ج7.وج8.كتاب الزواجر عن اقتراف
الكبائرأحمد بن محمد بن حجر المكي الهيتمي
---
وَمُغْتَابًا وَآتِيًا بِمَا عَنْهُ نَهَى وَقَدْ قَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ لِمَنْ نَمَّ لَهُ شَيْئًا : إنْ شِئْت نَظَرَنَا فِي أَمْرِك ،
فَإِنْ كَذَبْت فَأَنْتَ مِنْ أَهْلِ هَذِهِ الْآيَةِ : { إنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ
بِنَبَأٍ } وَإِنْ صَدَقْت فَمِنْ أَهْلِ هَذِهِ الْآيَةِ { مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ }
وَإِنْ شِئْت عَفَوْنَا عَنْك .
فَقَالَ الْعَفْوُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، لَا
أَعُودُ إلَيْهِ أَبَدًا .
وَعَاتَبَ سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ مَنْ نَمَّ
عَلَيْهِ بِحَضْرَةِ الزُّهْرِيِّ فَأَنْكَرَ الرَّجُلُ فَقَالَ لَهُ : مَنْ
أَخْبَرَنِي صَادِقٌ .
فَقَالَ الزُّهْرِيُّ : النَّمَّامُ لَا يَكُونُ
صَادِقًا فَقَالَ سُلَيْمَانُ صَدَقْت ، اذْهَبْ أَيُّهَا الرَّجُلُ بِسَلَامٍ .
وَقَالَ الْحَسَنُ : مَنْ نَمَّ لَك نَمَّ عَلَيْك ،
وَهَذَا إشَارَةٌ إلَى أَنَّ النَّمَّامَ يَنْبَغِي أَنْ يُبْغَضَ وَلَا
يُؤْتَمَنَ وَلَا يُوَاثَقَ بِصَدَاقَتِهِ ، وَكَيْفَ لَا يُبْغَضُ وَهُوَ لَا
يَنْفَكُّ عَنْ الْكَذِبِ وَالْغِيبَةِ وَالْقَذْفِ وَالْخِيَانَةِ وَالْغِلِّ
وَالْحَسَدِ وَالْإِفْسَادِ بَيْنَ النَّاسِ وَالْخَدِيعَةِ ، وَهُوَ مِمَّنْ
سَعَى فِي قَطْعِ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ .
قَالَ تَعَالَى .
{ إنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ
النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ
أَلِيمٌ } وَالنَّمَّامُ مِنْهُمْ
.
وَمِنْ النَّمِيمَةِ السِّعَايَةُ ، وَسَيَأْتِي بَسْطُ
الْكَلَامِ فِيهَا .
( الْكَبِيرَةُ الثَّالِثَةُ وَالْخَمْسُونَ بَعْدَ
الْمِائَتَيْنِ : كَلَامُ ذِي اللِّسَانَيْنِ وَهُوَ ذُو الْوَجْهَيْنِ الَّذِي
لَا يَكُونُ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا
) .
أَخْرَجَ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { تَجِدُونَ النَّاسَ مَعَادِنَ خِيَارُهُمْ فِي
الْجَاهِلِيَّةِ خِيَارُهُمْ فِي الْإِسْلَامِ إذَا فَقِهُوا ، وَتَجِدُونَ
خِيَارَ النَّاسِ فِي هَذَا الشَّأْنِ أَشَدُّهُمْ لَهُ كَرَاهِيَةً ، وَتَجِدُونَ
شَرَّ النَّاسِ ذَا الْوَجْهَيْنِ الَّذِي يَأْتِي هَؤُلَاءِ بِوَجْهٍ وَهَؤُلَاءِ
بِوَجْهٍ } .
وَلِلْبُخَارِيِّ عَنْ مُحَمَّدٍ بْنِ زَيْدٍ : { أَنَّ
نَاسًا قَالُوا لِجَدِّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا :
إنَّا لَنَدْخُلُ عَلَى سُلْطَانِنَا فَنَقُولُ بِخِلَافِ مَا نَتَكَلَّمُ إذَا
خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِهِ فَقَالَ : كُنَّا نَعُدُّ هَذَا نِفَاقًا عَلَى عَهْدِ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ } .
وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ : { ذُو
الْوَجْهَيْنِ فِي الدُّنْيَا يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَهُ وَجْهَانِ مِنْ
نَارٍ } .
وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ : { مَنْ
كَانَ لَهُ وَجْهَانِ فِي الدُّنْيَا كَانَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِسَانَانِ
مِنْ نَارٍ } .
وَابْنُ أَبِي الدُّنْيَا وَالطَّبَرَانِيُّ
وَالْأَصْبَهَانِيّ وَغَيْرُهُمْ
: { مَنْ كَانَ ذَا لِسَانَيْنِ جَعَلَ اللَّهُ لَهُ
يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِسَانَيْنِ مِنْ نَارٍ } .
تَنْبِيهٌ : عَدُّ مَا ذُكِرَ هُوَ صَرِيحُ الْحَدِيثَيْنِ
الْأَوَّلَيْنِ الصَّحِيحَيْنِ ، وَكَأَنَّهُمْ إنَّمَا لَمْ يُفْرِدُوهُ
بِالذِّكْرِ ؛ لِأَنَّهُمْ رَأَوْا أَنَّهُ دَاخِلٌ فِي النَّمِيمَةِ ، وَفِي
إطْلَاقِهِ نَظَرٌ .
فَقَدْ قَالَ الْغَزَالِيُّ : ذُو اللِّسَانَيْنِ مَنْ يَتَرَدَّدُ
بَيْنَ مُتَعَادِيَيْنِ وَيُكَلِّمُ كُلًّا بِمَا يُوَافِقُهُ ، وَقَلَّ مَنْ
يَتَرَدَّدُ بَيْنَ مُتَعَادِيَيْنِ إلَّا وَهُوَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ وَهَذَا
عَيْنُ النِّفَاقِ .
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ خَبَرُ : { تَجِدُونَ
مِنْ شَرِّ عِبَادِ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ذَا الْوَجْهَيْنِ الَّذِي
يَأْتِي هَؤُلَاءِ بِحَدِيثِ هَؤُلَاءِ ، وَهَؤُلَاءِ
بِحَدِيثِ هَؤُلَاءِ } .
وَفِي رِوَايَةٍ : { يَأْتِي هَؤُلَاءِ بِوَجْهٍ
وَهَؤُلَاءِ بِوَجْهٍ } .
وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ :
" لَا يَنْبَغِي لِذِي الْوَجْهَيْنِ أَنْ يَكُونَ أَمِينًا عِنْدَ اللَّهِ
تَعَالَى " .
وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : "
لَا يَكُنْ أَحَدُكُمْ إمَّعَةً
.
قَالُوا وَمَا الْإِمَّعَةُ ؟ قَالَ يَجْرِي مَعَ كُلِّ
رِيحٍ " .
قَالَ :
أَعْنِي الْغَزَالِيَّ : وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ
مُلَاقَاةَ اثْنَيْنِ بِوَجْهَيْنِ نِفَاقٌ ، وَلِلنِّفَاقِ عَلَامَاتٌ كَثِيرَةٌ
، وَهَذِهِ مِنْ جُمْلَتِهَا ، ثُمَّ قَالَ : فَإِنْ قُلْت : فِي مَاذَا يَصِيرُ
ذَا لِسَانَيْنِ وَمَا حَدُّ ذَلِكَ ؟ فَأَقُولُ : إذَا دَخَلَ عَلَى مُتَعَادِيَيْنِ
وَجَامَلَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَكَانَ صَادِقًا فِيهِ لَمْ يَكُنْ مُنَافِقًا
وَلَا ذَا لِسَانَيْنِ ، فَإِنَّ الْوَاحِدَ قَدْ يُصَادِقُ مُتَعَادِيَيْنِ
وَلَكِنَّ صَدَاقَتَهُ ضَعِيفَةٌ لَا تَنْتَهِي إلَى حَدِّ الْأُخُوَّةِ ، إذْ
لَوْ تَحَقَّقَتْ الصَّدَاقَةُ لَاقْتَضَتْ مُعَادَاةَ الْأَعْدَاءِ .
نَعَمْ لَوْ نَقَلَ كَلَامَ كُلِّ وَاحِدٍ إلَى الْآخَرِ
فَهُوَ ذُو لِسَانَيْنِ وَذَلِكَ شَرٌّ مِنْ النَّمِيمَةِ ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ
نَمَّامًا بِمُجَرَّدِ نَقْلِهِ مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ ، فَإِذَا نَقَلَ مِنْ
كُلٍّ مِنْهُمَا فَقَدْ زَادَ عَلَى النَّمِيمَةِ ، وَإِنْ لَمْ يَنْقُلْ كَلَامًا
، وَلَكِنْ حَسَّنَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا هُوَ عَلَيْهِ مِنْ
الْمُعَادَاةِ مَعَ صَاحِبِهِ فَهُوَ ذُو لِسَانَيْنِ أَيْضًا ؛ وَكَذَا إذَا
وَعَدَ كُلًّا مِنْهُمَا بِأَنَّهُ يَنْصُرُهُ أَوْ أَثْنَى عَلَى كُلٍّ فِي
مُعَادَلَةٍ أَوْ عَلَى أَحَدِهِمَا مَعَ ذَمِّهِ لَهُ إذَا خَرَجَ مِنْ عِنْدِهِ
فَهُوَ ذُو لِسَانَيْنِ فِي كُلِّ ذَلِكَ .
وَقَدْ مَرَّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ الثَّنَاءَ عَلَى
الْأَمِيرِ فِي حَضْرَتِهِ وَذَمِّهِ فِي غَيْبَتِهِ نِفَاقٌ ، وَمَحَلُّهُ إنْ
اسْتَغْنَى عَنْ الدُّخُولِ عَلَى الْأَمِيرِ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ ، وَلَا
عِبْرَةَ بِرَجَائِهِ مِنْهُ مَالًا أَوْ جَاهًا ، فَإِذَا دَخَلَ لِضَرُورَةِ
أَحَدِهِمَا وَأَثْنَى فَهُوَ مُنَافِقٌ ، وَهَذَا مَعْنَى
حَدِيثِ
.
{ حُبُّ الْجَاهِ وَالْمَالِ يُنْبِتَانِ النِّفَاقَ فِي
الْقَلْبِ كَمَا يُنْبِتُ الْمَاءُ الْبَقْلَ } : أَيْ : لِأَنَّهُ يُحْوِجُ إلَى
الدُّخُولِ عَلَى الْأُمَرَاءِ وَمُرَاعَاتِهِمْ وَمُرَاءَاتِهِمْ ، فَإِنْ
اضْطَرَّ لِلدُّخُولِ لِنَحْوِ تَخْلِيصِ ضَعِيفٍ لَا يُرْجَى خَلَاصُهُ بِدُونِ ذَلِكَ
وَخَافَ مِنْ عَدَمِ الثَّنَاءِ فَهُوَ مَعْذُورٌ ، فَإِنَّ اتِّقَاءَ الشَّرِّ
جَائِزٌ .
قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ : إنَّا لَنَكْشِرُ أَيْ
نَضْحَكُ فِي وُجُوهِ أَقْوَامٍ وَإِنَّ قُلُوبَنَا لَتَلْعَنُهُمْ ، وَمَرَّ
خَبَرُ : { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِمُسْتَأْذِنٍ
عَلَيْهِ : ائْذَنُوا لَهُ بِئْسَ أَخُو الْعَشِيرَةِ ، فَسَأَلَتْهُ عَائِشَةُ
فَقَالَ : إنَّ شَرَّ النَّاسِ الَّذِي يُكْرَمُ اتِّقَاءً لِشَرِّهِ } ،
وَلَكِنَّ هَذَا وَرَدَ فِي الْإِقْبَالِ وَنَحْوِ التَّبَسُّمِ .
فَأَمَّا الثَّنَاءُ فَهُوَ كَذِبٌ صَرِيحٌ فَلَا
يَجُوزُ إلَّا لِضَرُورَةِ حَاجَةٍ أَوْ إكْرَاهٍ عَلَيْهِ بِخُصُوصِهِ .
وَمِنْ النِّفَاقِ أَنْ تَسْمَعَ بَاطِلًا فَتُقِرَّهُ
بِنَحْوِ تَصْدِيقٍ أَوْ تَقْرِيرٍ كَتَحْرِيكِ الرَّأْسِ إظْهَارًا لِذَلِكَ ،
بَلْ يَلْزَمُهُ أَنْ يُنْكِرَ بِيَدِهِ ثُمَّ لِسَانِهِ ثُمَّ قَلْبِهِ .
( الْكَبِيرَةُ الرَّابِعَةُ وَالْخَمْسُونَ بَعْدَ
الْمِائَتَيْنِ : الْبُهُتُ ) .
لِمَا فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ السَّابِقِ فِي الْغِيبَةِ
: { فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ فَقَدْ بَهَتَّهُ } بَلْ هُوَ أَشَدُّ مِنْ
الْغِيبَةِ ، إذْ هُوَ كَذِبٌ فَيَشُقُّ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ ، بِخِلَافِ
الْغِيبَةِ لَا تَشُقُّ عَلَى بَعْضِ الْعُقَلَاءِ ؛ لِأَنَّهَا فِيهِ .
وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ : { خَمْسٌ لَيْسَ لَهُنَّ
كَفَّارَةٌ : الشِّرْكُ بِاَللَّهِ ، وَقَتْلُ النَّفْسِ بِغَيْرِ حَقٍّ ،
وَبَهْتُ مُؤْمِنٍ ، وَالْفِرَارُ مِنْ الزَّحْفِ ، وَيَمِينٌ صَابِرَةٌ
يَقْتَطِعُ بِهَا مَالًا بِغَيْرِ حَقٍّ } .
وَالطَّبَرَانِيُّ : { مَنْ ذَكَرَ امْرَأً بِشَيْءٍ
لَيْسَ فِيهِ لِيَعِيبَهُ بِهِ حَبَسَهُ اللَّهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ حَتَّى يَأْتِيَ
بِنَفَاذِ مَا قَالَ فِيهِ } تَنْبِيهٌ : عَدُّ هَذَا هُوَ مَا صَرَّحَ بِهِ
بَعْضُهُمْ مَعَ عَدِّهِ الْكَذِبَ كَبِيرَةً أُخْرَى ، وَكَأَنَّ وَجْهُهُ أَنَّ
هَذَا كَذِبٌ خَاصٌّ فِيهِ هَذَا الْوَعِيدُ الشَّدِيدُ فَلِذَا أُفْرِدَ
بِالذِّكْرِ .
( الْكَبِيرَةُ الْخَامِسَةُ وَالْخَمْسُونَ بَعْدَ
الْمِائَتَيْنِ : عَضْلُ الْوَلِيِّ مُوَلِّيَتَهُ عَنْ النِّكَاحِ ) .
بِأَنْ دَعَتْهُ إلَى أَنْ يُزَوِّجَهَا مِنْ كُفْءٍ
لَهَا ، وَهِيَ بَالِغَةٌ عَاقِلَةٌ فَامْتَنَعَ .
وَكَوْنُ هَذَا كَبِيرَةً هُوَ مَا صَرَّحَ بِهِ
النَّوَوِيُّ فِي فَتَاوِيهِ فَقَالَ : أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ
الْعَضْلَ كَبِيرَةٌ ، لَكِنَّ الَّذِي قَرَّرَهُ هُوَ وَالْأَئِمَّةُ فِي
تَصَانِيفِهِمْ أَنَّهُ صَغِيرَةٌ ، وَأَنَّ كَوْنَهُ كَبِيرَةً وَجْهٌ ضَعِيفٌ ،
بَلْ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي النِّهَايَةِ : لَا يَحْرُمُ الْعَضْلُ إذَا كَانَ
ثَمَّ حَاكِمٌ ، وَقَالَ غَيْرُهُ : يَنْبَغِي أَلَّا يَحْرُمَ مُطْلَقًا إذَا
جَوَّزْنَا التَّحْكِيمَ : أَيْ ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ حِينَئِذٍ لَمْ يَنْحَصِرْ
فِي الْوَلِيِّ .
وَإِذَا قُلْنَا صَغِيرَةٌ فَتَكَرَّرَ ، فَظَاهِرُ
كَلَامِ النَّوَوِيِّ وَالرَّافِعِيِّ أَنَّهُ يَصِيرُ كَبِيرَةً حَيْثُ قَالَ :
وَلَيْسَ الْعَضْلُ مِنْ الْكَبَائِرِ وَإِنَّمَا يَفْسُقُ بِهِ إذَا عَضَلَ
مَرَّاتٍ أَقَلُّهَا فِيمَا حُكِيَ عَنْ بَعْضِهِمْ ثَلَاثٌ .
انْتَهَى
.
وَرُدَّ عَلَيْهِمَا بِأَنَّ الَّذِي ذَكَرَاهُ فِي
كِتَابِ الشَّهَادَاتِ أَنَّ الْمَنْصُوصَ وَقَوْلَ الْجُمْهُورِ أَنَّ
الطَّاعَاتِ إذَا غَلَبَتْ لَا تَضُرُّ الْمُدَاوَمَةُ عَلَى نَوْعٍ وَاحِدٍ مِنْ
الصَّغَائِرِ ، وَفِي وَجْهٍ ضَعِيفٍ أَنَّ الْمُدَاوَمَةَ عَلَى ذَلِكَ فِسْقٌ ،
وَإِنْ غَلَبَتْ الطَّاعَاتُ .
( الْكَبِيرَةُ السَّادِسَةُ وَالْخَمْسُونَ بَعْدَ
الْمِائَتَيْنِ : الْخِطْبَةُ عَلَى الْخِطْبَةِ الْغَيْرِ الْجَائِزَةِ
الصَّرِيحَةِ إذَا أُجِيبَ إلَيْهَا صَرِيحًا مِمَّنْ تُعْتَبَرُ إجَابَتُهُ
وَلَمْ يَأْذَنْ وَلَا أَعْرَضَ هُوَ وَلَا هُمْ ) ذِكْرُ هَذَا فِي الْكَبَائِرِ
هُوَ نَظِيرُ مَا مَرَّ فِي الْبَيْعِ مِنْ الشِّرَاءِ عَلَى شِرَاءِ الْغَيْرِ فَيَأْتِي
هُنَا جَمِيعُ مَا قَدَّمْته ثَمَّ
.
( الْكَبِيرَةُ السَّابِعَةُ وَالثَّامِنَةُ
وَالْخَمْسُونَ بَعْدَ الْمِائَتَيْنِ
: تَخْبِيبُ الْمَرْأَةِ عَلَى زَوْجِهَا : أَيْ
إفْسَادِهَا عَلَيْهِ ، وَالزَّوْجِ عَلَى زَوْجَتِهِ ) أَخْرَجَ أَحْمَدُ
بِسَنَدٍ صَحِيحٍ ، وَاللَّفْظُ لَهُ وَالْبَزَّارُ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ
عَنْ بُرَيْدَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { لَيْسَ مِنَّا مَنْ حَلَفَ بِالْأَمَانَةِ ، وَمَنْ
خَبَّبَ عَلَى امْرِئٍ زَوْجَتَهُ أَوْ مَمْلُوكَهُ فَلَيْسَ مِنَّا } .
وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ : { لَيْسَ مِنَّا مَنْ
خَبَّبَ امْرَأَةً عَلَى زَوْجِهَا أَوْ عَبْدًا عَلَى سَيِّدِهِ } .
وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ : { مَنْ خَبَّبَ
عَبْدًا عَلَى أَهْلِهِ فَلَيْسَ مِنَّا ، وَمَنْ أَفْسَدَ امْرَأَةً عَلَى
زَوْجِهَا فَلَيْسَ مِنَّا } .
وَرَوَاهُ بِنَحْوِهِ جَمَاعَةٌ آخَرُونَ مِنْهُمْ أَبُو
يَعْلَى بِسَنَدٍ صَحِيحٍ وَمُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ : { إنَّ إبْلِيسَ يَضَعُ
عَرْشَهُ عَلَى الْمَاءِ ثُمَّ يَبْعَثُ سَرَايَاهُ فَأَدْنَاهُمْ مِنْهُ
مَنْزِلَةً أَعْظَمُهُمْ فِتْنَةً يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ فَعَلْت كَذَا
وَكَذَا ، فَيَقُولُ مَا صَنَعْت شَيْئًا ، ثُمَّ يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ
مَا تَرَكْته حَتَّى فَرَّقْت بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ فَيُدْنِيهِ مِنْهُ وَيَقُولُ
نَعَمْ أَنْتَ فَيَلْتَزِمُهُ }
.
تَنْبِيهٌ : عَدُّ الْأُولَى كَبِيرَةً هُوَ مَا جَرَى
عَلَيْهِ جَمْعٌ وَرَوَوْا فِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ لَعَنَ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ وَيُؤَيِّدُهُ الْأَحَادِيثُ الَّتِي
ذَكَرْتهَا ، وَالثَّانِيَةُ كَالْأُولَى كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ وَإِنْ أَمْكَنَ
الْفَرْقُ بِأَنَّ الرَّجُلَ يُمْكِنُهُ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ الْمُفْسِدِ لَهُ
وَزَوْجَتِهِ بِخِلَافِ الْمَرْأَةِ ؛ لِأَنَّ إفْسَادَ الْمَرْأَةِ عَلَى
زَوْجِهَا وَالرَّجُلِ عَلَى زَوْجَتِهِ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ مِنْ الرَّجُلِ
أَوْ مِنْ الْمَرْأَةِ مَعَ إرَادَةِ تَزْوِيجٍ أَوْ تَزَوُّجٍ أَوْ لَا مَعَ
إرَادَةِ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ .
( الْكَبِيرَةُ التَّاسِعَةُ وَالْخَمْسُونَ بَعْدَ
الْمَاءَيْنِ : عَقْدُ الرَّجُلِ عَلَى مَحْرَمِهِ بِنَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ أَوْ
مُصَاهَرَةٍ ، وَإِنْ لَمْ يَطَأْ ) وَعَدُّ هَذَا كَبِيرَةً هُوَ مَا وَقَعَ فِي
كَلَامِ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ لَكِنَّهُ لَمْ يُعَمِّمْ الْمَحْرَمَ وَلَا
ذَكَرَ ، وَإِنْ لَمْ يَطَأْ وَذَلِكَ مُرَادُهُ بِلَا شَكٍّ ، ثُمَّ لِمَا
ذَكَرَهُ نَوْعُ اتِّجَاهٍ ؛ لِأَنَّ إقْدَامَهُ عَلَى عَقْدِ النِّكَاحِ عَلَى
مَحْرَمِهِ مَبْنِيٌّ عَلَى خَرْقِهِ سِيَاجَ الشَّرِيعَةِ الْغَرَّاءِ مِنْ
أَصْلِهِ وَأَنَّهُ لَا مُبَالَاةَ عِنْدَهُ بِحُدُودِهَا سِيَّمَا مَا اتَّفَقَتْ
الْعُقُولُ الصَّحِيحَةُ عَلَى قُبْحِهِ ، وَأَنَّهُ لَا يَصْدُرُ مِمَّنْ لَهُ أَدْنَى
مِسْكَةٍ مِنْ مُرُوءَةٍ فَضْلًا عَنْ دِينٍ .
( الْكَبِيرَةُ السِّتُّونَ وَالْحَادِيَةُ
وَالثَّانِيَةُ وَالسِّتُّونَ بَعْدَ الْمِائَتَيْنِ : رِضَا الْمُطَلِّقُ
بِالتَّحْلِيلِ وَطَوَاعِيَةُ الْمَرْأَةِ الْمُطَلَّقَةِ عَلَيْهِ وَرِضَا
الزَّوْجِ الْمُحَلِّلِ لَهُ )
.
أَخْرَجَ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمَا
بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : { أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَعَنَ الْمُحَلِّلَ وَالْمُحَلَّلَ لَهُ } .
وَابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ : أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِالتَّيْسِ
الْمُسْتَعَارِ ؟ قَالُوا بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ ، قَالَ هُوَ الْمُحَلِّلُ .
لَعَنَ اللَّهُ الْمُحَلِّلَ وَالْمُحَلَّلَ لَهُ } .
قَالَ التِّرْمِذِيُّ : وَالْعَمَلُ عَلَى ذَلِكَ عِنْدَ
أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْهُمْ عُمَرُ وَابْنُهُ وَعُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ
وَهُوَ قَوْلُ الْفُقَهَاءِ مِنْ التَّابِعِينَ .
وَأَبُو إِسْحَاقَ الْجُوزَجَانِيُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ
: { سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ عَنْ الْمُحَلِّلِ ؟ فَقَالَ لَا ، إلَّا نِكَاحَ رَغْبَةٍ لَا نِكَاحَ
دُلْسَةٍ وَلَا اسْتِهْزَاءً بِكِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ثُمَّ تَذُوقُ الْعُسَيْلَةَ } .
وَرَوَى ابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَعَبْدُ
الرَّزَّاقِ وَالْأَثْرَمُ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ : لَا
أُوتَى بِمُحَلِّلٍ وَلَا مُحَلَّلٍ لَهُ إلَّا رَجَمْتُهُمَا ، فَسُئِلَ ابْنُهُ
عَنْ ذَلِكَ ؟ فَقَالَ : كِلَاهُمَا زَانٍ .
{ وَسَأَلَ رَجُلٌ ابْنَ عُمَرَ فَقَالَ مَا تَقُولُ فِي
امْرَأَةٍ تَزَوَّجْتهَا لِأُحِلَّهَا لِزَوْجِهَا لَمْ يَأْمُرْنِي وَلَمْ يَعْلَمْ .
فَقَالَ لَهُ ابْنُ عُمَرَ : لَا إلَّا نِكَاحَ رَغْبَةٍ
إنْ أَعْجَبَتْك أَمْسَكْتهَا وَإِنْ كَرِهْتهَا فَارَقْتهَا ، وَإِنَّا كُنَّا
نَعُدُّ هَذَا سِفَاحًا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ ، وَسُئِلَ عَنْ تَحْلِيلِ الْمَرْأَةِ لِزَوْجِهَا فَقَالَ ذَلِكَ هُوَ
السِّفَاحُ .
وَعَنْ رَجُلٍ طَلَّقَ ابْنَةَ عَمِّهِ ثُمَّ نَدِمَ
وَرَغِبَ فِيهَا ، فَأَرَادَ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا رَجُلٌ
لِيُحِلَّهَا لَهُ فَقَالَ كِلَاهُمَا زَانٍ ، وَإِنْ
مَكَثَا عِشْرِينَ سَنَةً أَوْ نَحْوِهَا إذَا كَانَ يَعْلَمُ أَنَّهُ يُرِيدُ
أَنْ يُحِلَّهَا } .
وَسُئِلَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَمَّنْ
طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا ثُمَّ نَدِمَ فَقَالَ هُوَ عَصَى اللَّهَ
فَأَنْدَمَهُ ، وَأَطَاعَ الشَّيْطَانَ فَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا .
قِيلَ لَهُ : فَكَيْفَ تَرَى فِي رَجُلٍ يُحِلُّهَا ؟
فَقَالَ مَنْ يُخَادِعُ اللَّهَ يَخْدَعْهُ .
تَنْبِيهٌ :
عَدُّ هَذَا كَبِيرَةً هُوَ صَرِيحُ مَا فِي
الْحَدِيثَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ مِنْ اللَّعْنِ ، وَهُمَا مَحْمُولَانِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى مَا إذَا شَرَطَ فِي صُلْبِ نِكَاحِ الْمُحَلِّلِ
أَنَّهُ يُطَلِّقُ بَعْدَ أَنْ يَطَأَ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ مِنْ الشُّرُوطِ
الْمُفْسِدَةِ لِلنِّكَاحِ ، وَحِينَئِذٍ التَّحَلُّلُ كَبِيرَةٌ فَيَكُونُ كُلٌّ
مِنْ الْمُطَلِّقِ وَالْمُحَلِّلِ وَالْمَرْأَةِ فَاسِقًا لِإِقْدَامِهِمْ عَلَى
هَذِهِ الْفَاحِشَةِ ، وَعَلَى ذَلِكَ يُحْمَلُ إطْلَاقُ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ
الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ التَّحْلِيلَ كَبِيرَةٌ إذْ هُوَ بِدُونِ ذَلِكَ مَكْرُوهٌ
لَا حَرَامٌ فَضْلًا عَنْ كَوْنِهِ كَبِيرَةً وَلَا عِبْرَةَ بِمَا أَضْمَرُوهُ وَلَا
بِالشُّرُوطِ السَّابِقَةِ عَلَى الْعَقْدِ ، وَأَخَذَ جَمَاعَةٌ مِنْ
الْأَئِمَّةِ بِإِطْلَاقِ الْحَدِيثَيْنِ فَحَرَّمُوا التَّحَلُّلَ مُطْلَقًا
مِنْهُمْ مَنْ ذَكَرْنَاهُ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَالْحَسَنُ
الْبَصْرِيُّ فَقَالَ : إذَا هَمَّ أَحَدُ الثَّلَاثَةِ بِالتَّحَلُّلِ فَقَدْ
أَفْسَدَ الْعَقْدَ .
وَالنَّخَعِيُّ فَقَالَ : إذَا كَانَتْ نِيَّةُ أَحَدِ
الثَّلَاثَةِ الزَّوْجُ الْأَوَّلُ أَوْ الزَّوْجُ الْآخَرُ أَوْ الْمَرْأَةُ
التَّحْلِيلَ فَنِكَاحُ الْآخَرِ بَاطِلٌ وَلَا تَحِلُّ لِلْأَوَّلِ .
وَابْنُ الْمُسَيِّبِ فَقَالَ : مَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً
لِيُحِلَّهَا لِزَوْجِهَا الْأَوَّلِ لَمْ تَحِلَّ لَهُ ، وَتَبِعَهُمْ مَالِكٌ
وَاللَّيْثُ وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَأَحْمَدُ .
وَقَدْ سُئِلَ عَمَّنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَفِي نَفْسِهِ
أَنْ يُحِلَّهَا لِلْأَوَّلِ وَلَمْ تَعْلَمْ هِيَ بِذَلِكَ فَقَالَ : هُوَ
مُحَلِّلٌ ، وَإِذَا أَرَادَ بِذَلِكَ التَّحْلِيلَ
فَهُوَ مَلْعُونٌ .
( الْكَبِيرَةُ الثَّالِثَةُ وَالرَّابِعَةُ
وَالسِّتُّونَ بَعْدَ الْمِائَتَيْنِ : إفْشَاءُ الرَّجُلِ سِرَّ زَوْجَتِهِ
وَهِيَ سِرَّهُ بِأَنْ تَذْكُرَ مَا يَقَعُ بَيْنَهُمَا مِنْ تَفَاصِيلِ
الْجِمَاعِ وَنَحْوِهَا مِمَّا يَخْفَى
) .
أَخْرَجَ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُمَا عَنْ
أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { إنَّ مِنْ شَرِّ النَّاسِ عِنْدَ اللَّهِ
مَنْزِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ الرَّجُلَ يُفْضِي إلَى امْرَأَتِهِ أَوْ تُفْضِي
إلَيْهِ ثُمَّ يَنْشُرُ أَحَدُهُمَا سِرَّ صَاحِبِهِ } .
وَفِي رِوَايَةٍ لَهُمْ : { مِنْ أَعْظَمِ الْأَمَانَةِ
عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الرَّجُلُ يُفْضِي إلَى امْرَأَتِهِ وَتُفْضِي
إلَيْهِ ثُمَّ يَنْشُرُ سِرَّهَا
} .
وَأَحْمَدُ عَنْ { أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ أَنَّهَا
كَانَتْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالرِّجَالُ
وَالنِّسَاءُ قُعُودٌ عِنْدَهُ فَقَالَ : لَعَلَّ رَجُلًا يَقُولُ مَا فَعَلَ
بِأَهْلِهِ ، وَلَعَلَّ امْرَأَةً تُخْبِرُ مَا فَعَلَتْ مَعَ زَوْجِهَا فَأَرَمَّ
الْقَوْمُ - أَيْ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ : سَكَتُوا ، وَقِيلَ
سَكَتُوا مِنْ خَوْفٍ وَنَحْوِهِ - فَقُلْت : إي وَاَللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ
إنَّهُمْ لَيَفْعَلُونَ وَإِنَّهُنَّ لِيَفْعَلْنَ ، قَالَ لَا تَفْعَلُوا
فَإِنَّمَا مِثْلُ ذَلِكَ مِثْلُ شَيْطَانٍ لَقِيَ شَيْطَانَةَ فَغَشِيَهَا
وَالنَّاسُ يَنْظُرُونَ } .
وَالْبَزَّارُ وَلَهُ شَوَاهِدُ تُقَوِّيهِ وَأَبُو
دَاوُد مُطَوَّلًا بِنَحْوِهِ بِسَنَدٍ فِيهِ مَنْ لَمْ يُسَمَّ : { أَلَا عَسَى
أَحَدُكُمْ أَنْ يَخْلُوَ بِأَهْلِهِ يَغْلِقُ بَابًا ثُمَّ يُرْخِي سِتْرًا ثُمَّ
يَقْضِي حَاجَتَهُ ، ثُمَّ إذَا خَرَجَ حَدَّثَ أَصْحَابَهُ بِذَلِكَ ، أَلَا
عَسَى إحْدَاكُنَّ أَنْ تُغْلِقَ بَابَهَا وَتُرْخِيَ سِتْرَهَا ، فَإِذَا قَضَتْ
حَاجَتَهَا حَدَّثَتْ صَوَاحِبَهَا فَقَالَتْ امْرَأَةٌ سَفْعَاءُ الْخَدَّيْنِ
وَاَللَّهِ إنَّهُنَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَيَفْعَلْنَ وَإِنَّهُمْ لَيَفْعَلُونَ
، قَالَ فَلَا تَفْعَلُوا فَإِنَّمَا مِثْلُ ذَلِكَ مِثْلُ شَيْطَانٍ لَقِيَ
شَيْطَانَةَ عَلَى قَارِعَةِ الطَّرِيقِ فَقَضَى
حَاجَتَهُ مِنْهَا ثُمَّ انْصَرَفَ وَتَرَكَهَا } .
وَأَحْمَدُ وَأَبُو يَعْلَى وَالْبَيْهَقِيُّ كُلُّهُمْ
مِنْ طَرِيقِ رَوَاحٍ عَنْ أَبِي الْهَيْثَمِ وَقَدْ صَحَّحَهَا غَيْرُ وَاحِدٍ
أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { السِّبَاعُ حَرَامٌ } قَالَ
ابْنُ لَهِيعَةَ يَعْنِي بِهِ الَّذِي يَفْتَخِرُ بِالْجِمَاعِ : أَيْ بِمَا فِيهِ
هَتْكُ سِتْرٍ لَا مُطْلَقًا كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ ، وَهُوَ بِالْمُهْمَلَةِ
الْمَكْسُورَةِ فَالْمُوَحَّدَةِ وَقِيلَ بِالْمُعْجَمَةِ وَأَبُو دَاوُد بِسَنَدٍ
فِيهِ مَجْهُولٌ : { الْمَجَالِسُ بِالْأَمَانَةِ إلَّا ثَلَاثَةَ مَجَالِسَ ؛
سَفْكُ دَمٍ حَرَامٍ ، أَوْ فَرْجٌ حَرَامٌ ، أَوْ اقْتِطَاعُ مَالٍ بِغَيْرِ
حَقٍّ } .
تَنْبِيهٌ : عَدُّ هَذَيْنِ كَبِيرَتَيْنِ لَمْ أَرَهُ
لَكِنَّهُ صَرِيحُ مَا فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ ، وَهُوَ ظَاهِرٌ ؛
لِمَا فِيهِ مِنْ إيذَاءِ الْمَحْكِيِّ عَنْهُ وَغِيبَتِهِ ، وَهَتْكِ مَا
أَجْمَعَتْ الْعُقَلَاءُ عَلَى تَأَكُّدِ سِتْرِهِ ، وَقُبْحِ نَشْرِهِ ،
وَسَيَأْتِي لِهَذَا الْمَحَلِّ بَسْطٌ فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ ، وَأَنَّ
كَلَامَ النَّوَوِيِّ اخْتَلَفَ فِي كَرَاهَةِ ذَلِكَ وَحُرْمَتِهِ فَإِنَّهُ
ذَكَرَ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ أَنَّهُ يُكْرَهُ ، وَجَزَمَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ بِالتَّحْرِيمِ
مُسْتَدِلًّا بِخَبَرِ مُسْلِمٍ الْمَذْكُورِ وَأَنَّ مَحَلَّ الْحُرْمَةِ فِيمَا
إذَا ذَكَرَ حَلِيلَتَهُ بِمَا يُخْفَى كَالْأَحْوَالِ الَّتِي تَقَعُ بَيْنَهُمَا
عِنْدَ الْجِمَاعِ وَالْخَلْوَةِ ، وَالْكَرَاهَةُ فِيمَا إذَا ذَكَرَ مَا لَا
يَخْفَى مُرُوءَةً .
وَمِنْهُ ذِكْرُ مُجَرَّدِ الْجِمَاعِ لِغَيْرِ
فَائِدَةٍ ، ثُمَّ رَأَيْت ذِكْرَ بَعْضِهِمْ مَا يُوَافِقُ مَا ذَكَرْته فِي التَّرْجَمَةِ .
( الْكَبِيرَةُ الْخَامِسَةُ وَالسِّتُّونَ بَعْدَ
الْمِائَةِ : إتْيَانُ الزَّوْجَةِ أَوْ السُّرِّيَّةِ فِي دُبُرِهَا ) .
أَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ
حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { لَا يَنْظُرُ اللَّهُ
عَزَّ وَجَلَّ إلَى رَجُلٍ أَتَى رَجُلًا أَوْ امْرَأَةً فِي دُبُرِهَا } .
وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ بِسَنَدٍ رِجَالُهُ
ثِقَاتٌ : { مَنْ أَتَى النِّسَاءَ فِي أَعْجَازِهِنَّ فَقَدْ كَفَرَ } .
وَابْنُ مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيُّ : { لَا يَنْظُرُ اللَّهُ
إلَى رَجُلٍ جَامَعَ امْرَأَةً فِي دُبُرِهَا } .
وَأَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد : { مَلْعُونٌ مَنْ أَتَى
امْرَأَةً فِي دُبُرِهَا } .
وَأَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ
مَاجَهْ بِسَنَدٍ فِيهِ مَجْهُولٌ وَانْقِطَاعٌ : { مَنْ أَتَى حَائِضًا أَوْ
امْرَأَةً فِي دُبُرِهَا أَوْ كَاهِنًا فَصَدَّقَهُ كَفَرَ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ
عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ } .
وَكَذَا أَبُو دَاوُد إلَّا أَنَّهُ قَالَ : { فَقَدْ
بَرِئَ مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ } .
وَأَحْمَدُ وَالْبَزَّارُ وَرِجَالُهُمَا رِجَالُ
الصَّحِيحِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { هِيَ اللُّوطِيَّةُ
الصُّغْرَى } : يَعْنِي الرَّجُلَ يَأْتِي امْرَأَتَهُ فِي دُبُرِهَا .
وَأَبُو يَعْلَى بِإِسْنَادٍ : { اسْتَحْيُوا فَإِنَّ
اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي مِنْ الْحَقِّ ، لَا تَأْتُوا النِّسَاءَ فِي
أَدْبَارِهِنَّ } .
وَابْنُ مَاجَهْ وَاللَّفْظُ لَهُ وَالنَّسَائِيُّ
بِأَسَانِيدَ أَحَدُهَا صَحِيحٌ عَنْ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { إنَّ
اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي مِنْ الْحَقِّ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ، لَا تَأْتُوا
النِّسَاءَ فِي أَدْبَارِهِنَّ
} .
وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ بِسَنَدٍ رِجَالُهُ
ثِقَاتٌ عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ مَحَاشِّ النِّسَاءِ } .
وَالدَّارَقُطْنِيِّ : { اسْتَحْيُوا مِنْ اللَّهِ فَإِنَّ
اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي مِنْ الْحَقِّ ، لَا يَحِلُّ مَأْتَاك النِّسَاءَ فِي
حُشُوشِهِنَّ } .
وَالطَّبَرَانِيُّ : { لَعَنَ اللَّهُ الَّذِينَ
يَأْتُونَ النِّسَاءَ فِي مَحَاشِّهِنَّ } وَهِيَ بِمِيمٍ مَفْتُوحَةٍ
فَمُهْمَلَةٍ ثُمَّ مُعْجَمَةٍ مُشَدَّدَةٍ جَمْعُ مَحَشَّةٍ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ
وَكَسْرِهِ : وَهِيَ الدُّبُرُ
.
وَأَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ
وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ : { لَا تَأْتُوا النِّسَاءَ فِي
أَسْتَاهِهِنَّ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي مِنْ الْحَقِّ } .
تَنْبِيهٌ : عَدَا هَذَا هُوَ مَا صَرَّحَ بِهِ غَيْرُ
وَاحِدٍ وَهُوَ ظَاهِرٌ لِمَا عَلِمْت مِنْ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ
أَنَّهُ كُفْرٌ ، وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَنْظُرُ لِفَاعِلِهِ ، وَأَنَّهُ
اللِّوَاطِيَّةُ الصُّغْرَى ، وَهَذَا مِنْ أَقْبَحِ الْوَعِيدِ وَأَشَدِّهِ .
فَقَوْلُ الْجَلَالِ الْبُلْقِينِيِّ فِي عَدِّ ذَلِكَ
كَبِيرَةً فِيهِ نَظَرٌ ، وَقَدْ صَرَّحَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ الْعَلَائِيُّ
بِأَنَّ ذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ يُلْحَقَ بِاللِّوَاطِ ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ فِي
الْحَدِيثِ لَعْنُ فَاعِلِهِ .
( الْكَبِيرَةُ السَّادِسَةُ وَالسِّتُّونَ بَعْدَ
الْمِائَتَيْنِ : أَنْ يُجَامِعَ حَلِيلَتَهُ بِحَضْرَةِ امْرَأَةٍ أَجْنَبِيَّةٍ
أَوْ رَجُلٍ أَجْنَبِيٍّ ) وَعَدُّ هَذَا كَبِيرَةً وَاضِحٌ لِدَلَالَتِهِ عَلَى قِلَّةِ
اكْتِرَاثِ مُرْتَكِبِهِ بِالدِّينِ وَرِقَّةِ الدَّيَّانَةِ ؛ وَلِأَنَّهُ
يُؤَدِّي ظَنًّا بَلْ قَطْعًا إلَى إفْسَادِهِ بِالْأَجْنَبِيَّةِ أَوْ إفْسَادِ
الْأَجْنَبِيِّ بِحَلِيلَتِهِ ، وَمَنْ عَدَّ نَحْوَ النَّظَرِ كَبِيرَةً كَمَا
مَرَّ بِمَا فِيهِ فَالْأَوْلَى أَنْ يُعَدَّ هَذَا ؛ لِأَنَّهُ أَقْبَحُ
وَأَعْظَمُ مَفْسَدَةً .
بَابُ الصَّدَاقِ ( الْكَبِيرَةُ السَّابِعَةُ
وَالسِّتُّونَ بَعْدَ الْمِائَتَيْنِ : أَنْ يَتَزَوَّجَ امْرَأَةً وَفِي عَزْمِهِ
أَلَّا يُوَفِّيَهَا صَدَاقَهَا لَوْ طَلَبَتْهُ ) .
أَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ رُوَاتُهُ ثِقَاتٌ
أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { أَيُّمَا رَجُلٍ تَزَوَّجَ
امْرَأَةً عَلَى مَا قَلَّ مِنْ الْمَهْرِ أَوْ كَثُرَ وَلَيْسَ فِي نَفْسِهِ أَنْ
يُؤَدِّيَ إلَيْهَا حَقَّهَا خَدَعَهَا فَمَاتَ وَلَمْ يُؤَدِّ إلَيْهَا حَقَّهَا
لَقِيَ اللَّهَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَهُوَ زَانٍ ، وَأَيُّمَا رَجُلٍ اسْتَدَانَ دَيْنًا
وَهُوَ لَا يُرِيدُ أَنْ يُؤَدِّيَ إلَى صَاحِبِهِ حَقَّهُ خَدَعَهُ حَتَّى أَخَذَ
مَالَهُ لَقِيَ اللَّهَ وَهُوَ سَارِقٌ
} .
وَالْبَيْهَقِيُّ { مَنْ أَصْدَقَ امْرَأَةً صَدَاقًا
وَاَللَّهُ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يُرِيدُ أَدَاءَهُ إلَيْهَا فَغَرَّهَا
بِاَللَّهِ وَاسْتَحَلَّ فَرْجَهَا بِالْبَاطِلِ لَقِيَ اللَّهَ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ وَهُوَ زَانٍ } .
وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى لَهُ أَيْضًا : { إنَّ أَعْظَمَ
الذُّنُوبِ عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ رَجُلٌ تَزَوَّجَ امْرَأَةً فَلَمَّا
قَضَى حَاجَتَهُ مِنْهَا طَلَّقَهَا وَذَهَبَ بِمَهْرِهَا ، وَرَجُلٌ اسْتَعْمَلَ رَجُلًا
فَذَهَبَ بِأُجْرَتِهِ ، وَآخَرُ يَقْتُلُ دَابَّةً عَبَثًا } .
وَالطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ فِيهِ مَتْرُوكٌ : {
أَيُّمَا رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً يَنْوِي أَنْ لَا يُعْطِيَهَا مِنْ
صَدَاقِهَا شَيْئًا مَاتَ يَوْمَ يَمُوتُ وَهُوَ زَانٍ } .
تَنْبِيهٌ : عَدُّ هَذَا هُوَ صَرِيحُ الْحَدِيثِ
الْأَوَّلِ الصَّحِيحِ وَمَا بَعْدَهُ وَبِهِ جَزَمَ بَعْضُهُمْ ، لَكِنَّهُ
عَبَّرَ بِقَوْلِهِ أَنْ يَتَزَوَّجَ امْرَأَةً وَلَيْسَ فِي نَفْسِهِ أَنْ
يُوَفِّيَهَا الصَّدَاقَ وَعَدَلْت عَنْهُ فِي التَّرْجَمَةِ إلَى مَا عَبَّرْت
بِهِ لِمَا هُوَ وَاضِحٌ أَنَّ مَنْ لَيْسَ فِي نَفْسِهِ أَدَاءٌ وَلَا مَنْعٌ لَا
حُرْمَةَ عَلَيْهِ فَضْلًا عَنْ كَوْنِ ذَلِكَ كَبِيرَةً الَّذِي أَفْهَمَتْهُ
هَذِهِ الْعِبَارَةُ ، لَكِنَّ قَائِلَهَا اغْتَرَّ بِظَاهِرِ الْحَدِيثِ
الْأَوَّلِ ، وَلَمْ يَنْظُرْ إلَى آخِرِهِ وَلَا إلَى الرِّوَايَةِ الَّتِي
بَعْدَهُ ، وَهِيَ - وَاَللَّهُ يَعْلَمُ - أَنَّهُ لَا يُرِيدُ أَدَاءَهُ
إلَيْهَا وَلَوْ نَظَرَ لِذَلِكَ لَعَبَّرَ بِمَا
عَبَّرْت بِهِ ، وَوَجْهُ كَوْنِ ذَلِكَ كَبِيرَةً تَضَمُّنُهُ لِثَلَاثِ
كَبَائِرَ : الْغَدْرُ وَالظُّلْمُ وَاسْتِيفَاءُ مَنَافِعِ الْحُرِّ بِعِوَضٍ
ثُمَّ مَنْعُهُ مِنْهُ ، وَإِنَّمَا قَيَّدْت فِي التَّرْجَمَةِ بِقَوْلِي لَوْ
طَلَبَتْهُ لَاحْتَرَزَ بِهِ عَمَّا لَوْ كَانَ فِي عَزْمِهِ أَنَّهُ لَا
يُؤَدِّيهِ إلَيْهَا ؛ لِغَلَبَةِ الْمُسَامَحَةِ فِي الْإِبْرَاءِ مِنْ الْمَهْرِ
؛ وَعَدَمِ الْمُطَالَبَةِ بِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْضِ ذَلِكَ إثْمُهُ فَضْلًا
عَنْ فِسْقِهِ .
بَابُ الْوَلِيمَةِ ( الْكَبِيرَةُ الثَّامِنَةُ
وَالسِّتُّونَ بَعْدَ الْمِائَتَيْنِ : تَصْوِيرُ ذِي رُوحٍ عَلَى أَيِّ شَيْءٍ
كَانَ مِنْ مُعَظَّمٍ أَوْ مُمْتَهَنٍ بِأَرْضٍ أَوْ غَيْرِهَا وَلَوْ صُورَةً لَا
نَظِيرَ لَهَا كَفَرَسٍ لَهَا أَجْنِحَةٌ ) قَالَ تَعَالَى : { إنَّ الَّذِينَ
يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمْ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ
وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا } قَالَ عِكْرِمَةُ : هُمْ الَّذِينَ
يَصْنَعُونَ الصُّوَرَ .
وَأَخْرَجَ الشَّيْخَانِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ : { إنَّ الَّذِينَ يَصْنَعُونَ هَذِهِ الصُّوَرَ يُعَذَّبُونَ
يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُقَالُ لَهُمْ أَحْيُوا مَا خَلَقْتُمْ } .
وَرَوَيَا عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : { قَدِمَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ سَفَرٍ وَقَدْ سَتَرْت سَهْوَةً
لِي } - بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ قِيلَ الطَّاقُ فِي الْحَائِطِ يُوضَعُ فِيهِ
الشَّيْءُ ، وَقِيلَ الصُّفَّةُ ، وَقِيلَ الْمَخْدَعُ بَيْنَ الْبَيْتَيْنِ ،
وَقِيلَ بَيْتٌ صَغِيرٌ كَالْخِزَانَةِ الصَّغِيرَةِ - بِقِرَامٍ - أَيْ سِتْرٍ
وَقَافُهُ مَكْسُورَةٌ - { فِيهِ تَمَاثِيلُ .
فَلَمَّا رَآهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ تَلَوَّنَ وَجْهُهُ وَقَالَ : يَا عَائِشَةُ أَشَدُّ النَّاسِ عَذَابًا
عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ الَّذِينَ يُضَاهُونَ بِخَلْقِ
اللَّهِ تَعَالَى قَالَتْ فَقَطَّعْنَاهُ ، فَجَعَلْنَا مِنْهُ وِسَادَةً أَوْ
وِسَادَتَيْنِ } .
وَفِي رِوَايَةٍ لَهُمَا : { دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي الْبَيْتِ قِرَامٌ فِيهِ صُوَرٌ
فَتَلَوَّنَ وَجْهُهُ ، ثُمَّ تَنَاوَلَ السِّتْرَ فَهَتَكَهُ وَقَالَ : مِنْ
أَشَدِّ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ الَّذِينَ يُصَوِّرُونَ هَذِهِ الصُّورَةَ } .
وَفِي أُخْرَى لَهُمَا أَيْضًا : { أَنَّهَا اشْتَرَتْ نُمْرُقَةً
- أَيْ مِخَدَّةً وَهُوَ بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَثَالِثِهِ وَكَسْرِهِمَا وَبِضَمٍّ
ثُمَّ بِفَتْحٍ - فِيهَا تَصَاوِيرُ ، فَلَمَّا رَآهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ عَلَى الْبَابِ فَلَمْ يَدْخُلْ ، فَعَرَفْت فِي
وَجْهِهِ الْكَرَاهَةَ فَقُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ
أَتُوبُ إلَى اللَّهِ وَإِلَى رَسُولِهِ مَاذَا أَذْنَبْت
؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا بَالُ هَذِهِ
النُّمْرُقَةِ ؟ فَقُلْت اشْتَرَيْتهَا لَك لِتَقْعُدَ عَلَيْهَا وَتَتَوَسَّدَهَا
فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إنَّ أَصْحَابَ هَذِهِ الصُّوَرِ
يُعَذَّبُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، فَيُقَالُ لَهُمْ أَحْيُوا مَا خَلَقْتُمْ .
وَقَالَ إنَّ الْبَيْتَ الَّذِي فِيهِ الصُّوَرُ لَا
تَدْخُلُهُ الْمَلَائِكَةُ } .
وَرَوَيَا أَيْضًا : أَنَّ { ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُمَا جَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ إنِّي رَجُلٌ أُصَوِّرُ هَذِهِ
الصُّورَةَ فَأَفْتِنِي فِيهَا
.
فَقَالَ لَهُ اُدْنُ مِنِّي فَدَنَا مِنْهُ ، ثُمَّ
قَالَ أَدْنُ مِنِّي فَدَنَا مِنْهُ حَتَّى وَضَعَ يَدَهُ عَلَى رَأْسِهِ .
وَقَالَ أُنْبِئَك بِمَا سَمِعْت مِنْ رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : كُلُّ مُصَوِّرٍ فِي النَّارِ يُجْعَلُ لَهُ بِكُلِّ
صُورَةٍ صَوَّرَهَا نَفْسًا تُعَذِّبُهُ فِي جَهَنَّمَ } .
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : فَإِنْ كُنْت لَا بُدَّ فَاعِلًا
فَاصْنَعْ الشَّجَرَ وَمَا لَا نَفْسَ لَهُ .
وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ أَنَّهُ قَالَ لَهُ :
إنَّمَا مَعِيشَتِي مِنْ صَنْعَةِ يَدِي وَإِنِّي أَصْنَعُ هَذِهِ التَّصَاوِيرَ .
فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : لَا أُحَدِّثُك إلَّا مَا
سَمِعْت مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، سَمِعْته
يَقُولُ : { مَنْ صَوَّرَ صُورَةً فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُعَذِّبُهُ حَتَّى
يَنْفُخَ فِيهَا الرُّوحَ وَلَيْسَ بِنَافِخٍ فِيهَا أَبَدًا ، فَرَبَا الرَّجُلُ
رَبْوَةً شَدِيدَةً - أَيْ انْتَفَخَ غَيْظًا أَوْ كِبْرًا - فَقَالَ وَيْحَك إنْ
أَبَيْت إلَّا أَنْ تَصْنَعَ ، فَعَلَيْك بِهَذِهِ الشَّجَرَةِ وَكُلِّ شَيْءٍ لَيْسَ
فِيهِ رُوحٌ } .
وَرَوَيَا أَيْضًا عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ قَالَ : سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يَقُولُ : { إنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ الْمُصَوِّرُونَ } .
وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ قَالَ : سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : { قَالَ اللَّهُ تَعَالَى
: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذَهَبَ يَخْلُقُ كَخَلْقِي فَلْيَخْلُقُوا ذَرَّةً أَوْ
لِيَخْلُقُوا حَبَّةً أَوْ لِيَخْلُقُوا شَعِيرَةً } .
وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ : {
يَخْرُجُ عُنُقٌ مِنْ النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَهُ عَيْنَانِ يُبْصِرُ
بِهِمَا وَأُذُنَانِ تَسْمَعَانِ وَلِسَانٌ يَنْطِقُ وَيَقُولُ : إنِّي وُكِّلْت
بِثَلَاثَةٍ : بِمَنْ جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إلَهًا آخَرَ ، وَبِكُلِّ جَبَّارٍ
عَنِيدٍ ، وَبِالْمُصَوِّرِينَ
} .
وَمُسْلِمٌ عَنْ { عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ :
قَالَ لِي عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : أَلَا أَبْعَثَك عَلَى مَا بَعَثَنِي
عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ لَا تَدَعَ
صُورَةً إلَّا طَمَسْتَهَا ، وَلَا قَبْرًا مُشْرِفًا إلَّا سَوَّيْتَهُ } .
وَأَحْمَدُ بِسَنَدٍ جَيِّدٍ عَنْ عَلِيٍّ - كَرَّمَ اللَّهُ
وَجْهَهُ - قَالَ : { كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فِي جِنَازَةٍ فَقَالَ : أَيُّكُمْ يَنْطَلِقُ إلَى الْمَدِينَةِ فَلَا يَدَعُ
بِهَا وَثَنًا إلَّا كَسَرَهُ ، وَلَا قَبْرًا إلَّا سَوَّاهُ ، وَلَا صُورَةً
إلَّا لَطَّخَهَا .
فَقَالَ رَجُلٌ أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ فَهَابَ
أَهْلُ الْمَدِينَةِ قَالَ فَانْطَلَقَ ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ
لَمْ أَدَعْ بِهَا وَثَنًا إلَّا كَسَرْته ، وَلَا قَبْرًا إلَّا سَوَّيْتَهُ ، وَلَا
صُورَةً إلَّا لَطَّخْتهَا ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ : مَنْ عَادَ إلَى صَنْعَةِ شَيْءٍ مِنْ هَذَا فَقَدْ كَفَرَ بِمَا
أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ } .
وَالشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا : { لَا تَدْخُلُ
الْمَلَائِكَةُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ وَلَا صُورَةٌ } .
وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ بَدَلَ وَلَا صُورَةٌ : {
وَلَا تَمَاثِيلُ } .
وَرَوَيَا :
{ وَاعَدَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ جِبْرِيلُ أَنْ يَأْتِيَهُ فَرَاثَ عَلَيْهِ - أَيْ بِمُثَلَّثَةٍ
غَيْرِ مَهْمُوزٍ أَبْطَأَ حَتَّى اشْتَدَّ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَخَرَجَ فَلَقِيَهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَشَكَا إلَيْهِ
فَقَالَ : إنَّا لَا نَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ
وَلَا صُورَةٌ } .
وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ فِي
صَحِيحِهِ كُلُّهُمْ مِنْ رِوَايَةِ مَنْ نَظَرَ فِيهِ الْبُخَارِيُّ : { لَا
تَدْخُلُ الْمَلَائِكَةُ بَيْتًا فِيهِ صُورَةٌ وَلَا جُنُبٌ وَلَا كَلْبٌ } .
وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ
، وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحَيْهِمَا : { أَتَانِي جِبْرِيلُ
عَلَيْهِ السَّلَامُ ، فَقَالَ لِي : أَتَيْتُك الْبَارِحَةَ فَلَمْ يَمْنَعْنِي أَنْ
أَكُونَ دَخَلْت إلَّا أَنَّهُ كَانَ عَلَى الْبَابِ تَمَاثِيلُ وَكَانَ فِي
الْبَيْتِ قِرَامُ سِتْرٍ فِيهِ تَمَاثِيلُ وَكَانَ فِي الْبَيْتِ كَلْبٌ فَمُرْ
بِرَأْسِ التِّمْثَالِ الَّذِي فِي الْبَيْتِ يُقْطَعْ فَيَصِيرُ كَهَيْئَةِ
شَجَرَةٍ ؛ وَمُرْ بِالسِّتْرِ فَيُقْطَعُ فَيُجْعَلُ وِسَادَتَيْنِ
مَنْبُوذَتَيْنِ تُوطَآنِ وَمُرْ بِالْكَلْبِ فَيُخْرَجْ } .
وَلَفْظُ التِّرْمِذِيِّ : { أَتَانِي جِبْرِيلُ فَقَالَ
إنِّي كُنْت أَتَيْتُك الْبَارِحَةَ فَلَمْ يَمْنَعْنِي أَنْ أَكُونَ دَخَلْت
عَلَيْك الْبَيْتَ الَّذِي كُنْت فِيهِ إلَّا أَنَّهُ كَانَ فِي بَابِ الْبَيْتِ
تِمْثَالٌ لِرَجُلٍ ، وَكَانَ فِي الْبَيْتِ قِرَامُ سِتْرٍ فِيهِ تَمَاثِيلُ ،
وَكَانَ فِي الْبَيْتِ كَلْبٌ فَمُرْ بِرَأْسِ التِّمْثَالِ الَّذِي فِي الْبَابِ
فَلْيُقْطَعْ فَيَصِيرُ كَهَيْئَةِ الشَّجَرَةِ وَمُرْ بِالسِّتْرِ فَلْيُقْطَعْ
وَيَجْعَلْ مِنْهُ وِسَادَتَانِ مَنْبُوذَتَانِ تُوطَآنِ ، وَمُرْ بِالْكَلْبِ
فَيُخْرَجْ فَفَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَانَ ذَلِكَ
الْكَلْبُ جِرْوًا لِلْحَسَنِ أَوْ لِلْحُسَيْنِ بِجَنْبِ نَضَدٍ لَهُ - أَيْ
بِنُونٍ مَفْتُوحَةٍ فَمُعْجَمَةٍ سَرِيرٌ - فَأَمَرَ بِهِ فَأُخْرِجَ } .
وَأَحْمَدُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ وَرَوَاهُ جَمَاعَةٌ آخَرُونَ
بِأَلْفَاظٍ مُتَقَارِبَةٍ : عَنْ { أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُمَا قَالَ : دَخَلْت عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَعَلَيْهِ الْكَآبَةُ فَسَأَلْته فَقَالَ : لَمْ يَأْتِنِي جِبْرِيلُ
مُنْذُ ثَلَاثٍ فَإِذَا جِرْوُ كَلْبٍ بَيْنَ يَدَيْهِ فَأَمَرَ بِهِ فَقُتِلَ ،
فَبَدَا لَهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَهَشَّ
إلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فَقَالَ مَالَك لَمْ تَأْتِنِي ؟ فَقَالَ : إنَّا لَا نَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ
كَلْبٌ وَلَا تَصَاوِيرُ } .
وَمُسْلِمٌ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا
قَالَتْ : { وَاعَدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جِبْرِيلَ
عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي سَاعَةٍ أَنْ يَأْتِيَهُ فَجَاءَتْ تِلْكَ السَّاعَةُ
وَلَمْ يَأْتِهِ قَالَتْ وَكَانَ بِيَدِهِ عَصًا فَطَرَحَهَا وَهُوَ يَقُولُ : مَا
يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَا رُسُلَهُ ، ثُمَّ الْتَفَتَ فَإِذَا جِرْوُ
كَلْبٍ تَحْتَ سَرِيرٍ فَقَالَ مَتَى دَخَلَ هَذَا الْكَلْبُ ؟ فَقُلْت وَاَللَّهِ
مَا دَرَيْت فَأَمَرَ بِهِ فَأُخْرِجَ ، فَجَاءَهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ
فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَعَدْتَنِي
فَجَلَسْت لَك وَلَمْ تَأْتِنِي
.
فَقَالَ مَنَعَنِي الْكَلْبُ الَّذِي كَانَ فِي بَيْتِك
، إنَّا لَا نَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ وَلَا صُورَةٌ } .
تَنْبِيهٌ :
عَدُّ مَا ذُكِرَ كَبِيرَةً هُوَ صَرِيحُ هَذِهِ
الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ ، وَمِنْ ثَمَّ جَزَمَ بِهِ جَمَاعَةٌ وَهُوَ ظَاهِرٌ
وَجَرَى عَلَيْهِ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ ؛ وَتَعْمِيمِي فِي التَّرْجَمَةِ الْحُرْمَةَ
بَلْ وَالْكَبِيرَةُ لِتِلْكَ الْأَقْسَامِ الَّتِي أَشَرْت إلَيْهَا ظَاهِرٌ
أَيْضًا فَإِنَّ الْمَلْحَظَ فِي الْكُلِّ وَاحِدٌ ، وَلَا يُنَافِيهِ قَوْلُ
الْفُقَهَاءِ ، وَيَجُوزُ مَا عَلَى الْأَرْضِ وَالْبِسَاطُ وَنَحْوُهُمَا مِنْ
كُلِّ مُمْتَهَنٍ ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ أَنَّهُ يَجُوزُ بَقَاؤُهُ وَلَا
يَجِبُ إتْلَافُهُ ، وَإِذَا كَانَ فِي مَحَلِّ وَلِيمَةٍ لَا يَمْنَعُ وُجُوبَ
الْحُضُورِ فِيهِ .
وَأَمَّا فِعْلُ التَّصْوِيرِ لِذِي الرُّوحِ فَهُوَ
حَرَامٌ مُطْلَقًا ، وَإِنْ أُغْفِلَ مِنْ الصُّورَةِ أَعْضَاؤُهَا الْبَاطِنَةُ أَوْ
بَعْضُ الظَّاهِرَةِ مِمَّا تُوجَدُ الْحَيَاةُ مَعَ فَقْدِهِ ، ثُمَّ رَأَيْت فِي
شَرْحِ مُسْلِمٍ مَا يُصَرِّحُ بِمَا ذَكَرْته حَيْثُ قَالَ مَا حَاصِلُهُ : تَصْوِيرُ
صُورَةِ الْحَيَوَانِ حَرَامٌ مِنْ الْكَبَائِرِ لِلْوَعِيدِ الشَّدِيدِ سَوَاءٌ
صَنَعَهُ لِمَا يُمْتَهَنُ أَوْ لِغَيْرِهِ إذْ فِيهِ مُضَاهَاةٌ لِخَلْقِ اللَّهِ
، وَسَوَاءٌ
كَانَ بِبِسَاطٍ أَوْ ثَوْبٍ أَوْ دِرْهَمٍ أَوْ
دِينَارٍ أَوْ فَلْسٍ أَوْ إنَاءٍ أَوْ حَائِطٍ أَوْ مِخَدَّةٍ أَوْ نَحْوِهَا .
وَأَمَّا تَصْوِيرُ صُوَرِ الشَّجَرِ وَنَحْوِهَا مِمَّا
لَيْسَ بِحَيَوَانٍ فَلَيْسَ بِحَرَامٍ
.
وَأَمَّا الْمُصَوِّرُ صُورَةَ الْحَيَوَانِ فَإِنْ
كَانَ مُعَلَّقًا عَلَى حَائِطٍ أَوْ مَلْبُوسًا كَثَوْبٍ أَوْ عِمَامَةٍ أَوْ
نَحْوِهَا مِمَّا لَا يُعَدُّ مُمْتَهَنًا فَحَرَامٌ ، أَوْ مُمْتَهَنًا كَبِسَاطٍ
يُدَاسُ وَمِخَدَّةٍ وَوِسَادَةٍ وَنَحْوِهَا فَلَا يَحْرُمُ لَكِنْ هَلْ يَمْنَعُ
دُخُولَ مَلَائِكَةِ الرَّحْمَةِ ذَلِكَ الْبَيْتِ ؟ الْأَظْهَرُ أَنَّهُ عَامٌّ
فِي كُلِّ صُورَةٍ لِإِطْلَاقِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : {
لَا تَدْخُلُ الْمَلَائِكَةُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ وَلَا صُورَةٌ } ، وَلَا فَرْقَ
بَيْنَ مَا لَهُ ظِلٌّ وَمَا لَا ظِلَّ لَهُ ، هَذَا تَلْخِيصُ مَذْهَبِ جُمْهُورِ
عُلَمَاءِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ كَالشَّافِعِيِّ
وَمَالِكٍ وَالثَّوْرِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَغَيْرِهِمْ ، وَأَجْمَعُوا عَلَى وُجُوبِ
تَغْيِيرِ مَا لَهُ ظِلٌّ .
قَالَ الْقَاضِي : إلَّا مَا وَرَدَ فِي لَعِبِ
الْبَنَاتِ الصِّغَارِ مِنْ الرُّخْصَةِ ، وَلَكِنْ كَرِهَ مَالِكٌ شِرَاءَ
الرَّجُلِ ذَلِكَ لِبِنْتِهِ ، وَادَّعَى بَعْضُهُمْ أَنَّ إبَاحَةَ اللَّعِبِ
لَهُنَّ بِهَا مَنْسُوخٌ بِمَا مَرَّ
.
فَائِدَةٌ
: قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَغَيْرُهُ قَوْلُهُ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { لَا تَدْخُلُ الْمَلَائِكَةُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ
وَلَا صُورَةٌ وَلَا جُنُبٌ } .
الْمُرَادُ بِالْمَلَائِكَةِ فِيهِ مَلَائِكَةُ
الْبَرَكَةِ وَالرَّحْمَةِ دُونَ الْحَفَظَةِ فَإِنَّهُمْ لَا يَمْتَنِعُونَ
لِأَجْلِ ذَلِكَ .
قِيلَ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالْجُنُبِ مِنْ يُؤَخِّرُ
الْغُسْلَ إلَى حُضُورِ الصَّلَاةِ فَيَغْتَسِلُ ، بَلْ مَنْ يَتَهَاوَنُ
بِالْغُسْلِ وَيَتَّخِذُ ذَلِكَ عَادَةً فَإِنَّهُ كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَطُوفُ عَلَى نِسَائِهِ بِغُسْلٍ وَاحِدٍ ، فَفِيهِ تَأْخِيرُ
الِاغْتِسَالِ عَنْ أَوَّلِ وَقْتِ وُجُوبِهِ ، بَلْ قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهَا : { كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنَامُ وَهُوَ
جُنُبٌ وَلَا يَمَسُّ
مَاءً
} ، وَالْمُرَادُ
بِالصُّورَةِ كُلُّ مُصَوَّرٍ مِنْ ذَوَاتِ الْأَرْوَاحِ سَوَاءٌ كَانَتْ
أَشْخَاصًا مُنْتَصِبَةً أَوْ كَانَتْ مَنْقُوشَةً وَفِي سَقْفٍ أَوْ جِدَارٍ أَوْ
مَنْسُوجَةٍ فِي ثَوْبٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ ، وَالْمُرَادُ بِالْكَلْبِ الَّذِي
لَا تَدْخُلُ الْمَلَائِكَةُ لِأَجْلِهِ ، وَيَنْقُصُ بِسَبَبِ اقْتِنَائِهِ مِنْ
عَمَلِ الْمُقْتَنِي لَهُ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطَانِ كَمَا فِي الْأَحَادِيثِ
الصَّحِيحَةِ غَيْرُ كَلْبِ الصَّيْدِ وَالْحِرَاسَةِ كَذَا قِيلَ وَهُوَ قَاصِرٌ
، فَإِنَّ ذَلِكَ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي نَفْسِ تِلْكَ الْأَحَادِيثِ .
أَخْرَجَ الشَّيْخَانِ : { مَنْ اقْتَنَى كَلْبًا إلَّا
كَلْبَ صَيْدٍ أَوْ مَاشِيَةٍ فَإِنَّهُ يُنْقَصُ مِنْ أَجْرِهِ كُلَّ يَوْمٍ
قِيرَاطَانِ } .
وَفِي رِوَايَةٍ لَهُمَا : { مِنْ عَمَلِهِ } .
وَفِي أُخْرَى لَهُمَا : { كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطٌ إلَّا
كَلْبَ حَرْسٍ أَوْ مَاشِيَةٍ }
.
وَرِوَايَةُ الْقِيرَاطَيْنِ فِيهَا زِيَادَةُ عِلْمٍ
فَهِيَ مُقَدَّمَةٌ .
وَفِي أُخْرَى لِمُسْلِمٍ : { مَنْ اقْتَنَى كَلْبًا
لَيْسَ بِكَلْبِ صَيْدٍ وَلَا مَاشِيَةٍ وَلَا أَرْضٍ فَإِنَّهُ يُنْقَصُ مِنْ
أَجْرِهِ قِيرَاطَانِ كُلَّ يَوْمٍ
} .
وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ : { لَوْلَا أَنَّ
الْكِلَابَ أُمَّةٌ مِنْ الْأُمَمِ لَأَمَرْت بِقَتْلِهَا فَاقْتُلُوا مِنْهَا
كُلَّ أَسْوَدَ بَهِيمٍ ، وَمَا مِنْ أَهْلِ بَيْتٍ يَرْتَبِطُونَ كَلْبًا إلَّا
نَقَصَ مِنْ عَمَلِهِمْ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطٌ إلَّا كَلْبَ صَيْدٍ أَوْ كَلْبَ
حَرْسٍ أَوْ كَلْبَ غَنَمٍ } .
( الْكَبِيرَةُ التَّاسِعَةُ وَالسِّتُّونَ
وَالسَّبْعُونَ وَالْحَادِيَةُ وَالثَّانِيَةُ وَالسَّبْعُونَ بَعْدَ
الْمِائَتَيْنِ : التَّطَفُّلُ وَهُوَ الدُّخُولُ عَلَى طَعَامِ الْغَيْرِ ؛
لِيَأْكُلَ مِنْهُ مِنْ غَيْرِ إذْنِهِ وَلَا رِضَاهُ وَأَكْلُ الضَّيْفِ زَائِدًا
عَلَى الشِّبَعِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَعْلَمَ رِضَا الْمُضِيفِ بِذَلِكَ وَإِكْثَارُ
الْإِنْسَانِ الْأَكْلَ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ بِحَيْثُ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَضُرُّهُ
ضَرَرًا بَيِّنًا وَالتَّوَسُّعُ فِي الْمَآكِلِ وَالْمَشَارِبِ شَرَهًا وَبَطَرًا ) .
أَخْرَجَ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ عَنْ أَبِي
حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَأْخُذَ عَصَا
أَخِيهِ بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ
} .
قَالَ ذَلِكَ لِشِدَّةِ مَا حَرَّمَ اللَّهُ مِنْ مَالِ
الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ
.
وَالشَّيْخَانِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ فِي خُطْبَتِهِ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ : { إنَّ دِمَاءَكُمْ
وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ حَرَامٌ عَلَيْكُمْ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا
، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا ، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا ، أَلَا هَلْ بَلَّغْت } .
وَأَبُو دَاوُد : { مَنْ دُعِيَ فَلَمْ يُجِبْ فَقَدْ
عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ .
وَمَنْ دَخَلَ عَلَى غَيْرِ دَعْوَةٍ دَخَلَ سَارِقًا
وَخَرَجَ مُغِيرًا } .
وَالشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا : { الْمُسْلِمُ يَأْكُلُ
فِي مِعًى وَاحِدٍ ، وَالْكَافِرُ يَأْكُلُ فِي سَبْعَةِ أَمْعَاءٍ } .
وَمُسْلِمٌ :
{ أَضَافَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَيْفًا
كَافِرًا ، فَأَمَرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ بِشَاةٍ فَحُلِبَتْ فَشَرِبَ
حِلَابَهَا ، ثُمَّ أُخْرَى فَشَرِبَ حِلَابَهَا ، ثُمَّ أُخْرَى فَشَرِبَ
حِلَابَهَا حَتَّى شَرِبَ حِلَابَ سَبْعِ شِيَاهٍ ، ثُمَّ إنَّهُ أَصْبَحَ
فَأَسْلَمَ ، فَأَمَرَ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشَاةٍ فَحُلِبَتْ
فَشَرِبَ حِلَابَهَا ثُمَّ أُخْرَى فَلَمْ يَسْتَتِمَّهُ .
فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إنَّ الْمُؤْمِنَ
لَيَشْرَبُ فِي مِعًى وَاحِدٍ وَإِنَّ الْكَافِرَ لَيَشْرَبُ فِي سَبْعَةِ
أَمْعَاءٍ } .
وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ
وَابْنُ مَاجَهْ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ : { مَا
مَلَأَ ابْنُ آدَمَ وِعَاءً شَرًّا مِنْ بَطْنِهِ ، بِحَسْبِ ابْنِ آدَمَ
أَكْلَاتٍ يُقِمْنَ صُلْبَهُ فَإِنْ كَانَ لَا مَحَالَةَ } وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ
مَاجَهْ : { فَإِنْ غَلَبَتْ الْآدَمِيَّ نَفْسُهُ فَثُلُثٌ لِطَعَامِهِ وَثُلُثٌ لِشَرَابِهِ
وَثُلُثٌ لِنَفَسِهِ } .
وَالْبَزَّارُ بِإِسْنَادَيْنِ رُوَاةُ أَحَدِهِمَا
ثِقَاتٌ : { فَإِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ شِبَعًا فِي الدُّنْيَا أَكْثَرُهُمْ
جُوعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ } ، قَالَهُ لِأَبِي جُحَيْفَةَ لَمَّا تَجَشَّأَ
فَمَا أَكَلَ أَبُو جُحَيْفَةَ مِلْءَ بَطْنِهِ حَتَّى فَارَقَ الدُّنْيَا ، كَانَ
إذَا تَغَدَّى لَا يَتَعَشَّى ، وَإِذَا تَعَشَّى لَا يَتَغَدَّى .
وَالطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ حَسَنٍ : { إنَّ أَهْلَ
الشِّبَعِ فِي الدُّنْيَا هُمْ أَهْلُ الْجُوعِ غَدًا فِي الْآخِرَةِ } .
زَادَ الْبَيْهَقِيُّ : { الدُّنْيَا سِجْنُ الْمُؤْمِنِ
وَجَنَّةُ الْكَافِرِ } .
وَابْنُ أَبِي الدُّنْيَا وَالطَّبَرَانِيُّ بِإِسْنَادٍ
جَيِّدٍ وَالْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ : { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ رَأَى رَجُلًا عَظِيمَ الْبَطْنِ فَقَالَ بِأُصْبُعِهِ لَوْ كَانَ هَذَا
فِي غَيْرِ هَذَا لَكَانَ خَيْرًا لَك
} .
وَالْبَيْهَقِيُّ وَاللَّفْظُ لَهُ وَالشَّيْخَانِ
بِاخْتِصَارٍ : { لَيُؤْتَيَنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِالْعَظِيمِ الطَّوِيلِ
الْأَكُولِ الشَّرُوبِ فَلَا يَزِنُ عِنْدَ اللَّهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ اقْرَءُوا
إنْ شِئْتُمْ { فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا } } .
وَابْنُ أَبِي الدُّنْيَا : { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أَصَابَهُ جُوعٌ يَوْمًا فَعَمَدَ إلَى حَجَرٍ فَوَضَعَهُ عَلَى
بَطْنِهِ ثُمَّ قَالَ : أَلَا رُبَّ نَفْسٍ طَاعِمَةٍ نَاعِمَةٍ فِي الدُّنْيَا
جَائِعَةٍ عَارِيَّةٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، أَلَا رُبَّ مُكْرِمٍ لِنَفْسِهِ وَهُوَ
لَهَا مُهِينٌ ، أَلَا رُبَّ مُهِينٍ لِنَفْسِهِ وَهُوَ لَهَا مُكْرِمٌ } .
وَصَحَّ خَبَرٌ : { مِنْ الْإِسْرَافِ أَنْ تَأْكُلَ
كُلَّ مَا اشْتَهَيْتَ } .
وَالْبَيْهَقِيُّ بِسَنَدٍ فِيهِ ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ
عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا
: { رَآنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَقَدْ أَكَلْت فِي
الْيَوْمِ مَرَّتَيْنِ .
فَقَالَ يَا عَائِشَةُ ، أَمَا تُحِبِّينَ أَنْ يَكُونَ
لَك شُغْلٌ إلَّا جَوْفَك ، الْأَكْلُ فِي الْيَوْمِ مَرَّتَيْنِ مِنْ
الْإِسْرَافِ وَاَللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ } .
وَصَحَّ خَبَرٌ : { كُلُوا وَاشْرَبُوا وَتَصَدَّقُوا
مَا لَمْ يُخَالِطْهُ إسْرَافٌ وَلَا مَخِيلَةٌ } .
وَالْبَزَّارُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ إلَّا مُخْتَلَفٌ
فِيهِ جَمْعٌ وَجَمَاعَةٌ أَجِلَّاءُ يُوَثِّقُونَهُ : { إنَّ شِرَارَ أُمَّتِي
الَّذِينَ غُذُّوا بِالنَّعِيمِ وَنَبَتَتْ عَلَيْهِ أَجْسَامُهُمْ } .
وَابْنُ أَبِي الدُّنْيَا وَالطَّبَرَانِيُّ فِي
الْكَبِيرِ وَالْأَوْسَطِ : { سَيَكُونُ رِجَالٌ مِنْ أُمَّتِي يَأْكُلُونَ
أَلْوَانَ الطَّعَامِ ، وَيَشْرَبُونَ أَلْوَانَ الشَّرَابِ ، وَيَلْبَسُونَ
أَلْوَانَ الثِّيَابِ ، وَيَتَشَدَّقُونَ فِي الْكَلَامِ ، فَأُولَئِكَ شِرَارُ
أُمَّتِي } .
وَصَحَّ بِسَنَدٍ فِيهِ مُخْتَلَفٌ فِيهِ : { يَا
ضَحَّاكُ مَا طَعَامُك ؟ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ اللَّحْمُ وَاللَّبَنُ .
قَالَ ثُمَّ يَصِيرُ إلَى مَاذَا ؟ قَالَ إلَى مَا عَلِمْت
قَالَ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى ضَرَبَ مَا يَخْرُجُ مِنْ ابْنِ آدَمَ مَثَلًا لِلدُّنْيَا } .
تَنْبِيهٌ : عَدُّ الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ مِنْ الْكَبَائِرِ
ظَاهِرٌ ، أَمَّا الْأَوَّلَانِ فَلِأَنَّهُمَا مِنْ أَكْلِ أَمْوَالِ النَّاسِ
بِالْبَاطِلِ ، وَخَبَرُ أَبُو دَاوُد السَّابِقُ صَرِيحٌ فِي الْأَوَّلِ
لِلتَّعْبِيرِ فِيهِ بِقَوْلِهِ : { دَخَلَ سَارِقًا وَخَرَجَ مُغِيرًا } وَلَمْ
يُضَعِّفْهُ أَبُو دَاوُد فَهُوَ صَالِحٌ لِلِاحْتِجَاجِ بِهِ عِنْدَهُ ، لَكِنْ
قَالَ غَيْرُهُ إنَّ فِيهِ مَجْهُولًا وَمُخْتَلِفًا فِي تَوْثِيقِهِ ،
وَالْجُمْهُورُ عَلَى تَضْعِيفِهِ ، وَأَمَّا الثَّالِثُ فَلِأَنَّهُ مِنْ
إضْرَارِ النَّفْسِ وَهُوَ كَبِيرَةٌ كَإِضْرَارِ الْغَيْرِ وَكَذَا عَدُّ
الرَّابِعَةِ قِيَاسًا عَلَى مَا مَرَّ فِي اللِّبَاسِ بِمَا فِيهِ مِنْ أَنَّ
تَطْوِيلَ الْإِزَارِ لِلْخُيَلَاءِ كَبِيرَةٌ بِجَامِعِ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يُنْبِئُ
عَنْ الْعُجْبِ وَالزَّهْوِ وَالْكِبْرِ ، وَعَلَى هَذَا الشِّبَعُ الْمُضِرُّ
أَوْ مِنْ مَالِ الْغَيْرِ يُحْمَلُ مَا فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ مِنْ الْوَعِيدِ
، وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ قَوْلُ الْحَلِيمِيِّ فِي
قَوْله تَعَالَى : { أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمْ
الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ }
الْآيَةَ .
هَذَا الْوَعِيدُ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى ، وَإِنْ كَانَ
لِلْكُفَّارِ الَّذِينَ يُقْدِمُونَ عَلَى الطَّيِّبَاتِ الْمَحْظُورَةِ
وَلِذَلِكَ قَالَ تَعَالَى : { فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ } فَقَدْ
يُخْشَى مِثْلُهُ عَلَى الْمُنْهَمِكِينَ فِي الطَّيِّبَاتِ الْمُبَاحَةِ ؛
لِأَنَّ مَنْ تَعَوَّدَهَا مَالَتْ نَفْسُهُ إلَى الدُّنْيَا فَلَمْ يَأْمَنْ أَنْ
يَرْتَكِبَ فِي الشَّهَوَاتِ وَالْمَلَاذِ كُلَّمَا أَجَابَ نَفْسَهُ إلَى وَاحِدٍ
مِنْهَا دَعَتْهُ إلَى غَيْرِهِ فَيَصِيرُ إلَى أَنْ لَا يُمْكِنَهُ عِصْيَانُ
نَفْسِهِ فِي هَوًى قَطُّ ، وَيَنْسَدُّ بَابُ الْعِبَادَةِ دُونَهُ فَإِذَا آلَ الْأَمْرُ
إلَى هَذَا لَمْ يَبْعُدْ أَنْ يُقَالَ لَهُ : { أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي
حَيَاتِكُمْ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ
الْهُونِ } فَلَا يَنْبَغِي أَنْ تُعَوَّدَ النَّفْسُ بِمَا تَمِيلُ بِهِ إلَى
الشَّرَهِ فَيَصْعُبُ تَدَارُكُهَا وَلْتَرْضَ مِنْ أَوَّلِ الْأَمْرِ عَلَى
السَّدَادِ فَإِنَّ ذَلِكَ أَهْوَنُ مِنْ أَنْ تَدِبَّ عَلَى الْفَسَادِ ثُمَّ
يَجْتَهِدُ فِي إعَادَتِهَا إلَى الصَّلَاحِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
انْتَهَى : ثُمَّ رَأَيْت فِي كَلَامِ الْأَذْرَعِيِّ
وَالزَّرْكَشِيِّ مَا يُؤَيِّدُ مَا ذَكَرْته فِي التَّطَفُّلِ ؛ وَذَلِكَ أَنَّهُ
لَمَّا حَكَى قَوْلَ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْأُمِّ : مَنْ
يَغْشَى الدَّعْوَةَ بِغَيْرِ دُعَاءٍ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ وَلَا يَسْتَحِلُّ صَاحِبُ
الطَّعَامِ فَتَتَابَعَ ذَلِكَ مِنْهُ رُدَّتْ شَهَادَتُهُ ؛ لِأَنَّهُ يَأْكُلُ
مُحَرَّمَا إذَا كَانَتْ الدَّعْوَةُ دَعْوَةَ رَجُلٍ بِعَيْنِهِ ، فَأَمَّا إذَا
كَانَ طَعَامُ سُلْطَانٍ أَوْ رَجُلٍ يَتَشَبَّهُ بِسُلْطَانٍ فَيَدْعُو النَّاسَ
فَهَذَا طَعَامُ عَامَّةٍ وَلَا بَأْسَ بِهِ .
انْتَهَى بِلَفْظِهِ .
قَالَ : وَفِي الرَّوْضَةِ عَنْ الشَّامِلِ إنَّمَا
اشْتَرَطَ تَكْرَارَ ذَلِكَ مِنْهُ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ لَهُ شُبْهَةٌ حَتَّى
يَمْنَعَهُ صَاحِبُ الطَّعَامِ ، فَإِذَا تَكَرَّرَ صَارَ دَنَاءَةً
وَقِلَّةَ مُرُوءَةٍ انْتَهَى .
ثُمَّ قَالَ مَا نَقَلَهُ عَنْ ابْنِ الصَّبَّاغِ مِنْ
أَنَّ الشَّافِعِيَّ إنَّمَا اشْتَرَطَ التَّكْرَارَ فِي حُضُورِ الدَّعْوَةِ ؛
لِأَنَّهُ يَصِيرُ دَنَاءَةً وَقِلَّةَ مُرُوءَةٍ بِخِلَافِ مَا يَقْتَضِيهِ
كَلَامُ الشَّافِعِيِّ فَإِنَّهُ عَلَّلَ الرَّدَّ بِأَنَّهُ يَأْكُلُ مُحَرَّمًا .
وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الْعِلَّةَ فِي الرَّدِّ مِنْ
جِهَةِ إصْرَارِهِ عَلَى الصَّغِيرَةِ فَإِنَّهَا تَصِيرُ فِي حُكْمِ الْكَبِيرَةِ
لَا مِنْ جِهَةِ تَرْكِ الْمُرُوءَةِ فَإِنَّهَا لَا تَقْتَضِي التَّحْرِيمَ ، وَلَا
شَكَّ أَنَّهُ مُشْتَمِلٌ عَلَى الْأَمْرَيْنِ ، وَهَذَا فِي الْأَكْلِ الْمُجَرَّدِ
، أَمَّا لَوْ انْضَمَّ إلَى ذَلِكَ انْتِهَابُ الطَّعَامِ النَّفِيسِ وَالْحُلْوِ
أَوْ حَمْلِهِ كَمَا يَفْعَلُهُ السَّفَلَةُ وَيَشُقُّ ذَلِكَ عَلَى الْحَاضِرِينَ
وَيَغُضُّونَ عَنْهُ حَيَاءً فَهُوَ خَرْقٌ لِلْمُرُوءَةِ وَإِلْقَاءٌ لِجِلْبَابِ
الْحَيَاءِ ، فَيَكْفِي فِي رَدِّ الشَّهَادَةِ بِهِ الْمَرَّةُ الْوَاحِدَةُ
وَلَا يُعْتَبَرُ التَّكْرَارُ
.
انْتَهَى
.
وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَخَذَ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِ
شَيْخِهِ الْأَذْرَعِيِّ فِي قُوَّتِهِ بَعْد إيرَادِهِ كَلَامَ ابْنِ الصَّبَّاغِ
وَأَشَارَ غَيْرُهُ إلَى أَنَّهُ صَغِيرَةٌ فَإِذَا تَكَرَّرَ صَارَ فِي حُكْمِ
الْكَبِيرَةِ .
وَقَدْ تَقَدَّمَ اعْتِبَارُ رُبُعِ دِينَارٍ فِي جَعْلِ
الْغَصْبِ كَبِيرَةً ، وَالْأَكْلُ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ لَا يَبْلُغُهُ
غَالِبًا لَكِنَّهُ تَرْكُ مُرُوءَةٍ
.
نَعَمْ مَا يَفْعَلُهُ بَعْضُ السَّفَلَةِ مِنْ
الْمُتَطَفِّلِينَ إذَا حَضَرَ الدَّعْوَةَ الْخَاصَّةَ يَنْتَهِبُ مِنْهَا
شَيْئًا كَثِيرًا مِنْ الْأَطْعِمَةِ النَّفِيسَةِ وَالْحَلْوَى وَيَحْمِلُهُ
وَيَشُقُّ ذَلِكَ مَشَقَّةً شَدِيدَةً عَلَى صَاحِبِ الدَّعْوَةِ ، وَإِنَّمَا
يَسْكُتُ حَيَاءً مِنْ النَّاسِ وَمُرُوءَةً فَهُوَ خَرْقٌ لِلْمُرُوءَةِ وَنَزْعٌ
لِجِلْبَابِ الْحَيَاءِ ، فَيَكْفِي فِي رَدِّ الشَّهَادَةِ الْمَرَّةُ الْوَاحِدَةُ .
وَفِي الْمَوْقِفِ لِلْجِيلِيِّ : وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ
الطُّفَيْلِيِّ الَّذِي يَأْتِي طَعَامَ النَّاسِ مِنْ غَيْرِ دَعْوَةٍ ، وَبِهِ
قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَلَا نَعْلَمُ فِيهِ
مُخَالِفًا لِمَا رُوِيَ مَرْفُوعًا : { مَنْ أَتَى طَعَامًا
لَمْ يُدْعَ إلَيْهِ دَخَلَ سَارِقًا وَخَرَجَ مُغِيرًا } ؛ وَلِأَنَّهُ يَأْكُلُ
مُحَرَّمًا وَيَفْعَلُ مَا فِيهِ سَفَهٌ وَدَنَاءَةٌ وَذَهَابُ مُرُوءَةٍ فَإِنْ
لَمْ يَتَكَرَّرْ مِنْهُ لَمْ تُرَدَّ شَهَادَتُهُ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الصَّغَائِرِ
انْتَهَى .
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَهَذَا فِي الْأَكْلِ
الْمُجَرَّدِ دُونَ النَّهْبِ كَمَا بَيَّنَّاهُ انْتَهَى .
خَاتِمَةٌ :
رَوَى الشَّيْخَانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَوْقُوفًا
عَلَيْهِ : " شَرُّ الطَّعَامِ طَعَامُ الْوَلِيمَةِ يُدْعَى إلَيْهَا
الْأَغْنِيَاءُ وَيُتْرَكُ الْمَسَاكِينُ ، وَمَنْ لَمْ يَأْتِ الدَّعْوَةَ فَقَدْ
عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ
" .
وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ مَرْفُوعًا إلَى النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلَفْظِ : { شَرُّ الطَّعَامِ طَعَامُ الْوَلِيمَةِ
يُمْنَعُهَا مَنْ يَأْتِيهَا وَيُدْعَى إلَيْهَا مِنْ يَأْبَاهَا ، وَمَنْ لَمْ
يُجِبْ الدَّعْوَةَ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ } .
وَالشَّيْخَانِ : { إذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ إلَى
الْوَلِيمَةِ فَلْيَأْتِهَا } .
وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ : { إذَا دَعَا أَحَدُكُمْ
أَخَاهُ فَلْيُجِبْ عُرْسًا كَانَ أَوْ نَحْوَهُ } .
وَفِي أُخْرَى لَهُ : إذَا دُعِيتُمْ إلَى كَرَاعٍ -
أَيْ وَهُوَ مَحَلٌّ بِقُرْبِ خَلِيصٍ - فَأَجِيبُوا " .
وَفِي أُخْرَى لَهُ : { إذْ دُعِيَ أَحَدُكُمْ إلَى
طَعَامٍ فَلْيُجِبْ ، فَإِنْ شَاءَ طَعِمَ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ } .
وَأَبُو دَاوُد : { نَهَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ عَنْ طَعَامِ الْمُتَبَارِينَ - أَيْ الْمُتَبَاهِينَ - أَنْ يُؤْكَلَ }
وَأَكْثَرُ الرُّوَاةِ عَلَى إرْسَالِهِ .
وَالْحَاصِلُ عِنْدَنَا أَنَّ الْإِجَابَةَ لِوَلِيمَةِ
الْعُرْسِ وَاجِبَةٌ بِشُرُوطِهَا الْمُقَرَّرَةِ فِي مَحَلِّهَا ، وَلِسَائِرِ
الْوَلَائِمِ غَيْرِهَا مُسْتَحَبَّةٌ
.
وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ : { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِلَعْقِ الْأَصَابِعِ وَالصَّفْحَةِ ، وَقَالَ
إنَّكُمْ لَا تَدْرُونَ فِي أَيِّ طَعَامِكُمْ الْبَرَكَةُ } .
وَمُسْلِمٌ : { إذَا وَقَعَتْ لُقْمَةُ أَحَدِكُمْ
فَلْيَأْخُذْهَا فَلْيُمِطْ مَا كَانَ بِهَا مِنْ أَذًى وَلْيَأْكُلْهَا وَلَا
يَدَعُهَا لِلشَّيْطَانِ وَلَا
يَمْسَحْ يَدَهُ بِالْمَنْدِيلِ حَتَّى يَلْعَقَ
أَصَابِعَهُ فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي فِي أَيِّ طَعَامِهِ الْبَرَكَةُ } .
وَمُسْلِمٌ :
{ إنَّ الشَّيْطَانَ لَيَحْضُرُ أَحَدُكُمْ عِنْدَ كُلِّ
شَيْءٍ مِنْ شَأْنِهِ حَتَّى يَحْضُرَهُ عِنْدَ طَعَامِهِ ، فَإِذَا سَقَطَتْ
لُقْمَةُ أَحَدِكُمْ فَلْيَأْخُذْهَا فَلْيُمِطْ مَا كَانَ بِهَا مِنْ أَذًى ثُمَّ
لِيَأْكُلهَا وَلَا يَدَعُهَا لِلشَّيْطَانِ فَإِذَا فَرَغَ فَلْيَلْعَقْ أَصَابِعَهُ
فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي فِي أَيِّ طَعَامِهِ الْبَرَكَةَ } وَفِي رِوَايَةٍ لِابْنِ حِبَّانَ : {
فَإِنَّ آخِرَ الطَّعَامِ الْبَرَكَةُ
} .
وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ : { إذَا أَكَلَ أَحَدُكُمْ
فَلْيَلْعَقْ أَصَابِعَهُ فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي فِي أَيَّتِهِنَّ الْبَرَكَةُ } .
وَالشَّيْخَانِ وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ : { إذَا
أَكَلَ أَحَدُكُمْ طَعَامًا فَلَا يَمْسَحْ أَصَابِعَهُ حَتَّى يَلْعَقَهَا أَوْ
يُلْعِقَهَا } .
وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ وَأَبُو دَاوُد عَنْ
حُذَيْفَةَ : { كُنَّا إذَا حَضَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَعَامًا لَمْ يَضَعْ أَحَدُنَا يَدَهُ حَتَّى يَبْدَأَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَإِنَّا حَضَرْنَا مَعَهُ
طَعَامًا فَجَاءَ أَعْرَابِيٌّ كَأَنَّمَا يَدْفَعُ فَذَهَبَ لِيَضَعَ يَدَهُ فِي
الطَّعَامِ فَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ
، ثُمَّ جَاءَتْ جَارِيَةٌ كَأَنَّهَا تَدْفَعُ فَذَهَبَتْ لِتَضَعَ يَدَهَا فِي الطَّعَامِ
فَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهَا وَقَالَ :
إنَّ الشَّيْطَانَ لَيَسْتَحِلُّ الطَّعَامَ الَّذِي لَمْ يُذْكَرْ اسْمُ اللَّهِ
عَلَيْهِ ، وَإِنَّهُ جَاءَ بِهَذَا الْأَعْرَابِيِّ يَسْتَحِلَّ بِهِ فَأَخَذْت
بِيَدِهِ ، وَجَاءَ بِهَذِهِ الْجَارِيَةِ يَسْتَحِلَّ بِهَا فَأَخَذْت بِيَدِهَا
، فَوَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إنَّ يَدَهُ لَفِي يَدِي مَعَ أَيْدِيهِمَا } .
وَصَحَّ :
{ أَنَّ رَجُلًا أَكَلَ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْظُرُ إلَيْهِ فَلَمْ يُسَمِّ حَتَّى كَانَ فِي آخِرِ
طَعَامِهِ فَقَالَ بِسْمِ اللَّهِ أَوَّلِهِ وَآخِرِهِ ، فَقَالَ النَّبِيُّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
:
مَا زَالَ الشَّيْطَانُ يَأْكُلُ مَعَهُ حَتَّى سَمَّى
فَمَا بَقِيَ فِي بَطْنِهِ شَيْءٌ إلَّا قَاءَهُ } .
وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ : { مَنْ سَرَّهُ أَنْ لَا
يَجِدَ الشَّيْطَانُ عِنْدَهُ طَعَامًا وَلَا مَقِيلًا وَلَا مَبِيتًا
فَلْيُسَلِّمْ إذَا دَخَلَ بَيْتَهُ وَلْيُسَمِّ عَلَى طَعَامِهِ } .
وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ
وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ عَنْ مُعَاذِ بْنِ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { مَنْ أَكَلَ طَعَامًا ثُمَّ قَالَ
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَطْعَمَنِي هَذَا الطَّعَامَ وَرَزَقَنِيهِ مِنْ
غَيْرِ حَوْلٍ مِنِّي وَلَا قُوَّةٍ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ } .
وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَضَعَّفَهُ عَنْ
سَلْمَانَ قَالَ : { قَرَأْت فِي التَّوْرَاةِ إنَّ بَرَكَةَ الطَّعَامِ
الْوُضُوءُ بَعْدَهُ ، فَذَكَرْت ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ ، وَأَخْبَرْته بِمَا قَرَأْت فِي التَّوْرَاةِ ، فَقَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : بَرَكَةُ الطَّعَامِ الْوُضُوءُ
قَبْلَهُ } : أَيْ غَسْلُ الْيَدَيْنِ ، وَابْنُ مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيُّ : {
مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُكْثِرَ اللَّهُ خَيْرَ بَيْتِهِ فَلْيَتَوَضَّأْ إذَا حَضَرَ غَدَاؤُهُ
وَإِذَا رَفَعَ } ، وَكَرِهَهُ سُفْيَانُ وَمَالِكٌ قَبْلَهُ .
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ : وَكَذَا صَاحِبُنَا
الشَّافِعِيُّ اسْتَحَبَّ تَرْكَهُ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ : { أَنَّهُ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُتِيَ بِالطَّعَامِ فَقِيلَ لَهُ أَلَا
تَتَوَضَّأُ ؟ فَقَالَ لَمْ أُصَلِّ فَأَتَوَضَّأُ } .
وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيِّ : {
إنَّمَا أُمِرْت بِالْوُضُوءِ إذَا قُمْت إلَى الصَّلَاةِ } ، وَأَبُو دَاوُد
وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَابْنُ مَاجَهْ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ : {
مَنْ نَامَ وَفِي يَدِهِ غَمَرٌ } - أَيْ بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَالْمِيمِ
بَعْدَهَا رَاءٌ : رِيحُ اللَّحْمِ وَزُهُومَتِهِ - { لَمْ يَغْسِلْهُ
فَأَصَابَهُ شَيْءٌ فَلَا يَلُومَنَّ إلَّا نَفْسَهُ } وَاخْتُلِفَ فِي سَنَدِهِ .
وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ حَدِيثٌ بَلْ رُوِيَ شَطْرُهُ
الثَّانِي مِنْ طَرِيقٍ صَحِيحٍ وَمِنْ طَرِيقٍ حَسَنٍ إلَّا
أَنَّ فِيهِ : { فَأَصَابَهُ وَضَحٌ - أَيْ بَرَصٌ -
فَلَا يَلُومَنَّ إلَّا نَفْسَهُ } ، وَصَحَّ : { الْبَرَكَةُ تَنْزِلُ وَسَطَ
الطَّعَامِ فَكُلُوا مِنْ حَافَّتِهِ وَلَا تَأْكُلُوا مِنْ وَسَطِهِ } .
وَصَحَّ أَيْضًا : { إذَا أَكَلَ أَحَدُكُمْ طَعَامًا
فَلَا يَأْكُلُ مِنْ أَعْلَى الصَّحْفَةِ وَلَكِنْ لِيَأْكُلَ مِنْ أَسْفَلِهَا } .
وَصَحَّ أَيْضًا : { نِعْمَ الْإِدَامُ الْخَلَّ } .
وَصَحَّحَ الْحَاكِمُ ؟ { كُلُوا الزَّيْتَ وَادَّهِنُوا
بِهِ فَإِنَّهُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ } .
وَفِي رِوَايَةٍ : { فَإِنَّهُ طَيِّبٌ مُبَارَكٌ ،
وَانْهَشُوا اللَّحْمَ نَهْشًا فَإِنَّهُ أَهْنَأُ وَأَمْرَأُ } .
وَصَحَّ : { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
احْتَزَّ مِنْ كَتِفِ شَاةٍ فَأَكَلَ ثُمَّ صَلَّى } .
وَأَمَّا خَبَرُ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ عَنْ أَبِي
مَعْشَرٍ : { لَا تَقْطَعُوا اللَّحْمَ بِالسِّكِّينِ فَإِنَّهُ مِنْ صَنِيعِ
الْأَعَاجِمِ وَانْهَشُوهُ نَهْشًا فَإِنَّهُ أَهْنَأُ وَأَمْرَأُ } ، فَأَبُو
مَعْشَرٍ وَإِنْ لَمْ يُتْرَكْ لَكِنَّ هَذَا الْحَدِيثَ مِمَّا أُنْكِرُ عَلَيْهِ .
وَرَوَى أَبُو يَعْلَى وَالطَّبَرَانِيُّ وَأَبُو
الشَّيْخِ : { إنَّ أَحَبَّ الطَّعَامِ إلَى اللَّهِ مَا كَثُرَتْ عَلَيْهِ
الْأَيْدِي } .
وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ وَابْنُ حِبَّانَ فِي
صَحِيحِهِ : { قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّا نَأْكُلُ وَلَا نَشْبَعُ ، قَالَ
تَجْتَمِعُونَ عَلَى طَعَامِكُمْ أَوْ تَتَفَرَّقُونَ ؟ قَالُوا نَتَفَرَّقُ قَالَ
اجْتَمِعُوا عَلَى طَعَامِكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ يُبَارَكُ
لَكُمْ فِيهِ } .
وَصَحَّ : { لِيَأْكُلْ أَحَدُكُمْ بِيَمِينِهِ ،
وَلْيَشْرَبْ بِيَمِينِهِ ، وَلْيَأْخُذْ بِيَمِينِهِ ، وَلْيُعْطِ بِيَمِينِهِ ،
فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَأْكُلُ بِشِمَالِهِ ، وَيَشْرَبُ بِشِمَالِهِ ، وَيُعْطِي
بِشِمَالِهِ ، وَيَأْخُذُ بِشِمَالِهِ
} .
وَصَحَّ : { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
نَهَى عَنْ النَّفْخِ فِي الشَّرَابِ
.
فَقَالَ رَجُلٌ الْقَذَاةُ أَرَاهَا فِي الْإِنَاءِ
فَقَالَ أَهْرِقْهَا قَالَ : فَإِنِّي لَا أُرْوَى مِنْ نَفَسٍ وَاحِدٍ قَالَ فَأَبِنْ
الْقَدَحَ إذًا عَنْ فِيك } .
وَرَوَى أَبُو دَاوُد وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ :
{ نَهَى رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ
الشُّرْبِ مِنْ ثُلْمَةِ الْقَدَحِ وَأَنْ يُنْفَخَ فِي الشَّرَابِ } .
وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ { نَهَى رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُتَنَفَّسَ فِي الْإِنَاءِ أَوْ يُنْفَخَ
فِيهِ } .
وَصَحَّ
{ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أَنْ يَشْرَبَ الرَّجُلُ مِنْ فِي السِّقَاءِ وَأَنْ يَتَنَفَّسَ فِي
الْإِنَاءِ } .
وَصَحَّ : { كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يَتَنَفَّسُ ثَلَاثًا } .
وَفِي رِوَايَةٍ : { كَانَ يَتَنَفَّسُ فِي الْإِنَاءِ
ثَلَاثًا وَيَقُولُ هُوَ أَمْرَأُ وَأَرْوَى } .
وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ كَانَ يُبِينُ الْقَدَحَ عَنْ فِيهِ
ثُمَّ يَتَنَفَّسُ لِلرِّوَايَةِ السَّابِقَةِ : { فَأَبِنْ الْقَدَحَ إذًا عَنْ
فِيك } .
وَصَحَّ :
{ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ عَنْ اخْتِنَاثِ الْأَسْقِيَةِ - يَعْنِي أَنْ تُكْسَرَ أَفْوَاهُهَا - فَيُشْرَبُ
مِنْهَا } .
وَصَحَّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ :
{ نَهَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُشْرَبَ مِنْ فِي السِّقَاءِ
فَأُنْبِئْتُ أَنَّ رَجُلًا شَرِبَ مِنْ فِي السِّقَاءِ فَخَرَجَتْ عَلَيْهِ
حَيَّةٌ } .
بَابُ عِشْرَةِ النِّسَاءِ ( الْكَبِيرَةُ الثَّالِثَةُ
وَالسَّبْعُونَ بَعْدَ الْمِائَتَيْنِ
: تَرْجِيحُ إحْدَى الزَّوْجَاتِ عَلَى الْأُخْرَى
ظُلْمًا وَعُدْوَانًا ) .
أَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ وَتَكَلَّمَ فِيهِ وَالْحَاكِمُ
وَصَحَّحَهُ عَلَى شَرْطِهِمَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { مَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ
امْرَأَتَانِ فَلَمْ يَعْدِلْ بَيْنَهُمَا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَشِقُّهُ
سَاقِطٌ } .
وَأَبُو دَاوُد : { مَنْ كَانَتْ لَهُ امْرَأَتَانِ
فَمَالَ إلَى إحْدَاهُمَا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَشِقُّهُ مَائِلٌ } .
وَالنَّسَائِيُّ : { مَنْ كَانَتْ لَهُ امْرَأَتَانِ
يَمِيلُ إلَى إحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَحَدُ
شِقَّيْهِ مَائِلٌ } .
وَفِي رِوَايَةٍ لِابْنِ مَاجَهْ وَابْنِ حِبَّانَ فِي
صَحِيحَيْهِمَا : { وَأَحَدُ شِقَّيْهِ سَاقِطٌ } ، وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ
فَمَالَ وَقَوْلِهِ يَمِيلُ ، الْمَيْلُ بِظَاهِرِهِ بِأَنْ يُرَجِّحَ إحْدَاهُمَا
فِي الْأُمُورِ الظَّاهِرَةِ الَّتِي حَرَّمَ الشَّارِعُ التَّرْجِيحَ فِيهَا ،
لَا الْمَيْلُ الْقَلْبِيُّ لِخَبَرِ أَصْحَابِ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ وَابْنِ
حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا : { كَانَ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْسِمُ فَيَعْدِلُ وَيَقُولُ اللَّهُمَّ هَذَا
قَسْمِي فِيمَا أَمْلِكُ فَلَا تَلُمْنِي فِيمَا تَمْلِكُ وَلَا أَمْلِكُ }
يَعْنِي الْقَلْبَ .
وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ رُوِيَ مُرْسَلًا وَهُوَ أَصَحُّ .
وَرَوَى مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ : { إنَّ الْمُقْسِطِينَ
عِنْدَ اللَّهِ عَلَى مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ عَنْ يَمِينِ الرَّحْمَنِ ، وَكِلْتَا
يَدَيْهِ يَمِينٌ الَّذِينَ يَعْدِلُونَ فِي حُكْمِهِمْ وَأَهْلِيهِمْ وَمَا
وَلُوا } .
تَنْبِيهٌ : عَدُّ هَذَا هُوَ قَضِيَّةُ هَذَا
الْوَعِيدِ الَّذِي فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَإِنْ لَمْ
يَذْكُرُوهُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِيذَاءِ الْعَظِيمِ الَّذِي لَا يُحْتَمَلُ .
( الْكَبِيرَةُ الرَّابِعَةُ وَالْخَامِسَةُ وَالسَّبْعُونَ
بَعْدَ الْمِائَتَيْنِ مَنْعُ الزَّوْجِ حَقًّا مِنْ حُقُوقِ زَوْجَتِهِ الْوَاجِبَةِ
لَهَا عَلَيْهِ كَالْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ وَمَنْعُهَا حَقًّا لَهُ عَلَيْهَا
كَذَلِكَ ، كَالتَّمَتُّعِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ شَرْعِيٍّ ) .
قَالَ تَعَالَى : { وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي
عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ } ذَكَرَهُ
تَعَالَى عَقِبَ قَوْلِهِ : { وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ
إنْ أَرَادُوا إصْلَاحًا } لِأَنَّهُ لَمَّا بَيَّنَ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْمُرَاجَعَةِ
إصْلَاحُ حَالِهَا لَا إيصَالُ الضَّرَرِ إلَيْهَا بَيَّنَ تَعَالَى أَنَّ لِكُلِّ
وَاحِدٍ مِنْ الزَّوْجَيْنِ حَقًّا عَلَى الْآخَرِ .
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا إنِّي
لَأَتَزَيَّنُ لِامْرَأَتِي كَمَا تَتَزَيَّنُ لِي لِهَذِهِ الْآيَةِ .
وَقَالَ بَعْضُهُمْ : يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَقُومَ
بِحَقِّهَا وَمَصَالِحِهَا ، وَيَجِبُ عَلَيْهَا الِانْقِيَادُ وَالطَّاعَةُ لَهُ
، وَقِيلَ : لَهُنَّ عَلَى الزَّوْجِ إرَادَةُ الْإِصْلَاحِ عِنْدَ الْمُرَاجَعَةِ
، وَعَلَيْهِنَّ تَرْكُ الْكِتْمَانِ فِيمَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ .
وَالْأَوْلَى إبْقَاءُ الْآيَةِ عَلَى الْعُمُومِ وَإِنْ
كَانَ صَدْرُهَا يُؤَيِّدُ هَذَا الْقَوْلَ ، ثُمَّ دَرَجَةُ الرَّجُلِ عَلَيْهَا
؛ لِكَوْنِهِ أَكْمَلَ مِنْهَا فَضْلًا وَعَقْلًا وَدِيَةً وَمِيرَاثًا
وَغَنِيمَةً ، وَكَوْنِهِ يَصْلُحُ لِلْإِمَامَةِ وَالْقَضَاءِ وَالشَّهَادَةِ ،
وَكَوْنِهِ يَتَزَوَّجُ عَلَيْهَا وَيَتَسَرَّى ، وَيَقْدِرُ عَلَى طَلَاقِهَا
وَرَجْعَتِهَا ، وَإِنْ أَبَتْ وَلَا عَكْسَ ، وَأَيْضًا فَهُوَ أَخَصُّ
بِأَنْوَاعٍ مِنْ الرَّحْمَةِ وَالْإِصْلَاحِ كَالْتِزَامِ الْمَهْرِ
وَالنَّفَقَةِ وَالذَّبِّ عَنْهَا ، وَالْقِيَامِ بِمَصَالِحِهَا ، وَمَنْعِهَا
مِنْ مَوَاقِعِ الْآفَاتِ ، فَكَانَ قِيَامُهَا بِخِدْمَتِهِ آكَدُ لِهَذِهِ
الْحُقُوقِ الزَّائِدَةِ كَمَا قَالَ تَعَالَى : { الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى
النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا
مِنْ أَمْوَالِهِمْ } .
وَمِنْ ثَمَّ قَالَ الْمُفَسِّرُونَ فِي تَفْسِيرِ
هَذِهِ الْآيَةِ : تَفْضِيلُ
الرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ مِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ
حَقِيقِيَّةٍ وَشَرْعِيَّةٍ : فَمِنْ الْأَوَّلِ : أَنَّ عُقُولَهُمْ
وَعُلُومَهُمْ أَكْثَرُ وَقُلُوبَهُمْ عَلَى الْأَعْمَالِ الشَّاقَّةِ أَصْبَرُ
وَكَذَلِكَ الْقُوَّةُ وَالْكِتَابَةُ غَالِبًا وَالْفُرُوسِيَّةُ وَالرَّمْيُ ،
وَفِيهِمْ الْعُلَمَاءُ وَالْإِمَامَةُ الْكُبْرَى وَالصُّغْرَى وَالْجِهَادُ وَالْأَذَانُ
وَالْخُطْبَةُ وَالْجُمُعَةُ وَالِاعْتِكَافُ وَالشَّهَادَةُ فِي الْحُدُودِ
وَالْقِصَاصُ وَالْأَنْكِحَةُ وَنَحْوُهَا ، وَزِيَادَةُ الْمِيرَاثِ ،
وَالتَّعْصِيبُ وَتَحَمُّلُ الدِّيَةِ ، وَوِلَايَةُ النِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ ،
وَالرَّجْعَةُ وَعَدَدُ الْأَزْوَاجِ وَإِلَيْهِمْ الِانْتِسَابُ وَمِنْ الثَّانِي
: عَطِيَّةُ الْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ وَنَحْوِهِمَا ، وَفِي الْحَدِيثِ : { لَوْ
كُنْت آمِرًا أَحَدًا أَنْ يَسْجُدَ لِأَحَدٍ لَأَمَرْت النِّسَاءَ أَنْ
يَسْجُدْنَ لِأَزْوَاجِهِنَّ لِمَا جَعَلَ اللَّهُ لَهُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ
الْحَقِّ } ، فَحِينَئِذٍ الْمَرْأَةُ كَالْأَسِيرِ
الْعَاجِزِ فِي يَدِ الرَّجُلِ ، وَلِهَذَا أَمَرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ بِالْوَصِيَّةِ بِهِنَّ خَيْرًا فَقَالَ : { وَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ
خَيْرًا فَإِنَّمَا هُنَّ عَوَانٌ عِنْدَكُمْ } .
أَيْ أَسِيرَاتٌ .
وَقَالَ : { اتَّقُوا اللَّهَ فِي الضَّعِيفَيْنِ الْمَمْلُوكِ
وَالْمَرْأَةِ } .
وَقَالَ تَعَالَى : { وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ }
قَالَ الزَّجَّاجُ : هُوَ النَّصَفَةُ فِي النَّفَقَةِ وَالْبَيْتِ ،
وَالْإِجْمَالُ فِي الْقَوْلِ ، وَقِيلَ : هُوَ أَنْ يَتَصَنَّعَ لَهَا كَمَا
تَتَصَنَّعُ لَهُ .
وَنَقَلَ الْقُرْطُبِيُّ عَنْ عُلَمَائِهِمْ أَنَّهُمْ
اسْتَدَلُّوا بِهَذَا عَلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا لَمْ يَكْفِهَا إلَّا أَكْثَرُ
مِنْ خَادِمٍ وَجَبَ ، ثُمَّ غَلَّطَ الشَّافِعِيُّ أَبَا حَنِيفَةَ رَضِيَ
اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا فِي قَوْلِهِمَا : لَا يَجِبُ لَهَا إلَّا خَادِمٌ
وَاحِدٌ إذْ مَا مِنْ امْرَأَةٍ فِي الْعَالَمِ إلَّا وَيَكْفِيهَا خَادِمٌ
وَاحِدٌ بِأَنَّ بَنَاتِ الْمُلُوكِ اللَّاتِي لَهُنَّ شَأْنٌ كَبِيرٌ لَا يَكْفِي
الْوَاحِدَةَ مِنْهُنَّ خَادِمٌ وَاحِدٌ لِطَبْخِهَا وَغَسْلِ ثِيَابِهَا ، وَيُرَدُّ
بِأَنَّ تَغْلِيظَ الْأَئِمَّةِ
بِمُجَرَّدِ هَذَا الْخَيَالِ هُوَ عَيْنُ الْخَبَالِ ،
لِأَنَّ الْكَلَامَ إنَّمَا هُوَ فِيمَا يَجِبُ عَلَى الزَّوْجِ مِنْ حَيْثُ
الزَّوْجِيَّةُ .
وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ مِنْ تِلْكَ
الْحَيْثِيَّةِ إنَّمَا هُوَ مَا تَحْتَاجُهُ الْمَرْأَةُ فِي ذَاتِهَا وَمَا
يَتَعَلَّقُ بِهَا وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا يَكْفِي لِتَحْصِيلِهِ خَادِمٌ وَاحِدٌ .
وَأَمَّا احْتِيَاجُهَا لِلزِّيَادَةِ عَلَى ذَلِكَ
فَإِنْ كَانَ لِأُمُورٍ تَتَعَلَّقُ بِهَا خَارِجَةٍ عَنْ الزَّوْجِيَّةِ
فَكِفَايَتُهَا عَلَيْهَا أَوْ تَتَعَلَّقُ بِهِ كَذَلِكَ فَكِفَايَتُهَا عَلَيْهِ
لَا مِنْ حَيْثُ الزَّوْجِيَّةُ فَظَهَرَ صِحَّةُ مَا قَالَهُ الْإِمَامَانِ
وَاتَّضَحَ تَغْلِيطُ مَنْ غَلَّطَهُمَا ، وَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَالتَّأَدُّبُ
مَعَ الْأَئِمَّةِ هُوَ الْخَيْرُ كُلُّهُ .
وَجَاءَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي
ذَلِكَ أَحَادِيثُ : أَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ فِي الصَّغِيرِ وَالْأَوْسَطِ بِسَنَدٍ
رُوَاتُهُ ثِقَاتٌ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { أَيُّمَا
رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى مَا قَلَّ مِنْ الْمَهْرِ أَوْ كَثُرَ لَيْسَ
فِي نَفْسِهِ أَنْ يُؤَدِّيَ إلَيْهَا حَقَّهَا خَدَعَهَا فَمَاتَ وَلَمْ يُؤَدِّ
إلَيْهَا حَقَّهَا لَقِيَ اللَّهَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَهُوَ زَانٍ } الْحَدِيثَ .
وَالشَّيْخَانِ : { كُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ
رَعِيَّتِهِ ، الْإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، وَالْمَرْأَةُ
رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا ، وَالرَّجُلُ
رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَالْخَادِمُ رَاعٍ فِي مَالِ سَيِّدِهِ
وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ } .
وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ .
{ أَكْمَلُ الْمُؤْمِنِينَ إيمَانًا أَحْسَنُهُمْ
خُلُقَا وَخِيَارُكُمْ خِيَارُكُمْ لِنِسَائِهِمْ } وَصَحَّ أَيْضًا : { إنَّ مِنْ
أَكْمَلِ الْمُؤْمِنِينَ إيمَانًا أَحْسَنَهُمْ خُلُقًا وَأَلْطَفَهُمْ بِأَهْلِهِ } .
وَصَحَّحَ ابْنُ حِبَّانَ { خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ
لِأَهْلِهِ } ، وَفِي رِوَايَةٍ لِلنَّسَائِيِّ : { وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي } .
وَرَوَى ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ : { إنَّ
الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلْعٍ أَعْوَجَ فَإِنْ
أَقَمْتَهَا كَسَرْتَهَا فَدَارِهَا تَعِشْ بِهَا } .
وَالشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا : { اسْتَوْصُوا
بِالنِّسَاءِ فَإِنَّ الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ أَعْوَجَ وَإِنَّ أَعْوَجَ
مَا فِي الضِّلَعِ أَعْلَاهُ فَإِنْ ذَهَبْت تُقِيمُهُ كَسَرْته وَإِنْ تَرَكْته
لَمْ يَزَلْ أَعْوَجَ فَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ } .
وَمُسْلِمٌ : { إنَّ الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ }
- أَيْ بِكَسْرٍ وَهُوَ أَفْصَحُ أَوْ فَتْحٍ فَسُكُونٍ - لَنْ تَسْتَقِيمَ لَك
عَلَى طَرِيقَةٍ ، { فَإِنْ اسْتَمَعْت بِهَا اسْتَمْتَعْت بِهَا وَفِيهَا عِوَجٌ
وَإِنْ ذَهَبْت تُقِيمُهَا كَسَرْتهَا وَكَسْرُهَا طَلَاقُهَا } .
وَالْعِوَجُ بِكَسْرٍ فَفَتْحٍ ، وَقِيلَ هَذَا فِي
غَيْرِ الْمُنْتَصِبِ كَالدِّينِ وَالْخُلُقِ وَالْأَرْضِ وَإِلَّا كَالْعَصَا
فَهُوَ بِفَتْحِهِمَا .
وَمُسْلِمٌ
: { لَا يَفْرَكْ } - أَيْ بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ فَفَتْحٍ
وَشَذَّ الضَّمُّ يَبْغُضُ - { مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً إنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا
رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ أَوْ كَمَا قَالَ غَيْرُهُ } .
وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ : { يَا
رَسُولَ اللَّهِ مَا حَقُّ زَوْجَةِ أَحَدِنَا عَلَيْهِ ؟ قَالَ : أَنْ
تُطْعِمَهَا إذَا طَعِمْت ، وَتَكْسُوَهَا إذَا اكْتَسَيْت ، وَلَا تَضْرِبْ
الْوَجْهَ وَلَا تُقَبِّحْ أَيْ لَا تُسْمِعْهَا مَكْرُوهًا كَقَبَّحَكِ اللَّهُ
وَلَا تَهْجُرْ إلَّا فِي الْبَيْتِ
} .
وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ
وَابْنُ مَاجَهْ : { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي حَجَّةِ
الْوَدَاعِ بَعْدَ أَنْ حَمِدَ اللَّهَ تَعَالَى وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَذَكَّرَ
وَوَعَظَ : أَلَا فَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا فَإِنَّمَا هُنَّ عَوَانٌ
عِنْدَكُمْ لَيْسَ تَمْلِكُونَ مِنْهُنَّ شَيْئًا غَيْرَ ذَلِكَ إلَّا أَنْ
يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ فَإِنْ فَعَلْنَ فَاهْجُرُوهُنَّ فِي
الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا
تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا ، أَلَا إنَّ لَكُمْ عَلَى نِسَائِكُمْ حَقًّا
وَلِنِسَائِكُمْ عَلَيْكُمْ حَقًّا ؛ فَحَقُّكُمْ عَلَيْهِنَّ أَنْ لَا يُوطِئْنَ
فُرُشَكُمْ مَنْ تَكْرَهُونَ وَلَا يَأْذَنَّ فِي
بُيُوتِكُمْ لِمَنْ تَكْرَهُونَ .
أَلَا وَحَقُّهُنَّ عَلَيْكُمْ أَنْ تُحْسِنُوا
إلَيْهِنَّ فِي كِسْوَتِهِنَّ وَطَعَامِهِنَّ } .
وَابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ
وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ : { أَيُّمَا امْرَأَةٍ مَاتَتْ وَزَوْجُهَا عَنْهَا رَاضٍ
دَخَلَتْ الْجَنَّةَ } .
وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ : { إذَا صَلَّتْ
الْمَرْأَةُ خَمْسَهَا وَحَصَّنَتْ فَرْجَهَا وَأَطَاعَتْ بَعْلَهَا دَخَلَتْ مِنْ
أَيِّ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ شَاءَتْ
} .
وَأَحْمَدُ بِسَنَدٍ رُوَاتُهُ رُوَاةُ الصَّحِيحِ إلَّا
ابْنَ لَهِيعَةَ وَحَدِيثُهُ حَسَنٌ فِي الْمُتَابَعَاتِ : { إذَا صَلَّتْ
الْمَرْأَةُ خَمْسَهَا وَصَامَتْ شَهْرَهَا وَحَفِظَتْ فَرْجَهَا وَأَطَاعَتْ
زَوْجَهَا قِيلَ لَهَا اُدْخُلِي الْجَنَّةَ مِنْ أَيِّ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ
شِئْتِ } .
وَصَحَّ :
{ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ
لِمُزَوَّجَةٍ : فَأَيْنَ أَنْتِ مِنْهُ ؟ قَالَتْ مَا آلُوهُ - أَيْ مَا
أُقَصِّرُ فِي خِدْمَتِهِ إلَّا مَا عَجَزْت عَنْهُ - قَالَ فَكَيْفَ أَنْتِ لَهُ فَإِنَّهُ
جَنَّتُك وَنَارُك } .
وَالْبَزَّارُ بِسَنَدٍ حَسَنٍ عَنْ { عَائِشَةَ
قَالَتْ : سَأَلْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّ
النَّاسِ أَعْظَمُ حَقًّا عَلَى الْمَرْأَةِ ؟ قَالَ : زَوْجُهَا ، قُلْت فَأَيُّ النَّاسِ
أَعْظَمُ حَقًّا عَلَى الرَّجُلِ ؟ قَالَ أُمُّهُ } .
وَالْبَزَّارُ وَالطَّبَرَانِيُّ : { أَنَّ امْرَأَةً قَالَتْ
يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَا وَافِدَةُ النِّسَاءِ إلَيْك ثُمَّ ذَكَرَتْ مَا
لِلرِّجَالِ فِي الْجِهَادِ مِنْ الْأَجْرِ وَالْغَنِيمَةِ ثُمَّ قَالَتْ فَمَا
لَنَا مِنْ ذَلِكَ ؟ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبْلِغِي مَنْ
لَقِيتِ مِنْ النِّسَاءِ أَنَّ طَاعَةَ الزَّوْجِ وَاعْتِرَافًا بِحَقِّهِ
يَعْدِلُ ذَلِكَ وَقَلِيلٌ مِنْكُنَّ مَنْ يَفْعَلُهُ } .
وَالْبَزَّارُ بِسَنَدٍ رُوَاتُهُ ثِقَاتٌ مَشْهُورُونَ وَابْنُ
حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ : { أَتَى رَجُلٌ بِابْنَتِهِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ إنَّ ابْنَتِي هَذِهِ أَبَتْ أَنْ تَتَزَوَّجَ
، فَقَالَ لَهَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَطِيعِي أَبَاك ، فَقَالَتْ
وَاَلَّذِي بَعَثَك بِالْحَقِّ لَا أَتَزَوَّجُ
حَتَّى تُخْبِرَنِي مَا حَقُّ الزَّوْجِ عَلَى زَوْجَتِهِ
؟ قَالَ حَقُّ الزَّوْجِ عَلَى زَوْجَتِهِ لَوْ كَانَتْ بِهِ قُرْحَةٌ
فَلَحَسَتْهَا أَوْ انْتَشَرَ مَنْخَرَاهُ صَدِيدًا وَدَمًا ثُمَّ ابْتَلَعَتْهُ
مَا أَدَّتْ حَقَّهُ ، قَالَتْ وَاَلَّذِي بَعَثَك بِالْحَقِّ لَا أَتَزَوَّجُ
أَبَدًا ، فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَا تُنْكِحُوهُنَّ إلَّا
بِإِذْنِهِنَّ } .
وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ فِيهِ
وَاهِيًا : { أَنَّ امْرَأَةً قَالَتْ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أَنَا فُلَانَةُ بِنْتُ فُلَانٍ ، قَالَ قَدْ عَرَفْتُك فَمَا حَاجَتُك
؟ قَالَتْ حَاجَتِي إلَى ابْنِ عَمِّي فُلَانٍ الْعَابِدِ ، قَالَ قَدْ عَرَفْته ،
قَالَ يَخْطُبُنِي فَأَخْبِرْنِي مَا حَقُّ الزَّوْجِ عَلَى الزَّوْجَةِ ؟ فَإِنْ كَانَ
شَيْئًا أُطِيقُهُ تَزَوَّجْته ، قَالَ مِنْ حَقِّهِ أَنْ لَوْ سَالَ مَنْخَرَاهُ
دَمًا وَقَيْحًا فَلَحَسَتْهُ بِلِسَانِهَا مَا أَدَّتْ حَقَّهُ .
لَوْ كَانَ يَنْبَغِي لِبَشَرٍ أَنْ يَسْجُدَ لِبَشَرٍ لَأَمَرْت
الْمَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا إذَا دَخَلَ عَلَيْهَا لِمَا فَضَّلَهُ
اللَّهُ عَلَيْهَا ، قَالَتْ وَاَلَّذِي بَعَثَك بِالْحَقِّ لَا أَتَزَوَّجُ مَا
بَقِيَتْ الدُّنْيَا } .
وَأَحْمَدُ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ وَرُوَاتُهُ ثِقَاتٌ
مَشْهُورُونَ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : { كَانَ أَهْلُ الْبَيْتِ
مِنْ الْأَنْصَارِ لَهُمْ جَمَلٌ يَسْنُونَ عَلَيْهِ - أَيْ يَسْقُونَ عَلَيْهِ
الْمَاءَ مِنْ الْبِئْرِ - وَأَنَّهُ اُسْتُصْعِبَ عَلَيْهِمْ فَمَنَعَهُمْ
ظَهْرَهُ وَأَنَّ الْأَنْصَارَ جَاءُوا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فَقَالُوا إنَّهُ كَانَ لَنَا جَمَلٌ نَسْنِي عَلَيْهِ وَإِنَّهُ
اُسْتُصْعِبَ عَلَيْنَا وَمَنَعَنَا ظَهْرَهُ وَقَدْ عَطِشَ الزَّرْعُ وَالنَّخْلُ
، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَصْحَابِهِ
قُومُوا فَقَامُوا فَدَخَلُوا الْحَائِطَ ، وَالْجَمَلُ فِي نَاحِيَةٍ فَمَشَى
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْوَهُ ، فَقَالَتْ الْأَنْصَارُ
يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ صَارَ مِثْلَ الْكَلْبِ وَنَخَافُ عَلَيْك صَوْلَتَهُ ،
قَالَ لَيْسَ عَلَيَّ مِنْهُ بَأْسٌ فَلَمَّا
نَظَرَ الْجَمَلُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْبَلَ نَحْوَهُ حَتَّى خَرَّ سَاجِدًا بَيْنَ يَدَيْهِ
فَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَاصِيَتِهِ
أَذَلَّ مَا كَانَتْ قَطُّ حَتَّى أَدْخَلَهُ فِي الْعَمَلِ فَقَالَ لَهُ أَصْحَابُهُ
يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا بَهِيمَةٌ لَا يَعْقِلُ يَسْجُدُ لَك وَنَحْنُ نَعْقِلُ
فَنَحْنُ أَحَقُّ أَنْ نَسْجُدَ لَك ، قَالَ : لَا يَصْلُحُ لِبَشَرٍ أَنْ
يَسْجُدَ لِبَشَرٍ وَلَوْ صَلُحَ لِبَشَرٍ أَنْ يَسْجُدَ لِبَشَرٍ لَأَمَرْت الْمَرْأَةَ
أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا لِعِظَمِ حَقِّهِ عَلَيْهَا ، لَوْ كَانَ مِنْ قَدَمِهِ
إلَى مَفْرِقِ رَأْسِهِ قُرْحَةٌ تَنْبَجِسُ - أَيْ تَتَفَجَّرُ - بِالْقَيْحِ
وَالصَّدِيدِ ثُمَّ اسْتَقْبَلَتْهُ فَلَحَسَتْهُ مَا أَدَّتْ حَقَّهُ } .
وَأَبُو دَاوُد بِسَنَدٍ صَحِيحٍ : { لَوْ كُنْت آمِرًا أَحَدًا أَنْ
يَسْجُدَ لِأَحَدٍ لَأَمَرْت النِّسَاءَ أَنْ يَسْجُدْنَ لِأَزْوَاجِهِنَّ لِمَا
جَعَلَ اللَّهُ لَهُمْ عَلَيْهِ مِنْ الْحَقِّ .
قَالَهُ لَمَّا قَالَ قَيْسُ بْنُ سَعْدٍ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُمَا رَأَى أَهْلُ الْحِيرَةِ يَسْجُدُونَ لِمَرْزُبَانٍ لَهُمْ فَأَنْتَ
أَحَقُّ أَنْ يُسْجَدَ لَك } .
وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ عَنْ ابْنِ أَبِي
أَوْفَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ
: { لَمَّا قَدِمَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ مِنْ الشَّامِ
سَجَدَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا هَذَا ؟ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدِمْت الشَّامَ فَرَأَيْتهمْ
يَسْجُدُونَ لِبَطَارِقَتِهِمْ وَأَسَاقِفَتِهِمْ فَأَرَدْت أَنْ أَفْعَلَ ذَلِكَ
بِك ، قَالَ : فَلَا تَفْعَلْ فَإِنِّي لَوْ أَمَرْت شَيْئًا أَنْ يَسْجُدَ لِشَيْءٍ
لَأَمَرْت الْمَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا ، وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ
لَا تُؤَدِّي الْمَرْأَةُ حَقَّ رَبِّهَا حَتَّى تُؤَدِّيَ حَقَّ زَوْجِهَا } .
وَالْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ مُعَاذٍ مَرْفُوعًا : { لَوْ
أَمَرْت أَحَدًا أَنْ يَسْجُدَ لِأَحَدٍ لَأَمَرْت الْمَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ
لِزَوْجِهَا مِنْ عِظَمِ حَقِّهِ عَلَيْهَا ، وَلَا تَجِدُ امْرَأَةٌ حَلَاوَةَ
الْإِيمَانِ حَتَّى تُؤَدِّيَ حَقَّ زَوْجِهَا وَلَوْ سَأَلَهَا نَفْسَهَا
وَهِيَ عَلَى ظَهْرِ قَتَبٍ } .
وَالطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ إلَّا وَاحِدًا ،
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ لَمْ أَقِفْ فِيهِ عَلَى جَرْحٍ وَلَا تَعْدِيلٍ : { أَلَا
أُخْبِرُكُمْ بِنِسَائِكُمْ فِي الْجَنَّةِ ؟ قُلْنَا بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ ،
قَالَ كُلُّ وَدُودٍ وَلُودٍ إذَا غَضِبَتْ أَوْ أُسِيءَ إلَيْهَا أَوْ غَضِبَ
زَوْجُهَا ، قَالَتْ هَذِهِ يَدِي فِي يَدِك لَا أَكْتَحِلُ بِغَمْضٍ حَتَّى
تَرْضَى } .
وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ : { لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ
تُؤْمِنُ بِاَللَّهِ أَنْ تَأْذَنَ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَهُوَ كَارِهٌ وَلَا
تَخْرُجُ وَهُوَ كَارِهٌ وَلَا تُطِيعُ فِيهِ أَحَدًا وَلَا تَعْتَزِلُ فِرَاشَهُ
وَلَا تَضُرُّ بِهِ فَإِنْ كَانَ هُوَ أَظْلَمَ فَلْتَأْتِهِ حَتَّى تُرْضِيَهُ فَإِنْ
قَبِلَ مِنْهَا فَبِهَا وَنِعْمَتْ وَقَبِلَ اللَّهُ عُذْرَهَا وَأَفْلَجَ
حُجَّتَهَا - أَيْ بِالْجِيمِ أَظْهَرَهَا وَقَوَّاهَا - وَلَا إثْمَ عَلَيْهَا
وَإِنْ هُوَ لَمْ يَرْضَ فَقَدْ أَبْلَغَتْ عِنْدَ اللَّهِ عُذْرَهَا } .
وَالطَّبَرَانِيُّ : { إنَّ حَقَّ الزَّوْجِ عَلَى زَوْجَتِهِ
إنْ سَأَلَهَا نَفْسَهَا وَهِيَ عَلَى ظَهْرِ قَتَبٍ أَنْ لَا تَمْنَعَهُ
نَفْسَهَا ، وَمِنْ حَقِّ الزَّوْجِ عَلَى الزَّوْجَةِ أَنْ لَا تَصُومَ
تَطَوُّعًا إلَّا بِإِذْنِهِ فَإِنْ فَعَلَتْ جَاعَتْ وَعَطِشَتْ وَلَا تُقْبَلُ
مِنْهَا ، وَلَا تَخْرُجُ مِنْ بَيْتِهَا إلَّا بِإِذْنِهِ فَإِنْ فَعَلَتْ
لَعَنَتْهَا مَلَائِكَةُ السَّمَاءِ وَمَلَائِكَةُ الْأَرْضِ وَمَلَائِكَةُ
الرَّحْمَةِ وَمَلَائِكَةُ الْعَذَابِ حَتَّى تَرْجِعَ } .
وَالطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ جَيِّدٍ : { الْمَرْأَةُ لَا
تُؤَدِّي حَقَّ اللَّهِ عَلَيْهَا حَتَّى تُؤَدِّيَ حَقَّ زَوْجِهَا كُلَّهُ لَوْ
سَأَلَهَا وَهِيَ عَلَى ظَهْرِ قَتَبٍ لَمْ تَمْنَعْهُ نَفْسَهَا } .
وَصَحَّ : { لَا يَنْظُرُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى
إلَى امْرَأَةٍ لَا تَشْكُرُ لِزَوْجِهَا وَهِيَ لَا تَسْتَغْنِي عَنْهُ } .
وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ : { لَا تُؤْذِي امْرَأَةٌ
زَوْجَهَا فِي الدُّنْيَا إلَّا قَالَتْ زَوْجَتُهُ مِنْ الْحُورِ الْعِينِ لَا
تُؤْذِيهِ قَاتَلَك اللَّهُ فَإِنَّمَا هُوَ عِنْدَك دَخِيلٌ يُوشِكُ أَنْ
يُفَارِقَك إلَيْنَا } .
وَصَحَّ : { إذَا دَعَا الرَّجُلُ زَوْجَتَهُ
لِحَاجَتِهِ فَلْتَأْتِهِ وَإِنْ كَانَتْ عَلَى
التَّنُّورِ } .
وَالشَّيْخَانِ : { إذَا دَعَا الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ
إلَى فِرَاشِهِ فَلَمْ تَأْتِهِ فَبَاتَ غَضْبَانَ عَلَيْهَا لَعَنَتْهَا
الْمَلَائِكَةُ حَتَّى تُصْبِحَ
} .
وَرَوَيَا : { وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا مِنْ
رَجُلٍ يَدْعُو امْرَأَتَهُ إلَى فِرَاشِهِ فَتَأْبَى عَلَيْهِ إلَّا كَانَ
الَّذِي فِي السَّمَاءِ - أَيْ أَمْرُهُ وَسُلْطَانُهُ - سَاخِطًا عَلَيْهَا
حَتَّى يَرْضَى عَنْهَا } أَيْ زَوْجُهَا .
وَرَوَيَا { إذَا بَاتَتْ الْمَرْأَةُ هَاجِرَةً فِرَاشَ
زَوْجِهَا لَعَنَتْهَا الْمَلَائِكَةُ حَتَّى تُصْبِحَ } .
وَمَرَّ فِي حَدِيثٍ صَحِيحٍ : { ثَلَاثَةٌ لَا تُرْفَعُ
صَلَاتُهُمْ فَوْقَ رُءُوسِهِمْ شِبْرًا ، وَعَدَّ مِنْهُمْ امْرَأَةً بَاتَتْ
وَزَوْجُهَا عَلَيْهَا سَاخِطٌ
} .
وَفِي حَدِيثٍ صَحِيحٍ : { ثَلَاثَةٌ لَا تُقْبَلُ
لَهُمْ صَلَاةٌ وَلَا يَصْعَدُ لَهُمْ إلَى السَّمَاءِ حَسَنَةٌ وَعَدَّ مِنْهُمْ
الْمَرْأَةَ السَّاخِطَ عَلَيْهَا زَوْجُهَا حَتَّى يَرْضَى } .
وَفِي حَدِيثٍ سَنَدُهُ صَحِيحٌ إلَّا أَنَّ فِيهِ
وَاحِدًا مُخْتَلَفًا فِيهِ : { إنَّ الْمَرْأَةَ إذَا خَرَجَتْ مِنْ بَيْتِهَا وَزَوْجُهَا
كَارِهٌ لَعَنَهَا كُلُّ مَلَكٍ فِي السَّمَاءِ وَكُلُّ شَيْءٍ مَرَّتْ عَلَيْهِ
غَيْرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ حَتَّى تَرْجِعَ } .
تَنْبِيهٌ :
عَدُّ هَذَيْنِ هُوَ صَرِيحُ مَا فِي أَوَّلِ
الْأَحَادِيثِ إذْ فِيهِ : { لَقِيَ اللَّهَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَهُوَ زَانٍ } ، وَهَذَا
غَايَةُ الْوَعِيدِ وَأَشَدُّهُ ، وَآخِرُهَا إذْ فِيهَا لَعْنَتُهَا مِنْ اللَّهِ
وَمَلَائِكَتِهِ وَجَمِيعِ خَلْقِهِ غَيْرِ الثَّقَلَيْنِ ، وَهَذَا غَايَةٌ فِي
شِدَّةِ الْوَعِيدِ أَيْضًا ، فَاتَّضَحَ بِذَلِكَ كَوْنُ هَذَيْنِ كَبِيرَتَيْنِ
وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحُوا بِذَلِكَ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرْته فِي
التَّرْجَمَةِ .
( الْكَبِيرَةُ السَّادِسَةُ وَالسَّابِعَةُ
وَالثَّامِنَةُ وَالسَّبْعُونَ بَعْدَ الْمِائَتَيْنِ : التَّهَاجُرُ بِأَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ
الْمُسْلِمَ فَوْقَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ لِغَيْرِ غَرَضٍ شَرْعِيٍّ وَالتَّدَابُرُ
وَهُوَ الْإِعْرَاضُ عَنْ الْمُسْلِمِ بِأَنْ يَلْقَاهُ فَيُعْرِضُ عَنْهُ
بِوَجْهِهِ وَالتَّشَاحُنُ وَهُوَ تَغَيُّرُ الْقُلُوبِ الْمُؤَدِّي إلَى أَحَدِ ذَيْنِك ) .
أَخْرَجَ أَحْمَدُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ وَأَبُو يَعْلَى وَالطَّبَرَانِيُّ
: { لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ مُسْلِمًا فَوْقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ
فَإِنَّهُمَا نَاكِبَانِ عَنْ الْحَقِّ } - أَيْ مَائِلَانِ عَنْهُ مَا دَامَا
عَلَى صِرَامِهِمَا - وَأَوَّلُهُمَا فَيْئًا - أَيْ رُجُوعًا إلَى الصُّلْحِ ،
يَكُونُ سَبْقُهُ بِالْفَيْءِ كَفَّارَةً لَهُ وَإِنْ سَلَّمَ عَلَيْهِ فَلَمْ
يَقْبَلْ وَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ سَلَامَهُ رَدَّتْ عَلَيْهِ الْمَلَائِكَةُ
وَيَرُدُّ عَلَى الْآخَرِ الشَّيْطَانُ ، فَإِنْ مَاتَا عَلَى صِرَامِهِمَا لَمْ
يَدْخُلَا الْجَنَّةَ جَمِيعًا أَبَدًا
.
وَفِي رِوَايَةٍ صَحِيحَةٍ : { لَمْ يَدْخُلَا الْجَنَّةَ
وَلَمْ يَجْتَمِعَا فِي الْجَنَّةِ
} .
وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ : { لَا يَحِلُّ أَنْ
يَصْطَرِمَا فَوْقَ ثَلَاثٍ فَإِنْ اصْطَرَمَا فَوْقَ ثَلَاثٍ لَمْ يَجْتَمِعَا
فِي الْجَنَّةِ أَبَدًا ، وَأَيُّهُمَا بَدَأَ صَاحِبَهُ كُفِّرَتْ ذُنُوبُهُ
فَإِنْ هُوَ سَلَّمَ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ وَلَمْ يَقْبَلْ سَلَامَهُ رَدَّ
عَلَيْهِ الْمَلَائِكَةُ وَرَدَّ عَلَى ذَلِكَ الشَّيْطَانُ } .
وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ وَالْحَاكِمُ
وَصَحَّحَهُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { لَا تَحِلُّ الْهِجْرَةُ فَوْقَ
ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَإِنْ الْتَقَيَا فَسَلَّمَ أَحَدُهُمَا فَرَدَّ الْآخَرُ
اشْتَرَكَا فِي الْأَجْرِ ، وَإِنْ لَمْ يَرُدَّ بَرِئَ هَذَا مِنْ الْإِثْمِ
وَبَاءَ بِهِ الْآخَرُ } ، وَأَحْسَبُهُ قَالَ : { وَإِنْ مَاتَا وَهُمَا مُتَهَاجِرَانِ
لَا يَجْتَمِعَانِ فِي الْجَنَّةِ
} .
وَالطَّبَرَانِيُّ : { لَا تَدَابَرُوا وَلَا تَقَاطَعُوا
وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إخْوَانًا ، هَجْرُ الْمُؤْمِنِينَ ثَلَاثٌ فَإِنْ
تَكَلَّمَا وَإِلَّا أَعْرَضَ
اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنْهُمَا حَتَّى يَتَكَلَّمَا } .
وَالطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ : { مَنْ هَجَرَ
أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثٍ فَهُوَ فِي النَّارِ إلَّا أَنْ يَتَدَارَكَهُ اللَّهُ
بِرَحْمَتِهِ } .
وَأَبُو دَاوُد وَالْبَيْهَقِيُّ : { مَنْ هَجَرَ
أَخَاهُ سَنَةً فَهُوَ كَسَفْكِ دَمِهِ
} .
وَمُسْلِمٌ :
{ إنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ يَئِسَ أَنْ يَعْبُدَهُ
الْمُصَلُّونَ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ ، وَلَكِنْ فِي التَّحْرِيشِ بَيْنَهُمْ }
: أَيْ الْإِغْرَاءِ وَتَغْيِيرِ الْقُلُوبِ وَالتَّقَاطُعِ .
وَالطَّبَرَانِيُّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ مَوْقُوفًا بِسَنَدٍ جَيِّدٍ
: " لَا يَتَهَاجَرُ الرَّجُلَانِ قَدْ دَخَلَا فِي
الْإِسْلَامِ إلَّا خَرَجَ أَحَدُهُمَا مِنْهُ حَتَّى يَرْجِعَ إلَى مَا خَرَجَ
مِنْهُ وَرُجُوعُهُ أَنْ يَأْتِيَهُ فَيُسَلِّمَ عَلَيْهِ " .
وَالْبَزَّارُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { لَوْ أَنَّ رَجُلَيْنِ دَخَلَا فِي الْإِسْلَامِ فَاهْتَجَرَا
لَكَانَ أَحَدُهُمَا خَارِجًا عَنْ الْإِسْلَامِ حَتَّى يَرْجِعَ } ، يَعْنِي الظَّالِمَ
مِنْهُمَا .
وَالْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ : { لَا تَقَاطَعُوا وَلَا
تَدَابَرُوا وَلَا تَبَاغَضُوا وَلَا تَحَاسَدُوا وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ
إخْوَانًا ، وَلَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثٍ } .
زَادَ الطَّبَرَانِيُّ : { يَلْتَقِيَانِ فَيُعْرِضُ هَذَا
وَيُعْرِضُ هَذَا وَاَلَّذِي يَبْدَأُ بِالسَّلَامِ يَسْبِقُ إلَى الْجَنَّةِ } .
قَالَ مَالِكٌ : وَلَا أَحْسَبُ التَّدَابُرَ إلَّا
الْإِعْرَاضَ عَنْ الْمُسْلِمِ يُدْبِرُ عَنْهُ بِوَجْهِهِ .
وَالشَّيْخَانِ : { لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ
يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ يَلْتَقِيَانِ فَيُعْرِضُ هَذَا
وَيُعْرِضُ هَذَا وَخَيْرُهُمَا الَّذِي يَبْدَأُ بِالسَّلَامِ } .
وَأَخَذَ مِنْهُ الْعُلَمَاءُ أَنَّ السَّلَامَ يَرْفَعُ
إثْمَ الْهَجْرِ .
وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ بِإِسْنَادٍ عَلَى
شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ : { لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ
ثَلَاثٍ ، فَمَنْ هَجَرَ فَوْقَ ثَلَاثٍ فَمَاتَ دَخَلَ النَّارَ } .
وَأَبُو دَاوُد : { لَا يَحِلُّ لِمُؤْمِنٍ أَنْ
يَهْجُرَ مُؤْمِنًا فَوْقَ ثَلَاثٍ فَإِنْ
مَرَّتْ بِهِ ثَلَاثٌ فَلْيَلْقَهُ فَلْيُسَلِّمْ
عَلَيْهِ ، فَإِنْ رَدَّ عَلَيْهِ السَّلَامَ فَقَدْ اشْتَرَكَا فِي الْأَجْرِ ،
وَإِنْ لَمْ يَرُدَّ فَقَدْ بَاءَ بِالْإِثْمِ وَخَرَجَ الْمُسَلِّمُ مِنْ
الْهَجْرِ } .
وَمُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ : { تُعْرَضُ الْأَعْمَالُ فِي
كُلِّ اثْنَيْنِ وَخَمِيسٍ فَيَغْفِرُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ
لِكُلِّ امْرِئٍ لَا يُشْرِكُ بِاَللَّهِ شَيْئًا إلَّا امْرَأً كَانَتْ بَيْنَهُ
وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ فَيَقُولُ : اُتْرُكُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا } .
وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ : { تُفْتَحُ أَبْوَابُ
الْجَنَّةِ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيسِ فَيَغْفِرُ اللَّهُ لِكُلِّ عَبْدٍ
لَا يُشْرِكُ بِاَللَّهِ شَيْئًا إلَّا رَجُلًا كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ
فَيُقَالُ : أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا ، أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى
يَصْطَلِحَا أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا } .
وَالطَّبَرَانِيُّ : { تُنْسَخُ دَوَاوِينُ أَهْلِ الْأَرْضِ
فِي دَوَاوِينِ أَهْلِ السَّمَاءِ فِي كُلِّ اثْنَيْنِ وَخَمِيسٍ فَيُغْفَرُ
لِكُلِّ مُسْلِمٍ لَا يُشْرِكُ بِاَللَّهِ شَيْئًا إلَّا رَجُلًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ
أَخِيهِ شَحْنَاءُ } .
وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ بِسَنَدٍ رُوَاتُهُ
ثِقَاتٌ : { تُعْرَضُ الْأَعْمَالُ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيسِ فَمِنْ
مُسْتَغْفِرٍ فَيُغْفَرُ لَهُ وَمِنْ تَائِبٍ فَيُتَابُ عَلَيْهِ وَيُرَدُّ أَهْلُ
الضَّغَائِنِ لِضَغَائِنِهِمْ -
أَيْ أَحْقَادِهِمْ - حَتَّى يَتُوبُوا } .
وَالطَّبَرَانِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ
وَالْبَيْهَقِيُّ : { يَطَّلِعُ اللَّهُ إلَى جَمِيعِ خَلْقِهِ لَيْلَةَ النِّصْفِ
مِنْ شَعْبَانَ فَيَغْفِرُ لِجَمِيعِ خَلْقِهِ إلَّا لِمُشْرِكٍ أَوْ مُشَاحِنٍ } .
وَالْبَزَّارُ وَالْبَيْهَقِيُّ بِنَحْوِهِ بِإِسْنَادٍ
لَا بَأْسَ بِهِ .
وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ { عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهَا قَالَتْ : دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فَوَضَعَ عَنْهُ ثَوْبَيْهِ ثُمَّ لَمْ يَسْتَتِمَّ أَنْ قَامَ
فَلَبِسَهُمَا فَأَخَذَتْنِي غَيْرَةٌ شَدِيدَةٌ ظَنَنْت أَنَّهُ يَأْتِي بَعْضَ
صُوَيْحِبَاتِي فَخَرَجْت أَتْبَعُهُ فَأَدْرَكْته بِالْبَقِيعِ الْغَرْقَدِ
يَسْتَغْفِرُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ
وَالشُّهَدَاءِ فَقُلْت بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي أَنْتَ فِي حَاجَةِ رَبِّك
وَأَنَا فِي حَاجَةِ الدُّنْيَا فَانْصَرَفَ فَدَخَلْت حُجْرَتِي وَلِي نَفَسٌ
عَالٍ وَلَحِقَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ :
مَا هَذَا النَّفَسُ يَا عَائِشَةُ ؟ فَقُلْت : بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي
أَتَيْتَنِي فَوَضَعْت عَنْك ثَوْبَيْك ثُمَّ لَمْ تَسْتَتِمَّ أَنْ قُمْت
فَلَبِسْتَهُمَا فَأَخَذَتْنِي غَيْرَةٌ شَدِيدَةٌ ظَنَنْت أَنَّك تَأْتِي بَعْضَ صُوَيْحِبَاتِي
، حَتَّى رَأَيْتُك بِالْبَقِيعِ تَصْنَعُ مَا تَصْنَعُ فَقَالَ يَا عَائِشَةُ إنْ
كُنْت تَخَافِينَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْك وَرَسُولُهُ ؟ أَتَانِي جِبْرِيلُ
عَلَيْهِ السَّلَامُ فَقَالَ هَذِهِ لَيْلَةُ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ وَلِلَّهِ
فِيهَا عُتَقَاءُ مِنْ النَّارِ بِعَدَدِ شُعُورِ غَنَمِ كَلْبٍ لَا يَنْظُرُ
اللَّهُ فِيهَا إلَى مُشْرِكٍ وَلَا إلَى مُشَاحِنٍ وَلَا إلَى قَاطِعِ رَحِمٍ
وَلَا إلَى مُسْبِلٍ - أَيْ إزَارَهُ - وَلَا إلَى عَاقٍّ لِوَالِدَيْهِ وَلَا
إلَى مُدْمِنِ خَمْرٍ قَالَتْ : ثُمَّ وَضَعَ عَنْهُ ثَوْبَيْهِ فَقَالَ لِي يَا عَائِشَةُ
أَتَأْذَنِينَ لِي فِي قِيَامِ هَذِهِ اللَّيْلَةِ ؟ قُلْت : نَعَمْ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي
فَقَامَ فَسَجَدَ طَوِيلًا حَتَّى ظَنَنْت أَنَّهُ قَدْ قُبِضَ فَقُمْت
أَلْتَمِسُهُ وَوَضَعْت يَدِي عَلَى بَاطِنِ قَدَمَيْهِ فَتَحَرَّكَ فَفَرِحْت
وَسَمِعْته يَقُولُ فِي سُجُودِهِ
: أَعُوذُ بِعَفْوِك مِنْ عِقَابِك ، وَأَعُوذُ بِرِضَاك
مِنْ سَخَطِك ، وَأَعُوذُ بِك مِنْك جَلَّ وَجْهُك ، لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْك
أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْت عَلَى نَفْسِك فَلَمَّا أَصْبَحَ ذَكَرْتهنَّ لَهُ قَالَ : يَا عَائِشَةُ
تَعَلَّمِيهُنَّ وَعَلِّمِيهِنَّ فَإِنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ
عَلَّمَنِيهِنَّ وَأَمَرَنِي أَنْ أُرَدِّدَهُنَّ فِي السُّجُودِ } .
وَأَحْمَدُ بِإِسْنَادٍ لَيِّنٍ : { يَطَّلِعُ اللَّهُ عَزَّ
وَجَلَّ إلَى خَلْقِهِ لَيْلَةَ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ فَيَغْفِرُ لِعِبَادِهِ
إلَّا اثْنَيْنِ : مُشَاحِنٌ وَقَاتِلُ نَفْسٍ } .
وَالْبَيْهَقِيُّ وَقَالَ مُرْسَلٌ جَيِّدٌ : { فِي
لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ يَغْفِرُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ
لِأَهْلِ الْأَرْضِ إلَّا لِمُشْرِكٍ أَوْ مُشَاحِنٍ } .
وَالطَّبَرَانِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ
أَبِي ثَعْلَبَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ : { يَطَّلِعُ اللَّهُ إلَى عِبَادِهِ لَيْلَةَ النِّصْفِ مِنْ
شَعْبَانَ فَيَغْفِرُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَيُمْهِلُ الْكَافِرِينَ وَيَدَعُ أَهْلَ الْحِقْدِ
بِحِقْدِهِمْ حَتَّى يَدْعُوهُ
} .
وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ وَالْأَوْسَطِ مِنْ
رِوَايَةِ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ
.
وَاخْتُلِفَ فِي تَوْثِيقِهِ وَمَعَ ذَلِكَ حَدَّثَ
عَنْهُ النَّاسُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { ثَلَاثٌ مَنْ لَمْ يَكُنْ
فِيهِ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ فَإِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ لَهُ مَا سِوَى ذَلِكَ لِمَنْ
يَشَاءُ : مَنْ مَاتَ لَا يُشْرِكُ بِاَللَّهِ شَيْئًا ، وَلَمْ يَكُنْ سَاحِرًا يَتْبَعُ
السَّحَرَةَ ، وَلَمْ يَحْقِدْ عَلَى أَخِيهِ } .
وَالْبَيْهَقِيُّ وَقَالَ مُرْسَلٌ جَيِّدٌ عَنْ
عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ : { قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ اللَّيْلِ فَصَلَّى فَأَطَالَ السُّجُودَ حَتَّى
ظَنَنْت أَنَّهُ قَدْ قُبِضَ ، فَلَمَّا رَأَيْت ذَلِكَ قُمْت حَتَّى حَرَّكْت
إبْهَامَهُ فَتَحَرَّكَ فَرَجَعْت ، فَلَمَّا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ السُّجُودِ وَفَرَغَ
مِنْ صَلَاتِهِ قَالَ : يَا عَائِشَةُ أَوْ يَا حُمَيْرَاءُ ظَنَنْت أَنَّ
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ خَاسَ - أَيْ بِمُعْجَمَةٍ ثُمَّ مُهْمَلَةٍ :
أَيْ غَدَرَ بِك فَلَمْ يُوَفِّكِ حَقَّك - قُلْت : لَا وَاَللَّهِ يَا رَسُولَ
اللَّهِ وَلَكِنِّي ظَنَنْت أَنَّك قَدْ قُبِضْت لِطُولِ سُجُودِك ، فَقَالَ :
أَتَدْرِينَ أَيُّ لَيْلَةٍ هَذِهِ ؟ قُلْت : اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ ،
قَالَ : هَذِهِ لَيْلَةُ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ ، إنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ
يَطَّلِعُ عَلَى عِبَادِهِ فِي لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ فَيَغْفِرُ لِلْمُسْتَغْفِرَيْنِ
وَيَرْحَمُ الْمُسْتَرْحِمِينَ وَيُؤَخِّرُ أَهْلَ الْحِقْدِ كَمَا هُمْ } .
وَابْنُ مَاجَهْ : { ثَلَاثَةٌ لَا تُرْفَعُ صَلَاتُهُمْ
فَوْقَ رُءُوسِهِمْ شِبْرًا : رَجُلٌ
أَمَّ قَوْمًا وَهُمْ لَهُ كَارِهُونَ ، وَامْرَأَةٌ
بَاتَتْ وَزَوْجُهَا عَلَيْهَا سَاخِطٌ ، وَأَخَوَانِ مُتَصَارِمَانِ } .
وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ : { ثَلَاثَةٌ لَا
تُقْبَلُ لَهُمْ صَلَاةٌ } وَذَكَرَ نَحْوَهُ ، وَمَرَّ فِي مَبْحَثِ الْحَسَدِ أَوَّلَ
الْكِتَابِ حَدِيثُ { الْأَنْصَارِيِّ الَّذِي أَخْبَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَبَاتَ عِنْدَهُ عَبْدُ
اللَّهِ بْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا لِيَنْظُرَ عَمَلَهُ فَلَمْ يَرَ
لَهُ كَبِيرَ عَمَلٍ فَقَالَ لَهُ : مَا الَّذِي بَلَغَ بِك مَا قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ قَالَ : مَا هُوَ إلَّا مَا رَأَيْت غَيْرَ أَنِّي
لَا أَجِدُ فِي نَفْسِي لِأَحَدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ غِشًّا وَلَا أَحْسُدُ
أَحَدًا عَلَى خَيْرٍ أَعْطَاهُ اللَّهُ إيَّاهُ ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ :
هَذِهِ الَّتِي بَلَغْت بِك وَهِيَ الَّتِي لَا تُطِيقُ } .
تَنْبِيهٌ : عَدُّ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ هُوَ صَرِيحُ مَا
فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ مِنْ الْوَعِيدِ الشَّدِيدِ ، أَلَا تَرَى
إلَى قَوْلِهِ فِي أَوَّلِ الْأَحَادِيثِ وَمَا بَعْدَهُ : { لَمْ يَدْخُلَا
الْجَنَّةَ جَمِيعًا أَبَدًا } ، وَقَوْلُهُ : { فَهُوَ فِي النَّارِ } وَقَوْلُهُ
: { كَسَفْكِ دَمِهِ } .
وَقَوْلُهُ : { خَارِجًا مِنْ الْإِسْلَامِ حَتَّى
يَرْجِعَ } .
وَقَوْلُهُ :
{ فَمَاتَ دَخَلَ النَّارَ } وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا
مَرَّ ؛ وَأَمَّا قَوْلُ صَاحِبِ الْعُدَّةِ : إنَّ هَجْرَ الْمُسْلِمِ فَوْقَ
ثَلَاثٍ صَغِيرَةٌ فَهُوَ بَعِيدٌ جِدًّا وَإِنْ سَكَتَ عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ ، ثُمَّ
رَأَيْت بَعْضَهُمْ جَزَمَ بِأَنَّ الْهِجْرَةَ الْمَذْكُورَةَ كَبِيرَةٌ وَلَمْ
يَلْتَفِتْ إلَى مَقَالَةِ صَاحِبِ الْعُدَّةِ وَالزَّرْكَشِيِّ وَقَالَ : مَا
ذَكَرَهُ مِنْ كَوْنِ هَجْرِ الْمُسْلِمِ فَوْقَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ
الصَّغَائِرِ فِيهِ نَظَرٌ ، وَالْأَشْبَهُ أَنَّهُ كَبِيرَةٌ لِمَا فِيهِ مِنْ
التَّقَاطُعِ وَالْإِيذَاءِ وَالْفَسَادِ إلَّا أَنْ يُقَالَ مَجِيءُ ذَلِكَ مِنْ
الْإِصْرَارِ عَلَيْهَا .
ا هـ
.
وَقَوْلُهُ " إلَّا " إلَخْ فِيهِ نَظَرٌ ،
وَلَئِنْ سَلَّمْنَاهُ فَهُوَ لَا يُنَافِي مَا قُلْنَاهُ إذْ غَايَةُ الْأَمْرِ
أَنَّ
مَعْنَى كَوْنِ ذَلِكَ كَبِيرَةً هَلْ هُوَ مَا فِيهِ
مِمَّا ذُكِرَ أَوْ الْإِصْرَارُ عَلَيْهِ فِي مُدَّةِ الثَّلَاثَةِ أَيَّامٍ ،
وَالْوَجْهُ الْأَوَّلُ .
إذْ الثَّلَاثَةُ قَيْدٌ لِأَصْلِ الْحُرْمَةِ ؛ لِأَنَّ
بِمُضِيِّهَا يَتَحَقَّقُ الْإِفْسَادُ وَالتَّقَاطُعُ بِخِلَافِهِ قَبْلَهَا
فَلَا إصْرَارَ هُنَا .
وَيُسْتَثْنَى مِنْ تَحْرِيمِ الْهَجْرِ كَمَا أَشَرْت
إلَيْهِ فِي التَّرْجَمَةِ مَسَائِلُ ذَكَرَهَا الْأَئِمَّةُ ، وَحَاصِلُهَا
أَنَّهُ مَتَى عَادَ إلَى صَلَاحِ دِينِ الْهَاجِرِ وَالْمَهْجُورِ جَازَ وَإِلَّا
فَلَا .
( الْكَبِيرَةُ التَّاسِعَةُ وَالسَّبْعُونَ بَعْدَ
الْمِائَتَيْنِ : خُرُوجُ الْمَرْأَةِ مِنْ بَيْتِهَا مُتَعَطِّرَةً مُتَزَيِّنَةً
وَلَوْ بِإِذْنِ الزَّوْجِ ) .
أَخْرَجَ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ
صَحِيحٌ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { كُلُّ عَيْنٍ
زَانِيَةٌ وَالْمَرْأَةُ إذَا اسْتَعْطَرَتْ فَمَرَّتْ بِالْمَجْلِسِ فَهِيَ كَذَا
وَكَذَا } يَعْنِي زَانِيَةَ .
وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ خُزَيْمَةَ وَابْنُ حِبَّانَ
فِي صَحِيحَيْهِمَا : { أَيُّمَا امْرَأَةٍ اسْتَعْطَرَتْ فَمَرَّتْ عَلَى قَوْمٍ
لِيَجِدُوا رِيحَهَا فَهِيَ زَانِيَةٌ وَكُلُّ عَيْنٍ زَانِيَةٌ } .
وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ .
وَصَحَّ عَلَى كَلَامٍ فِيهِ لَا يَضُرُّ : { أَنَّ
امْرَأَةً مَرَّتْ بِأَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَرِيحُهَا يَعْصِفُ
فَقَالَ لَهَا أَيْنَ تُرِيدِينَ يَا أَمَةَ الْجَبَّارِ ؟ قَالَتْ إلَى
الْمَسْجِدِ ؛ قَالَ وَتَطَيَّبْت لَهُ ؟ قَالَتْ : نَعَمْ .
قَالَ : فَارْجِعِي فَاغْتَسِلِي فَإِنِّي سَمِعْت
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : لَا يَقْبَلُ
اللَّهُ مِنْ امْرَأَةٍ خَرَجَتْ إلَى الْمَسْجِدِ لِصَلَاةٍ وَرِيحُهَا يَعْصِفُ
حَتَّى تَرْجِعَ فَتَغْتَسِلَ }
.
وَاحْتَجَّ بِهِ ابْنُ خُزَيْمَةَ إنْ صَحَّ .
وَقَدْ عَلِمْت أَنَّهُ صَحَّ عَلَى إيجَابِ الْغُسْلِ
عَلَيْهَا وَنَفْيِ قَبُولِ صَلَاتِهَا إنْ صَلَّتْ قَبْلَ أَنْ تَغْتَسِلَ ،
وَلَيْسَ الْمُرَادُ خُصُوصَ الْغُسْلِ بَلْ إذْهَابُ رَائِحَتِهَا .
وَابْنُ مَاجَهْ : { بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسٌ فِي الْمَسْجِدِ دَخَلَتْ امْرَأَةٌ مِنْ
مُزَيْنَةَ تَرْفُلُ فِي زِينَةٍ لَهَا فِي الْمَسْجِدِ ، فَقَالَ النَّبِيُّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : يَا أَيُّهَا النَّاسُ انْهَوْا نِسَاءَكُمْ
عَنْ لُبْسِ الزِّينَةِ وَالتَّبَخْتُرِ فِي الْمَسْجِدِ ، فَإِنَّ بَنِي
إسْرَائِيلَ لَمْ يُلْعَنُوا حَتَّى لَبِسَ نِسَاؤُهُمْ الزِّينَةَ وَتَبَخْتَرْنَ
فِي الْمَسْجِدِ } .
تَنْبِيهٌ : عَدُّ هَذَا هُوَ صَرِيحُ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ
، وَيَنْبَغِي حَمْلُهُ لِيُوَافِقَ قَوَاعِدَنَا عَلَى مَا إذَا تَحَقَّقَتْ الْفِتْنَةُ
، أَمَّا مَعَ مُجَرَّدِ خَشْيَتِهَا
فَهُوَ مَكْرُوهٌ أَوْ مَعَ ظَنِّهَا فَهُوَ حَرَامٌ
غَيْرُ كَبِيرَةٍ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ
.
( الْكَبِيرَةُ الثَّمَانُونَ بَعْدَ الْمِائَتَيْنِ :
نُشُوزُ الْمَرْأَةِ بِنَحْوِ خُرُوجِهَا مِنْ مَنْزِلِهَا بِغَيْرِ إذْنِ
زَوْجِهَا وَرِضَاهُ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ شَرْعِيَّةٍ كَاسْتِفْتَاءٍ لَمْ
يَكْفِهَا إيَّاهُ أَوْ خَشْيَةٍ كَأَنْ خَشِيَتْ فَجَرَةً أَوْ نَحْوَ انْهِدَامِ
مَنْزِلِهَا ) .
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى
النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا
مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا
حَفِظَ اللَّهُ وَاَللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ
وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا
تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا } لَمَّا
تَكَلَّمَ النِّسَاءُ فِي تَفْضِيلِ الرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ فِي الْمِيرَاثِ
وَغَيْرِهِ وَأُجِبْنَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ
اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ
} إلَخْ
.
بَيَّنَ اللَّهُ - تَعَالَى - فِي هَذِهِ الْآيَةِ
أَنَّهُ إنَّمَا فَضَلَّهُمْ عَلَيْهِنَّ فِي ذَلِكَ لِأَنَّهُمْ قَوَّامُونَ عَلَيْهِنَّ
، فَالْجَمِيعُ وَإِنْ اشْتَرَكُوا فِي التَّمَتُّعِ لَكِنَّ اللَّهَ - تَعَالَى -
أَمَرَ الرِّجَالَ بِالْقِيَامِ عَلَى النِّسَاءِ بِإِصْلَاحِهِنَّ
وَتَأْدِيبِهِنَّ وَدَفْعِ النَّفَقَةِ وَالْمَهْرِ إلَيْهِنَّ .
إذْ الْقَوَّامُ الْأَبْلَغُ مِنْ الْقَيِّمِ هُوَ الْقَائِمُ
بِأَتَمِّ الْمَصَالِحِ وَالتَّدْبِيرِ وَالتَّأْدِيبِ وَالِاهْتِمَامِ
بِالْحِفْظِ وَالتَّوَقِّي مِنْ الْآفَاتِ ، نَزَلَتْ فِي { سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ أَحَدِ
نُقَبَاءِ الْأَنْصَارِ ، نَشَزَتْ زَوْجَتُهُ فَلَطَمَهَا فَجَاءَ بِهَا أَبُوهَا
إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : افْتَرَشَتْهُ
كَرِيمَتِي فَلَطَمَهَا وَإِنَّ أَثَرَ اللَّطْمَةِ بِوَجْهِهَا فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : اقْتَصِّي مِنْهُ ، ثُمَّ قَالَ لَهَا :
اصْبِرِي حَتَّى انْتَظَرَ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ ، فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَرَدْنَا أَمْرًا وَأَرَادَ اللَّهُ - تَعَالَى - أَمْرًا
وَاَلَّذِي أَرَادَ اللَّهُ خَيْرٌ
} ، فَعُلِمَ
أَنَّ
فِي الْآيَةِ دَلِيلًا عَلَى أَنَّ الرَّجُلَ يُؤَدِّبُ
زَوْجَتَهُ وَأَنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُسِيءَ عِشْرَتَهَا كَمَا أَفْهَم
ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى { قَوَّامُونَ
} .
وَفِي قَوْله تَعَالَى : { وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ
أَمْوَالِهِمْ } دَلِيلٌ عَلَى انْتِفَاءِ قِوَامِيَّتِهِ بِانْتِفَاءِ إنْفَاقِهِ
لِإِعْسَارِهِ ، وَإِذَا انْتَفَتْ قِوَامِيَّتُهُ عَلَيْهَا فَلَهَا فَسْخُ
الْعَقْدِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ إلَّا أَبَا حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ
لِزَوَالِ الْمَقْصُودِ الَّذِي شُرِعَ لَهُ النِّكَاحُ ، وقَوْله تَعَالَى : {
فَنَظِرَةٌ إلَى مَيْسَرَةٍ } عَامٌّ مَخْصُوصٌ بِذَلِكَ وَغَيْرِهِ ، وَلَفْظُ
الْقُنُوتِ يُفِيدُ الطَّاعَةَ لِلَّهِ - تَعَالَى - وَلِلْأَزْوَاجِ بِطَوَاعِيَتِهِمْ
فِي حُضُورِهِمْ وَحِفْظِهِمْ عِنْدَ غَيْبَتِهِمْ فِي مَالِهِمْ وَمَنْزِلِهِمْ
وَأَبْضَاعِهِنَّ عَنْ الزِّنَا لِئَلَّا يَلْتَحِقَ بِهِ الْعَارُ أَوْ وَلَدُ
غَيْرِهِ .
قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { مَا
اسْتَفَادَ الْمُؤْمِنُ بَعْدَ تَقْوَى اللَّهِ خَيْرًا لَهُ مِنْ زَوْجَةٍ
صَالِحَةٍ ، إنْ أَمَرَهَا أَطَاعَتْهُ وَإِنْ نَظَرَ إلَيْهَا سَرَّتْهُ ، وَإِنْ
أَقْسَمَ عَلَيْهَا أَبَرَّتْهُ ، وَإِنْ غَابَ عَنْهَا نَصَحَتْهُ فِي نَفْسِهَا
وَمَالِهِ } ، وَتَلَا هَذِهِ الْآيَةَ " .
ثُمَّ لَمَّا ذَكَرَ اللَّهُ - تَعَالَى - الصَّالِحَاتِ
وَبَيَّنَهُنَّ بِذِكْرِ وَصْفَيْ الْقُنُوتِ وَالْحِفْظِ الشَّامِلَيْنِ لِكُلِّ
كَمَالٍ يَتَعَلَّقُ بِالدِّينِ وَالدُّنْيَا بِالنِّسْبَةِ إلَيْهَا وَإِلَى
الزَّوْجِ ذَكَرَ وَصْفَ غَيْرِ الصَّالِحَاتِ بِقَوْلِهِ : { وَاَللَّاتِي
تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ } وَالْخَوْفُ حَالَةٌ تَحْصُلُ فِي الْقَلْبِ عِنْدَ حُدُوثِ
أَمْرٍ مَكْرُوهٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ
.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : دَلَالَةٌ
تَكُونُ بِالْقَوْلِ كَأَنْ كَانَتْ تُلَبِّيهِ إذَا دَعَاهَا وَتَخْضَعُ لَهُ
بِالْقَوْلِ إذَا خَاطَبَهَا ثُمَّ تَغَيَّرَتْ ، وَبِالْفِعْلِ كَأَنْ كَانَتْ
تَقُومُ لَهُ إذَا دَخَلَ إلَيْهَا وَتُسَارِعُ إلَى أَمْرِهِ وَتُبَادِرُ إلَى
فِرَاشِهِ بِاسْتِبْشَارٍ إذَا لَمَسَهَا ثُمَّ تَغَيَّرَتْ فَهَذِهِ مُقَدِّمَاتٌ
تُوجِبُ خَوْفَ النُّشُوزِ ؛ فَأَمَّا
حَقِيقَةُ النُّشُوزِ فَهِيَ مَعْصِيَةٌ وَمُخَالَفَةٌ ،
مِنْ نَشَزَ إذَا ارْتَفَعَ فَكَأَنَّهَا بِهِ تَرَفَّعَتْ عَلَيْهِ .
وَقَالَ عَطَاءٌ : هُوَ أَنْ لَا تَتَعَطَّرَ لَهُ
وَتَمْنَعَهُ نَفْسَهَا وَتَتَغَيَّرَ عَمَّا كَانَتْ تَفْعَلُهُ مِنْ
الطَّوَاعِيَةِ ، وَالْوَعْظِ التَّخْوِيفِ بِالْعَوَاقِبِ كَأَنْ يَقُولَ لَهَا
اتَّقِي اللَّهَ فِي حَقِّي الْوَاجِبِ عَلَيْك وَاخْشِ سَطْوَةَ انْتِقَامِهِ ، وَلَهُ
أَنْ يَهْجُرَهَا فِي الْمَضْجَعِ بِأَنْ يُوَلِّيهَا ظَهْرَهُ فِي الْفِرَاشِ
وَلَا يُكَلِّمُهَا قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ أَوْ يَعْتَزِلُ عَنْهَا فِي فِرَاشٍ
آخَرَ كَمَا قَالَهُ غَيْرُهُ وَالْكُلُّ صَحِيحٌ ، وَالثَّانِي أَبْلَغُ فِي
الزَّجْرِ وَذَلِكَ لِأَنَّهَا إنْ أَحَبَّتْهُ شَقَّ عَلَيْهَا هَجْرُهُ
فَتَرْجِعُ عَنْ النُّشُوزِ أَوْ كَرِهَتْهُ فَقَدْ وَافَقَ غَرَضَهَا
فَيَتَحَقَّقُ نُشُوزُهَا حِينَئِذٍ
.
وَقِيلَ اُهْجُرُوهُنَّ مِنْ الْهَجْرِ بِضَمِّ الْهَاءِ
وَهُوَ الْقَبِيحُ مِنْ الْقَوْلِ ، أَيْ أَغْلِظُوا عَلَيْهِنَّ فِي الْقَوْلِ
وَضَاجِرُوهُنَّ لِلْجِمَاعِ وَغَيْرِهِ ، وَقِيلَ الْمُرَادُ بِهِ شِدُّوهُنَّ
وِثَاقًا فِي بُيُوتِهِنَّ مِنْ هَجَرَ الْبَعِيرَ أَيْ رَبَطَهُ بِالْهِجَارِ وَهُوَ
حَبْلٌ يُشَدُّ بِهِ الْبَعِيرُ ، وَهَذَا الْقَوْلُ فِي غَايَةِ الْبُعْدِ
وَالشُّذُوذِ وَإِنْ اخْتَارَهُ ابْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ ، وَمِنْ ثَمَّ قَالَ
أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ : لَهَا مِنْ هَفْوَةِ عَالِمٍ بِالْكِتَابِ
وَالسُّنَّةِ ، لَكِنَّ الْحَامِلَ لَهُ عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ حَدِيثٌ غَرِيبٌ
رَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ
الصِّدِّيقِ امْرَأَةِ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ .
قَالَ الْقُرْطُبِيُّ : وَهَذَا الْهَجْرُ غَايَتُهُ
عِنْدَ الْعُلَمَاءِ شَهْرٌ كَمَا فَعَلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
حِينَ أَسَرَّ إلَى حَفْصَةَ حَدِيثًا أَيْ تَحْرِيمَ مَارِيَةَ أَمَتِهِ النَّازِلُ
فِيهَا : { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَك }
فَأَفْشَتْهُ إلَى عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا .
ا هـ
.
وَكَأَنَّهُ أَرَادَ عُلَمَاءَ مَذْهَبِهِ .
أَمَّا عُلَمَاؤُنَا فَعِنْدَهُ مَا أَنَّهُ لَا غَايَةَ
لَهُ لِأَنَّهُ لِحَاجَةِ صَلَاحِهَا ، فَمَتَى لَمْ
تَصْلُحْ تُهْجَرُ ، وَإِنْ بَلَغَ سِنِينَ وَمَتَى صَلُحَتْ فَلَا هَجْرَ كَمَا
قَالَ تَعَالَى : { فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا } وَ
( فِي ) إمَّا ظَرْفٌ عَلَى بَابِهِ مُتَعَلِّقٌ بِاهْجُرُوهُنَّ : أَيْ اُتْرُكُوا
مُضَاجَعَتَهُنَّ أَيْ النَّوْمَ مَعَهُنَّ ، أَوْ لِلسَّبَبِيَّةِ أَيْ
اُهْجُرُوهُنَّ مِنْ أَجْلِ تَخَلُّفِهِنَّ عَنْ الْمُضَاجَعَةِ مَعَكُمْ ، قِيلَ
: وَهَذَا مُتَعَيَّنٌ ؛ لِأَنَّ فِي الْمَضَاجِعِ لَيْسَ ظَرْفًا لِلْهَجْرِ
وَإِنَّمَا هُوَ سَبَبٌ لَهُ .
ا هـ
.
وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الظَّرْفِيَّةُ هُنَا صَحِيحَةٌ
، وَالْهَجْرُ وَاقِعٌ فِيهَا ، وَقِيلَ هُوَ مُتَعَلِّقٌ بِنُشُوزِهِنَّ ،
وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ أَيْضًا مَعْنًى ؛ لِإِيهَامِهِ قَصْرَ النُّشُوزِ عَلَى
الْعِصْيَانِ فِي الْمَضْجَعِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ كَمَا مَرَّ وَلَا صِنَاعَةَ ؛
لِأَنَّ فِيهِ الْفَصْلَ بَيْنَ الْمَصْدَرِ وَمَعْمُولِهِ بِأَجْنَبِيٍّ ،
وَقِيلَ يُقَدَّرُ مَحْذُوفٌ بَعْدَ نُشُوزِهِنَّ : أَيْ وَاَللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ
وَنَشَزْنَ وَإِنَّمَا يَفِرُّ لِذَلِكَ مَنْ لَا يُجَوِّزُ الْإِقْدَامَ عَلَى
الْوَعْظِ وَالْهَجْرِ بِمُجَرَّدِ الْخَوْفِ وَمَذْهَبُنَا خِلَافُهُ ، عَلَى
أَنَّهُ قِيلَ إنَّ الْخَوْفَ هُنَا بِمَعْنَى الْيَقِينِ وَنُقِلَ عَنْ ابْنِ
عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، وَقِيلَ غَلَبَةُ الظَّنِّ كَافِيَةٌ فِي
ذَلِكَ وَاضْرِبُوهُنَّ أَيْ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ وَلَا شَائِنٍ .
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا : مِثْلُ
اللَّكْزَةِ وَقَالَ عَطَاءٌ ضَرْبٌ بِالسِّوَاكِ .
وَفِي الْحَدِيثِ النَّهْيُ عَنْ ضَرْبِ الْوَجْهِ وَلَا
تَضْرِبْ إلَّا فِي الْبَيْتِ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : يَكُونُ دُونَ الْأَرْبَعِينَ
لِأَنَّهَا أَقَلُّ حُدُودِ الْحُرِّ
.
وَقَالَ غَيْرُهُ دُونَ الْعِشْرِينَ ؛ لِأَنَّهُ حَدٌّ
كَامِلٌ فِي حَقِّ الْقِنِّ وَيُفَرِّقُهَا عَلَى بَدَنِهَا وَلَا يُوَالِيهِ فِي
مَوْضِعٍ لِئَلَّا يَعْظُمَ ضَرَرُهُ وَيَتَّقِي الْوَجْهَ وَالْمَقَاتِلَ .
قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ : يَكُونُ بِمِنْدِيلٍ
مَلْوِيٍّ أَوْ بِيَدِهِ لَا بِسَوْطٍ وَلَا بِعَصًا ، وَكَأَنَّ قَائِلَ ذَلِكَ
أَخَذَهُ مِمَّا
مَرَّ عَنْ عَطَاءٍ .
وَبِالْجُمْلَةِ : فَالتَّخْفِيفُ يُرَاعَى فِي هَذَا
الْبَابِ ، وَمِنْ ثَمَّ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : تَرْكُ
الضَّرْبِ بِالْكُلِّيَّةِ أَفْضَلُ
.
وَاخْتَلَفُوا فِي هَذِهِ الثَّلَاثَةِ هَلْ هِيَ عَلَى التَّرْتِيبِ
أَمْ لَا ؟ قَالَ عَلِيٌّ - كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ - : يَعِظُهَا بِلِسَانِهِ فَإِنْ
أَبَتْ هَجَرَهَا فِي الْمَضْجَعِ فَإِنْ أَبَتْ ضَرَبَهَا فَإِنْ لَمْ تَتَّعِظْ
بِالضَّرْبِ بَعَثَ الْحَكَمَ .
وَقَالَ آخَرُونَ : هَذَا التَّرْتِيبُ مُرَاعًى عِنْدَ
خَوْفِ النُّشُوزِ ، أَمَّا عِنْدَ تَحَقُّقِهِ فَلَا بَأْسَ الْجَمْعُ بَيْنَ
الْكُلِّ ، وَمَعْنَى " لَا تَبْغُوا " أَيْ لَا تَطْلُبُوا عَلَيْهِنَّ
سَبِيلًا أَيْ لَا تُكَلِّفُوهُنَّ مَحَبَّتَكُمْ فَإِنَّ الْقَلْبَ لَيْسَ بِأَيْدِيهِنَّ
، قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ ، وَالْأَوْلَى تَفْسِيرُهُ بِأَعَمَّ مِنْ ذَلِكَ :
أَيْ لَا تَطْلُبُوا مِنْهُنَّ مَا لَا يَلْزَمُهُنَّ شَرْعًا بَلْ اُتْرُكُوهُنَّ
إلَى خِيرَتِهِنَّ فَإِنَّهُنَّ جُبِلْنَ طَبْعًا عَلَى التَّبَرُّعِ بِكَثِيرٍ
مِنْ الْحُقُوقِ وَالْخِدْمَةِ الَّتِي لَا تَلْزَمُهُنَّ ، وَخَتَمَ الْآيَةَ
بِذَيْنِك الِاسْمَيْنِ فِي تَمَامِ الْمُنَاسَبَةِ ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُمَا
أَنَّهُ - تَعَالَى - مَعَ عُلُوِّهِ وَكِبْرِيَائِهِ لَمْ يُكَلِّفْ عِبَادَهُ مَا لَا
يُطِيقُونَهُ إذْ لَا يُؤَاخَذُ الْعَاصِي إذَا تَابَ فَأَنْتُمْ أَوْلَى أَنْ لَا
تُكَلِّفُوهُنَّ مَا لَا يُطِقْنَ وَأَنْ تَقْبَلُوا تَوْبَتَهُنَّ عَنْ
نُشُوزِهِنَّ .
وَقِيلَ : إنَّهُنَّ إنْ ضَعُفْنَ عَنْ دَفْعِ
ظُلْمِكُمْ فَاَللَّهُ عَلِيٌّ كَبِيرٌ قَادِرٌ يَنْتَصِفُ لَهُنَّ مِنْكُمْ .
وَمَرَّ آنِفًا فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ
الْوَعِيدُ الشَّدِيدُ عَلَى بَعْضِ صُوَرِ النُّشُوزِ ، وَيُقَاسُ بِهِ بَاقِيهَا
، فَمِنْ ذَلِكَ حَدِيثُ الصَّحِيحَيْنِ : { إذَا دَعَا الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ
إلَى فِرَاشِهِ فَلَمْ تَأْتِهِ فَبَاتَ غَضْبَانَ عَلَيْهَا لَعَنَتْهَا الْمَلَائِكَةُ
حَتَّى تُصْبِحَ } .
وَفِي رِوَايَةٍ لَهُمَا وَلِلنَّسَائِيِّ : { إذَا
بَاتَتْ الْمَرْأَةُ هَاجِرَةً فِرَاشَ زَوْجِهَا لَعَنَتْهَا الْمَلَائِكَةُ
حَتَّى تُصْبِحَ } .
وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ : { مَا مِنْ
رَجُلٍ يَدْعُو امْرَأَتَهُ إلَى فِرَاشِهَا فَتَأْبَى
إلَّا كَانَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ - أَيْ أَمْرُهُ وَسُلْطَانُهُ - سَاخِطًا
عَلَيْهَا حَتَّى يَرْضَى عَنْهَا زَوْجُهَا } .
وَمَرَّتْ الْأَحَادِيثُ فِي أَنَّ الَّتِي يَسْخَطُ
عَلَيْهَا زَوْجُهَا لَا تُقْبَلُ صَلَاتُهَا حَتَّى يَرْضَى عَنْهَا .
وَجَاءَ عَنْ { الْحَسَنِ أَنَّهُ قَالَ : حَدَّثَنِي
مَنْ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : أَوَّلُ مَا
تُسْأَلُ الْمَرْأَةُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَنْ صَلَاتِهَا وَعَنْ بَعْلِهَا } .
وَمَرَّ فِي خَبَرٍ لِلْبُخَارِيِّ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ
لَهَا أَنْ تَصُومَ وَزَوْجُهَا حَاضِرٌ إلَّا بِإِذْنِهِ ، وَلَا تَأْذَنُ فِي
بَيْتِهِ إلَّا بِإِذْنِهِ .
وَمَحَلُّهُ فِي صَوْمِ تَطَوُّعٍ أَوْ فَرْضٍ مُوَسَّعٌ
فَلَا تَصُومُهُ وَهُوَ حَاضِرٌ بِالْبَلْدَةِ ، وَإِنْ كَانَ لَهَا ضَرَّةٌ
وَهُوَ عِنْدَ ضَرَّتِهَا يَوْمَهَا كَمَا شَمِلَهُ كَلَامُهُمْ لِاحْتِمَالِ أَنْ
تَأْذَنَ لَهُ فِي الْمَجِيءِ إلَى عِنْدَهَا لِلتَّمَتُّعِ بِهَا حَتَّى يَأْذَنَ
لَهَا أَوْ تَعْلَمَ رِضَاهُ ، ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُرِيدُ التَّمَتُّعَ بِهَا
فَيَمْتَنِعُ مِنْهُ لِأَجْلِ صَوْمِهَا ، وَلَا نَظَرَ إلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ
وَطْؤُهَا وَإِفْسَادُهُ ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّ الْإِنْسَانَ يَهَابُ
إفْسَادَ الْعِبَادَةِ .
وَمَرَّ مِنْ الْأَحَادِيثِ الْمَذْكُورَةِ فِي وُجُوبِ طَاعَتِهِ
{ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوْ أَمَرَ أَحَدًا بِالسُّجُودِ
لِأَحَدٍ لَأَمَرَ الْمَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا لِعِظَمِ حَقِّهِ
عَلَيْهَا } .
{ وَذَكَرَتْ امْرَأَةٌ زَوْجَهَا إلَى النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : أَيْنَ أَنْتِ مِنْهُ ؟ فَإِنَّهُ
جَنَّتُك وَنَارُك } أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ .
وَمَرَّ خَبَرُ : { إنَّ اللَّهَ لَا يَنْظُرُ إلَى
امْرَأَةٍ لَا تَشْكُرُ لِزَوْجِهَا وَهِيَ لَا تَسْتَغْنِي عَنْهُ } .
وَجَاءَ فِي الْحَدِيثِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ : { أَنَّ
امْرَأَةً مِنْ خَثْعَمَ أَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فَقَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخْبِرْنِي مَا حَقُّ الزَّوْجِ عَلَى
الزَّوْجَةِ ؟ فَإِنِّي امْرَأَةٌ أَيِّمٌ فَإِنْ اسْتَطَعْت وَإِلَّا
جَلَسْت أَيِّمًا ؟ قَالَ : فَإِنَّ حَقَّ الزَّوْجِ
عَلَى زَوْجَتِهِ إنْ سَأَلَهَا نَفْسَهَا وَهِيَ عَلَى ظَهْرِ قَتَبٍ أَنْ لَا
تَمْنَعَهُ نَفْسَهَا ، وَمِنْ حَقِّ الزَّوْجِ عَلَى الزَّوْجَةِ أَنْ لَا
تَصُومَ تَطَوُّعًا إلَّا بِإِذْنِهِ فَإِنْ فَعَلَتْ جَاعَتْ وَعَطِشَتْ وَلَا يُقْبَلُ
مِنْهَا ، وَلَا تَخْرُجُ مِنْ بَيْتِهَا إلَّا بِإِذْنِهِ فَإِنْ فَعَلَتْ
لَعَنَتْهَا مَلَائِكَةُ السَّمَاءِ وَمَلَائِكَةُ الْأَرْضِ وَمَلَائِكَةُ
الرَّحْمَةِ وَمَلَائِكَةُ الْعَذَابِ حَتَّى تَرْجِعَ } ،
فَعُلِمَ أَنَّهُ يَجِبُ وُجُوبًا مُتَأَكَّدًا عَلَى الْمَرْأَةِ أَنْ تَتَحَرَّى
رِضَا زَوْجِهَا وَتَجْتَنِبَ سَخَطَهُ مَا أَمْكَنَ .
وَمِنْ ذَلِكَ أَنَّهَا لَا تَمْنَعُهُ مِنْ تَمَتُّعٍ
مُبَاحٍ بِخِلَافِ غَيْرِ الْمُبَاحِ كَوَطْءِ حَائِضٍ أَوْ نُفَسَاءَ قَبْلَ
الْغُسْلِ وَلَوْ بَعْدَ انْقِطَاعِ الدَّمِ عِنْدَ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ
رَحِمَهُ اللَّهُ .
وَيَنْبَغِي لَهَا أَنْ تَعْرِفَ أَنَّهَا
كَالْمَمْلُوكِ لِلزَّوْجِ فَلَا تَتَصَرَّفُ فِي شَيْءٍ مِنْ مَالِهِ إلَّا
بِإِذْنِهِ ، بَلَى قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ إنَّهَا لَا تَتَصَرَّفُ
أَيْضًا فِي مَالِهَا إلَّا بِإِذْنِهِ كَالْمَحْجُورَةِ لَهُ ، وَيَلْزَمُهَا
أَنْ تُقَدِّمَ حُقُوقَهُ عَلَى حُقُوقِ أَقَارِبِهَا بَلْ وَعَلَى حُقُوقِ نَفْسِهَا
فِي بَعْضِ الصُّوَرِ ، وَأَنْ تَكُونَ مُسْتَعِدَّةً لِتَمَتُّعِهِ بِهَا بِمَا
تَقْدِرُ عَلَيْهِ مِنْ أَسْبَابِ النَّظَافَةِ ، وَلَا تَفْتَخِرُ عَلَيْهِ
بِجَمَالِهَا وَلَا تَعِيبُهُ بِقَبِيحٍ فِيهِ .
قَالَ الْأَصْمَعِيُّ : " دَخَلْت الْبَادِيَةَ
فَإِذَا امْرَأَةٌ حَسْنَاءُ لَهَا بَعْلٌ قَبِيحٌ ، فَقُلْت لَهَا كَيْفَ
تَرْضِينَ لِنَفْسِك أَنْ تَكُونِي تَحْتَ هَذَا ؟ قَالَتْ اسْمَعْ يَا هَذَا :
لَعَلَّهُ أَحْسَنَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ خَالِقِهِ فَجَعَلَنِي ثَوَابَهُ ،
وَلَعَلِّي أَسَأْت فَجَعَلَهُ عُقُوبَتِي " .
وَقَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا : يَا
مَعْشَرَ النِّسَاءِ لَوْ تَعْلَمْنَ بِحَقِّ أَزْوَاجِكُنَّ عَلَيْكُنَّ
لَجَعَلَتْ الْمَرْأَةَ مِنْكُنَّ تَمْسَحُ الْغُبَارَ عَنْ قَدَمَيْ زَوْجِهَا
بِحُرِّ وَجْهِهَا .
وَفِي حَدِيثٍ : { أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِنِسَائِكُمْ فِي
الْجَنَّةِ ؟
قُلْنَا بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ ، قَالَ كُلُّ
وَدُودٍ وَلُودٍ إذَا أَغْضَبَتْ أَوْ أُسِيءَ إلَيْهَا أَوْ غَضِبَ زَوْجُهَا
قَالَتْ هَذِهِ يَدِي فِي يَدِك لَا أَكْتَحِلُ بِغَمْضٍ حَتَّى تَرْضَى } .
قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ : وَيَجِبُ عَلَى الْمَرْأَةِ
دَوَامُ الْحَيَاءِ مِنْ زَوْجِهَا وَغَضُّ طَرْفِهَا قُدَّامَهُ وَالطَّاعَةُ
لِأَمْرِهِ وَالسُّكُوتُ عِنْدَ كَلَامِهِ ، وَالْقِيَامُ عِنْدَ قُدُومِهِ
وَعِنْدَ خُرُوجِهِ وَعَرْضُ نَفْسِهَا عَلَيْهِ عِنْدَ النَّوْمِ وَتَرْكُ الْخِيَانَةِ
لَهُ عِنْدَ غَيْبَتِهِ فِي فِرَاشِهِ أَوْ مَالِهِ ، وَطِيبُ الرَّائِحَةِ لَهُ ،
وَتَعَاهُدُ الْفَمِ بِالسِّوَاكِ وَالطِّيبِ ، وَدَوَامُ الزِّينَةِ بِحَضْرَتِهِ
، وَتَرْكُهَا فِي غَيْبَتِهِ ، وَإِكْرَامُ أَهْلِهِ وَأَقَارِبِهِ وَتَرَى
الْقَلِيلَ مِنْهُ كَثِيرًا .
ا هـ
.
قَالَ :
وَيَنْبَغِي لِلْمَرْأَةِ الْخَائِفَةِ مِنْ اللَّهِ -
تَعَالَى - أَنْ تَجْتَهِدَ فِي طَاعَةِ اللَّهِ وَطَاعَةِ زَوْجِهَا وَتَطْلُبَ
رِضَاهُ جَهْدَهَا فَهُوَ جَنَّتُهَا وَنَارُهَا ؛ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ : { أَيُّمَا امْرَأَةٍ مَاتَتْ وَزَوْجُهَا عَنْهَا رَاضٍ دَخَلَتْ
الْجَنَّةَ } .
وَفِي الْحَدِيثِ أَيْضًا : { إذَا صَلَّتْ الْمَرْأَةُ
خَمْسَهَا وَصَامَتْ شَهْرَهَا وَحَفِظَتْ فَرْجَهَا وَأَطَاعَتْ زَوْجَهَا قِيلَ
لَهَا اُدْخُلِي الْجَنَّةَ مِنْ أَيِّ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ شِئْت } .
قَالَ : وَرُوِيَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فِي أَنَّهُ قَالَ : { يَسْتَغْفِرُ لِلْمَرْأَةِ الْمُطِيعَةِ
لِزَوْجِهَا الطَّيْرُ فِي الْهَوَاءِ وَالْحِيتَانُ فِي الْمَاءِ
وَالْمَلَائِكَةُ فِي السَّمَاءِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ مَا دَامَتْ فِي رِضَا
زَوْجِهَا ، وَأَيُّمَا امْرَأَةٍ عَصَتْ زَوْجَهَا فَعَلَيْهَا لَعْنَةُ اللَّهِ
وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ، وَأَيُّمَا امْرَأَةٍ كَلَحَتْ فِي
وَجْهِ زَوْجِهَا فَهِيَ فِي سَخَطِ اللَّهِ إلَى أَنْ تُضَاحِكَهُ
وَتَسْتَرْضِيَهُ ، وَأَيُّمَا امْرَأَةٍ خَرَجَتْ مِنْ دَارِهَا بِغَيْرِ إذْنِ
زَوْجِهَا لَعَنَتْهَا الْمَلَائِكَةُ حَتَّى تَرْجِعَ } .
وَجَاءَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أَيْضًا أَنَّهُ قَالَ : { أَرْبَعَةٌ مِنْ
النِّسَاءِ فِي الْجَنَّةِ وَأَرْبَعَةٌ فِي النَّارِ ،
وَذَكَرَ مِنْ الْأَرْبَعَةِ اللَّوَاتِي فِي الْجَنَّةِ امْرَأَةً عَفِيفَةً
طَائِعَةً لِلَّهِ وَلِزَوْجِهَا وَلُودًا صَابِرَةً قَانِعَةً بِالْيَسِيرِ مَعَ
زَوْجِهَا ذَاتَ حَيَاءٍ إنْ غَابَ عَنْهَا زَوْجُهَا حَفِظَتْ نَفْسَهَا
وَمَالَهُ ، وَإِنْ حَضَرَ أَمْسَكَتْ لِسَانَهَا عَنْهُ ، وَامْرَأَةً مَاتَ
عَنْهَا زَوْجُهَا وَلَهَا أَوْلَادٌ صِغَارٌ فَحَبَسَتْ نَفْسَهَا عَلَى أَوْلَادِهَا
وَرَبَّتْهُمْ وَأَحْسَنَتْ إلَيْهِمْ وَلَمْ تَتَزَوَّجْ خَشْيَةَ أَنْ يَضِيعُوا .
وَأَمَّا الْأَرْبَعَةُ اللَّوَاتِي فِي النَّارِ
فَامْرَأَةٌ بَذِيئَةُ اللِّسَانِ عَلَى زَوْجِهَا إنْ غَابَ عَنْهَا لَمْ تَصُنْ
نَفْسَهَا وَإِنْ حَضَرَ آذَتْهُ بِلِسَانِهَا ، وَامْرَأَةٌ تُكَلِّفُ زَوْجَهَا
مَا لَا يُطِيقُ ، وَامْرَأَةٌ لَا تَسْتُرُ نَفْسَهَا مِنْ الرِّجَالِ وَتَخْرُجُ
مِنْ بَيْتِهَا مُتَبَهْرِجَةً ، وَامْرَأَةٌ لَيْسَ لَهَا هَمٌّ إلَّا الْأَكْلُ وَالشُّرْبُ
وَالنَّوْمُ وَلَيْسَ لَهَا رَغْبَةٌ فِي صَلَاةٍ وَلَا فِي طَاعَةِ اللَّهِ وَلَا
طَاعَةِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا فِي طَاعَةِ زَوْجِهَا } .
فَالْمَرْأَةُ إذَا كَانَتْ بِهَذِهِ الصِّفَةِ كَانَتْ
مَلْعُونَةً مِنْ أَهْلِ النَّارِ إلَّا أَنْ تَتُوبَ ، وَلِذَلِكَ قَالَ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : {
اطَّلَعْت فِي النَّارِ فَرَأَيْت أَكْثَرَ أَهْلِهَا
النِّسَاءَ } ، وَذَلِكَ بِسَبَبِ قِلَّةِ
طَاعَتِهِنَّ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِأَزْوَاجِهِنَّ وَكَثْرَةِ
تَبَهْرُجِهِنَّ ، وَالتَّبَهْرُجُ هُوَ إذَا أَرَادَتْ الْخُرُوجَ مِنْ بَيْتِهَا
لَبِسَتْ أَفْخَرَ ثِيَابِهَا وَتَجَمَّلَتْ وَتَحَسَّنَتْ وَخَرَجَتْ تَفْتِنُ
النَّاسَ بِنَفْسِهَا ، فَإِنْ سَلِمَتْ فِي نَفْسِهَا لَمْ يَسْلَمْ النَّاسُ
مِنْهَا .
وَلِهَذَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : {
الْمَرْأَةُ عَوْرَةٌ فَإِذَا خَرَجَتْ مِنْ بَيْتِهَا اسْتَشْرَفَهَا الشَّيْطَانُ
وَأَقْرَبُ مَا تَكُونُ الْمَرْأَةُ مِنْ اللَّهِ - تَعَالَى - إذَا كَانَتْ فِي بَيْتِهَا } .
وَفِي الْحَدِيثِ أَيْضًا : { الْمَرْأَةُ عَوْرَةٌ فَاحْبِسُوهُنَّ
فِي الْبُيُوتِ فَإِنَّ الْمَرْأَةَ إذَا خَرَجَتْ لِلطَّرِيقِ قَالَ لَهَا
أَهْلُهَا أَيْنَ تُرِيدِينَ ؟ قَالَتْ أَعُودُ مَرِيضًا
أُشَيِّعُ جِنَازَةً فَلَا يَزَالُ بِهَا الشَّيْطَانُ حَتَّى تُخْرِجَ ذِرَاعَهَا
، وَمَا الْتَمَسَتْ الْمَرْأَةُ وَجْهَ اللَّهِ بِمِثْلِ أَنْ تَقْعُدَ فِي
بَيْتِهَا وَتَعْبُدَ رَبَّهَا وَتُطِيعَ بَعْلَهَا } .
وَقَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِزَوْجَتِهِ
فَاطِمَةَ بِنْتِ سَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَرَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا : مَا خَيْرُ لِلْمَرْأَةِ ؟ قَالَتْ أَنْ لَا تَرَى
الرِّجَالَ وَلَا يَرَوْهَا .
وَكَانَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ : أَلَا
تَسْتَحُونَ أَلَا تَغَارُونَ ؟ يَتْرُكُ أَحَدُكُمْ امْرَأَتَهُ تَخْرُجُ بَيْنَ
الرِّجَالِ تَنْظُرُ إلَيْهِمْ وَيَنْظُرُونَ إلَيْهَا .
{ وَكَانَتْ عَائِشَةُ وَحَفْصَةُ جَالِسَتَيْنِ عِنْدَ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَخَلَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ
الْأَعْمَى فَأَمَرَهُمَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
بِالِاحْتِجَابِ مِنْهُ ، فَقَالَتَا
: إنَّهُ أَعْمَى لَا يُبْصِرُنَا وَلَا يَعْرِفُنَا
فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفَعَمْيَاوَانِ أَنْتُمَا
أَلَسْتُمَا تُبْصِرَانِ } ، فَكَمَا يَجِبُ
عَلَى الرَّجُلِ أَنْ يَغُضَّ طَرْفَهُ عَنْ النِّسَاءِ كَذَلِكَ يَجِبُ عَلَى
الْمَرْأَةِ أَنْ تَغُضَّ طَرْفَهَا عَنْ الرِّجَالِ .
وَإِذَا اضْطَرَّتْ امْرَأَةٌ لِلْخُرُوجِ لِزِيَارَةِ
وَالِدٍ أَوْ حَمَّامٍ خَرَجَتْ بِإِذْنِ زَوْجِهَا غَيْرَ مُتَبَهْرِجَةٍ فِي مِلْحَفَةٍ
وَثِيَابٍ بَذْلَةٍ وَتَغُضُّ طَرْفَهَا فِي مِشْيَتِهَا وَلَا تَنْظُرُ يَمِينًا
وَلَا شِمَالًا وَإِلَّا كَانَتْ عَاصِيَةً .
وَمَاتَتْ مُتَبَهْرِجَةً فَرَآهَا بَعْضُ أَهْلِهَا فِي
النَّوْمِ وَقَدْ عُرِضَتْ عَلَى اللَّهِ فِي ثِيَابٍ رِقَاقٍ فَهَبَّتْ رِيحٌ
فَكَشَفَتْهَا فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَقَالَ خُذُوا بِهَا ذَاتَ الشِّمَالِ إلَى
النَّارِ فَإِنَّهَا كَانَتْ مِنْ الْمُتَبَهْرِجَاتِ فِي الدُّنْيَا .
{ وَقَالَ عَلِيٌّ - كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ - : دَخَلْت
عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَا وَفَاطِمَةُ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُمَا فَوَجَدْنَاهُ يَبْكِي بُكَاءً شَدِيدًا ، فَقُلْت : فِدَاك
أَبِي وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا
الَّذِي أَبْكَاك ؟ قَالَ : يَا عَلِيُّ لَيْلَةَ
أُسْرِيَ بِي إلَى السَّمَاءِ رَأَيْتُ نِسَاءً مِنْ أُمَّتِي يُعَذَّبْنَ
بِأَنْوَاعِ الْعَذَابِ فَبَكَيْت لِمَا رَأَيْت مِنْ شِدَّةِ عَذَابِهِنَّ ،
رَأَيْت امْرَأَةً مُعَلَّقَةً بِشَعْرِهَا يَغْلِي دِمَاغُهَا ، وَرَأَيْت
امْرَأَةً مُعَلَّقَةً بِلِسَانِهَا وَالْحَمِيمُ يُصَبُّ فِي حَلْقِهَا ،
وَرَأَيْت امْرَأَةً قَدْ شُدَّ رِجْلَاهَا إلَى ثَدْيَيْهَا وَيَدَاهَا إلَى
نَاصِيَتِهَا وَقَدْ سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهَا الْحَيَّاتِ وَالْعَقَارِبَ ،
وَرَأَيْت امْرَأَةً مُعَلَّقَةً بِثَدْيَيْهَا ، وَرَأَيْت امْرَأَةً رَأْسُهَا
بِرَأْسِ خِنْزِيرٍ وَبَدَنُهَا بَدَنَ حِمَارٍ وَعَلَيْهَا أَلْفُ أَلْفُ لَوْنٍ
مِنْ الْعَذَابِ ، وَرَأَيْت امْرَأَةً عَلَى صُورَةِ الْكَلْبِ وَالنَّارُ تَدْخُلُ
مِنْ فِيهَا وَتَخْرُجُ مِنْ دُبُرِهَا وَالْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ رَأْسَهَا
بِمَقَامِعَ مِنْ نَارٍ ، فَقَامَتْ فَاطِمَةُ الزَّهْرَاءُ رَضِيَ اللَّهُ
تَعَالَى عَنْهَا وَقَالَتْ : يَا حَبِيبِي وَقُرَّةَ عَيْنِي مَا كَانَ أَعْمَالُ
هَؤُلَاءِ حَتَّى وَقَعَ عَلَيْهِنَّ هَذَا الْعَذَابُ ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : يَا بُنَيَّةُ أَمَّا الْمُعَلَّقَةُ
بِشَعْرِهَا فَإِنَّهَا كَانَتْ لَا تُغَطِّي شَعْرَهَا مِنْ الرِّجَالِ ،
وَأَمَّا الْمُعَلَّقَةُ بِلِسَانِهَا فَإِنَّهَا كَانَتْ تُؤْذِي زَوْجَهَا ، وَأَمَّا
الْمُعَلَّقَةُ بِثَدْيَيْهَا فَإِنَّهَا كَانَتْ تُؤْذِي فِرَاشَ زَوْجِهَا ، وَأَمَّا
الَّتِي شُدَّ رِجْلَاهَا إلَى ثَدْيَيْهَا وَيَدَاهَا إلَى نَاصِيَتِهَا وَقَدْ
سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهَا الْحَيَّاتِ وَالْعَقَارِبَ فَإِنَّهَا كَانَتْ لَا
تَغْتَسِلُ مِنْ الْجَنَابَةِ وَالْحَيْضِ وَتَسْتَهْزِئُ بِالصَّلَاةِ ، وَأَمَّا
الَّتِي رَأْسُهَا رَأْسُ خِنْزِيرٍ وَبَدَنُهَا بَدَنُ حِمَارٍ فَإِنَّهَا
كَانَتْ نَمَّامَةً كَذَّابَةً ، وَأَمَّا الَّتِي عَلَى صُورَةِ الْكَلْبِ وَالنَّارُ
تَدْخُلُ مِنْ فِيهَا وَتَخْرُجُ مِنْ دُبُرِهَا فَإِنَّهَا كَانَتْ مَنَّانَةً
حَسَّادَةً .
يَا بُنَيَّةُ الْوَيْلُ لِامْرَأَةٍ تَعْصِي زَوْجَهَا } .
ا هـ مَا ذَكَرَهُ ذَلِكَ الْإِمَامُ وَالْعُهْدَةُ
عَلَيْهِ .
وَإِذَا أُمِرَتْ الزَّوْجَةُ بِبَذْلِ تَمَامِ
الطَّاعَةِ وَالِاسْتِرْضَاءِ لِزَوْجِهَا فَهُوَ
مَأْمُورٌ أَيْضًا بِالْإِحْسَانِ إلَيْهَا بِإِيصَالِهَا حَقَّهَا نَفَقَةً
وَمُؤْنَةً وَكِسْوَةً بِرِضًا وَطِيبِ نَفْسٍ وَلِينِ قَوْلٍ وَبِالصَّبْرِ عَلَى
نَحْوِ سُوءِ خُلُقِهَا .
وَمَرَّ فِي الْحَدِيثِ الْأَمْرُ بِالْوَصِيَّةِ
بِهِنَّ وَأَنَّهُنَّ عَوَانٌ أُخِذْنَ بِأَمَانَةِ اللَّهِ جَمْعُ عَانِيَةٍ وَهِيَ
الْأَسِيرَةُ ، شَبَّهَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَرْأَةَ
فِي دُخُولِهَا تَحْتَ حُكْمِ الرَّجُلِ وَقَهْرِهِ بِالْأَسِيرِ .
وَمَرَّ فِي الْحَدِيثِ : { خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ
لِأَهْلِهِ } .
وَفِي رِوَايَةٍ : { أَلْطَفُكُمْ بِأَهْلِهِ } .
وَكَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَدِيدَ
اللُّطْفِ بِالنِّسَاءِ ، قَالَ ذَلِكَ الْإِمَامُ بَعْدَ ذِكْرِهِ نَحْوَ ذَلِكَ .
وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
{ أَيُّمَا رَجُلٍ صَبَرَ عَلَى سُوءِ خُلُقِ امْرَأَتِهِ أَعْطَاهُ اللَّهُ مِنْ
الْأَجْرِ مِنْ مِثْلِ مَا أَعْطَى أَيُّوبَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ
عَلَى بَلَائِهِ ، وَأَيُّمَا امْرَأَةٍ صَبَرَتْ عَلَى سُوءِ خُلُقِ زَوْجِهَا أَعْطَاهَا
اللَّهُ مِنْ الْأَجْرِ مَا أَعْطَى آسِيَةَ بِنْتَ مُزَاحِمٍ امْرَأَةَ
فِرْعَوْنَ } .
وَرُوِيَ أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إلَى عُمَرَ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ لِيَشْكُوَ إلَيْهِ خُلُقَ زَوْجَتِهِ فَوَقَفَ بِبَابِهِ
يَنْتَظِرُهُ فَسَمِعَ امْرَأَتَهُ تَسْتَطِيلُ عَلَيْهِ بِلِسَانِهَا وَهُوَ
سَاكِتٌ لَا يَرُدُّ عَلَيْهَا فَانْصَرَفَ قَائِلًا : إذَا كَانَ هَذَا حَالَ أَمِيرِ
الْمُؤْمِنِينَ فَكَيْفَ حَالِي ، فَخَرَجَ عُمَرُ فَرَآهُ مُوَلِّيًا فَنَادَاهُ
مَا حَاجَتُك ؟ فَقَالَ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ جِئْت أَشْكُو إلَيْك خُلُقَ
زَوْجَتِي وَاسْتِطَالَتَهَا عَلَيَّ فَسَمِعْت زَوْجَتَك كَذَلِكَ فَرَجَعْت وَقُلْت
: إذَا
كَانَ هَذَا حَالَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ مَعَ زَوْجَتِهِ فَكَيْفَ حَالِي ؟
فَقَالَ لَهُ عُمَرُ : يَا أَخِي إنِّي احْتَمَلْتُهَا لِحُقُوقٍ لَهَا عَلَيَّ ،
إنَّهَا طَبَّاخَةٌ لِطَعَامِي خَبَّازَةٌ لِخُبْزِي غَسَّالَةٌ لِثِيَابِي
مُرْضِعَةٌ لِوَلَدِي وَلَيْسَ ذَلِكَ بِوَاجِبٍ عَلَيْهَا وَيَسْكُنُ قَلْبِي
بِهَا عَنْ الْحَرَامِ فَأَنَا
أَحْتَمِلُهَا لِذَلِكَ ، فَقَالَ الرَّجُلُ : يَا
أَمِيرَ الْمُومِنِينَ وَكَذَلِكَ زَوْجَتِي قَالَ : فَاحْتَمِلْهَا يَا أَخِي
فَإِنَّمَا هِيَ مُدَّةٌ يَسِيرَةٌ
.
وَكَانَ لِبَعْضِ الصَّالِحِينَ أَخٌ صَالِحٌ يَزُورُهُ كُلَّ
سَنَةٍ مَرَّةً ، فَجَاءَ مَرَّةً لِزِيَارَتِهِ فَطَرَقَ بَابَهُ فَقَالَتْ
زَوْجَتُهُ : مَنْ ؟ فَقَالَ : أَخُو زَوْجِك فِي اللَّهِ جَاءَ لِزِيَارَتِهِ
فَقَالَتْ ذَهَبَ يَحْتَطِبُ لَا رَدَّهُ اللَّهُ وَبَالَغَتْ فِي شَتْمِهِ
وَسَبِّهِ ، فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ وَإِذَا بِأَخِيهِ قَدْ حَمَّلَ الْأَسَدَ
حُزْمَةَ حَطَبٍ وَهُوَ مُقْبِلٌ بِهِ ، فَلَمَّا وَصَلَ سَلَّمَ عَلَيْهِ
وَرَحَّبَ بِهِ ، ثُمَّ أَنْزَلَ الْحَطَبَ عَنْ ظَهْرِ الْأَسَدِ وَقَالَ لَهُ :
اذْهَبْ بَارَكَ اللَّهُ فِيك ثُمَّ أَدْخَلَ أَخَاهُ وَهِيَ تَسُبُّهُ فَلَا
يُجِيبُهَا فَأَطْعَمَهُ ثُمَّ وَدَّعَهُ وَانْصَرَفَ عَلَى غَايَةِ التَّعَجُّبِ
مِنْ صَبْرِهِ عَلَيْهَا ثُمَّ جَاءَ فِي الْعَامِ الثَّانِي فَدَقَّ الْبَابَ فَقَالَتْ
امْرَأَةٌ : مَنْ ؟ قَالَ أَخُو زَوْجِك جَاءَ يَزُورُهُ .
قَالَتْ :
مَرْحَبًا وَبَالَغَتْ فِي الثَّنَاءِ عَلَيْهِمَا
وَأَمَرَتْهُ بِانْتِظَارِهِ ، فَجَاءَ أَخُوهُ وَالْحَطَبُ عَلَى ظَهْرِهِ
فَأَدْخَلَهُ وَأَطْعَمَهُ وَهِيَ تُبَالِغُ فِي الثَّنَاءِ عَلَيْهِمَا ،
فَلَمَّا أَرَادَ مُفَارَقَتَهُ سَأَلَهُ عَمَّا رَأَى مِنْ تِلْكَ وَمِنْ هَذِهِ وَمِنْ
حَمْلِ الْأَسَدِ حَطَبَهُ زَمَنَ تِلْكَ الْبَذِيئَةِ اللِّسَانِ الْقَلِيلَةِ
الْإِحْسَانِ ، وَحَمْلِهِ لَهُ عَلَى ظَهْرِهِ زَمَنَ هَذِهِ السَّهْلَةِ
اللَّيِّنَةِ الْمُثْنِيَةِ الْمُؤْمِنَةِ فَمَا السَّبَبُ ؟ قَالَ يَا أَخِي
تُوُفِّيَتْ تِلْكَ الشَّرِسَةُ وَكُنْت صَابِرًا عَلَى شُؤْمِهَا وَتَعَبِهَا
فَسَخَّرَ اللَّهُ - تَعَالَى - لِي الْأَسَدَ الَّذِي رَأَيْته يَحْمِلُ
الْحَطَبَ لِصَبْرِي عَلَيْهَا ، ثُمَّ تَزَوَّجْت هَذِهِ الصَّالِحَةَ وَأَنَا
فِي رَاحَةٍ مَعَهَا فَانْقَطَعَ عَنِّي الْأَسَدُ فَاحْتَجْت أَنْ أَحْمِلَ عَلَى
ظَهْرِي لِأَجْلِ رَاحَتِي مَعَ هَذِهِ الصَّالِحَةِ .
تَنْبِيهٌ : عَدُّ النُّشُوزِ كَبِيرَةً هُوَ مَا
صَرَّحَ بِهِ جَمْعٌ وَلَمْ يُرِدْ الشَّيْخَانِ بِقَوْلِهِمَا : امْتِنَاعُ
الْمَرْأَةِ مِنْ زَوْجِهَا بِلَا
سَبَبٍ كَبِيرَةٌ خُصُوصَةً ، بَلْ نَبَّهَا بِهِ عَلَى
سَائِرِ صُوَرِ النُّشُوزِ وَقَدَّمْت مَا يَشْمَلُهُ ، لَكِنْ لِمَا فِي هَذَا
مِمَّا بَسَطْته فِيهِ أَفْرَدْته بِالذِّكْرِ .
وَمَرَّ أَنَّ فِيهِ وَعِيدًا شَدِيدًا كَلَعْنِ
الْمَلَائِكَةِ لَهَا إذَا أَبَتْ مِنْ زَوْجِهَا بِلَا عُذْرٍ شَرْعِيٍّ .
قَالَ الْجَلَالُ الْبُلْقِينِيُّ : وَكَانَ شَيْخُ
الْإِسْلَامِ الْوَالِدُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَحْتَجُّ بِحَدِيثِ لَعْنِ
الْمَلَائِكَةِ عَلَى جَوَازِ لَعْنِ الْعَاصِي الْمُعَيَّنِ وَبَحَثْت مَعَهُ فِي
ذَلِكَ بِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ لَعْنُهُمْ لَهَا لَيْسَ بِالْخُصُوصِ بَلْ بِالْعُمُومِ
بِأَنْ يُقَالَ لَعَنَ اللَّهُ مَنْ بَاتَتْ مُهَاجِرَةً فِرَاشَ زَوْجِهَا .
بَابُ الطَّلَاقِ ( الْكَبِيرَةُ الْحَادِيَةُ وَالثَّمَانُونَ
بَعْدَ الْمِائَتَيْنِ : سُؤَالُ الْمَرْأَةِ زَوْجَهَا الطَّلَاقَ مِنْ غَيْرِ
بَأْسٍ ) .
أَخْرَجَ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ
وَابْنَا خُزَيْمَةَ وَحِبَّانَ فِي صَحِيحَيْهِمَا ، عَنْ ثَوْبَانَ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ
: { أَيُّمَا امْرَأَةٍ سَأَلَتْ زَوْجَهَا الطَّلَاقَ مِنْ غَيْرِ مَا بَأْسٍ
فَحَرَامٌ عَلَيْهَا رَائِحَةُ الْجَنَّةِ } .
وَالْبَيْهَقِيُّ فِي حَدِيثٍ قَالَ : { وَإِنَّ الْمُخْتَلِعَاتِ
هُنَّ الْمُنَافِقَاتُ ، وَمَا مِنْ امْرَأَةٍ تَسْأَلُ زَوْجَهَا الطَّلَاقَ مِنْ
غَيْرِ بَأْسٍ فَتَجِدُ رِيحَ الْجَنَّةِ أَوْ قَالَ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ } .
تَنْبِيهٌ : عَدُّ هَذَا كَبِيرَةً هُوَ صَرِيحُ هَذَا
الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ لِمَا فِيهِ مِنْ هَذَا الْوَعِيدِ الشَّدِيدِ ، لَكِنَّهُ
مُشْكِلٌ عَلَى قَوَاعِدِ مَذْهَبِنَا الْمُؤَيَّدَةِ بِقَوْلِهِ - تَعَالَى - : {
فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ } وَالشَّرْطُ قَبْلَهُ لَيْسَ لِلْجَوَازِ
بَلْ لِنَفْيِ كَرَاهِيَةِ الطَّلَاقِ ، وَبِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ : { خُذْ الْحَدِيقَةَ وَطَلِّقْهَا تَطْلِيقَةً } ، وَقَدْ يُجَابُ
بِحَمْلِ الْحَدِيثِ الدَّالِّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ كَبِيرَةٌ عَلَى مَا إذَا
أَلْجَأَتْهُ إلَى الطَّلَاقِ بِأَنْ تَفْعَلَ مَعَهُ مَا يُحْمَلُ عَلَيْهِ
عُرْفًا كَأَنْ أَلَحَّتْ عَلَيْهِ فِي طَلَبِهِ مَعَ عِلْمِهَا بِتَأَذِّيهِ بِهِ
تَأَذِّيًا شَدِيدًا ، وَلَيْسَ لَهَا عُذْرٌ شَرْعِيٌّ فِي طَلَبِهِ .
( الْكَبِيرَةُ الثَّانِيَةُ وَالثَّمَانُونَ
وَالثَّالِثَةُ وَالثَّمَانُونَ بَعْدَ الْمِائَتَيْنِ : الدِّيَاثَةُ
وَالْقِيَادَةُ بَيْنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ أَوْ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ
الْمُرْدِ ) .
عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : { ثَلَاثَةٌ لَا يَدْخُلُونَ
الْجَنَّةَ : الْعَاقُّ لِوَالِدَيْهِ وَالدَّيُّوثُ ، وَالرَّجُلَةُ مِنْ
النِّسَاءِ } رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ مِنْ طَرِيقَيْنِ :
إحْدَاهُمَا هَذِهِ ، وَالثَّانِيَةُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ ، وَصَحَّحَ الثَّانِيَةَ
، قَالَ : وَالْقَلْبُ إلَى الْأُولَى أَمْيَلُ ، وَقَالَ الذَّهَبِيُّ : إسْنَادُ الْحَدِيثِ
صَالِحٌ .
وَرَوَى أَحْمَدُ بِسَنَدٍ فِيهِ مَجْهُولٌ عَنْ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { ثَلَاثَةٌ حَرَّمَ اللَّهُ -
تَعَالَى - عَلَيْهِمْ الْجَنَّةَ : مُدْمِنُ الْخَمْرِ ، وَالْعَاقُّ
لِوَالِدَيْهِ ، وَالدَّيُّوثُ الَّذِي يُقِرُّ الْخَبَثَ فِي أَهْلِهِ } .
وَالنَّسَائِيُّ عَنْهُ أَيْضًا بِسَنَدٍ مُتَّصِلٍ
أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { ثَلَاثَةٌ لَا يَنْظُرُ
اللَّهُ إلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ : الْعَاقُّ لِوَالِدَيْهِ ، وَمُدْمِنُ
الْخَمْرِ ، وَالْمَنَّانُ عَطَاءَهُ ، وَثَلَاثَةٌ لَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ :
الْعَاقُّ لِوَالِدَيْهِ ، وَالدَّيُّوثُ ، وَالرَّجُلَةُ مِنْ النِّسَاءِ } .
وَأَحْمَدُ وَاللَّفْظُ لَهُ ، وَالنَّسَائِيُّ
وَالْبَزَّارُ وَالْحَاكِمُ ، وَقَالَ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ : { ثَلَاثَةٌ قَدْ
حَرَّمَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَلَيْهِمْ الْجَنَّةَ : مُدْمِنُ الْخَمْرِ
، وَالْعَاقُّ لِوَالِدَيْهِ ، وَالدَّيُّوثُ الَّذِي يُقِرُّ فِي أَهْلِهِ
الْخَبَثَ } .
وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ : { ثَلَاثَةٌ لَا يَدْخُلُونَ
الْجَنَّةَ وَلَا يَنْظُرُ اللَّهُ إلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ : الْعَاقُّ
لِوَالِدَيْهِ ، وَالْمَرْأَةُ الْمُتَرَجِّلَةُ الْمُتَشَبِّهَةُ بِالرِّجَالِ ،
وَالدَّيُّوثُ وَثَلَاثَةٌ لَا يَنْظُرُ اللَّهُ إلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ : الْعَاقُّ
لِوَالِدَيْهِ ، وَمُدْمِنُ الْخَمْرِ ، وَالْمَنَّانُ
بِمَا أَعْطَى } .
وَالطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ ، قَالَ الْحَافِظُ
الْمُنْذِرِيُّ : لَا أَعْلَمُ فِيهِ مَجْرُوحًا وَلَهُ شَوَاهِدُ كَثِيرَةٌ : {
ثَلَاثَةٌ لَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ أَبَدًا : الدَّيُّوثُ ، وَالرَّجُلَةُ مِنْ
النِّسَاءِ ، وَمُدْمِنُ الْخَمْرِ ، قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ : أَمَّا
مُدْمِنُ الْخَمْرِ فَقَدْ عَرَفْنَاهُ فَمَا الدَّيُّوثُ ؟ قَالَ : الَّذِي لَا يُبَالِي
مَنْ دَخَلَ عَلَى أَهْلِهِ ، قِيلَ : فَمَا الرَّجُلَةُ مِنْ النِّسَاءِ ؟ قَالَ
: الَّتِي تُشَبَّهُ بِالرِّجَالِ
} .
تَنْبِيهٌ
: عَدُّ هَذَيْنِ هُوَ مَا جَرَى عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ
وَغَيْرُهُمَا ، وَقَالَ الْعُلَمَاءُ : الدَّيُّوثُ الَّذِي لَا غَيْرَةَ لَهُ
عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ ، وَفِي الْجَوَاهِرِ : الدِّيَاثَةُ هِيَ الْجَمْعُ بَيْنَ
النَّاسِ وَاسْتِمَاعُ الْمَكْرُوهِ وَالْبَاطِلِ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : إذَا كَانَ
شَخْصٌ لَا يَعْرِفُ الْغِنَاءَ وَإِنَّمَا مَعَهُ مَنْ يُغَنِّي ثُمَّ يَمْضِي
بِهِ إلَى النَّاسِ فَهُوَ فَاسِقٌ وَهَذِهِ دِيَاثَةٌ .
انْتَهَى كَلَامُ الْجَوَاهِرِ ، وَحَدُّهُ
لِلدِّيَاثَةِ بِمَا ذَكَرَ غَيْرُ مَعْرُوفٍ وَإِنَّمَا الْمَعْرُوفُ مَا مَرَّ
عَنْ الْعُلَمَاءِ الْمُوَافِقُ لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ الْمَذْكُورِ آنِفًا .
وَأَمَّا كَلَامُ الشَّافِعِيِّ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى
أَنَّ هَذِهِ الْحَالَةَ تَلْحَقُ بِالدِّيَاثَةِ ، وَفِي لِسَانِ الْعَرَبِ :
وَالدَّيُّوثُ الْقَوَّادُ عَلَى أَهْلِهِ وَاَلَّذِي لَا يَغَارُ عَلَى أَهْلِهِ
وَالتَّدْثِيثُ الْقِيَادَةُ .
وَفِي الْمُحْكَمِ : الدَّيُّوثُ الَّذِي يَدْخُلُ الرِّجَالُ
عَلَى حَرَمِهِ بِحَيْثُ يَرَاهُمْ ، وَقَالَ ثَعْلَبُ : هُوَ الَّذِي يُؤْتَى
أَهْلُهُ وَهُوَ يَعْلَمُ وَأَصْلُ الْحَرْفِ بِالسُّرْيَانِيَّةِ وَعُرِّبَ .
انْتَهَى
.
أَيْ فَعَلَى هَذَا هُوَ سُرْيَانِيٌّ مُعَرَّبٌ ثُمَّ
عَلَى مَا قَالَهُ صَاحِبُ لِسَانِ الْعَرَبِ ثَانِيًا تَشْمَلُ الدِّيَاثَةُ
الْقِيَادَةَ وَهِيَ الْجَمْعُ بَيْنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ ، وَأَمَّا مَا
قَالَهُ أَوَّلًا فَخَصَّ فِيهِ الدِّيَاثَةَ بِالْقِيَادَةِ عَلَى الْأَهْلِ ،
وَاَلَّذِي جَرَى عَلَيْهِ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ الْمُغَايَرَةُ بَيْنَهُمَا وَتَبِعْتهمْ
فِي
التَّرْجَمَةِ .
وَعِبَارَةُ أَصْلِ الرَّوْضَةِ عَنْ التَّتِمَّةِ
الْقَوَّادُ مَنْ يَحْمِلُ الرِّجَالَ إلَى أَهْلِهِ وَيُخَلِّي بَيْنَهُمْ
وَبَيْنَ الْأَهْلِ ثُمَّ قَالَ وَيُشْبِهُ أَنْ لَا يَخْنَسَ بِالْأَهْلِ ، بَلْ
هُوَ الَّذِي يَجْمَعُ بَيْنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ فِي الْحَرَامِ ، ثُمَّ
حَكَى عَنْ التَّتِمَّةِ أَنَّ الدَّيُّوثَ مَنْ لَا يَمْنَعُ النَّاسَ الدُّخُولَ
عَلَى زَوْجَتِهِ ، وَعَنْ إبْرَاهِيمَ الْعَبَّادِيِّ أَنَّهُ الَّذِي يَشْتَرِي
جَارِيَةً تُغَنِّي لِلنَّاسِ انْتَهَتْ .
وَقَضِيَّتُهَا أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا فَرْقَ مَا
بَيْنَ الْعَامِّ وَالْخَاصِّ .
وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ : الدِّيَاثَةُ اسْتِحْسَانُ
الرَّجُلِ عَلَى أَهْلِهِ ، وَالْقِيَادَةُ اسْتِحْسَانُهُ عَلَى أَجْنَبِيَّةٍ .
انْتَهَى
.
وَالْحَاصِلُ : أَنَّ الِاسْمَ إنْ شَمِلَهُمَا
لِتَرَادُفِهِمَا فَالْأَحَادِيثُ السَّابِقَةُ نَصٌّ فِيهِمَا ، وَإِنْ لَمْ
يَشْمَلْهُمَا ، فَالْقِيَادَةُ مِنْ خَوَارِمِ الْمُرُوءَةِ لِظُهُورِ قِلَّةِ
اكْتِرَاثِ مُتَعَاطِيهَا بِمُرُوءَتِهِ ؛ لِأَنَّ حِفْظَ الْأَنْسَابِ مَطْلُوبٌ
شَرْعًا ، وَفِي الطِّبَاعِ الْبَشَرِيَّةِ مَا يَقْتَضِيهِ فَفَاعِلُ ذَلِكَ
مُخَالِفٌ لِلشَّرْعِ وَالطَّبْعِ وَفِيهَا إعَانَةٌ عَلَى الْحَرَامِ .
قَالَ الْجَلَالُ الْبُلْقِينِيُّ بَعْدَ ذِكْرِهِ
ذَلِكَ : فَهَذِهِ كَبِيرَةٌ بِلَا نِزَاعٍ وَمَفْسَدَتُهَا عَظِيمَةٌ ، قَالَ
بَعْضُهُمْ : وَلَا حَاجَةَ إلَى التَّقْيِيدِ بِكَوْنِهَا بَيْنَ الرِّجَالِ
وَالنِّسَاءِ بَلْ هِيَ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْمُرْدِ أَقْبَحُ .
بَابُ الرَّجْعَةِ ( الْكَبِيرَةُ الرَّابِعَةُ
وَالثَّمَانُونَ بَعْدَ الْمِائَتَيْنِ : وَطْءُ الرَّجْعِيَّةِ قَبْلَ
ارْتِجَاعِهَا مِمَّنْ يَعْتَقِدُ تَحْرِيمَهُ ) .
وَعَدُّ هَذَا كَبِيرَةً إذَا صَدَرَ مِنْ مُعْتَقِدِ
تَحْرِيمَهُ غَيْرُ بَعِيدٍ وَإِنْ لَمْ يَجِبْ فِيهِ حَدٌّ ، ؛ لِأَنَّ عَدَمَ
وُجُوبِهِ لِمَعْنًى هُوَ الشُّبْهَةُ وَهِيَ لِكَوْنِ الْحُدُودِ مَبْنِيَّةً
عَلَى الدَّرْءِ مَا أَمْكَنَ تُسْقِطُ الْحَدَّ وَلَا تَقْتَضِي خِفَّةَ
الْحُرْمَةِ ، أَلَا تَرَى أَنَّ وَطْءَ الْأَمَةِ الْمُشْتَرَكَةِ كَبِيرَةٌ
كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ وَلَا نَظَرَ لِكَوْنِ شُبْهَةِ الْمِلْكِ الَّذِي لَهُ فِيهَا
مُسْقِطَةً لِلْحَدِّ .
فَإِنْ قُلْت : جَرَى فِي وَطْءِ الرَّجْعِيَّةِ خِلَافٌ
فِي الْحِلِّ فَكَيْفَ يَكُونُ مَعَ ذَلِكَ كَبِيرَةً ؟ .
قُلْت :
لَيْسَ ذَلِكَ بِغَرِيبٍ فَإِنَّ النَّبِيذَ جَرَى
فِيمَا لَا يُسْكِرُ مِنْهُ خِلَافٌ وَمَعَ ذَلِكَ هُوَ كَبِيرَةٌ عِنْدَنَا كَمَا
يَأْتِي .
بَابُ الْإِيلَاءِ ( الْكَبِيرَةُ الْخَامِسَةُ
وَالثَّمَانُونَ بَعْدَ الْمِائَتَيْنِ : الْإِيلَاءُ مِنْ الزَّوْجَةِ بِأَنْ
يَحْلِفَ لَيَمْتَنِعَنَّ مِنْ وَطْئِهَا أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ ) .
وَعَدِّي لِهَذَا كَبِيرَةً غَيْرُ بَعِيدٍ ، وَإِنْ
لَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَهُ كَاَلَّذِي قَبْلَهُ ؛ لِأَنَّ فِيهِ مُضَارَّةً
عَظِيمَةً لِلزَّوْجَةِ ؛ لِأَنَّ صَبْرَهَا عَنْ الرَّجُلِ يَفْنَى بَعْدَ
الْأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ كَمَا قَالَتْهُ حَفْصَةُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ لِأَبِيهَا
عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَأَمَرَ أَنْ لَا يَغِيبَ أَحَدٌ عَنْ
زَوْجَتِهِ ذَلِكَ ، وَلِعَظِيمِ هَذِهِ الْمَضَرَّةِ أَبَاحَ الشَّارِعُ
لِلْقَاضِي إذَا لَمْ يَطَأْ الزَّوْجُ بَعْدَ الْأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ أَنْ
يُطَلِّقَ عَلَيْهِ طَلْقَةً وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ قَوْلَ أَئِمَّتِنَا : لَا
يَجِبُ عَلَى الرَّجُلِ وَطْءُ زَوْجَتِهِ ، وَلَوْ مَرَّةً وَاحِدَةً ؛ لِأَنَّهُمْ
اكْتَفَوْا فِي ذَلِكَ بِدَاعِيَةِ الطَّبْعِ إذْ الْمَرْأَةُ مَا دَامَ لَمْ يَقَعْ
حَلِفٌ هِيَ تَتَرَجَّى الْوَطْءَ فَلَا يَحْصُلُ لَهَا كَبِيرُ ضَرَرٍ بِخِلَافِ
مَا إذَا أَيِسَتْ كَمَا هُنَا ، وَكَمَا لَوْ تَحَقَّقَتْ عُنَّتَهُ فَإِنَّ
الشَّارِعَ مَكَّنَهَا مِنْ الْفَسْخِ عَلَيْهِ بِشَرْطٍ ، وَمَكَّنَ الْقَاضِي
هُنَا مِنْ الطَّلَاقِ عَلَيْهِ بِشَرْطِهِ دَفْعًا لِذَلِكَ الضَّرَرِ الْعَظِيمِ
عَنْهَا فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ .
بَابُ الظِّهَارِ ( الْكَبِيرَةُ السَّادِسَةُ وَالثَّمَانُونَ
بَعْدَ الْمِائَتَيْنِ : الظِّهَارُ ) قَالَ - تَعَالَى - : { الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ
مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتُهُمْ إنْ أُمَّهَاتُهُمْ إلَّا اللَّائِي
وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنْ الْقَوْلِ وَزُورًا وَإِنَّ
اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ } .
وَحِكْمَةُ { مِنْكُمْ } تَوْبِيخُ الْعَرَبِ
وَتَهَجُّنُ عَادَتِهِمْ فِي الظِّهَارِ ؛ لِأَنَّهُ كَانَ مِنْ أَيْمَانِ
الْجَاهِلِيَّةِ خَاصَّةً دُونَ سَائِرِ الْأُمَمِ { مَا هُنَّ أُمَّهَاتُهُمْ }
أَيْ مَا نِسَاؤُهُمْ بِأُمَّهَاتِهِمْ حَتَّى يُشَبِّهُونَهُنَّ بِهِنَّ ، إذْ
حَقِيقَةُ الظِّهَارِ أَنْ يَقُولَ لِزَوْجَتِهِ أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي
أَوْ نَحْوَهَا .
{ إنْ أُمَّهَاتُهُمْ إلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ }
أَيْ مَا أُمَّهَاتُهُمْ إلَّا وَالِدَاتُهُمْ أَوْ مَنْ فِي حُكْمِهِنَّ
كَالْمُرْضِعَةِ { وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنْ الْقَوْلِ وَزُورًا }
أَيْ شَيْءٌ مِنْ الْقَوْلِ مُنْكَرًا وَزُورًا : أَيْ بُهْتَانًا وَكَذِبًا إذْ الْمُنْكَرُ
مَا لَا يُعْرَفُ فِي الشَّرْعِ
.
وَالزُّورُ الْكَذِبُ { وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ }
إذْ جَعَلَ الْكَفَّارَةَ مُخَلِّصَةً لَهُمْ مِنْ هَذَا الْقَوْلِ الْمُنْكَرِ
وَالزُّورِ .
لَا يُقَالُ الْمُظَاهِرُ إنَّمَا شَبَّهَ زَوْجَتَهُ
بِنَحْوِ أُمِّهِ فَأَيُّ مُنْكَرٍ وَزُورٍ فِيهِ ؟ ؛ لِأَنَّا نَقُولُ إنْ قَصَدَ
بِهِ الْإِخْبَارَ فَوَاضِحٌ أَنَّهُ مُنْكَرٌ وَكَذِبٌ أَوْ الْإِنْشَاءَ
فَكَذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَهُ سَبَبًا لِلتَّحْرِيمِ ، وَالشَّرْعُ لَمْ
يَجْعَلْهُ كَذَلِكَ ، وَهَذَا غَايَةٌ فِي قُبْحِ الْمُخَالَفَةِ وَفُحْشِهَا ، وَمِنْ
ثَمَّ اُتُّجِهَ بِذَلِكَ كَوْنُ الظِّهَارِ كَبِيرَةً ؛ لِأَنَّ اللَّهَ -
تَعَالَى - سَمَّاهُ زُورًا ، وَالزُّورُ كَبِيرَةٌ كَمَا يَأْتِي .
وَيُوَافِقُ ذَلِكَ مَا نُقِلَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ
أَنَّ الظِّهَارَ مِنْ الْكَبَائِرِ
.
بَابُ اللِّعَانِ ( الْكَبِيرَةُ السَّابِعَةُ
وَالثَّامِنَةُ وَالثَّمَانُونَ بَعْدَ الْمِائَتَيْنِ : قَذْفُ الْمُحْصَنِ أَوْ
الْمُحْصَنَةِ بِزِنًا أَوْ لِوَاطٍ وَالسُّكُوتُ عَلَى ذَلِكَ ) .
قَالَ - تَعَالَى - : { وَاَلَّذِينَ يَرْمُونَ
الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ
ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمْ
الْفَاسِقُونَ إلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ
اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ } .
وَقَالَ -
تَعَالَى - : { إنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ
الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ
عَذَابٌ عَظِيمٌ يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ
بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمْ اللَّهُ دِينَهُمْ الْحَقَّ
وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ } أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ
الْمُرَادَ مِنْ الرَّمْيِ فِي الْآيَةِ الرَّمْيُ بِالزِّنَا وَهُوَ يَشْمَلُ
الرَّمْيَ بِاللِّوَاطِ كَيَا زَانِيَةُ أَوْ بَغِيَّةُ أَوْ قَحْبَةُ ، أَوْ
لِزَوْجِهَا كَيَا زَوْجَ الْقَحْبَةِ ، أَوْ لِوَلَدِهَا كَيَا وَلَدَ
الْقَحْبَةِ ، أَوْ لِبِنْتِهَا كَيَا بِنْتَ الزِّنَا ، فَهَذَا كُلُّهُ قَذْفٌ
لِلْأُمِّ ، أَوْ لِرَجُلٍ يَا زَانِي أَوْ مَنْكُوحُ .
قَالَ بَعْضُهُمْ : أَوْ يَقُولُ لَهُ يَا عِلْقُ .
انْتَهَى
.
وَكَأَنَّهُ أَخَذَ ذَلِكَ مِنْ شُهْرَةِ اسْتِعْمَالِ
ذَلِكَ فِي الْقَذْفِ وَالشُّهْرَةُ تُوجِبُ الصَّرَاحَةَ عَلَى مَا قَالَهُ جَمْعٌ
لَكِنَّ الْمُعْتَمَدَ خِلَافُهُ ، فَاَلَّذِي يُتَّجَهُ أَنَّ ذَلِكَ كِنَايَةٌ .
وقَوْله تَعَالَى : { الْمُحْصَنَاتِ } أَيْ الْأَنْفُسُ
الْمُحْصَنَاتُ فَيَعُمُّ الرِّجَالَ وَالنِّسَاءَ ، أَوْ التَّقْدِيرُ
وَالْمُحْصَنِينَ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى اسْتِوَاءِ حُكْمِ النَّوْعَيْنِ فِي
الْقَذْفِ ، وَالْمُرَادُ بِالْإِحْصَانِ هُنَا الْحُرِّيَّةُ وَالْإِسْلَامُ وَالْبُلُوغُ
وَالْعَقْلُ وَالْعِفَّةُ عَنْ وَطْءٍ يُحَدُّ بِهِ ، وَعَنْ وَطْءِ زَوْجَةٍ أَوْ
مَمْلُوكَةٍ فِي دُبُرِهَا ، فَمَنْ فَعَلَ وَطْئًا يُحَدُّ بِهِ أَوْ وَطِئَ
حَلِيلَتَهُ فِي دُبُرِهَا لَمْ يَجِبْ عَلَى
رَامِيهِ بِالزِّنَا حَدُّ الْقَذْفِ ، وَإِنْ تَابَ
وَصَلُحَ حَالُهُ ؛ لِأَنَّ الْعِرْضَ إذَا انْخَرَمَ لَا يَلْتَئِمُ خَرْقُهُ
أَبَدًا ، نَعَمْ قَذْفُهُ بِالزِّنَا أَوْ نَحْوُهُ كَبِيرَةٌ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ
يَأْتِي فِي النَّسَبِ .
وَعُلِمَ مِنْ قَوْله تَعَالَى : { ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا } إلَى آخِرِهِ
أَنَّ سَبَبَ الْحَدِّ هُنَا إنَّمَا هُوَ إظْهَارُ تَكْذِيبِهِ وَافْتِرَائِهِ ،
فَمَنْ ثَبَتَ صِدْقُهُ بِأَنْ أَقَامَ أَرْبَعَةَ شُهَدَاءَ عُدُولٍ .
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : يَكْفِي هُنَا الْفُسَّاقُ
يَشْهَدُونَ بِزِنَا الْمَقْذُوفِ أَوْ رَجُلَيْنِ بِإِقْرَارِهِ ، أَوْ اُدُّعِيَ
أَنَّهُ زَانٍ فَوُجِّهَتْ إلَيْهِ الْيَمِينُ أَنَّهُ لَمْ يَزْنِ فَرَدَّهَا
عَلَى الْقَاذِفِ فَحَلَفَ لَا حَدَّ عَلَيْهِ ، وَشَرْطُ الْحُرْمَةِ وَالْحَدِّ
أَنْ يَصْدُرَ الْقَذْفُ مِنْ بَالِغٍ عَاقِلٍ وَلَا يَتَكَرَّرُ الْحَدُّ
بِتَكَرُّرِ الْقَذْفِ مِرَارًا ، وَإِنْ اخْتَلَفَتْ كَزَنَيْت بِفُلَانَةَ ثُمَّ
قَالَ زَنَيْت بِأُخْرَى وَهَكَذَا ، نَعَمْ إنْ حُدَّ فَقَذَفَهُ بَعْدُ عُزِّرَ
وَقِيلَ يَتَعَدَّدُ الْحَدُّ بِالتَّعَدُّدِ مُطْلَقًا ؛ لِأَنَّهُ حَقُّ آدَمِيٍّ
فَلَا يَتَدَاخَلُ كَالدُّيُونِ ، وَإِذَا اخْتَلَّ شَرْطٌ مِنْ شُرُوطِ
الْإِحْصَانِ السَّابِقَةِ وَجَبَ التَّعْزِيرُ .
وَأَمَّا الْكَبِيرَةُ فَهِيَ بَاقِيَةٌ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ
نَظِيرُ مَا مَرَّ .
وَيُشْتَرَطُ فِي شُهُودِ الزِّنَا تَعَرُّضُهُمْ
لِلزَّانِي وَالْمَزْنِيِّ بِهِ ، إذْ قَدْ يَرَى عَلَى أُمِّهِ ابْنَهُ فَيَظُنُّ
أَنَّهُ زِنًا وَكَكَوْنِ ذَكَرِهِ فِي فَرْجِهَا وَيُنْدَبُ .
وَقَالَ جَمَاعَةٌ يَجِبُ أَنْ يَقُولُوا رَأَيْنَا
ذَكَرَهُ يَدْخُلُ فِي فَرْجِهَا دُخُولَ الْمِيلِ فِي الْمُكْحُلَةِ ، فَلَا
يَكْفِي قَوْلُهُمْ زَنَى فَقَطْ بِخِلَافِ الْقَاذِفِ يُحَدُّ بِقَوْلِهِ
لِغَيْرِهِ زَنَيْت وَلَا يَسْتَفْسِرُ ، وَلَوْ أَقَرَّ عَلَى نَفْسِهِ
بِالزِّنَا فَقِيلَ يَجِبُ اسْتِفْسَارُهُ كَالشُّهُودِ ، وَقِيلَ لَا يَجِبُ
كَمَا فِي الْقَذْفِ ، وَالْأَوَّلُ هُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَنَا ، وَفَارَقَ
الْقَذْفَ عَمَلًا بِالِاحْتِيَاطِ فِيهِمَا إذْ هُوَ فِي حَدِّ الْقَذْفِ عَدَمُ
تَوَقُّفِهِ عَلَى اسْتِفْسَارٍ مُبَالَغَةً فِي الزَّجْرِ عَنْهُ ؛
لِكَوْنِهِ حَقَّ آدَمِيٍّ ، وَفِي الْإِقْرَارِ
تَوَقُّفُهُ عَلَيْهِ مُبَالَغَةٌ فِي سَتْرِ هَذِهِ الْفَاحِشَةِ الَّتِي هِيَ
حَقُّ اللَّهِ - تَعَالَى - ، وَلَا فَرْقَ
عِنْدَنَا بَيْنَ شَهَادَتِهِمْ مُجْتَمَعِينَ أَوْ مُتَفَرِّقِينَ وَكَذَا عِنْدَ
أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ .
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : إنْ
تَفَرَّقُوا لَغَتْ شَهَادَتُهُمْ وَحُدُّوا ، حُجَّةُ الْأَوَّلَيْنِ أَنَّ
التَّفْرِيقَ أَبْعَدُ فِي التُّهْمَةِ وَأَبْلَغُ فِي ظُهُورِ الصِّدْقِ
لِانْتِفَاءِ احْتِمَالِ تَلَقُّفِ بَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ ، وَمِنْ ثَمَّ إذَا
ارْتَابَ الْقَاضِي فِي شُهُودٍ فَرَّقَ بَيْنَهُمْ ، وَأَيْضًا فَالتَّفْرِيقُ
لَا بُدَّ مِنْهُ ؛ لِأَنَّهُمْ وَإِنْ اجْتَمَعُوا عِنْدَ الْقَاضِي أَوْ
نَائِبِهِ تَقَدَّمُوا وَاحِدًا فَوَاحِدًا لِتَعَسُّرِ شَهَادَتِهِمْ مَعًا .
وَحُجَّتُهُ أَنَّ مَنْ شَهِدَ أَوَّلًا ثُمَّ ثَانِيًا
، وَهَكَذَا يَصْدُقُ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمْ أَنَّهُ قَذَفَ وَلَمْ يَأْتِ
بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَيُحَدُّ لِلْآيَةِ وَلَا أَثَرَ ؛ لِإِتْيَانِهِمْ
بِلَفْظِ الشَّهَادَةِ وَإِلَّا لَاُتُّخِذَ ذَرِيعَةً إلَى قَذْفِ الْمُسْلِمِينَ
، وَأَيْضًا فَلِأَنَّ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ شَهِدَ عَلَيْهِ
بِالزِّنَا أَرْبَعَةٌ عِنْدَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَبُو بَكْرَةَ ،
وَشِبْلُ بْنُ مَعْبَدٍ ، وَنَافِعٌ ، وَنُفَيْعٌ .
لَكِنْ قَالَ رَابِعُهُمْ رَأَيْت اسْتًا يَنْبُو
وَنَفَسًا يَعْلُو وَرِجْلَاهَا عَلَى عَاتِقَيْهِ كَأُذُنَيْ حِمَارٍ وَلَا
أَدْرِي مَا وَرَاءَ ذَلِكَ فَحَدَّ عُمَرُ الثَّلَاثَةَ وَلَمْ يَسْأَلْ هَلْ
مَعَهُمْ شَاهِدٌ رَابِعٌ فَلَوْ قَبِلَ بَعْدَ ذَلِكَ شَهَادَةَ غَيْرِهِمْ
لَتَوَقَّفَ أَدَاءُ الْحَدِّ عَلَيْهِ
.
وَبِمَا فِي هَذِهِ الْوَاقِعَةِ يُرَدُّ عَلَى مَنْ
قَالَ لَا حَدَّ عَلَيْهِمْ ، وَإِنْ لَمْ يَكْمُلْ النِّصَابُ ؛ لِأَنَّهُمْ
جَاءُوا مَجِيءَ الشُّهُودِ ، وَلِأَنَّهُمْ لَوْ حُدُّوا لَانْسَدَّ بَابُ
الشَّهَادَةِ عَلَى الزِّنَا ؛ لِأَنَّ كُلَّ أَحَدٍ لَا يَأْمَنُ أَنْ لَا
يُوَافِقَهُ صَاحِبُهُ فَيَلْزَمُهُ الْحَدُّ ، وَيُرَدُّ مَا عَلَّلَ بِهِ
بِأَنَّ الْقَصْدَ سَتْرُ هَذِهِ الْفَاحِشَةِ مَا أَمْكَنَ ، وَلِذَا تَمَيَّزَتْ
عَنْ سَائِرِ الْأَفْعَالِ وَالْأَقْوَالِ بِاشْتِرَاطِ
أَرْبَعَةٍ يَشْهَدُونَ بِهَا .
وقَوْله تَعَالَى : { فَاجْلِدُوهُمْ } الْمُرَادُ
مِنْهُ الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ ، وَكَذَا السَّيِّدُ فِي قِنِّهِ .
قَالَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ : أَوْ رَجُلٌ صَالِحٌ إذَا
فُقِدَ الْإِمَامُ وَمَذْهَبُنَا لَا يُوَافِقُ ذَلِكَ .
وَقَوْلُهُ -
عَزَّ وَجَلَّ - : { ثَمَانِينَ جَلْدَةً } مَحَلُّهُ
فِي كَامِلِ الْحُرِّيَّةِ فَغَيْرُهُ يُجْلَدُ أَرْبَعِينَ وَفِي غَيْرِ
الْوَالِدِ وَإِنْ عَلَا فَلَا يُحَدُّ بِقَذْفِ فَرْعِهِ كَمَا لَا يُقْتَلُ بِهِ
بَلْ يُعَزَّرُ ، وَكَذَا السَّيِّدُ مَعَ قِنِّهِ .
وَأَشَدُّ الْحُدُودِ حَدُّ الزِّنَا ، ثُمَّ الْقَذْفِ
، ثُمَّ الْخَمْرِ وَكَأَنَّهُمْ لَمْ يَذْكُرُوا حَدَّ الْكُفْرِ ؛ لِأَنَّ
الْكَلَامَ فِي حُدُودِ الْمُسْلِمِينَ ، وَلَا حَدَّ عَلَى قَاطِعِ الطَّرِيقِ ؛ لِأَنَّهُ
قَوَدٌ لَا حَدٌّ ، وَإِنْ وَجَبَ فِيهِ التَّحَتُّمُ الَّذِي هُوَ حَقُّ اللَّهِ
- تَعَالَى - .
وَوَجْهُ أَشَدِّيَّةِ الزِّنَا أَنَّهُ جِنَايَةٌ عَلَى
الْأَنْسَابِ الَّتِي هِيَ شَقَائِقُ النُّفُوسِ ، ثُمَّ الْقَذْفِ أَنَّهُ جِنَايَةٌ
عَلَى الْأَعْرَاضِ الْعَظِيمَةِ الرِّعَايَةِ عِنْدَ ذَوِي الْمُرُوآتِ مَعَ
تَمَحُّضِهَا لِحَقِّ الْآدَمِيِّ
.
وقَوْله تَعَالَى : { وَأُولَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ } فِيهِ أَشَدُّ
الْعُقُوبَةِ وَأَبْلَغُ الزَّجْرِ وَأَكْبَرُ الْمَقْتِ لِلْقَاذِفِينَ .
وَقَوْلُهُ - جَلَّ وَعَلَا - : { إلَّا الَّذِينَ
تَابُوا } إلَخْ اخْتَلَفُوا فِيهِ
.
فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
وَآخَرُونَ : إنَّهُ خَاصٌّ بِالْجُمْلَةِ الْأَخِيرَةِ وَهِيَ الْحُكْمُ
عَلَيْهِمْ بِالْفِسْقِ ، فَالْقَاذِفُ فَاسِقٌ إلَّا إنْ تَابَ ؛ وَأَمَّا رَدُّ
شَهَادَتِهِ فَهُوَ مُعَلَّقٌ عَلَى حَدِّهِ فَإِنْ حُدَّ فِي الْقَذْفِ لَمْ
تُقْبَلْ لَهُ بَعْدُ شَهَادَةٌ أَبَدًا .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَكْثَرُ الصَّحَابَةِ
وَالتَّابِعِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ : الِاسْتِثْنَاءُ رَاجِعٌ لِلْجَمِيعِ ،
فَمَتَى تَابَ الْقَاذِفُ تَوْبَةً صَحِيحَةً زَالَ فِسْقُهُ وَقُبِلَتْ
شَهَادَتُهُ .
فَمَعْنَى أَبَدًا : أَيْ مَا دَامَ قَاذِفًا : أَيْ
مُصِرًّا عَلَى قَذْفِهِ ، وَبِالتَّوْبَةِ زَالَ أَثَرُ
الْقَذْفِ فَزَالَ مَا تَرَتَّبَ عَلَيْهِ مِنْ رَدِّ
الشَّهَادَةِ .
وَقَوْلُ أَبِي حَيَّانَ : لَيْسَ ظَاهِرُ الْآيَةِ
يَقْتَضِي عَوْدَ الِاسْتِثْنَاءِ إلَى الْجُمَلِ الثَّلَاثَةِ بَلْ الظَّاهِرُ
هُوَ مَا يَعْضُدُهُ كَلَامُ الْعَرَبِ وَهُوَ الرُّجُوعُ إلَى الْأَخِيرَةِ مَمْنُوعٌ
بِإِطْلَاقِهِ ، بَلْ قَاعِدَةُ الْعَرَبِ الْمُقَرَّرَةُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ
فِي بَابِ الْوَقْفِ وَغَيْرِهِ : أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ وَالْوَصْفَ
وَنَحْوَهُمَا مِنْ الْمُتَعَلِّقَاتِ تَرْجِعُ إلَى جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَهَا ،
بَلْ وَإِلَى جَمِيعِ مَا تَأَخَّرَ مِنْهَا ، بَلْ قَالَ جَمْعٌ مِنْ
أَئِمَّتِنَا وَغَيْرِهِمْ لَوْ تَوَسَّطَتْ رَجَعَتْ إلَى الْكُلِّ أَيْضًا ؛
لِأَنَّهَا بِالنِّسْبَةِ لِمَا قَبْلَهَا مُتَأَخِّرَةٌ وَلِمَا بَعْدَهَا
مُتَقَدِّمَةٌ ، فَكَانَ الْقِيَاسُ فِي الْآيَةِ عَوْدَهُ إلَى الْجُمَلِ
الثَّلَاثَةِ .
لَكِنْ مَنَعَ مِنْ عَوْدِهِ إلَى الْأُولَى وَهِيَ {
فَاجْلِدُوهُمْ } مَانِعٌ هُوَ عَدَمُ سُقُوطِ حَدِّ الْقَذْفِ بِالتَّوْبَةِ ،
فَبَقِيَ رُجُوعُ الِاسْتِثْنَاءِ إلَى الْأُخْرَيَيْنِ ، وَهُمَا رَدُّ
الشَّهَادَةِ وَالْفِسْقُ ، وَمِنْ ثَمَّ جَاءَ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
أَنَّهُ قَالَ فِي قِصَّةِ الْمُغِيرَةِ السَّابِقَةِ : مَنْ أَكْذَبَ نَفْسَهُ
قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ فَأَكْذَبَ شِبْلٌ وَنَافِعٌ أَنْفُسَهُمَا فَكَانَ يَقْبَلُ
شَهَادَتَهُمَا عَلَى أَنَّ الشَّعْبِيَّ قَالَ بِرُجُوعِهِ إلَى الْأُولَى أَيْضًا .
فَقَالَ : إذَا تَابَ الْقَاذِفُ سَقَطَ الْحَدُّ عَنْهُ .
تَنْبِيهٌ :
مَنْ قَذَفَ آخَرَ بَيْنَ يَدَيْ حَاكِمٍ لَزِمَهُ أَنْ
يَبْعَثَ إلَيْهِ وَيُخْبِرَهُ بِهِ لِيُطَالِبَ بِهِ إنْ شَاءَ كَمَا لَوْ ثَبَتَ
عِنْدَهُ مَالٌ عَلَى آخَرَ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ يَلْزَمُهُ إعْلَامُهُ بِهِ ،
وَلَيْسَ لِلْإِمَامِ وَنَائِبِهِ إذَا رُمِيَ رَجُلٌ بِزِنًا أَنْ يُرْسِلَ
يَسْأَلُ عَنْ ذَلِكَ .
وقَوْله تَعَالَى : { الْغَافِلَاتِ } أَيْ عَنْ
الْفَاحِشَةِ بِأَنْ لَا يَقَعَ مِثْلُهَا مِنْهُنَّ فَهُوَ كِنَايَةٌ عَنْ
مَزِيدِ عِفَّتِهِنَّ وَطَهَارَتِهِنَّ ، وَهَذِهِ الْآيَةُ عَامَّةٌ وَإِنْ
نَزَلَتْ فِي عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا .
قَالَتْ : { رُمِيت وَأَنَا غَافِلَةٌ وَإِنَّمَا
بَلَغَنِي بَعْدَ ذَلِكَ ، فَبَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدِي إذْ أُوحِيَ إلَيْهِ فَقَالَ أَبْشِرِي
وَقَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ } وَقِيلَ هِيَ خَاصَّةٌ بِهَا ، وَقِيلَ بِأُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ
؛ لِأَنَّ تَوْبَةَ الْقَاذِفِ ذُكِرَتْ فِي الْآيَةِ الْأُولَى دُونَ هَذِهِ
فَلَا تَوْبَةَ فِيهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا
وَالْآخِرَةِ } وَهَذَا إنَّمَا يَكُونُ لِمُنَافِقٍ بَلْ كَافِرٍ لِقَوْلِهِ
تَعَالَى : { مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا } وَأَيْضًا فَشَهَادَةُ
الْأَلْسِنَةِ وَغَيْرِهَا تَكُونُ لِلْمُنَافِقِ وَالْكَافِرِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى
، { وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ } أَيْ
يُجْمَعُونَ { حَتَّى إذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ } الْآيَةَ .
وَأَجَابَ الْأَوَّلُونَ الْقَائِلُونَ بِالْعُمُومِ
بِأَنَّ هَذَا الْعِقَابَ كُلَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ لِقَاذِفِ عَائِشَةَ
وَغَيْرِهَا مِنْ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ وَغَيْرِهِنَّ ، إلَّا أَنَّهُ
مَشْرُوطٌ بِعَدَمِ التَّوْبَةِ لِلْعِلْمِ بِذَلِكَ مِنْ الْقَوَاعِدِ الْمُسْتَقِرَّةِ
إذْ الذَّنْبُ كُفْرًا كَانَ أَوْ فِسْقًا يُغْفَرُ بِالتَّوْبَةِ .
وقَوْله تَعَالَى : { يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ
أَلْسِنَتُهُمْ } إلَخْ .
هَذَا قَبْلَ أَنْ يُخْتَمَ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ
الْمَذْكُورُ فِي يس فِي قَوْله تَعَالَى : { الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى
أَفْوَاهِهِمْ } يُرْوَى أَنَّهُ يُخْتَمُ عَلَى الْأَفْوَاهِ وَالْأَرْجُلِ
فَتَتَكَلَّمُ الْأَيْدِي بِمَا عَمِلَتْ فِي الدُّنْيَا .
وَقِيلَ : تَشْهَدُ أَلْسِنَةُ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ
، وَمَعْنَى دِينَهُمْ الْحَقَّ جَزَاؤُهُمْ الْوَاجِبُ ، وَقِيلَ حِسَابُهُمْ
الْعَدْلُ { وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ } أَيْ الْمَوْجُودُ
وُجُودًا حَقِيقِيًّا لَا يَقْبَلُ زَوَالًا وَلَا انْتِقَالًا وَلَا ابْتِدَاءً
وَلَا انْتِهَاءً ، وَعِبَادَتُهُ هِيَ الْحَقُّ دُونَ عِبَادَةِ غَيْرِهِ {
الْمُبِينُ } أَيْ الْمُبِينُ وَالْمُظْهِرُ لَهُمْ مَا كَانُوا عَلَيْهِ وَمَا
يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ ثَوَابًا وَعِقَابًا ، وَسَيَأْتِي فِي الْكَبِيرَةِ
الْآتِيَةِ الْأَحَادِيثُ الشَّامِلَةُ لِهَذِهِ الْكَبِيرَةِ أَيْضًا .
رَوَى
الشَّيْخَانِ : { مَنْ قَذَفَ مَمْلُوكَهُ بِالزِّنَا
يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ كَمَا قَالَ } .
وَالْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَاعْتُرِضَ
بِأَنَّ فِيهِ مَتْرُوكًا : { أَيُّمَا عَبْدٍ أَوْ امْرَأَةٍ قَالَ أَوْ قَالَتْ
لِوَلِيدَتِهَا يَا زَانِيَةُ وَلَمْ تَطَّلِعْ مِنْهَا عَلَى زِنًا جَلَدَتْهَا
وَلِيدَتُهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ
} .
؛ لِأَنَّهُ
لَا حَدَّ لَهُنَّ فِي الدُّنْيَا
.
وَالشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ
وَاللَّفْظُ لَهُ : { مَنْ قَذَفَ مَمْلُوكَهُ بِالزِّنَا يُقَامُ عَلَيْهِ
الْحَدُّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ كَمَا قَالَ } .
قَالَ بَعْضُهُمْ : وَمَا عَمَّتْ بِهِ الْبَلْوَى قَوْلُ
الْإِنْسَانِ لِقِنِّهِ يَا مُخَنَّثُ أَوْ يَا قَحْبَةُ ، وَلِلصَّغِيرِ يَا
ابْنَ الْقَحْبَةِ يَا وَلَدَ الزِّنَا ، وَكُلُّ ذَلِكَ مِنْ الْكَبَائِرِ
الْمُوجِبَةِ لِلْعُقُوبَةِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ، وَرَوَى ابْنُ
مَرْدُوَيْهِ فِي تَفْسِيرِهِ بِسَنَدٍ فِيهِ ضَعِيفٌ : { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَ إلَى أَهْلِ الْيَمَنِ كِتَابًا فِيهِ الْفَرَائِضُ
وَالدِّيَاتُ وَبَعَثَ بِهِ عَمْرَو بْنَ حَزْمٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ
وَكَانَ فِي الْكِتَابِ : وَإِنَّ أَكْبَرَ الْكَبَائِرِ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ الْإِشْرَاكُ بِاَللَّهِ ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الْمُؤْمِنَةِ
بِغَيْرِ الْحَقِّ ، وَالْفِرَارُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَوْمَ الزَّحْفِ ،
وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ ، وَرَمْيُ الْمُحْصَنَةِ وَتَعَلُّمُ السِّحْرِ ،
وَأَكْلُ الرِّبَا ، وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ } .
وَجَاءَ فِي أَحَادِيثَ أُخَرَ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ فِي
الْكَبِيرَةِ وَغَيْرِهِ مِنْ عِدَّةِ طُرُقٍ وَأَبِي الْقَاسِمِ الْبَغَوِيِّ
وَعَبْدِ الرَّزَّاقِ فِيهَا التَّصْرِيحُ بِأَنَّ قَذْفَ الْمُحْصَنَةِ مِنْ
الْكَبَائِرِ .
وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ : { أَنَّ جَمَاعَةً مِنْ
الصَّحَابَةِ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ عَدُّوا بِحَضْرَتِهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَذْفَ الْمُحْصَنَةِ مِنْ الْكَبَائِرِ وَأَقَرَّهُمْ عَلَى
ذَلِكَ } .
وَرَوَى الْبَزَّارُ بِسَنَدٍ فِيهِ مَنْ وَثَّقَهُ
ابْنُ حِبَّانَ
وَغَيْرُهُ ، وَإِنْ ضَعَّفَهُ شُعْبَةُ وَغَيْرُهُ
أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { الْكَبَائِرُ أَوَّلُهُنَّ
الْإِشْرَاكُ بِاَللَّهِ وَقَتْلُ النَّفْسِ بِغَيْرِ حَقِّهَا ، وَأَكْلُ
الرِّبَا ، وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ ، وَفِرَارُ يَوْمِ الزَّحْفِ ، وَرَمْيُ
الْمُحْصَنَاتِ ، وَالِانْتِقَالُ إلَى الْأَعْرَابِ بَعْدَ هِجْرَتِهِ } .
وَعَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ اللَّيْثِيِّ عَنْ أَبِيهِ
: { أَنَّ رَجُلًا قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ : وَكَمْ الْكَبَائِرُ ؟ قَالَ
تِسْعٌ أَعْظَمُهُنَّ الْإِشْرَاكُ بِاَللَّهِ وَقَتْلُ الْمُؤْمِنِ بِغَيْرِ
حَقٍّ ، وَالْفِرَارُ مِنْ الزَّحْفِ ، وَقَذْفُ الْمُحْصَنَةِ ، وَالسِّحْرُ ، وَأَكْلُ
مَالِ الْيَتِيمِ وَأَكْلُ الرِّبَا } الْحَدِيثَ .
وَرَوَى الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ فِي عِدَّةِ أَمَاكِنَ
مِنْ صَحِيحِهِمَا ، وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { اجْتَنِبُوا
السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ ، قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا هُنَّ ؟ قَالَ
الْإِشْرَاكُ بِاَللَّهِ ، وَالسِّحْرُ وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ
اللَّهُ قَتْلَهَا إلَّا بِالْحَقِّ ، وَأَكْلُ الرِّبَا ، وَأَكْلُ مَالِ
الْيَتِيمِ ، وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ ، وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ
الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ }
.
وَرَوَى ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ : { إنَّ أَكْبَرَ
الْكَبَائِرِ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الْإِشْرَاكُ بِاَللَّهِ ،
وَقَتْلُ النَّفْسِ الْمُؤْمِنَةِ بِغَيْرِ الْحَقِّ ، وَالْفِرَارُ فِي سَبِيلِ
اللَّهِ يَوْمَ الزَّحْفِ ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ وَرَمْيُ الْمُحْصَنَةِ ، وَتَعَلُّمُ
السِّحْرِ } الْحَدِيثَ .
تَنْبِيهٌ : عَدُّ الْقَذْفِ هُوَ مَا اتَّفَقُوا
عَلَيْهِ لِمَا عَلِمْت مِنْ النَّصِّ فِي الْآيَتَيْنِ الْكَرِيمَتَيْنِ الْمُتَقَدِّمَتَيْنِ
عَلَى ذَلِكَ صَرِيحًا فِي الْأُولَى لِلنَّصِّ فِيهَا عَلَى أَنَّ ذَلِكَ فِسْقٌ
، وَضِمْنًا فِي الثَّانِيَةِ لِلنَّصِّ فِيهَا عَلَى أَنَّ ذَلِكَ يَلْعَنُ
اللَّهُ فَاعِلَهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ، وَهَذَا مِنْ أَقْبَحِ
الْوَعِيدِ وَأَشَدِّهِ ، وَعَدُّ السُّكُوتِ عَلَيْهِ هُوَ مَا ذَكَرَهُ
بَعْضُهُمْ وَهُوَ قِيَاسُ مَا مَرَّ فِي السُّكُوتِ
عَلَى الْغِيبَةِ بَلْ أَوْلَى وَتَقْيِيدِي فِي التَّرْجَمَةِ بِقَوْلِي بِزِنًا
أَوْ لِوَاطٍ هُوَ وَإِنْ ذَكَرَهُ أَبُو زُرْعَةَ فِي شَرْحِهِ لِجَمْعِ
الْجَوَامِعِ .
وَقَالَ غَيْرُهُ : إنَّهُ قَيَّدَهُ بِذَلِكَ مَعَ
ظُهُورِهِ ، لَكِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لَيْسَ شَرْطًا لِلْكَبِيرَةِ بَلْ
لِمَزِيدِ قُبْحِهَا وَفُحْشِهَا ، وَمِنْ ثَمَّ قَالَ شُرَيْحٌ الرُّويَانِيُّ
مِنْ أَصْحَابِنَا : وَالْقَذْفُ بِالْبَاطِلِ وَلَمْ يُخَصَّ بِزِنًا وَلَا بِلِوَاطٍ
، وَقَالَ هُوَ وَغَيْرُهُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ ،
وَبَعْضُهُمَا يَقُولُ وَقَذْفُ الْمُحْصَنِ وَالْكُلُّ صَحِيحٌ لِمَا مَرَّ
أَنَّهُمْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الذَّكَرِ
وَالْأُنْثَى .
وَفِي قَوَاعِدِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ : الظَّاهِرُ
أَنَّ مَنْ قَذَفَ مُحْصَنًا فِي خَلَوْتِهِ بِحَيْثُ لَا يَسْمَعُهُ إلَّا
اللَّهُ وَالْحَفَظَةُ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِكَبِيرَةٍ مُوجِبَةٍ لِلْحَدِّ ؛
لِانْتِفَاءِ الْمَفْسَدَةِ وَلَا يُعَاقَبُ عَلَيْهَا فِي الْآخِرَةِ عِقَابَ
الْمُجَاهِرِ بِذَلِكَ فِي وَجْهِ الْمَقْذُوفِ أَوْ فِي مَلَإٍ مِنْ النَّاسِ
بَلْ يُعَاقَبُ عِقَابَ الْكَاذِبِينَ غَيْرَ الْمُفْتَرِينَ .
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ فِي قُوَّتِهِ : وَمَا قَالَهُ
مُحْتَمَلٌ إذَا كَانَ صَادِقًا ، فَإِنْ كَانَ كَاذِبًا فَفِيهِ نَظَرٌ
لِلْجُرْأَةِ عَلَى اللَّهِ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - بِالْفُجُورِ .
وَقَالَ فِي تَوَسُّطِهِ : وَقَدْ يُفْهَمُ مِنْ
كَلَامِهِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ صَادِقًا فِي قَذْفِهِ فِي الْخَلْوَةِ : إنَّهُ لَا
يُعَاقَبُ عَلَيْهِ لِصِدْقِهِ وَهُوَ بَعِيدٌ ، ثُمَّ أَوْرَدَ عَلَى نَفْسِهِ
أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَبْلُغْ الْمَقْذُوفُ الْقَذْفَ الَّذِي جَهَرَ بِهِ لَزِمَهُ
الْحَدُّ مَعَ انْتِفَاءِ مَفْسَدَةِ التَّأَذِّي .
وَأَجَابَ بِأَنَّهُ لَوْ بَلَغَهُ لَكَانَ أَشَدَّ
عَلَيْهِ مِنْ الْقَذْفِ فِي الْخَلْوَةِ ، ثُمَّ قَالَ : وَأَمَّا قَذْفُهُ فِي
الْخَلْوَةِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ إجْرَائِهِ عَلَى لِسَانِهِ وَبَيْنَ إجْرَائِهِ
عَلَى قَلْبِهِ .
ا هـ
.
وَالْمُتَجَاوَزُ عَنْهُ بِنَصِّ السُّنَّةِ حَدِيثُ
النَّفْسِ دُونَ النُّطْقِ بِاللِّسَانِ ،
وَقَدَّمْت فِي الْكَلَامِ عَلَى الْآيَةِ أَنَّ قَذْفَ
نَحْوِ الصَّغِيرِ وَالرَّقِيقِ كَبِيرَةٌ فِيمَا يَظْهَرُ ثُمَّ رَأَيْت
الْحَلِيمِيَّ قَالَ : قَذْفُ الْمُحْصَنَةِ كَبِيرَةٌ ، فَإِنْ كَانَتْ أُمًّا أَوْ
بِنْتًا أَوْ امْرَأَةَ أَبِيهِ كَانَ فَاحِشَةً ، وَقَذْفُ الصَّغِيرَةِ وَالْمَمْلُوكَةِ
وَالْحُرَّةِ الْمُتَهَتِّكَةِ مِنْ الصَّغَائِرِ .
ا هـ
.
قَالَ الْجَلَالُ الْبُلْقِينِيُّ : وَاعْتُرِضَ
عَلَيْهِ بِأَنَّ قَذْفَ الصَّغِيرَةِ إنَّمَا يَكُونُ صَغِيرَةً إنْ لَمْ
تَحْتَمِلْ الْجِمَاعَ بِحَيْثُ يُقْطَعُ بِكَذِبِ قَاذِفِهَا ، وَأَمَّا
الْمَمْلُوكَةُ فَفِي كَوْنِ قَذْفِهَا صَغِيرَةً مُطْلَقًا وَقْفَةٌ ، وَلَا
سِيَّمَا أُمَّهَاتُ الْأَوْلَادِ لِمَا فِيهِ مِنْ إيذَاءِ الْأَمَةِ
وَسَيِّدِهَا وَوَلَدِهَا وَأَهْلِهَا لَا سِيَّمَا إنْ كَانَ سَيِّدُهَا أَحَدَ أُصُولِهِ .
ا هـ
.
وَالْمُعْتَرِضُ الَّذِي أَبْهَمَهُ الْجَلَالُ هُوَ
الْأَذْرَعِيُّ قَالَ : وَتَخْصِيصُهُ الْقَذْفَ بِكَوْنِهِ مِنْ الْكَبَائِرِ
بِقَذْفِ الْمُحْصَنَاتِ غَيْرُ مُسَلَّمٍ ، فَقَذْفُ الرِّجَالِ الْمُحْصَنِينَ
أَيْضًا كَبِيرَةٌ ، وَالْحَدِيثُ وَإِنْ كَانَ فِيهِ ذَلِكَ إلَّا أَنَّهُ
نَبَّهَ عَلَى غَيْرِهِنَّ إذْ لَا قَائِلَ بِالْفَرْقِ فَهُوَ كَذِكْرِهِ
الْعَبْدَ فِي السِّرَايَةِ .
ا هـ
.
وَمَرَّ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ : { مَنْ قَذَفَ مَمْلُوكَهُ بِالزِّنَا أُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدُّ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ كَمَا قَالَ } ، وَكَثِيرُونَ مِنْ الْجُهَّالِ وَاقِعُونَ
فِي هَذَا الْكَلَامِ الْقَبِيحِ الْمُوجِبِ لِلْعُقُوبَةِ فِي الدُّنْيَا
وَالْآخِرَةِ ، وَمِنْ ثَمَّ جَاءَ فِي حَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ : { إنَّ
الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مَا يَتَبَيَّنُ فِيهَا يَزِلُّ بِهَا فِي
النَّارِ أَبْعَدَ مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ ، وَقَالَ لَهُ مُعَاذٌ :
يَا نَبِيَّ اللَّهِ وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ ، قَالَ ثَكِلَتْكَ
أُمُّك وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ أَوْ قَالَ عَلَى
مَنَاخِرِهِمْ إلَّا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ } .
وَفِي الْحَدِيثِ : { أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَيْسَرِ
الْعِبَادَةِ وَأَهْوَنِهَا عَلَى الْبَدَنِ
الصَّمْتُ وَحُسْنُ الْخُلُقِ } ، قَالَ - تَعَالَى - :
{ مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ } { وَقَالَ عُقْبَةُ
بْنُ عَامِرٍ مَا النَّجَاةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : أَمْسِكْ عَلَيْك
لِسَانَك وَلْيَسَعْك بَيْتُك وَابْكِ عَلَى خَطِيئَتِك } .
وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ ، وَقَالَ
التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ : { لَا تُكْثِرْ الْكَلَامَ بِغَيْرِ
ذِكْرِ اللَّهِ فَإِنَّ كَثْرَةَ الْكَلَامِ بِغَيْرِ ذِكْرِ اللَّهِ قَسْوَةُ
الْقَلْبِ وَإِنَّ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنْ اللَّهِ - تَعَالَى - الْقَلْبُ
الْقَاسِي } .
وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { مَا مِنْ
شَيْءٍ أَثْقَلَ فِي مِيزَانِ الْمُؤْمِنِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ خُلُقٍ حَسَنٍ
وَإِنَّ اللَّهَ يَبْغَضُ الْفَاحِشَ الْبَذَّاءَ } ، بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ مَمْدُودًا
هُوَ الْمُتَكَلِّمُ بِالْفُحْشِ وَرَدِيءِ الْكَلَامِ .
( الْكَبِيرَةُ التَّاسِعَةُ وَالثَّمَانُونَ
وَالتِّسْعُونَ وَالْحَادِيَةُ وَالتِّسْعُونَ بَعْدَ الْمِائَتَيْنِ : سَبُّ
الْمُسْلِمِ وَالِاسْتِطَالَةُ فِي عِرْضِهِ وَتَسَبُّبُ الْإِنْسَانِ فِي لَعْنِ
أَوْ شَتْمِ وَالِدَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَسُبَّهُمَا وَلَعْنُهُ مُسْلِمًا ) .
قَالَ -
تَعَالَى - : { وَاَلَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ
وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدْ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا
وَإِثْمًا مُبِينًا } .
وَأَخْرَجَ الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ
وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ
.
عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ :
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { سِبَابُ الْمُسْلِمِ
فِسْقٌ وَقِتَالُهُ كُفْرٌ } .
وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ : { الْمُتَسَابَّانِ
مَا قَالَا فَعَلَى الْبَادِئِ مِنْهُمَا حَتَّى يَتَعَدَّى الْمَظْلُومُ } .
وَالْبَزَّارُ بِسَنَدٍ جَيِّدٍ : { سِبَابُ الْمُسْلِمِ
كَالْمُشْرِفِ عَلَى الْهَلَكَةِ
} .
وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ عَنْ { ابْنِ عَبَّاسٍ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : قُلْت : يَا رَسُولَ اللَّهِ الرَّجُلُ
يَشْتُمُنِي وَهُوَ دُونِي أَعَلَيَّ مِنْهُ بَأْسٌ أَنْ أَنْتَصِرَ مِنْهُ ؟
قَالَ : الْمُتَسَابَّانِ شَيْطَانَانِ يَتَهَاتَرَانِ وَيَتَكَاذَبَانِ } .
وَأَبُو دَاوُد وَاللَّفْظُ لَهُ وَالتِّرْمِذِيُّ
وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ عَنْ { جَابِرِ بْنِ
سُلَيْمٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قَالَ : رَأَيْت رَجُلًا يَصْدُرُ
النَّاسُ عَنْ رَأْيِهِ لَا يَقُولُ شَيْئًا إلَّا صَدَرُوا عَنْهُ .
قُلْت : مَنْ هَذَا ؟ قَالُوا لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
قُلْت :
عَلَيْك السَّلَامُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، قَالَ لَا
تَقُلْ عَلَيْك السَّلَامُ ، عَلَيْك السَّلَامُ تَحِيَّةُ الْمَوْتَى أَوْ
الْمَيِّتِ ، قُلْ السَّلَامُ عَلَيْك ، قَالَ : قُلْت أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ ؟
قَالَ : أَنَا رَسُولُ اللَّهِ الَّذِي إذَا أَصَابَك ضُرٌّ فَدَعَوْته كَشَفَهُ عَنْك
، وَإِذَا أَصَابَك عَامُ سَنَةٍ - أَيْ قَحْطٌ - فَدَعَوْته أَنْبَتَهَا لَك ،
وَإِذَا كُنْت بِأَرْضٍ قَفْرَاءَ وَفَلَاةٍ فَضَلَّتْ رَاحِلَتُك فَدَعَوْته
رَدَّهَا عَلَيْك ، قَالَ : قُلْت
اعْهَدْ إلَيَّ ، قَالَ : لَا تَسُبَّنَّ أَحَدًا ،
فَمَا سَبَبْت بَعْدَهُ حُرًّا وَلَا عَبْدًا وَلَا بَعِيرًا وَلَا شَاةً ، قَالَ
: وَلَا تَحْقِرَنَّ شَيْئًا مِنْ الْمَعْرُوفِ ، وَأَنْ تُكَلِّمَ أَخَاك
وَأَنْتَ مُنْبَسِطٌ إلَيْهِ وَجْهُك إنَّ ذَلِكَ مِنْ الْمَعْرُوفِ ، وَارْفَعْ
إزَارَك إلَى نِصْفِ السَّاقِ فَإِنْ أَبَيْت فَإِلَى الْكَعْبَيْنِ ، وَإِيَّاكَ وَإِسْبَالَ
الْإِزَارِ فَإِنَّهَا مِنْ الْمَخِيلَةِ - أَيْ الْكِبْرِ وَاحْتِقَارِ الْغَيْرِ
- وَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمَخِيلَةَ ، وَإِنْ امْرُؤٌ شَتَمَك أَوْ
عَيَّرَك بِمَا يَعْلَمُ فِيك فَلَا تُعَيِّرْهُ بِمَا تَعْلَمُ فِيهِ فَإِنَّمَا
وَبَالُ ذَلِكَ عَلَيْهِ } .
وَفِي رِوَايَةٍ لِابْنِ حِبَّانَ نَحْوُهُ وَقَالَ
فِيهِ : { وَإِنْ امْرُؤٌ عَيَّرَك بِشَيْءٍ يَعْلَمُهُ فِيك فَلَا تُعَيِّرْهُ
بِشَيْءٍ تَعْلَمُهُ فِيهِ وَدَعْهُ يَكُونُ وَبَالُهُ عَلَيْهِ وَأَجْرُهُ لَك ،
فَلَا تَسُبَّنَّ شَيْئًا قَالَ فَمَا سَبَبْت بَعْدَهُ دَابَّةً وَلَا إنْسَانًا } .
وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { إنَّ مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ أَنْ يَلْعَنَ
الرَّجُلُ وَالِدَيْهِ ، قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَكَيْفَ يَلْعَنُ الرَّجُلُ
وَالِدَيْهِ ؟ قَالَ يَسُبُّ أَبَا الرَّجُلِ فَيَسُبُّ أَبَاهُ وَيَسُبُّ أُمَّهُ
فَيَسُبُّ أُمَّهُ } .
وَأَخْرَجَ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا عَنْ ثَابِتِ
بْنِ الضَّحَّاكِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : {
مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ بِمِلَّةٍ غَيْرِ
الْإِسْلَامِ كَاذِبًا مُتَعَمِّدًا فَهُوَ كَمَا قَالَ ، وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ
بِشَيْءٍ عُذِّبَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، وَلَيْسَ عَلَى رَجُلٍ نَذْرٌ فِيمَا
لَا يَمْلِكُ ، وَلَعْنُ الْمُؤْمِنِ كَقَتْلِهِ } .
وَالطَّبَرَانِيُّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ عَنْ سَلَمَةَ
بْنِ الْأَكْوَعِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : " كُنَّا إذَا رَأَيْنَا
الرَّجُلَ يَلْعَنُ أَخَاهُ رَأَيْنَا أَنْ قَدْ أَتَى بَابًا مِنْ الْكَبَائِرِ " .
وَأَبُو دَاوُد : { إنَّ الْعَبْدَ إذَا لَعَنَ شَيْئًا
صَعِدَتْ اللَّعْنَةُ
إلَى السَّمَاءِ فَتُغْلَقُ أَبْوَابُ السَّمَاءِ دُونَهَا
ثُمَّ تَهْبِطُ إلَى الْأَرْضِ فَتُغْلَقُ أَبْوَابُهَا ثُمَّ تَأْخُذُ يَمِينًا
وَشِمَالًا ، فَإِنْ لَمْ تَجِدْ مَسَاغًا رَجَعَتْ إلَى الَّذِي لَعَنَ فَإِنْ
كَانَ أَهْلًا وَإِلَّا رَجَعَتْ إلَى قَائِلِهَا } .
وَأَحْمَدُ بِسَنَدٍ جَيِّدٍ : { إنَّ اللَّعْنَةَ إذَا
وُجِّهَتْ إلَى مَنْ وُجِّهَتْ إلَيْهِ فَإِنْ أَصَابَتْ عَلَيْهِ سَبِيلًا أَوْ
وَجَدَتْ فِيهِ مَسْلَكًا وَإِلَّا قَالَتْ : يَا رَبِّ وُجِّهْت إلَى فُلَانٍ
فَلَمْ أَجِدْ فِيهِ مَسْلَكًا وَلَمْ أَجِدْ عَلَيْهِ سَبِيلًا ، فَيُقَالُ لَهَا
ارْجِعِي مِنْ حَيْثُ جِئْتِ }
.
وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ .
وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ .
وَالْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ : { لَا
تَلَاعَنُوا بِلَعْنَةِ اللَّهِ وَلَا بِغَضَبِهِ وَلَا بِالنَّارِ } .
وَمُسْلِمٌ : { لَا يَكُونُ اللَّعَّانُونَ شُفَعَاءَ
وَلَا شُهَدَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
} .
وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ غَرِيبٌ : { لَا
يَكُونُ الْمُؤْمِنُ لَعَّانًا } وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ : {
لَيْسَ الْمُؤْمِنُ بِالطَّعَّانِ وَلَا بِاللَّعَّانِ وَلَا بِالْفَاحِشِ وَلَا
بِالْبَذِيِّ } أَيْ الْمُتَكَلِّمِ بِالْفُحْشِ وَالْكَلَامِ الْقَبِيحِ .
وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ عَائِشَةَ : { مَرَّ النَّبِيُّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَبِي بَكْرٍ وَهُوَ يَلْعَنُ بَعْضَ
رَقِيقِهِ فَالْتَفَتَ إلَيْهِ وَقَالَ لَعَّانِينَ وَصِدِّيقِينَ كَلًّا وَرَبِّ
الْكَعْبَةِ ، فَعَتَقَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ بَعْضَ
رَقِيقِهِ ثُمَّ جَاءَ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ
لَا أَعُودُ } .
وَمُسْلِمٌ : { لَا يَنْبَغِي لِصِدِّيقٍ أَنْ يَكُونَ
لَعَّانًا } .
وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ : { لَا يَجْتَمِعُ أَنْ
تَكُونُوا لَعَّانِينَ صِدِّيقِينَ
} .
وَمُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ : عَنْ { عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ وَامْرَأَةٌ مِنْ الْأَنْصَارِ عَلَى نَاقَةٍ فَضَجِرَتْ
فَلَعَنَتْهَا فَسَمِعَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَقَالَ : خُذُوا مَا عَلَيْهَا
وَدَعُوهَا فَإِنَّهَا مَلْعُونَةٌ ، قَالَ عِمْرَانُ
فَكَأَنِّي أَرَاهَا الْآنَ تَمْشِي فِي النَّاسِ مَا يَعْرِضُ لَهَا أَحَدٌ } .
وَأَبُو يَعْلَى وَغَيْرُهُ بِسَنَدٍ جَيِّدٍ عَنْ
أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ
: { سَارَ رَجُلٌ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَعَنَ بَعِيرَهُ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ : لَا تَتْبَعْنَا أَوْ قَالَ يَا عَبْدَ اللَّهِ لَا تَسِرْ مَعَنَا
عَلَى بَعِيرٍ مَلْعُونٍ } .
وَأَحْمَدُ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : { كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ يَسِيرُ فَلَعَنَ رَجُلٌ نَاقَتَهُ فَقَالَ أَيْنَ صَاحِبُ
النَّاقَةِ ؟ فَقَالَ الرَّجُلُ أَنَا ، فَقَالَ أَخِّرْهَا فَقَدْ أُجِبْتَ
فِيهَا } .
وَأَبُو دَاوُد : { لَا تَسُبُّوا الدِّيكَ فَإِنَّهُ
يَدْعُو لِلصَّلَاةِ } ، وَوَرَدَ : { فَإِنَّهُ يُوقِظُ لِلصَّلَاةِ } .
وَالْبَزَّارُ بِسَنَدٍ لَا بَأْسَ بِهِ : { صَرَخَ
دِيكٌ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَبَّهُ رَجُلٌ
فَنَهَى عَنْ سَبِّ الدِّيكِ } ، وَفِي رِوَايَةٍ
لِلطَّبَرَانِيِّ : { لَا تَلْعَنْهُ وَلَا تَسُبَّهُ فَإِنَّهُ يَدْعُو
لِلصَّلَاةِ } .
وَالْبَزَّارُ بِسَنَدٍ رُوَاتُهُ رُوَاةُ الصَّحِيحِ
إلَّا عَبَّادَ بْنَ مَنْصُورٍ ضَعَّفَهُ كَثِيرُونَ وَحَسَّنَ لَهُ
التِّرْمِذِيُّ غَيْرَ مَا حَدِيثٍ : { أَنَّ دِيكًا صَرَخَ قَرِيبًا مِنْ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ رَجُلٌ اللَّهُمَّ
الْعَنْهُ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَهْ
كَلًّا إنَّهُ يَدْعُو إلَى الصَّلَاةِ
} .
وَأَبُو يَعْلَى : ` { أَنَّ بُرْغُوثًا لَدَغَتْ
رَجُلًا فَلَعَنَهَا ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
لَا تَلْعَنْهَا فَإِنَّهَا نَبَّهَتْ نَبِيًّا مِنْ الْأَنْبِيَاءِ لِلصَّلَاةِ } .
وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبَزَّارِ : { لَا تَسُبَّهُ
فَإِنَّهُ أَيْقَظَ نَبِيًّا مِنْ الْأَنْبِيَاءِ لِصَلَاةِ الصُّبْحِ } .
وَالطَّبَرَانِيُّ عَنْ { عَلِيٍّ - كَرَّمَ اللَّهُ
وَجْهَهُ - قَالَ : نَزَلْنَا مَنْزِلًا فَآذَتْنَا الْبَرَاغِيثُ فَسَبَبْنَاهَا
فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ : لَا تَسُبُّوهَا فَنِعْمَتْ الدَّابَّةُ
فَإِنَّهَا أَيْقَظَتْكُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ - تَعَالَى - } .
وَصَحَّ {
أَنَّ رَجُلًا لَعَنَ الرِّيحَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : لَا تَلْعَنْ الرِّيحَ فَإِنَّهَا مَأْمُورَةٌ
، مَنْ لَعَنَ شَيْئًا لَيْسَ لَهُ بِأَهْلٍ رَجَعَتْ اللَّعْنَةُ عَلَيْهِ } .
تَنْبِيهٌ : عَدُّ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ هُوَ صَرِيحُ
هَذِهِ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ لِلْحُكْمِ فِيهِ عَلَى سِبَابِ الْمُسْلِمِ
بِأَنَّهُ فِسْقٌ .
وَأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى الْهَلَكَةِ وَأَنَّ فَاعِلَهُ
شَيْطَانٌ وَغَيْرُ ذَلِكَ ، وَعَلَى لَعْنِ الْوَالِدَيْنِ بِأَنَّهُ مِنْ
أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ وَلِذَا أَفْرَدْته بِالذِّكْرِ وَإِنْ دَخَلَ فِي سِبَابِ
الْمُسْلِمِ أَوْ لَعْنِهِ ، وَعَلَى أَنَّ لَعْنَ الْمُؤْمِنِ كَقَتْلِهِ وَعَلَى
أَنَّ مَنْ لَعَنَ أَخَاهُ أَتَى بَابًا مِنْ الْكَبَائِرِ ، وَعَلَى أَنَّ
اللَّعْنَةَ تَرْجِعُ إلَى قَائِلِهَا بِغَيْرِ حَقٍّ ، وَعَلَى أَنَّ اللَّعَّانَ
لَا يَكُونُ شَفِيعًا وَلَا شَهِيدًا وَلَا صِدِّيقًا وَهَذَا كُلُّهُ غَايَةٌ فِي
الْوَعِيدِ الشَّدِيدِ ، فَظَهَرَ بِهِ مَا ذَكَرْته مِنْ عَدِّ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ
كَذَلِكَ وَبِهِ فِي الْأَوَّلِ صَرَّحَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَئِمَّتِنَا لَكِنَّ
الْمُعْتَمَدَ عِنْدَ أَكْثَرِهِمْ خِلَافُهُ .
وَحَمَلُوا حَدِيثَ : { سِبَابُ الْمُسْلِمِ فُسُوقٌ }
عَلَى مَا إذَا تَكَرَّرَ مِنْهُ بِحَيْثُ يَغْلِبُ طَاعَتَهُ ، وَأَمَّا
الثَّلَاثَةُ فَهِيَ ظَاهِرُ قَوْلِ شَرْحِ مُسْلِمٍ : { لَعْنُ الْمُسْلِمِ
كَقَتْلِهِ } : أَيْ فِي الْإِثْمِ ، وَاسْتُفِيدَ مِنْ الْأَحَادِيثِ
الْمَذْكُورَةِ فِي لَعْنِ الدَّوَابِّ أَنَّهُ حَرَامٌ وَبِهِ صَرَّحَ
أَئِمَّتُنَا .
وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ صَغِيرَةٌ إذْ لَيْسَ فِيهِ مَفْسَدَةٌ
عَظِيمَةٌ ؛ وَمُعَاتَبَتُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَنْ لَعَنَتْ نَاقَتَهَا
بِتَرْكِهَا لَهَا تَعْزِيرًا وَتَأْدِيبًا لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ
مُجَرَّدُ كَبِيرَةٍ ، سِيَّمَا وَقَدْ عَلَّلَ الْأَمْرَ بِالتَّرْكِ فِي
الْحَدِيثِ الْآخَرِ بِأَنَّ دَعْوَتَهُ بِاللَّعْنِ عَلَى دَابَّتِهِ أُجِيبَتْ .
قَالَ النَّوَوِيُّ فِي رِيَاضِهِ بَعْدَ ذِكْرِهِ
حَدِيثَ : {
خُذُوا مَا عَلَيْهَا وَدَعُوهَا فَإِنَّهَا مَلْعُونَةٌ
} ، وَحَدِيثَ : { لَا تُصَاحِبْنَا نَاقَةٌ عَلَيْهَا لَعْنَةٌ } .
قَدْ يُسْتَشْكَلُ مَعْنَاهُ وَلَا إشْكَالَ فِيهِ ،
بَلْ الْمُرَادُ النَّهْيُ لَنْ تُصَاحِبْهُمْ تِلْكَ النَّاقَةُ وَلَيْسَ فِيهِ
نَهْيٌ عَنْ بَيْعِهَا وَذَبْحِهَا وَرُكُوبِهَا فِي غَيْرِ صُحْبَةِ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، بَلْ كُلُّ ذَلِكَ وَمَا سِوَاهُ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ
جَائِزٌ لَا مَنْعَ مِنْهُ إلَّا مِنْ مُصَاحَبَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ بِهَا ؛ لِأَنَّ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ كُلَّهَا كَانَتْ جَائِزَةً
فَمَنَعَ بَعْضٌ مِنْهَا فَبَقِيَ الْبَاقِي عَلَى مَا كَانَ .
ا هـ
.
ثُمَّ رَأَيْت بَعْضَهُمْ صَرَّحَ بِأَنَّ لَعْنَ
الدَّابَّةِ وَالذِّمِّيِّ الْمُعَيَّنَيْنِ كَبِيرَةٌ ، وَقَيَّدَ حُرْمَةَ
لَعْنِ الْمُسْلِمِ بِغَيْرِ سَبَبٍ شَرْعِيٍّ وَفِيمَا ذَكَرَهُ وَقَيَّدَ بِهِ
نَظَرٌ .
أَمَّا الْأَوَّلُ فَاَلَّذِي يُتَّجَهُ مَا ذَكَرْته
مِنْ أَنَّ لَعْنَ الدَّابَّةِ صَغِيرَةٌ لِمَا ذَكَرْته ، وَأَمَّا لَعْنُ
الذِّمِّيِّ الْمُعَيَّنِ فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ كَبِيرَةٌ ؛ لِاسْتِوَائِهِ مَعَ
الْمُسْلِمِ فِي حُرْمَةِ الْإِيذَاءِ ، وَأَمَّا تَقْيِيدُهُ فَغَيْرُ صَحِيحٍ
إذْ لَيْسَ لَنَا غَرَضٌ شَرْعِيٌّ يَجُوزُ لَعْنُ الْمُسْلِمِ أَصْلًا ثُمَّ
مَحَلُّ حُرْمَةِ اللَّعْنِ إنْ كَانَ لِمُعَيَّنٍ فَالْمُعَيَّنُ لَا يَجُوزُ
لَعْنُهُ وَإِنْ كَانَ فَاسِقًا ، كَيَزِيدَ بْنُ مُعَاوِيَةَ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ أَوْ ذِمِّيًّا حَيًّا أَوْ مَيِّتًا وَلَمْ يُعْلَمْ مَوْتُهُ عَلَى
الْكُفْرِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ يُخْتَمُ لَهُ أَوْ خُتِمَ لَهُ بِالْإِسْلَامِ
بِخِلَافِ مَنْ عُلِمَ مَوْتُهُ عَلَى الْكُفْرِ كَفِرْعَوْنَ وَأَبِي جَهْلٍ
وَأَبِي لَهَبٍ وَنُظَرَائِهِمْ ، وَأَمَّا مَا وَقَعَ لِبَعْضِهِمْ مِنْ لَعْنِ يَزِيدَ
فَهُوَ تَهَوُّرٌ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلِ بِإِسْلَامِهِ وَهُوَ الظَّاهِرُ ،
وَدَعْوَى جَمْعٍ أَنَّهُ كَافِرٌ لَمْ يَثْبُتْ مَا يَدُلُّ عَلَيْهَا بَلْ
أَمْرُهُ بِقَتْلِ الْحُسَيْنِ لَمْ يَثْبُتْ أَيْضًا وَلِهَذَا أَفْتَى
الْغَزَالِيُّ بِحُرْمَةِ لَعْنِهِ : أَيْ وَإِنْ كَانَ فَاسِقًا سِكِّيرًا
مُتَهَوِّرًا فِي الْكَبَائِرِ بَلْ
فَوَاحِشِهَا
.
وَأَمَّا احْتِجَاجُ شَيْخِ الْإِسْلَامِ السِّرَاجِ
الْبُلْقِينِيِّ عَلَى جَوَازِ لَعْنِ الْعَاصِي الْمُعَيَّنِ بِحَدِيثِ
الصَّحِيحَيْنِ : { إذَا دَعَا الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ إلَى فِرَاشِهِ فَلَمْ
تَأْتِهِ فَبَاتَ غَضْبَانَ عَلَيْهِمَا لَعَنَتْهَا الْمَلَائِكَةُ حَتَّى
تُصْبِحَ } .
وَفِي رِوَايَةٍ لَهُمَا وَلِلنَّسَائِيِّ : { إذَا
بَاتَتْ الْمَرْأَةُ هَاجِرَةً فِرَاشَ زَوْجِهَا لَعَنَتْهَا الْمَلَائِكَةُ حَتَّى
تُصْبِحَ } فَفِيهِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ وَمِنْ ثَمَّ قَالَ وَلَدُهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ الْجَلَالُ
الْبُلْقِينِيُّ : بَحَثْت مَعَهُ فِي ذَلِكَ بِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ لَعْنُ
الْمَلَائِكَةِ لَهَا لَيْسَ بِالْخُصُوصِ بَلْ بِالْعُمُومِ بِأَنْ يَقُولُوا :
لَعَنَ اللَّهُ مَنْ بَاتَتْ هَاجِرَةً فِرَاشَ زَوْجِهَا ، وَأَقُولُ : لَوْ
اسْتَدَلَّ لِذَلِكَ بِخَبَرِ مُسْلِمٍ : { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ مَرَّ بِحِمَارٍ وُسِمَ فِي وَجْهِهِ فَقَالَ : لَعَنَ اللَّهُ مَنْ
فَعَلَ هَذَا } لَكَانَ أَظْهَرَ إذْ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ هَذَا صَرِيحَةٌ فِي
لَعْنِ مُعَيَّنٍ إلَّا أَنْ يُؤَوَّلَ بِأَنَّ الْمُرَادَ جِنْسُ فَاعِلِ ذَلِكَ لَا
هَذَا الْمُعَيَّنُ ، وَفِيهِ مَا فِيهِ .
أَمَّا لَعْنُ غَيْرِ الْمُعَيَّنِ بِالشَّخْصِ
وَإِنَّمَا عُيِّنَ بِالْوَصْفِ بِنَحْوِ لَعَنَ اللَّهُ الْكَاذِبَ فَجَائِزٌ
إجْمَاعًا .
قَالَ - تَعَالَى - : { أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى
الظَّالِمِينَ } - { ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى
الْكَاذِبِينَ } وَسَيَأْتِي عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَثِيرٌ
مِنْ هَذَا النَّوْعِ .
فَائِدَةٌ : لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمَاعَةً بِالْوَصْفِ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ وَجَمَاعَةً
بِالتَّعْيِينِ وَالْأَوَّلُ أَكْثَرُ ، وَقَدْ ذَكَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ
أَئِمَّتِنَا مِنْهُ جُمْلَةً مُسْتَكْثَرَةً مِنْ غَيْرِ سَنْدٍ فَلَا بَأْسَ
بِذِكْرِهِ كَذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنْ الْفَوَائِدِ .
فَنَقُولُ : " لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آكِلَ الرِّبَا وَمُوكِلَهُ وَشَاهِدَيْهِ وَكَاتِبَهُ
وَالْمُصَوِّرِينَ ، وَمَنْ غَيَّرَ مَنَارَ الْأَرْضِ : أَيْ حُدُودَهَا
كَاَلَّذِي
يَأْخُذُ قِطْعَةً مِنْ الشَّارِعِ أَوْ الْمَسْجِدِ
فَيُدْخِلُهَا بَيْتَهُ أَوْ يَأْخُذُ مَكَانًا مَوْقُوفًا فَيُعِيدُهُ مَمْلُوكًا
، وَمَنْ كَمَّهَ أَعْمَى عَنْ الطَّرِيقِ : أَيْ دَلَّهُ عَلَى غَيْرِهَا
وَأُلْحِقَ بِهِ الْبَصِيرُ الْجَاهِلُ ، وَمَنْ وَقَعَ عَلَى بَهِيمَةٍ ، وَمَنْ
عَمِلَ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ ، وَمَنْ أَتَى كَاهِنًا أَوْ أَتَى امْرَأَةً فِي
دُبُرِهَا ، وَمَنْ أَتَى حَائِضًا ، وَالنَّائِحَةَ وَمَنْ حَوْلَهَا ، وَمَنْ
أَمَّ قَوْمًا وَهُمْ لَهُ كَارِهُونَ ، وَامْرَأَةً بَاتَتْ وَزَوْجُهَا عَلَيْهَا
سَاخِطٌ أَوْ هَاجِرَةً فِرَاشَهُ ، وَمَنْ ذَبَحَ لِغَيْرِ اللَّهِ ،
وَالسَّارِقَ ، وَمَنْ سَبَّ الصَّحَابَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ،
وَالْمُخَنَّثَ مِنْ الرِّجَالِ ، وَرَجُلَةَ النِّسَاءِ ، وَالْمُتَشَبِّهِينَ
مِنْ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ وَمِنْ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ ، وَالْمَرْأَةَ
تَلْبَسُ لِبْسَةَ الرَّجُلِ ، وَالرَّجُلَ يَلْبَسُ لِبْسَةَ الْمَرْأَةِ ،
وَمَنْ سَلَّ سَخِيمَتَهُ : أَيْ تَغَوَّطَ عَلَى الطَّرِيقِ ، وَالْمَرْأَةَ
السَّلْتَاءَ : أَيْ الَّتِي لَا تُخَضِّبُ يَدَهَا ، وَالْمَرْهَاءَ : أَيْ
الَّتِي لَا تَكْتَحِلُ ، وَمَنْ خَبَّبَ : أَيْ أَفْسَدَ امْرَأَةً عَلَى
زَوْجِهَا أَوْ مَمْلُوكًا عَلَى سَيِّدِهِ ، وَمَنْ أَشَارَ إلَى أَخِيهِ
بِحَدِيدَةٍ .
وَمَانِعَ الزَّكَاةِ ، وَمَنْ انْتَسَبَ إلَى غَيْرِ
أَبِيهِ أَوْ تَوَلَّى غَيْرَ مَوَالِيهِ ، وَمَنْ وَسَمَ فِي الْوَجْهِ ،
وَالشَّافِعَ وَالْمُشَفِّعَ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ - تَعَالَى - إذَا
بَلَغَ الْحَاكِمَ ، وَالْمَرْأَةَ إذَا خَرَجَتْ مِنْ دَارِهَا بِغَيْرِ إذْنِ
زَوْجِهَا ، وَمَنْ تَرَكَ الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيَ عَنْ الْمُنْكَرِ
إذَا أَمْكَنَهُ ، وَالْخَمْرَ وَشَارِبَهَا وَسَاقِيهَا وَبَائِعَهَا وَمُبْتَاعَهَا
وَالْمُشْتَرَاةَ لَهُ وَعَاصِرَهَا وَمُعْتَصِرَهَا وَحَامِلَهَا
وَالْمَحْمُولَةَ إلَيْهِ وَآكِلَ ثَمَنِهَا وَالدَّالَّ عَلَيْهَا ، وَالزَّانِي
بِحَلِيلَةِ جَارِهِ ، وَالنَّاكِحَ يَدَهُ ، وَنَاكِحَ الْأُمِّ وَبِنْتِهَا ،
وَالرَّاشِي وَالْمُرْتَشِي فِي الْحُكْمِ ، وَالرَّائِشَ : أَيْ السَّاعِي
بَيْنَهُمَا ، وَكَاتِمَ الْعِلْمِ وَالْمُحْتَكِرَ ، وَمَنْ حَقَّرَ مُسْلِمًا :
أَيْ خَذَلَهُ وَلَمْ يَنْصُرْهُ ، وَالْوَالِي إذَا
لَمْ يَكُنْ فِيهِ رَحْمَةٌ ، وَالْمُتَبَتِّلِينَ وَالْمُتَبَتِّلَاتِ : أَيْ
تَارِكِي النِّكَاحِ وَرَاكِبَ الْفَلَاةِ وَحْدَهُ ، وَمَنْ جَعَلَ ذَاتَ
الرُّوحِ غَرَضًا يَرْمِي إلَيْهِ ، وَمَنْ أَحْدَثَ فِي الدِّينِ حَدَثًا أَوْ
آوَى مُحْدِثًا ، وَمَنْ أَوْقَدَ سِرَاجًا عَلَى الْقُبُورِ ، وَمَنْ بَنَى مَسْجِدًا
بِالْمَقْبَرَةِ وَزَائِرَاتِ الْقُبُورِ وَالصَّالِقَةَ : أَيْ الرَّافِعَةَ
لِصَوْتِهَا بِالْبُكَاءِ ، وَالْحَالِقَةَ لِشَعْرِهَا ، وَالشَّاقَّةَ لِثَوْبِهَا
عِنْدَ الْمُصِيبَةِ ، وَاَلَّذِينَ يُثَقِّفُونَ الْكَلَامَ تَثْقِيفَ الشِّعْرِ .
وَمَنْ أَفْسَدَ فِي الْأَرْضِ وَالْبِلَادِ ، وَمَنْ
انْتَفَى مِنْ أَبِيهِ أَوْ انْتَسَبَ إلَى غَيْرِهِ ، وَمَنْ قَذَفَ
الْمُحْصَنَةَ ، وَمَنْ لَعَنَ أَصْحَابَهُ ، وَمَنْ قَطَعَ رَحِمَهُ ، وَمَنْ
كَتَمَ الْقُرْآنَ ، وَمَنْ لَعَنَ أَبَوَيْهِ أَوْ أَحَدَهُمَا ، وَمَنْ مَكَرَ
بِمُسْلِمٍ أَوْ ضَارَّهُ ، وَالْمُغَنَّى لَهُ ، وَالشَّيْخَ الزَّانِيَ ، وَمَنْ
فَرَّقَ بَيْنَ الْوَالِدَةِ وَوَلَدِهَا ، وَالْمُغَنِّي بَيْنَ الْأَخِ وَأَخِيهِ
، وَمَنْ جَلَسَ وَسَطَ الْحَلَقَةِ ، وَمَنْ سَمِعَ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ وَلَمْ
يُجِبْ .
وَقَاطِعَ السِّدْرِ - قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ : هَذَا فِي
السِّدْرِ الَّذِي فِي الطُّرُقَاتِ وَفِي الْبَوَادِي يَسْتَظِلُّ بِهَا
الْمَارَّةُ - وَقَالَ : { إنَّ السَّمَوَاتِ السَّبْعَ وَالْأَرَضِينَ السَّبْعَ
وَالْجِبَالَ لَيَلْعَنَّ الشَّيْخَ الزَّانِيَ } .
{ وَلَعَنَ اللَّهُ مَنْ يَلْعَبُ بِالشِّطْرَنْجِ .
وَمَنْ مَشَى بِقَمِيصٍ رَقِيقٍ بِغَيْرِ إزَارٍ بَادِي
الْعَوْرَةِ لَعَنَتْهُ الْمَلَائِكَةُ حَتَّى يَرْجِعَ إلَى مَنْزِلِهِ أَوْ
يَتُوبَ } .
{ وَإِذَا ظَهَرَتْ الْبِدَعُ وَسُبَّتْ أَصْحَابِي
فَعَلَى الْعَالِمِ أَنْ يُظْهِرَ عِلْمَهُ ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَعَلَيْهِ
لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ } .
{ إنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ اخْتَارَنِي وَاخْتَارَ
لِي أَصْحَابًا فَجَعَلَ مِنْهُمْ وُزَرَاءَ وَأَنْصَارًا وَأَصْهَارًا ، فَمَنْ
سَبَّهُمْ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ
لَا يَقْبَلُ اللَّهُ مِنْهُ
يَوْمَ الْقِيَامَةِ صَرْفًا وَلَا عَدْلًا } .
{ سَبْعَةٌ لَا يَنْظُرُ اللَّهُ إلَيْهِمْ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَيَقُولُ لَهُمْ اُدْخُلُوا النَّارَ مَعَ
الدَّاخِلِينَ : الْفَاعِلُ وَالْمَفْعُولُ بِهِ ، وَنَاكِحُ يَدِهِ ،
وَنَاكِحُ الْبَهِيمَةِ ، وَنَاكِحُ الْمَرْأَةِ فِي دُبُرِهَا ، وَجَامِعٌ بَيْنَ
الْمَرْأَةِ وَبِنْتِهَا ، وَالزَّانِي بِحَلِيلَةِ جَارِهِ ، وَالْمُؤْذِي لِجَارِهِ
، وَمَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَلَمْ يَرْحَمْهُمْ فَعَلَيْهِ
بَهْلَةُ اللَّهِ قَالُوا وَمَا بَهْلَةُ اللَّهِ ؟ قَالَ لَعْنَةُ اللَّهِ } .
{ وَمَنْ أَحْدَثَ فِي الْمَدِينَةِ حَدَثًا أَوْ آوَى
مُحْدِثًا فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ
لَا يَقْبَلُ اللَّهُ مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ صَرْفًا وَلَا عَدْلًا } .
{ وَمَنْ تَوَلَّى غَيْرَ مَوَالِيهِ فَعَلَيْهِ
لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ } .
{ وَالْهَاجِرَةُ لِفِرَاشِ زَوْجِهَا تَلْعَنُهَا
الْمَلَائِكَةُ حَتَّى تُصْبِحَ فَإِنَّ حَقَّ الزَّوْجِ عَلَى زَوْجَتِهِ إنْ
سَأَلَهَا وَهِيَ عَلَى ظَهْرِ قَتَبٍ أَنْ لَا تَمْنَعَهُ نَفْسَهَا } .
{ وَمِنْ حَقِّ الزَّوْجِ عَلَى الزَّوْجَةِ أَنْ لَا
تَصُومَ تَطَوُّعًا إلَّا بِإِذْنِهِ فَإِنْ فَعَلَتْ جَاعَتْ وَعَطِشَتْ وَلَا
يُقْبَلُ مِنْهَا وَلَا تَخْرُجُ مِنْ بَيْتِهَا إلَّا بِإِذْنِهِ فَإِنْ فَعَلَتْ
لَعَنَتْهَا مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ وَمَلَائِكَةُ الْعَذَابِ حَتَّى تَرْجِعَ } .
{ مَنْ أَشَارَ إلَى أَخِيهِ بِحَدِيدَةٍ مَلْعُونٌ
وَإِنْ كَانَ أَخَاهُ مِنْ أَبِيهِ وَأُمِّهِ } .
{ لَعَنَ اللَّهُ الْوَاصِلَةَ وَالْمُسْتَوْصِلَةَ
وَالْوَاشِمَةَ ، وَالْمُسْتَوْشِمَةَ وَالنَّامِصَةَ وَالْمُتَنَمِّصَةَ } .
{ سِتَّةٌ لَعَنَتْهُمْ } ، وَفِي رِوَايَةٍ : {
لَعَنَهُمْ اللَّهُ وَكُلُّ نَبِيٍّ مُجَابُ الدَّعْوَةِ الْمُحَرِّفُ لِكِتَابِ
اللَّهِ } ، وَفِي رِوَايَةٍ : { الزَّائِدُ فِي كِتَابِ اللَّهِ وَالْمُكَذِّبُ
بِقَدَرِ اللَّهِ وَالْمُتَسَلِّطُ بِالْجَبَرُوتِ لِيُعِزَّ مَنْ أَذَلَّ اللَّهُ
وَيُذِلَّ مَنْ أَعَزَّ اللَّهُ ، وَالْمُسْتَحِلُّ حُرْمَةَ اللَّهِ ، وَالْمُسْتَحِلُّ
مِنْ عِتْرَتِي وَالتَّارِكُ لِسُنَّتِي } .
وَأَمَّا
الَّذِينَ لَعَنَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَعْيَانِهِمْ فَهُمْ مَا تَضَمَّنَهُ قَوْلُهُ عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ : { اللَّهُمَّ الْعَنْ رَعْلًا وَذَكْوَانَ وَعُصَيَّةَ عَصَوْا
اللَّهَ وَرَسُولَهُ } فَهَذِهِ ثَلَاثُ قَبَائِلَ مِنْ قَبَائِلِ الْعَرَبِ ،
لَكِنْ يَجُوزُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِمَ مَوْتَهُمْ أَوْ
مَوْتَ أَكْثَرِهِمْ عَلَى الْكُفْرِ فَلَمْ يَلْعَنْ إلَّا مَنْ عَلِمَ مَوْتَهُ
عَلَيْهِ ، قَالَ بَعْضُهُمْ : وَيَقْرَبُ مِنْ اللَّعْنِ الدُّعَاءُ عَلَى الْإِنْسَانِ
بِالشَّرِّ حَتَّى الدُّعَاءُ عَلَى الظَّالِمِ نَحْوَ لَا أَصَحَّ اللَّهُ
جِسْمَهُ وَلَا سَلَّمَهُ اللَّهُ وَنَحْوَ ذَلِكَ وَكَذَلِكَ كُلُّ مَذْمُومٍ ، وَلَعْنُ
جَمِيعِ الْحَيَوَانَاتِ وَالْجَمَادَاتِ كُلُّهُ مَذْمُومٌ ، قَالَ بَعْضُ
الْعُلَمَاءِ : مَنْ لَعَنَ ، مَا لَا يَسْتَحِقُّ اللَّعْنَ فَلْيُبَادِرْ
بِقَوْلِهِ : إلَّا أَنْ يَكُونَ لَا يَسْتَحِقُّ ، وَلِلْآمِرِ بِمَعْرُوفٍ
وَالنَّاهِي عَنْ مُنْكَرٍ وَكُلُّ مُؤَدِّبٍ أَنْ يَقُولَ لِمَنْ يُخَاطِبُهُ فِي
ذَلِكَ الْأَمْرِ بِقَصْدِ الزَّجْرِ وَالتَّأْدِيبِ : وَيْلَك أَوْ يَا ضَعِيفَ
الْحَالِ يَا قَلِيلَ النَّظَرِ لِنَفْسِهِ يَا ظَالِمَ نَفْسِهِ ، وَنَحْوَ
ذَلِكَ مِمَّا لَيْسَ فِيهِ كَذِبٌ وَلَا قَذْفٌ صَرِيحٌ أَوْ كِنَايَةٌ أَوْ
تَعْرِيضٌ وَلَوْ كَانَ صَادِقًا فِيهِ
.
( الْكَبِيرَةُ الثَّانِيَةُ وَالثَّالِثَةُ وَالتِّسْعُونَ
بَعْدَ الْمِائَتَيْنِ : تَبَرُّؤُ الْإِنْسَانِ مِنْ نَسَبِهِ أَوْ مِنْ
وَالِدِهِ وَانْتِسَابُهُ إلَى غَيْرِ أَبِيهِ مَعَ عِلْمِهِ بِبُطْلَانِ ذَلِكَ ) .
أَخْرَجَ الشَّيْخَانِ وَأَبُو دَاوُد عَنْ سَعْدِ بْنِ
أَبِي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ : { مَنْ ادَّعَى إلَى غَيْرِ أَبِيهِ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ غَيْرُ
أَبِيهِ فَالْجَنَّةُ عَلَيْهِ حَرَامٌ
} .
وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ وَالْبَيْهَقِيُّ
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : { قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَمَّا نَزَلَتْ آيَةُ الْمُلَاعَنَةِ أَيُّمَا امْرَأَةٍ
أَدْخَلَتْ عَلَى قَوْمٍ مَنْ لَيْسَ مِنْهُمْ فَلَيْسَتْ مِنْ اللَّهِ فِي شَيْءٍ
وَلَنْ يُدْخِلَهَا جَنَّتَهُ ، وَأَيُّمَا رَجُلٍ جَحَدَ وَلَدَهُ وَهُوَ يَنْظُرُ
إلَيْهِ احْتَجَبَ اللَّهُ عَنْهُ وَفَضَحَهُ عَلَى رُءُوسِ الْخَلَائِقِ مِنْ الْأَوَّلِينَ
وَالْآخِرِينَ } .
وَالشَّيْخَانِ : { لَيْسَ مِنْ رَجُلٍ ادَّعَى لِغَيْرِ
أَبِيهِ وَهُوَ يَعْلَمُ إلَّا كَفَرَ ، وَمَنْ ادَّعَى مَنْ لَيْسَ لَهُ فَلَيْسَ
مِنَّا وَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ ، وَمَنْ دَعَا رَجُلًا
بِالْكُفْرِ أَوْ قَالَ عَدُوُّ اللَّهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ إلَّا حَارَ عَلَيْهِ }
بِالْمُهْمَلَةِ : أَيْ رَجَعَ
.
وَالشَّيْخَانِ : { مَنْ ادَّعَى إلَى غَيْرِ أَبِيهِ
أَوْ انْتَمَى إلَى غَيْرِ مَوَالِيهِ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ
وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ مِنْهُ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ صَرْفًا وَلَا عَدْلًا
} .
وَالْبُخَارِيُّ : { لَا تَرْغَبُوا عَنْ آبَائِكُمْ
فَمَنْ رَغِبَ عَنْ أَبِيهِ فَقَدْ كَفَرَ } .
وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الصَّغِيرِ مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو
بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ وَحَدِيثُهُ حَسَنٌ قَالَ : قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { كَفَرَ مَنْ تَبَرَّأَ
أَوْ كَفَرَ بِاَللَّهِ مَنْ تَبَرَّأَ مِنْ نَسَبٍ أَوْ رِقٍّ أَوْ ادَّعَى
نَسَبًا لَا يُعْرَفُ } .
وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ : { مَنْ
ادَّعَى نَسَبًا لَا يُعْرَفُ كَفَرَ
بِاَللَّهِ أَوْ انْتَفَى مِنْ نَسَبٍ وَإِنْ دَقَّ
كَفَرَ بِاَللَّهِ } .
وَأَحْمَدُ :
{ مَنْ ادَّعَى إلَى غَيْرِ أَبِيهِ لَمْ يَرِحْ رَائِحَةَ
الْجَنَّةِ وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ قَدْرِ سَبْعِينَ عَامًا أَوْ
مَسِيرَةِ سَبْعِينَ عَامًا } .
وَفِي رِوَايَةٍ لِابْنِ مَاجَهْ وَرِجَالُهَا رِجَالُ
الصَّحِيحِ : { أَلَا وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ خَمْسِمِائَةِ
عَامٍ } .
وَكَأَنَّهُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمُدْرِكِينَ ،
فَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَشُمُّهُ مِنْ مَسِيرَةِ خَمْسمِائَةِ عَامٍ ، وَمِنْهُمْ
مَنْ يَشُمُّهُ مِنْ مَسِيرَةِ سَبْعِينَ سَنَةً .
وَأَبُو دَاوُد : { مَنْ ادَّعَى إلَى غَيْرِ أَبِيهِ
أَوْ انْتَمَى إلَى غَيْرِ مَوَالِيهِ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ الْمُتَتَابِعَةُ
إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ } .
تَنْبِيهٌ : عَدُّ هَذَيْنِ هُوَ صَرِيحُ هَذِهِ
الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ ، وَهُوَ وَاضِحٌ جَلِيٌّ ، وَإِنْ لَمْ أَرَ مَنْ
صَرَّحَ بِهِ ، وَالْكُفْرُ فِيهِ بِمَعْنَى أَنَّ ذَلِكَ يُؤَدِّي إلَيْهِ أَوْ
اسْتَحَلَّ أَوْ كَفَرَ النِّعْمَةَ
.
( الْكَبِيرَةُ الرَّابِعَةُ وَالتِّسْعُونَ بَعْدَ الْمِائَتَيْنِ
: الطَّعْنُ فِي النَّسَبِ الثَّابِتِ فِي ظَاهِرِ الشَّرْعِ ) قَالَ - تَعَالَى -
: { وَاَلَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا
اكْتَسَبُوا فَقَدْ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا } .
وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
: { اثْنَتَانِ فِي النَّاسِ هُمَا بِهِمْ كُفْرٌ : الطَّعْنُ فِي الْأَنْسَابِ ،
وَالنِّيَاحَةُ عَلَى الْمَيِّتِ
} .
تَنْبِيهٌ : عَدُّ هَذَا هُوَ صَرِيحُ هَذَا الْحَدِيثِ
وَهُوَ ظَاهِرٌ وَإِنْ لَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَهُ .
( الْكَبِيرَةُ الْخَامِسَةُ وَالتِّسْعُونَ بَعْدَ الْمِائَتَيْنِ
: أَنْ تُدْخِلَ الْمَرْأَةُ عَلَى قَوْمٍ مَنْ لَيْسَ مِنْهُمْ بِزِنًا أَوْ وَطْءِ
شُبْهَةٍ ) أَخْرَجَ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ وَالْبَيْهَقِيُّ
، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَمَّا نَزَلَتْ آيَةُ الْمُلَاعَنَةِ : أَيُّمَا
امْرَأَةٍ أَدْخَلَتْ عَلَى قَوْمٍ مَنْ لَيْسَ مِنْهُمْ فَلَيْسَتْ مِنْ اللَّهِ
فِي شَيْءٍ وَلَنْ يُدْخِلَهَا جَنَّتَهُ ، وَأَيُّمَا رَجُلٍ جَحَدَ وَلَدَهُ
وَهُوَ يَنْظُرُ إلَيْهِ احْتَجَبَ اللَّهُ عَنْهُ وَفَضَحَهُ عَلَى رُءُوسِ الْخَلَائِقِ
مِنْ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ
} .
كِتَابُ الْعِدَدِ .
( الْكَبِيرَةُ السَّادِسَةُ وَالتِّسْعُونَ بَعْدَ
الْمِائَتَيْنِ : الْخِيَانَةُ فِي انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ ) .
وَذِكْرُ هَذَا مِنْ الْكَبَائِرِ غَيْرُ بَعِيدٍ لِمَا
يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنْ تَسَلُّطِ الْأَجْنَبِيِّ عَلَى بَعْضِهَا بِغَيْرِ
حَقٍّ وَفِي ذَلِكَ مِنْ عَظِيمِ الضَّرَرِ وَالْمَفَاسِدِ مَا لَا يُحْصَى .
( الْكَبِيرَةُ السَّابِعَةُ وَالتِّسْعُونَ بَعْدَ
الْمِائَتَيْنِ : خُرُوجُ الْمُعْتَدَّةِ مِنْ الْمَسْكَنِ الَّذِي يَلْزَمُهَا
مُلَازَمَتُهُ إلَى انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ بِغَيْرِ عُذْرٍ شَرْعِيٍّ ) .
وَذِكْرُ هَذَا غَيْرُ بَعِيدٍ أَيْضًا قِيَاسًا عَلَى
خُرُوجِهَا مِنْ بَيْتِ زَوْجِهَا بِغَيْرِ إذْنِهِ ، بَلْ هَذَا أَوْلَى فِي
الْمُعْتَدَّةِ عَنْ وَفَاةٍ ؛ لِأَنَّ فِي مُلَازَمَتِهَا الْمَسْكَنَ حَقًّا
مُؤَكَّدًا لِلَّهِ - تَعَالَى - مِنْ حِفْظِ النَّسَبِ وَغَيْرِهِ .
( الْكَبِيرَةُ الثَّامِنَةُ وَالتِّسْعُونَ بَعْدَ
الْمِائَتَيْنِ : عَدَمُ إحْدَادِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا ) وَذِكْرُ
هَذَا غَيْرُ بَعِيدٍ لِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنْ الْمَفَاسِدِ الْكَثِيرَةِ .
( الْكَبِيرَةُ التَّاسِعَةُ وَالتِّسْعُونَ بَعْدَ
الْمِائَتَيْنِ : وَطْءُ الْأَمَةِ قَبْلَ اسْتِبْرَائِهَا ) وَذِكْرُ هَذَا
غَيْرُ بَعِيدٍ أَيْضًا ؛ لِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنْ اخْتِلَاطِ الْمِيَاهِ
وَضَيَاعِ الْأَنْسَابِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْمَفَاسِدِ ، ثُمَّ رَأَيْت خَبَرَ
مُسْلِمٍ الصَّرِيحَ فِيهِ إنْ كَانَتْ حَامِلًا .
وَسَبَبُهُ
: { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ
بِامْرَأَةٍ حَامِلٍ عَلَى بَابِ فُسْطَاطٍ فَسَأَلَ عَنْهَا ، فَقَالُوا هَذِهِ
أَمَةٌ لِفُلَانٍ ، فَقَالَ أَلَمَّ بِهَا ؟ قَالُوا : نَعَمْ .
فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَقَدْ
هَمَمْت أَنْ أَلْعَنَهُ لَعْنًا يَدْخُلُ مَعَهُ قَبْرَهُ ، كَيْفَ يُورِثُهُ وَهُوَ
لَا يَحِلُّ لَهُ ؟ كَيْفَ يَسْتَخْدِمُهُ وَهُوَ لَا يَحِلُّ لَهُ } : أَيْ ؛
لِأَنَّ أَمْرَ الْوَلَدِ مُشْكِلٌ إذْ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ مِنْهُ أَوْ مِنْ
غَيْرِهِ ، فَإِنْ كَانَ وَلَدَهُ لَمْ يَحِلَّ لَهُ نَفْيُهُ وَاسْتِرْقَاقُهُ وَاسْتِخْدَامُهُ
، وَإِنْ كَانَ وَلَدُ غَيْرِهِ لَمْ يَحِلَّ لَهُ اسْتِلْحَاقُهُ وَتَوْرِيثُهُ .
كِتَابُ النَّفَقَاتِ عَلَى الزَّوْجَاتِ وَالْأَقَارِبِ
وَالْمَمَالِيكِ مِنْ الرَّقِيقِ وَالدَّوَابِّ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ .
( الْكَبِيرَةُ الثَّلَاثُمِائَةِ : مَنْعُ نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ
أَوْ كِسْوَتِهَا مِنْ غَيْرِ مُسَوِّغٍ شَرْعِيٍّ ) .
وَذِكْرُ هَذَا ظَاهِرٌ نَظِيرَ مَا يَأْتِي فِي
الظُّلْمِ ؛ لِأَنَّ هَذَا مِنْ أَقْبَحِهِ ، وَيَأْتِي فِي الَّتِي بَعْدَ هَذِهِ
مَا لَهُ تَعَلُّقٌ تَامٌّ بِهَا
.
( الْكَبِيرَةُ الْحَادِيَةُ بَعْدَ الثَّلَاثِمِائَةِ :
إضَاعَةُ عِيَالِهِ كَأَوْلَادِهِ الصِّغَارِ ) أَخْرَجَ أَبُو دَاوُد
وَالنَّسَائِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ
: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { كَفَى بِالْمَرْءِ
إثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَقُوتُ
} .
رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ .
إلَّا أَنَّهُ قَالَ : { مَنْ يَعُولُ } .
وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ { إنَّ اللَّهَ سَائِلٌ
كُلَّ رَاعٍ عَمَّا اسْتَرْعَاهُ أَحَفِظَ أَمْ ضَيَّعَ حَتَّى يَسْأَلَ الرَّجُلَ
عَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ } .
وَالشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا : { كُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ
عَنْ رَعِيَّتِهِ ، الْإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، وَالرَّجُلُ
رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي
بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا ، وَالْخَادِمُ رَاعٍ فِي مَالِ
سَيِّدِهِ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، وَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ
رَعِيَّتِهِ } .
تَنْبِيهٌ : ذِكْرُ هَذَا ظَاهِرٌ كَاَلَّذِي قَبْلَهُ ؛
لِأَنَّهُ أَيْضًا مِنْ أَقْبَحِ الظُّلْمِ وَأَفْحَشِهِ .
فَائِدَةٌ : فِي ذِكْرِ مَا وَرَدَ مِنْ الْحَثِّ عَلَى
الْإِحْسَانِ إلَى الزَّوْجَةِ وَالْعِيَالِ سِيَّمَا الْبَنَاتُ .
أَخْرَجَ مُسْلِمٌ : { دِينَارٌ أَنْفَقْتَهُ فِي
سَبِيلِ اللَّهِ ، وَدِينَارٌ أَنْفَقْتَهُ فِي رَقَبَةٍ ، وَدِينَارٌ تَصَدَّقْتَ
بِهِ عَلَى مِسْكِينٍ ، وَدِينَارٌ أَنْفَقْتَهُ عَلَى أَهْلِك أَعْظَمُهَا
أَجْرًا الَّذِي أَنْفَقْتَهُ عَلَى أَهْلِك } .
وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ : { أَفْضَلُ دِينَارٍ يُنْفِقُهُ
الرَّجُلُ دِينَارٌ يُنْفِقُهُ عَلَى عِيَالِهِ ، وَدِينَارٌ يُنْفِقُهُ عَلَى
دَابَّتِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، وَدِينَارٌ يُنْفِقُهُ عَلَى أَصْحَابِهِ فِي
سَبِيلِ اللَّهِ } .
قَالَ أَبُو قِلَابَةَ : بَدَأَ بِالْعِيَالِ ، وَأَيُّ
رَجُلٍ أَعْظَمُ أَجْرًا مِنْ رَجُلٍ يُنْفِقُ عَلَى عِيَالٍ صِغَارٍ يُعِفُّهُمْ
اللَّهُ أَوْ يَنْفَعُهُمْ اللَّهُ لَهُ وَيُغْنِيهِمْ .
وَابْنُ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ ، وَكَذَا
التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ بِنَحْوِهِ : { عُرِضَ عَلَيَّ أَوَّلُ ثَلَاثَةٍ
يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ ،
وَأَوَّلُ ثَلَاثَةٍ يَدْخُلُونَ النَّارَ .
فَأَمَّا أَوَّلُ ثَلَاثَةٍ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ :
فَالشَّهِيدُ ، وَعَبْدٌ مَمْلُوكٌ أَحْسَنَ عِبَادَةَ رَبِّهِ وَنَصَحَ
لِسَيِّدِهِ ، وَعَفِيفٌ مُتَعَفِّفٌ ذُو عِيَالٍ .
وَأَمَّا أَوَّلُ ثَلَاثَةٍ يَدْخُلُونَ النَّارَ
فَأَمِيرٌ مُسَلَّطٌ ، وَذُو ثَرْوَةٍ مِنْ مَالٍ لَا يُؤَدِّي حَقَّ اللَّهِ مِنْ
مَالِهِ ، وَفَقِيرٌ فَخُورٌ }
.
وَالشَّيْخَانِ مِنْ جُمْلَةِ حَدِيثٍ طَوِيلٍ لِسَعْدِ
بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ : { وَإِنَّك لَنْ تُنْفِقَ نَفَقَةً تَبْتَغِي بِهَا وَجْهَ
اللَّهِ إلَّا أُجِرْت عَلَيْهَا حَتَّى مَا تَجْعَلُ فِي فِي امْرَأَتِكَ } .
وَأَحْمَدُ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ : { مَا أَطْعَمْت
نَفْسَك فَهُوَ لَك صَدَقَةٌ }
- أَيْ إنْ كَانَ مَا لَا بُدَّ مِنْهُ بِقَصْدِ
التَّقَوِّي بِهِ عَلَى الطَّاعَةِ كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ مِنْ الْقَوَاعِدِ
الشَّرْعِيَّةِ - { وَمَا أَطْعَمْت وَلَدَك فَهُوَ لَك صَدَقَةٌ ، وَمَا
أَطْعَمْت زَوْجَتَك فَهُوَ لَك صَدَقَةٌ ، وَمَا أَطْعَمْت خَادِمَك فَهُوَ لَك
صَدَقَةٌ } .
وَالطَّبَرَانِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ : { مَنْ أَنْفَقَ
عَلَى نَفْسِهِ نَفَقَةً يَسْتَعِفُّ بِهَا فَهِيَ صَدَقَةٌ .
مَنْ أَنْفَقَ عَلَى امْرَأَتِهِ وَوَلَدِهِ وَأَهْلِ
بَيْتِهِ فَهِيَ صَدَقَةٌ } ، وَهَذَا مُفَسِّرٌ لِمَا قَبْلَهُ .
وَالطَّبَرَانِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَالشَّيْخَانِ
بِنَحْوِهِ : { الْيَدُ الْعُلْيَا أَفْضَلُ مِنْ الْيَدِ السُّفْلَى وَابْدَأْ
بِمَنْ تَعُولُ أُمَّك وَأَبَاك وَأُخْتَك وَأَخَاك وَأَدْنَاك فَأَدْنَاك } .
وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَوْمًا لِأَصْحَابِهِ : { تَصَدَّقُوا فَقَالَ رَجُلٌ
يَا رَسُولَ اللَّهِ عِنْدِي دِينَارٌ قَالَ أَنْفِقْهُ عَلَى نَفْسِك ، قَالَ إنَّ
عِنْدِي آخَرَ قَالَ أَنْفِقْهُ عَلَى زَوْجَتِك ، قَالَ إنَّ عِنْدِي آخَرَ قَالَ
أَنْفِقْهُ عَلَى وَلَدِك ، قَالَ إنَّ عِنْدِي آخَرَ قَالَ أَنْفِقْهُ عَلَى
خَادِمِك ، قَالَ إنَّ عِنْدِي آخَرَ قَالَ أَنْتَ أَبْصَرُ بِهِ } .
وَالطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ رِجَالُهُ رِجَالُ
الصَّحِيحِ : { أَنَّ رَجُلًا مَرَّ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ فَرَأَوْا مِنْ جَلَدِهِ وَنَشَاطِهِ ،
فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ كَانَ هَذَا فِي
سَبِيلِ اللَّهِ ، فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إنْ كَانَ خَرَجَ
يَسْعَى عَلَى وَلَدِهِ صِغَارًا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، وَإِنْ كَانَ
خَرَجَ يَسْعَى عَلَى أَبَوَيْنِ شَيْخَيْنِ كَبِيرَيْنِ فَهُوَ فِي سَبِيلِ
اللَّهِ ، وَإِنْ كَانَ خَرَجَ يَسْعَى عَلَى نَفْسِهِ يُعِفُّهَا فَهُوَ فِي سَبِيلِ
اللَّهِ ، وَإِنْ كَانَ خَرَجَ يَسْعَى رِيَاءً وَمُفَاخَرَةً فَهُوَ فِي سَبِيلِ الشَّيْطَانِ } .
وَالدَّارَقُطْنِيُّ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَ إسْنَادَهُ
: { كُلُّ مَعْرُوفٍ صَدَقَةٌ ، وَمَا أَنْفَقَ الرَّجُلُ عَلَى أَهْلِهِ كُتِبَ
لَهُ صَدَقَةٌ ، وَمَا وَقَى بِهِ الْمَرْءُ عِرْضَهُ كُتِبَ لَهُ بِهِ صَدَقَةٌ ،
وَمَا أَنْفَقَ الْمُؤْمِنُ مِنْ نَفَقَةٍ فَإِنَّ خَلَفَهَا عَلَى اللَّهِ
وَاَللَّهُ ضَامِنٌ إلَّا مَا كَانَ فِي بُنْيَانٍ أَوْ مَعْصِيَةٍ } ،
وَفُسِّرَتْ وِقَايَةُ الْعِرْضِ بِمَا يُعْطَى لِلشَّاعِرِ وَذِي اللِّسَانِ
الْمُتَّقَى .
وَالْبَزَّارُ بِسَنَدٍ رُوَاتُهُ مُحْتَجٌّ بِهِمْ فِي
الصَّحِيحِ إلَّا وَاحِدًا مِنْهُمْ فِي كَلَامٍ مُرِيبٍ .
قَالَ الْحَافِظُ الْمُنْذِرِيُّ بَعْدَ ذِكْرِهِ ذَلِكَ
الْحَدِيثَ غَرِيبٌ : { إنَّ الْمَعُونَةَ تَأْتِي مِنْ اللَّهِ عَلَى قَدْرِ
الْمُؤْنَةِ ، وَإِنَّ الصَّبْرَ يَأْتِي مِنْ اللَّهِ عَلَى قَدْرِ الْبَلَاءِ } .
وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ : { أَوَّلُ مَا
يُوضَعُ فِي مِيزَانِ الْعَبْدِ نَفَقَتُهُ عَلَى أَهْلِهِ } .
وَالطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ : { كُلُّ مَا
صَنَعْت إلَى أَهْلِك فَهُوَ صَدَقَةٌ عَلَيْهِمْ } .
وَالشَّيْخَانِ : { أَنَّ امْرَأَةً دَخَلَتْ تَسْأَلُ
عَائِشَةَ وَمَعَهَا بِنْتَاهَا فَلَمْ تَجِدْ إلَّا تَمْرَةً فَأَعْطَتْهَا
إيَّاهَا فَقَسَمَتْهَا بَيْنَ بِنْتَيْهَا وَلَمْ تَأْكُلْ مِنْهَا ، فَذَكَرَتْ
عَائِشَةُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ :
مَنْ اُبْتُلِيَ مِنْ هَذِهِ الْبَنَاتِ بِشَيْءٍ فَأَحْسَنَ إلَيْهِنَّ كُنَّ لَهُ
سِتْرًا أَوْ حِجَابًا مِنْ النَّارِ
} .
وَمُسْلِمٌ : { إنَّ مِسْكِينَةً جَاءَتْهَا بِبِنْتَيْهَا
فَأَعْطَتْهَا ثَلَاثَ تَمَرَاتٍ ، فَأَعْطَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا تَمْرَةً
، وَرَفَعَتْ إلَى
فِيهَا تَمْرَةً لِتَأْكُلَهَا فَاسْتَطْعَمَتْهَا
ابْنَتَاهَا فَشَقَّتْ التَّمْرَةَ الَّتِي كَانَتْ تُرِيدُ أَنْ تَأْكُلَهَا
بَيْنَهُمَا فَأَعْجَبَهَا شَأْنُهَا فَذَكَرَتْهُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : إنَّ اللَّهَ قَدْ أَوْجَبَ لَهَا بِهَا الْجَنَّةَ
أَوْ أَعْتَقَهَا بِهَا مِنْ النَّارِ
} .
وَمُسْلِمٌ : { مَنْ عَالَ جَارِيَتَيْنِ حَتَّى
تَبْلُغَا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنَا وَهُوَ وَضَمَّ أَصَابِعَهُ } .
وَالتِّرْمِذِيُّ وَلَفْظُهُ : { مَنْ عَالَ
جَارِيَتَيْنِ دَخَلْت أَنَا وَهُوَ الْجَنَّةَ كَهَاتَيْنِ وَأَشَارَ
بِأُصْبُعَيْهِ } .
وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَلَفْظُهُ : { مَنْ
عَالَ ابْنَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا أَوْ أُخْتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا حَتَّى يَبْنِينَ
أَوْ يَمُوتَ عَنْهُنَّ كُنْت أَنَا وَهُوَ فِي الْجَنَّةِ كَهَاتَيْنِ وَأَشَارَ
بِأُصْبُعَيْهِ السَّبَّابَةِ وَاَلَّتِي تَلِيهَا } .
وَفِي أُخْرَى صَحَّحَهَا جَمَاعَةٌ : { مَا مِنْ
مُسْلِمٍ لَهُ ابْنَتَانِ فَيُحْسِنُ إلَيْهِمَا مَا صَحِبَتَاهُ أَوْ صَحِبَهُمَا
إلَّا أَدْخَلَتَاهُ الْجَنَّةَ
} .
وَفِي أُخْرَى شَوَاهِدُهَا كَثِيرَةٌ : { مَا مِنْ
مُسْلِمٍ لَهُ ثَلَاثُ بَنَاتٍ فَيُنْفِقُ عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَبْنِينَ أَوْ
يَمُتْنَ إلَّا كُنَّ لَهُ حِجَابًا مِنْ النَّارِ ، فَقَالَتْ لَهُ امْرَأَةٌ
أَوْ بِنْتَانِ ؟ فَقَالَ وَبِنْتَانِ
} .
وَفِي أُخْرَى لِلتِّرْمِذِيِّ : { فَأَحْسَنَ
صُحْبَتَهُنَّ وَاتَّقَى اللَّهَ فِيهِنَّ فَلَهُ الْجَنَّةُ } .
وَفِي أُخْرَى لِأَبِي دَاوُد : { فَأَدَّبَهُنَّ
وَأَحْسَنَ إلَيْهِنَّ وَزَوَّجَهُنَّ فَلَهُ الْجَنَّةُ } .
وَأَبُو دَاوُد وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ : { مَنْ
كَانَتْ لَهُ أُنْثَى فَلَمْ يَئِدْهَا - أَيْ يَدْفِنْهَا حَيَّةً عَلَى عَادَةِ
الْجَاهِلِيَّةِ - وَلَمْ يُهِنْهَا وَلَمْ يُؤْثِرْ وَلَدَهُ يَعْنِي الذَّكَرَ
عَلَيْهَا أَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ } .
وَأَحْمَدُ وَالطَّبَرَانِيُّ : { مَنْ أَنْفَقَ عَلَى ابْنَتَيْنِ
أَوْ أُخْتَيْنِ أَوْ ذَوَاتَيْ قَرَابَةٍ يَحْتَسِبُ النَّفَقَةَ عَلَيْهِمَا
حَتَّى يُغْنِيَهُمَا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ أَوْ يَكْفِيَهُمَا كَانَتَا لَهُ
سِتْرًا مِنْ النَّارِ } .
وَأَحْمَدُ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ عَنْ جَابِرٍ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { مَنْ كُنَّ لَهُ ثَلَاثُ بَنَاتٍ
يُؤْوِيهِنَّ وَيَرْحَمُهُنَّ وَيَكْفُلُهُنَّ وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ
أَلْبَتَّةَ قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ ؟ قَالَ
وَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ .
قَالَ فَرَأَى بَعْضُ الْقَوْمِ أَنْ لَوْ قَالَ
وَاحِدَةً لَقَالَ وَاحِدَةً }
.
وَرَوَاهُ الْبَزَّارُ وَالطَّبَرَانِيُّ : وَزَادَ {
وَيُزَوِّجُهُنَّ } .
وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ : { مَنْ كَانَ لَهُ ثَلَاثُ
بَنَاتٍ يَصْبِرُ عَلَى لَأْوَائِهِنَّ وَضَرَّائِهِنَّ وَسَرَّائِهِنَّ
أَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ بِرَحْمَتِهِ إيَّاهُنَّ .
فَقَالَ رَجُلٌ : وَابْنَتَانِ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟
قَالَ وَابْنَتَانِ ، قَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَوَاحِدَةٌ ؟ قَالَ
وَوَاحِدَةٌ } .
( الْكَبِيرَةُ الثَّانِيَةُ بَعْدَ الثَّلَاثِمِائَةِ :
عُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا وَإِنْ عَلَا وَلَوْ مَعَ وُجُودِ
أَقْرَبَ مِنْهُ ) قَالَ - تَعَالَى - : { وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ
شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إحْسَانًا } قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : يُرِيدُ الْبِرَّ بِهِمَا
مَعَ اللُّطْفِ وَلِينِ الْجَانِبِ ، فَلَا يُغْلِظُ لَهُمَا فِي الْجَوَابِ ،
وَلَا يُحِدُّ النَّظَرَ إلَيْهِمَا ، وَلَا يَرْفَعُ صَوْتَهُ عَلَيْهِمَا ،
بَلَى يَكُونُ بَيْنَ يَدَيْهِمَا مِثْلَ الْعَبْدِ بَيْنَ يَدَيْ السَّيِّدِ
تَذَلُّلًا لَهُمَا ، وَقَالَ - تَعَالَى - : { وَقَضَى رَبُّك أَلَّا تَعْبُدُوا
إلَّا إيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إحْسَانًا إمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَك الْكِبَرَ
أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا
وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنْ
الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا } أَمَرَ
اللَّهُ -
تَعَالَى - بِالْإِحْسَانِ إلَيْهِمَا ، وَهُوَ الْبِرُّ
وَالشَّفَقَةُ وَالْعَطْفُ وَالتَّوَدُّدُ وَإِيثَارُ رِضَاهُمَا .
وَنَهَى عَنْ أَنْ يُقَالَ لَهُمَا أُفٍّ ، إذْ هُوَ
كِنَايَةٌ عَنْ الْإِيذَاءِ بِأَيِّ نَوْعٍ كَانَ حَتَّى بِأَقَلِّ أَنْوَاعِهِ ،
وَمِنْ ثَمَّ وَرَدَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قَالَ : { لَوْ
عَلِمَ اللَّهُ شَيْئًا أَدْنَى مِنْ أُفٍّ لَنَهَى عَنْهُ ، فَلْيَعْمَلْ
الْعَاقُّ مَا شَاءَ أَنْ يَعْمَلَ فَلَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ ، وَلْيَعْمَلْ
الْبَارُّ مَا شَاءَ أَنْ يَعْمَلَ فَلَنْ يَدْخُلَ النَّارَ } .
ثُمَّ أَمَرَ بِأَنْ يُقَالَ لَهُمَا الْقَوْلُ
الْكَرِيمُ : أَيْ اللَّيِّنُ اللَّطِيفُ الْمُشْتَمِلُ عَلَى الْعَطْفِ
وَالِاسْتِمَالَةِ وَمُوَافَقَةِ مُرَادِهِمَا وَمَيْلِهِمَا وَمَطْلُوبِهِمَا مَا
أَمْكَنَ سِيَّمَا عِنْدَ الْكِبَرِ ، فَإِنَّ الْكَبِيرَ يَصِيرُ كَحَالِ
الطِّفْلِ وَأَرْذَلَ ؛ لِمَا يَغْلِبُ عَلَيْهِ مِنْ الْخَرَفِ وَفَسَادِ
التَّصَوُّرِ ، فَيَرَى الْقَبِيحَ حَسَنًا وَالْحَسَنَ قَبِيحًا ، فَإِذَا
طَلَبْت رِعَايَتَهُ وَغَايَةَ التَّلَطُّفِ بِهِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَأَنْ
يَتَقَرَّبَ إلَيْهِ بِمَا يُنَاسِبُ عَقْلَهُ إلَى أَنْ
يَرْضَى فَفِي غَيْرِ هَذِهِ الْحَالَةِ أَوْلَى .
ثُمَّ أَمَرَ - تَعَالَى - بَعْدَ الْقَوْلِ الْكَرِيمِ
بِأَنْ يَخْفِضَ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنْ الْقَوْلِ بِأَنْ لَا
يُكَلِّمَهُمَا إلَّا مَعَ الِاسْتِكَانَةِ وَالذُّلِّ وَالْخُضُوعِ وَإِظْهَارِ
ذَلِكَ لَهُمَا ، وَاحْتِمَالِ مَا يَصْدُرُ مِنْهُمَا ، وَيُرِيهِمَا أَنَّهُ فِي
غَايَةِ التَّقْصِيرِ فِي حَقِّهِمَا وَبِرِّهِمَا ، وَأَنَّهُ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ
ذَلِيلٌ حَقِيرٌ ، وَلَا يَزَالُ عَلَى نَحْوِ ذَلِكَ إلَى أَنْ يُثَلِّجَ خَاطِرَهُمَا
، وَيُبَرِّدَ قَلْبَهُمَا عَلَيْهِ ، فَيَنْعَطِفَا عَلَيْهِ بِالرِّضَا
وَالدُّعَاءِ ؛ وَمِنْ ثَمَّ طَلَبَ مِنْهُ بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ يَدْعُوَ لَهُمَا ؛
لِأَنَّ مَا سَبَقَ يَقْتَضِي دُعَاءَهُمَا لَهُ كَمَا تَقَرَّرَ
فَلْيُكَافِئْهُمَا إنْ فُرِضَتْ مُسَاوَاةٌ ، وَإِلَّا فَشَتَّانَ مَا بَيْنَ
الْمَرْتَبَتَيْنِ ، وَكَيْفَ تُتَوَهَّمُ الْمُسَاوَاةُ ، وَقَدْ كَانَا
يَحْمِلَانِ أَذَاك وَكَلَّك وَعَظِيمَ الْمَشَقَّةِ فِي تَرْبِيَتِك ، وَغَايَةَ
الْإِحْسَانِ إلَيْك ، رَاجِينَ حَيَاتَك ، مُؤَمَّلِينَ سَعَادَتَك ، وَأَنْتَ
إنْ حَمَلْت شَيْئًا مِنْ أَذَاهُمَا رَجَوْت مَوْتَهُمَا ، وَسَئِمْت مِنْ
مُصَاحَبَتِهِمَا ؛ وَلِكَوْنِ الْأُمِّ أَحْمَلَ لِذَلِكَ وَأَصْبَرَ عَلَيْهِ
مَعَ أَنَّ عَنَاءَهَا أَكْثَرُ وَشَفَقَتَهَا أَعْظَمُ بِمَا قَاسَتْهُ مِنْ
حَمْلٍ وَطَلْقٍ وَوِلَادَةٍ وَرَضَاعٍ وَسَهَرِ لَيْلٍ ، وَتَلَطُّخٍ بِالْقَذَرِ
وَالنَّجَسِ ، وَتَجَنُّبٍ لِلنَّظَافَةِ وَالتَّرَفُّهِ حَضَّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى بِرِّهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ، وَعَلَى بِرِّ الْأَبِ
مَرَّةً وَاحِدَةً كَمَا فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ : { أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إلَى
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ
أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ صَحَابَتِي ؟ قَالَ أُمُّك ، قَالَ ثُمَّ مَنْ ؟ قَالَ
أُمُّك ، قَالَ ثُمَّ مَنْ ؟ قَالَ : أُمُّك ، قَالَ ثُمَّ مَنْ ؟ قَالَ أَبُوك
ثُمَّ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ
} .
وَقَدْ رَأَى ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا رَجُلًا
يَطُوفُ بِالْكَعْبَةِ حَامِلًا أُمَّهُ عَلَى رَقَبَتِهِ فَقَالَ : يَا ابْنَ
عُمَرَ أَتَرَى أَنِّي جَزَيْتهَا ؟ قَالَ : لَا
وَلَا بِطَلْقَةٍ وَاحِدَةٍ وَلَكِنَّك أَحْسَنْت
وَاَللَّهُ يُثِيبُك عَلَى الْقَلِيلِ كَثِيرًا .
{ وَجَاءَ رَجُلٌ إلَى أَبِي الدَّرْدَاءِ فَقَالَ : يَا
أَبَا الدَّرْدَاءِ إنَّ لِي امْرَأَةً وَإِنَّ أُمِّيَ تَأْمُرُنِي بِطَلَاقِهَا
فَقَالَ سَمِعْت رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : الْوَالِدَةُ
أَوْسَطُ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ فَإِنْ شِئْت فَأَضِعْ ذَلِكَ الْبَابَ أَوْ
احْفَظْهُ } .
وَقَالَ - تَعَالَى - : { أَنْ اُشْكُرْ لِي
وَلِوَالِدَيْكَ } فَانْظُرْ - وَفَّقَنِي اللَّهُ وَإِيَّاكَ - كَيْفَ قَرَنَ
شُكْرَهُمَا بِشُكْرِهِ .
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا :
ثَلَاثُ آيَاتٍ نَزَلَتْ مَقْرُونَةً بِثَلَاثٍ لَمْ تُقْبَلْ مِنْهَا وَاحِدَةٌ
بِغَيْرِ قَرِينَتِهَا .
إحْدَاهَا : قَوْله تَعَالَى : { أَطِيعُوا اللَّهَ
وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ } فَمَنْ أَطَاعَ اللَّهَ وَلَمْ يُطِعْ رَسُولَهُ لَمْ
يُقْبَلْ مِنْهُ .
وَالثَّانِيَةُ قَوْله تَعَالَى : { وَأَقِيمُوا
الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ } فَمَنْ صَلَّى وَلَمْ يُزَكِّ لَمْ يُقْبَلْ
مِنْهُ .
الثَّالِثَةُ قَوْله تَعَالَى : { أَنْ اُشْكُرْ لِي
وَلِوَالِدَيْكَ } فَمَنْ شَكَرَ اللَّهَ وَلَمْ يَشْكُرْ وَالِدَيْهِ لَمْ
يُقْبَلْ مِنْهُ ، وَلِذَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { رِضَا
اللَّهِ فِي رِضَا الْوَالِدَيْنِ وَسَخَطُ اللَّهِ فِي سَخَطِ الْوَالِدَيْنِ } .
وَصَحَّ { أَنَّ رَجُلًا جَاءَ يَسْتَأْذِنُ النَّبِيَّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْجِهَادِ مَعَهُ ، فَقَالَ أَحَيٌّ
وَالِدَاك ؟ قَالَ نَعَمْ ، قَالَ فَفِيهِمَا فَجَاهِدْ } .
فَانْظُرْ كَيْفَ فَضَّلَ بِرَّ الْوَالِدَيْنِ
وَخِدْمَتَهُمَا عَلَى الْجِهَادِ مَعَهُ ، وَسَيَأْتِي فِي حَدِيثِ
الصَّحِيحَيْنِ : { أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ ؟ الْإِشْرَاكُ
بِاَللَّهِ ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ
} .
فَانْظُرْ كَيْفَ قَرَنَ الْإِسَاءَةَ إلَيْهِمَا
وَعَدَمَ الْبِرِّ وَالْإِحْسَانِ إلَيْهِمَا بِالْإِشْرَاكِ بِاَللَّهِ -
تَعَالَى - ، وَأَكَّدَ ذَلِكَ بِأَمْرِهِ بِمُصَاحَبَتِهِمَا بِالْمَعْرُوفِ
وَإِنْ كَانَا يُجَاهِدَانِ الْوَلَدَ عَلَى أَنْ يُشْرِكَ بِاَللَّهِ - تَعَالَى - .
قَالَ - تَعَالَى - : { وَإِنْ جَاهَدَاك
عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَك بِهِ عِلْمٌ
فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ
مَنْ أَنَابَ إلَيَّ } فَإِذَا أَمَرَ اللَّهُ - تَعَالَى - بِمُصَاحَبَةِ
هَذَيْنِ بِالْمَعْرُوفِ مَعَ هَذَا الْقُبْحِ الْعَظِيمِ الَّذِي يَأْمُرَانِ وَلَدَهُمَا
بِهِ وَهُوَ الْإِشْرَاكُ بِاَللَّهِ - تَعَالَى - فَمَا الظَّنُّ
بِالْوَالِدَيْنِ الْمُسْلِمَيْنِ سِيَّمَا إنْ كَانَا صَالِحَيْنِ ، تَاللَّهِ
إنَّ حَقَّهُمَا لَمِنْ أَشَدِّ الْحُقُوقِ وَآكَدِهَا وَإِنَّ الْقِيَامَ بِهِ
عَلَى وَجْهِهِ أَصْعَبُ الْأُمُورِ وَأَعْظَمُهَا ، فَالْمُوَفَّقُ مَنْ هُدِيَ
إلَيْهَا وَالْمَحْرُومُ كُلُّ الْمَحْرُومِ مَنْ صُرِفَ عَنْهَا .
وَقَدْ جَاءَ فِي السُّنَّةِ مِنْ التَّأْكِيدِ فِي
ذَلِكَ مَا لَا تُحْصَى كَثْرَتُهُ وَلَا تُحَدُّ غَايَتُهُ ؛ فَمِنْ ذَلِكَ
أَخْرَجَ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا عَنْ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { أَلَا
أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ ثَلَاثًا ؟ قُلْنَا بَلَى يَا رَسُولَ
اللَّهِ ، قَالَ الْإِشْرَاكُ بِاَللَّهِ ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ ، وَكَانَ
مُتَّكِئًا فَجَلَسَ فَقَالَ أَلَا وَقَوْلُ الزُّورِ وَشَهَادَةُ الزُّورِ ،
فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا حَتَّى قُلْنَا لَيْتَهُ سَكَتَ } .
وَالْبُخَارِيُّ : { الْكَبَائِرُ الْإِشْرَاكُ
بِاَللَّهِ ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ ، وَقَتْلُ النَّفْسِ ، وَالْيَمِينُ
الْغَمُوسُ } .
وَالشَّيْخَانِ عَنْ أَنَسٍ قَالَ : ذَكَرَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْكَبَائِرَ فَقَالَ : { الشِّرْكُ
بِاَللَّهِ ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ } .
وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ { أَنَّهُ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَ فِي كِتَابِهِ الَّذِي كَتَبَهُ إلَى أَهْلِ
الْيَمَنِ وَبَعَثَ بِهِ عَمْرَو بْنَ حَزْمٍ : وَإِنَّ أَكْبَرَ الْكَبَائِرِ
عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الْإِشْرَاكُ بِاَللَّهِ ، وَقَتْلُ النَّفْسِ
الْمُؤْمِنَةِ بِغَيْرِ حَقٍّ وَالْفِرَارُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَوْمَ الزَّحْفِ
، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ ، وَرَمْيُ الْمُحْصَنَةِ ، وَتَعَلُّمُ السِّحْرِ ،
وَأَكْلُ الرِّبَا ، وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ
} الْحَدِيثَ
.
وَالشَّيْخَانِ : { إنَّ مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ
أَنْ يَلْعَنَ الرَّجُلُ وَالِدَيْهِ ، قِيلَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ وَكَيْفَ
يَلْعَنُ الرَّجُلُ وَالِدَيْهِ ؟ قَالَ : يَسُبُّ أَبَا الرَّجُلِ فَيَسُبُّ
الرَّجُلُ أَبَاهُ } .
وَفِي رِوَايَةٍ لَهُمَا : { مِنْ الْكَبَائِرِ شَتْمُ
الرَّجُلِ وَالِدَيْهِ ، قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ وَهَلْ يَشْتُمُ الرَّجُلُ
وَالِدَيْهِ ؟ قَالَ : نَعَمْ يَسُبُّ أَبَا الرَّجُلِ فَيَسُبُّ أَبَاهُ
وَيَسُبُّ أُمَّهُ فَيَسُبُّ أُمَّهُ
} .
وَالْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ : { إنَّ اللَّهَ حَرَّمَ
عَلَيْكُمْ عُقُوقَ الْأُمَّهَاتِ وَوَأْدَ الْبَنَاتِ وَمَنْعًا وَهَاتِ ،
وَكَرِهَ لَكُمْ قِيلَ وَقَالَ وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ وَإِضَاعَةَ الْمَالِ } .
وَالنَّسَائِيُّ وَالْبَزَّارُ وَاللَّفْظُ لَهُ
بِإِسْنَادَيْنِ جَيِّدَيْنِ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ : { ثَلَاثَةٌ لَا يَنْظُرُ
اللَّهُ إلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الْعَاقُّ لِوَالِدَيْهِ ، وَمُدْمِنُ
الْخَمْرِ ، وَالْمَنَّانُ عَطَاءَهُ
.
وَثَلَاثَةٌ لَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ : الْعَاقُّ
لِوَالِدَيْهِ وَالدَّيُّوثُ وَالرَّجِلَةُ مِنْ النِّسَاءِ } ، وَالرَّجِلَةُ
بِفَتْحٍ فَكَسْرٍ الْمُتَرَجِّلَةُ ، أَيْ الْمُتَشَبِّهَةُ بِالرِّجَالِ .
وَأَحْمَدُ وَاللَّفْظُ لَهُ وَالنَّسَائِيُّ
وَالْبَزَّارُ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ : { ثَلَاثَةٌ حَرَّمَ اللَّهُ -
تَبَارَكَ وَتَعَالَى - عَلَيْهِمْ الْجَنَّةَ : مُدْمِنُ الْخَمْرِ ، وَالْعَاقُّ
لِوَالِدَيْهِ ، وَالدَّيُّوثُ الَّذِي يُقِرُّ الْخَبَثَ فِي أَهْلِهِ } ، أَيْ
الزِّنَا مَعَ عِلْمِهِ بِهِ .
وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الصَّغِيرِ : { يُرَاحُ رِيحُ
الْجَنَّةِ مِنْ مَسِيرَةِ خَمْسِمِائَةِ عَامٍ وَلَا يَجِدُ رِيحَهُ مَنَّانٌ
بِعَمَلِهِ وَلَا عَاقٌّ وَلَا مُدْمِنُ خَمْرٍ } وَابْنُ أَبِي عَاصِمٍ
بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ : { ثَلَاثَةٌ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْهُمْ
صَرْفًا وَلَا عَدْلًا عَاقٌّ وَمَنَّانٌ وَمُكَذِّبٌ بِقَدْرٍ } .
وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ : { أَرْبَعٌ حَقَّ عَلَى اللَّهِ
أَنْ لَا يُدْخِلَهُمْ الْجَنَّةَ وَلَا يُذِيقَهُمْ نَعِيمَهَا : مُدْمِنُ
الْخَمْرِ ، وَآكِلُ الرِّبَا ، وَآكِلُ مَالِ الْيَتِيمِ بِغَيْرِ حَقٍّ ،
وَالْعَاقُّ لِوَالِدَيْهِ }
.
وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ : { ثَلَاثَةٌ لَا
يَنْفَعُ مَعَهُنَّ عَمَلٌ : الشِّرْكُ بِاَللَّهِ ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ ،
وَالْفِرَارُ مِنْ الزَّحْفِ }
.
وَأَحْمَدُ وَالطَّبَرَانِيُّ بِإِسْنَادَيْنِ
أَحَدُهُمَا صَحِيحٌ ، وَابْنَا خُزَيْمَةَ وَحِبَّانَ فِي صَحِيحَيْهِمَا
بِاخْتِصَارٍ : { جَاءَ رَجُلٌ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ شَهِدْت أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّك
رَسُولُ اللَّهِ وَصَلَّيْت الْخَمْسَ وَأَدَّيْت زَكَاةَ مَالِي وَصُمْت
رَمَضَانَ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَنْ
مَاتَ عَلَى هَذَا كَانَ مَعَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ
يَوْمَ الْقِيَامَةِ هَكَذَا ، وَنَصَبَ أُصْبُعَيْهِ مَا لَمْ يَعُقَّ
وَالِدَيْهِ } .
وَأَحْمَدُ وَغَيْرُهُ عَنْ { مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : أَوْصَانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ بِعَشْرِ كَلِمَاتٍ ، قَالَ : لَا تُشْرِكْ بِاَللَّهِ شَيْئًا وَإِنْ
قَتَلْت وَحَرَقْت ، وَلَا تَعُقَّنَّ وَالِدَيْك وَإِنْ أَمَرَاك أَنْ تَخْرُجَ
مِنْ أَهْلِك وَمَالِكِ } الْحَدِيثَ
.
وَمَرَّ أَوَائِلَ كِتَابِ الصَّلَاةِ .
وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ عَنْ { جَابِرِ بْنِ
عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ مُجْتَمِعُونَ ، فَقَالَ يَا
مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ : اتَّقُوا اللَّهَ وَصِلُوا أَرْحَامَكُمْ فَإِنَّهُ لَيْسَ
مِنْ ثَوَابٍ أَسْرَعَ مِنْ صِلَةِ الرَّحِمِ ، وَإِيَّاكُمْ وَالْبَغْيَ
فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ عُقُوبَةٍ أَسْرَعَ مِنْ عُقُوبَةِ بَغْيٍ ، وَإِيَّاكُمْ
وَعُقُوقَ الْوَالِدَيْنِ فَإِنَّ رِيحَ الْجَنَّةِ يُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَلْفِ
عَامٍ وَإِنَّهُ لَا يَجِدُ رِيحَهَا عَاقٌّ وَلَا قَاطِعُ رَحِمٍ وَلَا شَيْخٌ
زَانٍ وَلَا جَارٍّ إزَارَهُ خُيَلَاءَ ، إنَّمَا الْكِبْرِيَاءُ لِلَّهِ رَبِّ
الْعَالَمِينَ ، وَالْكَذِبُ كُلُّهُ إثْمٌ إلَّا مَا نَفَعْت بِهِ مُؤْمِنًا
وَدَفَعْت بِهِ عَنْ دِينٍ ، وَإِنَّ فِي الْجَنَّةِ لَسُوقًا مَا يُبَاعُ فِيهَا
وَلَا يُشْتَرَى لَيْسَ فِيهَا إلَّا الصُّوَرُ
فَمَنْ أَحَبَّ صُورَةً مِنْ رَجُلٍ أَوْ امْرَأَةٍ
دَخَلَ فِيهَا } .
وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ فِيهِ
مَتْرُوكًا : { أَرْبَعٌ حَقَّ عَلَى اللَّهِ أَنْ لَا يُدْخِلَهُمْ الْجَنَّةَ
وَلَا يُذِيقَهُمْ نَعِيمَهَا : مُدْمِنُ الْخَمْرِ وَآكِلُ الرِّبَا ، وَآكِلُ
مَالِ الْيَتِيمِ بِغَيْرِ حَقٍّ ، وَالْعَاقُّ لِوَالِدَيْهِ } .
وَأَحْمَدُ : { لَا يَلِجُ حَظِيرَةَ الْقُدْسِ مُدْمِنُ
خَمْرٍ وَلَا الْعَاقُّ وَلَا الْمَنَّانُ عَطَاءَهُ } .
وَرَوَاهُ الْبَزَّارُ إلَّا أَنَّهُ قَالَ : { لَا
يَلِجُ جِنَانَ الْفِرْدَوْسِ }
.
وَالطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ رُوَاتُهُ ثِقَاتٌ : { لَا
يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مُدْمِنُ خَمْرٍ وَلَا عَاقٌّ وَلَا مَنَّانٌ } .
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَيَّ ؛
لِأَنَّ الْمُؤْمِنِينَ يُصِيبُونَ ذُنُوبًا حَتَّى وَجَدْت ذَلِكَ فِي كِتَابِ
اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي الْعَاقِّ : { فَهَلْ عَسَيْتُمْ إنْ تَوَلَّيْتُمْ
أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ } الْآيَةَ .
وَفِي الْمَنَّانِ : { لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ
بِالْمَنِّ وَالْأَذَى } الْآيَةَ
.
وَفِي الْخَمْرِ : { إنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ
وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ } الْآيَةَ .
وَسَيَأْتِي فِي مَبْحَثِ الْخَمْرِ .
وَالطَّبَرَانِيُّ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ : { لَعَنَ
اللَّهُ سَبْعَةً مِنْ فَوْقِ سَبْعِ سَمَوَاتِهِ وَرَدَّدَ اللَّعْنَةَ عَلَى
وَاحِدٍ مِنْهُمْ ثَلَاثًا ، وَلَعَنَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ لَعْنَةً تَكْفِيهِ
، قَالَ : مَلْعُونٌ مَنْ عَمِلَ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ .
مَلْعُونٌ مَنْ عَمِلَ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ مَلْعُونٌ
مَنْ عَمِلَ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ ، مَلْعُونٌ مَنْ ذَبَحَ لِغَيْرِ اللَّهِ ،
مَلْعُونٌ مَنْ عَقَّ وَالِدَيْهِ
} .
وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ : { لَعَنَ اللَّهُ مَنْ
ذَبَحَ لِغَيْرِ اللَّهِ ، وَلَعَنَ اللَّهُ مَنْ غَيَّرَ تُخُومَ الْأَرْضِ ،
وَلَعَنَ اللَّهُ مَنْ سَبَّ الدِّيَةَ } الْحَدِيثَ .
وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ الْأَصْبَهَانِيُّ : { كُلُّ
الذُّنُوبِ يُؤَخِّرُ اللَّهُ مِنْهَا مَا شَاءَ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إلَّا
عُقُوقَ الْوَالِدَيْنِ فَإِنَّ اللَّهَ يُعَجِّلُهُ لِصَاحِبِهِ فِي الْحَيَاةِ
قَبْلَ الْمَمَاتِ } .
وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الدَّلَائِلِ ، وَالطَّبَرَانِيُّ
فِي الْأَوْسَطِ وَالصَّغِيرِ بِسَنَدٍ فِيهِ مَنْ لَا يُعْرَفُ عَنْ جَابِرٍ : {
جَاءَ رَجُلٌ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : يَا
رَسُولَ اللَّهِ إنَّ أَبِي أَخَذَ مَالِي ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فَاذْهَبْ فَأْتِنِي بِأَبِيك ، فَنَزَلَ جِبْرِيلُ عَلَى النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : إنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ
يُقْرِئُك السَّلَامَ وَيَقُولُ لَك : إذَا جَاءَك الشَّيْخُ فَسَلْهُ عَنْ شَيْءٍ
قَالَهُ فِي نَفْسِهِ مَا سَمِعَتْهُ أُذُنَاهُ ، فَلَمَّا جَاءَ الشَّيْخُ قَالَ
لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَا بَالُ ابْنِك يَشْكُوَك
تُرِيدُ أَنْ تَأْخُذَ مَالَهُ ؟ قَالَ سَلْهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ
أَنْفَقْته إلَّا عَلَى عَمَّاتِهِ وَخَالَاتِهِ أَوْ عَلَى نَفْسِي ؟ .
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
إيهٍ ، دَعْنَا مِنْ هَذَا أَخْبِرْنِي عَنْ شَيْءٍ قُلْته فِي نَفْسِك مَا سَمِعَتْهُ
أُذُنَاك ، فَقَالَ الشَّيْخُ : وَاَللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا يَزَالُ
اللَّهُ يَزِيدُنَا بِك يَقِينًا ، لَقَدْ قُلْت فِي نَفْسِي شَيْئًا مَا سَمِعَتْهُ
أُذُنَايَ ، فَقَالَ قُلْ وَأَنَا أَسْمَعُ ، فَقَالَ قُلْت : غَذَّوْتُكَ مَوْلُودًا وَمُنْتُكَ
يَافِعًا تَغُلُّ بِمَا أَجْنِي عَلَيْك وَتَنْهَلُ إذَا لَيْلَةً ضَاقَتْك
بِالسَّقَمِ لَمْ أَبِتْ لِسَقَمِك إلَّا سَاهِرًا أَتَمَلْمَلُ كَأَنِّي أَنَا
الْمَطْرُوقُ دُونَك بِاَلَّذِي طُرِقْت بِهِ دُونِي فَعَيْنِي تَهْمِلُ تَخَافُ
الرَّدَى نَفْسِي عَلَيْك وَإِنَّهَا لَتَعْلَمُ أَنَّ الْمَوْتَ وَقْتٌ مُؤَجَّلٌ
فَلَمَّا بَلَغْت السِّنَّ وَالْغَايَةَ الَّتِي إلَيْهَا مَدَى مَا كُنْت فِيهَا
أُؤَمِّلُ جَعَلْت جَزَائِي غِلْظَةً وَفَظَاظَةً كَأَنَّك أَنْتَ الْمُنْعِمُ
الْمُتَفَضِّلُ فَلَيْتَك إذْ لَمْ تَرْعَ حَقَّ أُبُوَّتِي فَعَلْت كَمَا
الْجَارُ الْمُجَاوِرُ يَفْعَلُ تَرَاهُ مُعِدًّا لِلْخِلَافِ كَأَنَّهُ يَرُدُّ
عَلَى أَهْلِ الصَّوَابِ مُوَكَّلُ قَالَ : فَحِينَئِذٍ أَخَذَ النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَلَابِيبِ ابْنِهِ وَقَالَ : أَنْتَ وَمَالُك
لِأَبِيك
} .
وَهُوَ فِي سُورَةِ الْإِسْرَاءِ مِنْ الْكَشَّافِ
بِلَفْظِ : { شَكَا رَجُلٌ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
أَبَاهُ وَأَنَّهُ يَأْخُذُ مَالَهُ فَدَعَا بِهِ فَإِذَا هُوَ شَيْخٌ يَتَوَكَّأُ
عَلَى عَصًا ، فَسَأَلَهُ فَقَالَ : إنَّهُ كَانَ ضَعِيفًا وَأَنَا قَوِيٌّ وَفَقِيرًا
وَأَنَا غَنِيٌّ فَكُنْت لَا أَمْنَعُهُ شَيْئًا مِنْ مَالِي ، وَالْيَوْمَ أَنَا
ضَعِيفٌ وَهُوَ قَوِيٌّ وَأَنَا فَقِيرٌ وَهُوَ غَنِيٌّ ، وَهُوَ يَبْخَلُ عَلَيَّ
بِمَالِهِ ، فَبَكَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَقَالَ : مَا مِنْ حَجَرٍ
وَلَا مَدَرٍ يَسْمَعُ هَذَا إلَّا بَكَى ، ثُمَّ قَالَ لِلْوَلَدِ : أَنْتَ
وَمَالُك لِأَبِيك } .
قَالَ مُخْرِجُ أَحَادِيثَهُ لَمْ أَجِدْهُ .
وَأَخْرَجَ أَبُو يَعْلَى عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : {
جَاءَ رَجُلٌ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَعْدِي
عَلَى وَالِدِهِ فَقَالَ : إنَّهُ أَخَذَ مِنِّي مَالِي ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَمَا عَلِمْت أَنَّك وَمَالَك مِنْ كَسْبِ أَبِيك } .
وَابْنُ مَاجَهْ قَالَ : { جَاءَ رَجُلٌ إلَى النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : إنَّ أَبِي يَجْتَاحُ مَالِي ، قَالَ
أَنْتَ وَمَالُك لِأَبِيك ، إنَّ أَوْلَادَكُمْ مِنْ أَطْيَبِ كَسْبِكُمْ فَكُلُوا
مِنْ أَمْوَالِكُمْ } .
وَالطَّبَرَانِيُّ وَاللَّفْظُ لَهُ وَأَحْمَدُ
مُخْتَصَرًا عَنْ { عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا
قَالَ : كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَتَاهُ
آتٍ فَقَالَ : شَابٌّ يَجُودُ بِنَفْسِهِ قِيلَ لَهُ قُلْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ
فَلَمْ يَسْتَطِعْ ، فَقَالَ أَكَانَ يُصَلِّي ؟ فَقَالَ : نَعَمْ ، فَنَهَضَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَهَضْنَا مَعَهُ فَدَخَلَ
عَلَى الشَّابِّ فَقَالَ لَهُ : قُلْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ ، فَقَالَ لَا أَسْتَطِيعُ
، قَالَ : لِمَ ؟ قِيلَ كَانَ يَعُقُّ وَالِدَتَهُ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَيَّةٌ وَالِدَتُهُ ؟ قَالُوا نَعَمْ ، قَالَ
اُدْعُوهَا فَدَعَوْهَا فَجَاءَتْ ، فَقَالَ هَذَا ابْنُك ؟ فَقَالَتْ : نَعَمْ ،
فَقَالَ لَهَا أَرَأَيْت لَوْ
أَجَّجْت نَارًا ضَخْمَةً فَقِيلَ لَك إنْ شَفَعْت لَهُ
خَلَّيْنَا عَنْهُ وَإِلَّا أَحْرَقْنَاهُ بِهَذِهِ النَّارِ أَكُنْت تَشْفَعِينَ
لَهُ ؟ قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إذَنْ أَشْفَعُ ، قَالَ فَأَشْهِدِي اللَّهَ وَأَشْهِدِينِي
أَنَّك قَدْ رَضِيَتْ عَنْهُ ، قَالَتْ اللَّهُمَّ إنِّي أُشْهِدُك وَأُشْهِدُ
رَسُولَك أَنِّي قَدْ رَضِيتُ عَنْ ابْنِي ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا غُلَامُ قُلْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ
لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ فَقَالَهَا .
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْقَذَهُ مِنْ النَّارِ } .
وَرُوِيَتْ هَذِهِ الْقِصَّةُ بِأَبْسَطَ مِنْ هَذَا ،
وَهِيَ : { أَنَّ ذَلِكَ الشَّابَّ اسْمُهُ عَلْقَمَةُ وَأَنَّهُ كَانَ كَثِيرَ
الِاجْتِهَادِ فِي الطَّاعَةِ مِنْ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَالصَّدَقَةِ ،
فَمَرِضَ وَاشْتَدَّ مَرَضُهُ فَأَرْسَلَتْ امْرَأَتُهُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ زَوْجِي عَلْقَمَةَ فِي النَّزْعِ فَأَرَدْت
أَنْ أُعْلِمَك يَا رَسُولَ اللَّهِ بِحَالِهِ ، فَأَرْسَلَ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَمَّارًا وَبِلَالًا وَصُهَيْبًا وَقَالَ : امْضُوا إلَيْهِ
وَلَقِّنُوهُ الشَّهَادَةَ ، فَجَاءُوا إلَيْهِ فَوَجَدُوهُ فِي النَّزْعِ
فَجَعَلُوا يُلَقِّنُونَهُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَلِسَانُهُ لَا يَنْطِقُ
بِهَا ، فَأَرْسَلُوا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
بِذَلِكَ .
فَقَالَ : هَلْ مِنْ أَبَوَيْهِ أَحَدٌ حَيٌّ ؟ قِيلَ :
يَا رَسُولَ اللَّهِ لَهُ أُمٌّ كَبِيرَةُ السِّنِّ ، فَأَرْسَلَ إلَيْهَا رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لَهَا : إنْ قَدَرْت عَلَى
الْمَسِيرِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِلَّا فَانْتَظِرِيهِ
فِي الْمَنْزِلِ حَتَّى يَأْتِيك ، فَجَاءَ إلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَخْبَرَهَا بِذَلِكَ فَقَالَتْ نَفْسِي لِنَفْسِهِ
الْفِدَاءُ أَنَا أَحَقُّ بِإِتْيَانِهِ فَتَوَكَّأَتْ وَقَامَتْ عَلَى عَصًا
وَأَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَلَّمَتْ
وَرَدَّ عَلَيْهَا السَّلَامَ وَقَالَ لَهَا : يَا أُمَّ
عَلْقَمَةَ اُصْدُقِينِي وَإِنْ كَذَبْتنِي جَاءَ الْوَحْيُ مِنْ اللَّهِ -
تَعَالَى - ، كَيْفَ كَانَ حَالُ وَلَدِك عَلْقَمَةَ ؟ قَالَتْ يَا رَسُولَ
اللَّهِ كَانَ كَثِيرَ الصَّلَاةِ كَثِيرَ الصِّيَامِ كَثِيرَ الصَّدَقَةِ ، قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : فَمَا حَالُك ؟ قَالَتْ يَا رَسُولَ
اللَّهِ أَنَا عَلَيْهِ سَاخِطَةٌ
.
قَالَ : وَلِمَ ؟ قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ كَانَ
يُؤْثِرُ زَوْجَتَهُ وَيَعْصِينِي ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إنَّ سَخَطَ أُمِّ عَلْقَمَةَ حَجَبَ لِسَانَ عَلْقَمَةَ
عَنْ الشَّهَادَةِ ثُمَّ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : يَا بِلَالُ
انْطَلِقْ وَاجْمَعْ لِي حَطَبًا كَثِيرًا ، قَالَتْ وَمَا تَصْنَعُ بِهِ يَا
رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ أُحْرِقُهُ بِالنَّارِ ، قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ
وَلَدِي لَا يَحْتَمِلُ قَلْبِي أَنْ تُحْرِقَهُ بِالنَّارِ بَيْنَ يَدِي ، قَالَ
: يَا أُمَّ عَلْقَمَةَ فَعَذَابُ اللَّهِ أَشَدُّ وَأَبْقَى ، فَإِنْ سَرَّك أَنْ
يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُ فَارْضِي عَنْهُ فَوَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا
يَنْتَفِعُ عَلْقَمَةُ بِصَلَاتِهِ وَلَا بِصِيَامِهِ وَلَا بِصَدَقَتِهِ مَا
دُمْت عَلَيْهِ سَاخِطَةً ، فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَإِنِّي أُشْهِدُ
اللَّهَ - تَعَالَى - وَمَلَائِكَتَهُ وَمَنْ حَضَرَنِي مِنْ الْمُسْلِمِينَ
أَنِّي قَدْ رَضِيت عَنْ وَلَدِي عَلْقَمَةَ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : انْطَلِقْ إلَيْهِ يَا بِلَالُ فَانْظُرْ هَلْ
يَسْتَطِيعُ أَنْ يَقُولَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ أَمْ لَا ؟ فَلَعَلَّ أُمَّ
عَلْقَمَةَ تَكَلَّمَتْ بِمَا لَيْسَ فِي قَلْبِهَا حَيَاءً مِنِّي ، فَانْطَلَقَ
بِلَالٌ فَسَمِعَ عَلْقَمَةَ يَقُولُ مِنْ دَاخِلِ الدَّارِ لَا إلَهَ إلَّا
اللَّهُ فَدَخَلَ بِلَالٌ فَقَالَ يَا هَؤُلَاءِ إنَّ سَخَطَ أُمِّ عَلْقَمَةَ حَجَبَ
لِسَانَهُ عَنْ الشَّهَادَةِ وَإِنَّ رِضَاهَا أَطْلَقَ لِسَانَهُ ثُمَّ مَاتَ
عَلْقَمَةُ مِنْ يَوْمِهِ .
فَحَضَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فَأَمَرَ بِغُسْلِهِ وَتَكْفِينِهِ ثُمَّ صَلَّى عَلَيْهِ وَحَضَرَ
دَفْنَهُ ، ثُمَّ قَامَ
عَلَى شَفِيرِ قَبْرِهِ وَقَالَ : يَا مَعْشَرَ
الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ مَنْ فَضَّلَ زَوْجَتَهُ عَلَى أُمِّهِ فَعَلَيْهِ
لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ
مِنْهُ صَرْفًا وَلَا عَدْلًا إلَّا أَنْ يَتُوبَ إلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَيُحْسِنَ
إلَيْهَا وَيَطْلُبَ رِضَاهَا فَرِضَا اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي رِضَاهَا
وَسَخَطُ اللَّهِ جَلَّ جَلَالُهُ فِي سَخَطِهَا } .
وَرَوَى الْأَصْبَهَانِيُّ وَغَيْرُهُ وَقَدْ حَدَّثَ
بِهِ أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ بِمَشْهَدٍ مِنْ الْحُفَّاظِ فَلَمْ يُنْكِرُوهُ
أَنَّ الْعَوَّامَ بْنَ حَوْشَبَ قَالَ : نَزَلْت مَرَّةً حَيًّا وَإِلَى جَانِبِ ذَلِكَ
الْحَيِّ مَقْبَرَةٌ ، فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ الْعَصْرِ انْشَقَّ مِنْهَا قَبْرٌ
فَخَرَجَ رَجُلٌ رَأْسُهُ رَأْسُ حِمَارٍ وَجَسَدُهُ جَسَدُ إنْسَانٍ فَنَهَقَ
ثَلَاثَ نَهْقَاتٍ ثُمَّ انْطَبَقَ عَلَيْهِ الْقَبْرُ ، فَإِذَا عَجُوزٌ تَغْزِلُ
شَعْرًا أَوْ صُوفًا فَقَالَتْ امْرَأَةٌ : تَرِي تِلْكَ الْعَجُوزَ ؟ قُلْت :
مَا لَهَا ؟ قَالَتْ تِلْكَ أُمُّ هَذَا ، قُلْت وَمَا كَانَ قَضِيَّتُهُ ؟
قَالَتْ كَانَ يَشْرَبُ الْخَمْرَ فَإِذَا رَاحَ تَقُولُ لَهُ أُمُّهُ : يَا
بُنَيَّ اتَّقِ اللَّهَ إلَى مَتَى تَشْرَبُ هَذَا الْخَمْرَ ؟ فَيَقُولُ لَهَا :
إنَّمَا أَنْتِ تَنْهَقِينَ كَمَا يَنْهَقُ الْحِمَارُ ؛ قَالَتْ فَمَاتَ بَعْدَ
الْعَصْرِ ، قَالَتْ فَهُوَ يَشُقُّ عَنْهُ الْقَبْرَ بَعْدَ الْعَصْرِ كُلَّ
يَوْمٍ فَيَنْهَقُ ثَلَاثَ نَهْقَاتٍ ثُمَّ يَنْطَبِقُ عَلَيْهِ الْقَبْرُ " .
وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { ثَلَاثُ
دَعَوَاتٍ مُسْتَجَابَاتٌ لَا شَكَّ فِيهِنَّ : دَعْوَةُ الْمَظْلُومِ ،
وَدَعْوَةُ الْمُسَافِرِ ، وَدَعْوَةُ الْوَالِدِ عَلَى وَلَدِهِ } .
وَجَاءَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
أَنَّهُ { قَالَ : لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي رَأَيْت أَقْوَامًا فِي النَّارِ
مُعَلَّقِينَ فِي جُذُوعٍ مِنْ نَارٍ فَقُلْت مَنْ هَؤُلَاءِ يَا جِبْرِيلُ ؟
قَالَ الَّذِينَ يَشْتُمُونَ آبَاءَهُمْ وَأُمَّهَاتِهِمْ فِي الدُّنْيَا } .
وَرُوِيَ { أَنَّهُ مَنْ شَتَمَ وَالِدَيْهِ يَنْزِلُ
عَلَيْهِ فِي قَبْرِهِ جَمْرٌ مِنْ النَّارِ بَعْدَ كُلِّ قَطْرٍ يَنْزِلُ مِنْ
السَّمَاءِ
إلَى الْأَرْضِ } .
وَرُوِيَ : { أَنَّهُ إذَا دُفِنَ عَاقُّ وَالِدَيْهِ عَصَرَهُ
الْقَبْرُ حَتَّى تَخْتَلِفَ أَضْلَاعُهُ } .
وَقَالَ كَعْبُ الْأَحْبَارِ : إنَّ اللَّهَ لَيُعَجِّلُ
هَلَاكَ الْعَبْدِ إذَا كَانَ عَاقًّا لِوَالِدَيْهِ لِيُعَجِّلَ لَهُ الْعَذَابَ
وَإِنَّ اللَّهَ لَيَزِيدُ فِي عُمُرِ الْعَبْدِ إذَا كَانَ بَارًّا بِوَالِدَيْهِ
لِيَزِيدَهُ بِرًّا وَخَيْرًا .
وَسُئِلَ عَنْ عُقُوقِ الْوَالِدَيْنِ مَا هُوَ ؟ قَالَ
: إذَا أَقْسَمَ عَلَيْهِ أَبُوهُ أَوْ أُمُّهُ لَمْ يَبَرَّ قَسَمَهُ ، وَإِذَا
أَمَرَهُ بِأَمْرٍ لَمْ يُطِعْهُ ، وَإِذَا ائْتَمَنَهُ خَانَهُ .
وَعَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ قَالَ : أَوْحَى اللَّهُ -
تَعَالَى - إلَى مُوسَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
يَا مُوسَى وَقِّرْ وَالِدَيْك فَإِنَّهُ مَنْ وَقَّرَ وَالِدَيْهِ مَدَدْت فِي
عُمُرَهُ وَوَهَبْت لَهُ وَلَدًا يَبَرُّهُ ، وَمَنْ عَقَّ وَالِدَيْهِ قَصَّرْت
عُمُرَهُ وَوَهَبْت لَهُ وَلَدًا يَعُقُّهُ .
وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ : قَرَأْت فِي
التَّوْرَاةِ أَنَّ مَنْ يَضْرِبُ أَبَاهُ يُقْتَلُ .
وَقَالَ وَهْبٌ : فِي التَّوْرَاةِ عَلَى مَنْ صَكَّ
وَالِدَيْهِ الرَّجْمُ .
وَقَالَ بِشْرٌ : أَيُّمَا رَجُلٍ يَقْرَبُ مِنْ أُمِّهِ
بِحَيْثُ يَسْمَعُ كَلَامَهَا أَفْضَلُ مِنْ الَّذِي يَضْرِبُ بِسَيْفِهِ فِي
سَبِيلِ اللَّهِ ، وَالنَّظَرُ إلَيْهَا أَفْضَلُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ .
{ وَجَاءَ رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ إلَى رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْتَصِمَانِ فِي صَبِيٍّ لَهُمَا ، فَقَالَ
الرَّجُلُ : وَلَدِي خَرَجَ مِنْ صُلْبِي ، وَقَالَتْ الْمَرْأَةُ يَا رَسُولَ
اللَّهِ حَمَلَهُ خَفًّا وَوَضَعَهُ شَهْوَةً وَحَمَلْته كَرْهًا وَوَضَعْته
كَرْهًا وَأَرْضَعْته حَوْلَيْنِ فَقَضَى بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْأُمِّ } ؛ وَمَا أَحْسَنَ قَوْلَ بَعْضِهِمْ إغْرَاءً
عَلَى الْبِرِّ وَتَحْذِيرًا عَنْ الْعُقُوقِ وَوَبَالِهِ وَإِعْلَامًا بِمَا يُدْحِضُ
الْعَاقَّ إلَى حَضِيضِ سَفَالِهِ وَيَحُطُّهُ عَنْ كَمَالِهِ : أَيُّهَا الْمُضَيِّعُ
لِأَوْكَدِ الْحُقُوقِ الْمُعْتَاضُ عَنْ الْبِرِّ بِالْعُقُوقِ النَّاسِي لِمَا
يَجِبُ عَلَيْهِ الْغَافِلُ عَمَّا بَيْنَ
يَدَيْهِ ، بِرُّ الْوَالِدَيْنِ عَلَيْك دَيْنٌ
وَأَنْتَ تَتَعَاطَاهُ بِاتِّبَاعِ الشَّيْنِ ، تَطْلُبُ الْجَنَّةَ بِزَعْمِك وَهِيَ
تَحْتَ أَقْدَامِ أُمِّك ، حَمَلَتْك فِي بَطْنِهَا تِسْعَةَ أَشْهُرٍ كَأَنَّهَا
تِسْعُ حِجَجٍ وَكَابَدَتْ عِنْدَ وَضْعِك مَا يُذِيبُ الْمُهَجَ ، وَأَرْضَعَتْك مِنْ
ثَدْيِهَا لَبَنًا وَأَطَارَتْ لِأَجْلِك وَسَنًا ، وَغَسَلَتْ بِيَمِينِهَا عَنْك
الْأَذَى وَآثَرَتْك عَلَى نَفْسِهَا بِالْغِذَاءِ ، وَصَيَّرَتْ حِجْرَهَا لَك
مَهْدًا وَأَنَالَتْك إحْسَانًا وَرَفْدًا ، فَإِنْ أَصَابَك مَرَضٌ أَوْ
شِكَايَةٌ أَظْهَرَتْ مِنْ الْأَسَفِ فَوْقَ النِّهَايَةِ ، وَأَطَالَتْ الْحُزْنَ
وَالنَّحِيبَ وَبَذَلَتْ مَالَهَا لِلطَّبِيبِ ، وَلَوْ خُيِّرَتْ بَيْنَ حَيَاتِك
وَمَوْتِهَا لَآثَرَتْ حَيَاتَك بِأَعْلَى صَوْتِهَا ، هَذَا وَكَمْ عَامَلْتهَا
بِسُوءِ الْخُلُقِ مِرَارًا فَدَعَتْ لَك بِالتَّوْفِيقِ سِرًّا وَجِهَارًا ، فَلَمَّا
احْتَاجَتْ عِنْدَ الْكِبَرِ إلَيْك جَعَلْتهَا مِنْ أَهْوَنِ الْأَشْيَاءِ
عَلَيْك ، فَشَبِعْت وَهِيَ جَائِعَةٌ وَرُوِيت وَهِيَ ضَائِعَةٌ ، وَقَدَّمْت
عَلَيْهَا أَهْلَك وَأَوْلَادَك فِي الْإِحْسَانِ وَقَابَلْت أَيَادِيهَا
بِالنِّسْيَانِ ، وَصَعُبَ لَدَيْك أَمْرُهَا وَهُوَ يَسِيرٌ وَطَالَ عَلَيْك
عُمُرُهَا وَهُوَ قَصِيرٌ ، وَهَجَرْتهَا وَمَا لَهَا سِوَاك نَصِيرٌ .
هَذَا ، وَمَوْلَاك قَدْ نَهَاك عَنْ التَّأْفِيفِ
وَعَاتَبَك فِي حَقِّهَا بِعِتَابٍ لَطِيفٍ ، سَتُعَاقَبُ فِي دُنْيَاك بِعُقُوقِ
الْبَنِينَ وَفِي أُخْرَاك بِالْبُعْدِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ يُنَادِيك
بِلِسَانِ التَّوْبِيخِ وَالتَّهْدِيدِ : { ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ
وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ } .
لِأُمِّك حَقٌّ لَوْ عَلِمْت كَبِيرُ كَثِيرُك يَا هَذَا
لَدَيْهِ يَسِيرُ فَكَمْ لَيْلَةٍ بَاتَتْ بِثِقَلِك تَشْتَكِي لَهَا مِنْ
جَوَاهَا أَنَّةٌ وَزَفِيرُ وَفِي الْوَضْعِ لَوْ تَدْرِي عَلَيْهَا مَشَقَّةٌ
فَمِنْ غُصَصٍ مِنْهَا الْفُؤَادُ يَطِيرُ وَكَمْ غَسَلَتْ عَنْك الْأَذَى
بِيَمِينِهَا وَمَا حِجْرُهَا إلَّا لَدَيْك سَرِيرُ وَتَفْدِيك مِمَّا
تَشْتَكِيهِ بِنَفْسِهَا وَمِنْ ثَدْيِهَا شُرْبٌ لَدَيْك نَمِيرُ وَكَمْ مَرَّةٍ
جَاعَتْ وَأَعْطَتْك قُوتَهَا حُنُوًّا
وَإِشْفَاقًا وَأَنْتَ صَغِيرُ فَآهًا لِذِي عَقْلٍ
وَيَتْبَعُ الْهَوَى وَآهًا لِأَعْمَى الْقَلْبِ وَهُوَ بَصِيرُ فَدُونَك
فَارْغَبْ فِي عَمِيمِ دُعَائِهَا فَأَنْتَ لِمَا تَدْعُو إلَيْهِ فَقِيرُ .
تَنْبِيهٌ : عَدُّ الْعُقُوقِ مِنْ الْكَبَائِرِ هُوَ
مَا اتَّفَقُوا عَلَيْهِ ، وَظَاهِرُ كَلَامِ أَئِمَّتِنَا بَلْ صَرِيحُهُ أَنَّهُ
لَا فَرْقَ بَيْنَ الْكَافِرَيْنِ وَالْمُسْلِمَيْنِ لَا يُقَالُ يُشْكِلُ عَلَيْهِ
الْحَدِيثُ الْحَسَنُ الْآتِي فِي مَبْحَثِ الْفِرَارِ مِنْ الزَّحْفِ إذْ فِيهِ :
{ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ الْكَبَائِرِ فَقَالَ
تِسْعٌ أَعْظَمُهُنَّ الْإِشْرَاكُ بِاَللَّهِ ، وَقَتْلُ الْمُؤْمِنِ بِغَيْرِ
حَقٍّ ، وَالْفِرَارُ مِنْ الزَّحْفِ ، وَقَذْفُ الْمُحْصَنَةِ ، وَالسِّحْرُ ،
وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ ، وَأَكْلُ الرِّبَا ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ
الْمُسْلِمَيْنِ } الْحَدِيثَ
.
لِأَنَّا نَقُولُ التَّقْيِيدُ بِالْمُسْلِمَيْنِ إمَّا بِأَنَّ
عُقُوقَهُمَا أَقْبَحُ وَالْكَلَامُ هُنَا فِي ذِكْرِ الْأَعْظَمِ عَلَى أَحَدِ
التَّقْدِيرَيْنِ فِي عَطْفِ وَقَتْلِ الْمُؤْمِنِ وَمَا بَعْدَهُ ، وَإِمَّا ؛
لِأَنَّهُمَا ذُكِرَا لِلْغَالِبِ كَمَا فِي نَظَائِرَ أُخَرَ .
وَلِلْحَلِيمِيِّ هُنَا تَفْصِيلٌ مَبْنِيٌّ عَلَى رَأْيٍ
لَهُ ضَعِيفٍ مَرَّ أَوَّلَ الْكِتَابِ ، وَهُوَ أَنَّ الْعُقُوقَ كَبِيرَةٌ
فَإِنْ كَانَ مَعَهُ نَحْوُ سَبٍّ فَفَاحِشَةٌ ، وَإِنْ كَانَ عُقُوقُهُ هُوَ
اسْتِثْقَالُهُ لِأَمْرِهِمَا وَنَهْيِهِمَا وَالْعُبُوسُ فِي وُجُوهِهِمَا
وَالتَّبَرُّمُ بِهِمَا مَعَ بَذْلِ الطَّاعَةِ وَلُزُومِ الصَّمْتِ فَصَغِيرَةٌ ،
وَإِنْ كَانَ مَا يَأْتِيهِ مِنْ ذَلِكَ يُلْجِئُهُمَا إلَى أَنْ يَنْقَبِضَا
فَيَتْرُكَا أَمْرَهُ وَنَهْيَهُ وَيَلْحَقُهُمَا مِنْ ذَلِكَ ضَرَرٌ فَكَبِيرَةٌ .
انْتَهَى وَفِيهِ نَظَرٌ .
وَالْوَجْهُ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُهُمْ أَنَّ
ذَلِكَ كَبِيرَةٌ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ ضَابِطِ الْعُقُوقِ الَّذِي هُوَ كَبِيرَةٌ
، وَهُوَ أَنْ يَحْصُلَ مِنْهُ لَهُمَا أَوْ لِأَحَدِهِمَا إيذَاءٌ لَيْسَ
بِالْهَيِّنِ أَيْ عُرْفًا ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْعِبْرَةَ بِالْمُتَأَذِّي ،
وَلَكِنْ لَوْ كَانَ فِي غَايَةِ الْحُمْقِ أَوْ سَفَاهَةِ الْعَقْلِ فَأَمَرَ
أَوْ نَهَى وَلَدَهُ بِمَا لَا يُعَدُّ مُخَالَفَتُهُ
فِيهِ فِي الْعُرْفِ عُقُوقًا لَا يَفْسُقُ وَلَدُهُ بِمُخَالَفَتِهِ حِينَئِذٍ
لِعُذْرِهِ ، وَعَلَيْهِ فَلَوْ كَانَ مُتَزَوِّجًا بِمَنْ يُحِبُّهَا فَأَمَرَهُ بِطَلَاقِهَا
وَلَوْ لِعَدَمِ عِفَّتِهَا فَلَمْ يَمْتَثِلْ أَمْرَهُ لَا إثْمَ عَلَيْهِ كَمَا
سَيَأْتِي التَّصْرِيحُ بِهِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، لَكِنَّهُ
أَشَارَ إلَى أَنَّ الْأَفْضَلَ طَلَاقُهَا امْتِثَالًا لِأَمْرِ وَالِدِهِ ،
وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ الْحَدِيثُ الَّذِي بَعْدَهُ : { أَنَّ عُمَرَ أَمَرَ ابْنَهُ
بِطَلَاقِ زَوْجَتِهِ فَأَبَى فَذَكَرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَمَرَهُ بِطَلَاقِهَا } .
وَكَذَا سَائِرُ أَوَامِرِهِ الَّتِي لَا حَامِلَ
عَلَيْهَا إلَّا ضَعْفَ عَقْلِهِ وَسَفَاهَةَ رَأْيِهِ ، وَلَوْ عُرِضَتْ عَلَى
أَرْبَابِ الْعُقُولِ لَعَدُّوهَا أُمُورًا مُتَسَاهَلًا فِيهَا ، وَلَرَأَوْا
أَنَّهُ لَا إيذَاءَ لِمُخَالَفَتِهَا ، هَذَا هُوَ الَّذِي يُتَّجَهُ إلَيْهِ فِي
تَقْرِيرِ ذَلِكَ الْحَدِّ .
ثُمَّ رَأَيْت شَيْخَ الْإِسْلَامِ السِّرَاجَ
الْبُلْقِينِيَّ أَطَالَ فِي هَذَا الْمَحَلِّ مِنْ فَتَاوِيهِ بِمَا قَدْ
يُخَالِفُ بَعْضُهُ مَا ذَكَرْته وَعِبَارَتُهُ : مَسْأَلَةٌ قَدْ اُبْتُلِيَ
النَّاسُ بِهَا وَاحْتِيجَ إلَى بَسْطِ الْكَلَامِ عَلَيْهَا وَإِلَى
تَفَارِيعِهَا لِيَحْصُلَ الْمَقْصُودُ فِي ضِمْنِ ذَلِكَ وَهِيَ السُّؤَالُ عَنْ
ضَابِطِ الْحَدِّ الَّذِي يُعْرَفُ بِهِ عُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ .
إذْ الْإِحَالَةُ عَلَى الْعُرْفِ مِنْ غَيْرِ مِثَالٍ
لَا يَحْصُلُ بِهِ الْمَقْصُودُ ، إذْ النَّاسُ أَغْرَاضُهُمْ تَحْمِلُهُمْ عَلَى
أَنْ يَجْعَلُوا مَا لَيْسَ بِعُرْفٍ عُرْفًا .
لَا سِيَّمَا إنْ كَانَ قَصْدُهُمْ تَنْقِيصَ شَخْصٍ أَوْ
أَذَاهُ ، فَلَا بُدَّ مِنْ مِثَالٍ يُنْسَجُ عَلَى مِنْوَالِهِ ، وَهُوَ أَنَّهُ
مَثَلًا لَوْ كَانَ لَهُ عَلَى أَبِيهِ حَقٌّ شَرْعِيٌّ فَاخْتَارَ أَنْ
يَرْفَعَهُ إلَى الْحَاكِمِ لِيَأْخُذَ حَقَّهُ مِنْهُ فَلَوْ حَبَسَهُ فَهَلْ
يَكُونُ ذَلِكَ عُقُوقًا أَمْ لَا ؟ أَجَابَ : هَذَا الْمَوْضِعُ قَالَ فِيهِ بَعْضُ
الْعُلَمَاءِ الْأَكَابِرِ إنَّهُ يَعْسُرُ ضَبْطُهُ .
وَقَدْ فَتَحَ اللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى -
بِضَابِطٍ أَرْجُو مِنْ فَضْلِ الْفَتَّاحِ الْعَلِيمِ أَنْ يَكُونَ حَسَنًا .
فَأَقُولُ :
الْعُقُوقُ لِأَحَدِ الْوَالِدَيْنِ هُوَ أَنْ يُؤْذِيَ
الْوَلَدُ أَحَدَ وَالِدَيْهِ بِمَا لَوْ فَعَلَهُ مَعَ غَيْرِ وَالِدَيْهِ كَانَ مُحَرَّمًا
مِنْ جُمْلَةِ الصَّغَائِرِ ، فَيَنْتَقِلُ بِالنِّسْبَةِ إلَى أَحَدِ
الْوَالِدَيْنِ إلَى الْكَبَائِرِ أَوْ يُخَالِفُ أَمْرَهُ أَوْ نَهْيَهُ فِيمَا
يَدْخُلُ فِيهِ الْخَوْفُ عَلَى الْوَلَدِ فَوَاتَ نَفْسِهِ أَوْ عُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهِ
مَا لَمْ يُتَّهَمْ الْوَلَدُ فِي ذَلِكَ أَوْ أَنْ يُخَالِفَهُ فِي سَفَرٍ
يَشُقُّ عَلَى الْوَالِدِ وَلَيْسَ بِفَرْضٍ عَلَى الْوَلَدِ أَوْ فِي غَيْبَةٍ
طَوِيلَةٍ فِيمَا لَيْسَ بِعِلْمٍ نَافِعٍ وَلَا كَسْبٍ أَوْ فِيهِ وَقِيعَةٌ فِي
الْعِرْضِ لَهَا وَقْعٌ .
وَبَيَانُ هَذَا الضَّابِطِ أَنَّ قَوْلَنَا أَنْ يُؤْذِيَ
الْوَلَدُ أَحَدَ وَالِدَيْهِ بِمَا لَوْ فَعَلَهُ مَعَ غَيْرِ وَالِدَيْهِ كَانَ
مُحَرَّمًا .
مِثَالُهُ لَوْ شَتَمَ غَيْرَ أَحَدِ وَالِدَيْهِ أَوْ
ضَرَبَهُ بِحَيْثُ لَا يَنْتَهِي
الشَّتْمُ أَوْ الضَّرْبُ إلَى الْكَبِيرَةِ فَإِنَّهُ
يَكُونُ الْمُحَرَّمُ الْمَذْكُورُ إذَا فَعَلَهُ الْوَلَدُ مَعَ أَحَدِ
وَالِدَيْهِ كَبِيرَةً ، وَخَرَجَ بِقَوْلِنَا أَنْ يُؤْذِيَ مَا لَوْ أَخَذَ
فَلْسًا أَوْ شَيْئًا يَسِيرًا مِنْ مَالِ وَالِدَيْهِ أَنَّهُ لَا يَكُونُ
كَبِيرَةً وَإِنْ كَانَ لَوْ أَخَذَهُ مِنْ مَالِ غَيْرِ وَالِدَيْهِ بِغَيْرِ
طَرِيقٍ مُعْتَبَرٍ كَانَ حَرَامًا ؛ لِأَنَّ أَحَدَ الْوَالِدَيْنِ لَا
يَتَأَذَّى بِمِثْلِ ذَلِكَ لِمَا عِنْدَهُ مِنْ الشَّفَقَةِ وَالْحُنُوِّ فَإِنْ أَخَذَ
مَالًا كَثِيرًا بِحَيْثُ يَتَأَذَّى الْمَأْخُوذُ مِنْهُ مِنْ غَيْرِ
الْوَالِدَيْنِ بِذَلِكَ فَإِنَّهُ يَكُونُ كَبِيرَةً فِي حَقِّ الْأَجْنَبِيِّ ،
فَكَذَلِكَ يَكُونُ كَبِيرَةً هُنَا ، وَإِنَّمَا الضَّابِطُ فِيمَا يَكُونُ
حَرَامًا صَغِيرَةً بِالنِّسْبَةِ إلَى غَيْرِ الْوَالِدَيْنِ ، وَخَرَجَ
بِقَوْلِنَا مَا لَوْ فَعَلَهُ مَعَ غَيْرِ وَالِدَيْهِ كَانَ مُحَرَّمًا مَا إذَا
طَالَبَ الْوَالِدَ بِدَيْنٍ عَلَيْهِ فَإِذَا طَالَبَهُ بِهِ أَوْ رَفَعَهُ إلَى
الْحَاكِمِ لِيَأْخُذَ حَقَّهُ مِنْهُ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ مِنْ الْعُقُوقِ
فَإِنَّهُ لَيْسَ بِحَرَامٍ فِي حَقِّ الْأَجْنَبِيِّ ، وَإِنَّمَا يَكُونُ
الْعُقُوقُ بِمَا يُؤْذِي أَحَدَ الْوَالِدَيْنِ بِمَا لَوْ فَعَلَهُ مَعَ غَيْرِ وَالِدَيْهِ
كَانَ مُحَرَّمًا ، وَهَذَا لَيْسَ بِمَوْجُودٍ هُنَا فَافْهَمْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ
مِنْ النَّفَائِسِ .
وَأَمَّا الْحَبْسُ فَإِنْ فَرَّعْنَا عَلَى جَوَازِ
حَبْسِ الْوَالِدِ بِدَيْنِ الْوَلَدِ كَمَا صَحَّحَهُ جَمَاعَةٌ فَقَدْ طَلَبَ
مَا هُوَ جَائِزٌ فَلَا عُقُوقَ وَإِنْ فَرَّعْنَا عَلَى مَنْعِ حَبْسِهِ كَمَا
هُوَ الْمُصَحَّحُ عِنْدَ آخَرِينَ ، فَإِنَّ الْحَاكِمَ إذَا كَانَ مُعْتَقَدُهُ
ذَلِكَ لَا يُجِيبُهُ إلَيْهِ وَلَا يَكُونُ الْوَلَدُ الَّذِي يَطْلُبُ ذَلِكَ عَاقًّا
إذَا كَانَ مُعْتَقَدُهُ الْوَجْهَ الْأَوَّلَ ، فَإِنْ اعْتَقَدَ الْمَنْعَ
وَأَقْدَمَ عَلَيْهِ كَانَ كَمَا لَوْ طَلَبَ حَبْسَ مَنْ لَا يَجُوزُ حَبْسُهُ
مِنْ الْأَجَانِبِ لِإِعْسَارٍ وَنَحْوِهِ ، فَإِذَا حَبَسَهُ الْوَلَدُ
وَاعْتِقَادُهُ الْمَنْعُ كَانَ عَاقًّا ؛ لِأَنَّهُ لَوْ فَعَلَهُ مَعَ غَيْرِ
وَالِدَيْهِ حَيْثُ لَا يَجُوزُ كَانَ
حَرَامًا
.
وَأَمَّا مُجَرَّدُ الشَّكْوَى الْجَائِزَةِ وَالطَّلَبِ
الْجَائِزِ فَلَيْسَ مِنْ الْعُقُوقِ فِي شَيْءٍ ، وَقَدْ جَاءَ وَلَدُ بَعْضِ
الصَّحَابَةِ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَشْكُو مِنْ
وَالِدِهِ فِي اجْتِيَاحِ مَالِهِ وَحَضَرَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَجْعَلْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ عُقُوقًا وَلَا عَنَّفَ الْوَلَدَ بِسَبَبِ
الشَّكْوَى الْمَذْكُورَةِ .
وَأَمَّا إذَا نَهَرَ الْوَلَدُ أَحَدَ وَالِدَيْهِ
فَإِنَّهُ إذَا فَعَلَ ذَلِكَ مَعَ غَيْرِ وَالِدَيْهِ وَكَانَ مُحَرَّمًا كَانَ
فِي حَقِّ أَحَدِ الْوَالِدَيْنِ كَبِيرَةً ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُحَرَّمًا ،
وَكَذَا أُفٍّ فَإِنَّ ذَلِكَ يَكُونُ صَغِيرَةً فِي حَقِّ أَحَدِ الْوَالِدَيْنِ
وَلَا يَلْزَمُ مِنْ النَّهْيِ عَنْهُمَا وَالْحَالُ مَا ذُكِرَ أَنْ يَكُونَا
مِنْ الْكَبَائِرِ ، وَقَوْلُنَا أَنْ يُخَالِفَ أَمْرَهُ أَوْ نَهْيَهُ فِيمَا
يَدْخُلُ فِيهِ الْخَوْفُ عَلَى الْوَلَدِ إلَخْ .
أَرَدْنَا بِهِ السَّفَرَ لِلْجِهَادِ وَنَحْوِهِ مِنْ
الْأَسْفَارِ الْخَطِرَةِ لِمَا يَخَافُ مِنْ فَوَاتِ نَفْسِ الْوَلَدِ أَوْ
عُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهِ لِشِدَّةِ تَفَجُّعِ الْوَالِدَيْنِ عَلَى ذَلِكَ أَوْ
أَحَدِ الْوَالِدَيْنِ .
وَقَدْ ثَبَتَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ { فِي الرَّجُلِ الَّذِي جَاءَ
يَسْتَأْذِنُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْجِهَادِ أَنَّ النَّبِيَّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : أَحَيٌّ وَالِدَاك ؟ قَالَ : نَعَمْ .
قَالَ : فَفِيهِمَا فَجَاهِدْ } .
وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ : { أَقْبَلَ رَجُلٌ إلَى
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أُبَايِعُك عَلَى
الْهِجْرَةِ وَالْجِهَادِ أَبْتَغِي الْأَجْرَ مِنْ اللَّهِ فَقَالَ : فَهَلْ مِنْ
وَالِدَيْك أَحَدٌ حَيٌّ ؟ قَالَ : نَعَمْ بَلْ كِلَاهُمَا حَيٌّ قَالَ
فَتَبْتَغِي الْأَجْرَ مِنْ اللَّهِ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، قَالَ فَارْجِعْ إلَى وَالِدَيْك
فَأَحْسِنْ صُحْبَتَهُمَا } وَفِي رِوَايَةٍ : { جِئْت أُبَايِعُك عَلَى
الْهِجْرَةِ وَتَرَكْت أَبَوَيَّ يَبْكِيَانِ
=====================
ج8. كتاب : الزواجر عن اقتراف الكبائر أحمد بن محمد بن
حجر المكي الهيتمي
، فَقَالَ
ارْجِعْ إلَيْهِمَا فَأَضْحِكْهُمَا كَمَا أَبْكَيْتهمَا } .
وَفِي إسْنَادِ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ لَكِنْ مِنْ
رِوَايَةِ سُفْيَانَ عَنْهُ ، وَرَوَى أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ : { أَنَّ
رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ هَاجَرَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ هَاجَرْت ، فَقَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : هَلْ لَك أَحَدٌ بِالْيَمَنِ ؟ قَالَ : أَبَوَايَ .
قَالَ : أَذِنَا لَك ؟ قَالَ : لَا ، قَالَ : فَارْجِعْ إلَيْهِمَا
فَاسْتَأْذِنْهُمَا فَإِنْ أَذِنَا لَك فَجَاهِدْ وَإِلَّا فَبِرَّهُمَا } .
وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي إسْنَادِهِ دَرَّاجُ أَبُو السَّمْحِ
الْمِصْرِيُّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَمْعَانَ ضَعَّفَهُ أَبُو حَاتِمٍ وَغَيْرُهُ
وَوَثَّقَهُ يَحْيَى .
وَقَوْلُنَا مَا لَمْ يُتَّهَمْ الْوَالِدُ فِي ذَلِكَ
أَخْرَجْنَا بِهِ مَا لَوْ كَانَ الْوَالِدُ كَافِرًا فَإِنَّهُ لَا يَحْتَاجُ
الْوَلَدُ إلَى إذْنِهِ فِي الْجِهَادِ وَنَحْوِهِ ، وَحَيْثُ اعْتَبَرْنَا إذْنَ
الْوَالِدِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ حُرًّا أَوْ عَبْدًا .
وَقَوْلُنَا أَوْ أَنْ يُخَالِفَهُ فِي سَفَرٍ إلَخْ
أَرَدْنَا بِهِ السَّفَرَ لِحَجِّ التَّطَوُّعِ حَيْثُ كَانَ فِيهِ مَشَقَّةٌ
وَأَخْرَجْنَا بِذَلِكَ حَجَّ الْفَرْضِ ، وَإِذَا كَانَ فِيهِ رُكُوبُ بَحْرٍ
بِحَيْثُ يَجِبُ رُكُوبُهُ عِنْدَ غَلَبَةِ السَّلَامَةِ ، فَظَاهِرُ الْفِقْهِ
يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَجِبُ الِاسْتِئْذَانُ ، وَلَوْ قِيلَ بِوُجُوبِهِ لِمَا
عِنْدَ الْوَالِدِ مِنْ الْخَوْفِ فِي رُكُوبِ وَلَدِهِ الْبَحْرَ وَإِنْ غَلَبَتْ
السَّلَامَةُ لَمْ يَكُنْ بَعِيدًا
.
وَأَمَّا سَفَرُهُ لِلْعِلْمِ الْمُتَعَيِّنِ أَوْ
لِفَرْضِ الْكِفَايَةِ ؛ فَلَا مَنْعَ مِنْهُ ، وَإِنْ كَانَ يُمْكِنُهُ
التَّعَلُّمُ فِي بَلَدِهِ خِلَافًا لِمَنْ اشْتَرَطَ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ
يَتَوَقَّعُ فِي السَّفَرِ فَرَاغَ الْقَلْبِ أَوْ إرْشَادَ أُسْتَاذٍ وَنَحْوَ
ذَلِكَ ، فَإِنْ لَمْ يَتَوَقَّعْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ احْتَاجَ إلَى
الِاسْتِئْذَانِ وَحَيْثُ وَجَبَتْ النَّفَقَةُ لِلْوَالِدِ عَلَى الْوَلَدِ
وَكَانَ فِي سَفَرِهِ تَضْيِيعٌ لِلْوَاجِبِ ، فَلِلْوَالِدِ الْمَنْعُ كَصَاحِبِ
الدَّيْنِ
الْحَالِّ بِالنِّسْبَةِ إلَى يَوْمِ السَّفَرِ
وَبِالنِّسْبَةِ إلَى غَيْرِهِ فِيهِ تَضْيِيعُ مَا تَقُومُ بِهِ الْكِفَايَةُ
وَلَا كَذَلِكَ فِي الدَّيْنِ .
وَأَمَّا إذَا كَانَ الْوَلَدُ بِسَفَرِهِ يَحْصُلُ
وَقِيعَةٌ فِي الْعِرْضِ لَهَا وَقْعٌ بِأَنْ يَكُونَ أَمْرَدَ وَيَخَافُ مِنْ سَفَرِهِ
تُهْمَةً فَإِنَّهُ يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ ، وَذَلِكَ فِي الْأُنْثَى أَوْلَى .
وَأَمَّا مُخَالَفَةُ أَمْرِهِ أَوْ نَهْيِهِ فِيمَا لَا
يَدْخُلُ عَلَى الْوَلَدِ فِيهِ ضَرَرٌ بِالْكُلِّيَّةِ ، وَإِنَّمَا هُوَ
مُجَرَّدُ إرْشَادٍ لِلْوَلَدِ ، فَإِذَا فَعَلَ مَا يُخَالِفُ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ
عُقُوقًا وَعَدَمُ مُخَالَفَةِ الْوَالِدِ أَوْلَى .
انْتَهَتْ عِبَارَةُ فَتَاوَى الْبُلْقِينِيُّ .
وَتَخْصِيصُهُ الْعُقُوقَ بِفِعْلِهِ الْمُحَرَّمِ
الصَّغِيرَةِ بِالنِّسْبَةِ لِلْغَيْرِ فِيهِ وَقْفَةٌ ، بَلْ يَنْبَغِي أَنَّ
الْمَدَارَ عَلَى مَا قَدَّمْته مِنْ أَنَّهُ لَوْ فَعَلَ مَعَهُ مَا يَتَأَذَّى
بِهِ تَأَذِّيًا لَيْسَ بِالْهَيِّنِ عُرْفًا كَانَ كَبِيرَةً ، وَإِنْ لَمْ
يَكُنْ مُحَرَّمًا لَوْ فَعَلَ مَعَ الْغَيْرِ كَأَنْ يَلْقَاهُ فَيَقْطِبُ فِي وَجْهِهِ
أَوْ يَقْدُمُ عَلَيْهِ فِي مَلَأٍ فَلَا يَقُومُ لَهُ وَلَا يَعْبَأُ بِهِ ،
وَنَحْوُ ذَلِكَ مِمَّا يَقْضِي أَهْلُ الْعَقْلِ وَالْمُرُوءَةِ مِنْ أَهْلِ
الْعُرْفِ بِأَنَّهُ مُؤْذٍ تَأَذِّيًا عَظِيمًا ، وَسَيَأْتِي فِي قَطِيعَةِ
الرَّحِمِ مَا يُؤَيِّدُ ذَلِكَ
.
وَقَوْلُهُ :
أَوْ أَنْ يُخَالِفَ أَمْرَهُ أَوْ نَهْيَهُ إلَخْ
ظَاهِرٌ ؛ لِأَنَّهُ صَرِيحُ كَلَامِهِمْ فِي مَوَاضِعَ جُمِعَ ذَلِكَ مِنْهَا ،
وَإِنَّمَا الَّذِي انْفَرَدَ بِهِ ضَبْطُهُ الْأَوَّلَ بِفِعْلِ الْمُحَرَّمِ
وَقَدْ عَلِمْت مَا فِيهِ .
( فَائِدَةٌ : فِي أَحَادِيثَ أُخَرَ فِي فَضْلِ بِرِّ
الْوَالِدَيْنِ وَصِلَتِهِمَا وَتَأْكِيدُ طَاعَتِهِمَا وَالْإِحْسَانِ إلَيْهِمَا
وَبِرِّ أَصْدِقَائِهِمَا مِنْ بَعْدِهِمَا ) .
أَخْرَجَ الشَّيْخَانِ عَنْ { ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : سَأَلْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
أَيُّ الْعَمَلِ أَحَبُّ إلَى اللَّهِ تَعَالَى ؟ قَالَ الصَّلَاةُ لِوَقْتِهَا ، قُلْت
ثُمَّ أَيُّ ؟ قَالَ : بِرُّ الْوَالِدَيْنِ ، قُلْت ثُمَّ أَيُّ ؟
قَالَ : الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ } .
وَمُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ : { لَا يَجْزِي وَلَدٌ وَالِدَهُ
إلَّا أَنْ يَجِدَهُ مَمْلُوكًا فَيَشْتَرِيَهُ فَيُعْتِقَهُ } .
وَمُسْلِمٌ :
{ أَقْبَلَ رَجُلٌ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أُبَايِعُك عَلَى الْهِجْرَةِ وَالْجِهَادِ
لِيَبْتَغِيَ الْأَجْرَ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى ، قَالَ فَهَلْ مِنْ وَالِدَيْك
أَحَدٌ حَيٌّ ؟ قَالَ : نَعَمْ بَلْ كِلَاهُمَا حَيٌّ .
قَالَ فَتَبْتَغِي الْأَجْرَ مِنْ اللَّهِ ؟ قَالَ :
نَعَمْ .
قَالَ فَارْجِعْ إلَى وَالِدَيْك فَأَحْسِنْ
صُحْبَتَهُمَا } .
وَأَبُو يَعْلَى وَالطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ جَيِّدٍ : {
أَتَى رَجُلٌ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ إنِّي
أَشْتَهِي الْجِهَادَ وَلَا أَقْدِرُ عَلَيْهِ ، قَالَ : هَلْ بَقِيَ مِنْ
وَالِدَيْك أَحَدٌ ؟ قَالَ : أُمِّي
.
قَالَ فَاسْأَلْ اللَّهَ فِي بِرِّهَا ، فَإِذَا فَعَلْت
ذَلِكَ فَأَنْتَ حَاجٌّ مُعْتَمِرٌ وَمُجَاهِدٌ } .
وَالطَّبَرَانِيُّ : { يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي
أُرِيدُ الْجِهَادَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ .
قَالَ : أُمُّك حَيَّةٌ ؟ قَالَ : نَعَمْ .
قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : الْزَمْ
رِجْلَهَا فَثَمَّ الْجَنَّةُ }
.
وَابْنُ مَاجَهْ : { يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا حَقُّ
الْوَالِدَيْنِ عَلَى وَلَدِهِمَا ؟ قَالَ : هُمَا جَنَّتُك وَنَارُك } .
وَابْنُ مَاجَهْ وَالنَّسَائِيُّ وَاللَّفْظُ لَهُ
وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ : { يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَدْت أَنْ أَغْزُوَ وَقَدْ جِئْت
أَسْتَشِيرُك ، فَقَالَ : هَلْ لَك مِنْ أُمٍّ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، قَالَ
الْزَمْهَا فَإِنَّ الْجَنَّةَ عِنْدَ رِجْلَيْهَا } .
وَفِي رِوَايَةٍ صَحِيحَةٍ : { أَلَك وَالِدَانِ ؟ قَالَ : نَعَمْ
، قَالَ : الْزَمْهُمَا فَإِنَّ الْجَنَّةَ تَحْتَ أَرْجُلِهِمَا } .
وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : { أَنَّ رَجُلًا أَتَاهُ فَقَالَ : إنَّ لِي امْرَأَةً
وَإِنَّ أُمِّي تَأْمُرُنِي بِطَلَاقِهَا ، فَقَالَ : سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : الْوَالِدُ أَوْسَطُ أَبْوَابِ
الْجَنَّةِ ، فَإِنْ شِئْت فَأَضِعْ ذَلِكَ الْبَابَ أَوْ احْفَظْهُ } .
وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ :
وَرُبَّمَا قَالَ سُفْيَانُ إنَّ أُمِّي وَرُبَّمَا
قَالَ إنَّ أَبِي .
وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ : { أَنَّ رَجُلًا أَتَى
أَبَا الدَّرْدَاءِ فَقَالَ : إنَّ أَبِي لَمْ يَزَلْ بِي حَتَّى زَوَّجَنِي
وَإِنَّهُ الْآنَ يَأْمُرُنِي بِطَلَاقِهَا .
قَالَ : مَا أَنَا بِاَلَّذِي آمُرُك أَنْ تَعُقَّ
وَالِدَيْك ، وَلَا بِاَلَّذِي آمُرُك أَنْ تُطَلِّقَ زَوْجَتَك ، غَيْرَ أَنَّك
إنْ شِئْت حَدَّثْتُك بِمَا سَمِعْت مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ ، سَمِعْته يَقُولُ : الْوَالِدُ أَوْسَطُ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ
فَحَافِظْ عَلَى ذَلِكَ إنْ شِئْت أَوْ دَعْ ، قَالَ وَأَحْسَبُ عَطَاءً قَالَ
فَطَلِّقْهَا } .
وَأَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةُ وَابْنُ حِبَّانَ
فِي صَحِيحِهِ .
وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ عَنْ {
ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : كَانَتْ تَحْتِي امْرَأَةٌ
أُحِبُّهَا وَكَانَ عُمَرُ يَكْرَهُهَا فَقَالَ لِي طَلِّقْهَا فَأَبَيْت فَأَتَى
عُمَرُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ .
فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ طَلِّقْهَا } .
وَأَحْمَدُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ : { مَنْ سَرَّهُ أَنْ
يُمَدَّ لَهُ فِي عُمُرِهِ وَيُزَادَ فِي رِزْقِهِ فَلْيَبَرَّ وَالِدَيْهِ
وَلْيَصِلْ رَحِمَهُ } .
وَأَبُو يَعْلَى وَغَيْرُهُ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ : {
مَنْ بَرَّ وَالِدَيْهِ طُوبَى لَهُ زَادَ اللَّهُ فِي عُمُرِهِ } .
وَابْنُ مَاجَهْ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ
وَاللَّفْظُ لَهُ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ : { إنَّ الرَّجُلَ لَيُحْرَمُ
الرِّزْقَ بِالذَّنْبِ يُصِيبُهُ ، وَلَا يَرُدُّ الْقَدْرَ إلَّا الدُّعَاءُ ،
وَلَا يَزِيدُ الْعُمُرَ إلَّا الْبِرُّ } وَفِي رِوَايَةٍ لِلتِّرْمِذِيِّ
وَقَالَ حَسَنٌ غَرِيبٌ : { لَا يَرُدُّ الْقَضَاءَ إلَّا الدُّعَاءُ وَلَا
يَزِيدُ فِي الْعُمُرِ إلَّا الْبِرُّ
} .
وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ : { عِفُّوا عَنْ نِسَاءِ النَّاسِ
تَعِفَّ نِسَاؤُكُمْ وَبِرُّوا آبَاءَكُمْ تَبَرُّكُمْ أَبْنَاؤُكُمْ ، وَمَنْ
أَتَاهُ أَخُوهُ مُتَنَصِّلًا فَلْيَقْبَلْ ذَلِكَ مُحِقًّا كَانَ أَوْ مُبْطِلًا
فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ لَمْ يَرِدْ عَلَى الْحَوْضِ } .
وَالطَّبَرَانِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ
: { بِرُّوا آبَاءَكُمْ تَبَرُّكُمْ أَبْنَاؤُكُمْ ،
وَعِفُّوا تَعِفَّ نِسَاؤُكُمْ
} .
وَمُسْلِمٌ :
{ رَغِمَ أَنْفُهُ ثُمَّ رَغِمَ أَنْفُهُ ثُمَّ رَغِمَ
أَنْفُهُ - أَيْ لَصِقَ بِالرِّغَامِ وَهُوَ التُّرَابُ مِنْ الذُّلِّ - قِيلَ
مَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ مَنْ أَدْرَكَ وَالِدَيْهِ عِنْدَ الْكِبَرِ
أَوْ أَحَدَهُمَا ثُمَّ لَمْ يَدْخُلْ الْجَنَّةَ أَوْ لَا يُدْخِلَانِهِ الْجَنَّةَ } .
وَالطَّبَرَانِيُّ بِأَسَانِيدَ أَحَدُهَا حَسَنٌ : { صَعِدَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمِنْبَرَ فَقَالَ آمِينَ آمِينَ
آمِينَ ، ثُمَّ قَالَ : أَتَانِي جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَقَالَ : يَا
مُحَمَّدُ مَنْ أَدْرَكَ أَحَدَ أَبَوَيْهِ ثُمَّ لَمْ يَبَرَّهُمَا فَمَاتَ فَدَخَلَ
النَّارَ فَأَبْعَدَهُ اللَّهُ قُلْ آمِينَ فَقُلْت ، آمِينَ ، فَقَالَ يَا
مُحَمَّدُ مَنْ أَدْرَكَ شَهْرَ رَمَضَانَ فَمَاتَ فَلَمْ يُغْفَرْ لَهُ
فَأُدْخِلَ النَّارَ فَأَبْعَدَهُ اللَّهُ قُلْ آمِينَ فَقُلْت آمِينَ ، قَالَ
وَمَنْ ذُكِرْت عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْك فَمَاتَ فَدَخَلَ النَّارَ
فَأَبْعَدَهُ اللَّهُ قُلْ آمِينَ فَقُلْت آمِينَ } .
وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ إلَّا أَنَّهُ
قَالَ فِيهِ : { وَمَنْ أَدْرَكَ أَبَوَيْهِ أَوْ أَحَدَهُمَا فَلَمْ يَبَرَّهُمَا
فَمَاتَ فَدَخَلَ النَّارَ فَأَبْعَدَهُ اللَّهُ قُلْ آمِينَ ، فَقُلْت : آمِينَ } .
وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ وَغَيْرُهُ وَقَالَ فِي آخِرِهِ :
{ فَلَمَّا رَقَيْت الثَّالِثَةَ قَالَ بَعُدَ مَنْ أَدْرَكَ أَبَوَيْهِ الْكِبَرُ
عِنْدَهُ أَوْ أَحَدَهُمَا فَلَمْ يُدْخِلَاهُ الْجَنَّةَ قُلْت آمِينَ } .
وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ وَفِيهِ : { مَنْ أَدْرَكَ
وَالِدَيْهِ أَوْ أَحَدَهُمَا فَلَمْ يَبَرَّهُمَا دَخَلَ النَّارَ فَأَبْعَدَهُ
اللَّهُ وَأَسْحَقَهُ قُلْت آمِينَ
} .
وَأَحْمَدُ مِنْ طُرُقٍ أَحَدُهَا حَسَنٌ : { مَنْ أَعْتَقَ
رَقَبَةً مُسْلِمَةً فَهِيَ فِدَاؤُهُ مِنْ النَّارِ ، وَمَنْ أَدْرَكَ أَحَدَ
وَالِدَيْهِ ثُمَّ لَمْ يُغْفَرْ لَهُ فَأَبْعَدَهُ اللَّهُ } .
زَادَ فِي رِوَايَةٍ { وَأَسْحَقَهُ } .
وَالشَّيْخَانِ : { يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَحَقُّ
النَّاسِ بِحُسْنِ صَحَابَتِي ؟ قَالَ أُمُّك ، قَالَ ثُمَّ مَنْ ؟ قَالَ أُمُّك ،
قَالَ ثُمَّ
مَنْ ؟ قَالَ أُمُّك ، قَالَ ثُمَّ مَنْ ؟ قَالَ أَبُوك } .
وَالشَّيْخَانِ عَنْ { أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَتْ
: قَدِمَتْ عَلَيَّ أُمِّي وَهِيَ مُشْرِكَةٌ فِي عَهْدِ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاسْتَفْتَيْت رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقُلْت قَدِمَتْ عَلَيَّ أُمِّي
وَهِيَ رَاغِبَةٌ أَيْ عَنْ الْإِسْلَامِ أَوْ فِيمَا عِنْدِي أَفَأَصِلُ أُمِّي ؟
قَالَ : نَعَمْ ، صِلِي أُمَّك
} .
وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ
صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ : { رِضَا اللَّهِ فِي رِضَا الْوَالِدِ أَوْ قَالَ
الْوَالِدَيْنِ ، وَسَخَطُ اللَّهِ فِي سَخَطِ الْوَالِدِ أَوْ قَالَ
الْوَالِدَيْنِ } ، وَرَجَّحَ التِّرْمِذِيُّ وَقْفَهُ .
وَفِي رِوَايَةٍ لِلطَّبَرَانِيِّ : { طَاعَةُ اللَّهِ
فِي طَاعَةِ الْوَالِدِ أَوْ قَالَ الْوَالِدَيْنِ ، وَمَعْصِيَتُهُ فِي مَعْصِيَةِ
الْوَالِدِ } .
وَفِي أُخْرَى لِلْبَزَّارِ : { رِضَا الرَّبِّ
تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي رِضَا الْوَالِدَيْنِ ، وَسَخَطُ الرَّبِّ تَبَارَكَ
وَتَعَالَى فِي سَخَطِ الْوَالِدَيْنِ
} وَالتِّرْمِذِيُّ وَاللَّفْظُ لَهُ وَابْنُ حِبَّانَ
فِي صَحِيحِهِ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِهِمَا : { أَتَى
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ فَقَالَ : إنِّي أَذْنَبْت ذَنْبًا
عَظِيمًا فَهَلْ لِي مِنْ تَوْبَةٍ ؟ قَالَ : هَلْ لَك مِنْ أُمٍّ ؟ قَالَ : لَا .
قَالَ : فَهَلْ لَك مِنْ خَالَةٍ ؟ قَالَ : نَعَمْ ،
قَالَ فَبِرَّهَا } .
وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ : { يَا رَسُولَ اللَّهِ
هَلْ بَقِيَ مِنْ بِرِّ أَبَوِيَّ شَيْءٌ أَبَرُّهُمَا بِهِ بَعْدَ مَوْتِهِمَا ؟
قَالَ : نَعَمْ الصَّلَاةُ عَلَيْهِمَا : أَيْ الدُّعَاءُ لَهُمَا
وَالِاسْتِغْفَارُ لَهُمَا ، وَإِنْفَاذُ عَهْدِهِمَا مِنْ بَعْدِهِمَا ، وَصِلَةُ
الرَّحِمِ الَّتِي لَا تُوصَلُ إلَّا بِهِمَا وَإِكْرَامُ صَدِيقِهِمَا } .
وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ بِزِيَادَةٍ : {
قَالَ الرَّجُلُ : مَا أَكْثَرُ هَذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَأَطْيَبُهُ ؟ قَالَ
فَاعْمَلْ بِهِ } .
وَمُسْلِمٌ : { أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُمَا لَقِيَهُ رَجُلٌ مِنْ الْأَعْرَابِ
بِطَرِيقِ مَكَّةَ ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ
بْنُ عُمَرَ وَحَمَلَهُ عَلَى حِمَارٍ كَانَ يَرْكَبُهُ وَأَعْطَاهُ عِمَامَةً
كَانَتْ عَلَى رَأْسِهِ .
قَالَ ابْنُ دِينَارٍ : فَقُلْنَا أَصْلَحَك اللَّهُ
إنَّهُمْ الْأَعْرَابُ وَهُمْ يَرْضَوْنَ بِالْيَسِيرِ .
فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ : إنَّ أَبَا هَذَا
كَانَ وَدُودًا لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ، وَإِنِّي سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : إنَّ أَبَرَّ الْبِرِّ صِلَةُ
الْوَلَدِ أَهْلَ وُدِّ أَبِيهِ
} .
وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ عَنْ { أَبِي بُرْدَةَ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَدِمْت الْمَدِينَةَ فَأَتَانِي عَبْدُ اللَّهِ
بْنُ عُمَرَ فَقَالَ : أَتَدْرِي لِمَ أَتَيْتُك ؟ قُلْت : لَا ، قَالَ : فَإِنِّي سَمِعْت
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : مَنْ أَحَبَّ أَنْ
يَصِلَ أَبَاهُ فِي قَبْرِهِ فَلْيَصِلْ إخْوَانَ أَبِيهِ بَعْدَهُ وَإِنَّهُ
كَانَ بَيْنَ أَبِي عُمَرَ وَبَيْنَ أَبِيك إخَاءٌ وَوُدٌّ فَأَحْبَبْت أَنْ
أَصِلَ ذَلِكَ } .
وَفِي حَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا
الْمَشْهُورُ بِرِوَايَاتِ مُتَعَدِّدَةٍ : { أَنَّ ثَلَاثَةَ نَفَرٍ مِمَّنْ
كَانَ قَبْلَنَا خَرَجُوا يَتَمَاشُونَ وَيَرْتَادُونَ لِأَهْلِيهِمْ فَأَخَذَهُمْ
الْمَطَرُ حَتَّى أَوَوْا إلَى غَارٍ فِي الْجَبَلِ فَانْحَدَرَتْ عَلَى فَمِهِ
صَخْرَةٌ فَسَدَّتْهُ فَقَالُوا إنَّهُ لَا يُنْجِيكُمْ مِنْ هَذِهِ الصَّخْرَةِ
إلَّا أَنْ تَدْعُوَا بِصَالِحِ أَعْمَالِكُمْ } .
وَفِي رِوَايَةٍ : { فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ
اُنْظُرُوا أَعْمَالًا عَمِلْتُمُوهَا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ صَالِحَةً فَادْعُوا
اللَّهَ بِهَا لَعَلَّهُ يُفَرِّجُهَا
} .
وَفِي أُخْرَى : { فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَفَا
الْأَثَرُ ، وَوَقَعَ الْحَجَرُ ، وَلَا يَعْلَمُ بِمَكَانِكُمْ إلَّا اللَّهُ
فَادْعُوا اللَّهَ بِأَوْثَقِ أَعْمَالِكُمْ ، فَقَالَ أَحَدُهُمْ : اللَّهُمَّ
إنَّهُ كَانَ لِي أَبَوَانِ شَيْخَانِ كَبِيرَانِ ، وَكُنْت لَا أَغْبِقُ
قَبْلَهُمَا أَهْلًا وَلَا مَالًا فَنَأَى بِي طَلَبُ شَجَرٍ يَوْمًا فَلَمْ
أُرِحْ عَلَيْهِمَا حَتَّى نَامَا فَحَلَبْت لَهُمَا غَبُوقَهُمَا فَوَجَدْتهمَا
نَائِمَيْنِ ، فَكَرِهْت أَنْ أَغْبِقُ
قَبْلَهُمَا أَهْلًا أَوْ مَالًا فَلَبِثْت وَالْقَدَحُ عَلَى
يَدِي أَنْتَظِرُ اسْتِيقَاظَهُمَا حَتَّى بَرِقَ الْفَجْرُ فَاسْتَيْقَظَا
فَشَرِبَا غَبُوقَهُمَا .
اللَّهُمَّ إنْ كُنْت فَعَلْت ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِك
فَفَرِّجْ عَنَّا مَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ هَذِهِ الصَّخْرَةِ فَفُرِجَتْ شَيْئًا
لَا يَسْتَطِيعُونَ الْخُرُوجَ
} .
وَفِي رِوَايَةٍ : { وَلِي صِبْيَةٌ صِغَارٌ كُنْت أَرْعَى
فَإِذَا رُحْت عَلَيْهِمْ فَحَلَبْت بَدَأْت بِوَالِدَيَّ أُسْقِيهِمَا قَبْلَ
وَلَدِي وَإِنَّهُ نَأَى بِي طَلَبُ شَجَرَةٍ يَوْمًا فَمَا أَتَيْت حَتَّى
أَمْسَيْت فَوَجَدْتهمَا قَدْ نَامَا فَحَلَبْت كَمَا كُنْت أَحْلُبُ فَجِئْت
بِالْحِلَابِ فَقُمْت عِنْدَ رُءُوسِهِمَا أَكْرَهُ أَنْ أُوقِظَهُمَا مِنْ
نَوْمِهِمَا وَأَكْرَهُ أَنْ أَبْدَأَ بِالصِّبْيَةِ قَبْلَهُمَا وَالصِّبْيَةُ
يَتَضَاغَوْنَ عِنْدَ قَدَمِي ، فَلَمْ يَزَلْ ذَلِكَ دَأْبِي وَدَأْبَهُمَا
حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ فَإِنْ كُنْت تَعْلَمُ أَنِّي قَدْ فَعَلْت ذَلِكَ
ابْتِغَاءَ وَجْهِك فَافْرِجْ لَنَا فُرْجَةً نَرَى مِنْهَا السَّمَاءَ ،
فَفَرَّجَ اللَّهُ لَهُمْ حَتَّى يَرَوْنَ مِنْهَا السَّمَاءَ ، وَذَكَرَ الْآخَرُ
عِفَّتَهُ عَنْ الزِّنَا بِابْنَةِ عَمِّهِ ، وَالْآخَرُ تَنْمِيَتَهُ لِمَالِ أَجِيرِهِ
فَانْفَرَجَتْ عَنْهُمْ كُلُّهَا وَخَرَجُوا يَتَمَاشُونَ } .
( الْكَبِيرَةُ الثَّالِثَةُ بَعْدَ الثَّلَاثِمِائَةِ :
قَطْعُ الرَّحِمِ ) قَالَ - تَعَالَى - : { وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ
بِهِ وَالْأَرْحَامَ } : أَيْ وَاتَّقُوا الْأَرْحَامَ أَنْ تَقْطَعُوهَا ، وَقَالَ
- تَعَالَى - : { فَهَلْ عَسَيْتُمْ إنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي
الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمْ اللَّهُ
فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ
} .
وَقَالَ -
تَعَالَى - : { الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ
مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ
فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ هُمْ الْخَاسِرُونَ } .
وَقَالَ
- تَعَالَى - : { الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ
مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ
فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمْ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ } .
وَأَخْرَجَ الشَّيْخَانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { إنَّ
اللَّهَ - تَعَالَى - خَلَقَ الْخَلْقَ حَتَّى إذَا فَرَغَ مِنْهُمْ قَامَتْ
الرَّحِمُ فَقَالَتْ : هَذَا مَقَامُ الْعَائِذِ بِك مِنْ الْقَطِيعَةِ ، قَالَ
نَعَمْ أَمَا تَرْضَيْنَ أَنْ أَصِلَ مَنْ وَصَلَك وَأَقْطَعَ مَنْ قَطَعَك ؟
قَالَتْ بَلَى ، قَالَ فَذَاكَ لَك ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : اقْرَءُوا إنْ شِئْتُمْ { فَهَلْ عَسَيْتُمْ إنْ تَوَلَّيْتُمْ
أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمْ
اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ } } .
وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ
وَابْنُ مَاجَهْ وَالْحَاكِمُ ، وَقَالَ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ .
عَنْ أَبِي بَكْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ :
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { مَا مِنْ ذَنْبٍ
أَجْدَرُ - أَيْ أَحَقُّ - أَنْ يُعَجِّلَ اللَّهُ لِصَاحِبِهِ الْعُقُوبَةَ فِي
الدُّنْيَا مَعَ مَا يَدَّخِرُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ الْبَغْيِ وَقَطِيعَةِ
الرَّحِمِ } .
وَالشَّيْخَانِ : { لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ قَاطِعٌ } .
قَالَ سُفْيَانُ : يَعْنِي قَاطِعَ رَحِمٍ .
وَأَحْمَدُ بِسَنَدٍ رُوَاتُهُ ثِقَاتٌ : { إنَّ
أَعْمَالَ بَنِي آدَمَ تُعْرَضُ كُلَّ خَمِيسٍ وَلَيْلَةَ جُمُعَةٍ فَلَا يُقْبَلُ
عَمَلُ قَاطِعِ رَحِمٍ } .
وَالْبَيْهَقِيُّ : { إنَّهُ أَتَانِي جِبْرِيلُ
عَلَيْهِ السَّلَامُ فَقَالَ : هَذِهِ لَيْلَةُ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ
وَلِلَّهِ فِيهَا عُتَقَاءُ مِنْ النَّارِ بِعَدَدِ شَعْرِ غَنَمِ كَلْبٍ لَا
يَنْظُرُ اللَّهُ فِيهَا إلَى مُشْرِكٍ وَلَا إلَى مُشَاحِنٍ وَلَا إلَى قَاطِعِ رَحِمٍ
وَلَا إلَى مُسْبِلٍ - أَيْ إزَارَهُ خُيَلَاءَ - وَلَا إلَى عَاقٍّ لِوَالِدَيْهِ
وَلَا إلَى مُدْمِنِ خَمْرٍ } الْحَدِيثَ .
وَابْنُ حِبَّانَ وَغَيْرُهُ : { ثَلَاثَةٌ لَا
يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ مُدْمِنُ الْخَمْرِ وَقَاطِعُ الرَّحِمِ وَمُصَدِّقٌ
بِالسِّحْرِ } .
وَأَحْمَدُ مُخْتَصَرًا وَابْنُ أَبِي الدُّنْيَا
وَالْبَيْهَقِيُّ : { يَبِيتُ قَوْمٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ عَلَى طُعْمٍ
وَشُرْبٍ وَلَهْوٍ وَلَعِبٍ فَيُصْبِحُوا قَدْ مُسِخُوا قِرَدَةً وَخَنَازِيرَ
وَلَيُصِيبَنَّهُمْ خَسْفٌ وَقَذْفٌ حَتَّى يُصْبِحَ النَّاسُ فَيَقُولُونَ خُسِفَ
اللَّيْلَةَ بِبَنِي فُلَانٍ وَخُسِفَ اللَّيْلَةَ بِدَارِ فُلَانٍ خَوَاصَّ ، وَلَتُرْسَلَنَّ
عَلَيْهِمْ حِجَارَةٌ مِنْ السَّمَاءِ كَمَا أُرْسِلَتْ عَلَى قَوْمِ لُوطٍ عَلَى
قَبَائِلَ فِيهَا وَعَلَى دُورٍ ، وَلَتُرْسَلَنَّ عَلَيْهِمْ الرِّيحُ الْعَقِيمُ
الَّتِي أَهْلَكَتْ عَادًا عَلَى قَبَائِلَ فِيهَا وَعَلَى دُورٍ بِشُرْبِهِمْ
الْخَمْرَ وَلُبْسِهِمْ الْحَرِيرَ وَاِتِّخَاذِهِمْ الْقَيْنَاتِ وَأَكْلِهِمْ الرِّبَا
وَقَطِيعَتِهِمْ الرَّحِمَ وَخَصْلَةً نَسِيَهَا جَعْفَرٌ } .
وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ : عَنْ جَابِرٍ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : { خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ مُجْتَمِعُونَ فَقَالَ : يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ
اتَّقُوا اللَّهَ وَصِلُوا أَرْحَامَكُمْ فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ ثَوَابٍ أَسْرَعَ
مِنْ صِلَةِ الرَّحِمِ ، وَإِيَّاكُمْ وَالْبَغْيَ فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ عُقُوبَةٍ
أَسْرَعَ مِنْ عُقُوبَةِ بَغْيٍ ، وَإِيَّاكُمْ وَعُقُوقَ الْوَالِدَيْنِ فَإِنَّ
رِيحَ الْجَنَّةِ يُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَلْفِ عَامٍ وَاَللَّهِ لَا يَجِدُهَا
عَاقٌّ وَلَا قَاطِعُ رَحِمٍ وَلَا
شَيْخٌ زَانٍ وَلَا جَارٌّ إزَارَهُ خُيَلَاءَ إنَّمَا
الْكِبْرِيَاءُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } .
وَالْأَصْبَهَانِيّ : { كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : لَا يُجَالِسْنَا الْيَوْمَ
قَاطِعُ رَحِمٍ ، فَقَامَ فَتًى مِنْ الْحَلْقَةِ فَأَتَى خَالَةً لَهُ قَدْ كَانَ
بَيْنَهُمَا بَعْضُ الشَّيْءِ فَاسْتَغْفَرَ لَهَا فَاسْتَغْفَرَتْ لَهُ ثُمَّ
عَادَ إلَى الْمَجْلِسِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ
الرَّحْمَةَ لَا تَنْزِلُ عَلَى قَوْمٍ فِيهِمْ قَاطِعُ رَحِمٍ } ، وَهَذَا مُؤَيِّدٌ لِمَا رُوِيَ أَنَّ أَبَا
هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ يُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : { أُحَرِّجُ عَلَى كُلِّ قَاطِعِ رَحِمٍ
إلَّا قَامَ مِنْ عِنْدِنَا ، فَقَامَ شَابٌّ إلَى عَمَّةٍ لَهُ قَدْ صَارَمَهَا
مُنْذُ سِنِينَ فَصَالَحَهَا فَسَأَلَتْهُ عَنْ السَّبَبِ فَذَكَرَهُ لَهَا ، فَقَالَتْ
ارْجِعْ وَاسْأَلْهُ لِمَ ذَاكَ ؟ فَرَجَعَ فَسَأَلَهُ ، فَقَالَ لِأَنِّي سَمِعْت
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : إنَّ الرَّحْمَةَ
لَا تَنْزِلُ عَلَى قَوْمٍ فِيهِمْ قَاطِعُ رَحِمٍ } .
وَالطَّبَرَانِيُّ : { إنَّ الْمَلَائِكَةَ لَا تَنْزِلُ
عَلَى قَوْمٍ فِيهِمْ قَاطِعُ رَحِمٍ
} .
وَالطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ الْأَعْمَشِ
قَالَ : " كَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ جَالِسًا بَعْدَ
الصُّبْحِ فِي حَلْقَةٍ فَقَالَ
: أَنْشُدُ اللَّهَ قَاطِعَ رَحِمٍ لَمَا قَامَ عَنْهُ
فَإِنَّا نُرِيدُ أَنْ نَدْعُوَ رَبَّنَا وَإِنَّ أَبْوَابَ السَّمَاءِ مُرْتَجَةٌ
- أَيْ بِضَمٍّ فَفَتْحٍ وَالْجِيمُ مُخَفَّفَةٌ - مُغْلَقَةٌ دُونَ قَاطِعِ رَحِمٍ " .
وَالشَّيْخَانِ : { الرَّحِمُ مُعَلَّقَةٌ بِالْعَرْشِ تَقُولُ
: مَنْ وَصَلَنِي وَصَلَهُ اللَّهُ وَمَنْ قَطَعَنِي قَطَعَهُ اللَّهُ } .
وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ
صَحِيحٌ ، وَاعْتُرِضَ تَصْحِيحُهُ بِأَنَّهُ مُنْقَطِعٌ ، وَرِوَايَةُ وَصْلِهِ
قَالَ الْبُخَارِيُّ خَطَأٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ قَالَ : سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يَقُولُ : {
قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : أَنَا اللَّهُ وَأَنَا الرَّحْمَنُ
خَلَقْت الرَّحِمَ وَشَقَقْت لَهَا اسْمًا مِنْ اسْمِي ، فَمَنْ وَصَلَهَا
وَصَلْته وَمَنْ قَطَعَهَا قَطَعْته أَوْ قَالَ بَتَتُّهُ } أَيْ قَطَعْته .
وَأَحْمَدُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ : { إنَّ مِنْ أَرْبَى
الرِّبَا الِاسْتِطَالَةَ فِي عِرْضِ الْمُسْلِمِ بِغَيْرِ حَقٍّ ، وَإِنَّ هَذِهِ
الرَّحِمَ شِجْنَةٌ مِنْ الرَّحْمَنِ عَزَّ وَجَلَّ فَمَنْ قَطَعَهَا حَرَّمَ
اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ }
.
وَأَحْمَدُ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ قَوِيٍّ وَابْنُ حِبَّانَ
فِي صَحِيحِهِ : { إنَّ الرَّحِمَ شِجْنَةٌ مِنْ الرَّحْمَنِ تَقُولُ يَا رَبِّ
إنِّي قُطِعْت ، يَا رَبِّ إنِّي أُسِيءَ إلَيَّ ، يَا رَبِّ إنِّي ظُلِمْت ، يَا
رَبِّ يَا رَبِّ ، فَيُجِيبُهَا : أَلَا تَرْضَيْنَ أَنْ أَصِلَ مَنْ وَصَلَك
وَأَقْطَعَ مَنْ قَطَعَك ؟ } وَالشِّجْنَةُ بِكَسْرِ أَوَّلِهِ الْمُعْجَمِ وَضَمِّهِ
وَإِسْكَانِ الْجِيمِ : الْقَرَابَةُ الْمُشْتَبِكَةُ كَاشْتِبَاكِ الْعُرُوقِ ، وَمَعْنَى
مِنْ الرَّحْمَنِ : أَيْ مُشْتَقُّ لَفْظِهَا مِنْ لَفْظِ اسْمِهِ الرَّحْمَنِ
كَمَا يَأْتِي فِي الْحَدِيثِ عَلَى الْأَثَرِ .
وَالْبَزَّارُ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ : { الرَّحِمُ
حُجْنَةٌ مُتَمَسِّكَةٌ بِالْعَرْشِ تَتَكَلَّمُ بِلِسَانٍ ذَلْقٍ : اللَّهُمَّ
صِلْ مَنْ وَصَلَنِي وَاقْطَعْ مَنْ قَطَعَنِي ، فَيَقُولُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى
: أَنَا الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ وَإِنِّي شَقَقْت الرَّحِمَ مِنْ اسْمِي فَمَنْ وَصَلَهَا
وَصَلْته وَمَنْ بَتَكَهَا بَتَكْتُهُ } ، الْحَجْنَةُ بِفَتْحِ الْحَاءِ
الْمُهْمَلَةِ وَالْجِيمِ وَتَخْفِيفِ النُّونِ : صِنَّارَةُ الْمِغْزَلِ : أَيْ
الْحَدِيدَةُ الْعَقْفَاءُ الَّتِي يُعَلَّقُ بِهَا الْخَيْطُ ثُمَّ يُفْتَلُ
الْغَزْلُ ، وَالْبَتْكُ : الْقَطْعُ
.
وَالْبَزَّارُ : { ثَلَاثٌ مُتَعَلِّقَاتٌ بِالْعَرْشِ
: الرَّحِمُ تَقُولُ اللَّهُمَّ إنِّي بِك فَلَا أُقْطَعُ ، وَالْأَمَانَةُ
تَقُولُ اللَّهُمَّ إنِّي بِك فَلَا أُخَانُ ، وَالنِّعْمَةُ تَقُولُ اللَّهُمَّ
إنِّي بِك فَلَا أُكْفَرُ } .
وَالْبَزَّارُ وَاللَّفْظُ لَهُ وَالْبَيْهَقِيُّ : { الطَّابَعُ
مُعَلَّقٌ بِقَائِمَةِ الْعَرْشِ فَإِذَا اشْتَكَتْ الرَّحِمُ وَعُمِلَ
بِالْمَعَاصِي وَاجْتُرِئَ عَلَى اللَّهِ -
تَعَالَى - بَعَثَ اللَّهُ الطَّابَعَ فَيَطْبَعُ عَلَى
قَلْبِهِ فَلَا يَعْقِلُ بَعْدَ ذَلِكَ شَيْئًا } .
تَنْبِيهٌ :
عَدُّ هَذَا هُوَ صَرِيحُ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ
الْكَثِيرَةِ الصَّحِيحَةِ بَلْ الْمُتَّفَقُ عَلَى صِحَّةِ كَثِيرٍ مِنْهَا ،
وَبِهَذَا يُرَدُّ تَوَقُّفُ الرَّافِعِيِّ فِي قَوْلِ صَاحِبِ الشَّامِلِ إنَّهُ مِنْ
الْكَبَائِرِ ، وَكَذَا تَقْرِيرُ النَّوَوِيِّ لَهُ عَلَى تَوَقُّفِهِ هَذَا
فَإِنَّهُ اعْتَرَضَ تَوَقُّفَهُ فِي غَيْرِهِ وَلَمْ يَعْتَرِضْ تَوَقُّفَهُ
هَذَا وَهُوَ أَجْدَرُ وَأَحَقُّ بِالرَّدِّ ، وَكَيْفَ يَتَوَقَّفُ فِي ذَلِكَ
مَعَ تَصْرِيحِ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ وَمَعَ مَا فِي الْآيَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ
لَعْنِ فَاعِلِهِ وَاسْتِدْلَالِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَا فِي أَوَّلِ
الْأَحَادِيثِ الْمَذْكُورَةِ عَلَى قَطِيعَةِ اللَّهِ لِقَاطِعِ الرَّحِمِ ،
وَقَوْلُهُ : إنَّ الْقَاطِعَ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ ، وَإِنَّهُ مَا مِنْ
ذَنْبٍ أَجْدَرُ أَنْ يُعَجَّلَ عُقُوبَتُهُ مِنْ ذَنْبِهِ ، وَإِنَّهُ لَا
يُقْبَلُ عَمَلُهُ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا مَرَّ ، فَحِينَئِذٍ لَا مَسَاغَ
لِلتَّوَقُّفِ .
ثُمَّ رَأَيْت الْجَلَالَ الْبُلْقِينِيَّ قَالَ : وَلَا
يَنْبَغِي التَّوَقُّفُ فِي ذَلِكَ مَعَ النَّصِّ فِي الْقُرْآنِ عَلَى لَعْنَةِ
فَاعِلِهِ ، ثُمَّ رُوِيَ عَنْ الْبَاقِرِ أَنَّ أَبَاهُ زَيْنَ الْعَابِدِينَ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : لَا تُصَاحِبْ قَاطِعَ رَحِمٍ فَإِنِّي وَجَدْته
مَلْعُونًا فِي كِتَابِ اللَّهِ فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ وَذَكَرَ الْآيَاتِ
الثَّلَاثَ السَّابِقَةَ ، آيَةَ الْقِتَالِ وَاللَّعْنُ فِيهَا صَرِيحٌ ،
وَالرَّعْدَ وَاللَّعْنُ فِيهَا بِطَرِيقِ الْعُمُومِ ؛ لِأَنَّ مَا أَمَرَ
اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ يَشْمَلُ الْأَرْحَامَ وَغَيْرَهَا ، وَالْبَقَرَةَ وَاللَّعْنُ
فِيهَا بِطَرِيقِ الِاسْتِلْزَامِ إذْ هُوَ مِنْ لَوَازِمِ الْخُسْرَانِ ، وَقَدْ
نَقَلَ الْقُرْطُبِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ اتِّفَاقَ الْأُمَّةِ عَلَى وُجُوبِ صِلَةِ
الرَّحِمِ وَحُرْمَةِ قَطْعِهَا
.
ثُمَّ الْمُرَادُ بِقَطِيعَةِ الرَّحِمِ مَاذَا ؟ فِيهِ
اخْتِلَافٌ ؛ فَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ الْوَلِيُّ بْنُ الْعِرَاقِيِّ : يَنْبَغِي
أَنْ يَخْتَصَّ بِالْإِسَاءَةِ
.
وَقَالَ غَيْرُهُ : لَا
يَنْبَغِي اخْتِصَاصُهُ بِذَلِكَ بَلْ يَنْبَغِي أَنْ
يَتَعَدَّى إلَى تَرْكِ الْإِحْسَانِ ؛ لِأَنَّ الْأَحَادِيثَ آمِرَةٌ بِالصِّلَةِ
نَاهِيَةٌ عَنْ الْقَطِيعَةِ وَلَا وَاسِطَةَ بَيْنَهُمَا ، وَالصِّلَةُ إيصَالُ
نَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ الْإِحْسَانِ لِمَا فَسَّرَهَا بِذَلِكَ غَيْرُ وَاحِدٍ
فَالْقَطِيعَةُ ضِدُّهَا وَهِيَ تَرْكُ الْإِحْسَانِ .
ا هـ
.
وَلَك أَنْ تَقُولَ فِي كُلٍّ مِنْ هَذَيْنِ نَظَرٌ ،
أَمَّا الْأَوَّلُ ؛ فَلِأَنَّهُ إنْ أُرِيدَ بِالْإِسَاءَةِ مَا يَشْمَلُ فِعْلَ
الْمَكْرُوهِ وَالْمُحَرَّمِ أَوْ مَا يَخْتَصُّ بِالْمُحَرَّمِ وَلَوْ صَغِيرَةً
نَافَى مَا مَرَّ عَنْ الْبُلْقِينِيِّ وَغَيْرِهِ فِي ضَابِطِ الْعُقُوقِ مِنْ
أَنَّهُ إنْ يَفْعَلْ مَعَ أَحَدِ وَالِدَيْهِ مَا لَوْ فَعَلَهُ مَعَ أَجْنَبِيٍّ
كَانَ مُحَرَّمًا صَغِيرَةً فَيَنْتَقِلُ بِالنِّسْبَةِ إلَى أَحَدِهِمَا كَبِيرَةً
، فَإِذَا كَانَ هَذَا هُوَ ضَابِطَ الْعُقُوقِ .
وَمَعْلُومٌ أَنَّ حَقَّ الْوَالِدَيْنِ آكَدُ مِنْ
حَقِّ بَقِيَّةِ الْأَقَارِبِ ، وَأَنَّ الْعُقُوقَ غَيْرُ قَطِيعَةِ الرَّحِمِ
كَمَا يُصَرِّحُ بِهِ كَلَامُهُمْ ، وَمِنْهُ تَوَقُّفُ الرَّافِعِيِّ فِي
الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِقَطْعِ الرَّحِمِ الْمَحْكُومَ
عَلَيْهِ بِأَنَّهُ كَبِيرَةٌ مَا هُوَ أَشَدُّ فِي الْإِيذَاءِ مِنْ الْعُقُوقِ ؛
لِيَظْهَرَ مَزِيَّةُ الْوَالِدَيْنِ ، وَمَا قَالَهُ أَبُو زُرْعَةَ يَلْزَمُ
عَلَيْهِ اتِّحَادُهُمَا بَلْ إنَّ الْقَطِيعَةَ يُرَاعَى فِيهَا مَا هُوَ أَدْنَى
فِي الْإِيذَاءِ مِنْ الْعُقُوقِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْإِسَاءَةَ فِي كَلَامِهِ
تَشْمَلُ فِعْلَهُ فَيَتَمَيَّزُ بَقِيَّةُ الْأَقَارِبِ عَلَى الْأَبَوَيْنِ حَيْثُ
جُعِلَ مُطْلَقُ الْإِيذَاءِ فِي حَقِّهِمْ كَبِيرَةً .
وَالْأَبَوَانِ لَمْ يُجْعَلْ الْإِيذَاءُ فِي حَقِّهِمْ
كَذَلِكَ وَهَذَا مُنَافٍ لِصَرِيحِ كَلَامِهِمْ ، فَوَجَبَ رَدُّ كَلَامِ أَبِي
زُرْعَةَ لِئَلَّا يَلْزَمَ عَلَيْهِ مَا ذُكِرَ .
وَإِذَا عُلِمَ أَنَّ كَلَامَهُمْ فِي الْعُقُوقِ
يَرُدُّ مَا ذَكَرَهُ فَمَا ذَكَرَهُ غَيْرُهُ مِنْ أَنَّ قَطْعَ الرَّحِمِ عَدَمُ
فِعْلِ الْإِحْسَانِ كَلَامُهُمْ يَرُدُّهُ بِالْأُولَى ، وَحِينَئِذٍ فَاَلَّذِي
يُتَّجَهُ لِيُوَافِقَ
كَلَامَهُمْ وَفَرْقَهُمْ بَيْنَ الْعُقُوقِ وَقَطْعِ
الرَّحِمِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَوَّلِ مَا قَدَّمْته فِيهِ دُونَ مَا مَرَّ
عَنْ الْبُلْقِينِيِّ لِمَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ أَيْضًا مِنْ اتِّحَادِهِمَا ،
وَبِالثَّانِي قَطْعُ مَا أَلِفَ الْقَرِيبُ مِنْهُ مِنْ سَابِقِ الْوُصْلَةِ وَالْإِحْسَانِ
لِغَيْرِ عُذْرٍ شَرْعِيٍّ ؛ لِأَنَّ قَطْعَ ذَلِكَ يُؤَدِّي إلَى إيحَاشِ
الْقُلُوبِ وَنُفْرَتِهَا وَتَأَذِّيهَا ، وَيَصْدُقُ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ أَنَّهُ
قَطَعَ وُصْلَةَ رَحِمِهِ وَمَا يَنْبَغِي لَهَا مِنْ عَظِيمِ الرِّعَايَةِ ،
فَلَوْ فُرِضَ أَنَّ قَرِيبَهُ لَمْ يَصِلْ إلَيْهِ مِنْهُ إحْسَانٌ وَلَا
إسَاءَةٌ قَطُّ لَمْ يَفْسُقْ بِذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْأَبَوَيْنِ إذَا فُرِضَ
ذَلِكَ فِي حَقِّهِمَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَفْعَلَ مَعَهُمَا مَا يَقْتَضِي
التَّأَذِّي الْعَظِيمَ لِغِنَاهُمَا مَثَلًا لَمْ يَكُنْ كَبِيرَةً فَأَوْلَى بَقِيَّةُ
الْأَقَارِبِ .
وَلَوْ فُرِضَ أَنَّ الْإِنْسَانَ لَمْ يَقْطَعْ عَنْ
قَرِيبِهِ مَا أَلِفَهُ مِنْ الْإِحْسَانِ لَكِنَّهُ فَعَلَ مَعَهُ مُحَرَّمًا
صَغِيرَةً أَوْ قَطَّبَ فِي وَجْهِهِ أَوْ لَمْ يَقُمْ إلَيْهِ فِي مَلَأٍ وَلَا
عَبَأَ بِهِ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ فِسْقًا ، بِخِلَافِهِ مَعَ أَحَدِ الْوَالِدَيْنِ
؛ لِأَنَّ تَأَكُّدَ حَقِّهِمَا اقْتَضَى أَنْ يَتَمَيَّزَا عَلَى بَقِيَّةِ
الْأَقَارِبِ بِمَا لَا يُوجَدُ نَظِيرُهُ فِيهِمْ ، وَعَلَى ضَبْطِ الثَّانِي
بِمَا ذَكَرْته فَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْإِحْسَانُ الَّذِي أَلِفَهُ
مِنْهُ قَرِيبُهُ مَالًا أَوْ مُكَاتَبَةً أَوْ مُرَاسَلَةً أَوْ زِيَارَةً أَوْ غَيْرَ
ذَلِكَ ، فَقَطْعُ ذَلِكَ كُلِّهِ بَعْدَ فِعْلِهِ لِغَيْرِ عُذْرٍ كَبِيرَةٌ .
فَإِنْ قُلْت : فَمَا الْمُرَادُ بِالْعُذْرِ فِي
الْمَالِ وَفِي نَحْوِ الزِّيَارَةِ وَالْمُكَاتَبَةِ ؟ قُلْت : يَنْبَغِي أَنْ يُرَادَ
بِالْعُذْرِ فِي الْمَالِ فَقْدُ مَا كَانَ يَصِلُهُ بِهِ أَوْ تَجَدُّدُ
احْتِيَاجِهِ إلَيْهِ أَوْ أَنْ يَنْدُبَهُ الشَّارِعُ إلَى تَقْدِيمِ غَيْرِ
الْقَرِيبِ عَلَيْهِ لِكَوْنِ الْأَجْنَبِيِّ أَحْوَجَ أَوْ أَصْلَحَ فَعَدَمُ
الْإِحْسَانِ إلَيْهِ أَوْ تَقْدِيمُ الْأَجْنَبِيِّ عَلَيْهِ لِهَذَا الْعُذْرِ
يَرْفَعُ عَنْهُ الْفِسْقَ ، وَإِنْ انْقَطَعَ
بِسَبَبِ ذَلِكَ مَا أَلِفَهُ مِنْهُ الْقَرِيبُ ؛ لِأَنَّهُ
إنَّمَا رَاعَى أَمْرَ الشَّارِعِ بِتَقْدِيمِ الْأَجْنَبِيِّ عَلَى الْقَرِيبِ .
وَوَاضِحٌ أَنَّ الْقَرِيبَ لَوْ أَلِفَ مِنْهُ قَدْرًا
مُعَيَّنًا مِنْ الْمَالِ يُعْطِيهِ إيَّاهُ كُلَّ سَنَةٍ مَثَلًا فَنَقَصَهُ لَا
يَفْسُقُ بِذَلِكَ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَطَعَهُ مِنْ أَصْلِهِ لِغَيْرِ عُذْرٍ .
فَإِنْ قُلْت : يَلْزَمُ عَلَى ذَلِكَ امْتِنَاعُ
الْقَرِيبِ مِنْ الْإِحْسَانِ إلَى قَرِيبِهِ أَصْلًا خَشْيَةَ أَنَّهُ إذَا
أَحْسَنَ إلَيْهِ يَلْزَمُهُ الِاسْتِمْرَارُ عَلَى ذَلِكَ خَوْفًا مِنْ أَنْ
يَفْسُقَ لَوْ قَطَعَهُ ، وَهَذَا خِلَافُ مُرَادِ الشَّارِعِ مِنْ الْحَثِّ عَلَى
الْإِحْسَانِ إلَى الْأَقَارِبِ
.
قُلْت :
لَا يَلْزَمُ ذَلِكَ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّهُ لَا
يَلْزَمُهُ أَنْ يَجْرِيَ عَلَى تَمَامِ الْقَدْرِ الَّذِي أَلِفَهُ مِنْهُ بَلْ
اللَّازِمُ لَهُ أَنْ لَا يَقْطَعَ ذَلِكَ مِنْ أَصْلِهِ ، وَغَالِبُ النَّاسِ يَحْمِلُهُمْ
شَفَقَةُ الْقَرَابَةِ وَرِعَايَةُ الرَّحِمِ عَلَى وُصْلَتِهَا فَلَيْسَ فِي
أَمْرِهِمْ بِمُدَاوَمَتِهِمْ عَلَى أَصْلِ مَا أَلِفُوهُ مِنْهُمْ تَنْفِيرٌ عَنْ
فِعْلِهِ بَلْ حَثٌّ عَلَى دَوَامِ أَصْلِهِ ، وَإِنَّمَا يَلْزَمُ ذَلِكَ لَوْ
قُلْنَا : إنَّهُ إذَا أَلِفَ مِنْهُ شَيْئًا بِخُصُوصِهِ يَلْزَمُهُ الْجَرَيَانُ
عَلَى ذَلِكَ الشَّيْءِ الْمَخْصُوصِ دَائِمًا وَلَوْ مَعَ قِيَامِ الْعُذْرِ الشَّرْعِيِّ
، وَنَحْنُ لَمْ نَقَلَ ذَلِكَ
.
وَأَمَّا عُذْرُ الزِّيَارَةِ : فَيَنْبَغِي ضَبْطُهُ
بِعُذْرِ الْجُمُعَةِ بِجَامِعِ أَنَّ كُلًّا فَرْضُ عَيْنٍ وَتَرْكُهُ كَبِيرَةٌ .
وَأَمَّا عُذْرُ تَرْكِ الْمُكَاتَبَةِ وَالْمُرَاسَلَةِ
: فَهُوَ أَنْ لَا يَجِدَ مَنْ يَثِقُ بِهِ فِي أَدَاءِ مَا يُرْسِلُهُ مَعَهُ ،
وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إذَا تَرَكَ الزِّيَارَةَ الَّتِي أُلِفَتْ مِنْهُ فِي
وَقْتٍ مَخْصُوصٍ لِعُذْرٍ لَا يَلْزَمُهُ قَضَاؤُهَا فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْوَقْتِ
، فَتَأَمَّلْ جَمِيعَ مَا قَرَّرْته وَاسْتَفِدْهُ فَإِنِّي لَمْ أَرَ مَنْ نَبَّهَ
عَلَى شَيْءٍ مِنْهُ مَعَ عُمُومِ الْبَلْوَى بِهِ وَكَثْرَةِ الِاحْتِيَاجِ إلَى
ضَبْطِهِ .
وَظَاهِرٌ أَنَّ الْأَوْلَادَ وَالْأَعْمَامَ مِنْ
الْأَرْحَامِ وَكَذَا الْخَالَةُ فَيَأْتِي
فِيهِمْ وَفِيهَا مَا تَقَرَّرَ مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَ
قَطْعِهِمْ وَعُقُوقِ الْوَالِدَيْنِ
.
وَأَمَّا قَوْلُ الزَّرْكَشِيّ صَحَّ فِي الْحَدِيثِ
" أَنَّ الْخَالَةَ بِمَنْزِلَةِ الْأُمِّ وَأَنَّ عَمَّ الرَّجُلِ صِنْوُ
أَبِيهِ " وَقَضِيَّتُهُمَا أَنَّهُمَا مِثْلُ الْأَبِ وَالْأُمِّ حَتَّى
فِي الْعُقُوقِ فَبَعِيدٌ جِدًّا وَلَيْسَ قَضِيَّتُهُمَا ذَلِكَ ، إذْ لَا عُمُومَ
فِيهِمَا وَلَا تَعَرُّضَ لِخُصُوصِ الْعُقُوقِ فَيَكْفِي تَشَابُهُهُمَا فِي
أَمْرٍ مَا كَالْحَضَانَةِ تَثْبُتُ لِلْخَالَةِ كَمَا تَثْبُتُ لِلْأُمِّ وَكَذَا
الْمَحْرَمِيَّةُ وَتَأَكُّدُ الرِّعَايَةِ وَكَالْإِكْرَامِ فِي الْعَمِّ
وَالْمَحْرَمِيَّةِ وَغَيْرِهِمَا مِمَّا ذُكِرَ .
وَأَمَّا إلْحَاقُهُمَا بِهِمَا فِي أَنَّ عُقُوقَهُمَا كَعُقُوقِهِمَا
فَهُوَ مَعَ كَوْنِهِ غَيْرَ مُصَرَّحٍ بِهِ فِي الْحَدِيثِ مُنَافٍ لِكَلَامِ
أَئِمَّتِنَا فَلَا مُعَوَّلَ عَلَيْهِ ، بَلْ الَّذِي دَلَّتْ عَلَيْهِ الْآيَاتُ
وَالْأَحَادِيثُ أَنَّ الْوَالِدَيْنِ اخْتَصَّا مِنْ الرِّعَايَةِ
وَالِاحْتِرَامِ وَالطَّوَاعِيَةِ وَالْإِحْسَانِ بِأَمْرٍ عَظِيمٍ جِدًّا
وَغَايَةٍ رَفِيعَةٍ لَمْ يَصِلْ إلَيْهَا أَحَدٌ مِنْ بَقِيَّةِ الْأَقَارِبِ ،
وَيَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ يُكْتَفَى فِي عُقُوقِهِمَا وَكَوْنِهِ فِسْقًا
بِمَا لَا يُكْتَفَى بِهِ فِي عُقُوقِ غَيْرِهِمَا .
فَإِنْ قُلْت : يُؤَيِّدُ التَّفْسِيرَ السَّابِقَ
الْمُقَابِلَ لِكَلَامِ أَبِي زُرْعَةَ قَوْلُ بَعْضِهِمْ فِي قَوْلِهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ قَاطِعٌ } أَيْ قَاطِعُ
رَحِمٍ ، فَمَنْ قَطَعَ أَقَارِبَهُ الضُّعَفَاءَ وَهَجَرَهُمْ وَتَكَبَّرَ
عَلَيْهِمْ وَلَمْ يَصِلْهُمْ بِبِرِّهِ وَإِحْسَانِهِ وَكَانَ غَنِيًّا وَهُمْ
فُقَرَاءُ فَهُوَ دَاخِلٌ فِي هَذَا الْوَعِيدِ مَحْرُومٌ دُخُولَ الْجَنَّةِ
إلَّا أَنْ يَتُوبَ إلَى اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - وَيُحْسِنَ إلَيْهِمْ .
وَقَدْ رُوِيَ فِي حَدِيثٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : { مَنْ كَانَ لَهُ أَقَارِبُ
ضُعَفَاءُ وَلَمْ يُحْسِنْ إلَيْهِمْ وَيَصْرِفْ صَدَقَتَهُ إلَى غَيْرِهِمْ لَمْ
يَقْبَلْ اللَّهُ صَدَقَتَهُ وَلَا يَنْظُرْ إلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ } ،
وَإِنْ
كَانَ فَقِيرًا وَصَلَهُمْ بِزِيَارَتِهِمْ
وَالتَّفَقُّدِ لِأَحْوَالِهِمْ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ : { صِلُوا أَرْحَامَكُمْ وَلَوْ بِالسَّلَامِ } .
ا هـ
.
قُلْت : مَا قَالَهُ هَذَا الْقَائِلُ مِنْ الْهَجْرِ
وَالتَّكَبُّرِ عَلَيْهِمْ وَاضِحٌ ، وَأَمَّا قَوْلُهُ وَلَمْ يَصِلْهُمْ إلَخْ
فَهُوَ بِإِطْلَاقِهِ مَمْنُوعٌ أَيْضًا وَكَفَى فِي مَنْعِهِ وَرَدِّهِ تَصْرِيحُ
أَئِمَّتِنَا بِأَنَّ الْإِنْفَاقَ إنَّمَا يَجِبُ لِلْوَالِدَيْنِ وَإِنْ عَلَوْا
وَالْأَوْلَادِ وَإِنْ سَفَلُوا دُونَ بَقِيَّةِ الْأَقَارِبِ ، وَبِأَنَّ الصَّدَقَةَ
عَلَى الْأَقَارِبِ وَالْأَرْحَامِ سُنَّةٌ لَا وَاجِبَةٌ فَلَوْ كَانَ تَرْكُ
الْإِحْسَانِ إلَيْهِمْ بِالْمَالِ كَبِيرَةً لَمْ يَسَعْ إطْلَاقَ الْأَئِمَّةِ
نَدْبُ ذَلِكَ ، وَأَيْضًا فَتَعْبِيرُهُمْ بِالْقَطْعِ ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ كَانَ
ثَمَّ شَيْءٌ فَقُطِعَ ، وَبِهِ يَتَأَيَّدُ مَا قَدَّمْته وَقَرَّرْته فِي
مَعْنَى قَطْعِ الرَّحِمِ مُخَالِفًا فِيهِ كُلًّا مِنْ تَفْسِيرِ أَبِي زُرْعَةَ
وَمُقَابِلِهِ .
وَأَمَّا اسْتِدْلَالُهُ بِهَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ
فَيَتَوَقَّفُ عَلَى صِحَّةِ سَنَدِهِمَا ، نَعَمْ يَنْبَغِي لِلْمُوَفِّقِ أَنْ
يُرَاعِيَ هَذَا الْقَوْلَ وَأَنْ يُبَالِغَ فِيمَا قُدِّرَ عَلَيْهِ مِنْ
الْإِحْسَانِ إلَى أَقَارِبِهِ لِمَا يَأْتِي قَرِيبًا مِنْ الْأَحَادِيثِ
الْكَثِيرَةِ الْمُؤَكَّدَةِ فِي ذَلِكَ وَالدَّالَّةِ عَلَى عَظِيمِ فَضْلِهِ وَرِفْعَةِ
مَحَلِّهِ .
وَقَدْ حُكِيَ أَنَّ رَجُلًا غَنِيًّا حَجَّ فَأَوْدَعَ
آخَرَ مَوْسُومًا بِالْأَمَانَةِ وَالصَّلَاحِ أَلْفَ دِينَارٍ حَتَّى يَعُودَ
مِنْ عَرَفَةَ ، فَلَمَّا عَادَ وَجَدَهُ قَدْ مَاتَ ، فَسَأَلَ ذُرِّيَّتَهُ عَنْ
الْمَالِ فَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ ، فَسَأَلَ عُلَمَاءَ مَكَّةَ عَنْ
قَضِيَّتِهِ فَقَالُوا لَهُ : إذَا كَانَ نِصْفُ اللَّيْلِ فَأْتِ زَمْزَمَ
فَانْظُرْ فِيهَا وَنَادِ يَا فُلَانُ بِاسْمِهِ ، فَإِذَا كَانَ مِنْ أَهْلِ
الْخَيْرِ فَيُجِيبُك مِنْ أَوَّلِ مَرَّةٍ ، فَذَهَبَ وَنَادَى فِيهَا فَلَمْ
يُجِبْهُ أَحَدٌ ، فَأَخْبَرَهُمْ فَقَالُوا لَهُ : إنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إلَيْهِ
رَاجِعُونَ ؛ نَخْشَى أَنْ يَكُونَ صَاحِبُك مِنْ أَهْلِ النَّارِ اذْهَبْ إلَى
أَرْضِ الْيَمَنِ فَفِيهَا بِئْرٌ تُسَمَّى بِئْرَ
بَرَهُوتَ يُقَالُ إنَّهُ عَلَى فَمِ جَهَنَّمَ فَانْظُرْ فِيهِ بِاللَّيْلِ
وَنَادِ يَا فُلَانُ فَيُجِيبُك مِنْهَا ، فَمَضَى إلَى الْيَمَنِ وَسَأَلَ عَنْ الْبِئْرِ
فَدُلَّ عَلَيْهَا ، فَذَهَبَ إلَيْهَا لَيْلًا وَنَادَى فِيهَا : يَا فُلَانُ
فَأَجَابَهُ ، فَقَالَ أَيْنَ ذَهَبِي ؟ فَقَالَ دَفَنْته فِي الْمَوْضِعِ
الْفُلَانِيِّ مِنْ دَارِي وَلَمْ ائْتَمَنَ عَلَيْهِ وَلَدِي فَأْتِهِمْ
وَاحْفِرْ هُنَاكَ تَجِدُهُ ، فَقَالَ لَهُ : مَا الَّذِي أَنْزَلَك هَاهُنَا
وَقَدْ كُنْت يُظَنُّ بِك الْخَيْرُ ؟ قَالَ : كَانَ لِي أُخْتٌ فَقِيرَةٌ
هَجَرْتهَا وَكُنْت لَا أَحْنُو عَلَيْهَا فَعَاقَبَنِي اللَّهُ - تَعَالَى -
بِسَبَبِهَا وَأَنْزَلَنِي هَذِهِ الْمَنْزِلَةَ ، وَتَصْدِيقُ ذَلِكَ الْحَدِيثِ
الصَّحِيحِ السَّابِقِ : { لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ قَاطِعٌ } أَيْ قَاطِعُ رَحِمِهِ
وَأَقَارِبِهِ .
( فَائِدَةٌ : فِي ذِكْرِ أَحَادِيثَ فِيهَا الْحَثُّ
الْأَكِيدُ وَالتَّأْكِيدُ الشَّدِيدُ عَلَى صِلَةِ الرَّحِمِ ) أَخْرَجَ
الشَّيْخَانِ : { مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ
فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَصِلْ
رَحِمَهُ ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ
خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ } .
وَأَخْرَجَ أَيْضًا : { مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ
فِي رِزْقِهِ وَيُنْسَأَ } - أَيْ يُؤَخَّرُ وَهُوَ بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَتَشْدِيدِ
ثَالِثِهِ الْمُهْمَلِ وَبِالْهَمْزِ - { لَهُ فِي أَثَرِهِ : أَيْ أَجَلِهِ -
فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ } .
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : سَمِعْت رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : { مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ
فِي رِزْقِهِ أَوْ يُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ } رَوَاهُ
الْبُخَارِيُّ ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَلَفْظُهُ : { قَالَ تَعَلَّمُوا مِنْ
أَنْسَابِكُمْ مَا تَصِلُونَ بِهِ أَرْحَامَكُمْ فَإِنَّ صِلَةَ الرَّحِمِ
مَحَبَّةٌ فِي الْأَهْلِ مَثْرَاةٌ فِي الْمَالِ مِنْسَأَةٌ فِي الْأَثَرِ } :
أَيْ بِهَا الزِّيَادَةُ فِي الْعُمْرِ
.
وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ فِي
زَوَائِدِ
الْمُسْنَدِ وَالْبَزَّارُ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ
وَالْحَاكِمُ : { مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُمَدَّ لَهُ فِي عُمُرِهِ وَيُوَسَّعَ لَهُ
فِي رِزْقِهِ وَيُدْفَعَ عَنْهُ مَيْتَةُ السُّوءِ فَلْيَتَّقِ اللَّهَ وَلْيَصِلْ
رَحِمَهُ } .
وَالْبَزَّارُ بِإِسْنَادٍ لَا بَأْسَ بِهِ وَالْحَاكِمُ
وَصَحَّحَهُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { مَكْتُوبٌ فِي
التَّوْرَاةِ مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُزَادَ فِي عُمْرِهِ وَفِي رِزْقِهِ فَلْيَصِلْ
رَحِمَهُ } .
وَأَبُو يَعْلَى : { إنَّ الصَّدَقَةَ وَصِلَةَ
الرَّحِمِ يَزِيدُ اللَّهُ بِهِمَا فِي الْعُمُرِ وَيَدْفَعُ بِهِمَا مِيتَةَ
السُّوءِ وَيَدْفَعُ بِهِمَا الْمَكْرُوهَ وَالْمَحْذُورَ } .
وَأَبُو يَعْلَى بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ عَنْ رَجُلٍ مِنْ
خَثْعَمَ قَالَ : { أَتَيْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ
فِي نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ فَقُلْت : أَنْتَ الَّذِي تَزْعُمُ أَنَّك رَسُولُ
اللَّهِ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، قُلْت : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الْأَعْمَالِ
أَحَبُّ إلَى اللَّهِ ؟ قَالَ الْإِيمَانُ بِاَللَّهِ ، قُلْت : يَا رَسُولَ اللَّهِ
ثُمَّ مَاذَا ؟ قَالَ : ثُمَّ صِلَةُ الرَّحِمِ .
قُلْت : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الْأَعْمَالِ
أَبْغَضُ إلَى اللَّهِ ؟ قَالَ : الْإِشْرَاكُ بِاَللَّهِ ، قُلْت : يَا رَسُولَ
اللَّهِ ثُمَّ مَاذَا ؟ قَالَ قَطِيعَةُ الرَّحِمِ ، قُلْت : يَا رَسُولَ اللَّهِ
ثُمَّ مَاذَا ؟ قَالَ ثُمَّ الْأَمْرُ بِالْمُنْكَرِ وَالنَّهْيُ عَنْ
الْمَعْرُوفِ } .
وَالْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَاللَّفْظُ لَهُ : { عَرَضَ
أَعْرَابِيٌّ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي
سَفَرٍ فَأَخَذَ بِخِطَامِ نَاقَتِهِ أَوْ بِزِمَامِهَا ثُمَّ قَالَ يَا رَسُولَ
اللَّهِ أَوْ يَا مُحَمَّدُ أَخْبِرْنِي بِمَا يُقَرِّبُنِي مِنْ الْجَنَّةِ
وَيُبَاعِدُنِي عَنْ النَّارِ ؟ فَكَفَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ ثُمَّ نَظَرَ فِي أَصْحَابِهِ ثُمَّ قَالَ : لَقَدْ وُفِّقَ هَذَا أَوْ لَقَدْ
هُدِيَ ، قَالَ كَيْفَ قُلْت ؟ فَأَعَادَهَا ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : تَعْبُدُ اللَّهَ لَا تُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا وَتُقِيمُ
الصَّلَاةَ وَتُؤْتِي الزَّكَاةَ وَتَصِلُ الرَّحِمَ ، دَعْ النَّاقَةَ } وَفِي
رِوَايَةٍ : { وَتَصِلُ ذَا رَحِمِك فَلَمَّا أَدْبَرَ
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إنْ تَمَسَّكَ بِمَا
أَمَرْته بِهِ دَخَلَ الْجَنَّةَ
} .
وَالطَّبَرَانِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ : { إنَّ اللَّهَ
لَيُعَمِّرُ بِالْقَوْمِ الدِّيَارَ وَيُنَمِّي لَهُمْ الْأَمْوَالَ وَمَا نَظَرَ
إلَيْهِمْ مُنْذُ خَلَقَهُمْ بُغْضًا لَهُمْ .
قِيلَ وَكَيْفَ ذَاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ
بِصِلَتِهِمْ أَرْحَامَهُمْ } .
وَأَحْمَدُ بِسَنَدٍ رُوَاتُهُ ثِقَاتٌ إلَّا أَنَّ
فِيهِ انْقِطَاعًا : { إنَّهُ مَنْ أُعْطِيَ الرِّفْقَ فَقَدْ أُعْطِيَ حَظَّهُ
مِنْ خَيْرِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ، وَصِلَةُ الرَّحِمِ وَحُسْنُ الْجِوَارِ
وَحُسْنُ الْخُلُقِ يُعَمِّرْنَ الدِّيَارَ وَيَزِدْنَ فِي الْأَعْمَارِ } .
وَأَبُو الشَّيْخِ وَابْنُ حِبَّانَ وَالْبَيْهَقِيُّ {
يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ خَيْرُ النَّاسِ ؟ قَالَ أَتْقَاهُمْ لِلرَّبِّ
وَأَوْصَلُهُمْ لِلرَّحِمِ ، وَآمِرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَأَنْهَاهُمْ عَنْ
الْمُنْكَرِ } .
وَالطَّبَرَانِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ
وَاللَّفْظُ لَهُ ، عَنْ { أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : أَوْصَانِي
خَلِيلِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخِصَالٍ مِنْ الْخَيْرِ :
أَوْصَانِي أَنْ لَا أَنْظُرَ إلَى مَنْ هُوَ فَوْقِي وَأَنْ أَنْظُرَ إلَى مَنْ
هُوَ دُونِي ، وَأَوْصَانِي بِحُبِّ الْمَسَاكِينِ وَالدُّنُوِّ مِنْهُمْ ،
وَأَوْصَانِي أَنْ أَصِلَ رَحِمِي ، وَإِنْ أَدْبَرْت ، وَأَوْصَانِي أَنْ لَا
أَخَافَ فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ ، وَأَوْصَانِي أَنْ أَقُولَ الْحَقَّ
وَإِنْ كَانَ مُرًّا ، وَأَوْصَانِي أَنْ أُكْثِرَ مِنْ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا
بِاَللَّهِ فَإِنَّهَا كَنْزٌ مِنْ كُنُوزِ الْجَنَّةِ } .
وَالشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا : { عَنْ مَيْمُونَةَ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا : أَنَّهَا أَعْتَقَتْ وَلِيدَةً لَهَا وَلَمْ
تَسْتَأْذِنْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا كَانَ
يَوْمُهَا الَّذِي يَدُورُ عَلَيْهَا فِيهِ قَالَتْ : أَشَعَرْت يَا رَسُولَ
اللَّهِ أَنِّي أَعْتَقْت وَلِيدَتِي ؟ قَالَ أَوَفَعَلْت ؟ فَقَالَتْ : نَعَمْ ،
قَالَ أَمَا إنَّك لَوْ أَعْطَيْتهَا أَخْوَالَك كَانَ أَعْظَمَ لِأَجْرِك } .
وَابْنُ حِبَّانَ
وَالْحَاكِمُ : { أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ فَقَالَ
: إنِّي أَذْنَبْت ذَنْبًا عَظِيمًا فَهَلْ لِي مِنْ
تَوْبَةٍ ؟ قَالَ هَلْ لَك مِنْ أُمٍّ ؟ قَالَ : لَا ، قَالَ وَهَلْ لَك مِنْ
خَالَةٍ ؟ قَالَ نَعَمْ ، قَالَ فَبِرَّهَا } .
وَالْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ : { لَيْسَ الْوَاصِلُ
بِالْمُكَافِئِ وَلَكِنَّ الْوَاصِلَ الَّذِي إذَا قُطِعَتْ رَحِمُهُ وَصَلَهَا }
وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ : { لَا تَكُونُوا إمَّعَةً تَقُولُونَ إنْ
أَحْسَنَ النَّاسُ أَحْسَنَّا وَإِنْ ظَلَمُوا ظَلَمْنَا وَلَكِنْ وَطِّنُوا
أَنْفُسَكُمْ إنْ أَحْسَنَ النَّاسُ أَنْ تُحْسِنُوا وَإِنْ أَسَاءُوا أَنْ لَا
تَظْلِمُوا } .
وَالْإِمَّعَةُ بِكَسْرٍ فَفَتْحٍ وَتَشْدِيدٍ
فَمُهْمَلَةٍ : هُوَ الَّذِي لَا رَأْيَ لَهُ فَهُوَ يَتْبَعُ كُلَّ وَاحِدٍ عَلَى
رَأْيِهِ .
وَمُسْلِمٌ
: { يَا رَسُولَ اللَّهِ : إنَّ لِي قَرَابَةً أَصِلُ
وَيَقْطَعُونَنِي وَأُحْسِنُ إلَيْهِمْ وَيُسِيئُونَ إلَيَّ وَأَحْلُمُ عَلَيْهِمْ
وَيَجْهَلُونَ عَلَيَّ ، فَقَالَ إنْ كُنْت كَمَا قُلْت فَكَأَنَّمَا تُسِفُّهُمُ
الْمَلَّ - أَيْ بِفَتْحٍ وَتَشْدِيدٍ الرَّمَادُ الْحَارُّ - وَلَا يَزَالُ مَعَك مِنْ اللَّهِ
ظَهِيرٌ عَلَيْهِمْ مَا دُمْت عَلَى ذَلِكَ } .
وَالطَّبَرَانِيُّ وَابْنُ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ
وَالْحَاكِمُ .
وَقَالَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ : { أَفْضَلُ
الصَّدَقَةِ صَدَقَةٌ عَلَى ذِي الرَّحِمِ الْكَاشِحِ } أَيْ الَّذِي يُضْمِرُ
عَدَاوَةً فِي كَشْحِهِ : أَيْ خَصْرِهِ كِنَايَةً عَنْ بَاطِنِهِ وَهُوَ فِي مَعْنَى
قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { وَتَصِلُ مَنْ قَطَعَك } .
وَالْبَزَّارُ وَالطَّبَرَانِيُّ وَالْحَاكِمُ
وَصَحَّحَهُ .
وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ فِيهِ وَاهِيًا : { ثَلَاثٌ مِنْ
كُنَّ فِيهِ حَاسَبَهُ اللَّهُ حِسَابًا يَسِيرًا وَأَدْخَلَهُ الْجَنَّةَ
بِرَحْمَتِهِ قَالُوا : وَمَا هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ تُعْطِي مَنْ
حَرَمَك ، وَتَصِلُ مَنْ قَطَعَك ، وَتَعْفُو عَمَّنْ ظَلَمَك ؛ فَإِذَا فَعَلْت
ذَلِكَ يُدْخِلُك الْجَنَّةَ }
.
وَأَحْمَدُ بِإِسْنَادَيْنِ أَحَدُهُمَا رُوَاتُهُ
ثِقَاتٌ .
عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ
: { لَقِيت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخَذْت بِيَدِهِ فَقُلْت يَا
رَسُولَ اللَّهِ أَخْبِرْنِي بِفَوَاضِلِ الْأَعْمَالِ ؟ فَقَالَ يَا عُقْبَةُ
صِلْ مَنْ قَطَعَك ، وَأَعْطِ مَنْ حَرَمَك ، وَاعْفُ عَمَّنْ ظَلَمَك } .
زَادَ الْحَاكِمُ : { أَلَا وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُمَدَّ
فِي عُمُرِهِ وَيُبْسَطَ فِي رِزْقِهِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ } .
وَالطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ مُحْتَجٍّ بِهِ : { أَلَا
أَدُلُّك عَلَى أَكْرَمِ أَخْلَاقِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ : أَنْ تَصِلَ مَنْ
قَطَعَك ، وَتُعْطِيَ مَنْ حَرَمَك ، وَأَنْ تَعْفُوَ عَمَّنْ ظَلَمَك } .
وَالطَّبَرَانِيُّ : { إنَّ أَفْضَلَ الْفَضَائِلِ : أَنْ
تَصِلَ مَنْ قَطَعَك ، وَتُعْطِيَ مَنْ حَرَمَك ، وَتَصْفَحَ عَمَّنْ شَتَمَك } .
وَالْبَزَّارُ : { أَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى مَا يَرْفَعُ
اللَّهُ بِهِ الدَّرَجَاتِ } .
وَفِي رِوَايَةِ الطَّبَرَانِيِّ : { أَلَا أُنْبِئَكُمْ
بِمَا يُشْرِفُ اللَّهُ بِهِ الْبُنْيَانَ وَيَرْفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ ؟ قَالَ
قَالُوا نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ تَحْلُمُ عَلَى مَنْ جَهِلَ عَلَيْك ،
وَتَعْفُو عَمَّنْ ظَلَمَك ، وَتُعْطِي مَنْ حَرَمَك ، وَتَصِلُ مَنْ قَطَعَك } .
وَابْنُ مَاجَهْ : { أَسْرَعُ الْخَيْرِ ثَوَابًا
الْبِرُّ وَصِلَةُ الرَّحِمِ ، وَأَسْرَعُ الشَّرِّ عُقُوبَةً الْبَغْيُ
وَقَطِيعَةُ الرَّحِمِ } .
وَالطَّبَرَانِيُّ : { مَا مِنْ ذَنْبٍ أَجْدَرُ أَنْ
يُعَجِّلَ اللَّهُ لِصَاحِبِهِ الْعُقُوبَةَ فِي الدُّنْيَا مَعَ مَا يَدَّخِرُ
لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ قَطِيعَةِ الرَّحِمِ وَالْخِيَانَةِ وَالْكَذِبِ ، وَإِنَّ
أَعْجَلَ الْبِرِّ ثَوَابًا لَصِلَةُ الرَّحِمِ حَتَّى إنَّ أَهْلَ الْبَيْتِ لَيَكُونُونَ
فَجَرَةً فَتَنْمُو أَمْوَالُهُمْ وَيَكْثُرُ عَدَدُهُمْ إذَا تَوَاصَلُوا } .
( الْكَبِيرَةُ الرَّابِعَةُ بَعْدَ الثَّلَاثِمِائَةِ :
تَوَلِّي الْإِنْسَانِ غَيْرَ مَوَالِيهِ ) أَخْرَجَ الشَّيْخَانِ مِنْ جُمْلَةِ
حَدِيثٍ : { وَمَنْ اُدُّعِيَ إلَى غَيْرِ أَبِيهِ أَوْ انْتَمَى إلَى غَيْرِ
مَوَالِيهِ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ
لَا يَقْبَلُ اللَّهُ مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ صَرْفًا وَلَا عَدْلًا } .
وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ : { مَنْ تَوَلَّى إلَى
غَيْرِ مَوَالِيهِ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ } .
وَأَبُو دَاوُد : { مَنْ اُدُّعِيَ إلَى غَيْرِ أَبِيهِ
أَوْ انْتَمَى إلَى غَيْرِ مَوَالِيهِ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ الْمُتَتَابِعَةُ
إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ } .
تَنْبِيهٌ : عَدُّ هَذَا هُوَ صَرِيحُ هَذِهِ
الْأَحَادِيثِ وَهُوَ ظَاهِرٌ .
( الْكَبِيرَةُ الْخَامِسَةُ بَعْدَ الثَّلَاثِمِائَةِ :
إفْسَادُ الْقِنِّ عَلَى سَيِّدِهِ ) أَخْرَجَ أَحْمَدُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ
وَاللَّفْظُ لَهُ وَالْبَزَّارُ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ عَنْ بُرَيْدَةَ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
: { وَمَنْ خَبَّبَ عَلَى امْرِئٍ زَوْجَتَهُ أَوْ مَمْلُوكَهُ فَلَيْسَ مِنَّا }
، وَخَبَّبَ بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَتَشْدِيدِ الْمُوَحَّدَةِ الْأُولَى
مَعْنَاهُ أَفْسَدَ وَخَدَعَ .
وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ : { لَيْسَ مِنَّا مَنْ
خَبَّبَ امْرَأَةَ عَلَى زَوْجِهَا أَوْ عَبْدًا عَلَى سَيِّدِهِ } .
وَأَبُو يَعْلَى بِسَنَدٍ رُوَاتُهُ ثِقَاتٌ وَابْنُ
حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ : { مَنْ خَبَّبَ عَبْدًا عَلَى أَهْلِهِ فَلَيْسَ مِنَّا ، وَمَنْ
أَفْسَدَ امْرَأَةً عَلَى زَوْجِهَا فَلَيْسَ مِنَّا } .
تَنْبِيهٌ : عَدُّ هَذَا هُوَ قَضِيَّةُ الْأَحَادِيثِ ،
إذْ نَفْيُ الْإِسْلَامِ وَعِيدٌ شَدِيدٌ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَذْرَعِيُّ
وَغَيْرُهُ فِي نَظِيرِ ذَلِكَ ، ثُمَّ رَأَيْت بَعْضَهُمْ صَرَّحَ بِأَنَّ ذَلِكَ
مِنْ الْكَبَائِرِ .
( الْكَبِيرَةُ السَّادِسَةُ بَعْدَ الثَّلَاثِمِائَةِ :
إبَاقُ الْعَبْدِ مِنْ سَيِّدِهِ ) أَخْرَجَ مُسْلِمٌ عَنْ جَرِيرٍ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { أَيُّمَا
عَبْدٍ أَبَقَ فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُ الذِّمَّةُ } .
وَأَخْرَجَ أَيْضًا : { إذَا أَبَقَ الْعَبْدُ لَمْ
تُقْبَلْ لَهُ صَلَاةٌ } ، وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ : { فَقَدْ كَفَرَ حَتَّى
يَرْجِعَ إلَيْهِمْ } .
وَالطَّبَرَانِيُّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ وَالْحَاكِمُ : {
اثْنَانِ لَا تُجَاوِزُ صَلَاتُهُمَا رُءُوسَهُمَا : عَبْدٌ أَبَقَ مِنْ
مَوَالِيهِ حَتَّى يَرْجِعَ ، وَامْرَأَةٌ عَصَتْ زَوْجَهَا حَتَّى تَرْجِعَ } .
وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ غَرِيبٌ : { ثَلَاثَةٌ
لَا تُجَاوِزُ صَلَاتُهُمْ آذَانَهُمْ ، الْعَبْدُ الْآبِقُ حَتَّى يَرْجِعَ ،
وَامْرَأَةٌ بَاتَتْ وَزَوْجُهَا عَلَيْهَا سَاخِطٌ ، وَإِمَامُ قَوْمٍ وَهُمْ
لَهُ كَارِهُونَ } .
وَالطَّبَرَانِيُّ : { أَيُّمَا عَبْدٍ مَاتَ فِي
إبَاقِهِ دَخَلَ النَّارَ وَإِنْ قُتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ } .
وَالطَّبَرَانِيُّ وَابْنَا خُزَيْمَةَ وَحِبَّانُ فِي
صَحِيحَيْهِمَا : { ثَلَاثَةٌ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ لَهُمْ صَلَاةً وَلَا يَصْعَدُ
لَهُمْ إلَى السَّمَاءِ حَسَنَةٌ : السَّكْرَانُ حَتَّى يَصْحُوَ ، وَالْمَرْأَةُ
السَّاخِطُ عَلَيْهَا زَوْجُهَا ، وَالْعَبْدُ الْآبِقُ حَتَّى يَرْجِعَ فَيَضَعَ يَدَهُ
فِي يَدِ مَوَالِيهِ } .
وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ : { ثَلَاثَةٌ لَا تَسْأَلْ عَنْهُمْ :
رَجُلٌ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ وَعَصَى إمَامَهُ ، وَعَبْدٌ أَبَقَ مِنْ سَيِّدِهِ
فَمَاتَ مَاتَ عَاصِيًا ، وَامْرَأَةٌ غَابَ عَنْهَا زَوْجُهَا وَقَدْ كَفَّاهَا
مُؤَنَ الدُّنْيَا فَخَانَتْهُ بَعْدَهُ .
وَثَلَاثَةٌ لَا تَسْأَلْ عَنْهُمْ : رَجُلٌ نَازَعَ
اللَّهَ رِدَاءَهُ فَإِنَّ رِدَاءَهُ الْكِبْرُ وَإِزَارَهُ الْعِزُّ ، وَرَجُلٌ
فِي شَكٍّ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ ، وَالْقَانِطُ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ } .
وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ وَالْحَاكِمُ شَطْرَهُ
الْأَوَّلَ .
وَعِنْدَ الْحَاكِمِ فَتَبَرَّجَتْ بَعْدَهُ بَدَلُ
فَخَانَتْهُ ، وَقَالَ فِي حَدِيثِهِ : { وَأَمَةٌ وَعَبْدٌ أَبَقَ مِنْ سَيِّدِهِ
} وَقَالَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِهِمَا وَلَا أَعْلَمُ لَهُ عِلَّةً .
تَنْبِيهٌ : عَدُّ هَذَا هُوَ صَرِيحُ هَذِهِ
الْأَحَادِيثِ الْكَثِيرَةِ الصَّحِيحَةِ وَهُوَ ظَاهِرٌ .
( الْكَبِيرَةُ السَّابِعَةُ بَعْدَ الثَّلَاثِمِائَةِ :
اسْتِخْدَامُ الْحُرِّ وَجَعْلُهُ رَقِيقًا ) أَخْرَجَ أَبُو دَاوُد وَابْنُ
مَاجَهْ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { ثَلَاثَةٌ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ
مِنْهُمْ صَلَاةً : مَنْ تَقَدَّمَ قَوْمًا وَهُمْ لَهُ كَارِهُونَ ، وَرَجُلٌ
أَتَى الصَّلَاةَ دِبَارًا - وَالدِّبَارُ أَنْ يَأْتِيَهَا بَعْدَ أَنْ تَفُوتَهُ
- وَرَجُلٌ اعْتَبَدَ مُحَرَّرًا
} .
قَالَ الْخَطَّابِيُّ : اعْتِبَادُ الْمُحَرَّرِ إمَّا
أَنْ يُعْتِقَهُ ثُمَّ يَكْتُمَ عِتْقَهُ أَوْ يُنْكِرَهُ ، وَهَذَا أَشَرُّ
مِمَّا بَعْدَهُ ، وَإِمَّا أَنْ يَعْتَقِلَهُ بَعْدَ الْعِتْقِ فَيَسْتَخْدِمَهُ
كُرْهًا .
انْتَهَى
.
وَبَقِيَ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَخْدِمَ عَتِيقَ غَيْرِهِ
أَوْ يَسْتَرِقَّهُ كُرْهًا .
تَنْبِيهٌ : عَدُّ هَذَا هُوَ صَرِيحُ هَذَا الْحَدِيثِ
وَهُوَ ظَاهِرٌ .
( الْكَبِيرَةُ الثَّامِنَةُ وَالتَّاسِعَةُ
وَالْعَاشِرَةُ وَالْحَادِيَةَ عَشْرَةَ وَالثَّانِيَةَ عَشْرَةَ بَعْدَ
الثَّلَاثِمِائَةِ : امْتِنَاعُ الْقِنِّ مِمَّا يَلْزَمُهُ مِنْ خِدْمَةِ
سَيِّدِهِ ، وَامْتِنَاعُ السَّيِّدِ مِمَّا يَلْزَمُهُ مِنْ مُؤْنَةِ قِنِّهِ
وَتَكْلِيفُهُ إيَّاهُ عَمَلًا لَا يُطِيقُهُ وَضَرْبُهُ عَلَى الدَّوَامِ ،
وَتَعْذِيبُ الْقِنِّ بِالْخِصَاءِ وَلَوْ صَغِيرًا أَوْ بِغَيْرِهِ أَوْ
الدَّابَّةِ وَغَيْرِهِمَا بِغَيْرِ سَبَبٍ شَرْعِيٍّ وَالتَّحْرِيشُ بَيْنَ الْبَهَائِمِ
) أَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ وَالصَّغِيرِ .
عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { يَقُولُ اللَّهُ اشْتَدَّ
غَضَبِي عَلَى مَنْ ظَلَمَ مَنْ لَا يَجِدُ لَهُ نَاصِرًا غَيْرِي } .
وَأَبُو الشَّيْخِ وَابْنُ حِبَّانَ : { أُمِرَ بِعَبْدٍ
مِنْ عِبَادِ اللَّهِ يُضْرَبُ فِي قَبْرِهِ مِائَةَ جَلْدَةٍ فَلَمْ يَزَلْ
يَسْأَلُ وَيَدْعُو حَتَّى صَارَتْ جَلْدَةٌ وَاحِدَةٌ فَامْتَلَأَ قَبْرُهُ
عَلَيْهِ نَارًا فَلَمَّا ارْتَفَعَ عَنْهُ وَأَفَاقَ قَالَ : عَلَامَ
جَلَدْتُمُونِي ؟ قَالُوا إنَّك صَلَّيْت صَلَاةً بِغَيْرِ طُهُورٍ وَمَرَرْت
عَلَى مَظْلُومٍ فَلَمْ تَنْصُرْهُ } ، وَمُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ : عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ
الْبَدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : { كُنْت أَضْرِبُ غُلَامًا لِي
بِالسَّوْطِ فَسَمِعْت صَوْتًا مِنْ خَلْفِي : اعْلَمْ أَبَا مَسْعُودٍ فَلَمْ
أَفْهَمْ الصَّوْتَ مِنْ الْغَضَبِ فَلَمَّا دَنَا مِنِّي إذَا هُوَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
فَإِذَا هُوَ يَقُولُ : اعْلَمْ أَبَا مَسْعُودٍ أَنَّ
اللَّهَ - تَعَالَى - أَقْدَرُ عَلَيْك مِنْك عَلَى هَذَا الْغُلَامِ ، فَقُلْت لَا
أَضْرِبُ مَمْلُوكًا بَعْدَهُ أَبَدًا
} .
وَفِي رِوَايَةٍ : { فَقُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ هُوَ
حُرٌّ لِوَجْهِ اللَّهِ - تَعَالَى - فَقَالَ : أَمَا لَوْ لَمْ تَفْعَلْ
لَلَفَحَتْك النَّارُ أَوْ لَمَسَتْك النَّارُ } .
وَأَبُو دَاوُد عَنْ زَاذَانَ وَهُوَ الْكِنْدِيُّ
مَوْلَاهُمْ الْكُوفِيُّ قَالَ
: { أَتَيْت ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا
وَقَدْ أَعْتَقَ مَمْلُوكًا لَهُ فَأَخَذَ مِنْ الْأَرْضِ عُودًا أَوْ شَيْئًا
فَقَالَ :
مَا لِي فِيهِ مِنْ الْأَجْرِ مَا يَسْوَى هَذَا ،
سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : مَنْ لَطَمَ
مَمْلُوكًا لَهُ أَوْ ضَرَبَهُ فَكَفَّارَتُهُ أَنْ يُعْتِقَهُ } .
وَمُسْلِمٌ : { مَنْ ضَرَبَ مَمْلُوكًا لَهُ حَدًّا لَمْ
يَأْتِهِ أَوْ لَطَمَهُ فَإِنَّ كَفَّارَتَهُ أَنْ يُعْتِقَهُ } .
وَالطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ رُوَاتُهُ ثِقَاتٌ : { مَنْ
ضَرَبَ مَمْلُوكَهُ ظُلْمًا أُقِيدَ مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ } .
وَالشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ وَاللَّفْظُ لَهُ : {
مَنْ قَذَفَ مَمْلُوكَهُ بَرِيئًا مِمَّا قَالَ أُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدُّ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ كَمَا قَالَ } .
وَأَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : { قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ سَيِّئُ الْمَلَكَةِ ، قَالُوا : يَا رَسُولَ
اللَّهِ أَلَيْسَ أَخْبَرْتنَا أَنَّ هَذِهِ الْأُمَّةَ أَكْثَرُ الْأُمَمِ
مَمْلُوكِينَ وَيَتَامَى ؟ قَالَ نَعَمْ فَأَكْرِمُوهُمْ كَرَامَةَ أَوْلَادِكُمْ
وَأَطْعِمُوهُمْ مِمَّا تَأْكُلُونَ ، قَالُوا فَمَا يَنْفَعُنَا مِنْ الدُّنْيَا
؟ قَالَ فَرَسٌ تَرْتَبِطُهُ تُقَاتِلُ عَلَيْهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَمْلُوكُك
يَكْفِيك فَإِذَا صَلَّى فَهُوَ أَخُوك } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ
مُقْتَصِرًا عَلَى قَوْلِهِ : { لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ سَيِّئُ الْمَلَكَةِ } ،
وَقَالَ حَسَنٌ غَرِيبٌ .
قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ : سَيِّئُ الْمَلَكَةِ هُوَ
الَّذِي يُسِيءُ الصَّنِيعَةَ إلَى مَمَالِيكِهِ .
وَأَبُو دَاوُد : { أَنَّ أَبَا ذَرٍّ أَلْبَسَ
غُلَامَهُ مِثْلَهُ وَأَنَّهُ ذَكَرَ أَنَّ سَبَبَ ذَلِكَ أَنَّهُ عَيَّرَ رَجُلًا
بِأُمِّهِ لِكَوْنِهَا أَعْجَمِيَّةً : أَيْ وَذَلِكَ الرَّجُلُ بِلَالُ بْنُ
رَبَاحٍ مُؤَذِّنُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَشَكَاهُ
إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : يَا أَبَا
ذَرٍّ إنَّك امْرُؤٌ فِيك جَاهِلِيَّةٌ ، فَقَالَ إنَّهُمْ إخْوَانُكُمْ فَضَّلَكُمْ
اللَّهُ عَلَيْهِمْ فَمَنْ لَمْ يُلَائِمْكُمْ فَبِيعُوهُ وَلَا تُعَذِّبُوا
خَلْقَ اللَّهِ } .
وَرَوَاهُ الشَّيْخَانِ
وَالتِّرْمِذِيُّ بِمَعْنَاهُ إلَّا أَنَّهُمْ قَالُوا
فِيهِ : { هُمْ إخْوَانُكُمْ جَعَلَهُمْ اللَّهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ فَمَنْ جَعَلَ
اللَّهُ أَخَاهُ تَحْتَ يَدِهِ فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يَأْكُلُ وَلْيُلْبِسْهُ
مِمَّا يَلْبَسُ وَلَا يُكَلِّفُهُ مِنْ الْعَمَلِ مَا يَغْلِبُهُ فَإِنْ كَلَّفَهُ
مَا يَغْلِبُهُ فَلْيُعِنْهُ عَلَيْهِ
} .
وَفِي رِوَايَةٍ لِلتِّرْمِذِيِّ : { إخْوَانُكُمْ
جَعَلَهُمْ اللَّهُ فِتْيَةً تَحْتَ أَيْدِيكُمْ فَمَنْ كَانَ أَخُوهُ تَحْتَ
يَدِهِ فَلْيُطْعِمْهُ مِنْ طَعَامِهِ وَلْيُلْبِسْهُ مِنْ لِبَاسِهِ وَلَا
يُكَلِّفْهُ مِنْ الْعَمَلِ مَا يَغْلِبُهُ ، فَإِنْ كَلَّفَهُ مَا يَغْلِبُهُ
فَلْيُعِنْهُ عَلَيْهِ } .
وَفِي أُخْرَى لِأَبِي دَاوُد : { مَنْ لَاءَمَكُمْ مِنْ
مَمَالِيكِكُمْ فَأَطْعِمُوهُمْ مِمَّا تَأْكُلُونَ وَاكْسُوهُمْ مِمَّا تَلْبَسُونَ
، وَمَنْ لَمْ يُلَائِمْكُمْ مِنْهُمْ فَبِيعُوهُ وَلَا تُعَذِّبُوا خَلْقَ
اللَّهِ } .
وَأَحْمَدُ وَالطَّبَرَانِيُّ مِنْ رِوَايَةِ مَنْ
صَحَّحَ لَهُ التِّرْمِذِيُّ وَالْحَاكِمُ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ : أَرِقَّاؤُكُمْ أَطْعِمُوهُمْ مِمَّا
تَأْكُلُونَ وَاكْسُوهُمْ مِمَّا تَلْبَسُونَ فَإِنْ جَاءَ بِذَنْبٍ لَا تُرِيدُوا
أَنْ تَغْفِرُوهُ فَبِيعُوا عِبَادَ اللَّهِ وَلَا تُعَذِّبُوهُمْ } .
وَالتِّرْمِذِيُّ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ فِي الْعَبِيدِ : إنْ أَحْسَنُوا فَاقْبَلُوا ، وَإِنْ أَسَاءُوا
فَاغْفِرُوا ، وَإِنْ غَلَبُوكُمْ فَبِيعُوا } .
وَالْأَصْبَهَانِيّ : { الْغَنَمُ بَرَكَةٌ عَلَى
أَهْلِهَا ، وَالْإِبِلُ عِزٌّ لِأَهْلِهَا ، وَالْخَيْلُ مَعْقُودٌ فِي
نَوَاصِيهَا الْخَيْرُ ، وَالْعَبْدُ أَخُوك فَأَحْسِنْ إلَيْهِ فَإِنْ رَأَيْته
مَغْلُوبًا فَأَعِنْهُ } .
وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَمُسْلِمٌ بِاخْتِصَارٍ
{ لِلْمَمْلُوكِ طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ وَكِسْوَتُهُ وَلَا يُكَلَّفُ إلَّا مَا
يُطِيقُ فَإِنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ فَأَعِينُوهُمْ وَلَا تُعَذِّبُوا عِبَادَ
اللَّهِ خَلْقًا أَمْثَالَكُمْ
} .
وَأَبُو يَعْلَى وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحَيْهِمَا :
{ مَا خَفَّفْت عَنْ خَادِمِك مِنْ عَمَلِهِ كَانَ لَك أَجْرًا فِي مَوَازِينِك } .
وَأَبُو دَاوُد عَنْ
عَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ قَالَ : { كَانَ آخِرُ
كَلَامِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّلَاةَ الصَّلَاةَ
اتَّقُوا اللَّهَ فِيمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ } .
وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ بِلَفْظِ : { الصَّلَاةَ وَمَا
مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ } .
وَبِلَفْظٍ :
{ كَانَ يَقُولُ فِي مَرَضِهِ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ
الصَّلَاةَ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَمَا زَالَ يَقُولُهَا حَتَّى مَا
يَفِيضُ لِسَانُهُ } .
وَمُسْلِمٌ : { كَفَى بِالْمَرْءِ إثْمًا أَنْ تَحْبِسَ
عَمَّنْ تَمْلِكُ قُوتَهُمْ } .
وَالطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ لَا بَأْسَ بِهِ أَنَّهُ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ وَفَاتِهِ بِخَمْسِ لَيَالٍ قَالَ : {
لَمْ يَكُنْ نَبِيٌّ إلَّا وَلَهُ خَلِيلٌ مِنْ أُمَّتِهِ وَإِنَّ خَلِيلِي أَبُو
بَكْرِ بْنُ أَبِي قُحَافَةَ ، وَإِنَّ اللَّهَ اتَّخَذَ صَاحِبَكُمْ خَلِيلًا
أَلَا وَإِنَّ الْأُمَمَ قَبْلَكُمْ كَانُوا يَتَّخِذُونَ قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ
مَسَاجِدَ وَإِنِّي أَنْهَاكُمْ عَنْ ذَلِكَ .
اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْت ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ثُمَّ قَالَ
اللَّهُمَّ اشْهَدْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ
.
وَأُغْمِيَ عَلَيْهِ هُنَيْهَةً ثُمَّ قَالَ اللَّهَ اللَّهَ
فِيمَا مَلَكْت أَيْمَانُكُمْ أَشْبِعُوا بُطُونَهُمْ وَاكْسُوا ظُهُورَهُمْ
وَأَلِينُوا الْقَوْلَ لَهُمْ }
.
وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ غَرِيبٌ
، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ حَسَنٌ صَحِيحٌ : { يَا رَسُولَ اللَّهِ كَمْ أَعْفُو
عَنْ الْخَادِمِ قَالَ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعِينَ مَرَّةً } .
وَفِي رِوَايَةٍ : سَنَدُهَا جَيِّدٌ : { إنَّ خَادِمِي
يُسِيءُ وَيَظْلِمُ أَفَأَضْرِبُهُ ؟ قَالَ : تَعْفُو عَنْهُ كُلَّ يَوْمٍ
سَبْعِينَ مَرَّةً } .
وَأَحْمَدُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ احْتَجَّ بِرُوَاتِهِ
الْبُخَارِيُّ ، فَقَوْلُ التِّرْمِذِيِّ إنَّهُ غَرِيبٌ مَمْنُوعٌ .
عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا : { أَنَّ
رَجُلًا قَعَدَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَقَالَ : إنَّ لِي مَمْلُوكِينَ يَكْذِبُونَنِي وَيَخُونُونَنِي وَيَعْصُونَنِي وَأَشْتُمُهُمْ
وَأَضْرِبُهُمْ فَكَيْفَ أَنَا مِنْهُمْ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ يُحْسَبُ مَا
خَانُوك وَعَصَوْك وَكَذَبُوك وَعِقَابَك إيَّاهُمْ ،
فَإِنْ كَانَ عِقَابُك بِقَدْرِ ذُنُوبِهِمْ كَانَ كَفَافًا لَا لَك وَلَا عَلَيْك
، وَإِنْ كَانَ عِقَابُك إيَّاهُمْ فَوْقَ ذُنُوبِهِمْ اُقْتُصَّ لَهُمْ مِنْك
الْفَضْلُ فَتَنَحَّى الرَّجُلُ وَجَعَلَ يَهْتِفُ وَيَبْكِي ، فَقَالَ لَهُ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَمَا تَقْرَأُ قَوْلَ
اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ
الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ
أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ } فَقَالَ الرَّجُلُ يَا رَسُولَ
اللَّهِ مَا أَجِدُ لِي وَلِهَؤُلَاءِ خَيْرًا مِنْ مُفَارَقَتِهِمْ أُشْهِدُك
أَنَّهُمْ كُلَّهُمْ أَحْرَارٌ
} .
وَالطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ حَسَنٍ : { مَنْ ضَرَبَ
سَوْطًا ظُلْمًا اُقْتُصَّ مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ } .
وَأَبُو يَعْلَى بِأَسَانِيدَ أَحَدُهَا جَيِّدٌ { عَنْ
أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْتِي وَكَانَ بِيَدِهِ سِوَاكٌ فَدَعَا
وَصِيفَةً لَهُ أَوْ لَهَا حَتَّى اسْتَبَانَ الْغَضَبُ فِي وَجْهِهِ وَخَرَجَتْ
أُمُّ سَلَمَةَ إلَى الْحُجُرَاتِ فَوَجَدَتْ الْوَصِيفَةُ وَهِيَ تَلْعَبُ بِبَهِيمَةٍ
فَقَالَتْ أَرَاك تَلْعَبِينَ بِهَذِهِ الْبَهِيمَةِ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُوك فَقَالَتْ لَا وَاَلَّذِي بَعَثَك بِالْحَقِّ
مَا سَمِعْتُك ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
لَوْلَا خَشْيَةُ الْقَوَدِ لَأَوْجَعْتُك بِهَذَا السِّوَاكِ } ، وَفِي رِوَايَةٍ
: { لَضَرَبْتُك بِهَذَا السِّوَاكِ
} .
وَالشَّيْخَانِ : { مَنْ لَا يَرْحَمُ لَا يُرْحَمُ } .
وَالْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ : { دَخَلَتْ امْرَأَةٌ
النَّارَ فِي هِرَّةٍ رَبَطَتْهَا فَلَمْ تُطْعِمْهَا وَلَمْ تَدَعْهَا تَأْكُلُ
مِنْ خَشَاشِ الْأَرْضِ } ، وَفِي رِوَايَةٍ
: { عُذِّبَتْ امْرَأَةٌ فِي هِرَّةٍ سَجَنَتْهَا حَتَّى مَاتَتْ لَا هِيَ
أَطْعَمَتْهَا وَسَقَتْهَا إذْ هِيَ حَبَسَتْهَا وَلَا هِيَ تَرَكَتْهَا تَأْكُلُ
مِنْ خَشَاشِ الْأَرْضِ } .
زَادَ أَحْمَدُ : { فَوَجَبَتْ لَهَا النَّارُ بِذَلِكَ } .
وَخَشَاشُ
الْأَرْضِ بِمُعْجَمَاتٍ : حَشَرَاتُهَا وَنَحْوُ
عَصَافِيرِهَا مُثَلَّثَةُ الْخَاءِ
.
وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ : { دَخَلْت الْجَنَّةَ
فَرَأَيْت أَكْثَرَ أَهْلِهَا الْفُقَرَاءَ وَاطَّلَعْت فِي النَّارِ فَرَأَيْت
أَكْثَرَ أَهْلِهَا النِّسَاءَ وَرَأَيْت فِيهَا ثَلَاثَةً يُعَذَّبُونَ :
امْرَأَةٌ مِنْ حِمْيَرَ طُوَالَةً رَبَطَتْ هِرَّةً لَهَا لَمْ تُطْعِمْهَا
وَلَمْ تُسْقِهَا وَلَمْ تَدَعْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الْأَرْضِ فَهِيَ تَنْهَشُ
قُبُلَهَا وَدُبُرَهَا ، وَرَأَيْت فِيهَا أَخَا بَنِي دَعْدَعٍ الَّذِي كَانَ
يَسْرِقُ الْحَاجَّ بِمِحْجَنِهِ فَإِذَا فَطِنَ لَهُ قَالَ إنَّمَا تَعَلَّقَ
بِمِحْجَنِي ، وَاَلَّذِي سَرَقَ بَدَنَتَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ } وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ ذَكَرَ فِيهَا الْكُسُوفَ قَالَ : {
وَعُرِضَتْ عَلَيَّ النَّارُ فَلَوْلَا أَنِّي دَفَعْتهَا عَنْكُمْ لَغَشِيَتْكُمْ
، وَرَأَيْت فِيهَا ثَلَاثَةً يُعَذَّبُونَ امْرَأَةٌ حِمْيَرِيَّةٌ سَوْدَاءُ
طَوِيلَةٌ تُعَذَّبُ فِي هِرَّةٍ لَهَا أَوْثَقَتْهَا فَلَمْ تَدَعْهَا تَأْكُلُ
مِنْ خَشَاشِ الْأَرْضِ وَلَمْ تُطْعِمْهَا حَتَّى مَاتَتْ فَهِيَ إذَا أَقْبَلَتْ
نَهَشَتْهَا وَإِذَا أَدْبَرَتْ نَهَشَتْهَا } الْحَدِيثَ .
الْمِحْجَنُ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْحَاءِ
الْمُهْمَلَةِ بَعْدَهُمَا جِيمٌ مَفْتُوحَةٌ : هِيَ عَصًا مَحْنِيَّةُ الرَّأْسِ .
وَالْبُخَارِيُّ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى
صَلَاةَ الْكُسُوفِ فَقَالَ : دَنَتْ النَّارُ مِنِّي حَتَّى قُلْت أَيْ رَبِّ
وَأَنَا مَعَهُمْ فَإِذَا امْرَأَةٌ حَسِبَتْ أَنَّهُ قَالَ تَخْدِشُهَا هِرَّةٌ
قَالَ مَا شَأْنُ هَذِهِ ؟ قَالُوا حَبَسَتْهَا حَتَّى مَاتَتْ جُوعًا } .
وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ مُتَّصِلًا وَمُرْسَلًا
عَنْ مُجَاهِدٍ وَقَالَ فِي الْمُرْسَلِ هُوَ أَصَحُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : { نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ عَنْ التَّحْرِيشِ بَيْنَ الْبَهَائِمِ } .
تَنْبِيهٌ : عَدُّ الْأُولَى مِنْ هَذِهِ الْخَمْسِ ظَاهِرٌ
؛ لِأَنَّهُ ظُلْمٌ لِلسَّيِّدِ ، بَلْ أَحَادِيثُ الْإِبَاقِ السَّابِقَةُ
تَشْمَلُهُ ؛ لِأَنَّ الِامْتِنَاعَ مِنْ خِدْمَةِ
السَّيِّدِ الْوَاجِبَةِ وَالتَّقْصِيرَ فِيهَا كَالْإِبَاقِ فِي الْمَعْنَى ،
وَسَيَأْتِي فِي أَحَادِيثِ الظُّلْمِ مَا يَشْمَلُهُ ، وَعَدُّ الْأَرْبَعَةِ
الْبَاقِيَةِ هُوَ صَرِيحُ الْأَحَادِيثِ الَّتِي ذَكَرْتهَا وَهُوَ ظَاهِرٌ
حَتَّى فِي التَّحْرِيشِ ، إذْ هُوَ جُمْلَةُ التَّعْذِيبِ : وَقَدْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ
: وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ قَتْلُ الْهِرِّ الَّذِي لَيْسَ بِمُؤْذٍ عَمْدًا مِنْ
الْكَبَائِرِ ؛ لِأَنَّ امْرَأَةً دَخَلَتْ النَّارَ فِي هِرَّةٍ .
الْحَدِيثَ ، وَيَلْحَقُ بِهَا مَا فِي مَعْنَاهَا
انْتَهَى .
وَالْقَتْلُ لَيْسَ بِشَرْطٍ بَلْ الْإِيذَاءُ
الشَّدِيدُ كَالضَّرْبِ الْمُؤْلِمِ كَذَلِكَ ، ثُمَّ رَأَيْت بَعْضَهُمْ صَرَّحَ
بِأَنَّ تَعْذِيبَ الْحَيَوَانِ مِنْ غَيْرِ مُوجِبٍ وَخِصَاءَ الْعَبْدِ
وَتَعْذِيبَهُ ظُلْمًا أَوْ بَغْيًا مِنْ الْكَبَائِرِ وَيُقَاسُ بِالْعَبْدِ
غَيْرُهُ ، نَعَمْ الْحَيَوَانُ الْمَذْكُورُ يَجُوزُ خِصَاءُ صَغِيرِهِ
لِمَصْلَحَةِ سَمْنِهِ وَطِيبِ لَحْمِهِ ، وَبِأَنَّ سُوءَ الْمَلَكَةِ
لِلرَّقِيقِ وَالْبَهَائِمِ مِنْ الْكَبَائِرِ أَيْضًا .
وَلَمَّا فَرَغْت مِنْ هَذَا الْمَبْحَثِ رَأَيْت
بَعْضَهُمْ أَطَالَ فِيهِ ، فَأَحْبَبْت تَلْخِيصَ مَا زَادَ بِهِ عَلَى مَا
قَدَّمْته وَإِنْ كَانَ فِي خِلَالِهِ شَيْءٌ مِمَّا قَدَّمْته .
قَالَ : الْكَبِيرَةُ الْحَادِيَةُ وَالْخَمْسُونَ
الِاسْتِطَالَةُ عَلَى الضَّعِيفِ وَالْمَمْلُوكِ وَالْجَارِيَةِ وَالزَّوْجَةِ
وَالدَّابَّةِ ، لِأَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - قَدْ أَمَرَ بِالْإِحْسَانِ إلَيْهِمْ
بِقَوْلِهِ - تَعَالَى - : { وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا
وَبِالْوَالِدَيْنِ إحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ
وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ
السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ
مُخْتَالًا فَخُورًا } فَالْإِحْسَانُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقَارِبِ بِالْبِرِّ
، وَبِالْيَتَامَى بِالرِّفْقِ وَالتَّقْرِيبِ وَمِسْحِ الرَّأْسِ ،
وَبِالْمَسَاكِينِ بِإِعْطَاءِ الْيَسِيرِ أَوْ الرَّدِّ الْجَمِيلِ ، وَالْجَارِ
ذِي الْقُرْبَى هُوَ مَنْ بَيْنَك
وَبَيْنَهُ قَرَابَةٌ فَلَهُ حَقُّهَا وَحَقُّ
الْجِوَارِ وَالْإِسْلَامِ ، وَالْجَارُ الْجُنُبِ هُوَ الْأَجْنَبِيُّ وَلَهُ
الْحَقَّانِ الْأَخِيرَانِ ، وَالصَّاحِبُ بِالْجَنْبِ .
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ : هُوَ الرَّفِيقُ فِي
السَّفَرِ فَلَهُ حَقُّ الْجِوَارِ وَحَقُّ الصُّحْبَةِ ، وَمَا مَلَكَتْ
أَيْمَانُكُمْ : يُرِيدُ الْمَمْلُوكَ يُحْسِنُ رِزْقَهُ وَيَعْفُو عَنْهُ فِيمَا
يُخْطِئُ ، وَمِنْ ثَمَّ رَفَعَ أَبُو هُرَيْرَةَ سَوْطًا عَلَى أَمَةٍ لَهُ
زِنْجِيَّةٍ ثُمَّ قَالَ : لَوْلَا الْقِصَاصُ لَأَغْشَيْتَكِيهِ ، وَلَكِنْ
سَأَبِيعُك لِمَنْ يُوفِينِي ثَمَنَك اذْهَبِي فَأَنْتِ حُرَّةٌ لِوَجْهِ اللَّهِ .
{ وَجَاءَتْ امْرَأَةٌ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ : إنِّي قُلْت لِأَمَتِي يَا
زَانِيَةُ .
قَالَ :
وَهَلْ رَأَيْت عَلَيْهَا ذَلِكَ ؟ قَالَتْ : لَا ،
قَالَ : أَمَا إنَّهَا سَتُقِيدُ مِنْك يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، فَرَجَعَتْ
الْمَرْأَةُ إلَى جَارِيَتِهَا فَأَعْطَتْهَا سَوْطًا وَقَالَتْ اجْلِدِينِي فَأَبَتْ
الْجَارِيَةُ فَأَعْتَقَتْهَا ، ثُمَّ رَجَعَتْ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَتْهُ بِعِتْقِهَا فَقَالَ عَسَى } أَيْ
عَسَى أَنْ يُكَفِّرَ عِتْقُك إيَّاهَا مَا قَذَفْتهَا بِهِ ، وَكَانَ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُوصِي بِهِمْ عِنْدَ خُرُوجِهِ مِنْ الدُّنْيَا كَمَا
مَرَّتْ أَحَادِيثُهُ ، ثُمَّ يَقُولُ
: { وَلَا تُعَذِّبُوا خَلْقَ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ
مَلَّكَكُمْ إيَّاهُمْ وَلَوْ شَاءَ لَمَلَّكَهُمْ إيَّاكُمْ } .
وَدَخَلَ جَمَاعَةٌ عَلَى سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهُوَ أَمِيرٌ عَلَى الْمَدَائِنِ فَوَجَدُوهُ يَعْجِنُ
عَجِينَ أَهْلِهِ ، فَقَالُوا : أَلَا تَتْرُكُ الْجَارِيَةَ تَعْجِنُ ؟ فَقَالَ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : إنَّا أَرْسَلْنَاهَا فِي عَمَلٍ فَكَرِهْنَا أَنْ
نُجْمِعَ عَلَيْهَا عَمَلًا آخَرَ
.
قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ : لَا تَضْرِبْ الْمَمْلُوكَ فِي
كُلِّ ذَنْبٍ وَلَكِنْ احْفَظْ لَهُ ذَلِكَ ، فَإِذَا عَصَى اللَّهَ - تَعَالَى - فَاضْرِبْهُ
عَلَى مَعْصِيَةِ اللَّهِ ، وَذَكِّرْهُ الذُّنُوبَ الَّتِي بَيْنَك وَبَيْنَهُ .
وَمِنْ أَعْظَمِ الْإِسَاءَةِ عَلَى
الْجَارِيَةِ أَوْ الْعَبْدِ أَوْ الدَّابَّةِ أَنْ
تُجَوِّعَهُ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { كَفَى بِالْمَرْءِ
إثْمًا أَنْ يَحْبِسَ عَمَّنْ يَمْلِكُ قُوتَهُ } .
وَمِنْ ذَلِكَ أَنْ يَضْرِبَ الدَّابَّةَ ضَرْبًا
وَجِيعًا أَوْ يَحْبِسَهَا أَوْ لَا يَقُومَ بِكِفَايَتِهَا أَوْ يُحَمِّلَهَا
فَوْقَ الطَّاقَةِ .
فَقَدْ رُوِيَ فِي تَفْسِيرِ - قَوْله تَعَالَى - : {
وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إلَّا
أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إلَى
رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ } قِيلَ أَيْ بَلْ وَرَدَ فِي السُّنَّةِ : { يُؤْتَى
بِهِمْ وَالنَّاسُ وُقُوفٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُقْضَى بَيْنَهُمْ حَتَّى
إنَّهُ يُقْتَصُّ لِلشَّاةِ الْجَلْحَاءِ مِنْ الشَّاةِ الْقَرْنَاءِ حَتَّى
يُقَادَ مِنْ الذَّرَّةِ لِلذَّرَّةِ ، ثُمَّ يُقَالُ كُونُوا تُرَابًا ؛
فَهُنَاكَ يَقُولُ الْكَافِرُ : { يَا لَيْتَنِي كُنْت تُرَابًا } } فَهَذَا مِنْ
الدَّلِيلِ عَلَى الْقِصَاصِ بَيْنَ الْبَهَائِمِ وَبَيْنَهَا وَبَيْنَ بَنِي
آدَمَ ، حَتَّى الْإِنْسَانِ لَوْ ضَرَبَ دَابَّةً بِغَيْرِ حَقٍّ أَوْ جَوَّعَهَا
أَوْ عَطَّشَهَا أَوْ كَلَّفَهَا فَوْقَ طَاقَتِهَا فَإِنَّهَا تَقْتَصُّ مِنْهُ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ بِنَظِيرِ مَا ظَلَمَهَا أَوْ جَوَّعَهَا ، وَيَدُلُّ لِذَلِكَ
حَدِيثُ الْهِرَّةِ السَّابِقُ بِطُرُقِهِ .
وَفِي الصَّحِيحِ : { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ رَأَى الْمَرْأَةَ مُعَلَّقَةً فِي النَّارِ وَالْهِرَّةُ تَخْدِشُهَا
فِي وَجْهِهَا وَصَدْرِهَا وَتُعَذِّبُهَا كَمَا عَذَّبَتْهَا فِي الدُّنْيَا
بِالْحَبْسِ وَالْجُوعِ } .
وَهَذَا عَامٌّ فِي سَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ ، وَكَذَلِكَ
إذَا حَمَّلَهَا فَوْقَ طَاقَتِهَا تَقْتَصُّ مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
لِحَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ : { بَيْنَمَا رَجُلٌ يَسُوقُ بَقَرَةً إذْ رَكِبَهَا
فَضَرَبَهَا فَقَالَتْ إنَّا لَمْ نُخْلَقْ لِهَذَا إنَّمَا خُلِقْنَا لِلْحَرْثِ
، فَهَذِهِ بَقَرَةٌ أَنْطَقَهَا اللَّهُ فِي الدُّنْيَا تُدَافِعُ عَنْ نَفْسِهَا
بِأَنَّهَا لَا تُؤْذَى وَلَا تُسْتَعْمَلُ فِي غَيْرِ مَا خُلِقَتْ لَهُ ، فَمَنْ
كَلَّفَهَا فَوْقَ طَاقَتِهَا أَوْ ضَرَبَهَا بِغَيْرِ حَقٍّ ،
فَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُقْتَصُّ مِنْهُ بِقَدْرِ
ضَرْبِهِ وَتَعْذِيبِهِ } .
قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ الدَّارَانِيُّ : رَكِبْت
مَرَّةً حِمَارًا فَضَرَبْته مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا ، فَرَفَعَ رَأْسُهُ
وَنَظَرَ إلَيَّ وَقَالَ : يَا أَبَا سُلَيْمَانَ هُوَ الْقِصَاصُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ؛
فَإِنْ شِئْت فَأَقْلِلْ وَإِنْ شِئْت فَأَكْثِرْ ، قَالَ فَقُلْت لَا أَضْرِبُهُ شَيْئًا
بَعْدَهُ أَبَدًا .
وَمَرَّ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا
بِصِبْيَانٍ مِنْ قُرَيْشٍ قَدْ نَصَبُوا طَائِرًا وَهُمْ يَرْمُونَهُ وَقَدْ
جَعَلُوا لِصَاحِبِهِ كُلَّ خَاطِئَةٍ مِنْ نَبْلِهِمْ ، فَلَمَّا رَأَوْا ابْنَ
عُمَرَ تَفَرَّقُوا .
فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ مَنْ فَعَلَ هَذَا ؟ لَعَنَ
اللَّهُ مَنْ فَعَلَ هَذَا إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ لَعَنَ مَنْ اتَّخَذَ شَيْئًا فِيهِ الرُّوحُ غَرَضًا أَيْ هَدَفًا
يُرْمَى إلَيْهِ .
وَنَهَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ
تُصْبَرَ الْبَهَائِمُ : أَيْ أَنْ تُحْبَسَ لِلْقَتْلِ ، فَإِنْ كَانَتْ مِمَّا
نُدِبَ قَتْلُهُ كَالْفَوَاسِقِ الْخَمْسِ قُتِلَتْ دُفْعَةً مِنْ غَيْرِ
تَعْذِيبٍ لِلْحَدِيثِ : { إذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ } ، وَكَذَا
لَا يُحَرِّقُهَا بِالنَّارِ لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ : { إنِّي كُنْت أَمَرْتُكُمْ
أَنْ تُحَرِّقُوا فُلَانًا وَفُلَانًا بِالنَّارِ وَإِنَّ النَّارَ لَا يُعَذِّبُ
بِهَا إلَّا اللَّهُ فَإِنْ وَجَدْتُمُوهُمَا فَاقْتُلُوهُمَا } .
{ قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : كُنَّا مَعَ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ فَانْطَلَقَ
لِحَاجَتِهِ ، فَرَأَيْنَا حُمَّرَةً مَعَهَا فَرْخَانِ فَأَخَذْنَا فَرْخَيْهَا
فَجَاءَتْ الْحُمَّرَةُ فَجَعَلَتْ تُرَفْرِفُ فَجَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : مَنْ فَجَعَ هَذِهِ بِوَلَدَيْهَا رُدُّوا عَلَيْهَا
وَلَدَيْهَا .
وَرَأَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرْيَةَ
نَمْلٍ - أَيْ مَكَانَهُ - قَدْ حَرَّقْنَاهَا .
فَقَالَ مَنْ حَرَّقَ هَذِهِ ؟ قُلْنَا نَحْنُ ، فَقَالَ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُعَذِّبَ
بِالنَّارِ إلَّا رَبُّ النَّارِ } ، وَفِيهِ النَّهْيُ عَنْ
التَّعْذِيبِ بِالنَّارِ حَتَّى فِي النَّمْلِ
وَالْبُرْغُوثِ .
كِتَابُ الْجِنَايَاتِ ( الْكَبِيرَةُ الثَّالِثَةَ
عَشْرَةَ بَعْدَ الثَّلَاثِمِائَةِ : قَتْلُ الْمُسْلِمِ أَوْ الذِّمِّيِّ
الْمَعْصُومِ عَمْدًا أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ ) قَالَ - تَعَالَى - : { وَمَنْ
يَفْعَلْ ذَلِكَ } أَيْ قَتْلَ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إلَّا
بِالْحَقِّ وَمَا بَعْدَهُ وَمَا قَبْلَهُ { يَلْقَ أَثَامًا يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ
يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا إلَّا مَنْ تَابَ } وَقَالَ -
تَعَالَى - : { مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إسْرَائِيلَ أَنَّهُ
مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا
قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا ، وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ
جَمِيعًا } اخْتَلَفُوا فِي مُتَعَلَّقِ " مِنْ أَجْلِ " وَالْأَظْهَرُ
أَنَّهُ " كَتَبْنَا " وَذَلِكَ إشَارَةٌ إلَى قَتْلِ ابْنِ آدَمَ
لِأَخِيهِ ، وَالْأَجْلُ فِي الْأَصْلِ الْجِنَايَةُ ، يُقَالُ أَجَلَ الْأَمْرَ
أَجْلًا وَإِجْلًا بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِهَا : إذَا جَنَاهُ وَحْدَهُ ،
فَمَعْنَى فَعَلْته مِنْ أَجَلِك أَوْ لِأَجْلِك : أَيْ بِسَبَبِك لِأَنَّك
جَنَيْت فِعْلَهُ وَأَوْجَبْته ، وَكَذَا فَعَلْته مِنْ جَرَّاك وَجَرَّائِك :
أَيْ مِنْ أَنْ جَرَرْته ثُمَّ صَارَ يُسْتَعْمَلُ بِمَعْنَى السَّبَبِ .
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ : { مِنْ جَرَّايَ مِنْ أَجْلِي }
وَمِنْ لِابْتِدَاءِ الْغَايَةِ : أَيْ نَشَأَ الْكَتْبُ وَابْتُدِئَ مِنْ
جِنَايَةِ الْقَتْلِ .
وَوَجْهُ الْمُنَاسَبَةِ بَيْنَ مَا بَعْدَ مِنْ أَجْلِ
وَهُوَ كَتْبُ الْقِصَاصِ عَلَى بَنِي إسْرَائِيلَ وَمَا قَبْلَهَا وَهُوَ قِصَّةُ
قَابِيلَ وَهَابِيلَ مَا قَالَهُ الْحَسَنُ وَالضَّحَّاكُ أَنَّهُمَا مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ
لَا وَلَدُ آدَمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِصُلْبِهِ .
وَعَلَى الْأَصَحِّ أَنَّهُمَا وَلَدَاهُ لِصُلْبِهِ ، فَالْإِشَارَةُ
لَيْسَتْ لِمُجَرَّدِ قَتْلِ قَابِيلَ لِهَابِيلَ بَلْ لِمَا تَرَتَّبَ عَلَى ذَلِكَ
مِنْ الْمَفَاسِدِ الْحَاصِلَةِ بِسَبَبِ الْقَتْلِ الْمُحَرَّمِ لِقَوْلِهِ
تَعَالَى : { فَأَصْبَحَ مِنْ الْخَاسِرِينَ } أَيْ حَصَلَ لَهُ خَسَارَةُ
الدِّينِ وَالدُّنْيَا ، قَوْله تَعَالَى : { فَأَصْبَحَ مِنْ النَّادِمِينَ }
أَيْ حَصَلَ لَهُ أَنْوَاعُ
النَّدَمِ وَالْحَسْرَةِ وَالْحُزْنِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَجِدَ
دَافِعًا لِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ عَنْهُ وَهَكَذَا كُلُّ قَاتِلٍ ظُلْمًا فَيَحْصُلُ
لَهُ ذَلِكَ الْخَسَارُ وَالنَّدَمُ الَّذِي لَا دَافِعَ لَهُ ، وَإِنَّمَا خُصَّ
الْكَتْبُ بِبَنِي إسْرَائِيلَ مَعَ أَنَّهُ جَارٍ فِي أَكْثَرِ الْأُمَمِ
تَغْلِيظًا عَلَى الْيَهُودِ وَبَيَانًا لِخَسَارِهِمْ الْأَكْبَرِ ؛ لِأَنَّهُمْ
مَعَ عِلْمِهِمْ بِمَا وَقَعَ لِقَابِيلَ مِنْ الْخَسَارِ وَالنَّدَمِ مَعَ أَنَّ
أَخَاهُ الْمَقْتُولَ لَمْ يَكُنْ نَبِيًّا أَقْدَمُوا عَلَى قَتْلِ
الْأَنْبِيَاءِ وَالرُّسُلِ ، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى غَايَةِ قَسَاوَةِ
قُلُوبِهِمْ وَبُعْدِهَا عَنْ طَاعَةِ اللَّهِ - تَعَالَى - .
وَأَيْضًا فَالْغَرَضُ مِنْ ذِكْرِ هَذِهِ الْقِصَصِ
تَسْلِيَةُ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَمَّا وَقَعَ مِنْهُمْ
مِنْ الْعَزْمِ عَلَى الْفَتْكِ بِهِ وَبِأَصْحَابِهِ فَخُصُّوا بِالذِّكْرِ
لِذَلِكَ ، ثُمَّ قَوْله تَعَالَى : { مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي
إسْرَائِيلَ } اسْتَدَلَّ بِهِ الْقَائِلُونَ بِالْقِيَاسِ عَلَى أَنَّ
أَفْعَالَهُ - تَعَالَى - قَدْ تُعَلَّلُ .
وَالْمُعْتَزِلَةُ عَلَى أَنَّ أَفْعَالَهُ - تَعَالَى -
مُعَلَّلَةٌ بِمَصَالِحِ الْعِبَادِ ، فَيَمْتَنِعُ خَلْقُهُ لِلْكُفْرِ
وَالْقَبَائِحِ فِيهِمْ وَإِرَادَتُهُ وُقُوعَهَا مِنْهُمْ ، لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ
لَا يَكُونُ مُرَاعِيًا لِمَصَالِحِهِمْ .
وَأَجَابَ الْقَائِلُونَ بِاسْتِحَالَةِ تَعْلِيلِ
أَحْكَامِهِ - تَعَالَى - بِأَنَّ الْعِلَّةَ إنْ كَانَتْ قَدِيمَةً لَزِمَ قِدَمُ
الْمَعْلُولِ أَوْ مُحْدَثَةً لَزِمَ تَعْلِيلُهَا بِعِلَّةٍ أُخْرَى وَلَزِمَ
التَّسَلْسُلُ وَبِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ مُعَلَّلَةً بِعِلَّةٍ فَوُجُودُ تِلْكَ الْعِلَّةِ
وَعَدَمُهَا بِالنِّسْبَةِ إلَى اللَّهِ - تَعَالَى - إنْ كَانَ سَوَاءٌ امْتَنَعَ
كَوْنُهُ عِلَّةً أَوْ غَيْرَ سَوَاءٍ فَأَحَدُهُمَا بِهِ أَوْلَى ، وَذَلِكَ
يَقْتَضِي كَوْنَهُ مُسْتَفِيدًا تِلْكَ الْأَوْلَوِيَّةَ مِنْ ذَلِكَ الْفِعْلِ
عَلَى الدَّوَاعِي وَيَمْتَنِعُ وُقُوعُ التَّسَلْسُلِ فِي الدَّوَاعِي بَلَى
يَجِبُ انْتِهَاؤُهَا إلَى الدَّاعِيَةِ الْأُولَى الَّتِي حَدَثَتْ فِي الْعَبْدِ
لَا مِنْهُ بَلْ مِنْ اللَّهِ -
تَعَالَى - ، وَحِينَئِذٍ فَالْكُلُّ مِنْهُ فَيَمْتَنِعُ
تَعْلِيلُ أَحْكَامِهِ - تَعَالَى - وَأَفْعَالُهُ بِرِعَايَةِ الْمَصَالِحِ ،
فَظَاهِرُ هَذِهِ الْآيَةِ غَيْرُ مُرَادٍ ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ حِكْمَةُ شَرْعِ
هَذَا الْحُكْمِ لَهُمْ : وَقَدْ قَالَ
- تَعَالَى - : { قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنْ اللَّهِ
شَيْئًا إنْ أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ
فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا } فَهَذَا نَصٌّ فِي أَنَّهُ يَحْسُنُ مِنْ اللَّهِ كُلُّ
شَيْءٍ لَا يَتَوَقَّفُ خَلْقُهُ وَحُكْمُهُ عَلَى رِعَايَةِ الْمَصَالِحِ أَلْبَتَّةَ
، وقَوْله تَعَالَى : { أَوْ فَسَادٍ } هُوَ بِالْجَرِّ عِنْدَ الْجُمْهُورِ
عَطْفًا عَلَى نَفْسٍ : أَيْ أَوْ بِغَيْرِ فَسَادٍ احْتِرَازًا مِنْ الْقَتْلِ
لِلْفَسَادِ كَالْقَوَدِ وَالْكُفْرِ وَالزِّنَا بَعْدَ الْإِحْصَانِ وَقَطْعِ
الطَّرِيقِ وَنَحْوِهِ .
وَجُعِلَ قَتْلُ النَّفْسِ الْوَاحِدَةِ كَقَتْلِ
جَمِيعِ النَّاسِ مُبَالَغَةً فِي تَعْظِيمِ أَمْرِ الْقَتْلِ الظُّلْمِ
وَتَفْخِيمًا لِشَأْنِهِ : أَيْ كَمَا أَنَّ قَتْلَ جَمِيعِ النَّاسِ أَمْرٌ
عَظِيمُ الْقُبْحِ عِنْدَ كُلِّ أَحَدٍ فَكَذَلِكَ قَتْلُ الْوَاحِدِ يَجِبُ أَنْ
يَكُونَ كَذَلِكَ ، فَالْمُرَادُ مُشَارَكَتُهُمَا فِي أَصْلِ الِاسْتِعْظَامِ لَا
فِي قَدْرِهِ ، إذْ تَشْبِيهُ أَحَدِ النَّظِيرَيْنِ بِالْآخَرِ لَا يَقْتَضِي مُسَاوَاتَهُمَا
مِنْ كُلِّ الْوُجُوهِ ، وَأَيْضًا فَالنَّاسُ لَوْ عَلِمُوا مِنْ إنْسَانٍ أَنَّهُ
يُرِيدُ قَتْلَهُمْ جَدُّوا فِي دَفْعِهِ وَقَتْلِهِ ، فَكَذَا يَلْزَمُهُمْ إذَا
عَلِمُوا مِنْ إنْسَانٍ أَنَّهُ يُرِيدُ قَتْلَ آخَرَ ظُلْمًا أَنْ يَجِدُّوا فِي
دَفْعِهِ ، وَأَيْضًا مَنْ فَعَلَ قَتْلًا ظُلْمًا رَجَّحَ دَاعِيَةَ الشَّرِّ
وَالشَّهْوَةِ وَالْغَضَبِ عَلَى دَاعِيَةِ الطَّاعَةِ ، وَمَنْ هُوَ كَذَلِكَ
يَكُونُ بِحَيْثُ لَوْ نَازَعَهُ كُلُّ إنْسَانٍ فِي مَطْلُوبِهِ وَقَدَرَ عَلَى قَتْلِهِ
قَتَلَهُ ، وَنِيَّةُ الْمُؤْمِنِ فِي الْخَيْرَاتِ خَيْرٌ مِنْ عَمَلِهِ كَمَا
وَرَدَ ، فَكَذَلِكَ نِيَّتُهُ فِي الشَّرِّ شَرٌّ مِنْ عَمَلِهِ ، فَمَنْ قَتَلَ
إنْسَانًا ظُلْمًا فَكَأَنَّمَا قَتَلَ جَمِيعَ النَّاسِ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ .
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : مَنْ قَتَلَ نَبِيًّا أَوْ
إمَامَ عَدْلٍ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا ،
وَمَنْ شَدَّ عَضُدَ أَحَدٍ فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا .
وَقَالَ مُجَاهِدٌ : مَنْ قَتَلَ نَفْسًا مُحَرَّمَةً
يَصْلَى النَّارَ بِقَتْلِهَا كَمَا يَصْلَاهَا لَوْ قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا
وَمَنْ أَحْيَاهَا : أَيْ مَنْ سَلِمَ مِنْ قَتْلِهَا فَكَأَنَّمَا سَلِمَ مِنْ قَتْلِ
النَّاسِ جَمِيعًا .
وَقَالَ قَتَادَةُ : أَعْظَمَ اللَّهُ أَجْرَهَا
وَأَعْظَمَ وِزْرَهَا : أَيْ مَنْ قَتَلَ مُسْلِمًا ظُلْمًا فَكَأَنَّمَا قَتَلَ
النَّاسَ جَمِيعًا فِي الْإِثْمِ ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَسْلَمُونَ مِنْهُ ، وَمَنْ
أَحْيَاهَا وَتَوَرَّعَ عَنْ قَتْلِهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا
فِي الثَّوَابِ لِسَلَامَتِهِمْ مِنْهُ وَقَالَ الْحَسَنُ : فَكَأَنَّمَا قَتَلَ
النَّاسَ جَمِيعًا ، أَيْ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ مِنْ الْقِصَاصِ مَا يَجِبُ
عَلَيْهِ لَوْ قَتَلَ الْكُلَّ ، وَمَنْ أَحْيَاهَا أَيْ عَفَا عَمَّنْ لَهُ
عَلَيْهِ قَوَدٌ فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا .
قَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ عَلِيٍّ لِلْحَسَنِ : يَا أَبَا
سَعِيدٍ أَهِيَ لَنَا كَمَا كَانَتْ لِبَنِي إسْرَائِيلَ ؟ قَالَ : وَاَلَّذِي لَا
إلَهَ غَيْرُهُ مَا كَانَتْ دِمَاءُ بَنِي إسْرَائِيلَ أَكْرَمَ عَلَى اللَّهِ
مِنْ دِمَائِنَا .
وَمَنْ أَحْيَا النَّفْسَ بِتَخْلِيصِهَا مِنْ
الْمُهْلِكَاتِ كَالْحَرْقِ وَالْغَرَقِ وَالْجُوعِ الْمُفْرِطِ وَالْحَرِّ
وَالْبَرْدِ الْمُفْرِطَيْنِ .
وَقَالَ - تَعَالَى - : { وَمَنْ يَقْتُلُ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا
فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ
وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا
} .
اعْلَمْ أَنَّ الْقَتْلَ لَهُ أَحْكَامٌ كَالْقَوَدِ
وَالدِّيَةِ ، وَقَدْ ذُكِرَا فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ فِي آيَةِ : { يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِصَاصُ } وَاقْتَصَرَ فِي هَذِهِ
الْإِثْمَ وَالْوَعِيدَ اعْتِنَاءً بِشَأْنِهِمَا ، وَبَيَانًا لِعَظِيمِ
خَطْبِهِمَا ، وَمُبَالَغَةً فِي الزَّجْرِ عَنْ سَبَبِهِمَا .
وَسَبَبُ نُزُولِهَا { أَنَّ قَيْسَ بْنَ ضَبَابَةَ الْكِنَانِيَّ
أَسْلَمَ هُوَ وَأَخُوهُ هِشَامٌ فَوَجَدَ هِشَامًا قَتِيلًا فِي بَنِي
النَّجَّارِ فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ ، فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ ، فَأَرْسَلَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَهُ رَجُلًا مِنْ بَنِي فِهْرٍ إلَى
بَنِي النَّجَّارِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
أَمَرَكُمْ إنْ عَلِمْتُمْ قَاتِلَ هِشَامِ بْنِ ضَبَابَةَ أَنْ تَدْفَعُوهُ إلَى
قَيْسٍ فَيَقْتَصَّ مِنْهُ ، وَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوهُ أَنْ تَدْفَعُوا إلَيْهِ
دِيَتَهُ ، فَأَبْلَغَهُمْ الْفِهْرِيُّ ذَلِكَ فَقَالُوا سَمْعًا وَطَاعَةً
لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا نَعْلَمُ لَهُ قَاتِلًا وَلَكِنَّا نُؤَدِّي دِيَتَهُ ، فَأَعْطَوْهُ
مِائَةً مِنْ الْإِبِلِ ثُمَّ انْصَرَفَا رَاجِعَيْنِ إلَى الْمَدِينَةِ ، فَأَتَى
الشَّيْطَانُ قَيْسًا يُوَسْوِسُ إلَيْهِ فَقَالَ تَقْبَلُ دِيَةَ أَخِيك
فَتَكُونُ عَلَيْك مَسَبَّةٌ اُقْتُلْ الَّذِي مَعَك فَتَكُونُ نَفْسًا مَكَانَ
نَفْسٍ ، وَتَفْضُلُ الدِّيَةُ ، فَقَتَلَ الْفِهْرِيَّ ، فَرَمَاهُ بِصَخْرَةٍ
فَشَدَخَهُ ، ثُمَّ رَكِبَ بَعِيرًا مِنْهَا وَسَاقَ بَقِيَّتَهَا رَاجِعًا إلَى
مَكَّةَ كَافِرًا فَنَزَلَ فِيهِ : { وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا
فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا } أَيْ بِكُفْرِهِ وَارْتِدَادِهِ ، وَهُوَ
الَّذِي اسْتَثْنَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ فَتْحِ
مَكَّةَ مِمَّنْ أَمَّنَهُ فَقُتِلَ وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ }
، { وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا }
وَذَكَرَ - تَعَالَى - الْعَمْدَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ وَالْخَطَأَ فِي الَّتِي
قَبْلَهَا وَلَمْ يَذْكُرْ فِي كِتَابِهِ شِبْهَ الْعَمْدِ ، فَلِذَا اخْتَلَفَ
الْأَئِمَّةُ فِي إثْبَاتِهِ ؛ فَأَثْبَتَهُ الشَّافِعِيُّ كَالْأَكْثَرِينَ ،
وَنَفَاهُ مَالِكٌ وَجَمَاعَةٌ وَقَالُوا فِيمَنْ قُتِلَ بِمَا لَا يَقْتُلُ
غَالِبًا كَعَضَّةٍ وَلَطْمَةٍ وَضَرْبَةٍ بِسَوْطٍ إنَّهُ عَمْدٌ وَفِيهِ
الْقَوَدُ أَيْضًا .
وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ دِيَةَ الْعَمْدِ فِي مَالِ
الْجَانِي وَدِيَةَ الْخَطَأِ عَلَى الْعَاقِلَةِ ، وَاخْتَلَفُوا فِي دِيَةِ
شِبْهِ الْعَمْدِ فَقَالَ جَمْعٌ إنَّهَا عَلَى الْجَانِي وَالْأَكْثَرُونَ
أَنَّهَا عَلَى الْعَاقِلَةِ .
وَاعْلَمْ أَنَّهُمْ اخْتَلَفُوا فِي حُكْمِ هَذِهِ
الْآيَةِ .
فَرُوِيَ
عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا : { أَنَّ
قَاتِلَ الْمُؤْمِنِ عَمْدًا لَا تَوْبَةَ لَهُ ، فَقِيلَ لَهُ أَلَيْسَ قَدْ
قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى - فِي سُورَةِ الْفُرْقَانِ : { وَلَا يَقْتُلُونَ
النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إلَّا بِالْحَقِّ } إلَى قَوْلِهِ { وَمَنْ يَفْعَلْ
ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا } ثُمَّ قَالَ - تَعَالَى - : { إلَّا مَنْ تَابَ }
فَقَالَ : كَانَ ذَلِكَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ ، وَذَلِكَ أَنَّ نَاسًا مِنْ أَهْلِ
الشِّرْكِ كَانُوا قَتَلُوا وَزَنَوْا ، فَأَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا إنَّ الَّذِي تَدْعُو إلَيْهِ لَحَسَنٌ لَوْ
تُخْبِرُنَا أَنَّ لِمَا عَمِلْنَاهُ كَفَّارَةً فَنَزَلَ : { وَاَلَّذِينَ لَا
يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إلَهًا آخَرَ } إلَى قَوْله تَعَالَى { إلَّا مَنْ تَابَ }
فَهَذِهِ لِأُولَئِكَ .
وَأَمَّا الَّتِي فِي سُورَةِ النِّسَاءِ فَالرَّجُلُ
إذَا عَرَفَ الْإِسْلَامَ وَشَرَائِعَهُ ثُمَّ قَتَلَ فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ } .
وَقَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ :
لَمَّا نَزَلَتْ الَّتِي فِي الْفُرْقَانِ : أَيْ وَهِيَ الْمَذْكُورَةُ عَجِبْنَا
مِنْ لِينِهَا ، فَلَبِثْنَا سَبْعَةَ أَشْهُرٍ ثُمَّ نَزَلَتْ الْغَلِيظَةُ :
أَيْ آيَةُ النِّسَاءِ بَعْدَ اللَّيِّنَةِ فَنُسِخَتْ اللَّيِّنَةُ .
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : آيَةُ الْفُرْقَانِ آيَةٌ
مَكِّيَّةٌ وَهَذِهِ مَدَنِيَّةٌ نَزَلَتْ وَلَمْ يَنْسَخْهَا شَيْءٌ ، وَذَهَبَ
أَهْلُ السُّنَّةِ إلَى قَبُولِ تَوْبَةِ الْقَاتِلِ مُطْلَقًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى
: { وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى }
وقَوْله تَعَالَى : { إنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ
مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ } وَأَجَابُوا عَمَّا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ
بِأَنَّهُ عَلَى تَقْدِيرِ صِحَّتِهِ عَنْهُ إنَّمَا أَرَادَ بِهِ الْمُبَالَغَةَ
وَالزَّجْرَ وَالتَّنْفِيرَ عَنْ الْقَتْلِ ، وَلَيْسَ فِي الْآيَةِ دَلِيلٌ
لِلْمُعْتَزِلَةِ وَنَحْوِهِمْ مِمَّنْ يَقُولُ بِتَخْلِيدِ مُرْتَكِبِ
الْكَبِيرَةِ فِي النَّارِ ؛ لِأَنَّهَا نَزَلَتْ فِي قَاتِلِ كَافِرٍ كَمَا مَرَّ
، وَعَلَى التَّنَزُّلِ لِمَا يَأْتِي فَهِيَ فِيمَنْ قَتَلَ مُسْتَحِلًّا
لِلْقَتْلِ الْمُحَرَّمِ بِالْإِجْمَاعِ الْمَعْلُومِ
مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ وَاسْتِحْلَالُ ذَلِكَ كُفْرٌ كَمَا مَرَّ أَوَائِلَ
الْكِتَابِ : قِيلَ جَاءَ عَمْرُو بْنُ عُبَيْدٍ إلَى أَبِي عَمْرِو بْنِ
الْعَلَاءِ فَقَالَ هَلْ يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ ؟ فَقَالَ : لَا .
فَقَالَ أَلَيْسَ قَدْ قَالَ - تَعَالَى - : { وَمَنْ
يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا
} إلَخْ فَقَالَ لَهُ مِنْ الْعُجْمَةِ أَتَيْت يَا
أَبَا عُثْمَانَ ، إنَّ الْعَرَبَ لَا تُعِدُّ الْإِخْلَافَ فِي الْوَعِيدِ
خَلْفًا وَذَمًّا وَإِنَّمَا تُعِدُّ إخْلَافَ الْوَعْدِ خَلْفًا وَأَنْشَدَ :
وَإِنِّي وَإِنْ أَوْعَدْته أَوْ وَعَدْته لَمُخْلِفٌ إيعَادِي وَمُنْجِزٌ
مَوْعِدِي .
وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ غَيْرَ الشِّرْكِ لَا يُوجِبُ
التَّخْلِيدَ فِي النَّارِ - قَوْله تَعَالَى - : { إنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ
أَنْ يُشْرَكَ بِهِ } الْآيَةَ
.
وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِي
الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ : { مَنْ مَاتَ لَا يُشْرِكُ بِاَللَّهِ شَيْئًا دَخَلَ
الْجَنَّةَ وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ
} الْحَدِيثَ
.
وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ : { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَايَعَ أَصْحَابَهُ لَيْلَةَ الْعَقَبَةِ عَلَى أَنْ لَا
يُشْرِكُوا بِاَللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقُوا وَلَا يَزْنُوا وَأَشْيَاءَ
أُخَرَ ، ثُمَّ قَالَ : فَمَنْ وَفَّى مِنْكُمْ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَمَنْ
أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَعُوقِبَ فِي الدُّنْيَا فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ ،
وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا ثُمَّ سَتَرَهُ فَهُوَ إلَى اللَّهِ إنْ شَاءَ
عَفَا عَنْهُ وَإِنْ شَاءَ عَاقَبَهُ فَبَايَعُوهُ عَلَى ذَلِكَ } .
قَالَ الْوَاحِدِيُّ : وَسَلَكَ الْأَصْحَابُ فِي الْجَوَابِ
عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ طُرُقًا كَثِيرَةً وَلَا أَرْتَضِي شَيْئًا مِنْهَا ؛
لِأَنَّ مَا ذَكَرُوهُ إمَّا تَخْصِيصٌ وَإِمَّا مُعَارَضَةٌ وَإِمَّا إضْمَارٌ ،
وَاللَّفْظُ لَا يَدُلُّ عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ ، قَالَ : وَاَلَّذِي
أَعْتَمِدُهُ وَجْهَانِ : الْأَوَّلُ : إجْمَاعُ الْمُفَسِّرِينَ عَلَى أَنَّ
الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي كَافِرٍ قَتَلَ مُؤْمِنًا ثُمَّ ذَكَرَ الْقِصَّةَ .
وَالثَّانِي : أَنَّ قَوْله تَعَالَى : { فَجَزَاؤُهُ
جَهَنَّمُ } مَعْنَاهُ
الِاسْتِقْبَالُ وَالتَّقْدِيرُ أَنَّهُ سَيُجْزَى
بِجَهَنَّمَ وَهَذَا وَعِيدٌ وَخَلْفُ الْوَعِيدِ كَرَمٌ .
وَضَعَّفَ الْفَخْرُ الرَّازِيّ أَوَّلَ وَجْهَيْهِ
بِأَنَّ الْعِبْرَةَ بِعُمُومِ اللَّفْظِ لَا بِخُصُوصِ السَّبَبِ
وَبِالْقَاعِدَةِ الْمُقَرَّرَةِ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ أَنَّ تَرْتِيبَ الْحُكْمِ
عَلَى الْوَصْفِ الْمُنَاسِبِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ الْوَصْفَ عِلَّةٌ
لِذَلِكَ الْحُكْمِ كَقَوْلِهِ - تَعَالَى - : { وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ
فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا } - { الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ
وَاحِدٍ مِنْهُمَا } فَكَمَا دَلَّ عَلَى أَنَّ سَبَبَ الْقَطْعِ وَالْجَلْدِ هُوَ
السَّرِقَةُ وَالزِّنَا ، فَكَذَا هُنَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُوجِبَ لِهَذَا
الْوَعِيدِ هُوَ الْقَتْلُ الْعَمْدُ ؛ لِأَنَّهُ الْوَصْفُ الْمُنَاسِبُ
لِلْحُكْمِ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَبْقَ لِكَوْنِ الْآيَةِ مَخْصُوصَةً
بِالْكَافِرِ ، وَجْهٌ أَيْضًا ، فَالْمُوجِبُ إنْ كَانَ الْكُفْرُ لَمْ يَبْقَ
لِلْقَتْلِ الْعَمْدِ أَثَرٌ أَلْبَتَّةَ فِي هَذَا الْوَعِيدِ الشَّدِيدِ وَهُوَ
بَاطِلٌ ، وَإِنْ كَانَ هُوَ الْقَتْلَ الْعَمْدَ لَزِمَ أَنَّهُ مَتَى حَصَلَ
حَصَلَ هَذَا الْوَعِيدُ فَوَجْهُهُ هَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ .
وَأَمَّا وَجْهُهُ الثَّانِي فَهُوَ فِي غَايَةِ
الْفَسَادِ أَيْضًا ؛ لِأَنَّ الْوَعِيدَ قِسْمٌ مِنْ أَقْسَامِ الْخَبَرِ فَإِذَا
جَوَّزْنَا الْخَلْفَ فِيهِ عَلَى اللَّهِ - تَعَالَى - فَقَدْ جَوَّزْنَا
الْكَذِبَ عَلَى اللَّهِ ، وَهَذَا خَطَأٌ عَظِيمٌ بَلْ يَقْرَبُ مِنْ الْكُفْرِ
لِإِجْمَاعِ الْعُقَلَاءِ عَلَى أَنَّهُ - تَعَالَى - مُنَزَّهٌ عَنْ الْكَذِبِ .
ا هـ حَاصِلُ كَلَامِ الرَّازِيِّ .
وَوَجْهُ الْوَاحِدِيِّ الثَّانِي لَمْ يَنْفَرِدْ بِهِ
بَلْ سَبَقَهُ إلَيْهِ مَنْ هُوَ أَجَلُّ مِنْهُ كَأَبِي عَمْرِو بْنِ الْعَلَاءِ
كَمَا مَرَّ عَنْهُ وَغَيْرِهِ فَيَتَعَيَّنُ تَأْوِيلُ ذَلِكَ لِيَسْلَمَ
قَائِلُوهُ الْأَئِمَّةُ مِنْ هَذَا الشَّنِيعِ الْعَظِيمِ بِأَنْ يُقَالَ : لَمْ يُرِيدُوا
بِذَلِكَ وُقُوعَ خَلْفٍ فِي الْخَبَرِ إنَّمَا مُرَادُهُمْ أَنَّ التَّقْدِيرَ
سَيُجَازِيهِ بِجَهَنَّمَ إنْ لَمْ يَحْلُمْ عَلَيْهِ وَيَغْفِرْ لَهُ أَوْ إنْ
لَمْ يَتُبْ أَوْ يُقْتَصَّ مِنْهُ أَوْ
يُعْفَ عَنْهُ ، وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ ظَاهِرٌ .
أَمَّا الْأَوَّلُ فَهُوَ قَطْعِيُّ الصِّدْقِ ،
وَأَمَّا الثَّلَاثَةُ بَعْدَهُ فَالسُّنَّةُ قَاضِيَةٌ بِهَا ، وَلَيْسَ فِي
تَقْرِيرِ الْأَوَّلِ مَا يُخْرِجُ الْآيَةَ عَنْ الْوَعِيدِ ، إذْ لَوْ قَالَ
السَّيِّدُ لِعَبْدِهِ لَا عَاقَبْتُك عَلَى كَذَا إلَّا إنْ حَلَمْت عَلَيْك أَوْ
فَعَلْت مَا يُكَفِّرُ إثْمَك أَوْ يَشْفَعُ فِيك كَانَ وَعِيدًا ، ثُمَّ
الْخَلْفُ فِي الْآيَةِ إنَّمَا هُوَ مِنْ حَيْثُ إنَّ تِلْكَ التَّقْدِيرَاتِ
لَيْسَتْ فِيهَا لَفْظًا وَإِنْ كَانَتْ مُضْمَرَةً فَهُوَ خَلْفٌ بِاعْتِبَارِ الظَّاهِرِ
، وَفِي الْحَقِيقَةِ لَا خَلْفَ فَاسْتَفِدْ ذَلِكَ لِتَعْلَمَ بِهِ الْجَوَابَ
عَمَّا شَنَّعَ بِهِ الْإِمَامُ الرَّازِيّ عَلَى قَائِلِي تِلْكَ الْمَقَالَةِ
وَمَا أَلْزَمَهُمْ بِهِ مِمَّا لَمْ يَقُولُوهُ وَلَا خَطَرَ بِبَالِهِمْ إلَّا
غَايَةُ التَّنْزِيهِ عَنْهُ .
ثُمَّ رَأَيْت الْقَفَّالَ حَكَى فِي تَفْسِيرِهِ
وَجْهًا آخَرَ فِي الْجَوَابِ غَيْرَ مَا ذَكَرْته كَمَا يُعْرَفُ بِالتَّأَمُّلِ
فَقَالَ : الْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ جَزَاءَ الْقَتْلِ هُوَ مَا ذُكِرَ لَكِنْ
لَيْسَ فِيهَا أَنَّهُ - تَعَالَى - يُوصِلُ هَذَا الْجَزَاءَ إلَيْهِ أَمْ لَا ؟ وَقَدْ
يَقُولُ الرَّجُلُ لِعَبْدِهِ جَزَاؤُك أَنْ أَفْعَلَ بِك كَذَا إلَّا أَنِّي لَمْ
أَفْعَلْهُ .
وَضَعُفَ أَيْضًا بِأَنَّهُ ثَبَتَ بِهَذِهِ الْآيَةِ
أَنَّ جَزَاءَ الْقَتْلِ الْعَمْدِ هُوَ مَا ذُكِرَ وَثَبَتَ بِسَائِرِ الْآيَاتِ
أَنَّهُ - تَعَالَى - يُوصِلُ الْجَزَاءَ إلَى الْمُسْتَحِقِّينَ .
قَالَ - تَعَالَى - : { مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ
بِهِ } وَقَالَ : { وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ } وَيَرُدُّ
بِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ - قَوْله تَعَالَى - : { يُجْزَ بِهِ } وَقَوْلُهُ : {
يَرَهُ } مَا لَمْ يَقَعْ عَفْوٌ بِدَلِيلِ { وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ
يَشَاءُ } فَجَزَاءُ الشَّرْطِ فِي
" يُجْزَ " وَ " يَرَهُ "
الْمُرَادُ بِهِ أَنَّ هَذَا مُتَرَتِّبٌ عَلَى شَرْطِهِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ
التَّرَتُّبِ الْوُقُوعُ ، وَكَذَا فِي الْآيَةِ الْمُرَادُ فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ
خَالِدًا فِيهَا مُتَرَتِّبًا عَلَى الْقَتْلِ الْعَمْدِ ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ
التَّرَتُّبِ الْوُقُوعُ أَلَا تَرَى أَنَّك لَوْ قُلْت
: إنْ جِئْتنِي أَكْرَمْتُك لَمْ تَكُنْ مَرِيدًا بِهِ إلَّا أَنَّ الْإِكْرَامَ
مُتَرَتِّبٌ عَلَى الْمَجِيءِ فَإِذَا حَصَلَ الْمَجِيءُ فَقَدْ يَقَعُ
الْإِكْرَامُ وَقَدْ لَا ، وَهَذَا لِكَوْنِهِ قَرِيبًا مِمَّا أَجَبْت بِهِ
أَيْضًا أَوَّلًا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ جَوَابًا عَنْ مَقَالَةِ الْوَاحِدِيِّ
وَغَيْرِهِ السَّابِقَةِ ، وَيَكُونُ مَعْنَى الْخَلْفِ أَنَّ ذَلِكَ التَّرْتِيبَ
الَّذِي دَلَّتْ عَلَيْهِ الْآيَةُ قَدْ يَحْصُلُ إنْ لَمْ يَقَعْ عَفْوٌ وَنَحْوُهُ
، وَقَدْ لَا إنْ وَقَعَ ذَلِكَ فَلَمْ يَكُنْ فِي الْخَلْفِ بِهَذَا الْمَعْنَى
خَلْفٌ فِي الْخَبَرِ ، وَلَا يُوهِمُ دُخُولَ الْخَلْفِ فِي خَبَرِ اللَّهِ -
تَعَالَى - .
ثُمَّ رَأَيْت الْفَخْرَ الرَّازِيَّ أَجَابَ بِمَا
يَرْجِعُ لِمَا ذَكَرْته أَوَّلًا وَهُوَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ مَخْصُوصَةٌ فِي
مَوْضِعَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنْ يَكُونَ الْقَتْلُ الْعَمْدُ غَيْرَ عُدْوَانٍ
كَالْقِصَاصِ فَإِنَّهُ لَا يَحْصُلُ فِيهِ هَذَا الْوَعِيدُ أَلْبَتَّةَ .
وَالثَّانِي : الْقَتْلُ الْعَمْدُ الْعُدْوَانُ إذَا
تَابَ مِنْهُ لَا يَحْصُلُ فِيهِ هَذَا الْوَعِيدُ وَإِذَا دَخَلَهُ التَّخْصِيصُ
فِي هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ فَيَدْخُلُهُ التَّخْصِيصُ فِيمَا إذَا حَصَلَ
الْعَفْوُ عَنْهُ بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى : { وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ
لِمَنْ يَشَاءُ } .
فَإِنْ قُلْت : مَا ذَكَرُوهُ هُوَ مَحَلُّ النِّزَاعِ
وَهُوَ أَنَّ الْقَاتِلَ هَلْ لَهُ تَوْبَةٌ أَمْ لَا ؟ وَهَلْ يَعْفُو اللَّهُ
عَنْهُ أَمْ لَا ؟ فَكَيْفَ صَحَّ لَهُ الْجَوَابُ بِذَلِكَ ؟ قُلْت : لِأَنَّ
السُّنَّةَ لَمَّا صَرَّحَتْ بِذَلِكَ وَجَبَ حَمْلُ الْآيَةِ عَلَيْهِ وَلَمْ يُلْتَفَتْ
إلَى الْمُخَالِفِينَ فِي ذَلِكَ لِضَعْفِ شُبْهَتِهِمْ وَسَفْسَافِ طَرِيقَتِهِمْ .
وَأَخْرَجَ الشَّيْخَانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
{ اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ - أَيْ الْمُهْلِكَاتِ - قِيلَ يَا رَسُولَ
اللَّهِ وَمَا هُنَّ ؟ قَالَ : الْإِشْرَاكُ بِاَللَّهِ ، وَالسِّحْرُ ، وَقَتْلُ النَّفْسِ
الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إلَّا بِالْحَقِّ ، وَأَكْلُ الرِّبَا ،
وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ ، وَالتَّوَلِّي يَوْمَ
الزَّحْفِ ، وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ } .
وَأَخْرَجَا أَيْضًا عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
قَالَ : { ذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْكَبَائِرَ
فَقَالَ : الشِّرْكُ بِاَللَّهِ وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ وَقَتْلُ النَّفْسِ } .
الْحَدِيثَ
.
وَأَخْرَجَا أَيْضًا عَنْ { ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : سَأَلْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أَيُّ الذَّنْبِ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ - تَعَالَى - ؟ قَالَ : أَنْ
تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا وَهُوَ خَلَقَك قُلْت : إنَّ ذَلِكَ لَعَظِيمٌ ثُمَّ أَيُّ
؟ قَالَ : أَنْ تَقْتُلَ وَلَدَك مَخَافَةَ أَنْ يَطْعَمَ مَعَك ، قُلْت : ثُمَّ أَيُّ
؟ قَالَ : أَنْ تُزَانِيَ حَلِيلَةَ جَارِك } .
وَالْبُخَارِيُّ : { الْكَبَائِرُ الْإِشْرَاكُ
بِاَللَّهِ وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ وَقَتْلُ النَّفْسِ وَالْيَمِينُ الْغَمُوسُ } .
وَأَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمَا : { أَنَّهُ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ الْكَبَائِرِ ، قَالَ :
الْإِشْرَاكُ بِاَللَّهِ وَقَتْلُ النَّفْسِ الْمُسْلِمَةِ وَالْفِرَارُ يَوْمَ
الزَّحْفِ } .
وَالْبَزَّارُ بِسَنَدٍ فِيهِ مُخْتَلَفٌ فِي
تَوْثِيقِهِ : { الْكَبَائِرُ أَوَّلُهُنَّ الْإِشْرَاكُ بِاَللَّهِ وَقَتْلُ
النَّفْسِ بِغَيْرِ حَقٍّ وَأَكْلُ الرِّبَا } الْحَدِيثَ .
وَالطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ فِيهِ ابْنُ لَهِيعَةَ : {
اجْتَنِبُوا الْكَبَائِرَ السَّبْعَ : الشِّرْكَ بِاَللَّهِ وَقَتْلَ النَّفْسِ
وَالْفِرَارَ مِنْ الزَّحْفِ } الْحَدِيثَ .
وَالطَّبَرَانِيُّ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ { أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَذْكُرُ الْكَبَائِرَ
: عُقُوقَ الْوَالِدَيْنِ وَالشِّرْكَ بِاَللَّهِ
وَقَتْلَ النَّفْسِ وَقَذْفَ الْمُحْصَنَاتِ } الْحَدِيثَ .
وَالطَّبَرَانِيُّ : { الْكَبَائِرُ سَبْعٌ : الْإِشْرَاكُ
وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إلَّا بِالْحَقِّ وَقَذْفُ
الْمُحْصَنَةِ } الْحَدِيثَ .
وَفِي كِتَابِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى
أَهْلِ الْيَمَنِ : { وَإِنَّ أَكْبَرَ الْكَبَائِرِ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ الْإِشْرَاكُ بِاَللَّهِ وَقَتْلُ
النَّفْسِ الْمُؤْمِنَةِ بِغَيْرِ الْحَقِّ } الْحَدِيثَ وَقَدْ تَقَدَّمَ .
وَالْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ : { لَنْ يَزَالَ الْمُؤْمِنُ
فِي فُسْحَةٍ مِنْ دِينِهِ مَا لَمْ يُصِبْ دَمًا حَرَامًا } .
قَالَ ابْنُ عُمَرَ رَاوِيهِ : مِنْ وَرْطَاتِ
الْأُمُورِ الَّتِي لَا مَخْرَجَ لِمَنْ أَوْقَعَ نَفْسَهُ فِيهَا سَفْكُ الدَّمِ
الْحَرَامِ بِغَيْرِ حِلِّهِ وَهِيَ جَمْعُ وَرْطَةٍ بِسُكُونِ الرَّاءِ :
الْهَلَكَةُ وَكُلُّ أَمْرٍ يَعْسُرُ النَّجَاةُ مِنْهُ .
وَابْنُ حِبَّانَ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ : { لَزَوَالُ
الدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلَى اللَّهِ مِنْ قَتْلِ مُؤْمِنٍ بِغَيْرِ حَقٍّ } .
زَادَ الْبَيْهَقِيُّ وَالْأَصْبَهَانِيّ : { وَلَوْ
أَنَّ أَهْلَ سَمَوَاتِهِ وَأَهْلَ أَرْضِهِ اشْتَرَكُوا فِي دَمِ مُؤْمِنٍ
لَأَدْخَلَهُمْ النَّارَ } .
وَالْبَيْهَقِيُّ : { لَزَوَالُ الدُّنْيَا جَمِيعًا
أَهْوَنُ عَلَى اللَّهِ مِنْ دَمٍ سُفِكَ بِغَيْرِ حَقٍّ } .
وَمُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ : { لَزَوَالُ الدُّنْيَا
أَهْوَنُ عَلَى اللَّهِ مِنْ قَتْلِ رَجُلٍ مُسْلِمٍ } .
وَالنَّسَائِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ : { قَتْلُ مُؤْمِنٍ
أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ زَوَالِ الدُّنْيَا } .
وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : { رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يَطُوفُ بِالْكَعْبَةِ وَيَقُولُ : مَا أَطْيَبَك وَمَا أَطْيَبَ رِيحَك ، مَا أَعْظَمَك
وَمَا أَعْظَمَ حُرْمَتَك ، وَاَلَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَحُرْمَةُ
الْمُؤْمِنِ عِنْدَ اللَّهِ أَعْظَمُ مِنْ حُرْمَتِك مَالِهِ وَدَمِهِ } .
وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ غَرِيبٌ : { لَوْ أَنَّ
أَهْلَ السَّمَاءِ وَأَهْلَ الْأَرْضِ اشْتَرَكُوا فِي دَمِ مُؤْمِنٍ
لَأَكَبَّهُمُ اللَّهُ فِي النَّارِ
} .
وَالْبَيْهَقِيُّ : { قُتِلَ بِالْمَدِينَةِ قَتِيلٌ
عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُعْلَمْ
مَنْ قَتَلَهُ ، فَصَعِدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
الْمِنْبَرَ فَقَالَ : أَيُّهَا النَّاسُ يُقْتَلُ قَتِيلٌ وَأَنَا فِيكُمْ وَلَا
يُعْلَمُ مَنْ قَتَلَهُ ، لَوْ اجْتَمَعَ أَهْلُ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ عَلَى
قَتْلِ امْرِئٍ مُؤْمِنٍ
لَعَذَّبَهُمْ اللَّهُ إلَّا أَنْ يَفْعَلَ مَا يَشَاءُ } .
وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ بِلَفْظِ : { لَوْ أَنَّ
أَهْلَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ اجْتَمَعُوا عَلَى قَتْلِ مُسْلِمٍ لَكَبَّهُمْ
اللَّهُ جَمِيعًا عَلَى وُجُوهِهِمْ فِي النَّارِ } .
وَابْنُ مَاجَهْ وَالْأَصْبَهَانِيّ : { مَنْ أَعَانَ
عَلَى قَتْلِ مُؤْمِنٍ وَلَوْ شَطْرَ كَلِمَةٍ لَقِيَ اللَّهَ مَكْتُوبٌ بَيْنَ
عَيْنَيْهِ آيِسٌ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ } .
زَادَ الْأَصْبَهَانِيُّ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ
هُوَ أَنْ يَقُولَ : اُقْ ، يَعْنِي لَا يُتِمُّ كَلِمَةَ اُقْتُلْ .
وَالْبَيْهَقِيُّ : { مَنْ أَعَانَ عَلَى دَمِ امْرِئٍ
مُسْلِمٍ وَلَوْ بِشَطْرِ كَلِمَةٍ كُتِبَ بَيْنَ عَيْنَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
آيِسٌ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ }
.
وَالطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ رُوَاتُهُ ثِقَاتٌ : { مَنْ
اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ لَا يَحُولَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجَنَّةِ مِلْءُ كَفٍّ مِنْ
دَمِ امْرِئٍ مُسْلِمٍ أَنْ يُهْرِيقَهُ كَمَا يَذْبَحُ دَجَاجَةً كُلَّمَا
تَعَرَّضَ لِبَابٍ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ حَالَ اللَّهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ ،
وَمَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ لَا يَجْعَلَ فِي بَطْنِهِ إلَّا طَيِّبًا
فَإِنَّ أَوَّلَ مَا يُنْتِنُ مِنْ الْإِنْسَانِ بَطْنُهُ } .
وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مَرْفُوعًا هَكَذَا
وَمَوْقُوفًا ، وَقَالَ الصَّحِيحُ وَقْفُهُ أَيْ وَمَعَ ذَلِكَ لَهُ حُكْمُ الْمَرْفُوعِ
إذْ مِثْلُهُ لَا يُقَالُ مِنْ قِبَلِ الرَّأْيِ .
وَالشَّيْخَانِ : { لَا تُقْتَلُ نَفْسٌ ظُلْمًا إلَّا
كَانَ عَلَى ابْنِ آدَمَ الْأَوَّلِ كِفْلٌ مِنْ دَمِهَا لِأَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ
سَنَّ الْقَتْلَ } .
وَالشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا : { أَوَّلُ مَا يُقْضَى
بَيْنَ النَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي الدِّمَاءِ } .
وَالنَّسَائِيُّ : { أَوَّلُ مَا يُحَاسَبُ عَلَيْهِ
الْعَبْدُ الصَّلَاةُ وَأَوَّلُ مَا يُقْضَى بَيْنَ النَّاسِ فِي الدِّمَاءِ } ،
وَلَا يُنَافِي مَا قَبْلَهُ لِأَنَّ أَوَّلَ مَا يُحَاسَبُ الْإِنْسَانُ عَلَيْهِ
مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ الصَّلَاةُ لِأَنَّهَا آكَدُ حُقُوقِهِ ، وَأَوَّلَ مَا
يُحَاسَبُ عَلَيْهِ مِنْ حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ الْقَتْلُ لِأَنَّهُ أَشَدُّ حُقُوقِهِمْ .
وَالنَّسَائِيُّ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ : { كُلُّ
ذَنْبٍ عَسَى
اللَّهُ أَنْ يَغْفِرَهُ إلَّا الرَّجُلَ يَمُوتُ
كَافِرًا أَوْ الرَّجُلَ يَقْتُلُ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا } .
وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَالطَّبَرَانِيُّ
بِسَنَدٍ رُوَاتُهُ رُوَاةُ الصَّحِيحِ
: { أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا
سَأَلَهُ سَائِلٌ فَقَالَ : يَا ابْنَ عَبَّاسٍ هَلْ لِلْقَاتِلِ مِنْ تَوْبَةٍ ؟ فَقَالَ
ابْنُ عَبَّاسٍ كَالْمُتَعَجِّبِ مِنْ شَأْنِهِ : مَاذَا تَقُولُ ؟ فَأَعَادَ عَلَيْهِ
مَسْأَلَتَهُ فَقَالَ : مَاذَا تَقُولُ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا ؟ قَالَ ابْنُ
عَبَّاسٍ : سَمِعْت نَبِيَّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ :
يَأْتِي الْمَقْتُولُ مُعَلَّقًا رَأْسُهُ بِإِحْدَى يَدَيْهِ مُتَلَبِّبًا
قَاتِلَهُ بِالْيَدِ الْأُخْرَى تَشْخَبُ أَوْدَاجُهُ دَمًا حَتَّى يَأْتِيَ بِهِ
الْعَرْشَ فَيَقُولُ الْمَقْتُولُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ : هَذَا قَتَلَنِي
فَيَقُولُ اللَّهُ لِلْقَاتِلِ
: تَعِسْت وَيُذْهَبُ بِهِ إلَى النَّارِ } .
وَالطَّبَرَانِيُّ : { يَجِيءُ الْمَقْتُولُ آخِذًا
قَاتِلَهُ وَأَوْدَاجُهُ تَشْخَبُ دَمًا عِنْدَ ذِي الْعِزَّةِ فَيَقُولُ : يَا
رَبِّ سَلْ هَذَا فِيمَ قَتَلَنِي فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : فِيمَ
قَتَلْته ؟ قَالَ قَتَلْته لِتَكُونَ الْعِزَّةُ لِفُلَانٍ ، قِيلَ هِيَ لِلَّهِ } .
وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ : { إذَا أَصْبَحَ
إبْلِيسُ بَثَّ جُنُودَهُ فَيَقُولُ : مَنْ خَذَلَ الْيَوْمَ مُسْلِمًا أُلْبِسُهُ
التَّاجَ قَالَ فَيَجِيءُ هَذَا فَيَقُولُ لَمْ أَزَلِ بِهِ حَتَّى طَلَّقَ
امْرَأَتَهُ فَيَقُولُ يُوشِكُ أَنْ يَتَزَوَّجَ ؛ وَيَجِيءُ هَذَا فَيَقُولُ لَمْ
أَزَلِ بِهِ حَتَّى عَقَّ وَالِدَيْهِ ، فَيَقُولُ يُوشِكُ أَنْ يَبَرَّهُمَا ؛
وَيَجِيءُ هَذَا فَيَقُولُ لَمْ أَزَلِ بِهِ حَتَّى أَشْرَكَ فَيَقُولُ أَنْتَ
أَنْتَ ؛ وَيَجِيءُ هَذَا فَيَقُولُ لَمْ أَزَلِ بِهِ حَتَّى قَتَلَ نَفْسًا
فَيَقُولُ أَنْتَ أَنْتَ وَيُلْبِسُهُ التَّاجَ } .
وَأَبُو دَاوُد : { مَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا فَاغْتَبَطَ بِقَتْلِهِ
لَمْ يَقْبَلْ اللَّهُ مِنْهُ صَرْفًا وَلَا عَدْلًا } ، أَيْ فَرْضًا وَلَا
نَفْلًا ، وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ ، ثُمَّ نُقِلَ عَنْ الْغَسَّانِيِّ أَنَّ
مَعْنَى اغْتَبَطَ بِقَتْلِهِ أَنْ يَقْتُلَهُ فِي الْفِتْنَةِ ظَانًّا أَنَّهُ
عَلَى هُدًى فَلَا يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ .
وَأَحْمَدُ :
{ يَخْرُجُ عُنُقٌ مِنْ النَّارِ يَتَكَلَّمُ يَقُولُ
وُكِّلْت الْيَوْمَ بِثَلَاثَةٍ : بِكُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ ، وَمَنْ جَعَلَ مَعَ اللَّهِ
إلَهًا آخَرَ ، وَمَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ حَقٍّ فَيَنْطَوِي عَلَيْهِمْ
فَيَقْذِفُهُمْ فِي جَمْرِ جَهَنَّمَ
} .
وَالْبَزَّارُ وَالطَّبَرَانِيُّ بِإِسْنَادَيْنِ
أَحَدُهُمَا صَحِيحٌ : { يَخْرُجُ عُنُقٌ مِنْ النَّارِ يَتَكَلَّمُ بِلِسَانٍ
طَلْقٍ ذَلْقٍ لَهُ عَيْنَانِ يُبْصِرُ بِهِمَا وَلِسَانٌ يَتَكَلَّمُ بِهِ
فَيَقُولُ إنِّي أُمِرْت بِمَنْ جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إلَهًا آخَرَ وَبِكُلِّ
جَبَّارٍ عَنِيدٍ وَبِمَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ حَقٍّ ، فَيَنْطَلِقُ بِهِمْ
قَبْلَ سَائِرِ النَّاسِ بِخَمْسِمِائَةِ عَامٍ } .
وَالْبُخَارِيُّ وَاللَّفْظُ لَهُ : { مَنْ قَتَلَ
مُعَاهَدًا لَمْ يَرَحْ } - أَيْ بِفَتْحِ الرَّاءِ لَمْ يَجِدْ وَلَمْ يَشُمَّ -
{ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ - وَإِنَّ رِيحَهَا يُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا }
، وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ بِلَفْظِ : { مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا مِنْ أَهْلِ
الذِّمَّةِ } .
وَأَبُو دَاوُد : { مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا فِي غَيْرِ
كُنْهِهِ أَيْ وَقْتِهِ الَّذِي يَجُوزُ قَتْلُهُ فِيهِ حِينَ لَا عَهْدَ حَرَّمَ اللَّهُ
عَلَيْهِ الْجَنَّةَ } .
زَادَ النَّسَائِيُّ { أَنْ يَشُمَّ رِيحَهَا } .
وَالنَّسَائِيُّ : { مَنْ قَتَلَ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ
الذِّمَّةِ لَمْ يَجِدْ رِيحَ الْجَنَّةِ وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ
مَسِيرَةِ سَبْعِينَ عَامًا } .
وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ : { مَنْ قَتَلَ نَفْسًا
مُعَاهَدَةً بِغَيْرِ حَقِّهَا لَمْ يَرَحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ وَإِنَّ رِيحَ
الْجَنَّةِ لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ خَمْسِمِائَةِ عَامٍ } ، وَيُجْمَعُ بَيْنَ أَرْبَعِينَ
وَسَبْعِينَ وَخَمْسِمِائَةِ أَلْفٍ فِي رِوَايَةٍ مَرَّتْ بِاخْتِلَافِ وُجْدَانِ
رِيحِهَا بِاخْتِلَافِ النَّاسِ وَمَرَاتِبِهِمْ .
وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ : { أَلَا مَنْ قَتَلَ نَفْسًا
مُعَاهَدَةً لَهَا ذِمَّةُ اللَّهِ وَذِمَّةُ رَسُولِهِ فَقَدْ أَخْفَرَ ذِمَّةَ
اللَّهِ وَلَا يَرَحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ
مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ خَرِيفًا } فَإِذَا كَانَ هَذَا فِي
قَتْلِ مُعَاهَدٍ وَهُوَ الْكَافِرُ الْمُؤَمَّنُ إلَى
مُدَّةٍ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فَمَا ظَنُّك بِقَاتِلِ الْمُسْلِمِ ؟ .
تَنْبِيهٌ :
عَدُّ هَذَا هُوَ مَا صَرَّحَتْ بِهِ الْأَحَادِيثُ
الصَّحِيحَةُ كَمَا عَلِمْت ، وَمِنْ ثَمَّ أَجْمَعُوا عَلَيْهِ فِي الْقَتْلِ
الْعَمْدِ .
وَاخْتَلَفُوا فِي أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ بَعْدَ
الشِّرْكِ ، وَالصَّحِيحُ الْمَنْصُوصُ أَنَّ أَكْبَرَهَا بَعْدَ الشِّرْكِ
الْقَتْلُ .
وَقِيلَ الزِّنَا .
وَمَا ذَكَرْته مِنْ عَدِّ شِبْهِ الْعَمْدِ هُوَ مَا
صَرَّحَ بِهِ الْهَرَوِيُّ وَشُرَيْحٌ الرُّويَانِيُّ ، وَعِبَارَةُ الْأَوَّلِ
وَتَبِعَهُ الثَّانِي : وَحَدُّ الْكَبِيرَةِ أَرْبَعَةُ أَشْيَاءَ : أَحَدُهَا مَا
يُوجِبُ حَدًّا أَوْ قَتْلًا أَوْ قُدْرَةً مِنْ الْفِعْلِ وَالْعُقُوبَةُ سَاقِطَةٌ
لِلشُّبْهَةِ وَهُوَ عَامِدٌ .
ثُمَّ قَالَ الْجَلَالُ الْبُلْقِينِيُّ : قَوْلُهُ أَوْ
قَتْلًا يَعْنِي قَتْلَ الْقِصَاصِ فَإِنَّهُ لَا يُسَمَّى حَدًّا إلَّا قَتْلَ
قَاطِعِ الطَّرِيقِ فَإِنَّ فِي الْمُغَلَّبِ فِيهِ خِلَافًا ، هَلْ هُوَ مَعْنَى
الْقِصَاصِ أَوْ مَعْنَى الْحَدِّ ، وَيَخْتَلِفُ الْحُكْمُ بِحَسْبِ مَا يُقَوِّي
النَّظَرَ فِيهِ ، وَقَوْلُهُ أَوْ قُدْرَةً إلَخْ يُشِيرُ بِهِ إلَى أَنَّ شِبْهَ
الْعَمْدِ يَدْخُلُ الْفِعْلُ فِيهِ بِحَسَبِ اسْمِ الْكَبِيرَةِ لِقُدْرَتِهِ
عَلَى الْفِعْلِ بِخِلَافِ الْخَطَأِ فَإِنَّهُ لَمْ يَفْعَلْهُ بِاخْتِيَارِهِ .
وَكَذَلِكَ مَا سَقَطَ الْقِصَاصُ فِيهِ لِلشُّبْهَةِ
كَبِيرَةٌ ، وَإِنَّمَا سَقَطَ الْقِصَاصُ لِمَانِعٍ .
وَقَدْ قَالَ الْهَرَوِيُّ قَبْلَ ذَلِكَ : يُشْتَرَطُ
فِي الْعَدْلِ أَنْ لَا يَقْتَرِفَ الْكَبَائِرَ الْمُوجِبَاتِ لِلْحُدُودِ مِثْلَ
السَّرِقَةِ وَالزِّنَا وَقَطْعِ الطَّرِيقِ أَوْ قُدْرَةً مِنْ الْفِعْلِ وَإِنْ
لَمْ يَجِبْ الْحَدُّ فِيهَا لِشُبْهَةٍ أَوْ عَدَمِ حِرْزٍ وَالْقَتْلَ عَمْدًا مِنْ
غَيْرِ حَقٍّ أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ
.
وَقَدْ أَشَارَ الرَّافِعِيُّ إلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ :
يُوجِبُ جِنْسُهَا حَدًّا مِنْ قَتْلٍ أَوْ غَيْرِهِ .
قَالَ الْخَطَّابِيُّ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ : { إذَا الْتَقَى الْمُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا فَالْقَاتِلُ
وَالْمَقْتُولُ فِي النَّارِ ، قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ
هَذَا الْقَاتِلُ فَمَا بَالُ الْمَقْتُولِ ؟ قَالَ :
إنَّهُ كَانَ حَرِيصًا عَلَى قَتْلِ صَاحِبِهِ } : هَذَا إنَّمَا يَكُونُ كَذَلِكَ
إذَا لَمْ يَتَقَاتَلَا بِتَأْوِيلٍ بَلْ بِعَدَاوَةٍ أَوْ عُصْبَةٍ أَوْ طَلَبِ
دُنْيَا أَوْ نَحْوِهَا ؛ فَأَمَّا مَنْ قَاتَلَ أَهْلَ الْبَغْيِ بِالصِّفَةِ
الَّتِي يَجِبُ قِتَالُهُمْ عَلَيْهَا فَقَتَلَ أَوْ دَفَعَ عَنْ نَفْسِهِ
وَحَرِيمِهِ فَإِنَّهُ لَا يَدْخُلُ فِي هَذَا الْوَعِيدِ ؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ
بِالْقِتَالِ لِلذَّبِّ عَنْ نَفْسِهِ غَيْرُ قَاصِدٍ بِهِ قَتْلَ صَاحِبِهِ ،
أَلَا تَرَاهُ يَقُولُ : { إنَّهُ كَانَ حَرِيصًا عَلَى قَتْلِ صَاحِبِهِ } .
وَمَنْ قَاتَلَ بَاغِيًا أَوْ قَاطِعَ طَرِيقٍ مِنْ
الْمُسْلِمِينَ فَإِنَّهُ لَا يَحْرِصُ عَلَى قَتْلِهِ إنَّمَا يَدْفَعُهُ عَنْ
نَفْسِهِ فَإِنْ انْتَهَى صَاحِبُهُ كَفَّ عَنْهُ وَلَمْ يَتْبَعْهُ ،
فَالْحَدِيثُ لَمْ يَرِدْ فِي أَهْلِ هَذِهِ الصِّفَةِ فَلَا يَدْخُلُونَ فِيهِ
بِخِلَافِ مَنْ كَانَ عَلَى غَيْرِ هَذِهِ الصِّفَةِ فَإِنَّهُمْ الْمُرَادُونَ مِنْهُ .
( الْكَبِيرَةُ الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ بَعْدَ الثَّلَاثِمِائَةِ
: قَتْلُ الْإِنْسَانِ لِنَفْسِهِ ) قَالَ - تَعَالَى - : { وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ
إنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا
فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا } أَيْ لَا
يَقْتُلُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا وَإِنَّمَا قَالَ أَنْفُسَكُمْ لِقَوْلِهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { الْمُؤْمِنُونَ كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ } ؛ وَلِأَنَّ
الْعَرَبَ يَقُولُونَ : قُتِلْنَا وَرَبِّ الْكَعْبَةِ إذَا قُتِلَ بَعْضُهُمْ ؛ لِأَنَّ
قَتْلَ بَعْضِهِمْ يَجْرِي مَجْرَى قَتْلِهِمْ ؛ أَوْ الْمُرَادُ النَّهْيُ عَنْ
قَتْلِ الْإِنْسَانِ لِنَفْسِهِ حَقِيقَةً وَهُوَ الظَّاهِرُ وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ
هُوَ الْمَنْقُولَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَالْأَكْثَرِينَ ، ثُمَّ رَأَيْت مَا
يُصَرِّحُ بِالثَّانِي وَهُوَ أَنَّ {
عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ احْتَلَمَ
فِي غَزْوَةِ ذَاتِ السَّلَاسِلِ فَخَافَ الْهَلَاكَ مِنْ الْبَرْدِ إنْ اغْتَسَلَ
فَتَيَمَّمَ وَصَلَّى بِأَصْحَابِهِ الصُّبْحَ ثُمَّ ذَكَرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُ : صَلَّيْت بِأَصْحَابِك وَأَنْتَ
جُنُبٌ فَأَخْبَرَهُ بِعُذْرِهِ ثُمَّ اسْتَدَلَّ وَقَالَ : إنِّي سَمِعْت اللَّهَ
يَقُول : { وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا }
فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَقُلْ
شَيْئًا } ، فَدَلَّ هَذَا الْحَدِيثُ عَلَى أَنَّ عَمْرًا تَأَوَّلَ فِي هَذِهِ
الْآيَةِ قَتْلَ نَفْسِهِ لَا نَفْسِ غَيْرِهِ وَلَمْ يُنْكِرْهُ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
قِيلَ : الْمُؤْمِنُ مَعَ إيمَانِهِ لَا يَجُوزُ أَنْ يُنْهَى
عَنْ قَتْلِ نَفْسِهِ لِأَنَّهُ مَلْجَأٌ إلَى أَنْ لَا يَقْتُلَهَا لِوُجُودِ
الصَّارِفِ وَهُوَ شِدَّةُ الْأَلَمِ وَعِظَمُ الذَّمِّ ، فَحِينَئِذٍ لَا
فَائِدَةَ لِلنَّهْيِ عَنْهُ .
وَإِنَّمَا يَكُونُ هَذَا النَّهْيُ فِيمَنْ يَعْتَقِدُ
فِي قَتْلِ نَفْسِهِ مَا يَعْتَقِدُهُ أَهْلُ الْهِنْدِ وَذَلِكَ لَا يَتَأَتَّى
فِي الْمُؤْمِنِ ، وَجَوَابُهُ مَنْعُ مَا ذُكِرَ مِنْ الْإِلْجَاءِ بَلْ
الْمُؤْمِنُ مَعَ إيمَانِهِ وَعِلْمِهِ
بِقُبْحِ ذَلِكَ وَعِظَمِ أَلَمِهِ قَدْ يَلْحَقُهُ مِنْ
الْغَمِّ وَالْأَذِيَّةِ مَا يُسَهِّلُ قَتْلَهُ نَفْسَهُ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ ،
وَلِذَلِكَ تَرَى كَثِيرًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ يَقْتُلُونَ نُفُوسَهُمْ .
أَوْ الْمُرَادُ لَا تَفْعَلُوا مَا يُوجِبُ الْقَتْلَ
كَالزِّنَا بَعْدَ الْإِحْصَانِ وَالرِّدَّةِ ، ثُمَّ بَيَّنَ - تَعَالَى -
أَنَّهُ رَحِيمٌ بِهَذِهِ الْأُمَّةِ وَلِأَجْلِ رَحْمَتِهِ نَهَاهُمْ عَنْ كُلِّ
مَا يَلْحَقُهُمْ بِهِ مَشَقَّةٌ أَوْ مِحْنَةٌ وَلَمْ يُكَلِّفْهُمْ
بِالتَّكَالِيفِ وَالْآصَارِ الَّتِي كَلَّفَ بِهَا مَنْ قَبْلَهُمْ ، فَلَمْ
يَأْمُرْهُمْ بِقَتْلِهِمْ نُفُوسَهُمْ إنْ عَصَوْهُ تَوْبَةً لَهُمْ كَمَا فَعَلَ
بِبَنِي إسْرَائِيلَ حَيْثُ أَمَرَهُمْ بِقَتْلِ نُفُوسِهِمْ فِي التَّوْبَةِ
بِقَوْلِهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { فَتُوبُوا إلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا
أَنْفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئُكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ
إنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ } فَفَعَلُوا ذَلِكَ حَتَّى قُتِلَ مِنْهُمْ
فِي سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ نَحْوُ سَبْعِينَ أَلْفًا .
وَالْإِشَارَةُ فِي " وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ "
إلَى قَتْلِ النَّفْسِ فَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ هَذَا الْوَعِيدُ الشَّدِيدُ ،
وَقِيلَ : يَعُودُ إلَى أَكْلِ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ أَيْضًا لِذِكْرِهِمَا فِي
آيَةٍ وَاحِدَةٍ .
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : يَعُودُ إلَى كُلِّ مَا نَهَى
اللَّهُ عَنْهُ مِنْ أَوَّلِ السُّورَةِ إلَى هَذَا الْمَوْضِعِ .
وَقَالَ الطَّبَرَانِيُّ : يَعُودُ إلَى كُلِّ مَا نَهَى
اللَّهُ عَنْهُ مِنْ أَوَّلِ السُّورَةِ ؛ لِأَنَّ كُلَّ كَلِمَةٍ قُرِنَ بِهَا
وَعِيدٌ ، بَلْ مِنْ قَوْلِهِ : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ
لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا } إلَى هُنَا ؛ لِأَنَّهُ لَا وَعِيدَ بَعْدَهُ
إلَّا هَذَا ، وَقُيِّدَ الْوَعِيدُ بِذِكْرِ الْعُدْوَانِ وَالظُّلْمِ ؛
لِيَخْرُجَ مِنْهُ فِعْلُ السَّهْوِ وَالْغَلَطِ ، وَالْجَهْلُ الْمَعْذُورُ بِهِ
مَعَ تَقَارُبِ مَعْنَاهُمَا لِاخْتِلَافِ لَفْظِهِمَا كَبُعْدًا وَسُحْقًا ،
وَكَقَوْلِ يَعْقُوبَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِ وَعَلَى
بَنِيهِ وَآبَائِهِ وَسَلَّمَ -
( : { إنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إلَى اللَّهِ }
) وَكَقَوْلِ الشَّاعِرِ : وَأَلْفَى قَوْلَهَا كَذِبًا
وَمَيْنَا وَالْعُدْوَانُ بِالضَّمِّ وَقُرِئَ بِالْكَسْرِ : مُجَاوَزَةُ الْحَدِّ .
وَالظُّلْمُ : وَضْعُ الشَّيْءِ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ .
وَنُصْلِيهِ نَارًا : نُدْخِلُهُ إيَّاهَا وَنَمَسُّهُ
حَرَّهَا .
وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ بِضَمِّ أَوَّلِهِ مِنْ أُصْلِي ،
وَقُرِئَ بِفَتْحِهَا مِنْ صَلِيته وَبِالنُّونِ لِلتَّعْظِيمِ ، وَقُرِئَ
بِالْيَاءِ أَيْ اللَّهُ ، وَتَنْكِيرُ نَارًا لِلتَّعْظِيمِ ، وَيَسِيرًا أَيْ
هَيِّنًا .
وَأَخْرَجَ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { مَنْ تَرَدَّى مِنْ جَبَلٍ فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَهُوَ فِي
نَارِ جَهَنَّمَ يَتَرَدَّى فِيهَا خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا ، وَمَنْ
تَحَسَّى سُمًّا فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَسُمُّهُ فِي يَدِهِ يَتَحَسَّاهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ
خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا ، وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ
فَحَدِيدَتُهُ فِي يَدِهِ يَتَوَجَّأُ بِهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا
مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا } .
وَتَرَدَّى : أَيْ رَمَى نَفْسَهُ مِنْ عَالٍ كَجَبَلٍ
فَهَلَكَ .
وَيَتَوَجَّأُ بِالْهَمْزِ .
أَيْ يَضْرِبُ بِهَا نَفْسَهُ .
وَالْبُخَارِيُّ : { الَّذِي يَخْنُقُ نَفْسَهُ
يَخْنُقُهَا فِي النَّارِ ، وَاَلَّذِي يَطْعَنُ نَفْسَهُ يَطْعَنُهَا فِي
النَّارِ ، وَاَلَّذِي يَقْتَحِمُ يَقْتَحِمُ فِي النَّارِ } .
وَالشَّيْخَانِ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ قَالَ :
حَدَّثَنَا جُنْدُبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ فَمَا نَسِينَا
مِنْهُ حَدِيثًا وَمَا نَخَافُ أَنْ يَكُونَ جُنْدُبٌ كَذَبَ عَلَى رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { كَانَ رَجُلٌ بِهِ جِرَاحٌ
فَقَتَلَ نَفْسَهُ ، فَقَالَ اللَّهُ
: بِدَرَنِي عَبْدِي بِنَفْسِهِ فَحَرَّمْت عَلَيْهِ
الْجَنَّةَ } .
وَفِي رِوَايَةٍ : { كَانَ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ
رَجُلٌ بِهِ جُرْحٌ فَجَزِعَ فَأَخَذَ سِكِّينًا فَحَزَّ بِهَا يَدَهُ فَمَا
رَقَأَ الدَّمُ حَتَّى مَاتَ ، فَقَالَ اللَّهُ - تَعَالَى - : بَادَرَنِي عَبْدِي
بِنَفْسِهِ } .
وَلَفْظُ رِوَايَةِ مُسْلِمٍ قَالَ : { إنَّ رَجُلًا
كَانَ مِمَّنْ قَبْلَكُمْ
خَرَجَتْ بِوَجْهِهِ قُرْحَةٌ ، فَلَمَّا آذَتْهُ انْتَزَعَ
سَهْمًا مِنْ كِنَانَتِهِ - أَيْ بِكَسْرِ أَوَّلِهِ جَعْبَةُ النُّشَّابِ -
فَنَكَأَهَا - بِالْهَمْزِ : أَيْ نَخَسَهَا وَفَجَّرَهَا - فَلَمْ يَرْقَأْ
الدَّمُ - أَيْ يَسْكُنُ - حَتَّى مَاتَ ، قَالَ رَبُّكُمْ : قَدْ حَرَّمَتْ عَلَيْهِ
الْجَنَّةَ } .
وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ { أَنَّ رَجُلًا كَانَتْ
بِهِ جِرَاحَةٌ فَأَتَى قَرَنًا لَهُ - أَيْ بِفَتْحَتَيْنِ جَعْبَةُ النُّشَّابِ
- فَأَخَذَ مِشْقَصًا - أَيْ بِكَسْرٍ فَسُكُونٍ لِلْمُعْجَمَةِ فَفَتْحِ الْقَافِ
سَهْمٌ فِيهِ نَصْلٌ عَرِيضٌ - فَذَبَحَ بِهِ نَفْسَهُ ، فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِ النَّبِيُّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
} .
وَالشَّيْخَانِ : { مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ بِمِلَّةِ
غَيْرِ الْإِسْلَامِ كَاذِبًا مُتَعَمِّدًا فَهُوَ كَمَا قَالَ ، وَمَنْ قَتَلَ
نَفْسَهُ بِشَيْءٍ عُذِّبَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، وَلَيْسَ عَلَى رَجُلٍ
نَذْرٌ فِيمَا لَا يَمْلِكُ ، وَلَعْنُ الْمُؤْمِنِ كَقَتْلِهِ ، وَمَنْ رَمَى
مُؤْمِنًا بِكُفْرٍ فَهُوَ كَقَتْلِهِ ، وَمَنْ ذَبَحَ نَفْسَهُ بِشَيْءٍ عُذِّبَ
بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ } .
وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ : { لَيْسَ عَلَى رَجُلٍ نَذْرٌ
فِيمَا لَا يَمْلِكُ وَلَاعِنُ الْمُؤْمِنِ كَقَاتِلِهِ ، وَمَنْ قَذَفَ مُؤْمِنًا
بِكُفْرٍ فَهُوَ كَقَاتِلِهِ ، وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِشَيْءٍ عَذَّبَهُ اللَّهُ
بِمَا قَتَلَ بِهِ نَفْسَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ } .
وَالشَّيْخَانِ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
الْتَقَى هُوَ وَالْمُشْرِكُونَ فَاقْتَتَلُوا فَلَمَّا مَالَ إلَى عَسْكَرِهِ
وَمَالَ الْآخَرُونَ إلَى عَسْكَرِهِمْ وَفِي أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ لَا يَدَعُ لَهُمْ شَاذَّةً وَلَا فَاذَّةً -
أَيْ وَهُمَا بِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَالْفَاءِ وَتَشْدِيدِ الذَّالِ
الْمُعْجَمَةِ فِيهِمَا مَا انْفَرَدَ عَنْ إلَّا اتَّبَعَهَا يَضْرِبُهَا
بِسَيْفِهِ ، فَقَالُوا : مَا أَجْزَأَ مِنَّا الْيَوْمَ أَحَدٌ كَمَا أَجْزَأَ
فُلَانٌ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَمَا
إنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ }
.
وَفِي رِوَايَةٍ : { فَقَالُوا : أَيُّنَا مِنْ أَهْلِ
الْجَنَّةِ إنْ كَانَ
هَذَا مِنْ أَهْلِ النَّارِ ؟ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ
الْقَوْمِ أَنَا صَاحِبُهُ أَبَدًا ، قَالَ : فَخَرَجَ مَعَهُ كُلَّمَا وَقَفَ
وَقَفَ مَعَهُ وَإِذَا أَسْرَعَ أَسْرَعَ مَعَهُ قَالَ : فَجُرِحَ الرَّجُلُ
جُرْحًا شَدِيدًا فَاسْتَعْجَلَ الْمَوْتَ ؛ فَوَضَعَ سَيْفَهُ بِالْأَرْضِ
وَذُبَابُهُ بَيْنَ ثَدْيَيْهِ ثُمَّ تَحَامَلَ عَلَى سَيْفِهِ فَقَتَلَ نَفْسَهُ
، فَخَرَجَ الرَّجُلُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَقَالَ : أَشْهَدُ أَنَّك رَسُولُ اللَّهِ قَالَ : وَمَا ذَاكَ ؟ قَالَ :
الرَّجُلُ الَّذِي ذَكَرْت آنِفًا أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَأَعْظَمَ
النَّاسُ ذَلِكَ فَقُلْت : أَنَا لَكُمْ بِهِ فَخَرَجْت فِي طَلَبِهِ حَتَّى
جُرِحَ جُرْحًا شَدِيدًا فَاسْتَعْجَلَ الْمَوْتَ فَوَضَعَ نَصْلَ سَيْفِهِ
بِالْأَرْضِ وَذُبَابَهُ بَيْنَ ثَدْيَيْهِ ثُمَّ تَحَامَلَ عَلَيْهِ فَقَتَلَ
نَفْسَهُ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إنَّ
الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ عَمَلَ أَهْلِ الْجَنَّةِ فِيمَا يَبْدُو لِلنَّاسِ وَهُوَ
مِنْ أَهْلِ النَّارِ ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ عَمَلَ أَهْلِ النَّارِ
فِيمَا يَبْدُو لِلنَّاسِ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ } .
تَنْبِيهٌ : عَدُّ ذَلِكَ هُوَ صَرِيحُ الْآيَةِ
وَالْأَحَادِيثِ الَّتِي بَعْدَهَا ، وَهُوَ ظَاهِرٌ لَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ
لَهُ ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَدْخُلُ فِيهِ وَفِيمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنْ
الْوَعِيدِ قَتْلُ الْمُهْدَرِ لِنَفْسِهِ : كَالزَّانِي الْمُحْصَنِ وَقَاطِعِ
الطَّرِيقِ الْمُتَحَتِّمِ قَتْلُهُ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ وَإِنْ أُهْدِرَ دَمُهُ
لَا يُبَاحُ لَهُ هُوَ إرَاقَتُهُ ، بَلْ لَوْ أَرَاقَهُ لَا يَكُونُ كَفَّارَةً
لَهُ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّمَا حُكِمَ بِالْكَفَّارَةِ
عَلَى مَنْ عُوقِبَ بِذَنْبِهِ ، وَأَمَّا مَنْ عَاقَبَ نَفْسَهُ فَهُوَ لَيْسَ
فِي مَعْنَى مَنْ عُوقِبَ .
.
( الْكَبِيرَةُ الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ وَالسَّادِسَةَ
عَشْرَةَ بَعْدَ الثَّلَاثِمِائَةِ : الْإِعَانَةُ عَلَى الْقَتْلِ الْمُحَرَّمِ
أَوْ مُقَدِّمَاتِهِ وَحُضُورُهُ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى دَفْعِهِ فَلَمْ يَدْفَعْهُ
) أَخْرَجَ ابْنُ مَاجَهْ وَالْأَصْبَهَانِيّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
: { مَنْ أَعَانَ عَلَى قَتْلِ مُؤْمِنٍ وَلَوْ بِشَطْرِ كَلِمَةٍ لَقِيَ اللَّهَ
وَهُوَ مَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ آيِسٌ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ } ، وَمَرَّ
هَذَا الْحَدِيثُ قَرِيبًا مَعَ بَيَانِ مَعْنَاهُ .
وَالطَّبَرَانِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ
: { لَا يَقِفَنَّ أَحَدُكُمْ مَوْقِفًا يُقْتَلُ فِيهِ رَجُلٌ ظُلْمًا فَإِنَّ
اللَّعْنَةَ تَنْزِلُ عَلَى مَنْ حَضَرَهُ حِينَ لَمْ يَدْفَعُوا عَنْهُ } .
وَالطَّبَرَانِيُّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ : { مَنْ جَرَحَ
ظَهْرَ مُسْلِمٍ بِغَيْرِ حَقٍّ لَقِيَ اللَّهَ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ } ،
وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ : { ظَهْرُ الْمُؤْمِنِ حِمًى إلَّا بِحَقِّهِ } .
وَأَحْمَدُ بِسَنَدٍ رِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ إلَّا
ابْنَ لَهِيعَةَ : { لَا يَشْهَدُ أَحَدُكُمْ قَتِيلًا لَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ
مَظْلُومًا فَتُصِيبُهُ السَّخْطَةُ
} .
وَالطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدِ رِجَالِهِ كَذَلِكَ : { لَا
يَشْهَدُ أَحَدُكُمْ قَتِيلًا فَعَسَى أَنْ يُقْتَلَ مَظْلُومًا فَتَنْزِلَ
السَّخْطَةُ عَلَيْهِمْ فَتُصِيبَهُ مَعَهُمْ } .
تَنْبِيهٌ : عَدُّ الْأُولَى مِنْ هَذَيْنِ هُوَ صَرِيحُ
الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ ، وَالثَّانِيَةِ هُوَ صَرِيحُ الْحَدِيثِ الثَّانِي وَمَا
بَعْدَهُ وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لِذَلِكَ ، ثُمَّ رَأَيْت الْحَلِيمِيَّ
ذَكَرَ مَا يُخَالِفُ ذَلِكَ فَقَالَ : " إذَا دَلَّ عَلَى مَطْلُوبٍ
لِيُقْتَلَ ظُلْمًا أَوْ أَحْضَرَ لِمُرِيدِ الْقَتْلِ سِكِّينًا فَهَذَا كُلُّهُ
مُحَرَّمٌ لِدُخُولِهِ فِي قَوْله تَعَالَى : { وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ
وَالْعُدْوَانِ } لَكِنَّهَا صَغَائِرُ ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ عَنْهَا لَيْسَ
لِأَنْفُسِهَا بَلْ لِكَوْنِهَا ذَرَائِعَ إلَى التَّمْكِينِ مِنْ ظُلْمِهِ
فَأَكْثَرُ مَا فِي إعَانَةِ الْقَاتِلِ بِهَا أَنَّ الْمُعِينَ يَصِيرُ
مُشَارِكًا لَهُ فِي الْقَصْدِ
، وَالْقَصْدُ
إذَا خَلَا عَنْ الْفِعْلِ لَا يَكُونُ كَبِيرَةً وَكَذَلِكَ سُؤَالُ الرَّجُلِ
غَيْرَهُ الَّذِي لَا يَلْزَمُهُ طَاعَتُهُ أَنْ يَقْتُلَ آخَرَ لَيْسَ مِنْ
الْكَبَائِرِ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إلَّا إرَادَةُ هَلَاكِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ
يَكُونَ مَعَهُ فِعْلٌ انْتَهَى
.
وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى اصْطِلَاحِهِ الْغَرِيبِ الْآتِي
عَلَى الْأَثَرِ ، وَالْمُوَافِقِ لِكَلَامِهِمْ وَالْأَحَادِيثِ مَا ذَكَرْته ،
وَإِنْ سَلَّمْنَا أَنَّ أَوَّلَهَا ضَعِيفٌ وَهُوَ : { مَنْ أَعَانَ عَلَى قَتْلِ
مُؤْمِنٍ } ، إلَخْ .
ثُمَّ رَأَيْت الْأَذْرَعِيَّ اعْتَرَضَ الْحَلِيمِيَّ
فَقَالَ مَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّ الدَّلَالَةَ عَلَى الْقَتْلِ مِنْ الصَّغَائِرِ
مُشْكِلٌ لَا يَسْمَحُ الْأَصْحَابُ بِمُوَافَقَتِهِ عَلَيْهِ ، وَقَدْ عَدُّوا
مِنْ الْكَبَائِرِ السِّعَايَةَ إلَى السُّلْطَانِ ، وَالدَّلَالَةُ عَلَى قَتْلِ
الْمَعْصُومِ ظُلْمًا أَقْبَحُهَا
.
وَفِي الْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ : { مَنْ أَعَانَ عَلَى قَتْلِ
مُسْلِمٍ وَلَوْ بِشَطْرِ كَلِمَةٍ لَقِيَ اللَّهَ مَكْتُوبًا بَيْنَ عَيْنَيْهِ
آيِسٌ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ } ، وَمَا ذَكَرَهُ فِي سُؤَالِ مَنْ لَا تَلْزَمُهُ
طَاعَتُهُ فِيهِ نَظَرٌ سِيَّمَا إذَا عُلِمَ أَوْ ظُنَّ أَنَّهُ يُطِيعُهُ
وَيُبَادِرُ إلَى امْتِثَالِ أَمْرِهِ
.
انْتَهَى
.
وَهُوَ ظَاهِرٌ ، فَالْوَجْهُ بَلْ الصَّوَابُ مَا ذَكَرْته .
( الْكَبِيرَةُ السَّابِعَةَ عَشْرَةَ بَعْدَ
الثَّلَاثِمِائَةِ : ضَرْبُ الْمُسْلِمِ أَوْ الذِّمِّيِّ بِغَيْرِ مُسَوِّغٍ
شَرْعِيٍّ ) أَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ جَيِّدٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ : { مَنْ جَرَحَ ظَهْرَ مُسْلِمٍ بِغَيْرِ حَقٍّ لَقِيَ اللَّهَ
وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ } ، وَرُوِيَ أَيْضًا : { ظَهْرُ الْمُؤْمِنِ حِمًى إلَّا
بِحَقِّهِ } .
وَمُسْلِمٌ : { إنَّ اللَّهَ يُعَذَّبُ الَّذِينَ
يُعَذِّبُونَ النَّاسَ فِي الدُّنْيَا
} .
وَفِي رِوَايَةٍ : { الَّذِينَ يَقْذِفُونَ النَّاسَ }
وَالْأُولَى أَعَمُّ .
وَرُوِيَ :
{ وَلَا يَقِفَنَّ أَحَدُكُمْ مَوْقِفًا يُضْرَبُ فِيهِ
رَجُلٌ ظُلْمًا فَإِنَّ اللَّعْنَةَ تَنْزِلُ عَلَى مَنْ حَضَرَهُ حِينَ لَمْ
يَدْفَعُوا عَنْهُ } .
تَنْبِيهٌ : عَدُّ هَذَا هُوَ مَا جَرَى عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ
وَغَيْرُهُمَا وَهُوَ ظَاهِرٌ لِهَذَا الْوَعِيدِ الشَّدِيدِ الَّذِي فِيهِ
لَكِنَّهُمَا قَيَّدَاهُ بِالْمُسْلِمِ ، وَاعْتَرَضَهُ جَمْعٌ مُتَأَخِّرُونَ
بِأَنَّ الْوَجْهَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الذِّمِّيِّ .
وَعِبَارَةُ الْأَذْرَعِيِّ فِي تَوَسُّطِهِ فِي التَّقْيِيدِ
بِالْمُسْلِمِ نَظَرٌ وَلَا سِيَّمَا إذَا كَانَ الْمَضْرُوبُ ذَا رَحِمٍ ، وَلَا
خَفَاءَ أَنَّ الْكَلَامَ فِيمَنْ لَهُ ذِمَّةٌ أَوْ عَهْدٌ مُعْتَبَرٌ ،
وَأَطْلَقَ الْحَلِيمِيُّ أَنَّ الْخَدْشَةَ وَالضَّرْبَةَ وَالضَّرْبَتَيْنِ مِنْ
الصَّغَائِرِ .
وَقَدْ يُفْصَلُ بَيْنَ مَضْرُوبٍ وَمَضْرُوبٍ مِنْ
حَيْثُ الْقُوَّةِ وَضِدِّهَا ، وَمِنْ حَيْثُ الشَّرَفِ وَالدَّنَاءَةِ انْتَهَتْ .
وَقَالَ فِي الْخَادِمِ بَعْدَ إيرَادِ كَلَامِ
الْحَلِيمِيِّ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ كَلَامُ الْعُدَّةِ : أَيْ الْمُطْلَقُ
لِكَوْنِ الضَّرْبِ كَبِيرَةً وَأَقَرَّهُ الشَّيْخَانِ عَلَى الزَّائِدِ عَلَى
ذَلِكَ ، ثُمَّ إنَّ التَّقْيِيدَ بِالْمُسْلِمِ لَا مَفْهُومَ لَهُ فَالذِّمِّيُّ
كَذَلِكَ انْتَهَى ، وَمَا ذُكِرَ عَنْ الْحَلِيمِيِّ هُوَ مَا ذَكَرَهُ أَوَّلَ كَلَامِهِ
فِي مِنْهَاجِهِ ، وَذَكَرَهُ فِي آخِرِهِ عَلَى وَجْهٍ أَشْكَلَ مِنْ الْأَوَّلِ
فَقَالَ : وَإِنْ تَرَكَ الْقَتْلَ إلَى شَيْءٍ دُونَهُ مِنْ إيلَامٍ بِضَرْبٍ
غَيْرِ مُنْتَهِكٍ أَوْ جُرْحٍ لَا يُنْقِصُ مِنْ
الْمَجْرُوحِ عُضْوًا وَلَا يُعَطِّلُ عَلَيْهِ مِنْ مَنَافِعِ بَدَنِهِ
مَنْفَعَةً لَمْ يَكُنْ كَبِيرَةً ، فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ بِأَبٍ أَوْ أُمٍّ أَوْ
ذِي رَحِمٍ أَوْ فَعَلَهُ فِي حَرَمٍ أَوْ شَهْرٍ حَرَامٍ أَوْ اسْتِضْعَافًا
لِمُسْلِمٍ أَوْ اسْتِعْلَاءً عَلَيْهِ فَذَلِكَ كَبِيرَةٌ .
انْتَهَى كَلَامُهُ .
وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا أَسَّسَهُ قَبْلُ
وَاخْتَارَهُ مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَ الْفَاحِشَةِ الْكَبِيرَةِ وَالصَّغِيرَةِ ،
وَأَنَّهُ مَا مِنْ ذَنْبٍ إلَّا وَفِيهِ صَغِيرَةٌ وَكَبِيرَةٌ ، وَقَدْ
تَنْقَلِبُ الصَّغِيرَةُ كَبِيرَةً بِقَرِينَةٍ تُضَمُّ إلَيْهَا وَالْكَبِيرَةُ
فَاحِشَةٌ بِذَلِكَ إلَّا الْكُفْرَ فَإِنَّهُ أَفْحَشُ الْكَبَائِرِ وَلَيْسَ
مِنْ نَوْعِهِ صَغِيرَةٌ ، ثُمَّ ذَكَرَ لِذَلِكَ أَمْثِلَةً مِنْهَا الْقَتْلُ
كَبِيرَةٌ وَلِنَحْوِ رَحِمٍ فَاحِشَةٌ وَمَا دُونَهُ بِقَيْدِهِ الَّذِي
قَدَّمْته عَنْهُ صَغِيرَةٌ وَهَذَا اصْطِلَاحٌ مُخَالِفٌ لِمَا عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ
وَالشَّيْخَانِ وَالْمُتَأَخِّرُونَ ، فَالْوَجْهُ أَنَّ ضَرْبَ الْمَعْصُومِ
وَنَحْوِهِ الْمُؤْذِيَ إيذَاءٌ لَهُ وَقَعَ كَبِيرَةً .
ثُمَّ رَأَيْت الْأَذْرَعِيَّ ذَكَرَ مَا يُؤَيِّدُ مَا
ذَكَرْته حَيْثُ اعْتَرَضَ الْحَلِيمِيُّ فَقَالَ : الْخَدْشَةُ وَالضَّرْبَةُ
إذَا عَظُمَ أَلَمُهُمَا أَوْ كَانَ إحْدَاهُمَا لِوَالِدٍ أَوْ وَلِيٍّ يَنْبَغِي
أَنْ تُلْحَقَا بِالْكَبَائِرِ
.
( الْكَبِيرَةُ الثَّامِنَةَ عَشْرَةَ وَالتَّاسِعَةَ
عَشْرَةَ بَعْدَ الثَّلَاثِمِائَةِ
: تَرْوِيعُ الْمُسْلِمِ وَالْإِشَارَةُ إلَيْهِ
بِسِلَاحٍ أَوْ نَحْوِهِ ) أَخْرَجَ الْبَزَّارُ وَالطَّبَرَانِيُّ وَأَبُو الشَّيْخِ
ابْنِ حِبَّانَ عَنْ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : { أَنَّ
رَجُلًا أَخَذَ نَعْلَ رَجُلٍ فَغَيَّبَهَا وَهُوَ يَمْزَحُ فَذُكِرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَا تُرَوِّعُوا الْمُسْلِمَ فَإِنَّ رَوْعَةَ الْمُسْلِمِ
ظُلْمٌ عَظِيمٌ } .
وَالطَّبَرَانِيُّ : { مَنْ أَخَافَ مُؤْمِنًا كَانَ
حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ لَا يُؤَمِّنَهُ مِنْ أَفْزَاعِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ } .
وَالطَّبَرَانِيُّ وَأَبُو الشَّيْخِ : { مَنْ نَظَرَ
إلَى مُسْلِمٍ نَظْرَةً يُخِيفُهُ فِيهَا بِغَيْرِ حَقٍّ أَخَافَهُ اللَّهُ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ } .
وَأَبُو دَاوُد وَالطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ رُوَاتُهُ
ثِقَاتٌ : { لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يُرَوِّعَ مُسْلِمًا } ، قَالَهُ لَمَّا
رُوِّعَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ بِأَخْذِ حَبْلٍ مَعَهُ وَهُوَ نَائِمٌ
فَانْتَبَهَ فَفَزِعَ .
وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ غَرِيبٌ
: { لَا يَأْخُذَنَّ أَحَدُكُمْ مَتَاعَ أَخِيهِ لَاعِبًا وَلَا جَادًّا } .
وَمُسْلِمٌ :
{ مَنْ أَشَارَ إلَى أَخِيهِ بِحَدِيدَةٍ فَإِنَّ
الْمَلَائِكَةَ تَلْعَنُهُ حَتَّى يَنْتَهِيَ وَإِنْ كَانَ أَخَاهُ لِأَبِيهِ
وَأُمِّهِ } .
وَالشَّيْخَانِ : { إذَا تَوَجَّهَ الْمُسْلِمَانِ
بِسَيْفَيْهِمَا فَالْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِي النَّارِ } .
وَفِي رِوَايَةٍ لَهُمَا : { إذَا الْمُسْلِمَانِ حَمَلَ
أَحَدُهُمَا عَلَى أَخِيهِ السِّلَاحَ فَهُمَا عَلَى حَرْفِ جَهَنَّمَ فَإِذَا
قَتَلَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ دَخَلَاهَا جَمِيعًا ، قَالَ فَقُلْنَا أَوْ قِيلَ : يَا رَسُولَ
اللَّهِ هَذَا الْقَاتِلُ فَمَا بَالُ الْمَقْتُولِ ؟ قَالَ إنَّهُ كَانَ أَرَادَ
قَتْلَ صَاحِبِهِ } ، .
وَالشَّيْخَانِ : { لَا يُشِرْ أَحَدُكُمْ إلَى أَخِيهِ
بِالسِّلَاحِ فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي لَعَلَّ الشَّيْطَانَ يَنْزِعُ فِي يَدِهِ
فَيَقَعُ فِي حُفْرَةٍ مِنْ النَّارِ } وَيَنْزِعُ بِالْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ
الزَّايِ يَرْمِي أَوْ
بِالْمُعْجَمَةِ مَعَ فَتْحِ الزَّايِ وَمَعْنَاهُ
يَرْمِي وَيَفْسُدُ وَأَصْلُ النَّزْعِ الطَّعْنُ وَالْفَسَادُ .
تَنْبِيهٌ :
عَدُّ هَذَيْنِ هُوَ صَرِيحُ حَدِيثِ الْغَضَبِ
وَغَيْرِهِ بِالنِّسْبَةِ لِلْأَوَّلِ وَاللَّعْنِ وَغَيْرِهِ بِالنِّسْبَةِ لِلثَّانِي
، وَيَتَعَيَّنُ حَمْلُ الْحُرْمَةِ فِي الْأَوَّلِ عَلَى مَا إذَا عُلِمَ أَنَّ
التَّرْوِيعَ يُحَصِّلُ خَوْفًا يَشُقُّ تَحَمُّلُهُ عَادَةً ، وَالْكَبِيرَةُ
فِيهِ عَلَى مَا إذَا عُلِمَ أَنَّ ذَلِكَ الْخَوْفَ يُؤَدِّي بِهِ إلَى ضَرَرٍ
فِي بَدَنِهِ أَوْ عَقْلِهِ ، وَحُمِلَ الثَّانِي عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا وَلَمْ
أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لِذَلِكَ .
الْكَبِيرَةُ الْعِشْرُونَ وَالْحَادِيَةُ وَالثَّانِيَةُ
وَالثَّالِثَةُ وَالْعِشْرُونَ بَعْدَ الثَّلَاثِمِائَةِ : السِّحْرُ الَّذِي لَا كُفْرَ فِيهِ
وَتَعْلِيمُهُ كَتَعَلُّمِهِ ، وَطَلَبُ عَمَلِهِ ) قَالَ - تَعَالَى - : {
وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ
سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ
وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ
مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ
فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ
وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ
مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنْ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ
فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ
كَانُوا يَعْلَمُونَ } .
فِي هَذِهِ الْآيَاتِ دَلَالَاتٌ ظَاهِرَةٌ عَلَى قُبْحِ
السِّحْرِ وَأَنَّهُ إمَّا كُفْرٌ أَوْ كَبِيرَةٌ كَمَا يَأْتِي فِي الْأَحَادِيثِ .
وَقَدْ وَسَّعَ الْمُفَسِّرُونَ الْكَلَامَ عَلَى هَذِهِ
الْآيَاتِ وَأَرَدْت تَلْخِيصَهُ لِكَثْرَةِ فَوَائِدِهِ وَعَظِيمِ جَدْوَاهُ .
قَوْله تَعَالَى : { وَاتَّبَعُوا } مَعْطُوفٌ عَلَى
جُمْلَةِ " وَلَمَّا جَاءَهُمْ " إلَخْ .
وَزَعْمُ خِلَافِهِ فَاسِدٌ " وَمَا "
مَوْصُولَةٌ وَزَعْمُ أَنَّهَا نَافِيَةٌ غَلَطٌ " وَتَتْلُوا "
بِمَعْنَى تَلَتْ وَ " عَلَى " بِمَعْنَى فِي : أَيْ فِي زَمَنِ
مُلْكِهِ : أَيْ شَرْعِهِ أَوْ تَتْلُوا مُضَمَّنٌ تَتَقَوَّلُ : أَيْ مَا
تَتَقَوَّلُهُ وَتَكْذِبُ بِهِ عَلَى شَرْعِهِ ، وَهَذَا أَوْلَى إذْ التَّجَوُّزُ
فِي الْأَفْعَالِ أَوْلَى مِنْهُ فِي الْحُرُوفِ ، وَأَحْوَجَ إلَى ذَلِكَ أَنَّ
" تَلَا " إذَا تَعَدَّى بِعَلَى يَكُونُ الْمَجْرُورُ بِهَا مَتْلُوًّا
عَلَيْهِ وَالْمُلْكُ لَيْسَ كَذَلِكَ ، وَقَالَ أَبُو مُسْلِمٍ : يُقَالُ تَلَا
عَلَيْهِ إذَا كَذَبَ ، وَعَنْهُ إذَا صَدَقَ فَإِنْ أُطْلِقَ جَازَ الْأَمْرَانِ .
قَالَ الْفَخْرُ الرَّازِيّ : وَلَا يَمْتَنِعُ أَنَّ
الَّذِي كَانُوا يُخْبِرُونَ بِهِ عَنْ سُلَيْمَانَ مَا يُتْلَى وَيُقْرَأُ ،
فَتَجْتَمِعُ كُلُّ
الْأَوْصَافِ وَالتِّلَاوَةُ الِاتِّبَاعُ أَوْ
الْقِرَاءَةُ وَهَذَا فِي الْيَهُودِ ، قِيلَ الَّذِينَ كَانُوا فِي زَمَنِ
نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَقِيلَ : الَّذِي كَانُوا فِي
زَمَنِ سُلَيْمَانَ مِنْ السَّحَرَةِ ؛ لِأَنَّ أَكْثَرَ الْيَهُودِ يُنْكِرُونَ
نُبُوَّتَهُ وَيَعُدُّونَهُ مِنْ جُمْلَةِ مُلُوكِ الدُّنْيَا وَيَعْتَقِدُونَ
أَنَّ مُلْكَهُ نَشَأَ عَنْ السِّحْرِ ، وَالْأَوْلَى أَنَّهُ يَتَنَاوَلُ الْفِرْقَتَيْنِ .
قَالَ السُّدِّيُّ : عَارَضُوا نَبِيَّنَا صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالتَّوْرَاةِ فَوَافَقَتْ الْقُرْآنَ فَفَرُّوا إلَى
السِّحْرِ الْمَنْقُولِ عَنْ آصَفَ وَهَارُوتَ وَمَارُوتَ فَهَذَا هُوَ قَوْله
تَعَالَى : { وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا
مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ
وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ } إلَخْ .
وَالشَّيَاطِينُ هُنَا مَرَدَةُ الْجِنِّ لِأَنَّهُمْ
كَانُوا يَسْتَرِقُونَ السَّمْعَ مِنْ السَّمَاءِ وَيَضُمُّونَ إلَيْهِ أَكَاذِيبَ
يُلْقُونَهَا إلَى الْكَهَنَةِ فَدَوَّنُوهَا فِي كُتُبٍ ، وَعَلَّمُوهَا النَّاسَ
، وَفَشَا ذَلِكَ فِي زَمَنِ سُلَيْمَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَقَالُوا إنَّ الْجِنَّ
تَعْلَمُ الْغَيْبَ وَكَانُوا يَقُولُونَ هَذَا عِلْمُ سُلَيْمَانَ وَمَا تَمَّ
مُلْكُهُ إلَّا بِهِ وَسَحَرَ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ وَالطَّيْرَ وَالرِّيحَ
الَّتِي تَجْرِي بِأَمْرِهِ وَمَرَدَةَ الْجِنِّ ؛ لِمَا رُوِيَ أَنَّ سُلَيْمَانَ
صَلَّى اللَّهُ عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِ كَانَ قَدْ دَفَنَ كَثِيرًا مِنْ
الْعُلُومِ الَّتِي خَصَّهُ اللَّهُ - تَعَالَى - بِهَا تَحْتَ سَرِيرِ مُلْكِهِ
خَوْفًا عَلَى أَنَّهُ إنْ هَلَكَ الظَّاهِرُ مِنْ تِلْكَ الْعُلُومِ يَبْقَى
هَذَا الْمَدْفُونُ مِنْهَا فَبَعْدَ مُدَّةٍ تَوَصَّلَ مُنَافِقُونَ إلَى أَنْ كَتَبُوا
فِي خِلَالِهَا أَشْيَاءَ مِنْ السِّحْرِ تُنَاسِبُ تِلْكَ الْأَشْيَاءَ مِنْ
بَعْضِ الْوُجُوهِ ثُمَّ بَعْدَ مَوْتِهِ وَاطِّلَاعِ النَّاسِ عَلَى تِلْكَ
الْكُتُبِ أَوْهَمُوا النَّاسَ أَنَّهُ مِنْ عَمَلِ سُلَيْمَانَ وَأَنَّهُ مَا
وَصَلَ إلَى مَا وَصَلَ إلَّا بِهِ
.
ثُمَّ إضَافَتُهُمْ السِّحْرَ لِسُلَيْمَانَ إمَّا لِتَفْخِيمِ
شَأْنِ
السِّحْرِ لِتَقْبَلَهُ النَّاسُ ، وَإِمَّا لِقَوْلِ
الْيَهُودِ إنَّهُ مَا وُجِدَ ذَلِكَ الْمُلْكُ إلَّا بِالسِّحْرِ ، وَإِمَّا
لِأَنَّهُ لَمَّا سُخِّرَ لَهُ مَا مَرَّ كَالْجِنِّ وَكَانَ يُخَالِطُهُمْ
وَيَسْتَفِيدُ مِنْهُمْ أَسْرَارًا عَجِيبَةً غَلَبَ عَلَى الظُّنُونِ
الْفَاسِدَةِ أَنَّهُ - حَاشَاهُ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ - اسْتَفَادَ السِّحْرَ مِنْهُمْ
وَذَلِكَ السِّحْرُ كُفْرٌ فَلِذَلِكَ بَرَّأَهُ اللَّهُ - تَعَالَى - بِقَوْلِهِ : { وَمَا كَفَرَ
سُلَيْمَانُ } الدَّالِّ عَلَى أَنَّهُمْ نَسَبُوهُ لِلْكُفْرِ كَمَا رُوِيَ عَنْ
بَعْضِ أَحْبَارِ الْيَهُودِ أَنَّهُمْ قَالُوا أَلَا تَعْجَبُونَ مِنْ مُحَمَّدٍ
يَزْعُمُ أَنَّ سُلَيْمَانَ كَانَ نَبِيًّا وَمَا كَانَ سَاحِرًا .
وَرُوِيَ أَنَّ سَحَرَةَ الْيَهُودِ زَعَمُوا أَنَّهُمْ
أَخَذُوا السِّحْرَ عَنْ سُلَيْمَانَ فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ وَبَيَّنَ
أَنَّ ذَلِكَ الْكُفْرَ الْقَبِيحَ إنَّمَا هُوَ لَاحِقٌ بِهِمْ بِقَوْلِهِ
تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا } ، وَالسِّحْرُ : لُغَةً
كُلُّ مَا لَطَفَ وَدَقَّ ، مِنْ سَحَرَهُ إذَا أَبْدَى لَهُ أَمْرًا فَدَقَّ عَلَيْهِ
وَخَفِيَ ، وَمِنْهُ : { فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ } وَهُوَ
مَصْدَرٌ شَاذٌّ إذْ لَمْ يَأْتِ مَصْدَرٌ لِفِعْلِ يَفْعَلُ بِفَتْحِ عَيْنِهِ
فِيهِمَا عَلَى فِعْلٍ بِكَسْرٍ فَسُكُونٍ إلَّا هَذَا وَفَعَلَ وَالسَّحْرُ
بِفَتْحِ أَوَّلِهِ الْغِذَاءُ لِخَفَائِهِ وَالرِّئَةُ وَمَا تَعَلَّقَ
بِالْحُلْقُومِ وَهُوَ يَرْجِعُ لِمَعْنَى الْخَفَاءِ أَيْضًا ، وَمِنْهُ قَوْلُ
عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا : { تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ سَحْرِي وَنَحْرِي } ، وقَوْله تَعَالَى : { إنَّمَا
أَنْتَ مِنْ الْمُسَحَّرِينَ } مَعْنَاهُ مِنْ الْمَخْلُوقِينَ الَّذِي
يُطْعَمُونَ وَيَشْرَبُونَ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ : { مَا أَنْتَ إلَّا بَشَرٌ
مِثْلُنَا } أَيْ وَمَا أَنْتَ إلَّا ذُو سِحْرٍ مِثْلُنَا .
وَشَرْعًا يَخْتَصُّ بِكُلِّ أَمْرٍ يَخْفَى سَبَبُهُ
وَعُمِلَ عَلَى غَيْرِ حَقِيقَتِهِ ، وَيَجْرِي مَجْرَى التَّمْوِيهِ وَالْخِدَاعِ
، وَحَيْثُ أُطْلِقَ فَهُوَ مَذْمُومٌ ، وَقَدْ يُسْتَعْمَلُ مُقَيَّدًا فِيمَا
يَنْفَعُ
وَيُمْدَحُ ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ : { إنَّ مِنْ الْبَيَانِ لَسِحْرًا } : أَيْ لِأَنَّ صَاحِبَهُ يُوضِحُ
الْمُشْكِلَ وَيَكْشِفُ عَنْ حَقِيقَتِهِ بِحُسْنِ بَيَانِهِ وَبَلِيغِ
عِبَارَتِهِ ، وَالْقَوْلُ بِأَنَّهُ خَرَجَ مَخْرَجَ الذَّمِّ لِلْفَصَاحَةِ وَالْبَلَاغَةِ
إذْ شَبَهُهُ بِالسِّحْرِ بَعِيدٌ وَاسْتُدِلَّ بِمَا لَا دَلَالَةَ فِيهِ وَهُوَ
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { فَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ
أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ
} .
وَقَوْلُهُ : { إنَّ أَبْغَضَكُمْ إلَيَّ الثَّرْثَارُونَ
الْمُتَفَيْهِقُونَ } .
الثَّرْثَرَةُ : كَثْرَةُ الْكَلَامِ وَتَرْدِيدُهُ ،
يُقَالُ ثَرْثَرَ الرَّجُلُ فَهُوَ ثَرْثَارٌ مِهْذَارٌ ، وَالْمُتَفَيْهِقُونَ
نَحْوُهُ ، وَيُقَالُ فُلَانٌ يَتَفَيْهَقُ فِي كَلَامِهِ إذَا تَوَسَّعَ
وَتَنَطَّعَ ، نَعَمْ
.
نُقِلَ هَذَا الْقَوْلُ أَعْنِي أَنَّ ذَلِكَ ذَمٌّ عَنْ
عَامِرٍ الشَّعْبِيِّ رَاوِي الْحَدِيثِ وَصَعْصَعَةَ بْنِ صُوحَانَ فَقَالَ :
أَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { إنَّ مِنْ الْبَيَانِ
لَسِحْرًا } ، فَالرَّجُلُ يَكُونُ عَلَيْهِ الْحَقُّ
وَهُوَ أَلْحَنُ بِالْحُجَجِ مِنْ صَاحِبِ الْحَقِّ فَيَسْحَرُ الْقَوْمَ
بِبَيَانِهِ فَيَذْهَبُ بِالْحَقِّ وَهُوَ عَلَيْهِ ، وَإِنَّمَا يَحْمَدُ
الْعُلَمَاءُ الْبَلَاغَةَ وَاللِّسَانَ مَا لَمْ تَخْرُجْ إلَى حَدِّ
الْإِطْنَابِ وَالْإِسْهَابِ وَتَصْوِيرِ الْبَاطِلِ فِي صُورَةِ الْحَقِّ ؛
وَعَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَعْنِي أَنَّ ذَلِكَ مَدْحٌ لِلْفَصَاحَةِ
الْمُبَيِّنَةِ لِلْحَقِّ وَالرَّافِعَةِ لِأَشْكَالِهِ فَإِنَّمَا سُمِّيَ مَا
يُوضِحُ الْحَقَّ سِحْرًا وَهُوَ إنَّمَا قُصِدَ بِهِ إظْهَارُ الْخَفَاءِ لَا إخْفَاءُ
الظَّاهِرِ عَكْسُ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ لَفْظُ السِّحْرِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ
الْقَدْرَ لِلُطْفِهِ وَحُسْنِهِ اسْتَمَالَ الْقُلُوبَ فَأَشْبَهَ السِّحْرَ
الَّذِي يَسْتَمِيلُ الْقُلُوبَ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ .
وَأَيْضًا فَالْقَادِرُ عَلَى الْبَيَانِ يَكُونُ
غَالِبًا قَادِرًا عَلَى تَحْسِينِ الْقَبِيحِ وَتَقْبِيحِ الْحَسَنِ فَأَشْبَهَ
السِّحْرَ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ أَيْضًا .
وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي أَنَّ السِّحْرَ لَهُ
حَقِيقَةٌ
أَمْ لَا ؟ فَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ إنَّهُ
تَخْيِيلٌ لَا حَقِيقَةَ لَهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { يُخَيَّلُ إلَيْهِ مِنْ
سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى } وَقَالَ الْأَكْثَرُونَ وَهُوَ الْأَصَحُّ الَّذِي
دَلَّتْ عَلَيْهِ السُّنَّةُ لَهُ حَقِيقَةٌ لِأَنَّ { اللَّعِينَ لَبِيدَ بْنَ الْأَعْصَمِ
الْيَهُودِيَّ السَّاحِرَ سَحَرَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَأَمَرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِخْرَاجِ سِحْرِهِ مِنْ
بِئْرِ ذِي أَرْوَانَ بِدَلَالَةِ الْوَحْيِ لَهُ عَلَى ذَلِكَ فَأُخْرِجَ مِنْهَا
، فَكَانَ ذَا عُقَدٍ فَحُلَّتْ عُقَدُهُ فَكَانَ كُلَّمَا حُلَّتْ مِنْهُ
عُقْدَةٌ خَفَّ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى أَنْ فَرَغَتْ
فَصَارَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَأَنَّمَا نَشِطَ مِنْ عِقَالٍ } .
وَذَهَبَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا إلَى
خَيْبَرَ لِيَخْرُصَ ثَمَرَهَا فَسَحَرَهُ الْيَهُودُ فَانْكَتَفَتْ يَدُهُ
فَأَجْلَاهُمْ عُمَرُ .
وَجَاءَتْ امْرَأَةٌ إلَى عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهَا فَقَالَتْ : يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ مَا عَلَى الْمَرْأَةِ إذَا
عَقَلَتْ بَعِيرَهَا ؟ فَقَالَتْ عَائِشَةُ وَلَمْ تَفْهَمْ مُرَادَهَا : لَيْسَ
عَلَيْهَا شَيْءٌ ، فَقَالَتْ : إنِّي عَقَلْت زَوْجِي عَنْ النِّسَاءِ ،
فَقَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا : أَخْرِجُوا عَنِّي هَذِهِ
السَّاحِرَةَ .
وَالْجَوَابُ عَنْ الْآيَةِ أَنَّا لَا نَمْنَعُ أَنَّ
مِنْ السِّحْرِ مَا هُوَ تَخْيِيلٌ بَلْ مِنْهُ ذَلِكَ وَمَا لَهُ حَقِيقَةٌ .
وَإِنَّمَا أَثَّرَ السِّحْرُ فِي رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ قَوْله تَعَالَى : { وَاَللَّهُ
يَعْصِمُكَ مِنْ النَّاسِ } إمَّا لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ عِصْمَةُ الْقَلْبِ ،
وَالْإِيمَانِ دُونَ عِصْمَةِ الْجَسَدِ عَمَّا يَرِدُ عَلَيْهِ مِنْ الْحَوَادِثِ
الدُّنْيَوِيَّةِ ، وَمِنْ ثَمَّ سُحِرَ وَشُجَّ وَجْهُهُ وَكُسِرَتْ رُبَاعِيَّتُهُ
وَرُمِيَ عَلَيْهِ الْكَرِشُ وَالتُّرَابُ وَآذَاهُ جَمَاعَةٌ مِنْ قُرَيْشٍ ،
وَإِمَّا لِأَنَّ الْمُرَادَ عِصْمَةُ النَّفْسِ عَنْ الِافْتِلَاتِ دُونَ
الْعَوَارِضِ الَّتِي تَعْرِضُ لِلْبَدَنِ مَعَ سَلَامَةِ النَّفْسِ .
وَهَذَا أَوْلَى بَلْ هُوَ الصَّوَابُ
لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ
يُحْرَسُ فَلَمَّا نَزَلَتْ الْآيَةُ أَمَرَ بِتَرْكِ الْحَرْسِ .
ثُمَّ السِّحْرُ عَلَى أَقْسَامٍ : أَوَّلُهَا : سِحْرُ
الْكَسَدَانِيِّينَ الَّذِينَ كَانُوا فِي قَدِيمِ الدَّهْرِ يَعْبُدُونَ
الْكَوَاكِبَ وَيَزْعُمُونَ أَنَّهَا الْمُدَبِّرَةُ لِلْعَالَمِ ، وَمِنْهَا
يَصْدُرُ كُلُّ مَظْهَرِ خَيْرٍ وَشَرٍّ وَهُمْ الْمَبْعُوثُ إلَيْهِمْ
إبْرَاهِيمُ صَلَّى اللَّهُ عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِ وَعَلَى آبَائِهِ وَأَبْنَائِهِ
وَسَلَّمَ مُبْطِلًا مَقَالَتَهُمْ وَرَادًّا عَلَيْهِمْ وَهُمْ ثَلَاثُ فِرَقٍ :
الْأُولَى : الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّ الْأَفْلَاكَ وَالْكَوَاكِبَ وَاجِبَةُ
الْوُجُودِ لِذَوَاتِهَا غَنِيَّةٌ عَنْ مُوجِدٍ وَمُدَبِّرٍ وَخَالِقٍ وَهِيَ
الْمُدَبِّرَةُ لِعَالَمِ الْكَوْنِ وَالْفَسَادِ وَهُمْ الصَّابِئَةُ
الدَّهْرِيَّةُ .
وَالثَّانِيَةُ : الْقَائِلُونَ بِإِلَهِيَّةِ
الْأَفْلَاكِ زَعَمُوا أَنَّهَا هِيَ الْمُؤَثِّرَةُ لِلْحَوَادِثِ
بِاسْتِدَارَتِهَا وَتَحَرُّكِهَا فَعَبَدُوهَا وَعَظَّمُوهَا وَاِتَّخَذُوا
لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا هَيْكَلًا مَخْصُوصًا وَصَنَمًا مُعَيَّنًا وَاشْتَغَلُوا
بِخِدْمَتِهَا فَهَذَا دِينُ عَبَدَةِ الْأَصْنَامِ وَالْأَوْثَانِ .
وَالثَّالِثَةُ : أَثْبَتُوا لِهَذِهِ النُّجُومِ
وَالْأَفْلَاكِ فَاعِلًا مُخْتَارًا أَوْجَدَهَا بَعْدَ الْعَدَمِ إلَّا أَنَّهُ -
تَعَالَى - أَعْطَاهَا قُوَّةً غَالِبَةً نَافِذَةً فِي هَذَا الْعَالَمِ
وَفَوَّضَ تَدْبِيرَهُ إلَيْهَا
.
النَّوْعُ الثَّانِي : سِحْرُ أَصْحَابِ الْأَوْهَامِ
وَالنُّفُوسِ الْقَوِيَّةِ .
الثَّالِثُ : الِاسْتِعَانَةُ بِالْأَرْوَاحِ
الْأَرْضِيَّةِ .
وَاعْلَمْ أَنَّ الْقَوْلَ بِالْجِنِّ مِمَّا أَنْكَرَهُ
بَعْضُ مُتَأَخِّرِي الْفَلَاسِفَةِ وَالْمُعْتَزِلَةِ ، وَأَمَّا أَكَابِرُ
الْفَلَاسِفَةِ فَلَمْ يُنْكِرُوهُ إلَّا أَنَّهُمْ سَمَّوْهُمْ الْأَرْوَاحَ الْأَرْضِيَّةَ
وَهِيَ فِي نَفْسِهَا مُخْتَلِفَةٌ ، مِنْهَا خَيِّرَةٌ وَهُمْ مُؤْمِنُوهُمْ
وَشِرِّيرَةٌ وَهُمْ كُفَّارُهُمْ
.
الرَّابِعُ
: التَّخْيِيلَاتُ وَالْأَخْذُ بِالْعُيُونِ ، وَذَلِكَ
لِأَنَّ أَخْلَاطَ الْبَصَرِ كَثِيرَةٌ ، فَإِنَّ رَاكِبَ السَّفِينَةِ
يَنْظُرُهَا وَاقِفَةً وَالشَّطَّ
مُتَحَرِّكًا وَالْمُتَحَرِّكُ يُرَى سَاكِنًا ، وَالْقَطْرَةُ
النَّازِلَةُ تُرَى خَطًّا مُسْتَقِيمًا ، وَالذُّبَالَةُ تُدَارُ بِسُرْعَةٍ
تُرَى دَائِرَةً وَأَمْثَالُ ذَلِكَ
.
الْخَامِسُ
: الْأَعْمَالُ الْعَجِيبَةُ الَّتِي تَظْهَرُ مِنْ
تَرْكِيبِ الْآلَاتِ عَلَى النِّسَبِ الْهَنْدَسِيَّةِ مِثْلَ صُورَةِ فَرَسٍ فِي
يَدِهِ بُوقٌ فَإِذَا مَضَتْ سَاعَةٌ مِنْ النَّهَارِ صَوَّتَ الْبُوقُ مِنْ
غَيْرِ أَنْ يَمَسَّهُ أَحَدٌ ، وَمِثْلُ تَصَاوِيرِ الرُّومِ عَلَى اخْتِلَافِ أَحْوَالِ
الصُّوَرِ مِنْ كَوْنِهَا ضَاحِكَةً وَبَاكِيَةً حَتَّى يُفَرَّقَ بَيْنَ ضَحِكِ
السُّرُورِ وَضَحِكِ الْخَجَلِ وَضَحِكِ الشَّامِتِ وَكَانَ سِحْرُ سَحَرَةِ
فِرْعَوْنَ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ ؛ وَيَنْدَرِجُ فِي هَذَا عِلْمُ جَرِّ
الْأَثْقَالِ وَهُوَ أَنْ يَجُرَّ شَيْئًا ثَقِيلًا عَظِيمًا بِآلَةٍ خَفِيفَةٍ
سَهْلَةٍ ، وَهَذَا فِي الْحَقِيقَةِ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُعَدَّ مِنْ بَابِ
السِّحْرِ ؛ لِأَنَّ لَهَا أَسْبَابًا مَعْلُومَةً يَقِينِيَّةً مَنْ اطَّلَعَ
عَلَيْهَا قَدَرَ عَلَيْهَا .
السَّادِسُ : الِاسْتِعَانَةُ بِخَوَاصِّ الْأَدْوِيَةِ
الْمُبَلِّدَةِ وَالْمُزِيلَةِ لِلْعَقْلِ وَنَحْوِهَا .
السَّابِعُ :
تَعْلِيقُ الْقَلْبِ وَهُوَ أَنْ يَدَّعِيَ إنْسَانٌ
أَنَّهُ يَعْرِفُ الِاسْمَ الْأَعْظَمَ ، وَأَنَّ الْجِنَّ تُطِيعُهُ وَيَنْقَادُونَ
لَهُ ، فَإِذَا كَانَ السَّامِعُ ضَعِيفَ الْعَقْلِ قَلِيلَ التَّمْيِيزِ اعْتَقَدَ
أَنَّهُ حَقٌّ وَتَعَلَّقَ قَلْبُهُ بِذَلِكَ وَحَصَلَ فِي نَفْسِهِ نَوْعٌ مِنْ
الرُّعْبِ وَالْخَوْفِ ، فَحِينَئِذٍ يَتَمَكَّنُ السَّاحِرُ مِنْ أَنْ يَفْعَلَ
فِيهِ مَا شَاءَ .
وَحُكِيَ عَنْ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
أَنَّهُ قَالَ : السِّحْرُ يُخْبِلُ وَيُمْرِضُ وَيَقْتُلُ ، وَأَوْجَبَ
الْقِصَاصَ عَلَى مَنْ قَتَلَ بِهِ فَهُوَ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ يَتَلَقَّاهُ
السَّاحِرُ مِنْهُ بِتَعْلِيمِهِ إيَّاهُ فَإِذَا تَلَقَّاهُ مِنْهُ اسْتَعْمَلَهُ
فِي غَيْرِهِ .
وَقِيلَ : إنَّهُ يُؤَثِّرُ فِي قَلْبِ الْأَعْيَانِ ، وَقِيلَ
؛ الْأَصَحُّ أَنَّهُ تَخْيِيلٌ لَكِنَّهُ يُؤَثِّرُ فِي الْأَبَدَانِ
بِالْأَمْرَاضِ وَالْمَوْتِ وَالْجُنُونِ ؛ وَلِلْكَلَامِ تَأْثِيرٌ فِي
الطِّبَاعِ وَالنُّفُوسِ كَمَا إذَا سَمِعَ
إنْسَانٌ مَا يَكْرَهُ فَيَحْمَرُّ وَيَغْضَبُ
وَرُبَّمَا حُمَّ مِنْهُ ، وَقَدْ مَاتَ قَوْمٌ بِكَلَامٍ سَمِعُوهُ فَهُوَ
بِمَنْزِلَةِ الْعِلَلِ الَّتِي تُؤَثِّرُ فِي الْأَبْدَانِ .
قَالَ الْقُرْطُبِيُّ : قَالَ عُلَمَاؤُنَا : لَا
يُنْكَرُ أَنْ يَظْهَرَ عَلَى يَدِ السَّاحِرِ خَرْقُ الْعَادَاتِ بِمَا لَيْسَ
فِي مَقْدُورِ الْبَشَرِ مِنْ مَرَضٍ وَتَفْرِيقٍ وَزَوَالِ عَقْلٍ وَتَعْوِيجِ
عَضُدٍ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا قَامَ الدَّلِيلُ عَلَى اسْتِحَالَةِ كَوْنِهِ
مِنْ مَقْدُورَاتِ الْعِبَادِ .
قَالُوا :
وَلَا يَبْعُدُ فِي السِّحْرِ أَنْ يُسْتَدَقَّ جِسْمُ
السَّاحِرِ حَتَّى يَتَوَلَّجَ فِي الْكُوَّاتِ وَالِانْتِصَابِ عَلَى رَأْسِ
قَصَبَةٍ ، وَالْجَرْيِ عَلَى خَيْطٍ مُسْتَدَقٍّ ، وَالطَّيَرَانِ فِي الْهَوَاءِ
، وَالْمَشْيِ عَلَى الْمَاءِ ، وَرُكُوبِ كَلْبٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ ، وَلَا يَكُونُ
السِّحْرُ عِلَّةً لِذَلِكَ وَلَا مُوجِبًا لَهُ وَإِنَّمَا يَخْلُقُ اللَّهُ -
تَعَالَى - هَذِهِ الْأَشْيَاءَ عِنْدَ وُجُودِ السِّحْرِ كَمَا يَخْلُقُ
الشِّبَعَ عِنْدَ الْأَكْلِ وَالرَّيَّ عِنْدَ شُرْبِ الْمَاءِ .
وَرَوَى سُفْيَانُ عَنْ عَامِرٍ الذَّهَبِيِّ أَنَّ سَاحِرًا
كَانَ عِنْدَ الْوَلِيدِ بْنِ عُقْبَةَ يَمْشِي عَلَى الْحَبْلِ وَيَدْخُلُ فِي
اسْتِ الْحِمَارِ وَيَخْرُجُ مِنْ فِيهِ فَاشْتَمَلَ جُنْدُبٌ عَلَى سَيْفِهِ
وَقَتَلَهُ بِهِ ، وَهُوَ جُنْدُبُ بْنُ كَعْبٍ الْأَزْدِيُّ وَيُقَالُ
الْبَجَلِيُّ ، وَهُوَ الَّذِي قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فِي حَقِّهِ : { يَكُونُ فِي أُمَّتِي رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ جُنْدُبٌ
يَضْرِبُ ضَرْبَةً بِالسَّيْفِ يُفَرِّقُ بِهَا بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ }
فَكَانُوا يَرَوْنَهُ جُنْدُبًا هَذَا قَاتِلَ السَّاحِرِ .
قَالَ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ : رَوَى عَنْهُ
حَارِثَةُ بْنُ مُصْرِفٍ ، وَأَنْكَرَ الْمُعْتَزِلَةُ الْأَنْوَاعَ الثَّلَاثَةَ
الْأُوَلَ ، قِيلَ وَلَعَلَّهُمْ كَفَّرُوا مَنْ قَالَ بِهَا وَبِوُجُودِهَا :
وَأَمَّا أَهْلُ السُّنَّةِ فَجَوَّزُوا الْكُلَّ ، وَقُدْرَةُ السَّاحِرِ عَلَى
أَنْ يَطِيرَ فِي الْهَوَاءِ وَأَنْ يَقْلِبَ الْإِنْسَانَ حِمَارًا وَالْحِمَارَ
إنْسَانًا ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَنْوَاعِ الشَّعْبَذَةِ إلَّا أَنَّهُمْ
قَالُوا إنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - هُوَ الْخَالِقُ لِهَذِهِ
الْأَشْيَاءِ عِنْدَ إلْقَاءِ السَّاحِرِ كَلِمَاتِهِ الْمُعَيَّنَةَ ؛ وَيَدُلُّ
لِذَلِكَ قَوْله تَعَالَى : { وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إلَّا
بِإِذْنِ اللَّهِ } .
وَمَرَّ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُحِرَ
وَعُمِلَ فِيهِ السِّحْرُ حَتَّى قَالَ إنَّهُ لَيُخَيَّلُ إلَيَّ أَنِّي أَقُولُ
الشَّيْءَ وَأَفْعَلُهُ وَلَمْ أَقُلْهُ وَلَمْ أَفْعَلْهُ ، وَالسَّاحِرُ لَهُ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَبِيدُ بْنُ الْأَعْصَمِ وَبَنَاتُهُ جَعَلُوا
تِلْكَ الْعُقْدَةَ الَّتِي نَفَثْنَ عَلَيْهَا فِي مُشْطٍ وَمُشَاطَةٍ وَجُفِّ
طَلْعِ نَخْلَةٍ وَوَضَعُوا ذَلِكَ تَحْتَ رَاعُوفَةِ الْبِئْرِ السَّافِلَةِ
فَأَثَّرَ فِيهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدَامَ ذَلِكَ حَتَّى رَأَى
مَلَكَيْنِ فِي النَّوْمِ يَقُولُ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ : مَا مَرَضُ الرَّجُلِ ؟
فَقَالَ لَهُ صَاحِبُهُ مَطْبُوبٌ : أَيْ مَسْحُورٌ ، قَالَ مَنْ طَبَّهُ ؟ قَالَ لَبِيدُ
بْنُ الْأَعْصَمِ قَالَ فِيمَ ذَا ؟ قَالَ فِي مُشْطٍ وَمُشَاطَةٍ وَجُفِّ طَلْعِ
نَخْلَةٍ .
قَالَ فَأَيْنَ هُوَ ؟ قَالَ فِي بِئْرِ ذِي أَرْوَانَ } .
رَوَاهُ الشَّيْخَانِ ، وَلَفْظُهُمَا عَنْ عَائِشَةَ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا : { يَا عَائِشَةُ : أَشَعَرْت أَنَّ اللَّهَ أَفْتَانِي فِيمَا
اسْتَفْتَيْته فِيهِ ؟ جَاءَنِي رَجُلَانِ فَقَعَدَ أَحَدُهُمَا عِنْدَ رَأْسِي وَالْآخَرُ
عِنْدَ رِجْلَيَّ ، فَقَالَ الَّذِي عِنْدَ رَأْسِي لِلَّذِي عِنْدَ رِجْلَيَّ ،
أَوْ الَّذِي عِنْدَ رِجْلَيَّ لِلَّذِي عِنْدَ رَأْسِي مَا وَجَعُ الرَّجُلِ ؟
قَالَ : مَطْبُوبٌ ، قَالَ : مَنْ طَبَّهُ ؟ قَالَ : لَبِيدُ بْنُ الْأَعْصَمِ .
قَالَ فِي أَيِّ شَيْءٍ .
؟ قَالَ فِي
مُشْطٍ وَمُشَاطَةٍ وَجُفِّ طَلْعَةِ ذَكَرٍ .
قَالَ فَأَيْنَ هُوَ ؟ قَالَ فِي بِئْرِ ذِي أَرْوَانَ ،
وَلَمَّا أُخْبِرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ ذَهَبَ إلَى تِلْكَ
الْبِئْرِ ، فَأَخْرَجَ ذَلِكَ السِّحْرَ عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي نُعِتَتْ لَهُ ،
وَمُسِخَ مَاؤُهَا حَتَّى صَارَ كَنُقَاعَةِ الْحِنَّاءِ وَطَلَعَ النَّخْلُ
الَّذِي حَوْلَهَا حَتَّى صَارَ كَرُءُوسِ الشَّيَاطِينِ ، وَأَنْزَلَ اللَّهُ
تَبَارَكَ وَتَعَالَى
الْمُعَوِّذَتَيْنِ فَكَانَتَا شِفَاءً لَهُ وَلِأُمَّتِهِ
مِنْ السِّحْرِ } .
وَرُوِيَ :
" أَنَّ امْرَأَةً أَتَتْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهَا فَقَالَتْ إنِّي سَاحِرَةٌ هَلْ لِي مِنْ تَوْبَةٍ ؟ قَالَتْ : وَمَا
سِحْرُك ؟ فَقَالَتْ : سِرْت إلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي فِيهِ هَارُوتُ وَمَارُوتُ أَطْلُبُ
عِلْمَ السِّحْرِ ، فَقَالَا : يَا أَمَةَ اللَّهِ لَا تَخْتَارِي عَذَابَ
الْآخِرَةِ بِأَمْرِ الدُّنْيَا فَأَبَيْت ، فَقَالَا لِي : اذْهَبِي فَبُولِي عَلَى ذَلِكَ
الرَّمَادِ ، فَذَهَبْت لِأَبُولَ عَلَيْهِ فَفَكَّرْت فِي نَفْسِي فَقُلْت لَا
فَعَلْت وَجِئْت إلَيْهِمَا فَقُلْت قَدْ فَعَلْت ، فَقَالَا لِي : مَا رَأَيْت
لِمَا فَعَلْت ؟ فَقُلْت مَا رَأَيْت شَيْئًا ، فَقَالَا لِي : اذْهَبِي فَاتَّقِي
اللَّهَ وَلَمْ تَفْعَلِي فَأَبَيْت ، فَقَالَا لِي : اذْهَبِي فَافْعَلِي
فَذَهَبْت وَفَعَلْت ، فَرَأَيْت كَأَنَّ فَارِسًا مُقَنَّعًا بِالْحَدِيدِ قَدْ خَرَجَ
مِنْ فَرْجِي فَصَعِدَ إلَى السَّمَاءِ ، فَجِئْتهمَا فَأَخْبَرْتهمَا فَقَالَا
لِي : ذَاكَ إيمَانُك قَدْ خَرَجَ مِنْك قَدْ أَحْسَنْتِ السِّحْرَ .
قُلْت وَمَا هُوَ ؟ قَالَا لَا تُرِيدِينَ شَيْئًا
فَتُصَوِّرِينَهُ فِي وَهْمِك إلَّا كَانَ ، فَتَصَوَّرْت فِي نَفْسِي حَبًّا مِنْ
حِنْطَةٍ فَإِذَا أَنَا بِحَبٍّ ، فَقُلْت انْزَرَعَ فَانْزَرَعَ ، فَخَرَجَ مِنْ
سَاعَتِهِ سُنْبُلًا ، فَقُلْت انْطَحِنْ فَانْطَحَنَ مِنْ سَاعَتِهِ وَانْخَبَزَ
، وَأَنَا لَا أُرِيدُ شَيْئًا أُصَوِّرُهُ فِي نَفْسِي إلَّا حَصَلَ .
فَقَالَتْ عَائِشَةُ لَيْسَ لَك تَوْبَةٌ .
قَالَ الْقُرْطُبِيُّ ، أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى
أَنَّهُ لَيْسَ فِي السِّحْرِ مَا يَفْعَلُ اللَّهُ عِنْدَهُ : إنْزَالَ
الْجَرَادِ ، وَالْقُمَّلِ ، وَالضَّفَادِعِ ، وَفَلْقَ الْبَحْرِ ، وَقَلْبَ
الْعَصَا ، وَإِحْيَاءَ الْمَوْتَى ، وَإِنْطَاقَ الْعَجْمَاءِ وَأَمْثَالَ ذَلِكَ
مِنْ آيَاتِ الرُّسُلِ عَلَيْهِمْ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ .
وَالْفَرْقُ بَيْنَ السِّحْرِ وَالْمُعْجِزَةِ أَنَّ
السِّحْرَ يَأْتِي بِهِ السَّاحِرُ وَغَيْرُهُ أَيْ مِنْ كُلِّ مَنْ تَعَلَّمَ
طَرِيقَةً وَقَدْ يَكُونُ جَمَاعَةٌ يُعَلِّمُونَهُ وَيَأْتُونَ بِهِ فِي وَقْتٍ
وَاحِدٍ ، وَأَمَّا الْمُعْجِزَةُ فَلَا يُمَكِّنُ
اللَّهُ - تَعَالَى - أَنْ يَأْتِيَ بِمِثْلِهَا
وَمُعَارَضَتِهَا .
قَالَ الْفَخْرُ : وَاتَّفَقَ الْمُحَقِّقُونَ عَلَى
أَنَّ الْعِلْمَ بِالسِّحْرِ لَيْسَ بِقَبِيحٍ وَلَا مَحْظُورٍ ؛ لِأَنَّ
الْعِلْمَ لِذَاتِهِ شَرِيفٌ لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى : { هَلْ يَسْتَوِي
الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَاَلَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ } وَلَوْ لَمْ يُعْلَمْ السِّحْرُ
لَمَا أَمْكَنَ الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُعْجِزَةِ ، وَالْعِلْمُ بِكَوْنِ
الْمُعْجِزِ مُعْجِزًا وَاجِبٌ ، وَمَا يَتَوَقَّفُ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ فَهُوَ
وَاجِبٌ ، فَهَذَا يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ تَحْصِيلُ الْعِلْمِ بِالسِّحْرِ
وَاجِبًا ، وَمَا يَكُونُ وَاجِبًا يَكُونُ حَرَامًا وَقَبِيحًا .
وَنَقَلَ بَعْضُهُمْ وُجُوبَ تَعَلُّمِهِ عَلَى
الْمُفْتِي حَتَّى يَعْلَمَ مَا يَقْتُلُ مِنْهُ وَمَا لَا يَقْتُلُ فَيُفْتِي
بِهِ فِي وُجُوبِ الْقِصَاصِ .
انْتَهَى
.
وَمَا قَالَهُ فِيهِ نَظَرٌ ، وَبِتَسْلِيمِهِ فَهُوَ
لَا يُنَافِي مَا قَدَّمْنَاهُ فِي التَّرْجَمَةِ مِنْ أَنَّ تَعَلُّمَهُ
وَتَعْلِيمَهُ كَبِيرَتَانِ ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ لَيْسَ فِيهِمَا ، وَإِنَّمَا
هُوَ فِي شَخْصٍ تَعَلَّمَهُ جَاهِلًا بِحُرْمَتِهِ أَوْ تَعَلَّمَهُ عَالِمًا
بِهَا ثُمَّ تَابَ ، فَمَا عِنْدَهُ الْآنَ مِنْ عِلْمِ السِّحْرِ الَّذِي لَا
كُفْرَ فِيهِ هَلْ هُوَ قَبِيحٌ فِي ذَاتِهِ ، وَظَاهِرٌ أَنَّهُ لَيْسَ قَبِيحًا لِذَاتِهِ
، وَإِنَّمَا قُبْحُهُ لِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ ؛ وَمَا نُقِلَ عَنْ بَعْضِهِمْ
غَيْرُ صَحِيحٍ ؛ لِأَنَّ إفْتَاءَهُ بِوُجُوبِ الْقَوَدِ أَوْ عَدَمِهِ لَا
يَسْتَلْزِمُ مَعْرِفَتَهُ عِلْمَ السِّحْرِ ؛ لِأَنَّ صُورَةَ إفْتَائِهِ إنْ
شَهِدَ عَدْلَانِ عَرَفَا السِّحْرَ وَتَابَا مِنْهُ أَنَّهُ يَقْتُلُ غَالِبًا
قَتْلَ السَّاحِرِ ، وَإِلَّا فَلَا ، وَكَذَا الْعِلْمُ بِالْمُعْجِزَةِ لَا
يَتَوَقَّفُ عَلَى الْعِلْمِ بِالسِّحْرِ ؛ لِأَنَّ أَكْثَرَ الْعُلَمَاءِ أَوْ
كُلَّهُمْ إلَّا النَّادِرَ عَرَفُوا الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا وَلَمْ يَعْرِفُوا
عِلْمَ السِّحْرِ ، وَكَفَى فَارِقًا بَيْنَهُمَا أَنَّ الْمُعْجِزَةَ تَكُونُ مَقْرُونَةً
بِالتَّحَدِّي بِخِلَافِ السِّحْرِ ، فَبَطَلَ قَوْلُ الْفَخْرِ لَمَّا أَمْكَنَ
الْفَرْقُ إلَخْ .
وَأَمَّا كَوْنُهُ خَارِقًا ؛ فَهُوَ
أَمْرٌ يَشْتَرِكُ فِيهِ السِّحْرُ وَالْمُعْجِزَةُ ،
وَإِنَّمَا يَفْتَرِقَانِ بِاقْتِرَابِهَا بِالتَّحَدِّي بِخِلَافِهِ فَإِنَّهُ
لَا يُمْكِنُ ظُهُورُهُ عَلَى يَدِ مُدَّعِي نُبُوَّةٍ كَاذِبًا كَمَا جَرَتْ بِهِ
عَادَةُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ الْمُسْتَمِرَّةُ صَوْنًا لِهَذَا الْمَنْصِبِ
الْجَلِيلِ عَنْ أَنْ يَتَسَوَّرَ حِمَاهُ الْكَذَّابُونَ .
وَقَدْ مَرَّ عَنْ الْقُرْطُبِيِّ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ
أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ فِي السِّحْرِ مَا يَفْعَلُ اللَّهُ عِنْدَهُ
إنْزَالَ الْجَرَادِ وَغَيْرِهِ مِمَّا سَبَقَ ، فَهَذَا وَنَحْوُهُ مِمَّا يَجِبُ
الْقَطْعُ بِأَنَّهُ لَا يَكُونُ وَلَا يَفْعَلُهُ اللَّهُ عِنْدَ إرَادَةِ السَّاحِرِ .
قَالَ الْقَاضِي الْبَاقِلَّانِيُّ : وَإِنَّمَا
مَنَعْنَا ذَلِكَ لِلْإِجْمَاعِ وَلَوْلَاهُ لَأَجَزْنَاهُ ؛ انْتَهَى .
وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ الْقُرْطُبِيُّ قَوْله تَعَالَى
عَنْ حِبَالِ سَحَرَةِ فِرْعَوْنَ : { وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ
أَنَّهَا تَسْعَى } فَأَخْبَرَ عَنْ الْعِصِيِّ وَالْحِبَالِ بِأَنَّهَا حَيَّاتٌ
، وَلَيْسَ هَذَا الْإِيرَادُ بِصَحِيحٍ ؛ لِأَنَّ الْمُجْمَعَ عَلَيْهِ نَفْيُ
الِانْقِلَابِ حَقِيقَةً وَهَذَا تَخْيِيلٌ .
أَلَا تَرَى إلَى قَوْله تَعَالَى : { يُخَيَّلُ إلَيْهِ } .
وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي السَّاحِرِ هَلْ يَكْفُرُ
أَوْ لَا ؟ وَلَيْسَ مِنْ مَحَلِّ الْخِلَافِ النَّوْعَانِ الْأَوَّلَانِ مِنْ
أَنْوَاعِ السَّحَرِ السَّابِقَةِ إذْ لَا نِزَاعَ فِي كُفْرِ مَنْ اعْتَقَدَ
أَنَّ الْكَوَاكِبَ مُؤَثِّرَةٌ لِهَذَا الْعَالَمِ ، أَوْ أَنَّ الْإِنْسَانَ يَصِلُ
بِالتَّصْفِيَةِ إلَى أَنْ تَصِيرَ نَفْسُهُ مُؤَثِّرَةً فِي إيجَادِ جِسْمٍ أَوْ
حَيَاةٍ أَوْ تَغْيِيرِ شَكْلٍ
.
وَأَمَّا النَّوْعُ الثَّالِثُ وَهُوَ أَنْ يَعْتَقِدَ
السَّاحِرُ أَنَّهُ بَلَغَ فِي التَّصْفِيَةِ وَقِرَاءَةِ الرُّقَى وَتَدْخِينِ
بَعْضِ الْأَدْوِيَةِ إلَى أَنَّ الْجِنَّ تُطِيعُهُ فِي تَغْيِيرِ الْبِنْيَةِ
وَالشَّكْلِ ، فَالْمُعْتَزِلَةُ يُقِرُّونَهُ دُونَ غَيْرِهِمْ .
وَأَمَّا بَقِيَّةُ أَنْوَاعِهِ : فَقَالَ جَمَاعَةٌ
إنَّهَا كُفْرٌ مُطْلَقًا ؛ لِأَنَّ الْيَهُودَ لَمَّا أَضَافُوا السِّحْرَ
لِسُلَيْمَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَى نَبِيِّنَا
وَعَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ - تَعَالَى - تَنْزِيهًا لَهُ
عَنْهُ : { وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا
يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ } فَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُمْ إنَّمَا كَفَرُوا
بِتَعْلِيمِهِمْ السِّحْرَ ، لِأَنَّ تَرْتِيبَ الْحُكْمِ عَلَى الْوَصْفِ
الْمُنَاسِبِ يُشْعِرُ بِعَلِيَّتِهِ ، وَتَعْلِيمُ مَا لَا يَكُونُ كُفْرًا لَا
يُوجِبُ الْكُفْرَ .
وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ السِّحْرَ عَلَى الْإِطْلَاقِ
كُفْرٌ ، وَكَذَا يَقْتَضِي ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى عَنْ الْمَلَكَيْنِ : { وَمَا
يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ
} وَأَجَابَ الْقَائِلُونَ بِعَدَمِ الْكُفْرِ كَالشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ وَأَصْحَابِهِ بِأَنَّ حِكَايَةَ الْحَالِ يَكْفِي فِي صِدْقِهَا صُورَةٌ وَاحِدَةٌ
، فَيُحْمَلُ عَلَى سِحْرِ مَنْ اعْتَقَدَ إلَهِيَّةَ النُّجُومِ ، وَأَيْضًا
فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ ذَلِكَ فِيهِ تَرْتِيبُ حُكْمٍ عَلَى وَصْفٍ يَقْتَضِي
إشْعَارَهُ بِالْعَلِيَّةِ ، لِأَنَّ الْمَعْنَى أَنَّهُمْ كَفَرُوا وَهُمْ مَعَ
ذَلِكَ يَعْلَمُونَ السِّحْرَ .
وَاخْتَلَفُوا هَلْ تُقْبَلُ تَوْبَةُ السَّاحِرِ ؟
فَأَمَّا النَّوْعَانِ الْأَوَّلَانِ فَمُعْتَقِدُ أَحَدِهِمَا مُرْتَدٌّ ، فَإِنْ
تَابَ فَذَاكَ وَإِلَّا قُتِلَ
.
وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ لَا تُقْبَلُ
تَوْبَتُهُمَا .
وَأَمَّا النَّوْعُ الثَّالِثُ وَمَا بَعْدَهُ : فَإِنْ
اعْتَقَدَ أَنَّ فِعْلَهُ مُبَاحٌ قُتِلَ لِكُفْرِهِ لِأَنَّ تَحْلِيلَ
الْمُحَرَّمِ الْمُجْمَعِ عَلَى تَحْرِيمِهِ الْمَعْلُومِ مِنْ الدِّينِ
بِالضَّرُورَةِ كُفْرٌ كَمَا مَرَّ ، وَإِنْ اعْتَقَدَ أَنَّهُ حَرَامٌ ؛ فَعِنْدَ
الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ جِنَايَةٌ فَإِذَا فَعَلَهُ
بِالْغَيْرِ وَأَقَرَّ أَنَّهُ يَقْتُلُ غَالِبًا قُتِلَ بِهِ لِأَنَّهُ عَمْدٌ
أَوْ نَادِرٌ فَهُوَ شِبْهُ عَمْدٍ أَوْ أَخْطَأَ مِنْ اسْمِ غَيْرِهِ إلَيْهِ فَهُوَ
خَطَأٌ ، وَالدِّيَةُ فِيهِمَا عَلَى الْعَاقِلَةِ إنْ صَدَّقَتْهُ إذْ لَا
يُقْبَلُ إقْرَارُهُ عَلَيْهِمْ
.
وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ السَّاحِرَ يُقْتَلُ
مُطْلَقًا إذَا عُلِمَ أَنَّهُ سَاحِرٌ بِإِقْرَارِهِ أَوْ بِبَيِّنَةٍ تَشْهَدُ
عَلَيْهِ بِأَنَّهُ سَاحِرٌ
وَيَصِفُونَهُ بِصِفَةٍ تُعْلِمُ أَنَّهُ سَاحِرٌ ،
وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ أَتْرُكُ السِّحْرَ وَأَتُوبُ عَنْهُ ، فَإِنْ أَقَرَّ
بِأَنِّي كُنْت أَسْحَرُ مُدَّةً وَقَدْ تَرَكْت ذَلِكَ مُنْذُ زَمَانٍ قُبِلَ مِنْهُ
وَلَمْ يُقْتَلْ .
وَسُئِلَ أَبُو حَنِيفَةَ لِمَ لَمْ يَكُنْ السَّاحِرُ بِمَنْزِلَةِ
الْمُرْتَدِّ حَتَّى تُقْبَلَ تَوْبَتُهُ ؟ فَقَالَ : لِأَنَّهُ جَمَعَ مَعَ كُفْرِهِ
السَّعْيَ فِي الْأَرْضِ بِالْفَسَادِ وَمَنْ هُوَ كَذَلِكَ يُقْتَلُ مُطْلَقًا .
وَرُدَّ مَا قَالَهُ بِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ لَمْ يَقْتُلْ الْيَهُودِيَّ الَّذِي سَحَرَهُ ، فَالْمُؤْمِنُ مِثْلُهُ
لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { لَهُمْ مَا لِلْمُسْلِمِينَ
وَعَلَيْهِمْ مَا عَلَى الْمُسْلِمِينَ
} .
وَاحْتَجَّ أَبُو حَنِيفَةَ بِمَا رُوِيَ أَنَّ جَارِيَةً
لِحَفْصَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا سَحَرَتْهَا فَأَخَذُوهَا
فَاعْتَرَفَتْ بِذَلِكَ فَأَمَرَتْ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ زَيْدٍ فَقَتَلَهَا ،
فَبَلَغَ ذَلِكَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عُثْمَانَ فَأَنْكَرَهُ ، فَجَاءَهُ ابْنُ
عُمَرَ فَأَخْبَرَهُ بِأَمْرِهَا ، وَكَأَنَّ عُثْمَانَ إنَّمَا أَنْكَرَ ذَلِكَ لِأَنَّهَا
قَتَلَتْهَا بِغَيْرِ إذْنِهِ .
وَبِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
أَنَّهُ قَالَ : اُقْتُلُوا كُلَّ سَاحِرٍ وَسَاحِرَةٍ ، فَقَتَلُوا ثَلَاثَ
سَوَاحِرَ .
وَأَجَابَ أَصْحَابُنَا عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ هَذَيْنِ
عَلَى تَقْدِيرِ ثُبُوتِهِمَا يُحْتَمَلُ أَنَّ الْقَتْلَ فِيهِمَا بِكُفْرِ
السَّاحِرِ لِوُجُودِ أَحَدِ النَّوْعَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ فِيهِ وَذَلِكَ لَيْسَ
مِنْ مَحَلِّ الْخِلَافِ كَمَا مَرَّ ، وَأَيُّ دَلِيلٍ قَامَ عَلَى أَنَّهُ مِنْ بَقِيَّةِ
الْأَنْوَاعِ الَّتِي هِيَ مَحَلُّ الْخِلَافِ كَالشَّعْبَذَةِ وَالْآلَاتِ
الْعَجِيبَةِ الْمَبْنِيَّةِ عَلَى الْهَنْدَسَةِ وَأَنْوَاعِ التَّخْوِيفِ
وَالتَّقْرِيعِ وَالْوَهْمِ .
تَنْبِيهٌ : قَالَ الْقُرْطُبِيُّ : هَلْ يُسْأَلُ
السَّاحِرُ حِلَّ السِّحْرِ عَنْ الْمَسْحُورِ ؟ قَالَ الْبُخَارِيُّ ، عَنْ
سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : قِيلَ يَجُوزُ ، وَإِلَيْهِ
مَالَ الْمَازِرِيُّ ، وَكَرِهَهُ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ .
وَقَالَ الشَّعْبِيُّ : لَا بَأْسَ بِالنُّشْرَةِ .
قَالَ :
ابْنُ بَطَّالٍ : وَفِي كِتَابِ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ :
أَنْ يَأْخُذَ سَبْعَ وَرَقَاتٍ مِنْ سِدْرٍ أَخْضَرَ فَيَدُقَّهُ بَيْنَ
حَجَرَيْنِ ثُمَّ يَضْرِبَهُ بِالْمَاءِ وَيَقْرَأَ عَلَيْهِ آيَةَ الْكُرْسِيِّ
ثُمَّ يَحْسُوَ مِنْهُ ثَلَاثَ حَسَوَاتٍ وَيَغْتَسِلَ بِهِ فَإِنَّهُ يُذْهِبُ عَنْهُ
مَا بِهِ إنْ شَاءَ - تَعَالَى - وَهُوَ جَيِّدٌ لِلرَّجُلِ إذْ حُبِسَ عَنْ
أَهْلِهِ .
قَوْله تَعَالَى : { وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ
} فِيهَا أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ : أَظْهَرُهَا أَنَّهَا مَوْصُولَةٌ عَطْفًا عَلَى
السِّحْرِ : أَيْ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَالْمُنَزَّلَ عَلَى
الْمَلَكَيْنِ ، وَقِيلَ نَافِيَةٌ : أَيْ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ
إبَاحَةُ السِّحْرِ ، وَقِيلَ مَوْصُولَةٌ مَحَلُّهَا جُرَّ عَطْفًا عَلَى مُلْكِ
سُلَيْمَانَ ؛ لِأَنَّ عَطْفَهَا عَلَى السِّحْرِ يَقْتَضِي أَنَّ السِّحْرَ
نَازِلٌ عَلَيْهِمَا ، فَيَكُونُ مُنْزِلُهُ هُوَ اللَّهُ ، وَذَلِكَ غَيْرُ
جَائِزٍ ، وَكَمَا لَا يَجُوزُ فِي الْأَنْبِيَاءِ أَنْ يُبْعَثُوا لِتَعْلِيمِ
السِّحْرِ فَالْمَلَائِكَةُ أَوْلَى ، وَكَيْفَ يُضَافُ إلَى اللَّهِ مَا هُوَ
كُفْرٌ ؟ وَإِنَّمَا يُضَافُ لِلْمَرَدَةِ وَالْكَفَرَةِ ، وَإِنَّمَا الْمَعْنَى أَنَّ
الشَّيَاطِينَ نَسَبُوا السِّحْرَ إلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَالْمُنَزَّلِ عَلَى
الْمَلَكَيْنِ مَعَ أَنَّ مُلْكَهُ وَالْمُنَزَّلَ عَلَيْهِمَا بَرِيئَانِ مِنْ
السِّحْرِ بَلْ الْمُنَزَّلُ عَلَيْهِمَا هُوَ الشَّرْعُ وَالدِّينُ .
وَكَانَا يُعَلِّمَانِ النَّاسَ قَبُولَهُ
وَالتَّمَسُّكَ بِهِ ، فَكَانَتْ طَائِفَةٌ تَتَمَسَّكُ وَأُخْرَى تُخَالِفُ .
انْتَهَى
.
وَاعْتَرَضَهُ الْفَخْرُ بِأَنَّ عَطْفَهُ عَلَى "
مُلْكٍ " بَعِيدٌ فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ دَلِيلٍ .
وَزَعَمَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ نَازِلًا عَلَيْهِمَا
لَكَانَ مُنْزِلُهُ هُوَ اللَّهُ لَا يَضُرُّ ؛ لِأَنَّ تَعْرِيفَ
صِفَةِ الشَّيْءِ قَدْ يَكُونُ لِأَجْلِ التَّرْغِيبِ
فِيهِ حَتَّى يُوجِدَهُ الْمُكَلِّفُ ، وَقَدْ يَكُونُ لِأَجْلِ التَّنْفِيرِ
عَنْهُ حَتَّى يُحْتَرَزُ عَنْهُ كَمَا قِيلَ : عَرَفْت الشَّرَّ لَا لِلشَّرِّ
بَلْ لِتَوَقِّيهِ .
وَزَعَمَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَعْثَةُ الْأَنْبِيَاءِ لِتَعْلِيمِهِ
لَا يُؤَثِّرُ أَيْضًا ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ هُنَا تَعْلِيمُ فَسَادِهِ
وَإِبْطَالِهِ ، وَزَعْمُ أَنَّ تَعْلِيمَهُ كُفْرٌ مَمْنُوعٌ ، وَبِتَسْلِيمِهِ
هِيَ وَاقِعَةُ حَالٍ يَكْفِي فِي صِدْقِهَا صُورَةٌ وَاحِدَةٌ ، وَزَعْمُ أَنَّهُ
إنَّمَا يُضَافُ لِلْمَرَدَةِ وَالْكَفَرَةِ إنَّمَا يَصِحُّ إنْ أُرِيدَ بِهِ
الْعَمَلُ لَا التَّعْلِيمُ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْعَمَلُ مَنْهِيًّا عَنْهُ
وَتَعْلِيمُهُ لِغَرَضِ التَّنْبِيهِ عَلَى فَسَادِهِ مَأْمُورٌ بِهِ ، وَمَا
تَقَرَّرَ أَنَّهُمَا مَلَكَانِ هُوَ الْأَصَحُّ الَّذِي عَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ .
وَقُرِئَ شَاذًّا بِكَسْرِ اللَّامِ فَيَكُونَانِ
إنْسِيَّيْنِ وَسَيَأْتِي مَا فِيهِ ، وَالْبَاءُ فِي بِبَابِلَ مَعْنًى فِي ،
سُمِّيَتْ بِذَلِكَ قِيلَ لِتَبَلْبُلِ أَلْسِنَةِ الْخَلْقِ بِهَا ؛ لِأَنَّ
اللَّهَ - تَعَالَى - أَمَرَ رِيحًا فَحَشَرَتْهُمْ بِهَذِهِ الْأَرْضِ فَلَمْ
يَدْرِ أَحَدُهُمْ مَا يَقُولُ الْآخَرُ ، ثُمَّ فَرَّقَهُمْ الرِّيحُ فِي
الْبِلَادِ فَتَكَلَّمَ كُلُّ وَاحِدٍ بِلُغَةٍ ، وَالْبَلْبَلَةُ : التَّفْرِقَةُ
، وَقِيلَ لَمَّا أَرْسَتْ سَفِينَةُ نُوحٍ بِالْجُودِيِّ نَزَلَ فَبَنَى قَرْيَةً
وَسَمَّاهَا ثَمَانِينَ بِاسْمِ أَصْحَابِ السَّفِينَةِ فَأَصْبَحَ ذَاتَ يَوْمٍ
وَقَدْ تَبَلْبَلَتْ أَلْسِنَتُهُمْ عَلَى ثَمَانِينَ لُغَةً ، وَقِيلَ
لِتَبَلْبُلِ أَلْسِنَةِ الْخَلْقِ بِهَا عِنْدَ سُقُوطِ صَرْحِ نُمْرُوذَ ،
وَهِيَ بَابِلُ الْعِرَاقِ .
وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ : بَابِلُ أَرْضُ الْكُوفَةِ .
وَالْجُمْهُورُ عَلَى فَتْحِ تَاءِ هَارُوتَ وَمَارُوتَ
وَهُمَا بِنَاءً عَلَى فَتْحِ لَامِ الْمَلَكَيْنِ بَدَلٌ مِنْهُمَا ، وَقِيلَ
مِنْ النَّاسِ بَدَلُ بَعْضٍ مِنْ كُلٍّ .
وَقِيلَ بَلْ هُمَا بَدَلٌ مِنْ الشَّيَاطِينِ ، وَقِيلَ
نَصْبًا عَلَى الذَّمِّ : أَيْ أَذُمُّ هَارُوتَ وَمَارُوتَ مِنْ بَيْنِ
الشَّيَاطِينِ كُلِّهَا ، وَمَنْ كَسَرَ لَامَهُمَا أَجْرَى
فِيهِمَا مَا ذُكِرَ ، نَعَمْ إنْ فُسِّرَ الْمَلَكَانِ
بِدَاوُد وَسُلَيْمَانَ كَمَا ذَكَرَهُ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ وَجَبَ فِي
هَارُوتَ وَمَارُوتَ أَنْ يَكُونَا بَدَلًا مِنْ الشَّيَاطِينِ أَوْ النَّاسِ
وَعَلَى فَتْحِ اللَّامِ قِيلَ هُمَا مَلَكَانِ مِنْ السَّمَاءِ اسْمُهُمَا
هَارُوتُ وَمَارُوتُ وَهُوَ الصَّحِيحُ لِلتَّصْرِيحِ بِهِ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ
الْآتِي فِي بَحْثِ الْخَمْرِ ، وَقِيلَ هُمَا جِبْرِيلُ وَمِيكَائِيلُ صَلَّى
اللَّهُ عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِمَا وَسَلَّمَ ، وَعَلَى كَسْرِهَا قِيلَ
هُمَا قَبِيلَتَانِ مِنْ الْجِنِّ ، وَقِيلَ دَاوُد وَسُلَيْمَانُ ، وَقِيلَ
رَجُلَانِ صَالِحَانِ ؛ وَقِيلَ رَجُلَانِ سَاحِرَانِ ، وَقِيلَ عِلْجَانِ
أَقْلَفَانِ بِبَابِلَ يُعَلِّمَانِ النَّاسَ السِّحْرَ وَيُعَلِّمَانِ عَلَى
بَابِهِ مِنْ التَّعْلِيمِ ، وَقِيلَ يُعَلِّمَانِ مِنْ أَعْلَمَ إذْ الْهَمْزَةُ
وَالتَّضْعِيفُ يَتَعَاقَبَانِ إذْ الْمَلَكَانِ لَا يُعَلِّمَانِ السِّحْرَ
إنَّمَا يُعْلِمَانِ بِقُبْحِهِ
.
وَمِمَّنْ حَكَى أَنْ يُعَلِّمُ بِمَعْنَى أَعْلَمَ
ابْنَا الْأَعْرَابِيِّ وَالْأَنْبَارِيِّ ، ثُمَّ الْقَائِلُونَ بِأَنَّهُمَا
لَيْسَا مِنْ الْمَلَائِكَةِ احْتَجُّوا بِأَنَّ الْمَلَائِكَةَ لَا يَلِيقُ
بِهِمْ تَعْلِيمُ السِّحْرِ ، وَبِقَوْلِهِ - تَعَالَى - : { وَلَوْ أَنْزَلْنَا
مَلَكًا لَقُضِيَ الْأَمْرُ ثُمَّ لَا يُنْظَرُونَ } وَبِأَنَّهُمَا لَوْ نَزَلَا
فِي صُورَتَيْ رَجُلَيْنِ كَانَ تَلْبِيسًا وَهُوَ لَا يَجُوزُ ، وَإِلَّا لَجَازَ
فِي كُلِّ مَنْ شُوهِدَ مِنْ آحَادِ النَّاسِ أَنَّهُ لَا يَكُونُ رَجُلًا
حَقِيقَةً لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ مَلَكٌ مِنْ الْمَلَائِكَةِ أَوَّلًا فِي
صُورَتَيْ رَجُلَيْنِ نَافَى قَوْله تَعَالَى : { وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا
لَجَعَلْنَاهُ رَجُلًا } .
وَيُجَابُ عَنْ الْأَوَّلِ بِمَا مَرَّ أَنَّ
الْمَحْذُورَ تَعْلِيمُهُ لِلْعَمَلِ بِهِ لَا لِبَيَانِ فَسَادِهِ .
وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّ الْمُرَادَ لَوْ أَنْزَلْنَا
مَلَكًا رَسُولًا دَاعِيًا إلَى النَّاسِ لَجَعَلْنَاهُ رَجُلًا حَتَّى
يُمْكِنَهُمْ الْأَخْذُ عَنْهُ وَالتَّلَقِّي مِنْهُ ، وَمَا هُنَا لَيْسَ
كَذَلِكَ فَلَا مَحْذُورَ فِي كَوْنِ الْمَلَكِ عَلَى غَيْرِ صُورَةِ الرَّجُلِ .
وَعَنْ الثَّالِثِ
بِأَنَّا نَخْتَارُ أَنَّهُمَا لَيْسَا فِي صُورَتَيْ
رَجُلَيْنِ وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ ذَلِكَ وَتِلْكَ الْآيَةِ كَمَا بَيَّنَّاهُ ،
وَعَلَى أَنَّهُمَا فِي صُورَةِ رَجُلٍ فَإِنَّمَا يَجُوزُ الْحُكْمُ عَلَى كُلِّ
ذَاتٍ بِأَنَّهُمَا مَلَكٌ فِي زَمَنٍ يَجُوزُ فِيهِ إنْزَالُ الْمَلَائِكَةِ ، كَمَا
أَنَّ صُورَةَ دِحْيَةَ مَنْ كَانَ يَرَاهَا بَعْدَ عِلْمِهِ أَنَّ جِبْرِيلَ
يَنْزِلُ فِيهَا لَا يَقْطَعُ بِأَنَّهَا صُورَةُ دِحْيَةَ لِاحْتِمَالِ أَنَّهَا
جِبْرِيلُ ، وَقَدْ أَجَابَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ عَنْ تِلْكَ الْحُجَجِ بِمَا
لَا يُجْدِي بَلْ بِمَا فِيهِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ .
وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُفَسِّرِينَ ذَكَرُوا لِهَذَيْنِ
الْمَلَكَيْنِ قِصَّةً عَظِيمَةً طَوِيلَةً .
حَاصِلُهَا أَنَّ الْمَلَائِكَةَ لَمَّا اعْتَرَضُوا
بِقَوْلِهِمْ { أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ }
وَمَدَحُوا أَنْفُسَهُمْ بِقَوْلِهِمْ : { وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِك
وَنُقَدِّسُ لَك } أَرَاهُمْ اللَّهُ - تَعَالَى - مَا يَدْفَعُ دَعْوَاهُمْ ، فَرَكَّبَ
فِي هَارُوتَ وَمَارُوتَ مِنْهُمْ شَهْوَةً ، وَأَنْزَلَهُمَا حَاكِمَيْنِ فِي
الْأَرْضِ فَافْتُتِنَا بِالزَّهْرَةِ مُثِّلَتْ لَهُمَا مِنْ أَجْمَلِ النِّسَاءِ
فَلَمَّا وَقَعَا بِهَا خُيِّرَا بَيْنَ عَذَابَيْ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ،
فَاخْتَارَا عَذَابَ الدُّنْيَا فَهُمَا يُعَذَّبَانِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ .
وَنَازَعَ جَمَاعَةٌ فِي أَصْلِ ثُبُوتِ هَذِهِ
الْقِصَّةِ ، وَلَيْسَ كَمَا زَعَمُوا لِوُرُودِ الْحَدِيثِ بَلْ صِحَّتُهُ بِهَا
، وَسَيَأْتِي لَفْظُهُ فِي مَبْحَثِ الْخَمْرِ ، وَمِنْ جُمْلَتِهِ أَنَّهَا
لَمَّا مُثِّلَتْ لَهُمَا وَرَاوَدَاهَا عَنْ نَفْسِهَا أَمَرَتْهُمَا بِالشِّرْكِ
فَامْتَنَعَا ، ثُمَّ بِالْقَتْلِ فَامْتَنَعَا ثُمَّ بِشُرْبِ الْخَمْرِ
فَشَرِبَاهَا ثُمَّ وَقَعَا بِهَا وَقُتِلَا ، ثُمَّ أَخْبَرَتْهُمَا بِمَا
فَعَلَتَاهُ فَخُيِّرَا كَمَا ذُكِرَ
.
وَمِنْ الْمُنَازَعِينَ الْفَخْرُ قَالَ : هَذِهِ
الْقِصَّةُ رِوَايَةٌ فَاسِدَةٌ مَرْدُودَةٌ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ مَا
يَدُلُّ عَلَيْهَا بَلْ فِيهِ مَا يُبْطِلُهَا مِنْ وُجُوهٍ : الْأَوَّلُ : عِصْمَةُ الْمَلَائِكَةِ
مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ .
وَيُجَابُ بِأَنَّ مَحَلَّ
الْعِصْمَةِ مَا دَامُوا بِوَصْفِ الْمَلَائِكَةِ ،
أَمَّا إذَا انْتَقِلُوا إلَى وَصْفِ الْإِنْسَانِ فَلَا .
عَلَى أَنَّهُ يُعْلَمُ مِنْ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ
أَنَّ مَا وَقَعَ لَهُمَا إنَّمَا هُوَ مِنْ بَابِ التَّمْثِيلِ لَا الْحَقِيقَةِ
؛ لِأَنَّ الزَّهْرَةَ تَمَثَّلَتْ لَهُمَا امْرَأَةً وَفَعَلَتْ بِهِمَا مَا
مَرَّ دَفْعًا لِقَوْلِهِمْ : { أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ
الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِك وَنُقَدِّسُ لَك } كَمَا يَأْتِي ذِكْرُ ذَلِكَ فِي
الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ .
الثَّانِي
: زَعْمُ أَنَّهُمَا خُيِّرَا بَيْنَ الْعَذَابَيْنِ
فَاسِدٌ ، بَلْ كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يُخَيَّرَا بَيْنَ التَّوْبَةِ وَالْعَذَابِ
لِأَنَّ اللَّهَ خَيَّرَ بَيْنَهُمَا مَنْ أَشْرَكَ طَوَالَ عُمُرِهِ فَهَذَانِ أَوْلَى .
وَيُجَابُ بِأَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا فُعِلَ تَغْلِيظًا فِي
الْعُقُوبَةِ عَلَيْهِمَا ، وَلَا يُقَاسَانِ بِمَنْ أَشْرَكَ ؛ لِأَنَّ الْأُمُورَ
التَّوْقِيعِيَّةَ لَا مَجَالَ فِيهَا
.
الثَّالِثُ : مِنْ أَعْجَبْ الْأُمُورِ أَنَّهُمَا يُعَلِّمَانِ
النَّاسَ السِّحْرَ فِي حَالِ كَوْنِهِمَا يُعَذَّبَانِ وَيَدْعُوَانِ إلَيْهِ
وَهُمَا يُعَاقَبَانِ ، وَيُجَابُ بِأَنَّهُ لَا عَجَبَ فِي ذَلِكَ .
إذْ لَا مَانِعَ أَنَّ الْعَذَابَ يَفْتُرُ عَنْهُمَا
فِي سَاعَاتٍ فَيُعَلِّمَانِ فِيهَا لِأَنَّهُمَا أُنْزِلَا فِتْنَةً عَلَيْهِمَا
لِمَا وَقَعَ لَهُمَا مِمَّا ذُكِرَ وَعَلَى النَّاسِ لِتَعَلُّمِهِمْ مِنْهُمَا
السِّحْرَ .
قَالَ بَعْضُهُمْ : وَالْحِكْمَةُ فِي إنْزَالِهِمَا
أُمُورٌ : أَحَدُهَا : أَنَّ السَّحَرَةَ كَثُرَتْ فِي ذَلِكَ الزَّمَنِ
وَاسْتَنْبَطَتْ أَنْوَاعًا عَجِيبَةً غَرِيبَةً فِي النُّبُوَّةِ ، وَكَانُوا
يَدْعُونَهَا وَيَتَّحِدُونَ النَّاسَ بِهَا ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ الْمَلَكَيْنِ ؛
لِيُعَلِّمَا النَّاسَ السِّحْرَ حَتَّى يَتَمَكَّنُوا مِنْ مُعَارَضَةِ أُولَئِكَ
السَّحَرَةِ الْمُدَّعِينَ لِلنُّبُوَّةِ كَذِبًا وَهَذَا غَرَضٌ ظَاهِرٌ .
ثَانِيهَا : أَنَّ الْعِلْمَ بِأَنَّ الْمُعْجِزَ
مُخَالِفٌ لِلسِّحْرِ يَتَوَقَّفُ عَلَى عِلْمِ مَاهِيَّتِهِمَا وَالنَّاسُ
كَانُوا جَاهِلِينَ مَاهِيَّةَ السِّحْرِ فَتَعَذَّرَتْ عَلَيْهِمْ مَعْرِفَةُ حَقِيقَةِ
السِّحْرِ ، فَبَعَثَ
اللَّهُ هَذَيْنِ الْمَلَكَيْنِ لِتَعْرِيفِ مَاهِيَّةِ
السِّحْرِ لِأَجْلِ هَذَا الْغَرَضِ
.
ثَالِثُهَا :
لَا يَمْتَنِعُ أَنَّ السِّحْرَ الَّذِي يُوقِعُ
الْفُرْقَةَ بَيْنَ أَعْدَاءِ اللَّهِ ، وَالْأُلْفَةَ بَيْنَ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ
كَانَ مُبَاحًا عِنْدَهُمْ أَوْ مَنْدُوبًا فَبَعَثَهُمَا اللَّهُ لِتَعْلِيمِهِ لِهَذَا
الْغَرَضِ ، فَتَعَلَّمَ الْقَوْمُ ذَلِكَ مِنْهُمَا وَاسْتَعْمَلُوهُ فِي
الشَّرِّ وَإِيقَاعِ الْفُرْقَةِ بَيْنَ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ وَالْأُلْفَةِ بَيْنَ
أَعْدَاءِ اللَّهِ .
رَابِعُهَا
: تَحْصِيلُ الْعِلْمِ بِكُلِّ شَيْءٍ حَسَنٍ ، وَلَمَّا
كَانَ السِّحْرُ مَنْهِيًّا عَنْهُ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا مُتَصَوَّرًا
وَإِلَّا لَمْ يُنْهَ عَنْهُ .
خَامِسُهَا : لَعَلَّ الْجِنَّ كَانَ عِنْدَهُمْ أَنْوَاعٌ
مِنْ السِّحْرِ لَمْ يَقْدِرْ الْبَشَرُ عَلَى الْإِتْيَانِ بِمِثْلِهَا
فَبَعَثَهُمَا اللَّهُ - تَعَالَى - لِيُعَلِّمَا الْبَشَرَ أُمُورًا يَقْدِرُونَ
بِهَا عَلَى مُعَارَضَةِ الْجِنِّ
.
سَادِسُهَا
: أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ تَشْدِيدًا فِي التَّكَالِيفِ
مِنْ حَيْثُ إنَّهُ إذَا عُلِّمَ مَا يُمَكِّنُهُ أَنْ يَتَوَصَّلَ بِهِ إلَى
اللَّذَّاتِ الْعَاجِلَةِ ثُمَّ مَنَعَهُ مِنْ اسْتِعْمَالِهَا كَانَ ذَلِكَ فِي نِهَايَةِ
الْمَشَقَّةِ يَسْتَوْجِبُ بِهِ الثَّوَابَ الزَّائِدَ ؛ فَثَبَتَ بِهَذِهِ
الْوُجُوهِ أَنَّهُ لَا يَبْعُدُ مِنْ اللَّهِ - تَعَالَى - إنْزَالُ الْمَلَكَيْنِ
لِتَعْلِيمِ السِّحْرِ .
قَالَ بَعْضُهُمْ : وَهَذِهِ الْوَاقِعَةُ كَانَتْ
زَمَنَ إدْرِيسَ صَلَّى اللَّهُ عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِ وَعَلَى سَائِرِ
الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ وَسَلَّمَ ؛ وَالْمُرَادُ بِالْفِتْنَةِ فِي
الْآيَةِ الْمَحَبَّةُ الَّتِي يَتَمَيَّزُ بِهَا الْحَقُّ مِنْ الْبَاطِلِ وَالْمُطِيعُ
مِنْ الْعَاصِي ، وَإِنَّمَا قَالَا : { إنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ } إلَخْ بَذْلًا
لِلنَّصِيحَةِ قَبْلَ التَّعْلِيمِ ، أَيْ هَذَا الَّذِي نِصْفُهُ لَك وَإِنْ
كَانَ الْغَرَضُ مِنْهُ تَمْيِيزَ السِّحْرِ مِنْ الْمُعْجِزِ وَلَكِنَّهُ
يُمْكِنُك أَنْ تَتَوَصَّلَ بِهِ إلَى الْمَفَاسِدِ وَالْمَعَاصِي ، فَإِيَّاكَ
أَنْ تَسْتَعْمِلَهُ فِيمَا نُهِيت عَنْهُ .
وَاخْتَلَفُوا فِي الْمُرَادِ بِالتَّفْرِيقِ بَيْنَ
الْمَرْءِ
وَزَوْجِهِ فِي قَوْله تَعَالَى : { فَيَتَعَلَّمُونَ
مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ } فَقِيلَ :
الْمُرَادُ أَنَّ هَذَا التَّفْرِيقَ إنَّمَا يَكُونُ إنْ اعْتَقَدَ أَنَّ
السِّحْرَ مُؤَثِّرٌ فِيهِ ، وَهَذَا كُفْرٌ وَإِذَا كَفَرَ بَانَتْ زَوْجَتُهُ
مِنْهُ .
وَقِيلَ :
الْمُرَادُ أَنَّهُ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا
بِالتَّمْوِيهِ وَالْحِيَلِ ، وَذَكَرَ التَّفْرِيقَ دُونَ سَائِرِ مَا
يَتَعَلَّمُونَهُ تَنْبِيهًا عَلَى الْبَاقِي ، فَإِنَّ رُكُونَ الْإِنْسَانِ إلَى
زَوْجَتِهِ زَائِدٌ عَلَى مَوَدَّةِ قَرِيبِهِ ، فَإِذَا وَصَلَ بِالسِّحْرِ إلَى
هَذَا الْأَمْرِ مَعَ شِدَّتِهِ فَغَيْرُهُ أَوْلَى ، وَيَدُلُّ لَهُ قَوْله تَعَالَى
: { وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ } فَإِنَّهُ أَطْلَقَ الضَّرَرَ ،
وَلَمْ يَقْصُرْهُ عَلَى التَّفْرِيقِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا خُصَّ
بِالذِّكْرِ لِكَوْنِهِ أَعْلَى مَرَاتِبِ الضَّرَرِ .
قَالَ الْفَخْرُ : وَالْإِذْنُ حَقِيقَةً فِي الْأَمْرِ
وَاَللَّهُ لَا يَأْمُرُ بِالسِّحْرِ ؛ لِأَنَّهُ ذَمَّهُمْ عَلَيْهِ ، وَلَوْ أَمَرَهُمْ
بِهِ لَمَا ذَمَّهُمْ عَلَيْهِ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّأْوِيلِ فِي قَوْله : {
إلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ } وَفِيهِ وُجُوهٌ : أَحَدُهَا : قَالَ الْحَسَنُ : الْمُرَادُ مِنْهُ
التَّخْلِيَةُ ، يَعْنِي إذَا سُحِرَ الْإِنْسَانُ فَإِنْ شَاءَ اللَّهُ مَنَعَهُ
مِنْهُ ، وَإِنْ شَاءَ خَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ ضَرَرِ السِّحْرِ .
ثَانِيهَا : قَالَ الْأَصَمُّ : إلَّا بِعِلْمِ اللَّهِ
إذْ الْأَذَانُ وَالْإِذْنُ الْإِعْلَامُ .
ثَالِثُهَا : بِخَلْقِهِ إذْ الضَّرَرُ الْحَاصِلُ
عِنْدَ فِعْلِ السِّحْرِ لَا يَكُونُ إلَّا بِخَلْقِهِ - تَعَالَى - .
رَابِعُهَا :
بِأَمْرِهِ بِنَاءً عَلَى تَفْسِيرِ التَّفْرِيقِ بَيْنَ
الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ بِالْكُفْرِ ، لِأَنَّ هَذَا حُكْمٌ شَرْعِيٌّ وَهُوَ لَا يَكُونُ
إلَّا بِأَمْرِهِ - تَعَالَى -
.
وَالْخَلَاقُ : النَّصِيبُ ، فِي هَذَا آكَدُ ذَمٍّ
وَأَقْبَحُ عَذَابٍ لِلسَّحَرَةِ إذْ لَا أَخْسَرَ وَلَا أَفْحَشَ ، وَلَا أَحْقَرَ
وَلَا أَذَلَّ مِمَّنْ لَيْسَ لَهُ نَصِيبٌ فِي نَعِيمِ الْآخِرَةِ ، وَمِنْ ثَمَّ
عَقَّبَ - تَعَالَى - ذَلِكَ بِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ قَائِلًا : { وَلَبِئْسَ مَا
شَرَوْا }
أَيْ بَاعَ الْيَهُودُ ( بِهِ ) أَيْ بِالسِّحْرِ : {
أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ } أَيْ لَوْ عَلِمُوا ذَمَّ ذَلِكَ هَذَا
الذَّمَّ الْعَظِيمَ لَمَا بَاعُوا بِهِ أَنْفُسَهُمْ ، وَأَثْبَتَ لَهُمْ
الْعِلْمَ أَوَّلًا بِقَوْلِهِ - تَعَالَى - : { وَلَقَدْ عَلِمُوا } وَنَفَاهُ عَنْهُمْ
بِقَوْلِهِ ثَانِيًا : { لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ } لِأَنَّ مَعْنَى الثَّانِي
لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ بِعِلْمِهِمْ ، جَعَلَهُمْ حِينَ لَمْ يَعْمَلُوا بِهِ
كَأَنَّهُمْ مُنْسَلِخُونَ عَنْهُ ، أَوْ الْمُرَادُ بِعِلْمِ الثَّانِي الْعَقْلُ
؛ لِأَنَّ الْعِلْمَ مِنْ ثَمَرَتِهِ ، فَلَمَّا انْتَفَى الْأَصْلُ انْتَفَتْ
ثَمَرَتُهُ فَصَارَ وُجُودُ الْعِلْمِ كَالْعَدَمِ حَيْثُ لَمْ يَنْتَفِعُوا بِهِ
، كَمَا سَمَّى اللَّهُ - تَعَالَى - الْكُفَّارَ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا إذْ لَمْ
يَنْتَفِعُوا بِحَوَاسِّهِمْ ، أَوْ تَغَايَرَ بَيْنَ مُتَعَلِّقِ الْعِلْمَيْنِ :
أَيْ عَلِمُوا ضَرَرَهُ فِي الْآخِرَةِ وَلَمْ يَعْلَمُوا نَفْعَهُ فِي الدُّنْيَا
، هَذَا كُلُّهُ إنْ كَانَ فَاعِلُ عَلِمُوا وَيَعْلَمُونَ وَاحِدًا كَمَا هُوَ
الظَّاهِرُ ، فَإِنْ قُدِّرَ مُخْتَلِفًا كَأَنْ يُجْعَلَ الضَّمِيرُ "
عَلِمُوا " لِلْمَلَكَيْنِ أَوْ الشَّيَاطِينِ ، وَضَمِيرُ " شَرَوْا
" وَمَا بَعْدَهُ لِلْيَهُودِ فَلَا إشْكَالَ .
وَبِمَا تَقَرَّرَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ عُلِمَ أَصْلُ السِّحْرِ
وَمُنْشَؤُهُ وَحَقِيقَتُهُ وَأَنْوَاعُهُ وَضَرَرُهُ وَقُبْحُهُ وَمَا
يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنْ الْوَعِيدِ الشَّدِيدِ فَلَا يَنْتَحِلُهُ إلَّا كُلُّ
شَيْطَانٍ مَرِيدٍ أَوْ جَبَّارٍ عَنِيدٍ .
وَجَاءَ فِي السُّنَّةِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ فِي
ذَمِّهِ أَيْضًا .
أَخْرَجَ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : { اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ : أَيْ الْمُهْلِكَاتِ ،
قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا هُنَّ ؟ قَالَ : الشِّرْكُ بِاَللَّهِ ،
وَالسِّحْرُ ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إلَّا بِالْحَقِّ ، وَأَكْلُ
الرِّبَا ، وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ ، وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ ،
وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ الْغَافِلَاتِ } .
وَابْنُ مَرْدُوَيْهِ بِسَنَدٍ فِيهِ ضَعِيفٌ وَابْنُ
حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ أَنَّهُ { صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَ إلَى
أَهْلِ الْيَمَنِ كِتَابًا فِيهِ الْفَرَائِضُ وَالسُّنَنُ وَالدِّيَاتُ
وَالزَّكَاةُ وَكَانَ فِيهِ : إنَّ أَكْبَرَ الْكَبَائِرِ عِنْدَ اللَّهِ -
تَعَالَى - : الْإِشْرَاكُ بِاَللَّهِ - تَعَالَى - ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الْمُؤْمِنَةِ
بِغَيْرِ الْحَقِّ ، وَالْفِرَارُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَوْمَ الزَّحْفِ ، وَعُقُوقُ
الْوَالِدَيْنِ ، وَرَمْيُ الْمُحْصَنَاتِ ، وَتَعَلُّمُ السِّحْرِ ، وَأَكْلُ
الرِّبَا ، وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ
} .
وَالطَّبَرَانِيُّ : { أَنَّ رَجُلًا قَالَ يَا رَسُولَ
اللَّهِ وَكَمْ الْكَبَائِرُ ؟ قَالَ :
تِسْعٌ أَعْظَمُهُنَّ : الْإِشْرَاكُ بِاَللَّهِ ،
وَقَتْلُ الْمُؤْمِنِ بِغَيْرِ حَقٍّ ، وَالْفِرَارُ مِنْ الزَّحْفِ ، وَقَذْفُ
الْمُحْصَنَةِ ، وَالسِّحْرُ ، وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ ، وَأَكْلُ الرِّبَا } الْحَدِيثَ .
وَالنَّسَائِيُّ بِسَنَدٍ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَلَمْ يُسْمَعْ مِنْهُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ : { مَنْ
عَقَدَ عُقْدَةً ثُمَّ نَفَثَ فِيهَا فَقَدْ سَحَرَ وَمَنْ سَحَرَ فَقَدْ أَشْرَكَ
، وَمَنْ تَعَلَّقَ بِشَيْءٍ وُكِّلَ إلَيْهِ } : أَيْ مَنْ يُعَلِّقُ عَلَى
نَفْسِهِ الْحُرُوزَ وَالْعُوَذَ يُوكَلُ إلَيْهَا .
وَأَحْمَدُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ عَنْ الْحَسَنِ
عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ .
وَاخْتُلِفَ فِي سَمَاعِ الْحَسَنِ عَنْ عُثْمَانَ قَالَ
: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : { كَانَ
لِدَاوُدَ نَبِيِّ اللَّهِ سَاعَةٌ يُوقِظُ فِيهَا أَهْلَهُ يَقُولُ : يَا آلَ
دَاوُد قُومُوا فَصَلُّوا فَإِنَّ هَذِهِ السَّاعَةَ يَسْتَجِيبُ اللَّهُ فِيهَا الدُّعَاءَ
إلَّا لِسَاحِرٍ أَوْ عَاشِرٍ }
.
وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ وَالْأَوْسَطِ
بِسَنَدٍ فِيهِ مُخْتَلَفٍ فِيهِ : { ثَلَاثٌ مَنْ لَمْ تَكُنْ فِيهِ وَاحِدَةٌ
مِنْهُنَّ فَإِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ لَهُ مَا سِوَى ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ : مَنْ
مَاتَ لَا يُشْرِكُ بِاَللَّهِ شَيْئًا ، وَلَمْ يَكُنْ سَاحِرًا يَتْبَعُ
السَّحَرَةَ ، وَلَمْ يَحْقِدْ عَلَى أَخِيهِ } .
وَابْنُ حِبَّانَ فِي
صَحِيحِهِ : { لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مُدْمِنُ خَمْرٍ
، وَلَا مُؤْمِنٌ بِسِحْرٍ ، وَلَا قَاطِعُ رَحِمٍ } .
وَأَحْمَدُ وَأَبُو يَعْلَى وَابْنُ حِبَّانَ فِي
صَحِيحِهِ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ :
{ ثَلَاثَةٌ لَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ : مُدْمِنُ
خَمْرٍ ، وَقَاطِعُ الرَّحِمِ ، وَمُصَدِّقٌ بِالسِّحْرِ } الْحَدِيثَ .
تَنْبِيهٌ : عَدُّ هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ الَّتِي جَرَيْت
عَلَيْهِ كَشَيْخِ الْإِسْلَامِ الْجَلَالِ الْبُلْقِينِيِّ وَغَيْرِهِ هُوَ
صَرِيحُ الْآيَةِ فِي بَعْضِهَا وَالْأَحَادِيثِ فِي بَعْضِهَا وَهُوَ ظَاهِرٌ
لِمَا مَرَّ أَنَّ فِيهَا قَوْلًا قَالَ بِهِ كَثِيرُونَ إنَّهَا كُلَّهَا كُفْرٌ
فَلَا أَقَلَّ مِنْ كَوْنِهَا كَبِيرَةً لَا سِيَّمَا مَعَ مَا وَرَدَ فِيهَا مِنْ
الْوَعِيدِ الشَّدِيدِ وَالزَّجْرِ الْغَلِيظِ الْأَكِيدِ كَمَا قَدَّمْته فِي
الْكَلَامِ عَلَى الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ وَكَمَا عُلِمَ مِنْ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ
الصَّحِيحَةِ ، أَعَاذَنَا اللَّهُ مِنْ غَضَبِهِ وَمَعَاصِيهِ بِمَنِّهِ
وَكَرَمِهِ آمِينَ .
( الْكَبِيرَةُ الرَّابِعَةُ وَالْخَامِسَةُ
وَالسَّادِسَةُ وَالسَّابِعَةُ وَالثَّامِنَةُ وَالتَّاسِعَةُ وَالْعِشْرُونَ
وَالثَّلَاثُونَ ، وَالْحَادِيَةُ وَالثَّانِيَةُ وَالثَّالِثَةُ وَالرَّابِعَةُ
وَالْخَامِسَةُ وَالثَّلَاثُونَ بَعْدَ الثَّلَاثِمِائَةِ : الْكِهَانَةُ
وَالْعِرَافَةُ وَالطِّيَرَةُ وَالطَّرْقُ وَالتَّنْجِيمُ وَالْعِيَافَةُ ،
وَإِتْيَانُ كَاهِنٍ وَإِتْيَانُ عَرَّافٍ ، وَإِتْيَانُ طَارِقٍ ، وَإِتْيَانُ مُنَجِّمٍ
، وَإِتْيَانُ ذِي طِيَرَةٍ لِيَتَطَيَّرَ لَهُ ، أَوْ ذِي عِيَافَةٍ لِيَخُطَّ
لَهُ ) قَالَ تَعَالَى : { وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَك بِهِ عِلْمٌ إنَّ
السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا }
أَيْ لَا تَقُلْ فِي شَيْءٍ مِنْ الْأَشْيَاءِ مَا لَيْسَ لَك بِهِ عِلْمٌ فَإِنَّ
حَوَاسَّك مَسْئُولَةٌ عَنْ ذَلِكَ
.
وَقَالَ تَعَالَى : { عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ
عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا إلَّا مَنْ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ } أَيْ عَالِمُ
الْغَيْبِ هُوَ اللَّهُ وَحْدَهُ فَلَا يُطْلِعُ عَلَيْهِ أَحَدًا مِنْ خَلْقِهِ
إلَّا مَنْ ارْتَضَاهُ لِلرِّسَالَةِ فَإِنَّهُ مُطْلِعُهُ عَلَى مَا يَشَاءُ مِنْ
غَيْبِهِ وَقِيلَ هُوَ مُنْقَطِعٌ : أَيْ لَكِنْ مَنْ ارْتَضَاهُ لِلرِّسَالَةِ
فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا .
وَالصَّحِيحُ هُوَ الْأَوَّلُ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَطْلَعَ
أَنْبِيَاءَهُ بَلْ وُرَّاثَهُمْ عَلَى مُغَيَّبَاتٍ كَثِيرَةٍ لَكِنَّهَا
جُزْئِيَّاتٌ قَلِيلَةٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى عِلْمِهِ تَعَالَى ، فَهُوَ
الْمُنْفَرِدُ بِعِلْمِ الْمُغَيَّبَاتِ عَلَى الْإِطْلَاقِ كُلِّيِّهَا
وَجُزْئِيِّهَا دُونَ غَيْرِهِ
.
وَأَخْرَجَ الْبَزَّارُ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ عَنْ
عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
: { لَيْسَ مِنَّا مَنْ تَطَيَّرَ أَوْ تُطُيِّرَ لَهُ
أَوْ تَكَهَّنَ أَوْ تُكُهِّنَ لَهُ أَوْ سَحَرَ أَوْ سُحِرَ لَهُ ، وَمَنْ أَتَى
كَاهِنًا فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ } .
وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ
دُونَ قَوْلِهِ " وَمَنْ أَتَى " إلَخْ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ .
وَالْبَزَّارُ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ قَوِيٍّ : { مَنْ
أَتَى كَاهِنًا فَصَدَّقَهُ بِمَا قَالَ فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى
مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ } .
وَالطَّبَرَانِيُّ : { مَنْ أَتَى كَاهِنًا فَصَدَّقَهُ
بِمَا يَقُولُ فَقَدْ بَرِئَ مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَمَنْ أَتَاهُ غَيْرَ مُصَدِّقٍ لَهُ لَمْ تُقْبَلْ
لَهُ صَلَاةً أَرْبَعِينَ لَيْلَةً
} .
وَالطَّبَرَانِيُّ : { مَنْ أَتَى كَاهِنًا فَسَأَلَهُ عَنْ
شَيْءٍ حُجِبَتْ عَنْهُ التَّوْبَةُ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً فَإِنْ صَدَّقَهُ بِمَا
قَالَ فَقَدْ كَفَرَ } .
وَالطَّبَرَانِيُّ بِإِسْنَادَيْنِ أَحَدُهُمَا ثِقَاتٌ : { لَنْ يَنَالَ
الدَّرَجَاتِ الْعُلَى مِنْ تَكَهَّنَ أَوْ اسْتَقْسَمَ أَوْ رَجَعَ مِنْ سَفَرٍ
تَطَيُّرًا } .
وَمُسْلِمٌ : { مَنْ أَتَى عَرَّافًا فَسَأَلَهُ عَنْ
شَيْءٍ فَصَدَّقَهُ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلَاةٌ أَرْبَعِينَ يَوْمًا } .
وَالْأَرْبَعَةُ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحٌ عَلَى
شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ : { مَنْ أَتَى عَرَّافًا أَوْ كَاهِنًا فَصَدَّقَ بِمَا
يَقُولُ فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ } .
وَالْبَزَّارُ وَأَبُو يَعْلَى بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ
مَوْقُوفٍ عَلَى ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ : { مَنْ أَتَى عَرَّافًا أَوْ كَاهِنًا
أَوْ سَاحِرًا فَسَأَلَهُ فَصَدَّقَ بِمَا يَقُولُ فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ
عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ } .
وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ بِسَنَدٍ رُوَاتُهُ
ثِقَاتٌ : { مَنْ أَتَى عَرَّافًا أَوْ سَاحِرًا أَوْ كَاهِنًا يُؤْمِنُ بِمَا
يَقُولُ فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ } .
وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ : { مَنْ اقْتَبَسَ
عِلْمًا مِنْ النُّجُومِ اقْتَبَسَ شُعْبَةً مِنْ السِّحْرِ زَادَ مَا زَادَ } .
وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ فِي
صَحِيحِهِ : { الْعِيَافَةُ وَالطِّيَرَةُ وَالطَّرْقُ مِنْ الْجِبْتِ } وَهُوَ
بِكَسْرِ الْجِيمِ كُلُّ مَا عُبِدَ مِنْ دُونِ اللَّهِ .
تَنْبِيهٌ : عَدُّ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ هُوَ وَإِنْ
لَمْ أَرَهُ كَذَلِكَ صَرِيحُ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ فِي أَكْثَرِهَا
وَقِيَاسًا فِي الْبَقِيَّةِ وَهُوَ ظَاهِرٌ ؛ لِأَنَّ
الْمَلْحَظَ فِي الْكُلِّ وَاحِدٌ ، وَالْكَاهِنُ هُوَ الَّذِي يُخْبِرُ عَنْ
بَعْضِ الْمُضْمَرَاتِ فَيُصِيبُ بَعْضَهَا وَيُخْطِئُ أَكْثَرَهَا وَيَزْعُمُ
أَنَّ الْجِنَّ تُخْبِرُهُ بِذَلِكَ
.
وَفَسَّرَ بَعْضُهُمْ الْكِهَانَةَ بِمَا يَرْجِعُ
لِذَلِكَ فَقَالَ : هِيَ تَعَاطِي الْإِخْبَارِ عَنْ الْمُغَيَّبَاتِ فِي
مُسْتَقْبَلِ الزَّمَانِ وَادِّعَاءُ عِلْمِ الْغَيْبِ وَزَعْمُ أَنَّ الْجِنَّ
تُخْبِرُهُ بِذَلِكَ .
وَالْعَرَّافُ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ
الرَّاءِ قِيلَ الْكَاهِنُ ، وَيَرُدُّهُ الْحَدِيثُ السَّابِقُ : عَرَّافًا أَوْ
كَاهِنًا ، وَقِيلَ السَّاحِرُ
.
وَقَالَ الْبَغَوِيّ : هُوَ الَّذِي يَدَّعِي مَعْرِفَةَ
الْأُمُورِ بِمُقَدِّمَاتِ أَسْبَابٍ يَسْتَدِلُّ بِهَا عَلَى مَوَاقِعِهَا كَالْمَسْرُوقِ
مِنْ الَّذِي سَرَقَهُ وَمَعْرِفَةِ مَكَانِ الضَّالَّةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ ، وَمِنْهُمْ
مَنْ يُسَمِّي الْمُنَجِّمَ كَاهِنًا
.
قَالَ أَبُو دَاوُد : وَالطَّرْقُ ، أَيْ بِفَتْحٍ
فَسُكُونٍ الزَّجْرُ : أَيْ زَجْرُ الطَّيْرِ لِيَتَيَمَّنَ أَوْ يَتَشَاءَمَ
بِطَيَرَانِهِ فَإِنْ طَارَ إلَى جِهَةِ الْيَمِينِ تَيَمَّنَ أَوْ إلَى جِهَةِ
الشِّمَالِ تَشَاءَمَ .
وَقَالَ ابْنُ فَارِسَ : الضَّرْبُ بِالْحَصَى وَهُوَ
نَوْعٌ مِنْ التَّكْهِينِ .
وَالْمَنْهِيُّ عَنْهُ مِنْ عِلْمِ النُّجُومِ هُوَ مَا
يَدَّعِيهِ أَهْلُهَا مِنْ مَعْرِفَةِ الْحَوَادِثِ الْآتِيَةِ فِي مُسْتَقْبَلِ
الزَّمَانِ كَمَجِيءِ الْمَطَرِ وَوُقُوعِ الثَّلْجِ وَهُبُوبِ الرِّيَاحِ
وَتَغَيُّرِ الْأَسْعَارِ وَنَحْوِ ذَلِكَ ، يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ يُدْرِكُونَ
ذَلِكَ بِسَيْرِ الْكَوَاكِبِ لِاقْتِرَانِهَا وَافْتِرَاقِهَا وَظُهُورِهَا فِي بَعْضِ
الْأَزْمَانِ ، وَهَذَا عِلْمٌ اسْتَأْثَرَ اللَّهُ بِهِ لَا يَعْلَمُهُ أَحَدٌ
غَيْرُهُ ، فَمَنْ ادَّعَى عِلْمَهُ بِذَلِكَ فَهُوَ فَاسِقٌ بَلْ رُبَّمَا
يُؤَدِّي بِهِ ذَلِكَ إلَى الْكُفْرِ ؛ أَمَّا مَنْ يَقُولُ : إنَّ الِاقْتِرَانَ
وَالِافْتِرَاقَ الَّذِي هُوَ كَذَا جَعَلَهُ اللَّهُ عَلَامَةً بِمُقْتَضَى مَا
اطَّرَدَتْ بِهِ عَادَتُهُ الْإِلَهِيَّةُ عَلَى وُقُوعِ كَذَا وَقَدْ يَتَخَلَّفُ
فَإِنَّهُ لَا إثْمَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ ، وَكَذَا
الْإِخْبَارُ عَمَّا يُدْرَكُ بِطَرِيقِ الْمُشَاهَدَةِ
مِنْ عِلْمِ النُّجُومِ الَّذِي يُعْرَفُ بِهَا الزَّوَالُ وَجِهَةُ الْقِبْلَةِ
وَكَمْ مَضَى وَكَمْ بَقِيَ مِنْ الْوَقْتِ فَإِنَّهُ لَا إثْمَ فِيهِ بَلْ هُوَ
فَرْضُ كِفَايَةٍ .
وَفِي حَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ
الْجُهَنِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : { صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةَ الصُّبْحِ فِي أَثَرِ سَمَاءٍ - أَيْ
مَطَرٍ - كَانَتْ مِنْ اللَّيْلِ فَلَمَّا انْصَرَفَ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ فَقَالَ
: أَتَدْرُونَ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ ؟ قَالُوا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ .
قَالَ : قَالَ : أَصْبَحَ مِنْ عِبَادِي مُؤْمِنٌ بِي
وَكَافِرٌ فَأَمَّا مَنْ قَالَ مُطِرْنَا بِفَضْلِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ فَذَلِكَ
مُؤْمِنٌ بِي كَافِرٌ بِالْكَوَاكِبِ
.
وَأَمَّا مَنْ قَالَ مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا - أَيْ
وَقْتِ النَّجْمِ الْفُلَانِيِّ - فَذَلِكَ كَافِرٌ بِي مُؤْمِنٌ بِالْكَوَاكِبِ } .
قَالَ الْعُلَمَاءُ : مَنْ قَالَ ذَلِكَ مُرِيدًا أَنَّ
النَّوْءَ هُوَ الْمُحْدِثُ وَالْمُوجِدُ فَهُوَ كَافِرٌ أَوْ أَنَّهُ عَلَامَةٌ
عَلَى نُزُولِ الْمَطَرِ وَمُنْزِلُهُ هُوَ اللَّهُ وَحْدَهُ لَمْ يَكْفُرْ ، وَيُكْرَهُ
لَهُ قَوْلُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ مِنْ أَلْفَاظِ الْكُفْرِ وَرَوَى الشَّيْخَانِ : {
أَنَّ نَاسًا سَأَلُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ
الْكَاهِنِ أَوْ الْكُهَّانِ فَقَالَ : لَيْسُوا بِشَيْءٍ ، فَقَالُوا : يَا رَسُولَ
اللَّهِ إنَّهُمْ يُحَدِّثُونَا أَحْيَانًا بِشَيْءٍ أَوْ بِالشَّيْءِ فَيَكُونُ
حَقًّا ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : تِلْكَ
الْكَلِمَةُ مِنْ الْوَحْيِ يَخْطَفُهَا الْجِنِّيُّ فَيُقِرُّهَا - أَيْ
يُلْقِيهَا فِي أُذُنِ وَلِيِّهِ - فَيَخْلِطُ مَعَهَا مِائَةَ كَذِبَةٍ } .
وَالْبُخَارِيُّ : { إنَّ الْمَلَائِكَةَ تَنْزِلُ مِنْ
الْعَنَانِ وَهُوَ السَّحَابُ فَتَذْكُرُ الْأَمْرَ قُضِيَ فِي السَّمَاءِ
فَيَسْتَرِقُ الشَّيْطَانُ السَّمْعَ فَيَسْمَعُهُ فَيُوَجِّهُ إلَى الْكُهَّانِ
فَيَكْذِبُونَ مَعَهَا مِائَةَ كَذِبَةٍ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ } .
بَابُ الْبُغَاةِ ( الْكَبِيرَةُ السَّادِسَةُ
وَالثَّلَاثُونَ بَعْدَ الثَّلَاثِمِائَةِ : الْبَغْيُ أَيْ الْخُرُوجُ عَلَى
الْإِمَامِ وَلَوْ جَائِرًا بِلَا تَأْوِيلٍ أَوْ مَعَ تَأْوِيلٍ يُقْطَعُ بِبُطْلَانِهِ ) قَالَ تَعَالَى
: { إنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي
الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } .
وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ : { إنَّ اللَّهَ أَوْحَى إلَيَّ أَنْ تَوَاضَعُوا حَتَّى لَا
يَبْغِيَ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ وَلَا يَفْخَرَ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ } .
وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَابْنُ
مَاجَهْ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
: { مَا مِنْ ذَنْبٍ أَجْدَرُ - أَيْ أَحَقُّ - مِنْ أَنْ يُعَجِّلَ اللَّهُ
لِصَاحِبِهِ الْعُقُوبَةَ فِي الدُّنْيَا مَعَ مَا يَدَّخِرُ لَهُ فِي الْآخِرَةِ
مِنْ الْبَغْيِ وَقَطِيعَةِ الرَّحِمِ
} .
وَفِي حَدِيثِ الْبَيْهَقِيّ الْآتِي فِي الْيَمِينِ الْغَمُوسِ
: { لَيْسَ شَيْءٌ مِمَّا عُصِيَ اللَّهُ بِهِ هُوَ أَعْدَلُ عِقَابًا مِنْ
الْبَغْيِ } .
وَفِي الْأَثَرِ : { لَوْ بَغَى جَبَلٌ عَلَى جَبَلٍ
لَجَعَلَ اللَّهُ الْبَاغِيَ مِنْهُمَا دَكًّا } وَقَدْ خَسَفَ اللَّهُ تَعَالَى
بِقَارُونَ اللَّعِينِ الْأَرْضَ لَمَّا بَغَى عَلَى قَوْمِهِ .
كَمَا أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ بِقَوْلِهِ عَزَّ
قَائِلًا : { إنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ } إلَى
قَوْلِهِ : { فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ } الْآيَةَ .
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : مِنْ بَغْيِهِ أَنْ جَعَلَ لِبَغِيَّةٍ
جُعْلًا عَلَى أَنْ تَقْذِفَ مُوسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِ
وَسَلَّمَ الْمُبَرَّأَ مِنْ كُلِّ سُوءٍ بِنَفْسِهَا فَفَعَلَتْ ،
فَاسْتَحْلَفَهَا مُوسَى عَلَى مَا قَالَتْ فَأَخْبَرَتْهُ بِأَنَّ قَارُونَ هُوَ
الْمُغْرِي لَهَا عَلَى ذَلِكَ فَغَضِبَ مُوسَى فَدَعَا عَلَيْهِ ، فَأَوْحَى
اللَّهُ تَعَالَى إلَيْهِ : إنِّي قَدْ أَمَرْت الْأَرْضَ تُطِيعُك فَمُرْهَا ، فَقَالَ
مُوسَى : يَا أَرْضُ خُذِيهِ فَأَخَذَتْهُ حَتَّى غَيَّبَتْ
سَرِيرَهُ ، فَلَمَّا رَأَى قَارُونُ ذَلِكَ نَاشَدَ
مُوسَى بِالرَّحِمِ فَقَالَ : يَا أَرْضُ خُذِيهِ فَأَخَذَتْهُ حَتَّى غَيَّبَتْ
قَدَمَيْهِ ، فَمَا زَالَ مُوسَى يَقُولُ يَا أَرْضُ خُذِيهِ حَتَّى غَيَّبَتْهُ ،
فَأَوْحَى اللَّهُ إلَيْهِ : يَا مُوسَى وَعِزَّتِي وَجَلَالِي لَوْ اسْتَغَاثَ
بِي لَأُغِيثَنَّهُ ، فَخُسِفَتْ بِهِ الْأَرْضُ إلَى الْأَرْضِ السُّفْلَى .
وَقَالَ سَمُرَةُ : يُخْسَفُ بِهِ كُلَّ يَوْمٍ قَامَةٌ .
وَلَمَّا خُسِفَ بِهِ قِيلَ إنَّمَا أَهْلَكَهُ مُوسَى
لِيَأْخُذَ مَالَهُ وَدَارَهُ ، فَخَسَفَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِمَا بَعْدَ
ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ، وَقِيلَ : بَغْيُهُ : كِبْرُهُ ، وَقِيلَ كُفْرُهُ ، وَقِيلَ
زِيَادَتُهُ فِي طُولِ ثِيَابِهِ شِبْرًا ، وَقِيلَ إنَّهُ كَانَ يَخْدُمُ
فِرْعَوْنَ فَتَعَدَّى عَلَى بَنِي إسْرَائِيلَ وَظَلَمَهُمْ .
تَنْبِيهٌ : عَدُّ هَذَا هُوَ مَا صَرَّحَ بِهِ
بَعْضُهُمْ ، لَكِنَّهُ أَطْلَقَ فَقَالَ الْكَبِيرَةُ الْخَمْسُونَ الْبَغْيُ ،
وَهُوَ مُشْكِلٌ فَقَدْ قَالَ أَئِمَّتُنَا : إنَّ الْبَغْيَ لَيْسَ بِاسْمِ ذَمٍّ
إذْ الْبُغَاةُ لَيْسُوا فَسَقَةً ، فَمِنْ ثَمَّ قَيَّدْته فِي التَّرْجَمَةِ
بِأَنْ يَكُونَ بِلَا تَأْوِيلٍ أَوْ بِتَأْوِيلٍ قَطْعِيِّ الْبُطْلَانِ ، وَحِينَئِذٍ
اُتُّجِهَ كَوْنُهُ كَبِيرَةً لِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ مِنْ الْمَفَاسِدِ
الَّتِي لَا يُحْصَى ضَرَرُهَا وَلَا يَنْطَفِئُ شَرَرُهَا مَعَ عَدَمِ عُذْرِ
الْخَارِجِينَ حِينَئِذٍ ، بِخِلَافِ الْخَارِجِ بِتَأْوِيلٍ ظَنِّيِّ
الْبُطْلَانِ فَإِنَّ لَهُمْ نَوْعَ عُذْرٍ ، وَمِنْ ثَمَّ لَمْ يَضْمَنُوا مَا
أَتْلَفُوهُ حَالَ الْحَرْبِ وَلَمْ يُقْتَلْ مُدَبَّرُهُمْ .
( الْكَبِيرَةُ السَّابِعَةُ وَالثَّلَاثُونَ بَعْدَ
الثَّلَاثِمِائَةِ : نَكْثُ بَيْعَةِ الْإِمَامِ لِفَوَاتِ غَرَضٍ دُنْيَوِيٍّ )
أَخْرَجَ الشَّيْخَانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { ثَلَاثَةٌ لَا
يُكَلِّمُهُمْ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يَنْظُرُ إلَيْهِمْ وَلَا
يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ : رَجُلٌ عَلَى فَضْلِ مَاءٍ بِالْفَلَاةِ
يَمْنَعُهُ ابْنَ السَّبِيلِ ، وَرَجُلٌ بَايَعَ رَجُلًا سِلْعَةً بَعْدَ
الْعَصْرِ فَحَلَفَ بِاَللَّهِ لَأَخَذَهَا بِكَذَا وَكَذَا فَصَدَّقَهُ وَهُوَ
عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ ، وَرَجُلٌ بَايَعَ إمَامًا لَا يُبَايِعُهُ إلَّا لِدُنْيَا
، فَإِنْ أَعْطَاهُ مِنْهَا وَفَّى وَإِنْ لَمْ يُعْطِهِ مِنْهَا لَمْ يَفِ } .
وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ
وَجْهَهُ : { الْكَبَائِرُ : الْإِشْرَاكُ بِاَللَّهِ ، وَقَتْلُ النَّفْسِ ،
وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ ، وَقَذْفُ الْمُحْصَنَةِ ، وَالْفِرَارُ مِنْ
الزَّحْفِ ، وَالتَّعَرُّبُ بَعْدَ الْهِجْرَةِ ، وَالسِّحْرُ ، وَعُقُوقُ
الْوَالِدَيْنِ ، وَأَكْلُ الرِّبَا ، وَفِرَاقُ الْجَمَاعَةِ ، وَنَكْثُ
الْبَيْعَةِ } .
تَنْبِيهٌ : عَدُّ هَذَا هُوَ صَرِيحُ الْحَدِيثِ
وَالْأَثَرِ الْمَذْكُورَيْنِ ، وَبِهِ صَرَّحَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ
الْمُتَأَخِّرِينَ وَهُوَ قَرِيبٌ لِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنْ الْمَفَاسِدِ
الْكَثِيرَةِ الَّتِي لَا نِهَايَةَ لَهَا .
بَابُ الْإِمَامَةِ الْعُظْمَى ( الْكَبِيرَةُ
الثَّامِنَةُ وَالتَّاسِعَةُ وَالثَّلَاثُونَ وَالْأَرْبَعُونَ بَعْدَ
الثَّلَاثِمِائَةِ : تَوَلِّي الْإِمَامَةِ أَوْ الْإِمَارَةِ مَعَ عِلْمِهِ
بِخِيَانَةِ نَفْسِهِ أَوْ عَزْمِهِ عَلَيْهَا وَسُؤَالُ ذَلِكَ وَبَذْلُ مَالٍ
عَلَيْهِ مَعَ الْعِلْمِ أَوْ الْعَزْمِ الْمَذْكُورَيْنِ ) أَخْرَجَ الْبَزَّارُ وَالطَّبَرَانِيُّ
فِي الْكَبِيرِ بِسَنَدٍ رُوَاتُهُ رُوَاةُ الصَّحِيحِ عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ : { إنْ شِئْتُمْ أَنْبَأْتُكُمْ عَنْ الْإِمَارَةِ وَمَا هِيَ ، فَنَادَيْت
بِأَعْلَى صَوْتِي وَمَا هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : أَوَّلُهَا مَلَامَةٌ
، وَثَانِيهَا نَدَامَةٌ ، وَثَالِثُهَا عَذَابٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إلَّا مَنْ
عَدَلَ ، وَكَيْفَ يَعْدِلُ مَعَ أَقْرَبِيهِ } .
وَأَحْمَدُ بِسَنَدٍ رُوَاتُهُ ثِقَاتٌ إلَّا يَزِيدَ
بْنَ أَبِي مَالِكٍ : { مَا مِنْ رَجُلٍ يَلِي أَمْرَ عَشَرَةٍ فَمَا فَوْقَ
ذَلِكَ إلَّا أَتَى اللَّهَ تَعَالَى مَغْلُولًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَدَاهُ إلَى
عُنُقِهِ ، فَكَّهُ بِرُّهُ ، أَوْ أَوْثَقَهُ إثْمُهُ .
أَوَّلُهَا مَلَامَةٌ ، وَأَوْسَطُهَا نَدَامَةٌ ،
وَآخِرُهَا خِزْيٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
} .
وَمُسْلِمٌ عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : {
قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَا تَسْتَعْمِلُنِي ؟ قَالَ فَضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى
مَنْكِبَيَّ ثُمَّ قَالَ : يَا أَبَا ذَرٍّ إنَّك ضَعِيفٌ وَإِنَّهَا إمَارَةٌ ،
وَإِنَّهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ خِزْيٌ وَنَدَامَةٌ إلَّا مَنْ أَخَذَهَا
بِحَقِّهَا وَأَدَّى الَّذِي عَلَيْهِ فِيهَا } .
وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَالْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحٌ
عَلَى شَرْطِهِمَا عَنْهُ : { إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ لَهُ يَا أَبَا ذَرٍّ إنِّي أَرَاك ضَعِيفًا وَإِنِّي أُحِبُّ لَك مَا
أُحِبُّ لِنَفْسِي ، لَا تَأَمَّرَنَّ عَلَى اثْنَيْنِ ، وَلَا تَلِيَنَّ مَالَ
يَتِيمٍ } .
وَالْبُخَارِيُّ وَالنَّسَائِيُّ : { إنَّكُمْ
سَتَحْرِصُونَ عَلَى الْإِمَارَةِ ، وَسَتَكُونُ نَدَامَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ ،
فَنِعْمَتْ الْمُرْضِعَةُ وَبِئْسَ الْفَاطِمَةُ } .
وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ
وَالْحَاكِمُ وَاللَّفْظُ لَهُ وَقَالَ صَحِيحُ
الْإِسْنَادِ : { وَيْلٌ لِلْأُمَرَاءِ ، وَيْلٌ لِلْعُرَفَاءِ ، وَيْلٌ
لِلْأُمَنَاءِ لَيَتَمَنَّيَنَّ أَقْوَامٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنَّ
ذَوَائِبَهُمْ مُعَلَّقَةٌ بِالثُّرَيَّا يُدْلُونَ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ
وَأَنَّهُمْ لَمْ يَلُوا عَمَلًا
} .
وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَ إسْنَادَهُ : { لَيُوشِكَنَّ
رَجُلٌ أَنْ يَتَمَنَّى أَنَّهُ خَرَّ مِنْ الثُّرَيَّا وَلَمْ يَلِ مِنْ أَمْرِ النَّاسِ
شَيْئًا } .
وَالشَّيْخَانِ : { يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَمُرَةَ
لَا تَسَلْ الْإِمَارَةَ فَإِنَّك إنْ أُعْطِيتهَا مِنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ أُعِنْت
عَلَيْهَا ، وَإِنْ أُعْطِيتهَا عَنْ مَسْأَلَةٍ وُكِلْتَ إلَيْهَا } .
وَأَحْمَدُ بِسَنَدٍ رُوَاتُهُ ثِقَاتٌ إلَّا ابْنَ
لَهِيعَةَ : { جَاءَ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ اجْعَلْنِي
عَلَى شَيْءٍ أَعِيشُ بِهِ ، فَقَالَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ : يَا حَمْزَةُ نَفْسٌ تُحْيِيهَا أَحَبُّ إلَيْك أَمْ نَفْسٌ
تُمِيتُهَا ؟ قَالَ نَفْسٌ أُحْيِيهَا ، قَالَ عَلَيْك نَفْسُكَ } .
وَأَبُو دَاوُد بِسَنَدٍ فِي رُوَاتِهِ كَلَامٌ قَرِيبٌ
لَا يَقْدَحُ : { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَرَبَ
عَلَى مَنْكِبِ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِيكَرِبَ ثُمَّ قَالَ : أَفْلَحْت يَا
قَدِيمُ إنْ مِتَّ وَلَمْ تَكُنْ أَمِيرًا ، وَلَا كَاتِبًا وَلَا عَرِيفًا } .
وَالطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ حَسَنٍ عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ شَرِيكٌ لَا أَدْرِي أَرَفَعَهُ أَمْ لَا
قَالَ : { الْإِمَارَةُ أَوَّلُهَا نَدَامَةٌ ، وَأَوْسَطُهَا غَرَامَةٌ ،
وَآخِرُهَا عَذَابٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ } .
وَالطَّبَرَانِيُّ : { أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
اسْتَعْمَلَ بِشْرَ بْنَ عَاصِمٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى صَدَقَاتِ هَوَازِنَ
فَتَخَلَّفَ بِشْرٌ فَلَقِيَهُ عُمَرُ ، فَقَالَ مَا خَلَّفَكَ ؟ أَمَا لَنَا
سَمْعًا وَطَاعَةً ؟ قَالَ : بَلَى وَلَكِنْ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : مَنْ وَلِيَ شَيْئًا مِنْ أَمْرِ الْمُسْلِمِينَ
أُتِيَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى
يُوقَفَ عَلَى جِسْرِ جَهَنَّمَ ، فَإِنْ كَانَ
مُحْسِنًا نَجَا ، وَإِنْ كَانَ مُسِيئًا انْخَرَقَ بِهِ الْجِسْرُ فَهَوَى فِيهِ
سَبْعِينَ خَرِيفًا } .
فَخَرَجَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَئِيبًا
مَحْزُونًا ، فَلَقِيَهُ أَبُو ذَرٍّ ، فَقَالَ : مَا لِي أَرَاك كَئِيبًا
حَزِينًا ؟ فَقَالَ : مَا لِي لَا أَكُونُ كَئِيبًا حَزِينًا ، وَقَدْ سَمِعْت
بِشْرَ بْنَ عَاصِمٍ يَقُولُ : سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَقُولُ : { مَنْ وَلِيَ شَيْئًا مِنْ أَمْرِ الْمُسْلِمِينَ أُتِيَ
بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُوقَفَ عَلَى جِسْرِ جَهَنَّمَ ، فَإِنْ كَانَ مُحْسِنًا
نَجَا ، وَإِنْ كَانَ مُسِيئًا انْخَرَقَ بِهِ الْجِسْرُ فَهَوَى فِيهِ سَبْعِينَ
خَرِيفًا فَقَالَ أَبُو ذَرٍّ : وَأَنَا سَمِعْته مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : مَنْ وَلِيَ شَيْئًا مِنْ أَمْرِ
الْمُسْلِمِينَ أُتِيَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُوقَفَ عَلَى جِسْرِ
جَهَنَّمَ ، فَإِنْ كَانَ مُحْسِنًا نَجَا ، وَإِنْ كَانَ مُسِيئًا انْخَرَقَ بِهِ
الْجِسْرُ فَهَوَى فِيهِ سَبْعِينَ خَرِيفًا وَهِيَ سَوْدَاءُ مُظْلِمَةٌ فَأَيُّ الْحَدِيثَيْنِ
أَوْجَعُ لِقَلْبِك ؟ قَالَ كِلَاهُمَا أَوْجَعَ قَلْبِي فَمَنْ يَأْخُذُهَا بِمَا
فِيهَا ؟ فَقَالَ أَبُو ذَرٍّ مَنْ سَلَتَ ؟ أَيْ بِمُهْمَلَةٍ فَلَامٍ
مَفْتُوحَةٍ فَفَوْقِيَّةٍ : جَدَعَ اللَّهُ أَنْفَهُ وَأَلْصَقَ خَدَّهُ
بِالْأَرْضِ ، أَمَّا إنَّا لَا نَعْلَمُ إلَّا خَيْرًا ، أَوْ عَسَى إنْ
وَلَّيْتهَا مَنْ لَا يَعْدِلُ فِيهَا أَنْ لَا تَنْجُوَ مِنْ إثْمِهَا } .
وَأَحْمَدُ بِسَنَدٍ فِيهِ مَجْهُولٌ : { سَتُفْتَحُ
عَلَيْكُمْ مَشَارِقُ الْأَرْضِ وَمَغَارِبُهَا وَإِنَّ عُمَّالَهَا فِي النَّارِ
إلَّا مَنْ اتَّقَى اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَأَدَّى الْأَمَانَةَ } .
وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُمَا عَنْ عَدِيِّ
بْنِ عَمِيرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : { مَنْ اسْتَعْمَلْنَاهُ مِنْكُمْ عَلَى عَمَلٍ
فَكَتَمْنَا مِخْيَطًا فَمَا فَوْقَهُ كَانَ غُلُولًا يَأْتِي بِهِ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ ، فَقَامَ إلَيْهِ رَجُلٌ أَسْوَدُ مِنْ الْأَنْصَارِ كَأَنِّي
أَنْظُرُ إلَيْهِ ، فَقَالَ
يَا رَسُولَ اللَّهِ اقْبَلْ عَنِّي عَمَلَك ، قَالَ
وَمَالَك ؟ قَالَ : سَمِعْتُك تَقُولُ كَذَا وَكَذَا .
قَالَ ؛ وَأَنَا أَقُولُهُ الْآنَ : مَنْ
اسْتَعْمَلْنَاهُ مِنْكُمْ عَلَى عَمَلٍ فَلْيَجِئْ بِقَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ ،
فَمَا أُوتِيَ مِنْهُ أَخَذَ ، وَمَا نُهِيَ عَنْهُ انْتَهَى } .
وَالشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا : { اسْتَعْمَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا مِنْ الْأَزْدِ يُقَالُ لَهُ ابْنُ
اللُّتْبِيَّةِ - أَيْ نِسْبَةٌ لِبَنِي لُتْبٍ بِضَمِّ اللَّامِ وَسُكُونِ
التَّاءِ - عَلَى الصَّدَقَةِ ، فَلَمَّا قَدِمَ قَالَ : هَذَا لَكُمْ وَهَذَا
أُهْدِيَ إلَيَّ ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ، ثُمَّ قَالَ : أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي
أَسْتَعْمِلُ الرَّجُلَ مِنْكُمْ عَلَى الْعَمَلِ مِمَّا وَلَّانِي اللَّهُ
فَيَقُولُ هَذَا لَكُمْ وَهَذَا أُهْدِيَ إلَيَّ ، أَفَلَا جَلَسَ فِي بَيْتِ
أَبِيهِ وَأُمِّهِ حَتَّى تَأْتِيَهُ هَدِيَّتُهُ إنْ كَانَ صَادِقًا ؟ وَاَللَّهِ
لَا يَأْخُذُ أَحَدٌ مِنْكُمْ شَيْئًا بِغَيْرِ حَقِّهِ إلَّا لَقِيَ اللَّهَ
يَحْمِلُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
} .
الْحَدِيثَ
.
وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ عَنْ
أَبِي رَافِعٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : { كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا صَلَّى الْعَصْرَ ذَهَبَ إلَى بَنِي عَبْدِ
الْأَشْهَلِ ، فَيَتَحَدَّثُ عِنْدَهُمْ حَتَّى يَنْحَدِرَ لِلْمَغْرِبِ .
قَالَ أَبُو رَافِعٍ : فَبَيْنَمَا النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُسْرِعًا إلَى الْمَغْرِبِ مَرَرْنَا بِالْبَقِيعِ
فَقَالَ أُفٍّ لَك أُفٍّ لَك ، فَكَبُرَ ذَلِكَ فِي رَوْعِي ، فَاسْتَأْخَرْت
وَظَنَنْت أَنَّهُ يُرِيدُنِي .
فَقَالَ : مَالَك امْشِ ، فَقُلْت أَحْدَثْت حَدَثًا ؟ قَالَ
وَمَالَك قَالَ أَفَّفْت بِي ؟ قَالَ لَا ، وَلَكِنْ هَذَا فُلَانٌ بَعَثْته
سَاعِيًا إلَى بَنِي فُلَانٍ فَغَلَّ نَمِرَةً فَدُرِّعَ مِثْلَهَا مِنْ النَّارِ
} وَالنَّمِرَةُ بِكَسْرِ الْمِيمِ كِسَاءٌ مِنْ صُوفٍ مُخَطَّطٍ .
تَنْبِيهٌ : عَدُّ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ هُوَ صَرِيحُ هَذِهِ
الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ ، وَهُوَ ظَاهِرٌ وَلَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَهُ ، وَهِيَ
وَإِنْ كَانَتْ مُطْلَقَةً إلَّا أَنَّهَا مَحْمُولَةٌ
عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ بِقَرَائِنَ وَأَحَادِيثَ أُخَرَ .
( الْكَبِيرَةُ الْحَادِيَةُ وَالْأَرْبَعُونَ بَعْدَ
الثَّلَاثِمِائَةِ : تَوْلِيَةُ جَائِرٍ أَوْ فَاسِقٍ أَمْرًا مِنْ أُمُورِ
الْمُسْلِمِينَ ) أَخْرَجَ الْحَاكِمُ أَيْ لَكِنْ فِيهِ مَنْ وَثَّقَهُ ابْنُ
مَعِينٍ فِي رِوَايَةٍ وَوَهَّاهُ غَيْرُهُ ، وَأَحْمَدُ بِاخْتِصَارٍ وَفِيهِ
رَجُلٌ لَمْ يُسَمَّ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ قَالَ : { قَالَ لِي أَبُو
بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حِينَ بَعَثَنِي إلَى الشَّامِ يَا
يَزِيدُ إنَّ لَك قَرَابَةً عَسَيْت أَنْ تُؤْثِرَهُمْ بِالْإِمَارَةِ ، وَذَلِكَ
أَكْثَرُ مَا أَخَافُ عَلَيْك بَعْدَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ الْمُسْلِمِينَ شَيْئًا فَأَمَّرَ
عَلَيْهِمْ أَحَدًا مُحَابَاةً فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ
مِنْهُ صَرْفًا وَلَا عَدْلًا حَتَّى يُدْخِلَهُ جَهَنَّمَ } .
وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ : أَيْ لَكِنْ فِيهِ وَاهٍ إلَّا أَنَّ
ابْنَ نُمَيْرٍ وَثَّقَهُ وَحَسَّنَ لَهُ التِّرْمِذِيُّ غَيْرَ مَا حَدِيثٍ .
قَالَ الْحَافِظُ الْمُنْذِرِيُّ بَعْدَ ذِكْرِهِ ذَلِكَ
وَصَحَّحَ لَهُ الْحَاكِمُ وَلَا يَضُرُّ فِي الْمُتَابَعَاتِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ : { مَنْ اسْتَعْمَلَ رَجُلًا مِنْ عِصَابَةٍ وَفِيهِمْ مَنْ هُوَ
أَرْضَى لِلَّهِ مِنْهُ فَقَدْ خَانَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالْمُؤْمِنِينَ } .
تَنْبِيهٌ :
عَدُّ هَذَا هُوَ صَرِيحُ الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ
لِلتَّصْرِيحِ فِيهِ بِاللَّعْنِ ، وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ الثَّانِي وَهُوَ ظَاهِرٌ
وَإِنْ لَمْ أَرَهُ ، وَأَشَرْت كَمَا ذَكَرْته فِي التَّرْجَمَةِ إلَى أَنَّهُ يَنْبَغِي
حَمْلُ الْحَدِيثَيْنِ عَلَيْهِ ، وَإِلَّا فَظَاهِرُهُمَا مُشْكِلٌ جِدًّا ،
ثُمَّ رَأَيْت بَعْضَهُمْ صَرَّحَ بَعْدَ ذَلِكَ فَقَالَ أَنْ يُوَلِّيَ الْقَاضِي
أَوْ الْإِمَامُ مَنْ لَا يَصْلُحُ لِقَرَابَتِهِ أَوْ صُحْبَتِهِ .
( الْكَبِيرَةُ الثَّانِيَةُ وَالْأَرْبَعُونَ بَعْدَ
الثَّلَاثِمِائَةِ : عَزْلُ الصَّالِحِ وَتَوْلِيَةُ مَنْ هُوَ دُونَهُ ) وَذَكَرَ
هَذَا أَشَارَ إلَيْهِ بَعْضُهُمْ ، وَيُسْتَدَلُّ لَهُ بِالْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ
" فَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ أَحَدًا مُحَابَاةً فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ
" إلَخْ .
( الْكَبِيرَةُ الثَّالِثَةُ وَالرَّابِعَةُ
وَالْخَامِسَةُ وَالْأَرْبَعُونَ بَعْدَ الثَّلَاثِمِائَةِ : جَوْرُ الْإِمَامِ
أَوْ الْأَمِيرِ أَوْ الْقَاضِي وَغِشُّهُ لِرَعِيَّتِهِ وَاحْتِجَابُهُ عَنْ قَضَاءِ
حَوَائِجِهِمْ الْمُهِمَّةِ الْمُضْطَرِّينَ إلَيْهَا بِنَفْسِهِ أَوْ نَائِبِهِ )
أَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ رُوَاتُهُ ثِقَاتٌ إلَّا وَاحِدًا مِنْهُمْ
فَمُخْتَلَفٌ فِيهِ ، وَفِي الصَّحِيحِ بَعْضُهُ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
: { إنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْ قَتَلَ نَبِيًّا
أَوْ قَتَلَهُ نَبِيٌّ وَإِمَامٌ جَائِرٌ } .
وَرَوَاهُ الْبَزَّارُ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ إلَّا
أَنَّهُ قَالَ : { وَإِمَامُ ضَلَالَةٍ
} .
وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ : {
أَرْبَعَةٌ يُبْغِضُهُمْ اللَّهُ
: الْبَيَّاعُ الْحَلَّافُ ، وَالْفَقِيرُ الْمُخْتَالُ
، وَالشَّيْخُ الزَّانِي ، وَالْإِمَامُ الْجَائِرُ } .
وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ بِنَحْوِهِ إلَّا أَنَّهُ قَالَ : {
وَمَلِكٌ كَذَّابٌ ، وَعَائِلٌ مُسْتَكْبِرٌ } .
وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ ، وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ فِيهِ
وَاهِيًا مُبْهَمًا عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : { أَلَا
أَيُّهَا النَّاسُ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةَ جَائِرٍ } .
وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ : { ثَلَاثَةٌ لَا
يَقْبَلُ اللَّهُ مِنْهُمْ شَهَادَةَ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ ، فَذَكَرَ
مِنْهُمْ الْإِمَامَ الْجَائِرَ
} .
وَابْنُ مَاجَهْ وَالْبَزَّارُ وَاللَّفْظُ لَهُ : {
السُّلْطَانُ ظِلُّ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْأَرْضِ يَأْوِي إلَيْهِ كُلُّ
مَظْلُومٍ مِنْ عِبَادِهِ ، فَإِنْ عَدَلَ كَانَ لَهُ الْأَجْرُ ، وَكَانَ عَلَى الرَّعِيَّةِ
الشُّكْرُ ، وَإِنْ جَارَ أَوْ حَافَ أَوْ ظَلَمَ كَانَ عَلَيْهِ الْوِزْرُ
وَعَلَى الرَّعِيَّةِ الصَّبْرُ ، وَإِذَا جَارَتْ الْوُلَاةُ قَحَطَتْ السَّمَاءُ
وَإِذَا مُنِعَتْ الزَّكَاةُ هَلَكَتْ الْمَوَاشِي ، وَإِذَا ظَهَرَ الزِّنَا
ظَهَرَ الْفَقْرُ وَالْمَسْكَنَةُ ، وَإِذَا أَخْفَرَتْ الذِّمَّةُ أُدِيلَ
الْكُفَّارُ أَوْ كَلِمَةً نَحْوَهَا
} .
وَالْبَيْهَقِيُّ وَاللَّفْظُ لَهُ وَالْحَاكِمُ بِنَحْوِهِ
وَقَالَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُمَا قَالَ : { كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فَقَالَ : كَيْفَ أَنْتُمْ إذَا وَقَعَ فِيكُمْ خَمْسٌ وَأَعُوذُ
بِاَللَّهِ أَنْ تَكُونَ فِيكُمْ أَوْ تُدْرِكُوهُمْ : مَا ظَهَرَتْ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ
قَطُّ يُعْمَلُ بِهَا فِيهِمْ عَلَانِيَةً إلَّا ظَهَرَ فِيهِمْ الطَّاعُونُ
وَالْأَوْجَاعُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ فِي أَسْلَافِهِمْ ، وَمَا مَنَعَ قَوْمٌ
الزَّكَاةَ إلَّا مُنِعُوا الْقَطْرَ مِنْ السَّمَاءِ وَلَوْلَا الْبَهَائِمُ لَمْ
يُمْطَرُوا ، وَمَا بَخَسَ قَوْمٌ الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إلَّا أُخِذُوا
بِالسِّنِينَ وَشِدَّةِ الْمُؤْنَةِ وَجَوْرِ السُّلْطَانِ ، وَلَا حَكَمَ
أُمَرَاؤُهُمْ بِغَيْرِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى إلَّا سَلَّطَ اللَّهُ
عَلَيْهِمْ عَدُوَّهُمْ فَاسْتَنْفَذُوا بَعْضَ مَا فِي أَيْدِيهِمْ ، وَمَا
عَطَّلُوا كِتَابَ اللَّهِ وَسُنَّةَ نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
إلَّا جَعَلَ اللَّهُ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ } .
وَأَحْمَدُ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ وَاللَّفْظُ لَهُ
وَأَبُو يَعْلَى وَالطَّبَرَانِيُّ عَنْ بُكَيْرِ بْنُ وَهْبٍ قَالَ : { قَالَ لِي
أَنَسٌ أُحَدِّثُك حَدِيثًا مَا أُحَدِّثُهُ كُلَّ أَحَدٍ : إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ عَلَى بَابِ الْبَيْتِ وَنَحْنُ فِيهِ ، فَقَالَ
: الْأَئِمَّةُ مِنْ قُرَيْشٍ إنَّ لِي عَلَيْكُمْ حَقًّا وَإِنَّ لَهُمْ
عَلَيْكُمْ حَقًّا مِثْلَ ذَلِكَ مَا إنْ اُسْتُرْحِمُوا رَحِمُوا ، وَإِنْ
عَاهَدُوا وَفُّوا ، وَإِنْ حَكَمُوا عَدَلُوا ، فَمَنْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ
مِنْهُمْ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ } .
وَفِي رِوَايَةٍ صَحِيحَةٍ : { إنَّ هَذَا الْأَمْرَ فِي قُرَيْشٍ
مَا إذَا اُسْتُرْحِمُوا رَحِمُوا ، وَإِذَا حَكَمُوا عَدَلُوا ، وَإِذَا قَسَمُوا
أَقْسَطُوا ، فَمَنْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ مِنْهُمْ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ
وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ، لَا يَقْبَلُ اللَّهُ مِنْهُ صَرْفًا
وَلَا عَدْلًا } .
وَالطَّبَرَانِيُّ عَنْ مُعَاوِيَةَ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ عَنْهُ
بِإِسْنَادٍ رُوَاتُهُ ثِقَاتٌ .
وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ قَالَا : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : {
لَا يُقَدِّسُ اللَّهُ أُمَّةً لَا يُقْضَى فِيهَا بِالْحَقِّ ، وَيَأْخُذُ الضَّعِيفُ
حَقَّهُ مِنْ الْقَوِيِّ غَيْرَ مُتَعْتَعٍ } .
وَالْأَصْبَهَانِيّ : { يَا أَبَا هُرَيْرَةَ عَدْلُ سَاعَةٍ
خَيْرٌ مِنْ عِبَادَةِ سِتِّينَ سَنَةً ، قِيَامُ لَيْلِهَا ، وَصِيَامُ
نَهَارِهَا ؛ وَيَا أَبَا هُرَيْرَةَ : جَوْرُ سَاعَةٍ فِي حُكْمٍ أَشَدُّ
وَأَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ مَعَاصِي سِتِّينَ سَنَةً } .
وَفِي رِوَايَةٍ : { عَدْلُ يَوْمٍ وَاحِدٍ أَفْضَلُ
مِنْ عِبَادَةِ سِتِّينَ سَنَةً
} .
وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ بِلَفْظِ
: { يَوْمٌ مِنْ إمَامٍ عَادِلٍ أَفْضَلُ مِنْ عِبَادَةِ سِتِّينَ سَنَةً ،
وَحَدٌّ يُقَامُ فِي الْأَرْضِ بِحَقِّهِ أَزْكَى فِيهَا مِنْ مَطَرِ أَرْبَعِينَ
صَبَاحًا } .
وَالطَّبَرَانِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ غَرِيبٌ : { أَحَبُّ
النَّاسِ إلَى اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَدْنَاهُمْ مِنْهُ مَجْلِسًا إمَامٌ
عَادِلٌ ، وَأَبْغَضُ النَّاسِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَأَبْعَدُهُمْ مِنْهُ مَجْلِسًا
إمَامٌ جَائِرٌ } .
وَالطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ فِيهِ ابْنُ لَهِيعَةَ وَحَدِيثُهُ
حَسَنٌ فِي الْمُتَابَعَاتِ : { أَفْضَلُ النَّاسِ عِنْدَ اللَّهِ مَنْزِلَةً
يَوْمَ الْقِيَامَةِ إمَامٌ عَادِلٌ رَفِيقٌ ، وَشَرُّ عِبَادِ اللَّهِ عِنْدَ
اللَّهِ مَنْزِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ إمَامٌ جَائِرٌ خَرِقٌ } .
وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ غَرِيبٌ وَابْنُ مَاجَهْ
وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ وَلَمْ يُبَالِ
بِتَضْعِيفِ بَعْضِهِمْ بَعْضَ رُوَاتِهِ ؛ لِأَنَّ الْأَكْثَرِينَ عَلَى تَوْثِيقِهِ
: { إنَّ اللَّهَ مَعَ الْقَاضِي مَا لَمْ يَجُرْ فَإِذَا جَارَ تَخَلَّى عَنْهُ
وَلَزِمَهُ الشَّيْطَانُ } .
وَرِوَايَةُ الْحَاكِمِ : { فَإِذَا جَارَ تَبَرَّأَ
اللَّهُ مِنْهُ } .
وَابْنُ مَاجَهْ وَالْبَزَّارُ وَاللَّفْظُ لَهُ : {
يُؤْتَى بِالْقَاضِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُوقَفُ لِلْحِسَابِ عَلَى شَفِيرِ
جَهَنَّمَ فَإِنْ أُمِرَ بِهِ دُفِعَ فَهَوَى فِيهَا سَبْعِينَ خَرِيفًا } .
وَابْنُ أَبِي
الدُّنْيَا وَغَيْرُهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ : أَنَّ
بِشْرَ بْنَ عَاصِمٍ حَدَّثَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَنَّهُ سَمِعَ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : { لَا يَلِي أَحَدٌ
مِنْ أَمْرِ النَّاسِ شَيْئًا إلَّا وَقَفَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى جِسْرِ
جَهَنَّمَ فَيُزَلْزِلُ بِهِ الْجِسْرُ زَلْزَلَةً فَنَاجٍ أَوْ غَيْرُ نَاجٍ
فَلَا يَبْقَى مِنْهُ عَظْمٌ إلَّا فَارَقَ صَاحِبَهُ فَإِنْ هُوَ لَمْ يَنْجُ ذَهَبَ
بِهِ فِي جُبٍّ مُظْلِمٍ كَالْقَبْرِ فِي جَهَنَّمَ يَبْلُغُ قَعْرُهُ سَبْعِينَ
خَرِيفًا ، وَإِنَّ عُمَرَ سَأَلَ سَلْمَانَ وَأَبَا ذَرٍّ هَلْ سَمِعْتُمَا
ذَلِكَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ قَالَا نَعَمْ } .
وَالطَّبَرَانِيُّ { مَنْ وَلِيَ أُمَّةً مِنْ أُمَّتِي
قَلَّتْ أَوْ كَثُرَتْ فَلَمْ يَعْدِلْ فِيهِمْ كَبَّهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى
وَجْهِهِ فِي النَّارِ } .
وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ : { مَا مِنْ أَحَدٍ يَكُونُ
عَلَى شَيْءٍ مِنْ أُمُورِ هَذِهِ الْأُمَّةِ فَلَا يَعْدِلُ فِيهِمْ إلَّا
كَبَّهُ اللَّهُ فِي النَّارِ }
.
وَالطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ حَسَنٍ وَأَبُو يَعْلَى وَالْحَاكِمُ
وَصَحَّحَهُ : { إنَّ فِي جَهَنَّمَ وَادِيًا وَفِي الْوَادِي بِئْرٌ يُقَالُ لَهُ
هَبْهَبُ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يُسْكِنَهُ كُلَّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ } .
وَأَحْمَدُ بِسَنَدٍ جَيِّدٍ وَرِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ
: { مَا مِنْ أَمِيرِ عَشَرَةٍ إلَّا يُؤْتَى بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَغْلُولًا
لَا يَفُكُّهُ إلَّا الْعَدْلُ
} .
وَفِي رِوَايَةٍ صَحِيحَةٍ لَهُ أَيْضًا : { مَا مِنْ
أَمِيرِ عَشَرَةٍ إلَّا يُؤْتَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَغْلُولًا لَا يَفُكُّهُ
مِنْ ذَلِكَ الْغُلِّ إلَّا الْعَدْلُ
} .
وَفِي أُخْرَى صَحِيحَةٍ أَيْضًا { مَا مِنْ أَمِيرِ
عَشَرَةٍ إلَّا يُؤْتَى بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَغْلُولًا حَتَّى يَفُكَّهُ
الْعَدْلُ أَوْ يُوثِقَهُ الْجَوْرُ
} .
وَفِي رِوَايَةٍ لِلطَّبَرَانِيِّ : { وَإِنْ كَانَ
مُسِيئًا زِيدَ غُلًّا إلَى غُلِّهِ } ، وَالطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ : {
مَا مِنْ رَجُلٍ وَلِيَ عَشَرَةً إلَّا أُتِيَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
مَغْلُولَةً يَدَاهُ إلَى عُنُقِهِ حَتَّى يَقْضِيَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ } .
وَابْنُ
حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ : { مَا مِنْ وَالِي ثَلَاثَةٍ
إلَّا لَقِيَ اللَّهَ مَغْلُولَةً يَمِينُهُ فَكَّهُ عَدْلُهُ أَوْ غَلَّهُ
جَوْرُهُ } .
وَابْنَا خُزَيْمَةَ وَحِبَّانَ فِي صَحِيحَيْهِمَا : {
عُرِضَ عَلَيَّ أَوَّلُ ثَلَاثَةٍ يَدْخُلُونَ النَّارَ : أَمِيرٌ مُسَلَّطٌ ،
وَذُو ثَرْوَةٍ مِنْ مَالٍ لَا يُؤَدِّي حَقَّ اللَّهِ فِيهِ ، وَفَقِيرٌ فَخُورٌ } .
وَالْبَزَّارُ وَالطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ رُوَاتُهُ ثِقَاتٌ
إلَّا وَاحِدًا اُخْتُلِفَ فِي تَوْثِيقِهِ وَاحْتَجَّ بِهِ التِّرْمِذِيُّ .
وَأَخْرَجَ لَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ : {
إنِّي أَخَافُ عَلَى أُمَّتِي مِنْ أَعْمَالٍ ثَلَاثَةٍ ، قَالُوا وَمَا هِيَ يَا
رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : زَلَّةُ عَالِمٍ ، وَحُكْمُ جَائِرٍ ، وَهَوًى مُتَّبَعٌ } .
وَمُسْلِمٌ :
{ اللَّهُمَّ مَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا
فَشَقَّ عَلَيْهِمْ فَاشْقُقْ عَلَيْهِ ، وَمَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا
فَرَفَقَ بِهِمْ فَارْفُقْ بِهِ
} .
وَرَوَاهُ أَبُو عَوَانَةَ فِي صَحِيحِهِ وَقَالَ فِيهِ
: { وَمَنْ وَلِيَ مِنْهُمْ شَيْئًا فَشَقَّ عَلَيْهِمْ فَعَلَيْهِ بَهْلَةُ
اللَّهِ ، قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا بَهْلَةُ اللَّهِ ؟ قَالَ لَعْنَةُ
اللَّهِ } .
وَالطَّبَرَانِيُّ : { مَا مِنْ أُمَّتِي أَحَدٌ وَلِيَ
مِنْ أَمْرِ النَّاسِ شَيْئًا لَمْ يَحْفَظْهُمْ بِمَا يَحْفَظُ بِهِ نَفْسَهُ
إلَّا لَمْ يَجِدْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ } .
وَالشَّيْخَانِ : { مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْتَرْعِيهِ اللَّهُ
رَعِيَّةً يَمُوتُ يَوْمَ يَمُوتُ وَهُوَ غَاشٌّ رَعِيَّتَهُ إلَّا حَرَّمَ
اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ الْجَنَّةَ } ، وَفِي رِوَايَةٍ لَهُمَا : { فَلَمْ
يُحِطْهَا بِنُصْحِهِ لَمْ يَرَحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ } .
وَمُسْلِمٌ : { مَا مِنْ أَمِيرٍ يَلِي أُمُورَ
الْمُسْلِمِينَ ثُمَّ لَا يَجْهَدُ لَهُمْ وَيَنْصَحُ لَهُمْ إلَّا لَمْ يَدْخُلْ
مَعَهُمْ الْجَنَّةَ } .
وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ وَزَادَ : { كَنُصْحِهِ وَجَهْدِهِ
لِنَفْسِهِ } ، وَالطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ رُوَاتُهُ ثِقَاتٌ إلَّا وَاحِدًا
اُخْتُلِفَ فِيهِ : { مَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ الْمُسْلِمِينَ شَيْئًا فَغَشَّهُمْ
فَهُوَ فِي النَّارِ } ، وَالطَّبَرَانِيُّ
بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ : { مَا مِنْ إمَامٍ وَلَا وَالٍ
بَاتَ لَيْلَةً سَوْدَاءَ غَاشًّا لِرَعِيَّتِهِ إلَّا
حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ
} .
وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ : { مَا مِنْ إمَامٍ يَبِيتُ
غَاشًّا لِرَعِيَّتِهِ إلَّا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ ، وَعَرْفُهَا
يُوجَدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ مَسِيرَةِ سَبْعِينَ عَامًا } .
وَالطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ رِجَالُهُ رِجَالُ
الصَّحِيحِ إلَّا وَاحِدًا اخْتَلَفَ فِيهِ : { مَنْ وَلِيَ شَيْئًا مِنْ أَمْرِ
الْمُسْلِمِينَ لَمْ يَنْظُرْ اللَّهُ فِي حَاجَتِهِ حَتَّى يَنْظُرَ فِي
حَوَائِجِهِمْ } .
وَأَبُو دَاوُد عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ الْجُهَنِيِّ
أَنَّهُ قَالَ لِمُعَاوِيَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا : سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : { مَنْ وَلَّاهُ اللَّهُ شَيْئًا
مِنْ أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ فَاحْتَجَبَ دُونَ حَاجَتِهِمْ وَخَلَّتِهِمْ وَفَقْرِهِمْ
احْتَجَبَ اللَّهُ دُونَ حَاجَتِهِ وَخَلَّتِهِ وَفَقْرِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
فَجَعَلَ مُعَاوِيَةُ رَجُلًا عَلَى حَوَائِجِ الْمُسْلِمِينَ } .
وَالْحَاكِمُ بِنَحْوِ ذَلِكَ وَصَحَّحَهُ ، وَالتِّرْمِذِيُّ
بِلَفْظِ : { مَا مِنْ إمَامٍ يُغْلِقُ بَابَهُ دُونَ ذَوِي الْحَاجَةِ
وَالْخُلَّةِ وَالْمَسْكَنَةِ إلَّا أَغْلَقَ اللَّهُ تَعَالَى أَبْوَابَ
السَّمَاءِ دُونَ خَلَّتِهِ وَحَاجَتِهِ وَمَسْكَنَتِهِ } .
وَأَحْمَدُ بِسَنَدٍ جَيِّدٍ : { مَنْ وَلِيَ مِنْ
أَمْرِ الْمُسْلِمِينَ شَيْئًا فَاحْتَجَبَ عَنْ أُولِي الضَّعْفِ وَالْحَاجَةِ احْتَجَبَ
اللَّهُ عَنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
} .
وَعَنْ أَبِي الشَّمَّاخِ الْأَزْدِيِّ عَنْ ابْنِ عَمٍّ
لَهُ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ أَتَى
مُعَاوِيَةَ فَدَخَلَ عَلَيْهِ فَقَالَ : سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : { مَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ النَّاسِ شَيْئًا ثُمَّ أَغْلَقَ
بَابَهُ دُونَ الْمِسْكِينِ وَالْمَظْلُومِ وَذِي الْحَاجَةِ أَغْلَقَ اللَّهُ
تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَبْوَابَ رَحْمَتِهِ دُونَ حَاجَتِهِ وَفَقْرِهِ أَفْقَرَ
مَا يَكُونُ إلَيْهَا } .
وَالطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ رُوَاتُهُ ثِقَاتٌ إلَّا
شَيْخَهُ خَيْرُونَ ، قَالَ الْحَافِظُ الْمُنْذِرِيُّ : لَمْ أَقِفْ فِيهِ عَلَى
جَرْحٍ وَلَا تَعْدِيلٍ ،
عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ : { أَنَّ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي
سُفْيَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ضَرَبَ عَلَى النَّاسِ بَعْثًا فَخَرَجُوا
فَرَجَعَ أَبُو الدَّحْدَاحِ فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَةُ : أَلَمْ تَكُنْ خَرَجْت ؟
قَالَ بَلَى وَلَكِنْ سَمِعْت مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
حَدِيثًا أَحْبَبْت أَنْ أَضَعَهُ عِنْدَك مَخَافَةَ أَنْ لَا تَلْقَانِي ،
سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : يَا
أَيُّهَا النَّاسُ مَنْ وَلِيَ عَلَيْكُمْ عَمَلًا فَحَجَبَ بَابَهُ عَنْ ذِي
حَاجَةٍ أَوْ قَالَ دُونَ حَاجَةِ الْمُسْلِمِينَ حَجَبَهُ اللَّهُ أَنْ يَلِجَ
بَابَ الْجَنَّةِ ، وَمَنْ كَانَتْ هِمَّتُهُ الدُّنْيَا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ
جِوَارِي فَإِنِّي بُعِثْت بِخَرَابِ الدُّنْيَا وَلَمْ أُبْعَثْ بِعِمَارَتِهَا } .
تَنْبِيهٌ : عَدُّ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ هُوَ صَرِيحُ
هَذِهِ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَإِنْ لَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَهُ
، وَقُيِّدَتْ الْحَوَائِجُ بِمَا قَدَّمْته فِي التَّرْجَمَةِ لِمَا هُوَ وَاضِحٌ
أَنَّهُ الْمُرَادُ مِنْ الْحَوَائِجِ الْمُطْلَقَةِ فِي الْأَحَادِيثِ ، لَكِنْ
أُشِيرُ إلَى ذَلِكَ التَّقْيِيدِ بِالتَّعْبِيرِ فِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ بِالْمِسْكَيْنِ
وَالْمَظْلُومِ ، ثُمَّ رَأَيْت الْجَلَالَ الْبُلْقِينِيَّ صَرَّحَ بِمَا
ذَكَرْته فِي الْغِشِّ فَقَالَ
: الْكَبِيرَةُ السِّتُّونَ غِشُّ الْوُلَاةِ
الرَّعِيَّةَ لِحَدِيثِ الشَّيْخَيْنِ : { مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْتَرْعِيهِ اللَّهُ
رَعِيَّةً يَمُوتُ يَوْمَ يَمُوتُ وَهُوَ غَاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ إلَّا حَرَّمَ
اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ }
.
وَرَأَيْت غَيْرَهُ ذَكَرَ جَوْرَ الْحُكَّامِ وَغِشَّهُمْ
لِرَعِيَّتِهِمْ وَاحْتِجَابَهُمْ عَنْ أُولِي الْحَاجَاتِ وَالْمَسْكَنَةِ .
( الْكَبِيرَةُ السَّادِسَةُ وَالسَّابِعَةُ وَالثَّامِنَةُ
وَالتَّاسِعَةُ وَالْأَرْبَعُونَ وَالْخَمْسُونَ بَعْدَ الثَّلَاثِمِائَةِ :
ظُلْمُ السَّلَاطِينِ وَالْأُمَرَاءِ وَالْقُضَاةِ وَغَيْرِهِمْ مُسْلِمًا أَوْ
ذِمِّيًّا بِنَحْوِ أَكْلِ مَالٍ أَوْ ضَرْبٍ أَوْ شَتْمٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ ،
وَخِذْلَانُ الْمَظْلُومِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى نُصْرَتِهِ ، وَالدُّخُولُ عَلَى
الظَّلَمَةِ مَعَ الرِّضَا بِظُلْمِهِمْ وَإِعَانَتُهُمْ عَلَى الظُّلْمِ
وَالسِّعَايَةُ إلَيْهِمْ بِبَاطِلٍ ) قَالَ تَعَالَى : { وَلَا تَحْسَبَنَّ
اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ
فِيهِ الْأَبْصَارُ } .
وَقَالَ تَعَالَى : { وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا
أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ } ، وَقَالَ تَعَالَى : { وَلَا تَرْكَنُوا إلَى الَّذِينَ
ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمْ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ
أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ
} وَالرُّكُونُ إلَى الشَّيْءِ السُّكُونُ وَالْمَيْلُ
إلَيْهِ بِالْمَحَبَّةِ ، وَمِنْ ثَمَّ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا
فِي الْآيَةِ : " لَا تَمِيلُوا إلَيْهِمْ كُلَّ الْمَيْلِ فِي الْمَحَبَّةِ
وَلِينِ الْكَلَامِ وَالْمَوَدَّةِ
" .
وَقَالَ السُّدِّيُّ وَابْنُ زَيْدٍ : لَا
تُدَاهِنُوهُمْ ، وَقَالَ عِكْرِمَةُ
: لَا تُطِيعُوهُمْ وَتَوَدُّوهُمْ ، وَقَالَ أَبُو
الْعَالِيَةِ : لَا تَرْضَوْا بِأَعْمَالِهِمْ ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ ذَلِكَ
كُلَّهُ مُرَادٌ مِنْ الْآيَةِ
.
وَقَالَ تَعَالَى : { اُحْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا
وَأَزْوَاجَهُمْ } أَيْ أَشْبَاهَهُمْ وَأَتْبَاعَهُمْ .
وَأَخْرَجَ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا عَنْ ابْنِ
عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { الظُّلْمُ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ } .
وَمُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ : { اتَّقُوا الظُّلْمَ فَإِنَّ
الظُّلْمَ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، وَاتَّقُوا الشُّحَّ فَإِنَّ الشُّحَّ
أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ حَمَلَهُمْ عَلَى أَنْ سَفَكُوا دِمَاءَهُمْ
وَاسْتَحَلُّوا مَحَارِمَهُمْ }
.
وَمُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا يَرْوِي عَنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ
أَنَّهُ قَالَ : { يَا عِبَادِي إنِّي حَرَّمْت
الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي وَجَعَلْته بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا فَلَا تَظَّالَمُوا }
الْحَدِيثَ .
وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالْحَاكِمُ : {
إيَّاكُمْ وَالظُّلْمَ فَإِنَّ الظُّلْمَ هُوَ الظُّلُمَاتُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ،
وَإِيَّاكُمْ وَالْفُحْشَ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يُحِبُّ الْفَاحِشَ وَالْمُتَفَحِّشَ
، وَإِيَّاكُمْ وَالشُّحَّ فَإِنَّ الشُّحَّ دَعَا مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ
فَسَفَكُوا دِمَاءَهُمْ وَاسْتَحَلُّوا مَحَارِمَهُمْ } .
وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ وَالْأَوْسَطِ وَلَهُ
شَوَاهِدُ كَثِيرَةٌ : { إيَّاكُمْ وَالْخِيَانَةَ فَإِنَّهَا بِئْسَ الْبِطَانَةُ
، وَإِيَّاكُمْ وَالظُّلْمُ فَإِنَّهُ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ،
وَإِيَّاكُمْ وَالشُّحَّ فَإِنَّمَا أَهْلَكَ مَنْ كَانَ مِنْ قَبْلِكُمْ الشُّحُّ
حَتَّى سَفَكُوا دِمَاءَهُمْ وَقَطَعُوا أَرْحَامَهُمْ } .
وَالطَّبَرَانِيُّ : { لَا تَظَّالَمُوا فَتَدْعُوَا
فَلَا يُسْتَجَابُ لَكُمْ وَتَسْتَسْقُوا فَلَا تُسْقَوْا وَتَسْتَنْصِرُوا فَلَا
تُنْصَرُوا } .
وَالطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ رِجَالُهُ ثِقَاتٌ : {
صِنْفَانِ مِنْ أُمَّتِي لَنْ تَنَالَهُمَا شَفَاعَتِي : إمَامٌ ظَلُومٌ غَشُومٌ ،
وَكُلُّ غَالٍ مَارِقٍ } .
وَأَحْمَدُ بِسَنَدٍ حَسَنٍ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ :
{ الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ وَلَا
يَخْذُلُهُ وَيَقُولُ : وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا تَوَادَّ اثْنَانِ فَيُفَرَّقُ
بَيْنَهُمَا إلَّا بِذَنْبٍ يُحْدِثُهُ أَحَدُهُمَا } وَالشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا : {
إنَّ اللَّهَ لَيُمْلِي لِلظَّالِمِ حَتَّى إذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ ثُمَّ
قَرَأَ : { وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّك إذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إنَّ
أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ } } .
وَأَبُو يَعْلَى وَاللَّفْظُ لَهُ بِسَنَدٍ فِيهِ مُخْتَلَفٌ
فِي تَوْثِيقِهِ وَقَدْ أَخْرَجَ لَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ وَحِبَّانَ فِي صَحِيحَيْهِمَا
أَحَادِيثَ عَامَّتُهَا مُسْتَقِيمَةٌ وَأَحْمَدُ وَالطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ
حَسَنٍ نَحْوَهُ بِاخْتِصَارٍ :
{ الشَّيْطَانُ قَدْ يَئِسَ أَنْ تُعْبَدَ الْأَصْنَامُ
فِي أَرْضِ الْعَرَبِ وَلَكِنَّهُ سَيَرْضَى مِنْكُمْ بِدُونِ ذَلِكَ
بِالْمُحَقَّرَاتِ : وَهِيَ
الْمُوبِقَاتُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ : اتَّقُوا الظُّلْمَ مَا اسْتَطَعْتُمْ
فَإِنَّ الْعَبْدَ يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِالْحَسَنَاتِ يَرَى أَنَّهَا
سَتُنْجِيهِ فَمَا زَالَ عَبْدٌ يَقُومُ يَقُولُ يَا رَبِّ ظَلَمَنِي عَبْدُك
مَظْلِمَةً فَيَقُولُ اُمْحُوا مِنْ حَسَنَاتِهِ فَمَا يَزَالُ كَذَلِكَ حَتَّى
مَا يَبْقَى بِهِ حَسَنَةٌ مِنْ الذُّنُوبِ - أَيْ مِنْ أَجْلِهَا - وَإِنَّ
مِثْلَ ذَلِكَ كَسَفْرٍ نَزَلُوا بِفَلَاةٍ مِنْ الْأَرْضِ لَيْسَ مَعَهُمْ حَطَبٌ
فَتَفَرَّقَ الْقَوْمُ لِيَحْتَطِبُوا فَلَمْ يَلْبَثُوا أَنْ احْتَطَبُوا
فَأَعْظَمُوا النَّارَ وَطَبَخُوا مَا أَرَادُوا وَكَذَلِكَ الذُّنُوبُ } .
وَالْبُخَارِيُّ : { مَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ مَظْلِمَةٌ
لِأَخِيهِ مِنْ عَرَضٍ أَوْ مِنْ شَيْءٍ فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهُ الْيَوْمَ مِنْ
قَبْلِ أَنْ لَا يَكُونَ دِينَارٌ وَلَا دِرْهَمٌ إنْ كَانَ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ
أُخِذَ مِنْهُ بِقَدْرِ مَظْلِمَتِهِ لِأَخِيهِ مِنْ عَرْضٍ أَوْ مِنْ شَيْءٍ فَلْيَتَحَلَّلْهُ
مِنْهُ الْيَوْمَ مِنْ قَبْلِ أَنْ لَا يَكُونَ دِينَارٌ وَلَا دِرْهَمٌ إنْ كَانَ
لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ أُخِذَ مِنْهُ بِقَدْرِ مَظْلِمَتِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ
حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ صَاحِبِهِ فَحُمِلَ عَلَيْهِ } .
وَمُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ : { أَتَدْرُونَ مَنْ الْمُفْلِسُ
؟ قَالُوا الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لَا دِرْهَمَ لَهُ وَلَا مَتَاعَ ، فَقَالَ
إنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي مَنْ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلَاةٍ
وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ وَيَأْتِي وَقَدْ شَتَمَ هَذَا وَقَذَفَ هَذَا وَأَكَلَ مَالَ
هَذَا وَسَفَكَ دَمَ هَذَا وَضَرَبَ هَذَا فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ
وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَ مَا
عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ } .
وَالشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا أَنَّهُ { صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِمُعَاذٍ لَمَّا بَعَثَهُ إلَى الْيَمَنِ : اتَّقِ
دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ فَإِنَّهَا لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللَّهِ حِجَابٌ } .
وَأَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَابْنُ
مَاجَهْ وَابْنَا خُزَيْمَةَ وَحِبَّانَ فِي صَحِيحَيْهِمَا : {
ثَلَاثَةٌ لَا تُرَدُّ دَعْوَتُهُمْ : الصَّائِمُ حَتَّى
يُفْطِرَ ، وَالْإِمَامُ الْعَادِلُ ، وَدَعْوَةُ الْمَظْلُومِ يَرْفَعُهَا
اللَّهُ فَوْقَ الْغَمَامِ وَتُفَتَّحُ لَهَا أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَيَقُولُ
الرَّبُّ : وَعِزَّتِي لَأَنْصُرَنَّك وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ } .
وَالْبَزَّارُ : { ثَلَاثَةٌ حَقٌّ عَلَى اللَّهِ أَنْ
لَا يَرُدَّ لَهُمْ دَعْوَةً : الصَّائِمُ حَتَّى يُفْطِرَ ، وَالْمَظْلُومُ حَتَّى
يَنْتَصِرَ ، وَالْمُسَافِرُ حَتَّى يَرْجِعَ } .
وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ : { ثَلَاثُ دَعَوَاتٍ لَا شَكَّ فِي
إجَابَتِهِنَّ : دَعْوَةُ الْمَظْلُومِ وَدَعْوَةُ الْمُسَافِرِ ، وَدَعْوَةُ
الْوَالِدِ عَلَى الْوَلَدِ } .
وَالْحَاكِمُ وَقَالَ رُوَاتُهُ مُتَّفَقٌ عَلَى
الِاحْتِجَاجِ بِهِمْ إلَّا عَاصِمَ بْنَ كُلَيْبٍ فَاحْتَجَّ بِهِ مُسْلِمٌ
وَحْدَهُ : { اتَّقُوا دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ فَإِنَّهَا تَصْعَدُ إلَى السَّمَاءِ
كَأَنَّهَا شَرَارَةٌ } .
وَالطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ : { ثَلَاثٌ
تُسْتَجَابُ دَعْوَتُهُمْ : الْوَلَدُ وَالْمُسَافِرُ وَالْمَظْلُومُ } .
وَأَحْمَدُ بِسَنَدٍ حَسَنٍ : { دَعْوَةُ الْمَظْلُومِ
مُسْتَجَابَةٌ وَإِنْ كَانَ فَاجِرًا فَفُجُورُهُ عَلَى نَفْسِهِ } .
وَالطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ لَهُ شَوَاهِدُ كَثِيرَةٌ :
{ دَعْوَتَانِ لَيْسَ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ اللَّهِ حِجَابٌ : دَعْوَةُ
الْمَظْلُومِ ، وَدَعْوَةُ الْمَرْءِ لِأَخِيهِ بِظَهْرِ الْغَيْبِ } .
وَالطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ لَا بَأْسَ بِهِ فِي
الْمُتَابَعَاتِ : { اتَّقُوا دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ فَإِنَّهَا تُحْمَلُ عَلَى
الْغَمَامِ ، يَقُولُ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - : وَعِزَّتِي وَجَلَالِي
لِأَنْصُرَنَّك وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ
} .
وَأَحْمَدُ بِسَنَدٍ رِجَالُهُ مُحْتَجٌّ بِهِمْ إلَّا
وَاحِدًا ، قَالَ الْمُنْذِرِيُّ : لَمْ أَقِفْ فِيهِ عَلَى جَرْحٍ وَلَا
تَعْدِيلٍ : { دَعْوَةُ الْمَظْلُومِ وَلَوْ كَانَ كَافِرًا لَيْسَ دُونَهَا
حِجَابٌ } .
وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الصَّغِيرِ وَالْأَوْسَطِ : {
يَقُولُ اللَّهُ اشْتَدَّ غَضَبِي عَلَى مَنْ ظَلَمَ مَنْ لَا يَجِدُ لَهُ
نَاصِرًا غَيْرِي } .
وَمُسْلِمٌ
: { الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ وَلَا
يَخْذُلُهُ وَلَا يَحْقِرُهُ التَّقْوَى هَاهُنَا التَّقْوَى هَاهُنَا
وَيُشِيرُ إلَى صَدْرِهِ بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنْ الشَّرِّ
أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ ، كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ
دَمُهُ وَعِرْضُهُ وَمَالُهُ }
.
وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ
عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : { قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا
كَانَتْ صُحُفُ إبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ ؟ قَالَ : كَانَتْ أَمْثَالًا
كُلُّهَا : أَيُّهَا الْمَلِكُ الْمُسَلَّطُ الْمُبْتَلَى الْمَغْرُورُ لَمْ
أَبْعَثك لِتَجْمَعَ الدُّنْيَا بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ وَلَكِنِّي بَعَثْتُك
لِتَرُدَّ عَنِّي دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ فَإِنِّي لَا أَرُدُّهَا وَإِنْ كَانَتْ
مِنْ كَافِرٍ .
وَعَلَى الْعَاقِلِ مَا لَمْ يَكُنْ مَغْلُوبًا عَلَى
عَقْلِهِ أَنْ يَكُونَ لَهُ سَاعَاتٌ : سَاعَةٌ يُنَاجِي فِيهَا رَبَّهُ ،
وَسَاعَةٌ يُحَاسِبُ فِيهَا نَفْسَهُ ، وَسَاعَةٌ يَتَفَكَّرُ فِيهَا فِي صُنْعِ
اللَّهِ ، وَسَاعَةٌ يَخْلُو فِيهَا لِحَاجَتِهِ مِنْ الْمَطْعَمِ وَالْمَشْرَبِ .
وَعَلَى الْعَاقِلِ أَنْ لَا يَكُونَ ظَاعِنًا إلَّا
لِثَلَاثٍ : تَزَوُّدٍ لِمَعَادٍ أَوْ مَرَمَّةٍ لِمَعَاشٍ أَوْ لَذَّةٍ فِي
غَيْرِ مُحَرَّمٍ وَعَلَى الْعَاقِلِ أَنْ يَكُونَ بَصِيرًا بِزَمَانِهِ مُقْبِلًا
عَلَى شَأْنِهِ حَافِظًا لِلِسَانِهِ وَمَنْ حَسَبَ كَلَامَهُ مِنْ عَمَلِهِ قَلَّ
كَلَامُهُ إلَّا فِيمَا يَعْنِيهِ
.
قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ فَمَا كَانَتْ صُحُفُ مُوسَى
عَلَيْهِ السَّلَامُ ؟ قَالَ كَانَتْ عِبَرًا كُلَّهَا : عَجِبْت لِمَنْ أَيْقَنَ
بِالْمَوْتِ كَيْفَ هُوَ ثُمَّ يَفْرَحُ ، عَجِبْت لِمَنْ أَيْقَنَ بِالنَّارِ
ثُمَّ هُوَ يَضْحَكُ عَجِبْت لِمَنْ أَيْقَنَ بِالْقَدَرِ ثُمَّ هُوَ يَنْصَبُ ،
عَجِبْت لِمَنْ يَرَى الدُّنْيَا وَتَقَلُّبَهَا بِأَهْلِهَا ثُمَّ اطْمَأَنَّ
إلَيْهَا ، عَجِبْت لِمَنْ أَيْقَنَ بِالْحِسَابِ غَدًا ثُمَّ لَا يَعْمَلُ قُلْت
يَا رَسُولَ اللَّهِ أَوْصِنِي ، قَالَ : أُوصِيك بِتَقْوَى اللَّهِ فَإِنَّهَا
رَأْسُ الْأَمْرِ كُلِّهِ .
قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ زِدْنِي ، قَالَ عَلَيْك
بِتِلَاوَةِ الْقُرْآنِ وَذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنَّهُ نُورٌ لَك فِي
الْأَرْضِ وَذِكْرٌ لَك فِي السَّمَاءِ
.
قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ زِدْنِي ، قَالَ : إيَّاكَ
وَكَثْرَةَ
الضَّحِكِ فَإِنَّهُ يُمِيتُ الْقَلْبَ وَيَذْهَبُ
بِنُورِ الْوَجْهِ .
قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ زِدْنِي ، قَالَ : عَلَيْك بِالْجِهَادِ
فَإِنَّهُ رَهْبَانِيَّةُ أُمَّتِي
.
قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ زِدْنِي ، قَالَ : أَحِبَّ
الْمَسَاكِينَ وَجَالِسْهُمْ .
قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ زِدْنِي ، قَالَ : اُنْظُرْ
إلَى مَنْ هُوَ تَحْتَك وَلَا تَنْظُرُ إلَى مَنْ هُوَ فَوْقَك فَإِنَّهُ أَجْدَرُ
أَنْ لَا تَزْدَرِيَ نِعْمَةَ اللَّهِ عِنْدَك .
قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ زِدْنِي ، قَالَ : قُلْ
الْحَقَّ وَإِنْ كَانَ مُرًّا .
قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ زِدْنِي ، قَالَ : لَا
يَرُدُّك عَنْ النَّاسِ مَا تَعْلَمُهُ عَنْ نَفْسِك وَلَا تَجِدْ عَلَيْهِمْ
فِيمَا تَأْتِي ، وَكَفَى بِك عَيْبًا أَنْ تَعْرِفَ مِنْ النَّاسِ مَا تَجْهَلَهُ
مِنْ نَفْسِك وَتَجِدَ عَلَيْهِمْ فِيمَا تَأْتِيَ ثُمَّ ضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى
صَدْرِي وَقَالَ : يَا أَبَا ذَرٍّ لَا عَقْلَ كَالتَّدْبِيرِ ، وَلَا وَرَعَ كَالْكَفِّ
، وَلَا حُسْنَ كَحُسْنِ الْخُلُقِ } رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ
وَاللَّفْظُ لَهُ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ .
قَالَ الْحَافِظُ الْمُنْذِرِيُّ عَقِبَ ذِكْرِهِ هَذَا
الْحَدِيثَ : انْفَرَدَ بِهِ إبْرَاهِيمُ بْنُ هِشَامِ بْنِ يَحْيَى الْغَسَّانِيُّ عَنْ
أَبِيهِ وَهُوَ حَدِيثٌ طَوِيلٌ فِي أَوَّلِهِ ذِكْرُ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ذَكَرْت مِنْهُ هَذِهِ الْقِطْعَةَ لِمَا فِيهَا مِنْ
الْحِكَمِ الْعَظِيمَةِ وَالْمَوَاعِظِ الْجَسِيمَةِ ، وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ
أَيْضًا مِنْ طَرِيقِهِ وَالْبَيْهَقِيُّ كِلَاهُمَا عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ
السُّدِّيِّ الْبَصْرِيِّ : حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ جُرَيْجٍ عَنْ
عَطَاءٍ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ أَبِي ذَرٍّ بِنَحْوِهِ ، وَيَحْيَى
بْنُ سَعِيدٍ فِيهِ كَلَامٌ ، وَالْحَدِيثُ مُنْكَرٌ مِنْ هَذَا الطَّرِيقِ
وَحَدِيثُ إبْرَاهِيمَ بْنِ هِشَامٍ هُوَ الْمَشْهُورُ .
انْتَهَى وَأَبُو دَاوُد : { مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَخْذُلُ
امْرَأً مُسْلِمًا فِي مَوْضِعٍ تُنْتَهَكُ فِيهِ حُرْمَتُهُ وَيُنْتَقَصُ فِيهِ مِنْ
عِرْضِهِ إلَّا خَذَلَهُ اللَّهُ فِي مَوْطِنٍ يُحِبُّ فِيهِ نُصْرَتَهُ ، وَمَا
مِنْ امْرِئٍ مُسْلِمٍ يَنْصُرُ امْرَأً مُسْلِمًا
فِي مَوْضِعٍ يُنْتَقَصُ فِيهِ مِنْ عِرْضِهِ وَيُنْتَهَكُ
فِيهِ مِنْ حُرْمَتِهِ إلَّا نَصَرَهُ اللَّهُ فِي مَوْطِنٍ يُحِبُّ فِيهِ
نُصْرَتَهُ } .
وَأَبُو الشَّيْخِ وَابْنُ حِبَّانَ : { أَمَرَ
بِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ تَعَالَى يُضْرَبُ فِي قَبْرِهِ مِائَةَ جَلْدَةٍ
فَلَمْ يَزَلْ يَسْأَلُ اللَّهَ وَيَدْعُو حَتَّى صَارَتْ جَلْدَةً وَاحِدَةً
فَامْتَلَأَ قَبْرُهُ عَلَيْهِ نَارًا فَلَمَّا ارْتَفَعَ عَنْهُ وَأَفَاقَ قَالَ
: عَلَامَ جَلَدْتُمُونِي ؟ قَالُوا إنَّك صَلَّيْت صَلَاةً بِغَيْرِ طَهُورٍ
وَمَرَرْت عَلَى مَظْلُومٍ فَلَمْ تَنْصُرْهُ } .
وَأَبُو الشَّيْخِ أَيْضًا ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ
: { وَعِزَّتِي وَجَلَالِي لَأَنْتَقِمَنَّ مِنْ الظَّالِمِ فِي عَاجِلِهِ
وَآجِلِهِ ، وَلَأَنْتَقِمَنَّ مِمَّنْ رَأَى مَظْلُومًا فَقَدَرَ أَنْ يَنْصُرَهُ
وَلَمْ يَفْعَلْ } .
وَالْبُخَارِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ : { اُنْصُرْ أَخَاك
ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا ، فَقَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنْصُرُهُ إذَا
كَانَ مَظْلُومًا أَفَرَأَيْت إنْ كَانَ ظَالِمًا كَيْفَ أَنْصُرُهُ ؟ قَالَ
تَحْجِزُهُ أَوْ تَمْنَعُهُ عَنْ الظُّلْمِ فَإِنَّ ذَلِكَ نَصْرُهُ } .
وَمُسْلِمٌ
: { وَلْيَنْصُرْ الرَّجُلُ أَخَاهُ ظَالِمًا أَوْ
مَظْلُومًا إنْ كَانَ ظَالِمًا فَلْيَنْهَهُ فَإِنَّهُ لَهُ نُصْرَةٌ فَإِنْ كَانَ
مَظْلُومًا فَلْيَنْصُرْهُ } .
وَأَبُو دَاوُد : { مَنْ حَمَى مُؤْمِنًا مِنْ مُنَافِقٍ
، أَرَاهُ قَالَ بَعَثَ اللَّهُ مَلَكًا يَحْمِي لَحْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
مِنْ نَارِ جَهَنَّمَ } الْحَدِيثَ
.
وَأَحْمَدُ بِإِسْنَادَيْنِ : أَحَدُهُمَا صَحِيحٌ : {
مَنْ بَدَا جَفَا ، وَمَنْ تَبِعَ الصَّيْدَ غَفَلَ ، وَمَنْ أَتَى أَبْوَابَ
السُّلْطَانِ اُفْتُتِنَ ، وَمَا ازْدَادَ عَبْدٌ مِنْ السُّلْطَانِ قُرْبًا إلَّا
ازْدَادَ مِنْ اللَّهِ بُعْدًا
} .
وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَالنَّسَائِيُّ
: { مَنْ بَدَا جَفَا ، وَمَنْ اتَّبَعَ الصَّيْدَ غَفَلَ ، وَمَنْ أَتَى
السُّلْطَانَ اُفْتُتِنَ } .
وَأَحْمَدُ وَاللَّفْظُ لَهُ وَالْبَزَّارُ
وَرُوَاتُهُمَا مُحْتَجٌّ بِهِمْ فِي الصَّحِيحِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ
لِكَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ : أَعَاذَك اللَّهُ مِنْ
إمَارَةِ السُّفَهَاءِ ، قَالَ وَمَا إمَارَةُ السُّفَهَاءِ ؟ قَالَ أُمَرَاءُ
يَكُونُونَ بَعْدِي لَا يَهْتَدُونَ بِهَدْيِي وَلَا يَسْتَنُّونَ بِسُنَّتِي ،
فَمَنْ صَدَّقَهُمْ بِكَذِبِهِمْ وَأَعَانَهُمْ عَلَى ظُلْمِهِمْ فَأُولَئِكَ
لَيْسُوا مِنِّي وَلَسْت مِنْهُمْ وَلَا يَرِدُونَ عَلَى حَوْضِي ، وَمَنْ لَمْ يُصَدِّقْهُمْ
بِكَذِبِهِمْ وَلَمْ يُعِنْهُمْ عَلَى ظُلْمِهِمْ فَأُولَئِكَ مِنِّي وَأَنَا
مِنْهُمْ وَسَيَرِدُونَ عَلَى حَوْضِي
.
يَا كَعْبُ بْنَ عُجْرَةَ : الصِّيَامُ جُنَّةٌ
وَالصَّدَقَةُ تُطْفِئُ الْخَطِيئَةَ وَالصَّلَاةُ قُرْبَانٌ أَوْ قَالَ بُرْهَانٌ .
يَا كَعْبُ بْنَ عُجْرَةَ : النَّاسُ غَادِيَانِ فَمُبْتَاعٌ
نَفْسَهُ فَمُعْتِقُهَا أَوْ بَائِعٌ نَفْسَهُ فَمُوبِقُهَا } .
وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ { سَتَكُونُ أُمَرَاءُ
مَنْ دَخَلَ عَلَيْهِمْ فَأَعَانَهُمْ عَلَى ظُلْمِهِمْ وَصَدَّقَهُمْ
بِكَذِبِهِمْ فَلَيْسَ مِنِّي وَلَسْت مِنْهُ وَلَنْ يَرِدَ عَلَى الْحَوْضِ ،
وَمَنْ لَمْ يَدْخُلْ عَلَيْهِمْ وَلَمْ يُعِنْهُمْ عَلَى ظُلْمِهِمْ وَلَمْ يُصَدِّقْهُمْ
بِكَذِبِهِمْ فَهُوَ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُ وَسَيَرِدُ عَلَى الْحَوْضِ }
الْحَدِيثَ .
وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ كَعْبِ
بْنِ عُجْرَةَ : { أُعِيذُك يَا كَعْبُ بْنَ عُجْرَةَ مِنْ أُمَرَاءَ يَكُونُونَ
مِنْ بَعْدِي فَمَنْ غَشِيَ أَبْوَابَهُمْ فَصَدَّقَهُمْ فِي كَذِبِهِمْ
وَأَعَانَهُمْ عَلَى ظُلْمِهِمْ فَلَيْسَ مِنِّي وَلَسْت مِنْهُ وَلَا يَرِدُ
عَلَيَّ الْحَوْضَ ، وَمَنْ غَشِيَ أَبْوَابَهُمْ أَوْ لَمْ يَغْشَ فَلَمْ
يُصَدِّقْهُمْ فِي كَذِبِهِمْ وَلَمْ يُعِنْهُمْ عَلَى ظُلْمِهِمْ فَهُوَ مِنِّي
وَأَنَا مِنْهُ وَسَيَرِدُ عَلَيَّ الْحَوْضَ } الْحَدِيثَ .
وَاللَّفْظُ لِلتِّرْمِذِيِّ : وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ
أَيْضًا عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ قَالَ : { خَرَجَ إلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ تِسْعَةٌ وَخَمْسَةٌ وَأَرْبَعَةٌ
أَحَدُ الْعَدَدَيْنِ مِنْ الْعَرَبِ وَالْآخَرُ مِنْ الْعَجَمِ فَقَالَ :
اسْمَعُوا هَلْ سَمِعْتُمْ أَنَّهُ سَيَكُونُ بَعْدِي أُمَرَاءُ ؟ فَمَنْ دَخَلَ عَلَيْهِمْ
فَصَدَّقَهُمْ بِكَذِبِهِمْ وَأَعَانَهُمْ عَلَى
ظُلْمِهِمْ فَلَيْسَ مِنِّي وَلَسْت مِنْهُ وَلَيْسَ
بِوَارِدٍ عَلَيَّ الْحَوْضَ وَمَنْ لَمْ يَدْخُلْ عَلَيْهِمْ وَلَمْ يُعِنْهُمْ
عَلَى ظُلْمِهِمْ وَلَمْ يُصَدِّقْهُمْ بِكَذِبِهِمْ فَهُوَ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُ
وَهُوَ وَارِدٌ عَلَيَّ الْحَوْضَ } ، قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ غَرِيبٌ صَحِيحٌ .
وَأَحْمَدُ بِسَنَدٍ رُوَاتُهُ مُحْتَجٌّ بِهِمْ فِي
الصَّحِيحِ إلَّا رَاوِيًا لَمْ يُسَمَّ .
عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُمَا قَالَ : { خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَنَحْنُ فِي الْمَسْجِدِ بَعْدَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ فَرَفَعَ بَصَرَهُ
إلَى السَّمَاءِ ثُمَّ خَفَضَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ حَدَثَ فِي السَّمَاءِ
أَمْرٌ فَقَالَ : أَلَا إنَّهُ سَتَكُونُ بَعْدِي أُمَرَاءُ يَظْلِمُونَ وَيَكْذِبُونَ
فَمَنْ صَدَّقَهُمْ بِكَذِبِهِمْ وَمَالَأَهُمْ عَلَى ظُلْمِهِمْ فَلَيْسَ مِنَى
وَلَا أَنَا مِنْهُ ، وَمَنْ لَمْ يُصَدِّقْهُمْ بِكَذِبِهِمْ وَلَمْ
يُمَالِئْهُمْ عَلَى ظُلْمِهِمْ فَهُوَ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُ } الْحَدِيثَ .
وَالطَّبَرَانِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ
وَاللَّفْظُ لَهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ قَالَ : { كُنَّا قُعُودًا عَلَى بَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فَخَرَجَ عَلَيْنَا فَقَالَ : اسْمَعُوا قُلْنَا قَدْ سَمِعْنَا ، قَالَ
اسْمَعُوا ، قُلْنَا قَدْ سَمِعْنَا ، قَالَ إنَّهُ سَيَكُونُ بَعْدِي أُمَرَاءُ
فَلَا تُصَدِّقُوهُمْ بِكَذِبِهِمْ وَلَا تُعِينُوهُمْ عَلَى ظُلْمِهِمْ ،
فَإِنَّهُ مَنْ صَدَّقَهُمْ بِكَذِبِهِمْ وَأَعَانَهُمْ عَلَى ظُلْمِهِمْ لَمْ يَرِدْ
عَلَى الْحَوْضِ } .
وَأَحْمَدُ : { يَكُونُ أُمَرَاءُ تَغْشَاهُمْ غَوَاشٍ
أَوْ حَوَاشٍ مِنْ النَّاسِ يَكْذِبُونَ وَيَظْلِمُونَ ، فَمَنْ دَخَلَ عَلَيْهِمْ
فَصَدَّقَهُمْ بِكَذِبِهِمْ وَأَعَانَهُمْ عَلَى ظُلْمِهِمْ فَلَيْسَ مِنِّي
وَلَسْت مِنْهُ ، وَمَنْ لَمْ يَدْخُلْ عَلَيْهِمْ وَلَمْ يُصَدِّقْهُمْ
بِكَذِبِهِمْ ، وَلَمْ يُعِنْهُمْ عَلَى ظُلْمِهِمْ فَهُوَ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُ } .
وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي يَعْلَى وَابْنِ حِبَّانَ فِي
صَحِيحِهِ ، { فَمَنْ صَدَّقَهُمْ بِكَذِبِهِمْ وَأَعَانَهُمْ عَلَى ظُلْمِهِمْ
فَأَنَا مِنْهُ بَرِيءٌ وَهُوَ مِنِّي بَرِيءٌ } .
وَابْنُ مَاجَهْ بِسَنَدٍ رُوَاتُهُ ثِقَاتٌ : { إنَّ
نَاسًا مِنْ أُمَّتِي سَيَتَفَقَّهُونَ فِي الدِّينِ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ
يَقُولُونَ نَأْتِي الْأُمَرَاءَ فَنُصِيبُ مِنْ دُنْيَاهُمْ وَنَعْتَزِلُهُمْ
بِدِينِنَا وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ ، كَمَا لَا يُجْتَنَى مِنْ الْقَتَادِ إلَّا الشَّوْكُ
كَذَلِكَ لَا يُجْتَنَى مِنْ قُرْبِهِمْ إلَّا } .
قَالَ ابْنُ الصَّبَّاحِ : كَأَنَّهُ يَعْنِي
الْخَطَايَا .
وَالطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ رُوَاتُهُ ثِقَاتٌ عَنْ
ثَوْبَانَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَا لِأَهْلِهِ ، فَذَكَرَ
عَلِيًّا وَفَاطِمَةَ وَغَيْرَهُمَا ، فَقُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَا مِنْ أَهْلِ
الْبَيْتِ ؟ قَالَ نَعَمْ مَا لَمْ تَقُمْ عَلَى بَابِ سُدَّةٍ - أَيْ سُلْطَانٍ
أَوْ نَحْوِهِ - أَوْ تَأْتِي أَمِيرًا تَسْأَلُهُ } .
وَابْنَا مَاجَهْ وَحِبَّانَ فِي صَحِيحَيْهِمَا : {
أَنَّ عَلْقَمَةَ بْنَ وَقَّاصٍ مَرَّ بِرَجُلٍ لَهُ شَرَفٌ مِنْ أَهْلِ
الْمَدِينَةِ ، فَقَالَ لَهُ إنَّ لَك حُرْمَةً وَحَقًّا ، وَإِنِّي رَأَيْتُك
تَدْخُلُ عَلَى هَؤُلَاءِ الْأُمَرَاءِ فَتَكَلَّمُ عِنْدَهُمْ ، وَإِنِّي سَمِعْت
بِلَالَ بْنَ الْحَارِثِ صَاحِبَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يَقُولُ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إنَّ
أَحَدَكُمْ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ مَا يَظُنُّ أَنْ
تَبْلُغَ مَا بَلَغَتْ فَيَكْتُبُ اللَّهُ لَهُ بِهَا رِضْوَانَهُ إلَى يَوْمِ
يَلْقَاهُ ، وَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ
مَا يَظُنُّ أَنْ تَبْلُغَ مَا بَلَغَتْ فَيَكْتُبُ اللَّهُ لَهُ بِهَا سَخَطَهُ
إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ، اُنْظُرْ وَيْحَك مَاذَا تَقُولُ وَمَا تَكَلَّمُ بِهِ
؟ فَرُبَّ كَلَامٍ قَدْ مَنَعَنِيهِ مَا سَمِعْت مِنْ بِلَالِ بْنِ الْحَارِثِ }
وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ وَالْحَاكِمُ الْمَرْفُوعَ مِنْهُ وَصَحَّحَاهُ وَرَوَاهُ
الْأَصْبَهَانِيُّ إلَّا أَنَّهُ قَالَ : عَنْ بِلَالِ بْنِ الْحَارِثِ أَنَّهُ
قَالَ لِبَنِيهِ : { إذَا حَضَرْتُمْ عِنْدَ ذِي سُلْطَانٍ فَأَحْسِنُوا ين
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق