوصِ
وَقُطَّاعِ الطَّرِيقِ بَلْ أَشَرُّ وَأَقْبَحُ ، وَلَوْ أَخَذَ مِنْك قُطَّاعُ
الطَّرِيقِ مَالًا فَنَوَيْت بِهِ الزَّكَاةَ فَهَلْ يَنْفَعُ ذَلِكَ مُطْلَقًا ؟
فَكَمَا أَنَّ ذَاكَ لَا يَنْفَعُك فَكَذَا هَذَا لَا يَنْفَعُك وَلَا يُجْدِيك
شَيْئًا فَاحْذَرْ ذَلِكَ .
وَلَقَدْ شَنَّعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى بَعْضِ الْجُهَّالِ
الزَّاعِمِينَ أَنَّ الدَّفْعَ إلَى الْمَكَّاسِينَ بِنِيَّةِ الزَّكَاةِ
يُجْدِيهِمْ وَأَطَالُوا فِي رَدِّ هَذِهِ الْمَقَالَةِ وَتَسْفِيهِهَا ، وَأَنَّ قَائِلَهَا
جَاهِلٌ لَا يُرْجَعُ إلَيْهِ وَلَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ ، فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ
وَاعْمَلْ بِهِ
تَغْنَمْ إنْ شَاءَ اللَّهُ - تَعَالَى - .
( سُؤَالُ الْغَنِيِّ بِمَالٍ أَوْ كَسْبِ التَّصَدُّقِ
عَلَيْهِ طَمَعًا وَتَكَثُّرًا ) أَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ وَغَيْرُهُ بِسَنَدٍ
صَحِيحٍ : { مَنْ سَأَلَ مِنْ فَقْرٍ فَكَأَنَّمَا يَأْكُلُ الْجَمْرَ } .
وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبَيْهَقِيِّ : { الَّذِي يَسْأَلُ
النَّاسَ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ كَمَثَلِ الَّذِي يَلْتَقِطُ الْجَمْرَ } .
وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ غَرِيبٌ عَنْ حَبَشِيِّ بْنِ
جُنَادَةَ قَالَ : { سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَهُوَ وَاقِفٌ بِعَرَفَةَ وَأَتَاهُ أَعْرَابِيٌّ
فَأَخَذَ بِطَرَفِ رِدَائِهِ فَسَأَلَهُ إيَّاهُ فَأَعْطَاهُ وَذَهَبَ فَعِنْدَ
ذَلِكَ حَرُمَتْ الْمَسْأَلَةُ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ : إنَّ الْمَسْأَلَةَ لَا تَحِلُّ لِغَنِيٍّ وَلَا لِذِي مِرَّةٍ } : أَيْ بِكَسْرٍ
فَشَدَّةٍ أَيْ قُوَّةٍ ، { سَوِيٍّ تَامِّ الْخَلْقِ سَالِمٍ مِنْ مَوَانِعِ
الِاكْتِسَابِ إلَّا لِذِي فَقْرٍ مُدْقِعٍ } : أَيْ بِضَمٍّ فَسُكُونٍ
لِلْمُهْمَلَةِ فَكَسْرٍ وَهُوَ الشَّدِيدُ الْمُلْصِقُ صَاحِبَهُ بِالدَّقْعَاءِ
وَهِيَ الْأَرْضُ الَّتِي لَا نَبَاتَ فِيهَا { أَوْ لِذِي غُرْمٍ مُفْظِعٍ ،
وَمَنْ سَأَلَ النَّاسَ لِيُثْرِيَ } : أَيْ بِالْمُثَلَّثَةِ { يَزِيدُ مِنْ
مَالِهِ كَانَ خُمُوشًا فِي وَجْهِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَرَضْفًا } : أَيْ
بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ لِلْمُعْجَمَةِ فَفَاءٍ حِجَارَةٌ مُحْمَاةٌ تَأْكُلُهُ مِنْ جَهَنَّمَ { .
فَمَنْ شَاءَ فَلْيُقْلِلْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيُكْثِرْ } زَادَ رَزِينٌ {
وَإِنِّي لَأُعْطِي الرَّجُلَ الْعَطِيَّةَ فَيَنْطَلِقُ بِهَا تَحْتَ إبِطِهِ
وَمَا هِيَ إلَّا النَّارُ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ : وَلِمَ تُعْطِي يَا رَسُولَ اللَّهِ
مَا هُوَ نَارٌ ؟ فَقَالَ : يَأْبَى اللَّهُ لِي الْبُخْلَ وَأَبَوْا إلَّا
مَسْأَلَتِي ؟ قَالُوا وَمَا الْغِنَى الَّذِي لَا يَنْبَغِي مَعَهُ الْمَسْأَلَةُ
؟ قَالَ قَدْرُ مَا يُغَدِّيهِ أَوْ يُعَشِّيهِ } .
قَالَ الْحَافِظُ الْمُنْذِرِيُّ : وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ لَهَا
شَوَاهِدُ كَثِيرَةٌ لَكِنْ لَمْ أَقِفْ عَلَيْهَا فِي شَيْءٍ مِنْ نُسَخِ
التِّرْمِذِيِّ وَأَحْمَدَ .
وَالْأَرْبَعَةُ وَالْحَاكِمُ : { مَنْ سَأَلَ النَّاسَ
وَلَهُ مَا يُغْنِيهِ جَاءَ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ وَمَسْأَلَتُهُ فِي وَجْهِهِ خُمُوشٌ أَوْ
خُدُوشٌ أَوْ كُدُوحٌ ، قِيلَ وَمَا الْغِنَى ؟ قَالَ خَمْسُونَ دِرْهَمًا أَوْ
قِيمَتُهَا مِنْ الذَّهَبِ } .
وَأَبُو دَاوُد وَالْحَاكِمُ : { مَنْ يَتَكَفَّلُ لِي
أَنْ لَا يَسْأَلَ النَّاسَ شَيْئًا وَأَتَكَفَّلُ لَهُ بِالْجَنَّةِ } .
وَأَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ : { مَنْ
يَتَقَبَّلُ لِي بِوَاحِدَةٍ وَأَتَقَبَّلُ لَهُ بِالْجَنَّةِ لَا يَسْأَلُ
النَّاسَ شَيْئًا } .
وَابْنُ حِبَّانَ : { مَنْ سَأَلَ وَلَهُ قِيمَةُ
أُوقِيَّةٍ فَقَدْ أَلْحَفَ } .
وَالنَّسَائِيُّ : { مَنْ سَأَلَ وَلَهُ قِيمَةُ
أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا فَهُوَ الْمُلْحِفُ } .
وَأَحْمَدُ :
{ مَنْ اسْتَعَفَّ عَفَّهُ اللَّهُ ، وَمَنْ اسْتَغْنَى
أَغْنَاهُ اللَّهُ ، وَمَنْ سَأَلَ النَّاسَ وَلَهُ عِدْلُ خَمْسِ أَوَاقٍ فَقَدْ أَلْحَفَ } .
وَمُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ : { مَنْ سَأَلَ النَّاسَ
تَكَثُّرًا فَإِنَّمَا يَسْأَلُ جَمْرًا فَلْيَسْتَقِلَّ أَوْ لِيَسْتَكْثِرْ } .
وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ وَغَيْرُهُ بِسَنَدٍ
جَيِّدٍ : { مَنْ سَأَلَ النَّاسَ مَسْأَلَةً عَنْ ظَهْرِ غِنًى اسْتَكْثَرَ بِهَا
مِنْ رَضْفِ جَهَنَّمَ ، قَالُوا وَمَا ظَهْرُ غِنًى ؟ قَالَ عَشَاءُ لَيْلَةٍ } .
وَالشَّيْخَانِ : { لَا تَزَالُ الْمَسْأَلَةُ
بِأَحَدِكُمْ حَتَّى يَلْقَى اللَّهَ
- تَعَالَى - وَلَيْسَ فِي وَجْهِهِ مُزْعَةُ لَحْمٍ } :
أَيْ بِضَمٍّ فَسُكُونِ الزَّايِ فَمُهْمَلَةٍ قِطْعَةٌ .
وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ : {
الْمَسْأَلَةُ كَدٌّ يَكُدُّ بِهَا الرَّجُلُ } ، وَفِي رِوَايَةٍ .
" كُدُوحٌ " ، أَيْ بِضَمِّ الْكَافِ آثَارُ
خُمُوشٍ يَكُدُّ ، وَفِي رِوَايَةٍ : { يَكْدَحُ بِهَا الرَّجُلُ وَجْهَهُ فَمَنْ
شَاءَ أَبْقَى عَلَى وَجْهِهِ وَمَنْ شَاءَ تَرَكَ إلَّا أَنْ يَسْأَلَ ذَا
سُلْطَانٍ أَوْ فِي أَمْرٍ لَا يَجِدُ مِنْهُ بُدًّا } ، وَرُوِيَ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى
رُوَاتُهَا ثِقَاتٌ مَشْهُورُونَ وَالْبَزَّارُ وَغَيْرُهُ : { لَا يَزَالُ
الْعَبْدُ يَسْأَلُ وَهُوَ غَنِيٌّ حَتَّى يَخْلَقَ وَجْهُهُ فَمَا يَكُونُ لَهُ
عِنْدَ اللَّهِ وَجْهٌ } .
وَالْبَيْهَقِيُّ قَالَ الْحَافِظُ الْمُنْذِرِيُّ
وَهُوَ حَدِيثٌ جَيِّدٌ فِي الشَّوَاهِدِ : { مَنْ فَتَحَ عَلَى نَفْسِهِ بَابَ
مَسْأَلَةٍ مِنْ
غَيْرِ فَاقَةٍ تَنَزَّلَتْ بِهِ أَوْ عِيَالٍ لَا
يُطِيقُهُمْ فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ بَابَ فَاقَةٍ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ } .
وَصَحَّ : { مَسْأَلَةُ الْغَنِيِّ شَيْنٌ فِي وَجْهِهِ
إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ } .
زَادَ الْبَزَّارُ : { وَمَسْأَلَةُ الْغَنِيِّ نَارٌ
إنْ أُعْطِيَ قَلِيلًا فَقَلِيلٌ ، وَإِنْ أُعْطِيَ كَثِيرًا فَكَثِيرٌ } .
وَصَحَّ : { مَنْ سَأَلَ مَسْأَلَةً وَهُوَ عَنْهَا
غَنِيٌّ كَانَتْ شَيْنًا فِي وَجْهِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ } .
وَالْبَيْهَقِيُّ : { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أُتِيَ بِرَجُلٍ لِيُصَلِّيَ عَلَيْهِ قَالَ كَمْ تَرَكَ : قَالُوا
دِينَارَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً ، قَالَ تَرَكَ كَيَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثَ كَيَّاتٍ }
، فَلَقِيتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْقَاسِمِ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ فَذَكَرْت
ذَلِكَ لَهُ ، فَقَالَ ذَاكَ رَجُلٌ كَانَ يَسْأَلُ النَّاسَ تَكَثُّرًا " .
تَنْبِيهٌ :
عَدُّ مَا ذُكِرَ كَبِيرَةً ظَاهِرٌ وَإِنْ لَمْ أَرَ
مَنْ صَرَّحَ بِهِ لِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ الْمُشْتَمِلَةِ عَلَى الْوَعِيدِ
الشَّدِيدِ ، وَمَرَّ تَقْيِيدُ الْحُرْمَةِ بِالْغِنَى .
وَفِي خَبَرِ أَبِي دَاوُد : { مَنْ سَأَلَ وَعِنْدَهُ مَا يُغْنِيهِ
فَإِنَّمَا يَسْتَكْثِرُ مِنْ النَّارِ } ، قَالَ أَحَدُ رُوَاتِهِ { قَالُوا
وَمَا الْغِنَى الَّذِي لَا تَنْبَغِي مَعَهُ الْمَسْأَلَةُ ؟ قَالَ بِقَدْرِ مَا
يُغَدِّيهِ وَيُعَشِّيهِ } .
وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَقَالَ فِيهِ : { مَنْ سَأَلَ
شَيْئًا وَعِنْدَهُ مَا يُغْنِيهِ فَإِنَّمَا يَسْتَكْثِرُ مِنْ جَمْرِ جَهَنَّمَ
، قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا يُغْنِيهِ ؟ قَالَ مَا يُغَدِّيهِ أَوْ
يُعَشِّيهِ كَذَا عِنْدَهُ أَوْ يُعَشِّيهِ بِأَلْفٍ } .
وَرَوَاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ بِاخْتِصَارٍ إلَّا أَنَّهُ
قَالَ : { قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا الْغِنَى الَّذِي لَا تَنْبَغِي مَعَهُ
الْمَسْأَلَةُ ؟ قَالَ أَنْ يَكُونَ لَهُ شِبَعُ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ أَوْ لَيْلَةٍ
وَيَوْمٍ } .
قَالَ الْخَطَّابِيُّ : اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي تَأْوِيلِ
هَذَا الْحَدِيثِ ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ مَنْ وَجَدَ غَدَاءَ يَوْمٍ وَعَشَاءً لَمْ
تَحِلَّ لَهُ الْمَسْأَلَةُ عَلَى ظَاهِرِ الْحَدِيثِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ :
إنَّمَا هُوَ فِيمَنْ وَجَدَ غَدَاءً
وَعَشَاءً عَلَى دَائِمِ الْأَوْقَاتِ ، فَإِذَا كَانَ
عِنْدَهُ مَا يَكْفِيهِ لِقُوتِهِ الْمُدَّةَ الطَّوِيلَةَ حَرُمَتْ عَلَيْهِ
الْمَسْأَلَةُ .
وَقَالَ آخَرُونَ : هَذَا مَنْسُوخٌ بِالْأَحَادِيثِ
الَّتِي فِيهَا تَقْدِيرُ الْغِنَى بِمِلْكِ خَمْسِينَ دِرْهَمًا أَوْ قِيمَتِهَا
وَبِمِلْكِ أُوقِيَّةٍ أَوْ قِيمَتِهَا انْتَهَى .
وَالرَّاجِحُ عِنْدَنَا هُوَ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ إنْ
كَانَ يَسْأَلُ صَدَقَةَ التَّطَوُّعِ ، فَإِنْ كَانَ يَسْأَلُ الزَّكَاةَ لَمْ تَحْرُمْ
عَلَيْهِ إلَّا إنْ كَانَ عِنْدَهُ كِفَايَةُ بَقِيَّةِ الْعُمُرِ الْغَالِبِ ،
وَادِّعَاءُ النَّسْخِ مَمْنُوعٌ إذْ شَرْطُهُ عِلْمُ التَّارِيخِ وَتَأَخُّرُ
النَّاسِخِ عَنْ الْمَنْسُوخِ وَلَمْ يُعْلَمْ ذَلِكَ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَدْ يَكُونُ
الرَّجُلُ بِالدِّرْهَمِ غَنِيًّا مَعَ كَسْبِهِ وَلَا تُغْنِيهِ الْأَلْفُ مَعَ
ضَعْفِهِ وَكَثْرَةِ عِيَالِهِ
.
وَذَهَبَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَابْنُ الْمُبَارَكِ
وَالْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ إلَى أَنَّ مَنْ لَهُ خَمْسُونَ
دِرْهَمًا أَوْ قِيمَتُهَا مِنْ الذَّهَبِ لَا يُدْفَعُ إلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ
الزَّكَاةِ ، وَكَانَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَأَبُو عُبَيْدَةَ يَقُولَانِ :
مَنْ لَهُ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا فَهُوَ غَنِيٌّ .
وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ : يَجُوزُ دَفْعُهَا إلَى
مَنْ يَمْلِكُ دُونَ النِّصَابِ وَإِنْ كَانَ صَحِيحًا مُكْتَسِبًا مَعَ
قَوْلِهِمْ مَنْ كَانَ لَهُ قُوتُ يَوْمٍ لَا يَحِلُّ لَهُ السُّؤَالُ اسْتِدْلَالًا
بِهَذَا الْحَدِيثِ وَغَيْرِهِ
.
وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ .
{ أَنَّ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ أَتَى النَّبِيَّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَهُ قَالَ أَمَا فِي بَيْتِك شَيْءٌ ؟
قَالَ بَلَى حِلْسٌ } : أَيْ بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ فَسُكُونٍ فَمُهْمَلَةٍ كِسَاءٌ
غَلِيظٌ يَكُونُ بِظَهْرِ الْبَعِيرِ ، وَقَدْ يُطْلَقُ عَلَى مَا يُدَاسُ مِنْ
الْأَكْسِيَةِ وَنَحْوِهَا يُلْبَسُ بَعْضُهُ وَيُبْسَطُ بَعْضُهُ وَقَعْبٌ
يُشْرَبُ فِيهِ مِنْ الْمَاءِ ، { قَالَ ائْتِنِي بِهِمَا فَأَتَاهُ بِهِمَا فَأَخَذَهُمَا
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ وَقَالَ مَنْ
يَشْتَرِي هَذَيْنِ ؟ قَالَ رَجُلٌ
أَنَا آخُذُهُمَا بِدِرْهَمٍ ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ يَزِيدُ عَلَى دِرْهَمٍ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا
، قَالَ رَجُلٌ أَنَا آخُذُهُمَا بِدِرْهَمَيْنِ فَأَعْطَاهُمَا إيَّاهُ وَأَخَذَ
الدِّرْهَمَيْنِ ، فَأَعْطَاهُمَا الْأَنْصَارِيَّ وَقَالَ اشْتَرِ بِأَحَدِهِمَا
طَعَامًا فَانْبِذْهُ إلَى أَهْلِك وَاشْتَرِ بِالْآخَرِ قَدُومًا فَأْتِنِي بِهِ
، فَأَتَاهُ بِهِ فَشَدَّ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ عُودًا بِيَدِهِ ثُمَّ قَالَ اذْهَبْ فَاحْتَطِبْ وَبِعْ وَلَا
أَرَيَنَّكَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا ، فَفَعَلَ فَجَاءَ وَقَدْ أَصَابَ عَشَرَةَ
دَرَاهِمَ فَاشْتَرَى بِبَعْضِهَا ثَوْبًا وَبِبَعْضِهَا طَعَامًا ، فَقَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : هَذَا خَيْرٌ لَك مِنْ أَنْ
تَجِيءَ الْمَسْأَلَةُ نُكْتَةً فِي وَجْهِك يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، إنَّ الْمَسْأَلَةَ
لَا تَصْلُحُ إلَّا لِثَلَاثٍ : لِذِي فَقْرٍ مُدْقِعٍ ، أَوْ لِذِي غُرْمٍ } :
أَيْ وَهُوَ مَا يَلْزَمُ أَدَاؤُهُ تَكَلُّفًا لَا فِي مُقَابَلَةِ عِوَضٍ
مُفْظِعٍ أَيْ شَدِيدٍ شَنِيعٍ ، { أَوْ لِذِي دَمٍ مُوجِعٍ } : أَيْ وَهُوَ مَنْ
يَتَحَمَّلُ دِيَةً عَنْ قَاتِلٍ لِيَعْفُوَ عَنْهُ أَوْلِيَاءُ الدَّمِ خَشْيَةً
مِنْ أَنْ يَقْتُلُوهُ فَيَتَوَجَّعَ لِنَحْوِ قَرَابَةٍ أَوْ صَدَاقَةٍ .
وَصَحَّ : { طُوبَى لِمَنْ هُدِيَ لِلْإِسْلَامِ وَكَانَ
عَيْشُهُ كَفَافًا : أَيْ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ ، وَقَنِعَ } وَصَحَّ أَيْضًا : {
يَا أَبَا ذَرٍّ أَتَرَى كَثْرَةَ الْمَالِ هُوَ الْغِنَى ؟ قُلْت نَعَمْ يَا
رَسُولَ اللَّهِ ، قَالَ أَفَتَرَى قِلَّةَ الْمَالِ هُوَ الْفَقْرَ ؟ قُلْت
نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، قَالَ إنَّمَا الْغِنَى غِنَى الْقَلْبِ ،
وَالْفَقْرُ فَقْرُ الْقَلْبِ }
.
وَرَوَى الشَّيْخَانِ : { لَيْسَ الْمِسْكِينُ الَّذِي
تَرُدُّهُ اللُّقْمَةُ أَوْ اللُّقْمَتَانِ وَالتَّمْرَةُ وَالتَّمْرَتَانِ ،
وَلَكِنَّ الْمِسْكِينَ الَّذِي لَا يَجِدُ غِنًى يُغْنِيهِ وَلَا يُفْطَنُ لَهُ
فَيُتَصَدَّقُ عَلَيْهِ ، وَلَا يَقُومُ فَيَسْأَلُ النَّاسَ .
لَيْسَ الْغِنَى عَنْ كَثْرَةِ الْعَرَضِ ، وَلَكِنَّ
الْغِنَى غِنَى النَّفْسِ } ، وَصَحَّ أَنَّ رَجُلًا قَالَ : { أَوْصِنِي يَا
رَسُولَ اللَّهِ وَأَوْجِزْ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : عَلَيْك بِالْإِيَاسِ مِمَّا فِي أَيْدِي النَّاسِ ،
وَإِيَّاكَ وَالطَّمَعَ ، فَإِنَّهُ فَقْرٌ حَاضِرٌ ، وَإِيَّاكَ وَمَا يُعْتَذَرُ
مِنْهُ } ، وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ : {
الْقَنَاعَةُ كَنْزٌ لَا يَفْنَى
} ، وَرَفْعُهُ
غَرِيبٌ .
الْإِلْحَاحُ فِي السُّؤَالِ الْمُؤْذِي لِلْمَسْئُولِ
إيذَاءً شَدِيدًا أَخْرَجَ ابْنُ مَاجَهْ وَأَبُو نُعَيْمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
{ إنَّ اللَّهَ يُبْغِضُ السَّائِلَ الْمُلْحِفَ } أَيْ الْمُلِحَّ .
وَالْبَزَّارُ : { لَا يُؤْمِنُ عَبْدٌ حَتَّى يَأْمَنَ
جَارُهُ بَوَائِقَهُ .
مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ
فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ
فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَسْكُتْ
.
إنَّ اللَّهَ - تَبَارَكَ وَتَعَالَى - يُحِبُّ الْغَنِيَّ
الْحَلِيمَ الْمُتَعَفِّفَ وَيُبْغِضُ الْبَذِيءَ الْفَاجِرَ السَّائِلَ
الْمُلِحَّ } .
وَابْنُ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ : { إنَّ الرَّجُلَ
يَأْتِينِي فَيَسْأَلُنِي فَأُعْطِيهِ فَيَنْطَلِقُ وَمَا يَحْمِلُ فِي حِضْنِهِ
إلَّا النَّارَ } .
وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ
الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : { بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقْسِمُ ذَهَبًا إذْ أَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ يَا
رَسُولَ اللَّهِ أَعْطِنِي فَأَعْطَاهُ ، ثُمَّ قَالَ زِدْنِي فَزَادَهُ ثَلَاثَ
مَرَّاتٍ ، ثُمَّ وَلَّى مُدْبِرًا ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : يَأْتِينِي الرَّجُلُ فَيَسْأَلُنِي فَأُعْطِيهِ ثُمَّ يَسْأَلُنِي
فَأُعْطِيهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ثُمَّ وَلَّى مُدْبِرًا وَقَدْ جَعَلَ فِي ثَوْبِهِ
نَارًا إذَا انْقَلَبَ إلَى أَهْلِهِ
} .
وَأَحْمَدُ وَأَبُو يَعْلَى وَابْنُ حِبَّانَ فِي
صَحِيحِهِ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : أَنَّهُ { دَخَلَ عَلَى النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ رَأَيْت فُلَانًا
يَشْكُرُ ، يَذْكُرُ أَنَّك أَعْطَيْته دِينَارَيْنِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَكِنْ فُلَانٌ قَدْ أَعْطَيْته مَا بَيْنَ
الْعَشَرَةِ إلَى الْمِائَةِ فَمَا شُكْرُهُ وَمَا يَقُولُهُ .
إنَّ أَحَدَكُمْ لَيَخْرُجُ مِنْ عِنْدِي بِحَاجَتِهِ
مُتَأَبِّطَهَا ، أَيْ جَاعِلَهَا تَحْتَ إبِطِهِ وَمَا هِيَ إلَّا النَّارُ ،
قَالَ قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ لِمَ تُعْطِيهِمْ ؟ قَالَ يَأْبَوْنَ إلَّا
مَسْأَلَتِي وَيَأْبَى اللَّهُ لِي الْبُخْلَ } .
وَصَحَّ { لَا تُلْحِفُوا فِي الْمَسْأَلَةِ فَإِنَّهُ
مَنْ يَسْتَخْرِجْ مِنَّا بِهَا شَيْئًا لَمْ يُبَارَكْ لَهُ فِيهِ } .
وَصَحَّ أَيْضًا عِنْدَ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ : { لَا
تُلْحِفُوا فِي الْمَسْأَلَةِ ، فَوَاَللَّهِ لَا يَسْأَلُنِي أَحَدٌ مِنْكُمْ
شَيْئًا فَتُخْرِجُ لَهُ مَسْأَلَتُهُ مِنِّي شَيْئًا وَأَنَا لَهُ كَارِهٌ
فَيُبَارَكُ لَهُ فِيمَا أَعْطَيْته
} .
تَنْبِيهٌ : مَا ذَكَرْته مِنْ أَنَّ الْإِلْحَاحَ بِقَيْدِهِ
الْمَذْكُورِ كَبِيرَةٌ هُوَ ظَاهِرٌ وَكَلَامُهُمْ لَا يَأْبَاهُ وَإِنْ لَمْ
يُصَرِّحُوا بِذَلِكَ وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي ،
لِأَنَّ الْبُغْضَ الْمُتَرَتِّبَ عَلَيْهِ وَلَوْ مَعَ غَيْرِهِ يَقْرُبُ مِنْ
اللَّعْنِ الَّذِي مِنْ أَمَارَاتِ الْكَبِيرَةِ .
وَمِمَّا يُصَرِّحُ بِذَلِكَ جَعْلُهُ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ الثَّالِثِ وَالرَّابِعِ مَا يُؤْخَذُ بِهِ
نَارًا ، وَهَذَا وَعِيدٌ شَدِيدٌ
.
نَعَمْ لَوْ كَانَ السَّائِلُ مُضْطَرًّا ،
وَالْمَسْئُولُ مَانِعٌ لَهُ ظُلْمًا فَيَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ
الْإِلْحَاحُ حِينَئِذٍ ، وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَيْضًا أَنَّ كَوْنَ الْإِلْحَاحِ
كَبِيرَةً لَا يَتَقَيَّدُ بِتَكْرِيرِ السُّؤَالِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ، بَلْ يَنْبَغِي
تَقْيِيدُهُ بِمَا يُؤْذِي وَيُضْجِرُ عُرْفًا لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَحْمِلُ الْمَسْئُولَ
عَلَى غَايَةِ الْغَضَبِ وَيُخْرِجُهُ عَنْ حَيِّزِ الِاعْتِدَالِ وَيُوقِعُهُ فِي
أَشَرِّ السَّبِّ وَالشَّتْمِ وَغَيْرِهِمَا وَهَذَا أَذًى شَدِيدٌ وَخُلُقٌ
قَبِيحٌ ، وَمَعَاصٍ مُتَعَدِّدَةٌ جَرَّ إلَيْهَا الْإِلْحَاحُ وَحَمَلَ
عَلَيْهَا وَكَانَ سَبَبًا فِيهَا ، فَظَهَرَ مَا ذَكَرْته مِنْ أَنَّهُ حِينَئِذٍ
كَبِيرَةٌ .
خَاتِمَةٌ
: أَخْرَجَ الشَّيْخَانِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُمَا : { كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعْطِينِي
الْعَطَاءَ فَأَقُولُ أَعْطِهِ مَنْ هُوَ أَفْقَرُ إلَيْهِ مِنِّي ، قَالَ فَقَالَ
خُذْهُ ؛ إذَا جَاءَك مِنْ هَذَا الْمَالِ شَيْءٌ وَأَنْتَ غَيْرُ مُشْرِفٍ وَلَا سَائِلٍ
فَخُذْهُ فَتَمَوَّلْهُ ، فَإِنْ شِئْت كُلْهُ وَإِنْ شِئْت تَصَدَّقْ بِهِ وَمَا
لَا لَا تُتْبِعْهُ
نَفْسَك
} .
قَالَ وَلَدُهُ سَالِمٌ فَلِأَجْلِ ذَلِكَ كَانَ عَبْدُ
اللَّهِ لَا يَسْأَلُ أَحَدًا شَيْئًا وَلَا يَرُدُّ شَيْئًا أُعْطِيَهُ .
وَرَوَى مَالِكٌ مُرْسَلًا وَالْبَيْهَقِيُّ مَوْصُولًا
: أَنَّ { عُمَرَ أَرْسَلَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ بِعَطَاءٍ فَرَدَّهُ ، فَقَالَ لَهُ : لِمَ رَدَدْته ؟ فَقَالَ أَلَيْسَ
أَخْبَرْتنَا أَنَّ خَيْرًا لِأَحَدٍ أَنْ لَا يَأْخُذَ مِنْ أَحَدٍ شَيْئًا ؟
فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إنَّمَا ذَلِكَ عَنْ الْمَسْأَلَةِ ،
وَأَمَّا مَا كَانَ مِنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ فَإِنَّمَا ذَلِكَ رِزْقٌ يَرْزُقُهُ
اللَّهُ ، فَقَالَ عُمَرُ : أَمَا وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا أَسْأَلُ
أَحَدًا شَيْئًا وَلَا يَأْتِينِي بِشَيْءٍ مِنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ إلَّا أَخَذْته } .
وَصَحَّ : { مَنْ بَلَغَهُ عَنْ أَخِيهِ مَعْرُوفٌ مِنْ
غَيْرِ مَسْأَلَةٍ وَلَا إشْرَافِ نَفْسٍ فَلْيَقْبَلْهُ وَلَا يَرُدَّهُ
فَإِنَّمَا هُوَ رِزْقُهُ سَاقَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إلَيْهِ .
} وَصَحَّ أَيْضًا { مَنْ آتَاهُ اللَّهُ شَيْئًا مِنْ
هَذَا الْمَالِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَسْأَلَهُ فَلْيَقْبَلْهُ فَإِنَّمَا هُوَ رِزْقُهُ
سَاقَهُ اللَّهُ إلَيْهِ } .
وَصَحَّ أَيْضًا : { مَنْ عُرِضَ لَهُ مِنْ هَذَا
الرِّزْقِ شَيْءٌ مِنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ وَإِشْرَافِ نَفْسٍ فَلْيَتَوَسَّعْ بِهِ
فِي رِزْقِهِ ، فَإِنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيُوَجِّهْهُ إلَى مَنْ هُوَ أَحْوَجُ
إلَيْهِ مِنْهُ } .
وَسَأَلَ عَبْدُ اللَّهِ أَبَاهُ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ
عَنْ الْإِشْرَافِ فَقَالَ :
" تَقُولُ فِي نَفْسِك سَيَبْعَثُ إلَيَّ فُلَانٌ
سَيَصِلُنِي فُلَانٌ " وَوَرَدَ : { مَا الَّذِي يُعْطِي بِسَعَةٍ بِأَفْضَلَ مِنْ
الَّذِي يَقْبَلُ إذَا كَانَ مُحْتَاجًا } .
مَنْعُ الْإِنْسَانِ لِقَرِيبِهِ أَوْ مَوْلَاهُ مِمَّا
سَأَلَهُ فِيهِ لِاضْطِرَارِهِ إلَيْهِ مَعَ قُدْرَةِ الْمَانِعِ عَلَيْهِ
وَعَدَمِ عُذْرٍ لَهُ فِي الْمَنْعِ أَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ
وَالْكَبِيرِ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيِّ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ : { مَا مِنْ ذِي رَحِمٍ يَأْتِي ذُو رَحِمِهِ فَيَسْأَلُهُ
فَضْلًا أَعْطَاهُ اللَّهُ إيَّاهُ فَيَبْخَلُ عَلَيْهِ إلَّا أَخْرَجَ اللَّهُ مِنْ
جَهَنَّمَ حَيَّةً يُقَالُ لَهَا شُجَاعٌ يَتَلَمَّظُ فَيُطَوَّقُ بِهِ }
وَالتَّلَمُّظُ تَطَعُّمُ مَا يَبْقَى فِي الْفَمِ مِنْ آثَارِ الطَّعَامِ .
وَالطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ رُوَاتُهُ ثِقَاتٌ : { وَاَلَّذِي
بَعَثَنِي بِالْحَقِّ لَا يُعَذِّبُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْ رَحِمَ
الْيَتِيمَ وَأَلَانَ لَهُ فِي الْكَلَامِ وَرَحِمَ يُتْمَهُ وَضَعْفَهُ وَلَمْ
يَتَطَاوَلْ عَلَى جَارِهِ بِفَضْلِ مَا آتَاهُ اللَّهُ ، يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ ،
وَاَلَّذِي بَعَثَنِي بِالْحَقِّ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَدَقَةً مِنْ رَجُلٍ
وَلَهُ قَرَابَةٌ مُحْتَاجُونَ إلَى صِلَتِهِ وَيَصْرِفُهَا إلَى غَيْرِهِمْ ،
وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يَنْظُرُ اللَّهُ إلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ } .
وَأَبُو دَاوُد وَاللَّفْظُ لَهُ وَالنَّسَائِيُّ
وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ ، عَنْ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ ، عَنْ
أَبِيهِ ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ : { قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ : مَنْ أَبَرُّ ؟
قَالَ أُمَّك ثُمَّ أُمَّك ثُمَّ أَبَاك ثُمَّ الْأَقْرَبَ فَالْأَقْرَبَ } .
وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ : { لَا يَسْأَلُ رَجُلٌ مَوْلَاهُ مِنْ فَضْلِ مَا هُوَ عِنْدَهُ
فَيَمْنَعُهُ إيَّاهُ إلَّا دَعَا لَهُ فَضْلُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الَّذِي
مَنَعَهُ شُجَاعًا أَقْرَعَ } .
قَالَ أَبُو دَاوُد : الْأَقْرَعُ الَّذِي ذَهَبَ شَعَرُ
رَأْسِهِ مِنْ السُّمِّ .
وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الصَّغِيرِ وَالْأَوْسَطِ وَهُوَ
غَرِيبٌ : { أَيُّمَا رَجُلٍ أَتَاهُ ابْنُ عَمِّهِ يَسْأَلُهُ مِنْ فَضْلِهِ
فَمَنَعَهُ مَنَعَهُ اللَّهُ فَضْلَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ } الْحَدِيثَ .
تَنْبِيهٌ : عَدُّ مَا ذَكَرْته فِي
التَّرْجَمَةِ بِشُرُوطِهِ مِنْ الْكَبَائِرِ وَاضِحٌ
جَلِيٌّ وَعَلَيْهِ تُجْرَى هَذِهِ الْأَحَادِيثُ الْمُتَضَمِّنَةُ لِذَلِكَ
الْوَعِيدِ الشَّدِيدِ إذْ لَا تُعْلِمُ أَحَدًا ، قَالَ بِظَاهِرِهَا عَلَى
إطْلَاقِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْحَرَجِ وَالْمَشَقَّةِ الَّتِي لَا تُطَاقُ ، بَلْ
تَكُونُ الصَّدَقَةُ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ أَفْضَلَ مِنْهَا عَلَى الْقَرِيبِ
لِصَلَاحِ الْأَجْنَبِيِّ وَفِسْقِ الْقَرِيبِ وَلِتَحَقُّقِ أَنَّ ذَاكَ
يَصْرِفُهَا فِي طَاعَةٍ وَهَذَا يَصْرِفُهَا فِي مَعْصِيَةٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ .
فَإِنْ قُلْت : إذَا فَرَضْت الْمَنْعَ لِمُضْطَرٍّ
فَلَا فَرْقَ فِي كَوْنِهِ كَبِيرَةً بَيْنَ الْمَوْلَى وَالْقَرِيبِ
وَغَيْرِهِمَا كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ ؟ قُلْت : هُوَ وَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ إلَّا
أَنَّهُ وَجْهُ الْفَرْقِ مَا هُوَ مَعْلُومٌ مِمَّا مَرَّ أَنَّ الْكَبَائِرَ
بَعْضُهَا أَقْبَحُ مِنْ بَعْضٍ ، فَالْمَنْعُ لِلْمُضْطَرِّ وَإِنْ ظَهَرَ
أَنَّهُ كَبِيرَةٌ إلَّا أَنَّ لِمَوْلَاهُ وَقَرِيبِهِ الَّذِي تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ
أَشَدُّ وَأَقْبَحُ مِنْ مُطْلَقِ الْقَرِيبِ ، وَهُوَ مِنْ سَائِرِ الْأَجَانِبِ
لِأُمُورٍ : مِنْهَا : وُجُوبُ نَفَقَتِهِ عَلَيْهِ ، وَمِنْهَا : شِدَّةُ
تَعَلُّقِهِ بِهِ ، وَمِنْهَا : قَطْعُهُ لِمَا بَيْنَهُمَا مِنْ الْمُوَالَاةِ
وَالْقَرَابَةِ ، وَمِنْهَا : سَعْيُهُ فِي إهْلَاكِهِ أَوْ نَحْوِهِ وَلَيْسَ فِي
الْأَجْنَبِيِّ إلَّا هَذِهِ الْأَخِيرَةُ ، فَجَازَ أَنْ يَخْتَصَّ أُولَئِكَ
عَنْهُ بِذَلِكَ التَّغْلِيظِ الشَّدِيدِ الْفَظِيعِ ، فَهَذَا هُوَ حِكْمَةُ
التَّخْصِيصِ بِالذِّكْرِ ، وَهِيَ حِكْمَةٌ جَلِيلَةٌ ظَاهِرَةٌ ، وَمِنْهَا
أَيْضًا : التَّنْبِيهُ عَلَى تَأَكُّدِ مُرَاعَاةِ حَقِّ الْوَالِدَيْنِ ، ثُمَّ بَقِيَّةِ
الْأَقَارِبِ وَأَنَّ قَطْعَ وُصْلَتِهِمَا لَيْسَ كَقَطْعِ وُصْلَةِ غَيْرِهِمَا
، وَمِنْ ثَمَّ { جَعَلَ اللَّهُ الرَّحِمَ مُعَلَّقَةً بِسَاقِ الْعَرْشِ تَقُولُ
: اللَّهُمَّ صِلْ مَنْ وَصَلَنِي ، وَاقْطَعْ مَنْ قَطَعَنِي ، فَيُجِيبُهَا
اللَّهُ - تَعَالَى - : وَعِزَّتِي لَأَصِلَنَّ مَنْ وَصَلَكِ ، وَلَأَقْطَعَنَّ مَنْ
قَطَعَكِ } ، وَسَيَأْتِي فِي بَحْثِ كَوْنِ
الْعُقُوقِ وَقَطِيعَةِ الرَّحِمِ مِنْ الْكَبَائِرِ مَا يُعْلِمُك بِخَطَرِ
هَذَيْنِ
وَأَكِيدِ حُقُوقِهِمَا الْكَثِيرَةِ .
ثُمَّ رَأَيْت بَعْضَهُمْ ذَكَرَ نَحْوَ مَا ذَكَرْته
فِي التَّرْجَمَةِ فَعَدَّ مِنْ الْكَبَائِرِ مَنْعَ إنْسَانٍ مَوْلَاهُ أَوْ ذَا
رَحِمِهِ فَضْلًا عِنْدَهُ مَعَ شِدَّةِ حَاجَتِهِمَا إلَيْهِ .
( الْمَنُّ بِالصَّدَقَةِ ) قَالَ - تَعَالَى - : {
الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ
مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا
خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ } إلَى قَوْلِهِ : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَاَلَّذِي يُنْفِقُ
مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ
فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ } .
وَجَاءَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
أَنَّهُ قَالَ : { إيَّاكُمْ وَالْمَنَّ بِالْمَعْرُوفِ ، فَإِنَّهُ يُبْطِلُ
الشُّكْرَ ، وَيَمْحَقُ الْأَجْرَ ، ثُمَّ تَلَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ هَذِهِ الْآيَةَ : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ
بِالْمَنِّ وَالْأَذَى } } .
بَيَّنَ اللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - بِالْآيَةِ
الْأُولَى أَنَّ مَنْ أَنْفَقَ شَيْئًا فِي وَجْهٍ مِنْ وُجُوهِ الْقُرُبَاتِ
كَالْإِنْفَاقِ عَلَى نَفْسِهِ وَأَهْلِهِ .
وَبِالْآيَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّ مَنْ تَصَدَّقَ بِشَيْءٍ
مِنْ أَنْوَاعِ الصَّدَقَاتِ اُشْتُرِطَ لِنَيْلِهِ ذَلِكَ الثَّوَابَ الْعَظِيمَ
الَّذِي أَعَدَّهُ اللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - لِلْمُنْفِقِينَ وَالْمُتَصَدِّقِينَ
أَنْ يَسْلَمَ إنْفَاقُهُ وَصَدَقَتُهُ مِنْ الْمَنِّ بِهَا عَلَى الْمُعْطَى فِي
الثَّانِي ، وَعَلَى اللَّهِ وَعَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ فِي
الْأَوَّلِ ، كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْقَفَّالُ بِقَوْلِهِ : وَقَدْ يَكُونُ
هَذَا الشَّرْطُ ، أَيْ عَدَمُ الْمَنِّ وَالْأَذَى مُعْتَبَرًا أَيْضًا فِيمَنْ أَنْفَقَ
عَلَى نَفْسِهِ كَمَنْ يُنْفِقُ عَلَى نَفْسِهِ فِي الْجِهَادِ مَعَ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ - تَعَالَى - ،
وَلَا يَمُنُّ بِهِ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُؤْمِنِينَ وَلَا يُؤْذِي أَحَدًا مِنْ
الْمُؤْمِنِينَ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ : لَوْ لَمْ أَحْضُرْ لَمَا تَمَّ هَذَا
الْأَمْرُ ، أَوْ يَقُولَ لِغَيْرِهِ : أَنْتَ ضَعِيفٌ لَا مَنْفَعَةَ بِك فِي
الْجِهَادِ .
ثُمَّ إنَّ الْمَنَّ هُوَ أَنْ يُعَدِّدَ نِعْمَتَهُ
عَلَى الْآخِذِ أَوْ
يَذْكُرَهَا لِمَنْ لَا يُحِبُّ الْآخِذُ اطِّلَاعَهُ
عَلَيْهِ ، وَقِيلَ : هُوَ أَنْ يَرَى أَنَّ لِنَفْسِهِ مَزِيَّةً عَلَى
الْمُتَصَدَّقِ عَلَيْهِ بِإِحْسَانِهِ إلَيْهِ وَلِذَلِكَ لَا يَنْبَغِي أَنْ
يَطْلُبَ مِنْهُ دُعَاءً وَلَا يَطْمَعَ فِيهِ ، لِأَنَّهُ رُبَّمَا كَانَ فِي
مُقَابَلَةِ إحْسَانِهِ فَيَسْقُطُ أَجْرُهُ ، وَأَصْلُ الْمَنِّ الْقَطْعُ
وَلِذَلِكَ يُطْلَقُ عَلَى النِّعْمَةِ ، لِأَنَّ الْمُنْعِمَ يَقْطَعُ مِنْ
مَالِهِ قِطْعَةً لِلْمُنْعَمِ عَلَيْهِ .
وَالْمِنَّةُ النِّعْمَةُ أَوْ النِّعْمَةُ الثَّقِيلَةُ
وَمِنْهُ وَصْفُهُ - تَعَالَى - بِالْمَنَّانِ : أَيْ الْمُنْعِمِ ، وَمِنْهُ : {
وَإِنَّ لَك لَأَجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ } أَيْ غَيْرَ مَقْطُوعٍ .
وَتَسْمِيَةُ الْمَوْتِ مَنُونًا لِأَنَّهُ يَقْطَعُ
الْحَيَاةَ ، وَالْأَذَى هُوَ أَنْ يَنْهَرَهُ أَوْ يُعَيِّرَهُ أَوْ يَشْتُمَهُ ،
فَهَذَا كَالْمَنِّ مُسْقِطٌ لِثَوَابِهِ وَأَجْرِهِ كَمَا أَخْبَرَ اللَّهُ -
تَعَالَى - ، وَإِنَّمَا كَانَ الْمَنُّ مِنْ صِفَاتِهِ - تَعَالَى - الْعَلِيَّةِ
وَمِنْ صِفَاتِنَا الْمَذْمُومَةِ لِأَنَّهُ مِنْهُ - تَعَالَى - إفْضَالٌ
وَتَذْكِيرٌ بِمَا يَجِبُ عَلَى الْخَلْقِ مِنْ أَدَاءِ وَاجِبِ شُكْرِهِ وَمِنَّا
تَعْيِيرٌ وَتَكْدِيرٌ ، إذْ آخِذُ الصَّدَقَةِ مَثَلًا مُنْكَسِرُ الْقَلْبِ
لِأَجْلِ حَاجَتِهِ إلَى غَيْرِهِ مُعْتَرِفٌ لَهُ بِالْيَدِ الْعُلْيَا ؛ فَإِذَا
أَضَافَ الْمُعْطِي إلَى ذَلِكَ إظْهَارَ إنْعَامِهِ تَعْدِيدًا عَلَيْهِ أَوْ تَرَفُّعًا
أَوْ طَلَبًا لِمُقَابَلَتِهِ عَلَيْهِ بِخِدْمَةٍ أَوْ شُكْرٍ زَادَ ذَلِكَ فِي
مَضَرَّةِ الْآخِذِ وَانْكِسَارِ قَلْبِهِ وَإِلْحَاقِ الْعَارِ وَالنَّقْصِ بِهِ
وَهَذِهِ قَبَائِحُ عَظِيمَةٌ ؛ عَلَى أَنَّ فِيهِ أَيْضًا النَّظَرَ إلَى أَنَّ
لَهُ مِلْكًا وَفَضْلًا وَغَفْلَةً عَنْ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَالِكُ
الْحَقِيقِيُّ وَهُوَ الَّذِي يَسَّرَ الْإِعْطَاءَ وَأَقْدَرَ عَلَيْهِ .
فَوَجَبَ النَّظَرُ إلَى جَنَابِ الْحَقِّ ،
وَالْقِيَامُ بِشُكْرِهِ عَلَى ذَلِكَ ، وَالْإِعْرَاضُ عَمَّا يُؤَدِّي إلَى
مُنَازَعَةِ الْحَقِّ فِي فَضْلِهِ وَوُجُودِهِ إذْ لَا يَمُنُّ إلَّا مَنْ غَفَلَ
أَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - هُوَ الْمُعْطِي وَالْمُتَفَضِّلُ .
وَ { مَنًّا } فِي
الْآيَةِ مَفْعُولٌ أَوَّلٌ وَ { أَذًى } عُطِفَ
عَلَيْهِ ، وَأَبْعَدَ بَعْضُهُمْ فَجَعَلَهُ اسْمَ ( لَا ) ، وَخَبَرُهَا
مَحْذُوفٌ .
وَالْمَعْنَى ( وَلَا أَذًى ) حَاصِلٌ لَهُ بِالْإِنْفَاقِ
فَيَكُونُ مِنْ صِفَاتِ الْمُنْفِقِ بِمَعْنَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ أَنْ لَا
يَتَأَذَّى بِالْإِخْرَاجِ ، وَمِمَّا يَرُدُّ هَذَا التَّكَلُّفَ الْبَعِيدَ
تَنْوِينُ ( أَذًى ) إذْ الْمَشْهُورُ فِي اسْمِ ( لَا ) عَدَمُ تَنْوِينِهِ
لِبِنَائِهِ عَلَى الْفَتْحِ ، وَلَيْسَ ظَاهِرُ الْآيَةِ أَنَّهُ لَا يُبْطِلُ
الْأَجْرَ إلَّا وُجُودُ الْمَنِّ وَالْأَذَى مَعًا دُونَ أَحَدِهِمَا ، لِأَنَّ مَدْلُولَ
( مَنًّا وَلَا أَذًى ) أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ انْتِفَاءِ كُلٍّ مِنْهُمَا ،
عَلَى أَنَّ قَضِيَّةَ كَلَامِ سُفْيَانَ أَنَّهُمَا مُتَلَازِمَانِ فَإِنَّهُ
قَالَ : هُمَا أَنْ يَقُولَ قَدْ أَعْطَيْتُك فَمَا شَكَرْت .
وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ : كَانَ أَبِي
يَقُولُ : إذَا أَعْطَيْت رَجُلًا شَيْئًا وَرَأَيْت أَنَّ سَلَامَك يَثْقُلُ
عَلَيْهِ أَيْ لِكَوْنِهِ يَتَكَلَّفُ لَك قِيَامًا وَنَحْوَهُ لِأَجْلِ إحْسَانِك
عَلَيْهِ فَكُفَّ سَلَامَك عَنْهُ
" وَسَمِعَ ابْنُ سِيرِينَ رَجُلًا يَقُولُ لِآخَرَ
: أَحْسَنْتُ إلَيْك وَفَعَلْتُ وَفَعَلْتُ ، فَقَالَ لَهُ ابْنُ سِيرِينَ :
اُسْكُتْ فَلَا خَيْرَ فِي الْمَعْرُوفِ إذَا أُحْصِيَ .
وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ
وَأَبُو دَاوُد عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمْ
اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يَنْظُرُ إلَيْهِمْ وَلَا يُزَكِّيهِمْ
وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ قَالَ فَقَرَأَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ، فَقُلْت : خَابُوا وَخَسِرُوا مَنْ هُمْ
يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : الْمُسْبِلُ وَالْمَنَّانُ وَالْمُنَفِّقُ
سِلْعَتَهُ بِالْحَلِفِ الْكَاذِبِ
} .
وَفِي رِوَايَةٍ : { الْمَنَّانُ الَّذِي لَا يُعْطِي
شَيْئًا إلَّا مَنَّهُ } .
وَفِي أُخْرَى : { الْمُسْبِلُ إزَارَهُ } .
وَالطَّبَرَانِيُّ وَابْنُ عَدِيٍّ : { أَرْبَعَةٌ لَا
يَنْظُرُ اللَّهُ إلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ : عَاقٌّ وَمَنَّانٌ
وَمُدْمِنُ خَمْرٍ وَمُكَذِّبٌ بِقَدَرٍ } .
وَالنَّسَائِيُّ : { لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنَّانٌ
وَلَا عَاقٌّ وَلَا مُدْمِنُ خَمْرٍ
} .
وَالطَّبَرَانِيُّ : { ثَلَاثَةٌ لَا يَنْظُرُ اللَّهُ
إلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
: الْمَنَّانُ عَطَاءَهُ وَالْمُسْبِلُ إزَارَهُ
وَمُدْمِنُ الْخَمْرِ } .
وَأَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَالْحَاكِمُ : { ثَلَاثَةٌ
لَا يَنْظُرُ اللَّهُ إلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ : الْعَاقُّ لِوَالِدَيْهِ
وَالْمَرْأَةُ الْمُتَرَجِّلَةُ الْمُتَشَبِّهَةُ بِالرِّجَالِ وَالدَّيُّوثُ ، وَثَلَاثَةٌ
لَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ : الْعَاقُّ لِوَالِدَيْهِ وَالْمُدْمِنُ عَلَى
الْخَمْرِ وَالْمَنَّانُ بِمَا أَعْطَى } .
وَأَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَالْأَرْبَعَةُ : { ثَلَاثَةٌ
لَا يُكَلِّمُهُمْ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يَنْظُرُ إلَيْهِمْ وَلَا
يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ : الْمُسْبِلُ إزَارَهُ وَالْمَنَّانُ
الَّذِي لَا يُعْطِي شَيْئًا إلَّا مَنَّهُ وَالْمُنَفِّقُ سِلْعَتَهُ بِالْحَلِفِ
الْكَاذِبِ } .
وَالْحَاكِمُ : { ثَلَاثَةٌ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ مِنْهُمْ
يَوْمَ الْقِيَامَةِ صَرْفًا وَلَا عَدْلًا : عَاقٌّ وَمَنَّانٌ وَمُكَذِّبٌ
بِالْقَدَرِ } .
وَفِي رِوَايَةٍ : { ثَلَاثَةٌ لَا يُحْجَبُونَ عَنْ
النَّارِ : الْمَنَّانُ وَعَاقُّ وَالِدَيْهِ وَمُدْمِنُ الْخَمْرِ } .
وَالنَّسَائِيُّ : { لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ خِبٌّ أَيْ
ذُو مَكْرٍ وَخَدِيعَةٍ وَلَا بَخِيلٌ وَلَا مَنَّانٌ } .
وَأَحْمَدُ :
{ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ صَاحِبُ خَمْسٍ : مُدْمِنُ
خَمْرٍ وَلَا مُؤْمِنٌ بِسِحْرٍ وَلَا قَاطِعُ رَحِمٍ وَلَا كَاهِنٌ وَلَا
مَنَّانٌ } .
تَنْبِيهٌ :
عَدُّ مَا ذُكِرَ مِنْ الْكَبَائِرِ هُوَ مَا صَرَّحَ
بِهِ جَمَاعَةٌ وَهُوَ ظَاهِرُ مَا فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ مِنْ ذَلِكَ
الْوَعِيدِ الشَّدِيدِ .
خَاتِمَةٌ : مِمَّا أُنْشِدَ لِلشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ
تَعَالَى عَنْهُ : لَا تَحْمِلَنَّ مِنْ الْأَنَامِ عَلَيْك إحْسَانًا وَمِنَّهْ
وَاخْتَرْ لِنَفْسِك حَظَّهَا وَاصْبِرْ فَإِنَّ الصَّبْرَ جُنَّهْ مِنَنُ
الرِّجَالِ عَلَى الْقُلُوبِ أَشَدُّ مِنْ وَقْعِ الْأَسِنَّهِ وَكَذَا
لِبَعْضِهِمْ : وَصَاحِبٍ سَلَفَتْ مِنْهُ إلَيَّ يَدٌ أَبْطَا عَلَيْهِ
مُكَافَأَتِي فَعَادَانِي لَمَّا
تَيَقَّنَ أَنَّ الدَّهْرَ حَاوَلَنِي أَبْدَى
النَّدَامَةَ مِمَّا كَانَ أَوْلَانِي أَفْسَدْتَ بِالْمَنِّ مَا قَدَّمْتَ مِنْ
حُسْنٍ لَيْسَ الْكَرِيمُ إذَا أَعْطَى بِمَنَّانِ .
مَنْعُ فَضْلِ الْمَاءِ بِشَرْطِ الِاحْتِيَاجِ أَوْ
الِاضْطِرَارِ إلَيْهِ أَخْرَجَ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ : { ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمْ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا
يَنْظُرُ إلَيْهِمْ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ : رَجُلٌ عَلَى
فَضْلِ مَاءٍ بِفَلَاةٍ يَمْنَعُ مِنْهُ ابْنَ السَّبِيلِ } .
زَادَ فِي رِوَايَةٍ : { يَقُولُ اللَّهُ لَهُ : الْيَوْمَ
أَمْنَعُك فَضْلِي كَمَا مَنَعْت فَضْلَ مَا لَمْ تَعْمَلْ يَدَاك } ، الْحَدِيثَ .
وَأَبُو دَاوُد : { يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا الشَّيْءُ
الَّذِي لَا يَحِلُّ مَنْعُهُ ؟ قَالَ
: الْمَاءُ ، قَالَ : يَا نَبِيَّ اللَّهِ مَا الشَّيْءُ
الَّذِي لَا يَحِلُّ مَنْعُهُ ؟ قَالَ : الْمِلْحُ ، قَالَ : يَا نَبِيَّ اللَّهِ
مَا الشَّيْءُ الَّذِي لَا يَحِلُّ مَنْعُهُ ؟ قَالَ : أَنْ تَفْعَلَ الْخَيْرَ خَيْرٌ
لَك } .
وَأَبُو دَاوُد : { النَّاسُ شُرَكَاءُ فِي ثَلَاثٍ :
فِي الْكَلَأِ وَالْمَاءِ وَالنَّارِ
} .
وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ عَائِشَةَ : { يَا رَسُولَ اللَّهِ
مَا الشَّيْءُ الَّذِي لَا يَحِلُّ مَنْعُهُ ؟ قَالَ : الْمَاءُ وَالْمِلْحُ
وَالنَّارُ ، قَالَتْ : قُلْت : يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا الْمَاءُ قَدْ عَرَفْنَا
فَمَا بَالُ الْمِلْحِ وَالنَّارِ ؟ قَالَ : يَا حُمَيْرَاءُ مَنْ أَعْطَى نَارًا فَكَأَنَّمَا
تَصَدَّقَ بِجَمِيعِ مَا أَنْضَجَتْ تِلْكَ النَّارُ ، وَمَنْ أَعْطَى مِلْحًا
فَكَأَنَّمَا تَصَدَّقَ بِجَمِيعِ مَا طَيَّبَتْ تِلْكَ الْمِلْحُ ، وَمَنْ سَقَى
مُسْلِمًا شَرْبَةً مِنْ مَاءٍ حَيْثُ يُوجَدُ الْمَاءُ فَكَأَنَّمَا أَعْتَقَ
رَقَبَةً ، وَمَنْ سَقَى مُسْلِمًا شَرْبَةً مِنْ مَاءٍ حَيْثُ لَا يُوجَدُ
الْمَاءُ فَكَأَنَّمَا أَحْيَاهَا
.
} وَابْنُ مَاجَهْ : { الْمُسْلِمُونَ شُرَكَاءُ فِي
ثَلَاثٍ : فِي الْمَاءِ وَالْكَلَأِ وَالنَّارِ وَثَمَنُهُ حَرَامٌ } .
قَالَ أَبُو سَعِيدٍ : يَعْنِي الْمَاءَ الْجَارِيَ .
تَنْبِيهٌ :
عَدُّ هَذَا مِنْ الْكَبَائِرِ هُوَ صَرِيحُ حَدِيثِ
الشَّيْخَيْنِ ، الْأَوَّلُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْوَعِيدِ الشَّدِيدِ ، وَبِهِ
صَرَّحَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الْجَلَالُ الْبُلْقِينِيُّ وَقَالَ : بِشَرْطِهِ
الْمُعْتَبَرِ وَكَأَنَّهُ أَشَارَ إلَى مَا ذَكَرْته
فِي التَّرْجَمَةِ .
كُفْرَانُ نِعْمَةِ الْخَلْقِ الْمُسْتَلْزِمُ
لِكُفْرَانِ نِعْمَةِ الْحَقِّ أَخْرَجَ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَاللَّفْظُ
لَهُ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالْحَاكِمُ ، وَصَحَّحَهُ عَنْ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { مَنْ اسْتَعَاذَ بِاَللَّهِ فَأَعِيذُوهُ وَمَنْ سَأَلَكُمْ
بِاَللَّهِ فَأَعْطُوهُ ، وَمَنْ اسْتَجَارَ بِاَللَّهِ فَأَجِيرُوهُ ، وَمَنْ
آتَى إلَيْكُمْ مَعْرُوفًا فَكَافِئُوهُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَادْعُوا لَهُ
حَتَّى تَعْلَمُوا أَنَّكُمْ قَدْ كَافَأْتُمُوهُ } .
وَفِي رِوَايَةٍ : { فَإِنْ عَجَزْتُمْ عَنْ
مُجَازَاتِهِ فَادْعُوا لَهُ حَتَّى تَعْلَمُوا أَنْ قَدْ شَكَرْتُمْ فَإِنَّ
اللَّهَ شَاكِرٌ يُحِبُّ الشَّاكِرِينَ
} .
وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ غَرِيبٌ : { مَنْ
أُعْطِيَ عَطَاءً فَوَجَدَ فَلْيَجْزِ بِهِ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَلْيُثْنِ فَإِنَّ
مَنْ أَثْنَى فَقَدْ شَكَرَ وَمَنْ كَتَمَ فَقَدْ كَفَرَ } .
وَابْنُ حِبَّانَ : { مَنْ أُولِيَ مَعْرُوفًا فَلَمْ يَجِدْ
لَهُ جَزَاءً إلَّا الثَّنَاءَ فَقَدْ شَكَرَهُ ، وَمَنْ كَتَمَهُ فَقَدْ كَفَرَهُ
وَمَنْ تَحَلَّى بِبَاطِلٍ فَهُوَ كَلَابِسِ ثَوْبَيْ زُورٍ } .
وَفِي رِوَايَةٍ جَيِّدَةٍ لِأَبِي دَاوُد : { مَنْ
أُبْلِيَ أَيْ أُنْعِمَ عَلَيْهِ - إذْ الْإِبْلَاءُ الْإِنْعَامُ - فَذَكَرَهُ فَقَدْ
شَكَرَهُ وَإِنْ كَتَمَهُ فَقَدْ كَفَرَهُ } .
وَأَحْمَدُ بِسَنَدٍ رُوَاتُهُ ثِقَاتٌ : { إنَّ
أَشْكَرَ النَّاسِ لِلَّهِ - تَبَارَكَ وَتَعَالَى - أَشْكَرُهُمْ لِلنَّاسِ } .
وَفِي رِوَايَةٍ : { لَا يَشْكُرُ اللَّهَ مَنْ لَا يَشْكُرُ
النَّاسَ } .
صَحَّحَهَا التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ ، وَهِيَ
بِرَفْعِهِمَا وَنَصْبِهِمَا وَرَفْعِ الْأَوَّلِ وَنَصْبِ الثَّانِي وَعَكْسِهِ
أَرْبَعُ رِوَايَاتٍ .
وَالطَّبَرَانِيُّ وَغَيْرُهُ : { مَنْ أُولِيَ
مَعْرُوفًا فَلْيَذْكُرْهُ فَمَنْ ذَكَرَهُ فَقَدْ شَكَرَهُ وَمَنْ كَتَمَهُ
فَقَدْ كَفَرَهُ } .
وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بِسَنَدٍ لَا بَأْسَ
بِهِ : { مَنْ لَمْ يَشْكُرْ الْقَلِيلَ لَمْ يَشْكُرْ الْكَثِيرَ ، وَمَنْ لَمْ
يَشْكُرْ النَّاسَ لَمْ يَشْكُرْ اللَّهَ ، وَالتَّحَدُّثُ بِنِعْمَةِ اللَّهِ شُكْرٌ
،
وَتَرْكُ التَّحَدُّثِ كُفْرٌ ، وَالْجَمَاعَةُ رَحْمَةٌ
، وَالْفُرْقَةُ عَذَابٌ } .
وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ غَرِيبٌ : { مَنْ
صُنِعَ إلَيْهِ مَعْرُوفٌ فَقَالَ لِفَاعِلِهِ : جَزَاك اللَّهُ خَيْرًا فَقَدْ
أَبْلَغَ فِي الثَّنَاءِ } .
تَنْبِيهٌ :
عَدُّ هَذَا كَبِيرَةً هُوَ ظَاهِرُ مَا فِي الْحَدِيثِ
الثَّانِي مِنْ أَنَّ ذَلِكَ كُفْرٌ ، أَيْ يَجُرُّ إلَى كُفْرِ نِعَمِ اللَّهِ -
تَعَالَى - لَكِنْ لَمْ أَرَ أَحَدًا تَعَرَّضَ لِذَلِكَ ، وَكَأَنَّ عُذْرَهُمْ أَنَّهُمْ
فَهِمُوا أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ كُفْرٌ لِنِعْمَةِ الْمُحْسِنِ ، وَمُجَرَّدُ
هَذَا لَا يَقْتَضِي أَنَّهُ كَبِيرَةٌ
الكبيرة {38 و39.}.
الْكَبِيرَةُ الثَّامِنَةُ وَالتَّاسِعَةُ
وَالثَّلَاثُونَ بَعْدَ الْمِائَةِ أَنْ يَسْأَلَ بِوَجْهِ اللَّهِ غَيْرَ
الْجَنَّةِ وَأَنْ يَمْنَعَ الْمَسْئُولُ سَائِلَهُ بِوَجْهِ اللَّهِ أَنْ
يَسْأَلَ السَّائِلُ بِوَجْهِ اللَّهِ غَيْرَ الْجَنَّةِ ، وَأَنْ يَمْنَعَ
الْمَسْئُولُ سَائِلَهُ بِوَجْهِ اللَّهِ أَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ
رِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ إلَّا شَيْخَهُ ، وَهُوَ ثِقَةٌ عَلَى كَلَامٍ فِيهِ
عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : { مَلْعُونٌ مَنْ سَأَلَ بِوَجْهِ
اللَّهِ ، وَمَلْعُونٌ مَنْ سُئِلَ بِوَجْهِ اللَّهِ ثُمَّ مَنَعَ سَائِلَهُ مَا
لَمْ يَسْأَلْ هُجْرًا } .
وَهُوَ بِضَمٍّ فَسُكُونٍ لِلْجِيمِ أَيْ مَا لَمْ
يَسْأَلْ أَمْرًا قَبِيحًا لَا يَلِيقُ ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَرَادَ مَا لَمْ
يَسْأَلْ سُؤَالًا قَبِيحًا بِكَلَامٍ قَبِيحٍ .
وَأَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ : { لَا يُسْأَلُ بِوَجْهِ
اللَّهِ إلَّا الْجَنَّةُ } .
وَالطَّبَرَانِيُّ : { مَلْعُونٌ مَنْ سَأَلَ بِوَجْهِ
اللَّهِ ، وَمَلْعُونٌ مَنْ سُئِلَ بِوَجْهِ اللَّهِ فَمَنَعَ سَائِلَهُ } .
وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ غَرِيبٌ .
وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ .
{ أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِشَرِّ الْبَلِيَّةِ ؟ قَالُوا
بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ ، قَالَ : الَّذِي يُسْأَلُ بِاَللَّهِ وَلَا يُعْطِي } .
وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ فِي
صَحِيحِهِ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ : { مَنْ
اسْتَعَاذَ بِاَللَّهِ فَأَعِيذُوهُ وَمَنْ سَأَلَ بِاَللَّهِ فَأَعْطُوهُ ،
وَمَنْ دَعَاكُمْ فَأَجِيبُوهُ ، وَمَنْ صَنَعَ إلَيْكُمْ مَعْرُوفًا فَكَافِئُوهُ
، فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا مَا تُكَافِئُونَهُ فَادْعُوا لَهُ حَتَّى تَرَوْا أَنَّكُمْ
قَدْ كَافَأْتُمُوهُ } .
وَالطَّبَرَانِيُّ وَغَيْرُهُ قَالَ الْحَافِظُ
الْمُنْذِرِيُّ وَحَسَّنَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا إسْنَادَهُ ، وَفِيهِ بُعْدٌ : {
أَلَا أُحَدِّثُكُمْ عَنْ الْخَضِرِ ؟ قَالُوا بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ ، قَالَ
: بَيْنَمَا هُوَ ذَاتَ يَوْمٍ يَمْشِي فِي سُوقِ بَنِي إسْرَائِيلَ أَبْصَرَهُ
رَجُلٌ مُكَاتَبٌ فَقَالَ : تَصَدَّقْ عَلَيَّ
بَارَكَ اللَّهُ فِيك ، فَقَالَ الْخَضِرُ : آمَنْت بِاَللَّهِ
مَا شَاءَ اللَّهُ مِنْ أَمْرٍ يَكُونُ مَا عِنْدِي شَيْءٌ أُعْطِيكَهُ .
فَقَالَ الْمِسْكِينُ : أَسْأَلُك بِوَجْهِ اللَّهِ
لَمَا تَصَدَّقْت عَلَيَّ فَإِنِّي نَظَرْت السَّمَاحَةَ فِي وَجْهِك وَرَجَوْت الْبَرَكَةَ
عِنْدَك ، فَقَالَ الْخَضِرُ : آمَنْت بِاَللَّهِ مَا عِنْدِي شَيْءٌ أُعْطِيكَهُ
إلَّا أَنْ تَأْخُذَنِي فَتَبِيعَنِي ، فَقَالَ الْمِسْكِينُ : وَهَلْ يَسْتَقِيمُ
هَذَا ؟ قَالَ : نَعَمْ أَقُولُ لَقَدْ سَأَلْتنِي بِأَمْرٍ عَظِيمٍ أَمَا إنِّي
لَا أُخَيِّبُك بِوَجْهِ رَبِّي بِعْنِي ، قَالَ : فَقَدَّمَهُ إلَى السُّوقِ
فَبَاعَهُ بِأَرْبَعِمِائَةِ دِرْهَمٍ ، فَمَكَثَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي زَمَانًا
لَا يَسْتَعْمِلُهُ فِي شَيْءٍ ، فَقَالَ : إنَّمَا اشْتَرَيْتنِي الْتِمَاسَ
خَيْرٍ عِنْدِي فَأَوْصِنِي بِعَمَلٍ ، قَالَ : أَكْرَهُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْك
إنَّك شَيْخٌ كَبِيرٌ ضَعِيفٌ قَالَ : لَيْسَ يَشُقُّ عَلَيَّ ، قَالَ : قُمْ فَانْقُلْ
هَذِهِ الْحِجَارَةَ ، وَكَانَ لَا يَنْقُلُهَا دُونَ سِتَّةِ نَفَرٍ فِي يَوْمٍ ،
فَخَرَجَ الرَّجُلُ لِبَعْضِ حَاجَتِهِ ثُمَّ انْصَرَفَ وَقَدْ نَقَلَ
الْحِجَارَةَ فِي سَاعَةٍ ، قَالَ : أَحْسَنْت وَأَجْمَلْت وَأَطَقْت مَا لَمْ
أَرَك تُطِيقُهُ ، ثُمَّ عَرَضَ لِلرَّجُلِ سَفَرٌ فَقَالَ : إنِّي أَحْسَبُك
أَمِينًا فَاخْلُفْنِي فِي أَهْلِي خِلَافَةً حَسَنَةً .
قَالَ : وَأَوْصِنِي بِعَمَلٍ ، قَالَ : إنِّي أَكْرَهُ
أَنْ أَشُقَّ عَلَيْك ، قَالَ : لَيْسَ يَشُقُّ عَلَيَّ ، قَالَ : فَاضْرِبْ مِنْ
اللَّبِنِ لِبَيْتِي حَتَّى أَقْدَمَ عَلَيْك ، قَالَ : فَمَرَّ الرَّجُلُ لِسَفَرِهِ ، قَالَ
: فَرَجَعَ وَقَدْ شَيَّدَ بِنَاءَهُ ، قَالَ : أَسْأَلُك بِوَجْهِ اللَّهِ مَا
سَبَبُك وَمَا أَمْرُك ؟ قَالَ ، سَأَلْتنِي بِوَجْهِ اللَّهِ ، وَوَجْهُ اللَّهِ
أَوْقَعَنِي فِي هَذِهِ الْعُبُودِيَّةِ ، فَقَالَ الْخَضِرُ : سَأُحَدِّثُك مَنْ
أَنَا ؟ أَنَا الْخَضِرُ الَّذِي سَمِعْت بِهِ سَأَلَنِي مِسْكِينٌ صَدَقَةً
فَلَمْ يَكُنْ عِنْدِي شَيْءٌ أُعْطِيهِ فَسَأَلَنِي بِوَجْهِ اللَّهِ فَأَمْكَنْتُهُ
مِنْ رَقَبَتِي فَبَاعَنِي ، وَأُخْبِرُكَ أَنَّهُ مَنْ سُئِلَ بِوَجْهِ اللَّهِ
فَرَدَّ سَائِلَهُ وَهُوَ يَقْدِرُ وَقَفَ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ جِلْدُهُ وَلَا لَحْمَ لَهُ يَتَقَعْقَعُ ،
فَقَالَ الرَّجُلُ : آمَنْت بِاَللَّهِ شَقَقْت عَلَيْك يَا نَبِيَّ اللَّهِ لَمْ
أَعْلَمْ .
قَالَ
: لَا بَأْسَ أَحْسَنْتَ وَأَتْقَنْتَ ، فَقَالَ
الرَّجُلُ : بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا نَبِيَّ اللَّهِ اُحْكُمْ فِي أَهْلِي
وَمَالِي بِمَا شِئْت أَوْ اخْتَرْ فَأُخَلِّيَ سَبِيلَك ، قَالَ : أُحِبُّ أَنْ
تُخَلِّيَ سَبِيلِي فَأَعْبُدَ رَبِّي فَخَلَّى سَبِيلَهُ ، فَقَالَ الْخَضِرُ : الْحَمْدُ
لِلَّهِ الَّذِي أَوْثَقَنِي فِي الْعُبُودِيَّةِ ثُمَّ نَجَّانِي مِنْهَا .
} تَنْبِيهٌ : عَدُّ كُلِّ مِنْ هَذَيْنِ كَبِيرَةً وَهُوَ
صَرِيحُ اللَّعْنِ عَلَيْهِمَا فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ ، وَأَنَّ مَنْ سُئِلَ
بِاَللَّهِ وَلَا يُعْطِي شَرُّ النَّاسِ كَمَا فِي الْحَدِيثِ الَّذِي بَعْدَهُ ،
لَكِنْ لَمْ يَأْخُذْ بِذَلِكَ أَئِمَّتُنَا فَجَعَلُوا كُلًّا مِنْ الْأَمْرَيْنِ
مَكْرُوهًا وَلَمْ يَقُولُوا بِالْحُرْمَةِ فَضْلًا عَنْ الْكَبِيرَةِ ،
وَيُمْكِنُ حَمْلُ الْحَدِيثِ فِي الْمَنْعِ عَلَى مَا إذَا كَانَ لِمُضْطَرٍّ
وَتَكُونُ حِكْمَةُ التَّنْصِيصِ عَلَيْهِ أَنَّ مَنْعَهُ مَعَ اضْطِرَارِهِ ،
وَسُؤَالِهِ بِاَللَّهِ أَقْبَحُ وَأَفْظَعُ ، وَحَمْلُهُ فِي السُّؤَالِ عَلَى
مَا إذَا أَلَحَّ وَكَرَّرَ السُّؤَالَ بِوَجْهِ اللَّهِ حَتَّى أَضْجَرَ الْمَسْئُولَ
وَأَضَرَّهُ ، وَحِينَئِذٍ فَاللَّعْنُ عَلَى هَذَيْنِ ، وَكَوْنُ كُلٍّ مِنْهُمَا
كَبِيرَةً ظَاهِرٌ وَلَا يَمْتَنِعُ مِنْ ذَلِكَ أَصْحَابُنَا ، وَكَلَامُهُمْ
إنَّمَا هُوَ فِي مُجَرَّدِ السُّؤَالِ بِوَجْهِ اللَّهِ - تَعَالَى - وَفِي
مَنْعِ السَّائِلِ بِذَلِكَ لَا عَنْ اضْطِرَارِهِ ، وَبِهَذَا اتَّضَحَ الْجَمْعُ
بَيْنَ كَلَامِ أَئِمَّتِنَا وَتِلْكَ الْأَحَادِيثِ الَّتِي قَدَّمْنَاهَا ،
ثُمَّ رَأَيْت فِي كَلَامِ الْحَلِيمِيِّ فِي مِنْهَاجِهِ مَا يُصَرِّحُ بِمَا
ذَكَرْته .
فَإِنَّهُ قَالَ : مَا مِنْ ذَنْبٍ إلَّا وَفِيهِ
صَغِيرَةٌ وَكَبِيرَةٌ وَقَدْ تَنْقَلِبُ الصَّغِيرَةُ كَبِيرَةً بِقَرِينَةٍ تُضَمُّ
إلَيْهَا ، وَتَنْقَلِبُ الْكَبِيرَةُ فَاحِشَةً بِانْضِمَامِ قَرِينَةٍ إلَيْهَا إلَّا
الْكُفْرَ بِاَللَّهِ - تَعَالَى - فَإِنَّهُ أَفْحَشُ الْكَبَائِرِ وَلَيْسَ مِنْ
نَوْعِهِ صَغِيرَةٌ وَأَمَّا مَا
عَدَاهُ فَالْأَمْرُ فِيهِ عَلَى مَا ذَكَرْت ، ثُمَّ قَالَ
: وَمَنْعُ الزَّكَاةِ كَبِيرَةٌ وَرَدُّ السَّائِلِ صَغِيرَةٌ ، فَإِنْ أَجْمَعَ
عَلَى مَنْعِهِ ، أَوْ كَانَ الْمَنْعُ مِنْ وَاحِدٍ إلَّا أَنَّهُ زَادَ عَلَى
الْمَنْعِ الِانْتِهَارَ وَالْإِغْلَاظَ فَذَاكَ كَبِيرَةٌ ، وَهَكَذَا إنْ رَأَى مُحْتَاجٌ
رَجُلًا مُوَسَّعًا عَلَيْهِ عَلَى طَعَامٍ فَتَاقَتْ إلَيْهِ نَفْسُهُ وَسَأَلَهُ
مِنْهُ فَرَدَّهُ فَذَلِكَ كَبِيرَةٌ
.
انْتَهَى
.
وَاعْتَرَضَ عَلَيْهِ الْأَذْرَعِيُّ بِأَنَّ مَا
قَالَهُ مِنْ أَنَّ رَدَّ السَّائِلِ صَغِيرَةٌ وَأَنَّ رَدَّ الْمُحْتَاجِ -
الَّذِي تَاقَتْ نَفْسُهُ وَسَأَلَ مِنْ الْمُوسِرِ فَرَدَّهُ - كَبِيرَةٌ
مُشْكِلَانِ إلَّا أَنْ يُؤَوَّلَ ، وَكَلَامُهُ بَعِيدٌ مِنْ التَّأْوِيلِ
انْتَهَى .
قَالَ الْجَلَالُ الْبُلْقِينِيُّ جَوَابًا عَنْ ذَلِكَ .
قُلْت :
يُحْمَلُ كَلَامُهُ الثَّانِي عَلَى الْمُضْطَرِّ
وَالْأَوَّلُ عَلَى سَائِلٍ لِمَنْ لَزِمَتْهُ الزَّكَاةُ فِي بَلَدٍ فُقَرَاؤُهُ
مَحْصُورُونَ انْتَهَى .
فَمَا ذَكَرَهُ الْجَلَالُ الْبُلْقِينِيُّ تَأْوِيلًا
لِكَلَامِ الْحَلِيمِيِّ صَرِيحٌ فِي تَأْيِيدِ مَا ذَكَرْته .
نَعَمْ إطْلَاقُ الْجَلَالِ بِأَنَّ مَا ذُكِرَ آخِرًا
صَغِيرَةٌ فِيهِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ ، فَإِنَّهُمْ إذَا انْحَصَرُوا فِي ثَلَاثَةٍ
فَأَقَلَّ مِنْ صِنْفٍ مَلَكُوا الزَّكَاةَ مِلْكًا تَامًّا مُسْتَقِرًّا ،
فَمَنْعُ أَحَدِهِمْ حِينَئِذٍ كَبِيرَةٌ بِلَا شَكٍّ ، فَإِنْ انْحَصَرُوا
حَصْرًا يَقْتَضِي وُجُوبَ اسْتِيعَابِهِمْ عَلَى الْمَالِكِ بِأَنْ سَهُلَ ضَبْطُهُمْ
عَلَيْهِ عَادَةً وَوَفَّى الْمَالُ بِهِمْ اُتُّجِهَ أَنَّ الرَّدَّ حِينَئِذٍ
صَغِيرَةٌ لِأَنَّ التَّعْمِيمَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ ، وَلَكِنَّهُمْ لَا يَمْلِكُونَ
فَكَانَ الرَّدُّ صَغِيرَةً لَا كَبِيرَةً ، وَعَلَى هَذِهِ الْحَالَةِ يُحْمَلُ
كَلَامُ الْجَلَالِ .
خَاتِمَةٌ :
فِي ذِكْرِ شَيْءٍ مِنْ فَضَائِلِ الصَّدَقَةِ
وَأَحْكَامِهَا وَأَنْوَاعِهَا : وَقَدْ أَلَّفْت فِيهَا كِتَابًا حَافِلًا لَا يُسْتَغْنَى
عَنْ مِثْلِهِ فَضَائِلَ وَأَحْكَامًا وَفَوَائِدَ وَفُرُوعًا فَعَلَيْك بِهِ .
اعْلَمْ أَنَّ جَمِيعَ مَا أَسْرُدُهُ فِي هَذِهِ الْخَاتِمَةِ
مِنْ غَيْرِ عَزْوٍ أَحَادِيثُ صَحِيحَةٌ إلَّا قَلِيلًا مِنْهَا فَإِنَّهُ حَسَنٌ
فَلَمْ أَحْتَجْ إلَى ذِكْرِ مُخَرِّجِيهَا .
قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { مَنْ
تَصَدَّقَ بِعِدْلِ تَمْرَةٍ مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ وَلَا يَقْبَلُ اللَّهُ إلَّا
طَيِّبًا فَإِنَّ اللَّهَ يَقْبَلُهَا بِيَمِينِهِ } - أَيْ مُلْتَبِسَةً
بِيَمِينِهِ وَبَرَكَتِهِ - { ثُمَّ يُرَبِّيهَا لِصَاحِبِهَا كَمَا يُرَبِّي أَحَدُكُمْ
فَلُوَّهُ } - بِفَتْحٍ فَضَمٍّ فَتَشْدِيدٍ : مُهْرَهُ أَوَّلَ مَا يُولَدُ - {
حَتَّى تَكُونَ مِثْلَ الْجَبَلِ
} .
وَفِي رِوَايَةٍ : { كَمَا يُرَبِّي أَحَدُكُمْ مُهْرَهُ
حَتَّى إنَّ اللُّقْمَةَ لَتَصِيرُ مِثْلَ أُحُدٍ } ، وَتَصْدِيقُ ذَلِكَ فِي
كِتَابِ اللَّهِ - تَعَالَى - :
{ أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ
التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ } { يَمْحَقُ اللَّهُ
الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ
} .
{ مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ وَمَا زَادَ اللَّهُ
عَبْدًا بِعَفْوٍ إلَّا عِزًّا وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ لِلَّهِ إلَّا رَفَعَهُ
اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ } .
وَفِي رِوَايَةٍ لِلطَّبَرَانِيِّ : { مَا نَقَصَتْ
صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ وَمَا مَدَّ عَبْدٌ يَدَهُ لِصَدَقَةٍ إلَّا أُلْقِيَتْ فِي
يَدِ اللَّهِ } : أَيْ إلَّا قَبِلَهَا اللَّهُ - تَعَالَى - وَرَضِيَ بِهَا {
قَبْلَ أَنْ تَقَعَ فِي يَدِ السَّائِلِ } ، { وَمَا فَتَحَ عَبْدٌ بَابَ
مَسْأَلَةٍ لَهُ عَنْهَا غِنًى إلَّا فَتَحَ اللَّهُ لَهُ بَابَ فَقْرٍ } .
{ يَقُولُ الْعَبْدُ : مَالِي مَالِي وَإِنَّمَا لَهُ مِنْ
مَالِهِ ثَلَاثٌ : مَا أَكَلَ فَأَفْنَى أَوْ لَبِسَ فَأَبْلَى أَوْ أَعْطَى
فَاقْتَنَى ، مَا سِوَى ذَلِكَ فَهُوَ ذَاهِبٌ وَتَارِكُهُ لِلنَّاسِ } .
{ مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إلَّا سَيُكَلِّمُهُ اللَّهُ
لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ تَرْجُمَانٌ ، فَيَنْظُرُ أَيْمَنَ مِنْهُ فَلَا يَرَى
إلَّا مَا قَدَّمَ ، وَيَنْظُرُ
أَشْأَمَ مِنْهُ فَلَا يَرَى إلَّا مَا قَدَّمَ ، وَيَنْظُرُ
بَيْنَ يَدَيْهِ فَلَا يَرَى إلَّا النَّارَ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ فَاتَّقُوا
النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ
} .
{ لِيَقِ أَحَدُكُمْ وَجْهَهُ مِنْ النَّارِ وَلَوْ
بِشِقِّ تَمْرَةٍ } .
{ الصَّدَقَةُ تُطْفِئُ الْخَطِيئَةَ كَمَا يُطْفِئُ
الْمَاءُ النَّارَ } .
{ يَا كَعْبُ بْنَ عُجْرَةَ إنَّهُ لَا يَدْخُلُ
الْجَنَّةَ لَحْمٌ وَدَمٌ نَبَتَا عَلَى سُحْتٍ ، النَّارُ أَوْلَى بِهِ .
يَا كَعْبُ بْنَ عُجْرَةَ النَّاسُ غَادِيَانِ فَغَادٍ
فِي فِكَاكِ نَفْسِهِ فَمُعْتِقُهَا وَغَادٍ مُوبِقُهَا .
يَا كَعْبُ بْنَ عُجْرَةَ الصَّلَاةُ قُرُبَاتٌ
وَالصَّوْمُ جُنَّةٌ وَالصَّدَقَةُ تُطْفِئُ الْخَطِيئَةَ كَمَا يَذْهَبُ
الْجَلِيدُ عَلَى الصَّفَا } ، وَفِي رِوَايَةٍ : { كَمَا يُطْفِئُ الْمَاءُ
النَّارَ } .
{ إنَّ الصَّدَقَةَ لَتُطْفِئُ غَضَبَ الرَّبِّ
وَتَدْفَعُ مِيتَةَ السُّوءِ } ، وَفِي رِوَايَةٍ
: { إنَّ اللَّهَ لَيَدْرَأُ } أَيْ يَدْفَعُ { بِالصَّدَقَةِ سَبْعِينَ بَابًا مِنْ
مِيتَةِ السُّوءِ } .
{ كُلُّ امْرِئٍ فِي ظِلِّ صَدَقَتِهِ حَتَّى يُقْضَى
بَيْنَ النَّاسِ ، لَا يُخْرِجُ رَجُلٌ شَيْئًا مِنْ الصَّدَقَةِ حَتَّى يَفُكَّ
عَنْهَا لَحْيَيْ سَبْعِينَ شَيْطَانًا
} .
{ أَيُّ الصَّدَقَةِ أَفْضَلُ ؟ قَالَ جُهْدُ الْمُقِلِّ
، وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ } .
{ سَبَقَ دِرْهَمٌ مِائَةَ أَلْفِ دِرْهَمٍ ، فَقَالَ
رَجُلٌ : كَيْفَ ذَاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ فَقَالَ : رَجُلٌ لَهُ مَالٌ كَثِيرٌ
أَخَذَ مِنْ عُرْضِهِ - أَيْ بِضَمِّ أَوَّلِهِ الْمُهْمَلِ وَبِالضَّادِ
الْمُعْجَمَةِ جَانِبُهُ - مِائَةَ أَلْفِ دِرْهَمٍ وَتَصَدَّقَ بِهَا ، وَرَجُلٌ
لَيْسَ لَهُ إلَّا دِرْهَمَانِ فَأَخَذَ أَحَدَهُمَا فَتَصَدَّقَ بِهِ } .
{ لَا تَرُدَّ سَائِلَك وَلَوْ بِظِلْفٍ } ، هُوَ
بِكَسْرِ أَوَّلِهِ الْمُعْجَمِ لِلْبَقَرِ وَالْغَنَمِ بِمَنْزِلَةِ الْحَافِرِ
لِلْفَرَسِ .
{ سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمْ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا
ظِلَّ إلَّا ظِلُّهُ إلَى أَنْ قَالَ : وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ
فَأَخْفَاهَا حَتَّى لَا تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ } .
{ صَنَائِعُ الْمَعْرُوفِ تَقِي مَصَارِعَ السُّوءِ
وَصَدَقَةُ السِّرِّ تُطْفِئُ غَضَبَ الرَّبِّ وَصِلَةُ الرَّحِمِ
تَزِيدُ فِي الْعُمُرِ } .
وَفِي رِوَايَةٍ لِلطَّبَرَانِيِّ : { صَنَائِعُ
الْمَعْرُوفِ تَقِي مَصَارِعَ السُّوءِ ، وَالصَّدَقَةُ خُفْيًا تُطْفِئُ غَضَبَ
الرَّبِّ ، وَصِلَةُ الرَّحِمِ تَزِيدُ فِي الْعُمُرِ ، وَكُلُّ مَعْرُوفٍ
صَدَقَةٌ ، وَأَهْلُ الْمَعْرُوفِ فِي الدُّنْيَا هُمْ أَهْلُ الْمَعْرُوفِ فِي
الْآخِرَةِ ، وَأَهْلُ الْمُنْكَرِ فِي الدُّنْيَا هُمْ أَهْلُ الْمُنْكَرِ فِي الْآخِرَةِ
، وَأَوَّلُ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ أَهْلُ الْمَعْرُوفِ } .
وَفِي أُخْرَى لَهُ وَلِأَحْمَدَ : { مَا الصَّدَقَةُ
يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : أَضْعَافٌ مُضَاعَفَةٌ وَعِنْدَ اللَّهِ الْمَزِيدُ
، ثُمَّ قَرَأَ : { مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا
فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً } قِيلَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الصَّدَقَةِ
أَفْضَلُ ؟ قَالَ : سِرٌّ إلَى فَقِيرٍ أَوْ جُهْدٌ مِنْ مُقِلٍّ ، ثُمَّ قَرَأَ :
{ إنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا
الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ
} } .
{ مَنْ كَسَا مُسْلِمًا ثَوْبًا لَمْ يَزَلْ فِي سَتْرِ
اللَّهِ - تَعَالَى - مَا دَامَ عَلَيْهِ مِنْهُ خَيْطٌ أَوْ سِلْكٌ } .
{ أَيُّمَا مُسْلِمٍ كَسَا مُسْلِمًا ثَوْبًا عَلَى
عُرْيٍ كَسَاهُ اللَّهُ - تَعَالَى - مِنْ خُضْرِ الْجَنَّةِ ، وَأَيُّمَا مُسْلِمٍ
أَطْعَمَ مُسْلِمًا عَلَى جُوعٍ أَطْعَمَهُ اللَّهُ - تَعَالَى - مِنْ ثِمَارِ الْجَنَّةِ
، وَأَيُّمَا مُسْلِمٍ سَقَى مُسْلِمًا عَلَى ظَمَأٍ سَقَاهُ اللَّهُ - تَعَالَى -
مِنْ الرَّحِيقِ الْمَخْتُومِ }
.
{ الصَّدَقَةُ عَلَى الْمِسْكِينِ صَدَقَةٌ وَعَلَى ذِي
رَحِمٍ اثْنَتَانِ صَدَقَةٌ وَصِلَةٌ
} .
{ أَيُّ الصَّدَقَةِ أَفْضَلُ ؟ قَالَ عَلَى ذِي
الرَّحِمِ الْكَاشِحِ } أَيْ الْمُضْمِرِ لِعَدَاوَتِك فِي كَشْحِهِ أَيْ خَصْرِهِ ،
كِنَايَةً عَنْ بَاطِنِهِ .
{ مَنْ مَنَحَ مَنِيحَةَ لَبَنٍ أَيْ بِأَنْ أَعْطَى لَبُونًا
لِمَنْ يَأْكُلُ لَبَنَهَا ثُمَّ يَرُدُّهَا ، أَوْ وَرِقٍ أَيْ بِأَنْ أَقْرَضَ
دَرَاهِمَ ، أَوْ هَدَى رِفَاقًا ، أَيْ إلَى الطَّرِيقِ كَانَ لَهُ مِثْلُ عِتْقِ
رَقَبَةٍ } .
{ كُلُّ قَرْضٍ صَدَقَةٌ } وَفِي رِوَايَةٍ عِنْدَ جَمَاعَةٍ : { رَأَيْت لَيْلَةَ
أُسْرِيَ بِي عَلَى بَابِ الْجَنَّةِ مَكْتُوبًا==
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق